Tuesday, December 29, 2020

بيت العجائب والتاريخ المشترك

د. سليمان المحذوري

جريدة الرؤية، 29 ديسمبر 2020م

من الأخبار التي تمَّ تداولها مُؤخرًا سقوط أجزاء من بيت العجائب House of Wonders  في زنجبار. يُعد هذا القصر أيقونة معمارية فريدة في ساحل إفريقيا الشرقي، ومفخرة تاريخية عُمانية في تلك البقعة الجغرافية التي ارتبطت بعُمان بصلات حضارية وطيدة امتدت لأكثر من ألفي عام.

ويقع بيت العجائب في المدينة الحجرية  Stone Town مُقابل الميناء، وتمّ بناؤه عام 1883م في عهد السلطان برغش بن سعيد سلطان زنجبار الذي حكم خلال الفترة من (1870-8818م). عُرف عن هذا السلطان اهتمامه بالجوانب الحضارية إبّان حكمه لسلطنة زنجبار. ومن خلال سفراته المتعددة  إلى الهند ومصر ولندن وباريس يبدو أنَّه تأثر بالفنون المعمارية في تلك الأماكن؛ لذلك شرع في بناء هذا القصر الذي سُمي ببيت العجائب ولا غرابة في ذلك البتة؛ فقد كان يتألف من ثلاثة طوابق ازدانت أبوابه ونوافذه بنقوش بديعة بالخط العربي للشيخ سالم بن مُحمد الرواحي وأخيه عبد العزيز. وكان يُنار بالكهرباء، كما احتوى على مصعد كهربائي؛ مما جعله تحفة معمارية فريدة في زمانه ليس في زنجبار فحسب، وإنما في عموم منطقة شرق إفريقيا.

ونظرًا لقيمته الحضارية والتاريخية فقد أدرجته مُنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة)اليونسكو(عام 2000م ضمن قائمة التراث العالمي اعترافًا من هذه المنظمة العالمية بأهمية هذا المعلم للإنسانية. ومن أجل الحفاظ على التاريخ المشترك بين عُمان وزنجبار، وترسيخًا للعلاقات الحضارية المتجذرة بين الجانبين واستثمارها؛ وقعّت حكومة السلطنة مُمثلة بوزارة التراث والسياحة- في أكتوبر 2019- على مناقصة إعادة تأهيل بيت العجائب، وأُسندت المناقصة لشركة إيطالية متخصصة في ترميم المعالم التاريخية. وكان من المقرر أن تستغرق أعمال الصيانة والترميم خمسة عشر شهرًا إلا أنّها توقفت بسبب جائحة كورونا مع مطلع هذا العام وفقًا للبيان الذي أصدرته وزارة التراث والسياحة المشرفة على هذا المشروع. وكما تمّت الإشارة في صدر المقال انتشرت أخبار تهدم أجزاء من بيت العجائب وحتى اللحظة لم تتبين الأسباب الحقيقية وراء ذلك، وربما تكشف التحقيقات هذا الأمر في قادم الوقت. وفي هذا الصدد أكّدت الوزارة على "أنَّ التأمين الشامل يُغطي المناقصة التي أُسندت للشركة المنفذة التي تتحمل مسؤولية ما يجري في الموقع منذ تسليمه لها وفق العقد".

وإزاء ذلك حدث نقاش في وسائل التواصل الاجتماعي، ومن الأسئلة التي طرحت وبقوة ماذا تستفيد عُمان من ترميم بيت العجائب في زنجبار؟ كما أسلفت أنّ بيت العجائب يُعد أحد المعالم التاريخية من التراث المادي التي ترمز إلى التاريخ الحضاري لعُمان في شرق إفريقيا، وهو تراث إنساني مشترك ينبغي الحفاظ عليه وصيانته. كما أنّ هذا المعلم بعد ترميمه سيضم قاعات مُتعددة يمكن توظيفها متحفيًا للحفاظ على التاريخ الحضاري لعُمان خاصةً المرتبط ارتباطاً وثيقاً بعموم منطقة إفريقيا الشرقية على اختلاف دولها في الوقت الحاضر. ومن المعلوم أنّ زنجبار تشهد جذبا سياحيا كبيرا، وبيت العجائب يُعد قبلة رئيسية للسياح على اختلاف جنسياتهم ومن خلالهم يُمكن الترويج للسلطنة سياحيًا.

وتأسيسًا على ما تقدَّم يُعتبر بيت العجائب نموذجًا من بين عشرات النماذج التي تحكي قصة الصلات الحضارية التي نسجتها عُمان مع مختلف الشعوب المطلة على المحيط الهندي خلال حقب زمنية طويلة. وعليه؛ فإنّه من الأهمية بمكان من وجهة نظري اهتمام السلطنة بعلاقاتها التاريخية القديمة وإحيائها؛ بل الأهم من هذا وذاك تقوية هذه العلاقات المتجذرة، والبناء عليها بما يخدم توجهات السلطنة الحالية والمُستقبلية اتساقًا مع "رؤية 2040" ثقافيًا واقتصاديًا. وكخاتمة لهذا المقال أتساءل لماذا لا يكون لدينا في السلطنة مركزًا للدراسات والأبحاث الاستراتيجية يُعنى بمنطقة المحيط الهندي؟ 

Saturday, December 12, 2020

أرض زنجبار.. كما أرادها العمانيون

 7/12 2020 . جريدة الرؤية 

حمود بن علي الطوقي

على مدار اليومين الماضيين تداول ناشطون في شبكات التواصل الاجتماعي هنا في السلطنة وفي دول مجلس التعاون الخليجي، مقاطع مصورة عن زيارة الرحالة الكويتي واسمه محمد الميموني لجزيرة زنجبار؛ حيث استطاع أن ينقل في حسابه عبر سناب شات طبيعة الحياة في جزيزة زنجبار، التي يزورها لأول مرة، ليكتشف وهو يتجول في أزقَّة زنجبار حقيقة لم يكن يعلمها من قبل عن الوجود العماني في شرق إفريقيا.

مقاطع الرحالة الكويتي محمد الميموني انتشرت بسرعة البرق لتعيد فتح الجروح الملتئِمة، خاصة تلك الجروح التي ما زالت زنجبار تمثل لها الكثير لارتباطها الوجداني وامتدادها التاريخي. المقاطع التي نشرها الرحالة الكويتي أعادت إلى الأذهان الحلقات التلفزيونية التي كانت تبث عبر الفضائية العمانية من إعداد وتقديم الإعلامي المخضرم محمد المرجبي، الذي استطاع أن يوثق ويهدي أرشيف تليفريون سلطنة عمان مادة أدبية توثيقية عن طبيعة الوجود العماني في شرق إفريقيا ودول البحيرات العظمى.

المقاطع التي بثها الرحالة الكويتي كانت صادمة بالنسبة له؛ كونه يتعرف لأول مرة على الوجود العماني والتاريخ العماني الموغل في العمق؛ وذلك بلقاءاته مع عدد من الأخوة العرب، أكتشف أنهم عمانيون بلباسهم التقليدي وبمحافظتهم عن هُويتهم وأصولهم العمانية، وما رصدته عدسته أثناء هذا التجوُّل من هنا وهناك في أزقة وأسواق وشوانب (المزارع) في زنجبار، اتضحت له حقيقة هذا الارتباط الأزلي ورغبة عدد من التقى بهم في العودة إلى أرض الوطن.

ما جعلني أعتصر ألما عندما وجه سؤالا لأحدهم عن زيارته لبلاده عمان؛ فكان رده أنني أزور عمان عندما أحصل على فيزا.

حقيقة.. إن الرحالة الكويتي الشاب محمد الميموني، ولا أعرفه، أعاد للأذهان ذلك التاريخ العماني الإمبراطوري الموغل في القدم، عندما اكتشف وهو يصور أول سفير عماني زار الولايات المتحدة الأمريكية في القرن السابع عشر الميلادي وهو السفير أحمد بن النعمان الكعبي، ليؤرخ وينقل للعالم مكانة التاريخ العماني في شرق إفريقيا، والتي تأسست على يد الإمام أحمد بن سعيد -رحمه الله- وامتدت في التَّوسع والامتداد حتى بلغت شرق إفريقيا على يد السلطان سعيد بن سلطان -غفر الله له- ناشرا رايات عُمان في مجاهل البحر ومفاوز البر، ناشرا الإسلام والأمان والطمأنينة، وباعثا مشهد القوة الذي يليق بإمبراطورية تسيّدت البحار، وصارت أهم الحضارات عبر السواحل الطويلة.

هذا المقطع المصوَّر أعاد للأذهان الرحلة التي قام بها الرحالة السعودي محمد بن ناصر العبودي في الخمسينيات من القرن الماضي وزار خلالها جمهورية بوروندي، والتقى في هذه الرحلة بوالدي الشيخ علي بن محمد بن سالم الطوقي رحمه الله؛ حيث كان من أعيان العرب العمانيين الذين يقيمون في هذا البلد، وتجول معه بسيارته؛ حيث تعرف على هذا البلد، وسبب هجرة العمانيين، وتفاجأ بأن الوجود العماني في هذه البقعة من الأرض الإفريقية يعود لنحو خمسة عقود من الزمن، ووثق هذه الرحلة بكتاب ضخم يعد من أجمل الكتب في أدب الرحلات وعنوانه: "في إفريقيا الخضراء".

خلال هذه الفترة، وخلال هذا العصر، تتجول عدسات الرحالة العرب في مختلف بقاع الدول الإفريفية، وتبرز الشخصية العمانية في رحلات المستكشفين والصحفيين، الوجود العماني وعلاقة عُمان بدول شرق إفريفيا.

هذا المدُّ الإمبراطوريُّ لعله يعود من جديد، على يد المقام السامي لصاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- وهو حفيد هذه الإمبراطورية التي تلقي بظلالها، وروح كينونتها، ومهارة تأثيرها، ونبل مقاصدها من جديد كلما جاء ذكر الوجود العماني الذي يصل لأقاصي دول شرق إفريقيا، إلى زنجبار وما خلفها، وإلى دول البُحيرات العظمى (رواندا وبوروندي وزائير وكونجو)، وإلى مقديشو وجزر القمر والصومال، هذه الدول التي كان العمانيون يذهبون مشمولين بالسلام والبحث عن الرزق الحلال، يأخذون عائلاتهم ويستقرون هناك، يفتحون أبواب الرزق لهم ولغيرهم، فطاب لهم المُقام، وصارت لديهم الحياة المستقرة، والتجارة التي تقيهم الحاجة والفاقة والسؤال؛ وقد امتد الوقت، فانقلبت الحال إلى غير ما كانت عليه، وتبدل النَّاس، وهاجر من هاجر، وبقي من بقي، ثم اشتدّ البأس، حتى تقطعت السُّبل، وما عاد حبل الواقع السري يصلهم بالوطن والأهل ورائحة التراب، وبقيت عروبة اللسان والذاكرة هي الخيط الذي يتمسك بالأمل، لعله يشرق يومًا ما.

كتبتُ في مقالات سابقة عن أهمية النظر من جديد للعمانيين في تلك المجاهل، والصلة التي يمكنها أن تُعيدهم هي استرداد جنسيتهم الأصلية، وأهمية الاستفادة منهم كونهم كوادر يمكن الاستفادة منهم بدلا من جلب عمالة رخيصة تكون العمالة ذات الأصول العمانية وقد تكون الأفضل والأنسب، ولنشعرهم بأنهم عمانيون بجذورهم العريقة. 

Thursday, December 3, 2020

تأسيس الامبراطورية العُمانية

الحلقة (3 ) تأسيس الامبراطورية العُمانية

إعداد وتقديم د.سليمان المحذوري

بصحبة الدكتور موسى البراشدي

الإثنين 16 أكتوبر 2020 م

https://www.youtube.com/watch?v=zHHtOtWjlAo

Wednesday, November 18, 2020

قصة الوجود العُماني في إفريقيا الشرقيّة

 قصة الوجود العُماني في إفريقيا الشرقيّة 

د. سليمان بن عُمير المحذوري

محاضرة من تنظيم  اللجنة الشبابية بنادي الرستاق الرياضي

الأربعاء 7 أُكتوبر 2020م

https://www.youtube.com/watch?v=U6URQQYl1Pg&t=2969s 

Wednesday, November 4, 2020

الهجرات العُمانية إلى إفريقيا الشرقية

عُمان وشرق إفريقيا 
الحلقة (2) الهجرات العُمانية إلى إفريقيا الشرقية 
إعداد و تقديم : د.سليمان المحذوري
بصحبة الأستاذ سعيد بن سالم النعماني
السبت 31 أكتوبر 2020م

 

Monday, October 26, 2020

الرحلات البحرية إلى شرق إفريقيا

 

عُمان وشرق إفريقيا

الحلقة (1) الرحلات البحرية إلى شرق إفريقيا

إعداد و تقديم : د.سليمان المحذوري

الثلاثاء 20 اكتوبر 2020م

بصحبة الشيخ حمود بن حمد الغيلاني

https://www.youtube.com/watch?v=Ew2eiJyxzio

 

Saturday, October 24, 2020

عُمان وشرق إفريقيا

 عُمان وشرق إفريقيا

قناتي على اليوتيوب ، أتشرف بزيارتكم ومتابعتكم 

وشكرًا جزيلًا على دعمكم ومساندتكم

https://www.youtube.com/channel/UCQRR0QZOFlesGFWsWQbU5lA

Friday, October 23, 2020

الامبراطورية العمانية وأمريكا

الإمبراطورية العمانية وأمريكا  

د.جمعة البوسعيدي 

 برنامج عمان عبر الزمان- إذاعة الشبيبة 20 يونيو 2020م

https://www.youtube.com/watch?v=oWxuo9MV544 

Tuesday, October 6, 2020

زنجبار: الجوهرة الإفريقية في كنوز التاريخ العماني

زنجبار: الجوهرة الإفريقية في كنوز التاريخ العماني

الباحث الأستاذ ناصر بن عبدالله الريامي
تنظيم مجلة إشراق العُمانية
5/10/2020

 

Sunday, September 20, 2020

تاريخ البريد في زنجبار

 تاريخ البريد في زنجبار

جمال بن محمد الكندي

20 /9/2020

https://www.youtube.com/embed/-EqajkkA8Tw

عبدالله بن حمد السالمي شاهد على أحداث زنجبار الدموية سنة 1964م

عبدالله بن حمد السالمي شاهد على أحداث زنجبار الدموية سنة 1964م

برنامج عمان عبر الزمان 
22 /9/2019

 

Monday, June 8, 2020

الشيخ عبدالله بن سليمان الحارثي رئيس الجمعية العربية بزنجبار

الشيخ / عبدالله بن سليمان الحارثي (رئيس الجمعية العربية بزنجبار

برنامج وقع الحوافر، اعداد د.محمدبن سالم الحارثي 

 قناة مجان الفضائية 2020 م

Saturday, May 16, 2020

الموانئ العمانية وأهميتها في التاريخ العماني

‏حلقة نقاشية عن أهمية الموانئ في التاريخ العماني الدكتور سليمان المحذوري إدارة : نصر البوسعيدي
السبت 16 مايو 2020
النادي الثقافي

Monday, May 4, 2020

جوانب جغرافية وسياسيّة كتبها رحّالة ودبلوماسيون عن مسندم

أثير : الأربعاء 29 ابريل 2020
د. سليمان المحذوري
نظّمت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية ندوة بعنوان “مسندم في ذاكرة التاريخ العُماني” في ولاية خصب بتاريخ 10و11 ديسمبر 2018م. في هذه الندوة المهمّة قُدّمت أوراق علميّة متنوعة لباحثين من داخل السلطنة وخارجها بهدف دراسة الأبعاد الجغرافيّة والتاريخيّة والحضاريّة لمحافظة مسندم خلال حقب زمنية مختلفة.
كان لي شرف المشاركة بورقة تحت عنوان “صورة مسندم في كتابات الرحّالة الغربيين خلال القرنين 19 و20 الميلاديين”؛ في محاولة لتسليط الضوء على أهم الرحّالة الأجانب الذي زاروا محافظة مسندم، وتحليل مضامين كتاباتهم من أجل استخلاص أبرز الإشارات حول الجوانب الطبيعيّة والجغرافية للمنطقة، ومعرفة أبرزالأنشطة الاقتصاديّة، وكذلك الأحوال السياسيّة والثقافيّة والاجتماعيّة في مسندم خلال القرنين 19 و20م.
كما هو معلوم أنّ محافظة مسندم تقع في أقصى شمال عُمان، ومنذ القدم شكّلت أهمية استراتيجة بالغة؛ وذلك بتحكمها في واحد من أهم المضائق البحريّة العالميّة ألا وهو مضيق هرمز الذي اكتسب اسمه من جزيرة هرمز؛ وهي جزيرة صغيرة تقع عند الطرف الشمالي الشرقي لجزير قشم عند مدخل الخليج العربي، وبالتالي أضحت مسندم معبرًا للتجارة الدوليّة ما بين الشرق والغرب، وملتقى لأجناس بشريّة مختلفة، فضلًا على ثرواتها الطبيعيّة والاقتصاديّة. وفي هذا السياق يذكر د.سالم الحتروشي أنّ “محافظة مسندم تحظى بأهمية استراتيجية كبيرة ليس على المستوى المحلي فحسب، وإنما على المستوى الإقليمي والدولي كذلك، فهذه المحافظة تطلّ على مضيق هرمز، ذلك الشريان الحيوي الذي يُعد من أكثر الممرات المائية الدولية أهمية في العالم، وبالتالي تُعد محافظة مسندم البوابة الشرقية لحركة التجارة والملاحة من وإلى الدول المطلة على الخليج العربي”.
ونتيجة لذلك ونظرًا لهذا الموقع الجغرافي الفريد؛ حظيت مسندم بزيارات لرحالة عرب وأجانب ودبلوماسيين خاصة من الأوروبين الذين سجّلوا ملاحظاتهم وتقاريرهم عن كل شيء في المنطقة تقريبًا وبشكل دقيق عن القرى والسكان على وجه الخصوص في محاولة لفهم هذا الجزء المهم من شبه الجزيرة العربية، وتاليًا رسم الخطط وفقًا للتوجهات الاستعمارية في منطقة المحيط الهندي.
في هذا المقال سأركّز على الجوانب الجغرافية والأوضاع السياسيّة لمسندم كما صورتها كتابات الرحّالة والدبلوماسيين خاصّة لآخر قرنين من الزمان. وقبل أن أدخل في صلب الموضوع أود بدايةً أن أُشير إلى أنّ الرحلات الاستكشافية هي أداة مهمة في جمع المعلومات، وذلك من خلال تدوين التفاصيل الدقيقة عن المجتمعات المحلية بناءً على المشاهدة والوصف لحياة السكان، وتركيباتهم القبليّة، وحياتهم الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة.
كما أنّ بعض الرحلات الاستكشافية حظيت بدعم وتمويل كبرى الشركات الغربية مثل شركة الهند الشرقية، إضافة إلى دعم الجمعيات الجغرافية، والبعثات التبشيرية بغرض تحقيق مآرب سياسيّة واقتصاديّة. مع ذلك كانت هنالك رحلات لأغراض سياحيّة وعلميّة. وفي هذا الصدد تذكر سوزان باسنت في تقديم كتاب عُمان في عيون الرحّالة البريطانيين لمؤلفه د.هلال الحجري أنّ “رحالة كل مرحلة كان لهم دافعهم الذي ميزهم عن غيرهم. من ذلك أنّ الذين أتوا في مطلع القرن 19م كان شغلهم الشاغل رسم خريطة الخليج الفارسي، ودراسة المياه وخصائصها في جنوب الجزيرة العربية، تلاهم رحالة كان حافزهم الرغبة في تعلّم المزيد عن سكان الداخل. وهناك منهم من يبدو أنهم دفعتهم الرغبة في اكتشاف المجهول، في حين نرى أنّ الرحالة الذين أتو حديثا كان اهتمامهم منصبًا في التحقق مما كان لعُمان من ثروة نفطية”.
والسؤال الذي يقفز إلى الذهن الآن هل يُمكن اعتبار كتابات الرحّالة مصدرًا تاريخيًا موثوقًا؟ في حقيقة الأمر تُعد مدونات الرحّالة مصدرًا مهمًا لا يُمكن للباحث تجاوزه لا سيما في ظل غياب أو شحّ المصادر المحلية مع ضرورة الانتباه إلى أهمية تمحيص تلك الكتابات؛ “ورغم أنّ بعض الكتابات تضمّنت مبالغات أو مغالطات أو تزييفًا للحقائق أو نظرة استعلائية؛ بيد أنّه من الإنصاف القول أنّ ثمة كتابات أخرى اتّسمت بموضوعية، ودقة في المعلومات مما شكلّ مادة علميّة غنية يمكن الاعتماد عليها في دراسات وأبحاث كثيرة”.
جغرافيًا تقع مسندم ضمن الإقليم المعروف بـاسم “الشميليّة” في أقصى شمال عُمان. وهي تُشكل الشمال الشرقي من الساحل العربي، والنقطة الجنوبية لمدخل الخليج العربي. دوّن الرحاّلة الإنجليزي لوو Low في كتابه “أرض الشمس” أن مسندم أخذت اسمها من الكلمة العربية عُظيمة السندان في الأذن. ويذكر القنصل البريطاني مايلز Miles أنّ المنطقة تُعرف برأس مسندم عند الأوروبيين نسبة إلى رأس جزيرة مسندم، وبرؤوس الجبال عند العرب. وسُميت بهذا الاسم لاحتضانها سلسلة جبال شاهقة ممتدة بشكل رأسي وملتوية شديدة الانحدار والوعورة. يقول لوريمر القنصل البريطاني أنّ رؤوس الجبال هو اسم لمقاطعة جبلية في سلطنة عُمان تُشكل الجزء الشمالي من رأس البرّ العُماني وخليج عُمان (بحر عُمان). ويحدّد – لوريمر- ساحل رؤوس الجبال بأنّه يبدأ من دبا على خليج (بحر) عُمان، وينتهي عند رأس شعم في الخليج العربي بعد التفافه حول رأس مسندم.
ووفقًا لوصف القنصل البريطاني مايلز في كتابه الخليج بلدانه وقبائله يضم رأس مسندم سلسلة من الصخور، والامتدادات الجبلية نحو البحر. وهذه المنطقة تكثر فيها المداخل والتجاويف، اثنان منهما يشكلان ميناءين واسعين يسميان خورشم (خليج ألفنستون)، وخور غبة الغزيرة (خليج مالكوم)، وتكون هذه الظواهر الطبيعية أكثر تعرجًا والتواءً كلما اقتربنا من نهاية الرأس، وأعلى قمتين هما جبل حريم، وجبل كيوي اللذين يرتفعان إلى علو 5.800 قدم. ويصف الضابط البريطاني ولستد تنوع تضاريس مسندم بقوله “في اعتقادي أنّه لا توجد في العالم مناطق كثيرة تعكس عدم انتظام في التضاريس كما في هذه المنطقة”.
من خلال مدونات وكتابات الرحّالة والدبلوماسيين يُمكننا استحضار صورة واضحة عن الأوضاع السياسيّة السائدة في مسندم خلال فترات زمنية متعاقبة. على سبيل المثال يقول مايلز “حدود سلطان مسقط تبدأ من شعم، وتشمل خصب وكمزار ودبا “. ويذكر لوريمر أنّه في عام 1859م قام المقيم السياسي البريطاني بجولة في منطقة رؤوس الجبال على متن فرقاطة بخارية زار خلالها بخاء وخصب وكمزار وغيرها من المناطق، وخرج بانطباع عامّ أنّ الأهالي يميلون إلى حكومة مسقط. وفي الكتاب الذي أعده كوك Cook بعنوان Survey of the Shores and Islands وُصفت كمزار بأنّها “من المناطق المأهولة، وشيخ هذه القرية محسوب على إمام مسقط”.
وفي ذات السياق قال ولستد الضابط الإنجليزي “أن للإمام – أي السيّد سعيد بن سلطان – قلعة في دبا”. وذكر لوريمر أنّ سلطان عُمان يحتفظ بوالي مع 15 عسكريا في خصب. كما أكّد كوك Cook أنّ سكان قرية خصب يتبعون إمام مسقط، وأنّ شيخ بخاء الذي يتبعه ما بين 1200 إلى 1500 شخص يتبع إمام مسقط.
ختامًا قدمت هذه الندوة التي أشرت لها في بداية المقال أبحاثًا علميّة مهمة وثّقت جوانب عديدة تتعلق بمحافظة مسندم، كما خرجت بتوصيات يُمكن استثمارها لفائدة المحافظة.

المصادر والمراجع:
• أمل الخنصوري(2017). عُمان في كتابات الرحّالة الأوروبيون في القرن التاسع عشر الميلادي. مسقط: دار الوراق.
• سالم الحتروشي (2007). مسندم عبر التاريخ، ط2، مسقط: المنتدى الأدبي.
• سالم الرواحي(2017). عُمان في عيون المستشرقين.ط1، المضيبي: روائع نور الاستقامة.
• لوريمر، ج.(1995). ج2(جغرافيا)، المجلد 1-7، لندن: دار غارنت للنشر.
• مايلز، س. ب (2016). الخليج بلدانه وقبائله، ترجمة محمد أمين عبدالله ، ط2، مسقط: وزارة التراث والثقافة.
• هلال الحجري (2013). عُمان في عيون الرحالة البريطانيين. ترجمة د.خالد البلوشي، ط1، بيروت: دار الانتشار العربي.
• ولستد، جيمس ريموند (2002). تاريخ عُمان رحلة في شبه الجزيرة العربية. ط1، بيروت: دار الساقي.
• Cook,A.S.(1990)Survey of the Shores and Islands of the Persian Gulf 1820-1829.Vol.1, Archive Editions.
• Low, Charles Rathbone(1870). The Land Of The Sun : Sketches Of Travel, With Memoranda, Historical And Geographical, Of Places Of Interest In The East.

Sunday, January 19, 2020

الشيخ بشير الحارثي عُمر المختار العُماني

الشيخ بشير الحارثي عُمر المختار العُماني

زاهر بن حارث المحروقي 
مجلة التكوين 20 يناير 2020م
في الخامس عشر من شهر ديسمبر الماضي، مرّت الذكرى المئة والثلاثون لإعدام الشيخ بشير بن سالم البرواني الحارثي، الذي نُفِّذ في 15/12/1889، لتبقى تلك الذكرى، درساً يتجدّد للأجيال عن عظمة الإنسان العماني عبر التاريخ، أينما وُجد، سواءً داخل الوطن الأم عُمان، أم في أيِّ أرض وصلها العمانيون؛ فكان الشيخ بشير بن سالم، أحد النماذج المشرقة لنضال وكفاح الإنسان من أجل الحرية والكرامة، بما سجّله من بطولات ضد الاستغلال الغربي ونهب ثروات الشعوب عامة، والاستعمار الألماني خاصة، لبعض مناطق شرق إفريقيا، التي كانت تحت نفوذ الحكم العماني. ومن حقِّ الأجيال العمانية الشابة – في كلِّ العصور – أن تتعرّف على مثل هذه الشخصيات، لتنير لها الدرب وسط سواد الظلام الحالك المخيِّم على الأمة.
ولنتعرف على جذور ثورة الشيخ بشير بن سالم الحارثي، ينبغي أن نُلِمَّ بالوضع السياسي القائم حينها في زنجبار؛ إذ تولى السيد خليفة بن سعيد بن سلطان السلطة «1888 1890»، بعد وفاة شقيقه السلطان برغش. ويشير البروفيسور بنيان سعود التركي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الكويت في دراسة معنونة ب «ثورة بشير الحارثي في شرق إفريقيا 1888 – 1889»، أنّ ثمن تولية السلطان خليفة الحكم، كان توقيع عدد من الاتفاقيات، منها اتفاقية وقعت في 28 أبريل 1888م تعطي «شركة شرق إفريقيا الألمانية»، حقّ إدارة المنطقة الممتدة من «أومبا» إلى «رفوما» تحت علم سلطان زنجبار وسلطته. وبرر السيد خليفة للعرب الغاضبين في الساحل، أنه بعمله هذا حمى استقلال زنجبار، ولم يكن لديه من خيار غير الإذعان للتهديد الغربي. وقد  ترتّب على ذلك رد فعل قوي من المواطنين والقوى الوطنية الفاعلة في المنطقة؛ فكانت ثورة الشيخ بشير بن سالم الحارثي، التي ناصبت النفوذ الألماني العداء، وهدفت إلى إبعاد القوى الغربية التي أخذت تتكالب للسيطرة على المنطقة ونهب ثرواتها؛ هذا الوجود الذي بدأ يلقي بتبعاته الاقتصادية والدينية على سكان المنطقة، الذين تنامى غضبهم يوماً بعد يوم، ولكن هذا الغضب بلغ ذروته بعد أن تولى زمام شركة شرق إفريقيا الألمانية، المدير العام الجديد الهر إرنست فوهسن، الذي وصل في مايو 1888م خلفاً لكارل بيترز، وكانت المهمة الملقاة على كاهله، هي نقل تبعية المنطقة للإدارة الألمانية، وتطبيق إجراءات وقوانين جديدة، بما يخدم المصالح الألمانية. ترتب على ذلك ردة فعل قوية من سكان المنطقة، سواء العرب أو الأفارقة أو الهنود، تمثلت في الامتعاض والرفض، وتطورت إلى ثورة عارمة ضد الألمان. وقد برز دور الشيخ بشير في هذه الثورة، لما له من مكانة بوصفه أحد رجال الدين المعروفين في سلطنة زنجبار العربية، وعلى طول الساحل الشرقي للقارة الأفريقية. ويرى البروفيسور بنيان سعود أنّ «لقب شيخ هنا له دلالة دينية لا دنيوية؛ أي أنّ بشير الحارثي شيخ دين لا شيخ قبيلة، عُرف عنه تدينه وورعه، وهو الموضوع الذي لم يحظَ بالكثير من الاهتمام من جانب الباحثين الغربيين أو العرب، الذين تناولوا الوجود الألماني في شرق إفريقيا، عدا الشيخ سعيد المغيري، صاحب كتاب «جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار»؛ فلا عجب أن يستدعي الوطنيون السواحليون والعرب، الشيخ الحارثي من سلطنة زنجبار العربية للتصدي للنفوذ الألماني في البر الأفريقي».
يقول البروفيسور بنيّان: «من المرجح أن تفسير موقف الشيخ بشير الحارثي من الأسرة الحاكمة، يكمن في أنّ السيد سعيد بن سلطان وأبناءه من بعده، كانوا يميلون إلى التسامح الديني – بمعناه الواسع – الذي يشمل المسلمين وغير المسلمين، بمن فيهم رجال الإرساليات التنصيرية. ولعل تديّن الشيخ بشير الحارثي وما يراه من نشاط تبشيري واسع بدعمٍ غربيٍ وسكوتٍ عربي، هو سبب موقفه من الحكومة في زنجبار، فقد أجمع كلُّ من زار الساحل الشرقي للقارة الإفريقية من رحالة ومستكشفين ومنصِّرين غربيين على تسامح السيد سعيد وأبنائه من بعده». ويؤكد التركي أنّ الألمان كانوا مثل بقية القوى الأوروبية، يشجعون تنصير الأفارقة، فيقول: «لا بد من التأكيد على أنّ الألمان من جانبهم لم يغفلوا الجانب التنصيري في بسط نفوذهم على شرق إفريقيا، وكذلك في موقفهم من ثورة الشيخ بشير الحارثي. ويكمن الموقف الألماني فيما قاله المستشار بسمارك تدعيماً لوجهة نظره في إرسال حملة عسكرية لشرق إفريقيا بقوله: «إنّ المسألة لا تكمن في دعم شركة شرق إفريقيا الألمانية، ولكن المسألة هي دعم الحضارة والمسيحية والواجب الوطني». وتعد تلك الكلمات دليلا لا لبس فيه على دوافع تنصيرية في الوجود والتوسع الألماني في شرق إفريقيا، كما أنّ رجال الإرساليات التنصيرية في مناطق النفوذ البريطاني والألماني، لم يكتفوا بمحاولة تنصير الوثنيين؛ إنما تعدّوا ذلك إلى حد دعوة العرب والمسلمين للدخول في النصرانية. ليس هذا فحسب؛ بل نجد أنّ الكاثوليك الألمان عملوا جهدهم أولاً على إقناع الحكومة الألمانية، وثانياً ساهموا بجمع الأموال لإرسال حملة للقضاء على ثورة الشيخ بشير الحارثي، كما يمكن إضافة أنّ رجال الإرساليات التنصيرية أخذوا في تشجيع الرقيق على الهروب من ملاكهم، وكان لهذا أثره في حدوث تجاوزات، وهو أمرٌ زاد من العداء بين الطرفين؛ ومع ذلك نجد أنّ الشيخ بشير الحارثي يظهر جانباً إنسانياً، حيث حرم على أتباعه مهاجمة مراكز الإرساليات التنصيرية المسالمة.
وإذا كانت كلُّ الثورات في العالم تقوم بسبب التراكمات الكثيرة، إلا أنّ هناك تلك «القشة التي تقصم ظهر البعير». وفي حالة ثورة الشيخ بشير، فإنّ تلك القشة التي أدت إلى تفجير الموقف، قد تناولها الكاتب والباحث ناصر بن عبد الله الريامي في كتابه «زنجبار» شخصيات وأحداث»؛ فيذكر أنه في محافظة تانجا، حدث انتهاكٌ صارخٌ للعقيدة الإسلامية، وتدنيسٌ سافرٌ للمقدسات الإسلامية في شهر رمضان الفضيل، بأن دخل بعض الألمان أحد المساجد ومعهم كلابهم، رغم علمهم ما لذلك التصرف من مساس خطير بيقينيات الاعتقاد، وتحقير بغيض  لأماكن العبادة الطاهرة، وبالتالي اعتداء سافر على كرامة المسلمين؛ فكان هذا الحدث كافياً لتفجير الموقف، وإعلان التعبئة العامة للجهاد ضد المستعمر الألماني، وقد سبق هذه «القشة»، أن قام الحاكم الألماني إميل فون زليسكي، بتمزيق علم سلطان زنجبار، بعد أن أنزله من مبنى مكتبه الحكومي، ورفع محله العلم الألماني، بعد أن كان قد أصدر توجيهاً إلى المحافظ الشيخ الوقور سليمان بن ناصر اللمكي، بأن يراجعه في مكتبه أربع مرات يومياً لأخذ التعليمات منه، في إهانة واضحة له. كما أنه فرض العديد من الضرائب على رعايا سلطنة زنجبار في تنجانيكا والبلدان المجاورة. ويبقى أنّ عملية تدنيس المسجد هي التي أجّجت مشاعر المسلمين في الشريط الساحلي من مختلف الأعراق والأطياف؛ ولهذا قرر الشيخ بشير بن سالم الحارثي إعلان الجهاد ضد المستعمر الألماني، فتمكن مع مقاتليه، الذين قُدِّر عددُهم بعشرين ألف مقاتل من دحر جيوش الألمان من جميع أراضي البر الإفريقي، باستثناء دار السلام وباجامويو، وقد تعاون اللورد ساليسبوري رئيس وزراء بريطانيا مع المستشار الألماني بسمارك في حصار بحري على طول الساحل، وذلك لمنع وصول الإمدادات من السلاح والذخيرة والرجال إلى جيش الشيخ بشير الحارثي؛ فما كان لجيشِ الأخير أن يصمد أمام قوة ألمانيا وبريطانيا، فلقي هزيمة نكراء وقُبِض على القائد بشير.
دارت معارك عديدة وعمليات كر وفر بين الثوار والألمان، وبدأت أعداد الثوار تتزايد، وأحدثوا خسائر كبيرة بين الألمان؛ وأدى النجاح الذي حققه الشيخ الحارثي إلى تحرك قوة ألمانية في 19 أكتوبر 1889م، تحت قيادة القائد الألماني فون جرافتراوت، استُدعيت على عجل من المناطق الشمالية، وقاد جرافتراوت  هجوماً عنيفاً ضد الثوار، وتمكّن من تشتيت قوات الشيخ الحارثي ومن معه، وقامت الأسلحة الحديثة المتوافرة لدى الألمان بدورها في ترجيح كفة الألمان. وتوضِّح دراسة البروفيسور بنيان سعود التركي، أنّ القائد الألماني جمع معلومات حول حصن الشيخ بشير، وأدرك أنه مصنوع من الحطب؛ فقرر مهاجمته، فهاجموه فجراً بالعدة والعدد والمدافع، فضربوا الحصن، وأحرقوه وقتلوا أعداداً كبيرة من الثوار، وتوالت الانتصارات الألمانية، فاضطر الشيخ الحارثي إلى اللجوء إلى جبال «أوساجارا»، قاصداً ناحية منطقة «فنجاني»، أملا في إعادة تنظيم صفوفه. وتمكن الشيخ بشير بالفعل من الوصول إلى مكان يُعرف بمكواجا، ومن هناك انتقل إلى كومبي، إلا أنّ القدر كان له بالمرصاد؛ إذ قبضت قوة ألمانية على الشيخ بشير بين فنجاني وكومبي، هو ومن معه من المرافقين العرب، ومنهم محمد وأحمد ابنا عزيز بن عبد السلام، وخلفان بن إبراهيم الضوياني، وناصر بن سليم السيابي.
أعدم الشيخ بشير الحارثي في منطقة فنجاني شنقاً، على الملأ، دون أي محاكمة، بعد ثلاثة أيام من القبض عليه. ومن المرجح أنّ القبض عليه كان في 12 ديسمبر، لأنّ إعدامه تم في 15 ديسمبر 1889 في فنجاني حيث دفن، دون محاكمة حتى صورية. وقد راجت بعض الأقاويل، أنّ الألمان قد نجحوا في تجنيد بعض مستشاري الشيخ بشير للتجسس عليه ولتتبع حركاته، وهذا ما ذهب إليه أيضاً الشيخ سعيد المغيري، عندما أشار إلى أنه لا يستبعد أن يكونوا هم السبب في القبض عليه وتسليمه للألمان، ويرى أنه لولا خداع المستشارين وخيانتهم لنجح الشيخ بشير في الفرار بنفسه والانتقال عبر البحر إلى سلطنة زنجبار العربية أو أي منطقة أخرى، على غرار ما فعله الشيخ مبارك بن راشد المزروعي أحد الذين قادوا ثورة ضد الألمان شرق إفريقيا. وبإعدام الشيخ بشير بن سالم الحارثي، تمكّن الألمان من السيطرة على الوضع في منطقة نفوذهم، وتحقّق لهم بعض الهدوء، ولكنّ جذوة المقاومة سرعان ما اشتعلت على أيدي قوى وطنية أخرى، أكملت مسيرة المقاومة ضد الهيمنة والنفوذ الألماني في شرق إفريقيا؛ بل تواصلت الثورات ضد المستعمرين في أنحاء القارة الإفريقية كلها، ولمعت أسماء في سماء النضال والكفاح ضد المستعمر، فكان هناك الشهيد عُمر المختار في ليبيا، وجمال عبد الناصر في مصر، وأحمد بن بيلا، والهواري بومدين في الجزائر، وباتريس لومومبا في الكونغو الديمقراطية، ونيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا، والزعيم الغاني كوامي نكروما، وكثيرون غيرهم في القارة الأفريقية وغيرها من القارات، ممن ناضلوا وكافحوا لصالح أوطانهم ومواطنيهم، ضد المستعمرين. ولكن يبقى أن نقول إنّ هناك الكثير من التهم قد كيلت ضد الوطنيين الذين وقفوا ضد الاستعمار وضد الطغيان، وهي التهم التي يتلقفها حتى أبناء البلاد التي ضحى من أجلهم هؤلاء الوطنيون بحياتهم، بسبب سيطرة قوى الاستعمار على الإعلام، ولأنّ التاريخ يكتبه دائماً المنتصرون، وهكذا رأينا أنّ الصحف الألمانية ظلت تصف ثورة الشيخ بشير بن سالم الحارثي بأنها تمرد، وأنّ إعدامه كان انتصاراً للحضارة الغربية وللإنسانية وللحريّة، تماماً مثلما نشرت جريدة «برقة» ببنغازي في ليبيا، في صفحتها الأولى صبيحة اعتقال الشهيد عمر المختار بتاريخ 18 سبتمبر 1931 مانشيتا بعنوان: «القبض على عُمر المختار زعيم العصاة في برقة».
وفي حياة الشهيدين الشيخ بشير بن سالم الحارثي، وعمر المختار، أوجه تشابه كبيرة؛ ولعل الأخير استلهم النضال والكفاح من الشيخ بشير، الذي سبقه إلى حبل المشنقة وشرف بالشهادة. لذا فإنّي إذا كنتُ قد عنونت المقال بعنوان «الشيخ بشير الحارثي.. عُمر المختار العماني»، – لأن كثيرين شبهوا الشيخ بشير بالمختار -، فإنّ العنوان الآخر هو صادق أيضاً ويؤدي الغرض، وهو «الشهيد عمر المختار.. بشير الحارثي الليبي».
لقد ترك الشيخ بشير بن سالم البرواني الحارثي تاريخاً ناصعاً من الجهاد والمقاومة ضد الطغيان والاستعمار. وإذا كان الله قد قيّض من يهتم بشخصية المناضل الشهيد عمر المختار، ويخلده في فيلم عالمي، فما يؤسف له أنّ هناك الكثير من الأبطال العمانيين وفي مجالات مختلفة، اختفى تاريخهم واختفت آثارهم ولم ينالوا حقهم في التأريخ؛ وإذا وُجد من أُرِّخَ لهم، فغالباً يكون ذلك من الغربيين، الذين يقلبون ويزوِّرون الحقائق، وينظرون إلى الموضوع من زاويتهم الخاصة.