Friday, September 9, 2022

الأسرة العُمانيّة التي حكمت ممباسا

أثير : 1 سبتمبر 2022
د.سليمان المحذوري- باحث في التاريخ العماني 

ضمن ندوة من مسقط إلى ممباسا التي نظّمتها الجمعية العُمانية للكتّاب والأدباء بتاريخ 13 نوفمبر 2019م شاركت بورقة حملت عنوان “الدور السياسي لأسرة المزاريع العُمانية في إفريقيا الشرقية خلال القرنين 18 و19م”؛ ومن أجل تعميم الفائدة ارتأيت أن أفرد مقالًا عن هذه الأسرة بسبب دورها السياسي البارز، وجهودها الحضارية التي لا يمكن إنكارها في إقليم شرق أفريقيا؛ وبخاصة ممباسا التي تتبع جمهورية كينيا.

أصول المزاريع ومناطق سكناهم 

تنتمي قبيلة المزاريع التي استوطنت منطقة إفريقيا الشرقية إلى زيد بن كهلان بن عدي بن عبد شمس بن وائل، ويصل النسب إلى سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. ومفردها مزروعي، وتجمع على مزارعة ومزاريع وكلاهما صواب؛ وفي مقابلة مع الوالد أحمد بن محمد المزروعي يقول بأنهم عُرفوا بالمزارعة في الرستاق. يتوزع أفراد هذه القبيلة في مناطق عُمانية متعددة مثل منح وسمائل وبهلا ونزوى وعبري والسويق وشناص؛ إلا أنّ أكثرهم يستوطنون الرستاق وقراها مثل الغشب والوشيل والمزاحيط ووبل، ولهم في بلدة العلاية منطقة خاصة بهم محمية بسور وأبراج محصنة.

هجرتهم إلى شرق إفريقيا

بعد تحرير الإمام سيف بن سلطان اليعربي ممباسا من أيدي البرتغاليين عام 1698م عيّن حاكمًا على كل منطقة من مناطق شرق إفريقيا. ويُعد الوالي ناصر بن عبدالله المزروعي، والأمير مبارك بن غريب وأولاده أول المهاجرين منهم إلى بلاد السواحل. وفي أواخر دولة اليعاربة جاء محمد بن عثمان وإخوته وأبناء عمومته، ثم توالت الهجرات من البيوتات الأخرى، واستقرت بعض الهجرات المتأخرة منهم في زنجبار والجزيرة الخضراء؛ نظرًا لاستقرار كثير من القبائل العُمانية فيها لتوفر أسباب الرزق. وتجدر الإشارة إلى أنّ أكثر من هاجر من المزاريع إلى إفريقيا جاءوا من الرستاق وقراها، وقليل منهم أتوا من منح وسمائل. ويؤكد الأمين بن علي المزروعي أحد أحفاد المزاريع صاحب مخطوطة “تاريخ ولاية المزارعة في افريقية الشرقية” أنّ أصول آبائه ولاة ممباسا ترجع إلى مدينة الرستاق.

دور المزاريع في تحرير شرق إفريقيا

عقب إجلاء البرتغاليين من ممباسا زمن الإمام سلطان بن سيف اليعربي (الأول) عادوا مرة أخرى واستولوا عليها. وفي عهد نجله الإمام سيف بن سلطان تم تجهيز حملة بحرية تلبية لنداء أهل ممباسا لاستعادتها بقيادة مبارك بن غريب المزروعي، وتمكنت الحملة من استردادها سنة 1698م بعد حصار طويل دام 33 شهرًا، وتعيين محمد بن مبارك واليًا على ممباسا. وفي عام 1711م عُين ناصر بن عبدالله المزروعي واليًا عليها، ومشرفًا على الأجزاء التي تخضع لليعاربة في إفريقيا. وبذلك يُعد ناصر بن عبدالله أول وال من المزاريع يتقلد ولاية ممباسا؛ حيث شكّلت هذه الولاية بداية النفوذ السياسي للمزاريع في منطقة إفريقيا الشرقية.

دور المزاريع السياسي في إفريقيا

في زمن الوالي ناصر بن عبدالله المزروعي وقع تمرد من قبل طائفة من السواحليين الذين قبضوا على الوالي وحبسوه، واستولوا على قلعة ممباسا (حصن يسوع) ، وولوا أميرًا منهم. وبعد أن خرج من السجن مكث قليلًا في ممباسا ثم سافر إلى عُمان. وفي عام 1728 هجم البرتغاليون على ممباسا بقوة بحرية، واستولوا على قلعتها الحصينة. وعلى إثر ذلك سافر وفد من أهالي ممباسا إلى عُمان لطلب المساعدة فأرسل الإمام سيف بن سلطان معهم ثلاث سفن تمكنت من السيطرة على حصن ممباسا.

ومع نهاية دولة اليعاربة وبسبب الحروب الداخلية التي أضعفت قوتهم عن إدارة شؤون البلاد الداخلية، فضلًا عن إدارة الممالك الخارجية لكثرة نفقاتها؛ قرّر الإمام سيف بن سلطان (الثاني) تولية محمد بن عثمان المزروعي على ممباسا مقابل التزامه بدفع قدر معلوم من الخراج كل سنة على أن تكون السيادة لليعاربة. بيد أنّ المزاريع لم يكتفوا بنفوذهم على ممباسا بل توسعوا حتى جزيرة بمبا “الجزيرة الخضراء”، ونصبوا خميس بن علي المزروعي واليًا عليها وبالتالي أضحت تبعيتها سياسيًا لممباسا. ونتيجة لتحالفهم مع أسرة النباهنة حكام جزيرة بته أو باتي Pate  أقاموا فيها حامية، ودخلت في مملكتهم اسمًا وكانت لهم الكلمة المسموعة، والأمر المطاع فيها . كما تمكّن الوالي عبدالله بن أحمد من السيطرة على مدينة برافا، وأصبحت تابعة لممباسا، وتغلب على مركة وبراوة، وكان أهلها يحتمون به ويلجأون إليه في خصوماتهم . يقول الأمين المزروعي “دخلت في ولايتهم أكثر البلاد السواحلية الآهلة بالعرب والسواحيليين بمختلف طوائفهم. وكانوا يعينون الولاة على المناطق الداخلة في نفوذهم من غير عزل لسلاطينها أو رؤساء القبائل فيها”. وتأسيسًا على ما تقدم فإنه من الصعب تقدير مساحة نفوذ المزاريع التي تمتد بين ماليندي Malindi  شمالًا وبنغاني Pangani  جنوبًا؛ ولكن يُمكن تقديرها بأنها حوالي 12 ميلًا مربعًا كما يذكر كوبلاند.

استقلال المزاريع بحكم ممباسا

استنفدت دولة اليعاربة جهدها في الصراع مع البرتغاليين، كما عانت من الصراعات الداخلية نتيجة للمنافسات الأسرية، والحروب الأهلية في نهاية عهدها كما تقدم. وفي ظل هذه الظروف أدرك حكام الأقاليم الإفريقية من العرب أنّ السلطة المركزية في عُمان غير قادرة على التدخل في شؤون إفريقيا الشرقية؛ لذا رفضوا الاعتراف بسلطة الحاكم العُماني، ومن هؤلاء المزاريع حكّام ممباسا. ومن هنا بدأت بوادر استقلال المزاريع بحكم ممباسا  زمن الوالي محمد بن عثمان الذي أعلن نفسه حاكمًا مستقلًا لممباسا.

وبعيد انتقال الحكم في عُمان إلى دولة البوسعيد في عام 1744م رفض أن يعترف بالإمام أحمد بن سعيد ويقرّ بالتبعية له، ورفض المزاريع أية ادعاءات من حكام عُمان في حكم ممباسا، وكانوا يمارسون الحكم على أساس أنهم دولة مستقلة، واحتفظوا بحق تعيين الولاة، إلا أنّ الإمام أحمد بن سعيد أدرك أن سياسة محمد بن عثمان الاستقلالية بممباسا ستلقي بظلالها على الروابط الاقتصادية، والصلات الوثيقة بين عُمان وشرق إفريقيا، لذلك أصرّ على فرض سيطرته على جميع المقاطعات الإفريقية التابعة لعُمان. فأرسل مجموعة من اتباعه إلى شرق فريقيا لإخضاع المزاريع لسلطانه، واستعادة هذه البلاد منهم؛ حيث تمكنت هذه المجموعة من تنفيذ المهمة، والتخلص من الوالي المزروعي، وسجن أخيه علي بن عثمان بيد أنّه استطاع الفرار من السجن بمساعدة أنصاره من أهالي ممباسا، وتم الاتفاق بينهم على مبايعته حاكمًا عليهم مقابل أن يتنازل عن عشور الجزيرة الخضراء مدة حكم المزاريع، إضافة إلى أمور أخرى دونوها في الاتفاقية المبرمة بينهم. 

علاقة المزاريع مع بريطانيا

ارتبط المزاريع بعلاقات جيدة مع الحكومة البريطانية منذ أن ساعد المستر كوك Cook  – تاجر إنجليزي -علي بن عثمان في السيطرة على قلعة ممباسا. وفي أكتوبر عام 1809م أبلغ والي بمبا قبطان السفينة البريطانية وليم فيشر  William Fisher رغبته في وضع بلاده تحت الحماية البريطانية، ونقل فيشر هذه الرغبة إلى الحكومة البريطانية. وبعد سقوط جزيرة بيمبا عام 1823م في يد السيد سعيد لجأ عبدالله بن أحمد المزروعي والي ممباسا إلى طلب الحماية البريطانية مجددًا في محاولة للبحث عن قوة تؤيده من أجل مواجهة السيّد سعيد بن سلطان، وكتب إلى حكومة الهند البريطانية “إن الإمام يحاول الاستيلاء على بلادي ولن أعطيها له، ولكنني على استعداد لكي أقدمها لكم”. وفي هذا الصدد يذكر جمال زكريا قاسم أن لجوء المزاريع إلى الإنجليز كان قرارًا خاطئًا سياسيًا بسبب علاقة السيّد سعيد الودية مع الإنجليز فكان من الطبيعي أن تتخلى الحكومة البريطانية عن تقديم الدعم والمساعدة لهم. كما قرّر الوالي سليمان بن علي الذي تقلد ولاية ممباسا الاستعانة ببريطانيا كذلك، وأرسل وفدًا إلى جزيرة موريشيوس التي كانت تحت سيطرة بريطانيا آنذاك لإدخال ممباسا تحت حماية الإنجليز إلا أنّ الرد كان الرفض.

وفي عام 1824 رست بارجة بريطانية في ميناء ممباسا على متنها القبطان فيدال Vidal  فذهب وفد برئاسة مبارك بن أحمد المزروعي لمقابلته، وإبلاغه بعزمهم إدخال ممباسا تحت حماية بريطانيا، وطلب منه رفع العلم البريطاني على القلعة ، ووعدهم بإرسال طلبهم إلى حكومة الهند البريطانية . لكن المزاريع رفعوا العلم البريطاني على قلعتهم، وفي العام نفسه وصل القبطان أوين Owen إلى ممباسا، وعُرض عليه إدخال ممباسا وسائر البلدان التابعة للمزاريع تحت حماية بريطانيا؛ فقبل القبطان أوين، وأبرمت معاهدة تتألف من ستة بنود على النحو الآتي :

  1. أن تعيد بريطانيا إلى والي ممباسا جميع البلاد التي كان يدير شؤونها.
  2. أن يحكم ممباسا زعيم المزاريع وتكون وراثية في نسله.
  3. أن يعين وكيل سياسي من قبل الحكومة الحامية لدى الوالي.
  4. أن يقسم العشور مناصفة بين المتعاهدين .
  5. أن يؤذن لرعايا بريطانيا بالاتجار في الممالك الداخلية.
  6. أن تبطل تجارة الرقيق في ممباسا .

دامت الحماية البريطانية على ممباسا مدة سنتين ونصف وانتهت في عام 1826م. وفي عهد سلطان زنجبار السيد خليفة بن سعيد (1888-1890) كانت هنالك مكاتبة بين الشيخ مبارك بن راشد المزروعي مع شركة مكينزي البريطانية بخصوص تسليم نفسه وممتلكاته ورعاياه تحت حماية وسلطة الشركة مع السماح له باستعمال العلم البريطاني، وتخصيص 2000 روبية راتبًا له. أمّا في عهد السلطان حمد بن ثويني (1893-1896) فقد توترت العلاقة بين المزاريع والإنجليز حيث قام الشيخ مبارك بن راشد بثورات ضد ولاة حكومة زنجبار ومن ضمنهم الإنجليز.

علاقة المزاريع مع السيّد سعيد بن سلطان

تميز عهد السيد سلطان بن أحمد (1793-1804) بالهدوء في علاقته مع منطقة أفريقيا الشرقية وصرف جهوده لتدعيم نفوذه في عُمان. وخلال السنوات الأولى من حكم السيّد سعيد عمل كذلك على تقوية مركزه في عُمان محليًا وإقليميًا، ثم التفت إلى الممتلكات العُمانية في شرق إفريقيا. وبعد أن فرض سيطرته الفعلية على كل من زنجبار وكلوة وبمبا ومافيا بقيت لامو وبتة وممباسا خارج نفوذه. وفي سبيل تدعيم سيطرته على هذه المناطق اتبع السيّد سعيد أساليب متعددة من بينها الحصار الاقتصادي؛ فقد أصدر مرسومًا حرم فيه على رعاياه التجارة مع ممباسا، كما استخدم القوة العسكرية لتخليص المقاطعات الإفريقية من سيطرة المزاريع. ولكن بسبب تعنت المزاريع وتحديهم للسيد سعيد بدأت بوادر الحروب بين الجانبين في ولاية عبدالله بن أحمد. وكما أسلفنا كان للمزاريع أطماع توسعية؛ ففي عام 1819م سيطروا على جزيرة بمبا، وإزاء هذه التطورات بعث الأهالي بوفد إلى السيّد سعيد للتدخل وتمكن من طرد المزاريع من الجزيرة والسيطرة عليها.

وفي سنة 1824 استطاع السيّد محمد بن أحمد البوسعيدي الملقب بـ “هبوب الغبشة” انتزاع صك من الوالي أحمد بن محمد المزروعي يتضمن اعترافًا منه أن ملك السواحل لأولاد الإمام أحمد بن سعيد، وأن المزاريع ليسوا أكثر من ولاة يخضعون لسلطان البوسعيد. وبعد إعلان نهاية الحماية البريطانية على ممباسا وجد السيّد سعيد الطريق ممهدًا لاسترداد ممباسا فقاد بنفسه جيشًا خرج من مسقط قاصدًا ممباسا وتم عقد صلح مع الوالي سالم بن أحمد عام 1828م نص على الآتي:

  1. تسليم القلعة للسيّد سعيد ويترك فيها حامية مؤلفة من 50 جنديًا بشرط أن يكونوا من قبيلة بينها وبين المزاريع موافقة.
  2. يقيم الوالي وعائلته في القلعة كما كان سابقًا.
  3. يكون الملك للسيد سعيد غير أن الحكومة تكون لسالم في حياته ولعقبه بعد وفاته.
  4. تقسّم العشور بين المتعاهدين على السواء وللوالي سالم أن يختار من يريده في إدارة الجمارك.

وفي عام 1836 نشب صراع بين أفراد عائلة المزاريع أدى إلى استعانة مجموعة من أهالي ممباسا بالسيد سعيد، ونتيجة لذلك فرض السيد سعيد على الوالي راشد بن سالم الذي كان في وضع لا يحسد عليه الاعتراف بسلطة السيّد سعيد، ومغادره الحصن هو واتباعه؛ مقابل أن يتركه واليًا على ممباسا ، ثم قرّر السيّد سعيد وضع حامية في ممباسا مكونة من 500 جندي . إلا أنه عزم على التخلص نهائيًا من نفوذ المزاريع؛ فاستدعى الوالي راشد إلى زنجبار، وعرض عليه ثلاثة أمور وذلك في عام 1837م:

  1. هدية بقيمة 10000 قرش مع معاش يتقاضاه طيلة حياته بواقع 300 قرش شهريًا بشرط أن يقيم مع رجاله في زنجبار.
  2. أن يتولى الولاية على مافيا Mafia.
  3. تعيينه واليًا على الجزيرة الخضراء( بمبا).

لكن الوالي رفض هذه العروض، ثم قرّر السيّد سعيد إزالة المزاريع نهائيًا من مسرح الأحداث فأوفد ابنه خالد –الذي كان يحكم زنجبار نيابة عن والده- إلى ممباسا، وألقى القبض على راشد بن سالم، ومجموعة من شيوخ وأعيان ممباسا ومنهم 25 من شيوخ المزاريع ونفاهم السيّد سعيد إلى بندر عباس التابعة لعُمان آنذاك، فيما فرّ مجموعة منهم إلى البرّ، وهكذا أسدل الستار على مملكة المزاريع بعد أن تولوا ولاية ممباسا حوالي قرن ونيف من الزمان.

دور المزاريع السياسي خلال النصف الثاني من القرن 19م

بعد قضاء السيد على نفوذ المزاريع في ممباسا تمكنوا من تأسيس إمارتين الأولى في “غاسي” Gasi  جنوب ممباسا، والأخرى في منطقة  “تكؤنغ” أو تاكاونغو Takaungu شمال ممباسا . وذلك بسبب وجود شخصيات قيادية مثل الشيخ مبارك بن راشد بن سالم المزروعي، وفي الوقت ذاته كان الشيخ مبارك يخضع لسيادة السلطنة العربية في زنجبار، وكان يحصل على منحة شهرية قدرها ألف روبية من سلاطين زنجبار. كما ارتبط الشيخ سالم بن خميس الزعيم المزروعي الآخر في منطقة تكؤنج بعلاقات ودية مع سلاطين زنجبار رغم أنه لم يكن يحصل على منحة مالية منهم.

وكان الشيخ مبارك المزروعي ميالًا للثورة ضد السلطة  في زنجبار، ولديه رغبة جامحة في إعادة الوحدة بين فرعي المزاريع في تكؤنغ وغاسي. وحاول عام 1850 السيطرة على تكؤنغ لولا تدخل السيّد سعيد. كما قاد ثورة ضد ولاة البوسعيد في ممباسا عام 1864م، وقاد معارك أخرى زمن سلاطين زنجبار السيد برغش بن سعيد(1870-1888)؛ فيما عقد السيّد خليفة بن سعيد (1888-1890) مصالحة مع الشيخ مبارك. كما عُقد اتفاق بين الشيخ مبارك وشركة إفريقيا البريطانية من أجل حماية الشركة على أملاكه مقابل السماح له برفع علم الشركة، ومنحه راتبًا شهريًا؛ بيد أنه تنصل من هذا الاتفاق عام 1892م، وعاد إلى إثارة المتاعب للسلطة في زنجبار، كما تحدى النفوذ البريطاني في ممباسا. وبعد صراع متكرر بين القوات البريطانية والشيخ مبارك بن راشد، وملاحقته في عدة أماكن فرّ إلى مناطق نفوذ ألمانيا في شرق إفريقيا، وبسبب كبر سن الشيخ مبارك وافتقاره للأسلحة والمعدات الحديثة آثر الاستسلام لحاكم شركة شرق إفريقيا الألمانية عام 1896م، وبقي في دار السلام حتى وفاته عام 1912.

المصادر والمراجع:

  • مقابلة مع الوالد أحمد بن محمد المزروعي، العلاية ، الرستاق، 29 مارس 2019م.
  • ابن رزيق، الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين(1994). ط4، مسقط: وزارة التراث والثقافة.
  • تركي، بنيان سعود (2002)، “الشيخ مبارك بن راشد المزروعي في شرق افريقية”، مجلة الدراسات الافريقية، جامعة القاهرة، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، العدد 24.
  • جيان، المسيو(1927). وثائق تاريخية وجغرافية وتجارية عن افريقية الشرقية، ترجمة يوسف كمال، ط1، القاهرة.
  • الغيثي،عبدالله بن سليمان(2010).”ولاية ممباسة في عهد دولة اليعاربة العُمانية(1696-1749)”.رسالة ماجستير،كلية الآداب والعلوم الاجتماعية،جامعة السلطان قابوس.
  • الفارسي، عبدالله بن صالح (2015). البوسعيديون حكام زنجبار. ترجمة محمد أمين عبدالله، ط5،مسقط: وزارة التراث والثقافة.
  • قاسم، جمال زكريا(2000). دولة البوسعيد في عُمان وشرق إفريقيا، العين: مركز زايد للتراث والتاريخ.
  • لوريمر، جي.جي، (2015). تاريخ عُمان في دليل الخليج العربي ووسط الجزيرة العربية،بيروت:الدار العربية للموسوعات.
  • المزروعي ، الأمين بن علي، دراسات في تاريخ عُمان الحديث (مخطوط تاريخ ولاية المزارعة في إفريقية الشرقية) ، دراسة وتحقيق د.ابراهيم الزين صغيرون، London: Red Sea Publication: 1995.
  • المعمري، أحمد بن حمود(1992). عُمان وشرقي إفريقية، ترجمة محمد أمين عبدالله،ط2، مسقط: وزارة التراث القومي والثقافة.
  • المغيري، سعيد بن علي (2017). جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار، تحقيق محمد بن علي الصليبي، ط5، مسقط: وزارة التراث والثقافة.
  • الهناوي، مبارك بن علي (2015). العُمانيون وقلعة ممباسا، ط1، مسقط: بيت الغشام للنشر والترجمة.
  • Coupland,R.(1965). East Afica and its Invaders, London: Oxford University Press.




 

Wednesday, June 22, 2022

زنجبار .. الفردوس المليء بالأسرار والحكايات السَّاحرة

 جريدة عمان 18 يونيو 2022 

محمد بن سليمان الحضرمي

لم تكن مجرد لوحة تشكيلية لقصر «بيت العَجائب»، تلك التي تلقاها جلالة السلطان هيثم بن طارق أدامه الله وأبقاه، هديَّة من رئيسة جمهورية تنزانيا المتحدة مساء الأحد الماضي، بل وكأنها أهدته القصر ذاته والتاريخ ذاته والحضارة العُمانية ذاتها، في مكانها الأفريقي الباذخ أبَّهة وجمالاً.


ولم تكن مجرد لوحة رسمها فنان أفريقي مشغوف بالحضارة العُمانية، في أوج ازدهارها المزهر، شرق وجهها المشرق، بل كانت عودة فنية إلى الأزمنة التي كانت فيها عُمان إمبراطورية عظيمة، واعتراف ضِمْنِي بحضارة عمانية، أشرقت على الشرق الآسيوي والافريقي، كالشمس تلقي بأشعتها على هذا العالم، المليء بالأسرار والحِكايات السَّاحِرة.


أظهرت اللوحة التفاصيل البارزة للقصر، بشرفاته العالية، وإطلالته المنيفة على البحر، كمَلاك يطل من شُرفات السَّماء، ونرى فيها صورة لقارب شراعي، وكأنه يلقي التحية على القصر الجميل، وفي اللوحة تتلوَّن الأشجار التي تحفُّ بالقصر، مصوِّرة لحالها في مختلف فصول السنة، فيما أغصانها تتأوَّد بالنسيم مع تماوج البحر، في هذه البقعة السَّاحلية، التي شهدت أحداثاً كثيرة لمجد عاشه العُمانيُّون، منذ بناء هذه التُّحفة المعمارية عام 1883م، في عهد السيد برغش بن سعيد (ت: 1888م)، ثاني سلاطين زنجبار.


لقد حركت هذه اللوحة الفنية الكثير من الشُّجون في داخلي، وما زلت أُسُّر في نفسي، أن زيارة هذا الفردوس الجميل، فرصة للتعرُّف على تلك الضفة الإفريقية، وكلما رأيت فيلماً تسجيلياً عنه، أو قرأت كتاباً يتناول لمحات من التاريخ العماني فيه، أجدني مشدُوهاً ومجذوباً إلى هذا المكان الأخضر، متذكراً أنَّ زنجبار كانت جنة العُمانيين، ولذلك أغلب من هاجروا إليها، عاشوا فيها عقوداً من السنين، بعد أن طابت لهم الحياة، وماذا يريد الإنسان غير أن يعيش حياة هانئة.


قبل أيام كنت أتبادل الحديث، مع الكاتب زاهر بن حارث المحروقي حول زنجبار، التي بناها العمانيون، وعمروها بالقصور والبيوت والمساجد، وفلحوا أراضيها، وأسهموا في تنشيط الحركة التجارية فيها، وهناك شخصيات عاشت أحداث الانقلاب، بتفاصيله الدقيقة الذي حدث في عام 1964م، وأصبحوا اليوم من كبار السن، وكثير منهم صاروا في ذمَّة الله، ومثل هؤلاء مصادر مهمة لكتابة سير غيريَّة، وبرحيلهم يضيع تاريخ إنساني مهم، وألفت النظر إلى أهمية تدوين المذكرات لتلكم الشخصيات، أو تدوين سيرهم من خلال الجلوس معهم، وتوثيق عصارة أفكارهم، أنموذجاً لذلك تلك المذكرات التي اعتنى بجمعها وتحريرها الباحث محمد بن عامر العيسري، عن سيف بن محمد الطوقي، وصدرت بعنوان: «سطور من صحائف العمر»، فهم ثروة من الذكريات المحفوظة في الوجدان.


ولا نغفل ذكر بعض من باحثينا وكتَّابنا، الذين ذهبوا إلى زيارة هذا الفردوس الجميل، منهم الأديب الشاعر محمد الحارثي (ت: 2018م)، كانت رحلته إلى زنجبار عام 1996م مصدر إلهام كتابي، وصفها في كتابه: «عين وجناح»، الكتاب الذي حصل على «جائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي» عام 2003م، بل إن زنجبار تسللت برشاقة إلى نصوصه الشعرية، كما في نص: «المقهى الطافي أمام بيت العجائب»، نشره في مجموعته: «أبعد من زنجبار»، ونص «رحلات صناديق الشاي والقرنفل بين سيلان وزنجبار»، المنشورة في مجموعته الأخيرة: «الناقة العمياء»، وأحسب أن تحقيقه للآثار الشعرية لأبي مسلم البهلاني، جاء بدافع خاص وسبب خفي من إقامة الشاعر في زنجبار.


وفي ديسمبر 2012م، التقيت بالناشر رياض الريِّس، فحدثني عن رحلته إلى زنجبار، التي كانت لأيام معدودة في شتاء 1997م، ودوَّن تفاصيلها المُدهشة في كتابه: «صَحافي ومدينتان: رحلة إلى سمرقند وزنجبار»، ولكن في زنجبار الكثير مما لم يُكتب عنه، فيها حياة الإنسان العُماني الذي عاش بين رياضِها ردحاً من الزمن، فالسلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي (ت: 1273هـ/ 1856م) أدخل في أرضها زراعة القرنفل، لتصبح مصدر خير وفير للمجتمع الفقير، والسلطان برغش بن سعيد (ت: 1305هـ/ 1888م) أدخل المطبعة الحديثة عام 1880م، ابتاعها من الآباء اليَسُوعيين في بيروت.


ومع دخول عام 1911م، صدرت الأعداد الأولى من صحيفة «النجاح»، بتحرير الشاعر أبو مسلم البهلاني (ت: 1920م)، هل نقول: إن عمان عرفت الصَّحافة في مهجرها الأفريقي مطلع القرن العشرين؟!، حتماً وبالتأكيد، وكنت في عام 2001م قد أعددت بحثاً بعنوان: «تجربة الصَّحافة العُمانية في زنجبار خلال النصف الأول من القرن العشرين»، ومن خلال لقاءاتي ببعض الباحثين العُمانيين، الذين ساندوني بتوفير المصادر والمراجع، كالدكتور محسن الكندي، وحينها كان يضع اللمسات الأخيرة لكتابه: «الصَّحافة العُمانية المُهاجرة»، ثم ترددي على ما عرف آنذاك الوقت بـ«غرفة عُمان» بمكتبة جامعة السلطان قابوس، وتصفحي فيها لأعداد «جريدة الفلق»، تعرَّفت على صحافة كانت تواكب الأحداث في عمان وزنجبار، وتنشر نصوصاً شعرية ومقالات لكتَّاب عمانيين.


وقد أحسنت الباحثة د. هدى الزدجالية صُنعاً، في الكتابة عن الأثر الثقافي والفكري للعمانيين في شرق أفريقيا، جامعة في كتابها ما يتعلق بذلك الأثر، خلال قرن من الزمان: (1870 – 1970م)، مستفيدة من مئات المصادر والمراجع التي احتشدت في دراستها.


وكذلك للكاتب سعود بن علي الحارثي، كتاب يسرد فيه تفاصيل رحلة، قام بها إلى بلدان السَّواحل، ويسلط ضوء الكتابة على بعض ما أوجده العمانيون قديماً وحديثاً فيها، ووثق في الكتاب مشاهداته في تلك الرحلة، بأسلوب سلس، حمل الكتاب عنوان: «من زنجبار إلى دار السَّلام»، وإلى جانب المادة المكتوبة، اختتم الكتاب بملحق للوثائق والصور الضوئية، والمكاتبات والرسائل الخطية، وهي برأيي أجمل ما يتفرَّد به الكتاب.


لكن الدراسة التي تناولت دور العُمانيين، وتحدثت عن أهم الشخصيات المؤثرة في الوجدان المجتمعي في زنجبار، هي برأيي التي أنجزها الباحث ناصر بن عبدالله الريامي، وصدرت بعنوان: «زنجبار شخصيات وأحداث 1827 – 1972م»، لأنه كتب عن معرفة ومعايشة وخبرة بالمجتمع في زنجبار وشغف معرفي، وفي هذا الكتاب قدَّم الريامي توثيقاً لـ30 شخصية مهمة ومؤثرة، في فصل عنوانه: (شخصيات عمانية خالدة)، وبالتأكيد هناك شخصيات أخرى ذكرت في ثناء فصول الكتاب، وأخرى تستحق أن يُخَلَّد دورها، وما يزال شرق أفريقيا مليئاً بالتراث الثقافي، والحكايات الإنسانية التي لم تُكتب بَعْد.


وفي زنجبار كما علمت من بعض الأصدقاء تراث فكري من المخطوطات والكتب التي ألَّفتها عقول عمانية، ونسختها أقلام عمانية، ولكن أين هي اليوم؟ أين ذهبت نفائس المخطوطات العمانية في زنجبار؟ لا أجد إجابة واضحة، ولعل ما سلم من الحرق والنهب محفوظ في المتاحف، ولعل بعضه تلقفته أيادي الباحثين، ولو على شكل مصوَّرات، ويقال: إن بعضه ينطبق عليه الآية الكريمة: (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) سورة يوسف، آية: 20.


زنجبار، الفردوس المَليء بالأسرار، كيف تخلَّى عنها الكتَّاب، ولم ييمموا شطرها؟، ولم تكن مزارهم الذي يستلهمون منه أفكارَهم، كيف لم نزر هذه البقعة الأفريقية الجميلة!، كيف لم نلتفت بجدية إلى التراث الفكري العُماني فيها، ولماذا ننتبه متأخرين، بعد غياب المخطوطات وضياع التراث، متناسين أن زنجبار أرض السَّلاطين، وأرض كبار الفقهاء؛ ناصر بن جاعد الخروصي، وأبي مسلم البهلاني؛ أرض النونية الحَماسية: (تلكَ البَوارِقُ حَادِيهنَّ مِرْنانُ)، وميمية الأشْواق: (مَعَاهِدُ تِذكاري سَقتكِ الغَمَائِمُ)، وأرض المؤرخ جمعة بن سعيد المغيري صاحب «جهينة الأخبار»، أرض المستكشف حمد بن محمد المرجبي «تيبوتيب»، أرض الصَّحافة العُمانية الأولى: النجاح والفلق والنهضة والمرشد، أرض الكتب التي طُبِعَت فيها؛ أجزاء من «قاموس الشريعة»، و«مختصر البسيوي» وغيرها من الكتب التي هي من نوادر ونفائس الكتب، وهي الأرض التي نشأ فيها سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، وما يزال موصُولاً معها بحبل مودة وقربى ووشائج لا تنقطع، وهي أرض «المدينة الحجريَّة»، الحارة العُمانية بأزقتها الضيقة ومنازلها القديمة، أرض الأحلام الجميلة، للمهاجرين الباحثين في أرض الله، عن رزق وراحة ورفاه.

https://www.omandaily.om/ثقافة/na/زنجبار-الفردوس-المليء-بالأسرار-والحكايات-الساحرة



 

زنجبار في عهد السيد سعيد بن سلطان

الكتاب الصوتي : زنجبار في عهد السيد سعيد بن سلطان

المؤلف: سليمان بن عمير المحذوري

عام النشر 2014

https://ayn.om/audio-book/225516/%D8%B2%D9%86%D8%AC%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D9%87%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%AF-%D8%B3%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D8%A8%D9%86-%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%86 

عمان وأفريقيا الشرقية.. صلات تاريخية وآفاق مستقبلية

 

  
مجلس الخنجي 21 يونيو 2022 موضوع الجلسة: عمان وأفريقيا الشرقية، صلات تاريخية وآفاق مستقبلية
ضيف الجلسة: د. سليمان بن عمير المحذوري، باحث في تاريخ عمان

العلاقات العمانية مع شرق أفريقيا


تلفزيون سلطنة عمان 13 يونيو 2022  د. سليمان بن عُمير المحذوري - باحث في التاريخ العماني 

عُمان وزنجبار.. تاريخ عريق ومستقبل واعد

 د.سليمان المحذوري

جريدة الرؤية 12 يونيو 2022

مُنذ القدم والسفن العُمانية تمخر عباب المحيط الهندي طولًا وعرضًا شرقًا وغربًا، ولا يختلف اثنان على أنّ العُمانيين عرفوا وجهتهم الاقتصادية ومنذ زمن مبكر جدًا، وكانت الصحراء حاجزًا تحول دون الولوج إلى داخل الجزيرة العربية؛ فيما كان البحر يفتح ذراعيه على امتداده، لا سيما وأنّ عُمان تمتلك سواحل طويلة تمتد آلاف الكيلومترات على بحري عُمان والعرب.

وكانت الخبرات العُمانية البحرية حاضرة في ترويض مياه المحيط الهندي لفائدتهم وتحقيق مآربهم. حيث وصلت سفنهم إلى الصين شرقًا، وجنوبًا انسابت مع حركة الرياح الموسمية الشمالية الشرقية إلى موانئ الشرق الإفريقي ابتداءً من الصومال مرورًا بكينيا وصولًا إلى زنحبار المحطة الرئيسة للسفن. وبعض السفن تواصل رحلتها إلى جزر القمر ومدغشقر أو جنوب أفريقيا في بعض الأحيان. وبعد مكوث هذه السفن بضعة أشهر في تلك الموانئ، ونجاح عملياتها التجارية تعود في فصل الربيع إلى عُمان مع الرياح الجنوبية الغربية.

وعندما نذكر زنجبار؛ فإننا نستذكر معها بلاد السواحل كما سمّاها العُمانيون، وتستذكر الجزيرة الخضراء ومتوني، وقصر العجائب، وشجرة القرنفل، واللغة السواحلية، ونستذكر حملات الإمامين سلطان بن سيف ونجله قيد الأرض لتحرير ممباسا وزنجبار من القبضة البرتغالية، ونقل السيد سعيد بن سلطان لبلاط ملكه من مسقط إلى زنجبار التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الإمبراطورية العُمانية؛ الأمر الذي أدى إلى نشوء علاقات اجتماعية وثقافية مميزة بين الجانبين ما زالت باقية إلى يومنا هذا.

ومن سنن الله في أرضه التبدل والتحول "وتلك الأيام نداولها بين الناس"؛ حيث غادر آخر سلطان من دولة البوسعيد زنجبار عام 1964 بعد الأحداث المؤسفة والأليمة التي شهدتها الجزيرة الوادعة لأسباب كثيرة لا مجال للخوض فيها في هذا المقال. وبالتالي ليس من الحكمة البكاء على اللبن المسكوب، واجترار الماضي والتغني به فنحن أبناء اليوم. وما يهمنا الآن أنّ هنالك علاقة خاصة جدًا بين عُمان وزنجبار، وعلاقات مصاهرة فحتى اليوم حركة السفر بين الجانبين لم تتوقف، وهنالك أسر عُمانيّة كثيرة جزء منها هنا، وجزء آخر متوزع على بلدان ومناطق إفريقيا الشرقيّة، وعلى وجه الخصوص جمهورية تنزانيا. كما أنّ النسيج الثقافي متشابه إلى حد كبير إن لم يكن متطابقًا في بعض النواحي. وهذا يدعو وبقوة إلى ضرورة البناء على هذا الإرث التاريخي، واستثمار البعد الحضاري بتأسيس شراكة استثنائية بين الجانبين، وفي مختلف المجالات لفائدة الشعبين في كلا البلدين.

وإن كان ثمة فراغ سيسده آخرون بكل تأكيد؛ وعُمان مؤهلة أكثر من غيرها بفضل ما تملكه من أدوات ناعمة؛ لتأسيس شراكات متفردة مع كافة دول شرق إفريقيا بلا استثناء؛ من خلال تمتين الصلات مع هذه الدول بشتى الوسائل، والحضور العُماني القوي، وتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية بما يحقق تطلعات سلطنة عُمان الحالية، ورؤيتها المستقبلية.

Wednesday, February 16, 2022

جمال عبد الناصر وانقلاب زنجبار

 زاهر بن حارث المحروقي

جريدة عمان، 23 يناير 2022

كثيرًا ما يطرح العمانيون مسألة عدم تدخّل الرئيس جمال عبد الناصر عسكريًا في أحداث زنجبار، في الثاني عشر من يناير عام 1964، التي أنهت الحكم العماني لتلك الجزيرة. ويكاد الكلام يتكرّر سنويًا مع ذكرى الانقلاب الذي يسمّيه البعض "ثورة"، وأحيانًا يتجاوز الأمر التساؤلات إلى توجيه التهم جزافًا لعبد الناصر، كأنّه وراء الانقلاب. وحقيقةً فإنّ عبد الناصر اهتم بعرب زنجبار، وأنشأ لهم "بيت شرق أفريقيا" في القاهرة عام 1959، ضمّ أكثر من أربعين شابًا وشابةً، بعد مقابلته للراحل علي بن محسن البرواني زعيم الحزب الوطني الزنجباري، وأرسل بعثة تعليمية إلى زنجبار، وشاركت مصر في احتفالات زنجبار بمناسبة الاستقلال عن بريطانيا، بوفد كبير ضمّ أكثر من مئة عضو يمثلون كلّ الأطياف، برئاسة أنور السادات. وينقل حلمي شعراوي الذي كان مشرفًا اجتماعيًا على "بيت شرق أفريقيا" وعمل في الشؤون الأفريقية بمكتب الرئيس عبد الناصر من عام 1960، في مقال لجريدة "الاتحاد" الإماراتية تحت عنوان "ذكرياتي عن شعب وثورة زنجبار" عدد 27 مايو 2014، عن البرواني، أنه حكى له بعد المقابلة أنه حدّث عبد الناصر عن أحوال شعب زنجبار مع الاستعمار الإنجليزي، و”حتى عن ظلم العائلات العربية الإقطاعية للأفارقة، وضعف قيمة السلطان العربي، ناهيك عن أوضاع الأفارقة الأصليين؛ فتأثّر عبد الناصر تأثرًا عاطفيًا شديدًا. وأنا أعتقدُ أنّ هذه العبارة توضّح كيف جرت الأمور فيما بعد. المهم أنه تشكّل “لوبي” في مصر مؤيد لزنجبار من شخصيات في العمل العام وأساتذة في الجامعة وبعض رجال التعليم، إلى جانب شعراوي نفسه وحماس محمد فايق مستشار عبد الناصر للشؤون الأفريقية، إضافة إلى بعض الأزهريين، وكان هذا اللوبي حسب شعراوي "يصُبّ في خانة عروبة زنجبار وأهميتها في شرق أفريقيا، إذا اهتممنا بدعم أفارقة زنجبار مثل عربهم، لأنّ صورة زنجبار بسلطان عُماني الأصل لم تلق ترحيبًا لدى كلّ عناصر اللوبي المذكور... كانت العائلات العربية بادية التسلط على المجالس المحلية وزراعة وتجارة القرنفل على السواء"، ويقول شعراوي “لقد شعرتُ كثيرًا أنّ علي محسن البرواني نفسه يريد التخلص من هذا العبء، وإنه تبادل هذا الشعور مع عبد الناصر، وإنه يريد ذلك بالتوافق لا بالاتجاه يسارًا". في هذه الفقرة يقدّم حلمي شعراوي صورة لعلي محسن، بأنه كان متذمرًا من ظلم العائلات العربية الإقطاعية للأفارقة، وعن ضعف قيمة السلطان العربي، بل يصل إلى نتيجة هي أنه شعر بأنّ علي محسن نفسه يريد التخلص من هذا العبء؛ وفي كتاب "الصراعات والوئام في زنجبار" لعلي محسن البرواني، يذكر لقاءه بعبد الناصر وانطباعه الجيد عن اللقاء وعن المكاسب التي حقّقها، ولا يشير من قريب أو بعيد إلى ما ذهب إليه شعراوي. وأذكر أني تواصلتُ مع السفير مبارك بن خلفان ناجم الصباحي الذي كان رئيس اتحاد طلبة زنجبار في القاهرة، وأحد الذين عايشوا الانقلاب، فقال إنّ فكر علي محسن كان قائمًا أساسًا على أن يشارك العرب في زنجبار في أيّ انتخابات تقام هناك كمواطنين زنجباريين وليسوا كعرقية عربية، حتى لا تبدو المسألة كأنها صراعٌ عرقي، وهو الذي أشار إليه حلمي شعراوي عندما قال إنّ علي محسن لجأ إلى نمط التوازن بتحالفه مع حزب “الأفروشيرازي”، بعدما أصبحت زنجبار عام 1962، وقبل الاستقلال بشهور تمثل عند زعماء شرق أفريقيا التقليديين أحد احتمالين؛ إما قنبلة عروبية ناصرية، أو قنبلة ماركسية ماوية.. وكلاهما مُر، لكن الذي حدث في يناير 1964 أن انفجرت القنبلة العنصرية أو العرقية (أفارقة - عرب).


أما عن حادثة الانقلاب فيحكي عنها شعراوي أنه في 12 يناير 1964، وبعد إقامة السفير أحمد اللمكي سفير زنجبار في القاهرة لبضعة أسابيع، رنّ الهاتف في منزله حوالي الواحدة صباحًا، فكان اللمكي يطلب منه الذهاب معه حالًا لمحمد فايق ليقابله بعبد الناصر، لطلب تدخله العسكري فورًا ضد الانقلاب، وضرورة حماية العرب من المذابح التي يتعرضون لها هناك. ويقول شعراوي إنّ فايق استبعد أن يوقظ عبد الناصر في تلك الساعة، فأخذ في تهدئة اللمكي، الذي أشار إلى أنّ قوات مصر في اليمن قريبة وتستطيع الوصول إلى زنجبار بسرعة. ويعلق شعراوي أنّ ذلك كان مستحيلاً، "لأننا كنّا أقمنا منظمة الوحدة الأفريقية، ونستعد لاستقبال مؤتمر قمّتها الأول في مايو1964، ونقرّ مبدأ عدم التدخل، وأخيرًا فإنّ مأزقنا في اليمن بات معروفًا.. فلا سبيل إلا التدخل الدبلوماسي". ويدافع حلمي شعراوي عن الموقف المصري، ويرى أنه لم يُفهم لسنوات، لأنّ ما شاع عقب الانقلاب هي قصصٌ وحكاياتٌ وأوهام، وأنّ هناك باحثين عربًا يثيرون التساؤل إلى الآن عن الدور المصري، أحدهم "ناصر الريامي"، الذي صحبه منذ عدة سنوات إلى محمد فايق شخصيًا لمعرفة الحقيقة.


بعيدًا عن العواطف نقول لم يكن بإمكان عبد الناصر أن يتدخّل عسكريًا في زنجبار، لأنّ الجيش المصري كان في مأزق في اليمن، ولم يكن عبد الناصر في وضع يسمح له بفتح جبهة قتال جديدة وهو غرقانٌ أصلا؛ ومن هنا فإنه اعتمد نصيحة مستشاره للشؤون الأفريقية محمد فائق، الذي أقنعه بأنّ ما حدث في زنجبار هو "ثورة اجتماعية ضد السلطان والطبقة الحاكمة التي تراكمت في يدها ثروة البلاد، وتتكون في معظمها من العرب، وأنّ سيطرة القلة الحاكمة التي كانت تزهو بأصلها العربي، من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى ظهور "الأفروشيرازية" كانتماء وأصل جذب الأغلبية العظمى لمواجهة هذه القلة"، وكانت نصيحة فائق، مثلما ذكر في كتابه "عبد الناصر والثورة الأفريقية"، هي أنّ "اعتراف مصر السريع بثورة زنجبار، من شأنه أن يضع حدًا لعمليات القتل والاضطهاد ضد العناصر القديمة في زنجبار، كما أنه يعطي فرصة للثورة، لكي تؤكد بُعدها الاجتماعي وتكشف عنه، فتعمل على وقف حملة الكراهية ضد العرب".

بغضّ النظر عن وجهة نظر محمد فائق هل كانت صائبة أم خاطئة، إلا أنّ وصول خبر الانقلاب إلى عبد الناصر كان بعد سقوط الحُكم، وبعد أن سقطت جميع مفاصل الدولة بيد الانقلابيين بما في ذلك المطار، فكيف كان يمكن لعبد الناصر أن يسيّر الجيش إلى زنجبار؟ وأين كان سيقيم هذا الجيش، ودولُ الجوار كلها قد أيّدت الانقلاب؟!

كان الوضع داخل زنجبار أقرب إلى أن يكون هشًا، باعتبار أنّ الدولة نالت استقلالها من بريطانيا من شهر واحد فقط، فلم يكن هناك جيشٌ، وكانت الشرطة بيد الإنجليز، وهم الذين تآمروا على إسقاط الحكم العربي، والدليل على تلك الهشاشة ما ذكره الكاتب الباحث ناصر الريامي في الجزء الخامس من سلسلة "الذكرى ال58 لسقوط سلطنة زنجبار- شهود على الحدث" بجريدة "الوطن" بتاريخ 17 يناير 2022، أنّ السلطان جمشيد قال له عام 2006، إنّ الأمر الذي أزعجه كثيرًا، وجعله يشعر بالمرارة، أنه لم يكن قد تلقّى أيّ إبلاغٍ عن أعمال الشغب المرتقبة، ممّن يُتوقّع منهم ذلك – مجلس الأمن القومي أو رئيس الوزراء، أو حتى وزير خارجيّته – في الوقت الذي بادره بذلك أحدُ التجار الهنود، ممّن يدينُ له بالولاء، في اليوم السّابق للعدوان، حيثُ طلب الالتقاء به لأمرٍ غاية في الأهمية.

يحمّل البعضُ عبد الناصر مسؤولية عدم التدخل، لكن الواقع يثبت استحالة ذلك على ضوء المعطيات في الأرض، فلو أننا فرضنا جدلًا أنه تدخّل في زنجبار وفشل التدخل كان هناك من سيلومه مدى الدهر، وحتى لو فرضنا أنه نجح في ذلك التدخل فإنّ هناك من كان سيقول وما هي الفائدة التي جنيناها من ذلك التدخل؟! يقول ناصر الريامي، إنّ أيّ نوع من التدخل من جانب عبد الناصر - مهما بلغت ضآلته لنصرة حكومة عربية من السقوط وسط القارة السمراء - كان سيُنظر إليه بمنظور عنصري مجرد، كان عبد الناصر في موقف حرج، ووجد نفسه مضطرًا إلى وزن قضية زنجبار من ميزان المصالح السياسية، فوضع تأييد النفوذ العربي في زنجبار في كفة، ووضع في الكفة الأخرى علاقة مصر بالشعوب الأفريقية السمراء، فرجحت الأخيرة.. وتلك هي لعبة السياسة.

لا وجود للعاطفة في السياسة، وأنا كثيرًا ما أستغربُ من النظرة العاطفية الشديدة من البعض، لموضوع عدم تدخّل عبد الناصر في الانقلاب. ويزيد استغرابي أنّ من يتحمّس للحديث عن هذا الموضوع، ليس مستعدًا للتبرّع بريال واحد، لصالح العمانيين الذين تقطعت بهم السبل في الشرق الأفريقي، فذلك أولى من توجيه اتهامات باطلة دون دراية حقيقية لوضع جمال عبد الناصر حينها.


Monday, February 14, 2022

الذكرى ال«58» لسقوط سلطنة زنجبار «شهود على الأحداث»

بقلم: ناصر بن عبدالله الريامي

مؤلف كتاب: زنجبار شخصيات وأحداث  

 يناير، 2022 ، جريدة الوطن 

الجزء الأول 

https://alwatan.com/details/452186

الجزء الثاني

https://alwatan.com/details/452365

الجزء الثالث

https://alwatan.com/details/452534

الجزء الرابع

https://alwatan.com/details/452705

الجزء الخامس

https://alwatan.com/details/452889

الجزء السادس

https://alwatan.com/details/453077