سليمان بن عمير المحذوري، زنجبار في عهد السيد سعيد
بن سلطان(1804-1856م)، دار الفرقد ، سوريا ، 2014 ، ص 194
أثرها على السكان
كانت زنجبار ملتقى الشعوب، لذا تنوعت وتعددت الأصول العرقية في المجموعات التي
كونت مجتمع شرق إفريقيا في ظل دولة السيد سعيد، فبالإضافة إلى السكان الوطنيين
بمختلف قبائلهم لا سيما "المخاديم" و "التمباتو"، والمجموعات السكانية الإفريقية
الأخرى الوافدة من داخل القارة وبخاصة الرقيق، إلى جانب السواحليين الذين تأثروا
بالدماء العربية –وهم ينتشرون على طول ساحل إفريقيا الشرقي وفي داخل البلاد، حيث
خصهم السيد سعيد وزعمائهم بمعاملة كريمة مبنية على اللين والرفق والاحترام- نجد
أوروبيين، وأجناس من العرب والعجم، ومن النوبة، والحبشة، ومصر، والصين، وما من شك
في أن العناصر الغالبة هي العناصر الإفريقية والآسيوية، أما الأمريكيون والأوروبيون
فكان عددهم قليلا بسبب الظروف المناخية القاسية. وإلى جانب هؤلاء وفدت على زنجبار
عناصر أخرى غير عربية أهمها على الإطلاق الجالية الهندية بمختلف طوائفها التي عملت
بالتجارة وسيطرت على تحصيل الجمارك من موانئ شرق إفريقيا، كذلك كان للفرس خاصة
"الشيرازيين" تواجد ملحوظ حيث اشتهروا بمهارتهم في علم الإدارة، وعملوا كمحاميين في
المحاكم، أما طائفة "البلوش" الذين ينسبون إلى إقليم "بلوشستان" الواقع جنوب بلاد
فارس على المحيط الهندي، فقد شكلوا أغلب جيش الدولة العربية الإفريقية. وقد ذكرت
لنا بعض الدراسات ظهور بعض التقسيمات الطبقية في مجتمع شرق إفريقيا على اعتبار أن
العرب يمثلون قمة الهرم، ثم المولدين نتيجة الاختلاط بين العرب والأفارقة، فالهنود،
ثم الرقيق في القاعدة. ولكن رغم ذلك لم يؤثر عن سلاطين زنجبار بغاية الاحترام
والمساواة في جميع أمور الحكومة وغيرها، ولم يفرق بين الجنس العربي وسائر الأجناس
مما أوجد مجتمعا مستقرا متماسكا. وأما العرب لا سيما من عُمان وجنوب شبه الجزيرة
العربية فقد تدفقوا وبأعداد كبيرة على شرق إفريقيا، ونتيجة للحركة التجارية
والتنمية الزراعية، وبخاصة بعد أن اتخذ السيد سعيد من زنجبار عاصمة للشرق الإفريقي.
ويقسم المؤرخون سكان زنجبار من العرب في ذلك الوقت على النحو التالي:
- عرب الحضارمة: وهم معروفون بحب الهجرة في جميع أنحاء المحيط الهندي، لذا وفدت بعض القبائل العربية اليمنية من حضرموت وبخاصة مدينتي "الشحر" و "المكلا" إلى ساحل إفريقيا الشرقي، وعاشوا في منطقة خاصة بهم في زنجبار، وقد تولى بعضهم القضاء، وعمل بعضهم في سلك الجندية لخدمة الدولة البوسعيدية، فيما اشتغل آخرون بالتجارة والأعمال اليدوية لا سيما حمل البضائع في الموانئ، وهذه المهنة اتسعت نتيجة للنشاط التجاري في زنجبار.
- عرب جزر القمر: وهؤلاء هم التجار الذين كانوا يعملون في التبادل التجاري مع جزر القمر فلما وحد السيد سعيد الساحل الإفريقي تحت رايته فضلوا الاستقرار في زنجبار لمتابعة أعمالهم التجارية. ولا يعرف على وجه الدقة أصل أولئك العرب وإن كان من المحتمل انحدارهم من أصل سامي أتوا من شواطئ البحر الأحمر، واستقروا في شرق إفريقيا، ويذكر المغيري على أن القمريين هم شعب خليط من عرب عُمان وعرب حضرموت، إضافة إلى الشيرازيين والإفريقيين، ويقدر عدد القمريين الذين استقروا في زنجبار بنحو 4000 شخص في عهد السيد سعيد بن سلطان.
- عرب عُمان: وهم العثمانيون الذين وفدوا إلى زنجبار وشواطئ شرق إفريقيا مهاجرين فرادى وجماعات منذ القدم وحتى وصول اليعاربة محررين شرق إفريقيا من أيدي البرتغاليين، ثم ازدادت الهجرات العُمانية بانتقال السيد سعيد إلى زنجبار، وسبق ان ذكرنا أنهم كانوا يشكلون الطبقة الرئيسة الحاكمة في البلاد وكبار التجار، حيث كانت تقع في أيديهم ملكية أكثر الأراضي، ويبدو أن السيد سعيد كان حريصا على أن يكون للعمانيين ذلك المركز الممتاز إذ حرص عند انتقاله إلى زنجبار أن يصطحب معه أتباعه من عُمان وبخاصة التجار. ولكن مما لا ريب فيه ان العمانيين لم يكونوا بعيدين عن أهل البلاد الوطنيين أو متباعدين عنهم، وإنما هناك تقارب وتجانس فيما بينهم أدى إلى الاختلاط والانصهار، وبالتالي بدت روح المحبة والوئام بين السكان الأصليين والمهاجرين العُمانيين.
وبذلك أصبحت زنجبار ملتقى العديد من الأجناس والشعوب فهي إفريقية بموقعها
وطقسها، وشرقية إسلامية بسكانها وحكامها، وأصبح عدد سكانها خاصة العرب يتزايدون
وبشكل ملحوظ بعد انتقال السيد سعيد للإقامة هناك، حيث ارتفع عددهم من 1000 نسمة عام
1819م إلى حوالي 5000 نسمة عام 1840م.
أثرها على العادات والتقاليد
لا ريب أن المهاجرين العرب حملوا معهم عاداتهم وتقاليدهم إلى جهات شرق إفريقيا،
ولكن أولئك العرب بمنأى عن المجتمعات الإفريقية، بل أننا نجد أن التجار العُمانيين
اعتادوا الزواج في أثناء ترحالهم من النساء الإفريقيات، وهن إما نسوة من المدن
الصغيرة التي يمرون بها أو يتزوجون أو يتزوجون من بنات رؤساء القبائل الإفريقية
كجزء من الصفقات التجارية، وكلما زاد استقرار المهاجرين العُمانيين، وتحسنت أحوالهم
المادية والمعيشية كلما تمكنوا من الزواج من نساء من أقربائهم إما من عثمان، أو من
ساحل إفريقيا الشرقي، وبعد أن كبرت الجالية العمانية في أواسط إفريقيا أصبحت أغلب
الزيجات تتم ما بين العرب أنفسهم حفاظا على العادات العُمانية من حيث إعطاء أفضلية
الزواج للأقارب مباشرة كبنت العم مثلا، كما تميز العمانيون المقيمون في المقاطعات
الإفريقية بالمحافظة على الترابط العائلي القوي فيما بينهم. وكان إسهام التجار
العرب واضحا في أوغندا حيث عرفوا سكانها استخدام الأسرة الحديثة لأول مرة، واستخدام
الحصران المحاكة من السعفيات، والصابون المصنوع من شحوم الحيوانات والدهون
النباتية. ويبدو أن تأثير الإسلام على المجتمعات الإفريقية كان كبيرا بما أدخله من
مفاهيم وعادات جديدة أثرت بدورها على المفاهيم الاجتماعية، وعلى المعتقدات والعادات
والتقاليد السائدة لديهم. ولا شك أن أهم أثر للإسلام في المجتمعات الإفريقية هو
تحقيق الوحدة الاجتماعية بعد أن أصبح الجميع يعبدون إلها واحدا، وبالطبع لم يكن
التغير كاملا أو جذريا، وظل الصراع بين القديم والجديد فترة غير قصيرة. وقد ضرب
الرواد العمانيين الأوائل من حملة مشاعل الحضارة العربية الإسلامية مثلا رائعا في
الانسجام والاندماج الإيجابي مع من يتصلون بهم من الجماعات الإفريقية عن طريق
الزواج والمصاهرة معهم بدون تفرقة أو تمييز عنصري، والمشاركة معهم في حياتهم
الاجتماعية، مما جعل الكثير من الأفارقة يشعرون بفخر الانتماء إلى النسب العربي،
هذا فضلا عن قيام مجتمعات أفريقية لا تزال متمسكة بهويتها العربية الإسلامية في
مناطق في قلب القارة الإفريقية. ولعل من أهم الآثار الاجتماعية للإسلام وتعاليمه
ومبادئه في المجتمع الإفريقي ما يتعلق بنظم الزواج والبناء الأسري بشكل عام، إذ حصر
عدد الزوجات في أربع بعد أن كان الرجل منهم يتزوج بأي عدد شاء من النساء، ورفع
مكانة المرأة ووضع لها نظاما عادلا لتوزيع التركة بين أفراد الأسرة جميعا، إذ كان
النظام الإفريقي القديم يخص ابن الزوجة الأولى بالتركة كلها إذا مات أحد أفرادها.
وأدى هذا التجانس التدريجي بين الثقافة العربية الإسلامية والتقاليد الإفريقية في
نهاية المطاف إلى تحقيق هوية إسلامية قوية على طول ساحل إفريقيا.
No comments:
Post a Comment