Friday, December 30, 2016

الدكتورة بشارة المعولية ... عمر طويل في خدمة العلم والتعليم

حاورها
سعيد بن خلفان النعماني
هنالك من النساء العمانيات الأصل اللاتي أثـَّـرن بشكل كبير في المجتمع الأفريقي ، من خلال التفاني من أجل العلم لإدراكهن أن أفريقيا ليست بحاجة ماسة لأن تمحى أميتها فحسب؛ ولكن يجب أن ترقى وتسمو بأفرادها وشعبها إلى مصاف الدول الكبرى ، ولذا كان العلم والتعليم من أولويات التأثير والوجود العماني في شرق أفريقيا ، ومن هنا ينظر إلى العمانيين أنهم ليسوا تجارا يبحثون عن المال ولكنهم ينشرون حضارة عريقة بنيت أسسها على تقدير وحب المجتمعات التي استضافتهم ردحا من الزمن ولذا كان رد الجميل واضحا في كل مكان ، فالمدارس والكتاتيب التي شهدت انطلاق العلماء والأدباء هي نفسها باقية حتى الآن تقوم بدورها التاريخي وتؤدي التزامها الإنساني نحو تلك الشعوب .
الدكتورة بشارة بنت ثنيان المعولية ، تعد من الجيل السادس من أجدادها الذين أتوا من عمان إلى شرق إفريقيا ، ولدت في بلدة مكانجوني بالجزيرة الخضراء ( بمبا ) ، بل إن جدها وجد جدها ولدا في المنطقة نفسها. التقيت بها في منزلها الجميل بزنجبار ، تعيش فيه وأولادها بعد أن خدمت العلم جل عمرها ، فتقاعدت عن الوظيفة ولكنها لم تتقاعد عن دورها ومهمتها العلمية في نشر العلم والثقافة ، فهي تعتبر بحق مرجعا علميا وتاريخيا لتنزانيا . حدثتني عن نفسها فقالت : اسمي بشارة بنت ثنيان بن مبارك بن بدو بن سالم المعولية، توفي أبي في عمان وأمي ما تزال على قيد الحياة ، وهي تعيش في عمان وكذلك بعض أخوتي الذين يعيشون في عمان.
وقالت الدكتورة بشارة المعولية : وبالنسبة لجدي من أمي فقد كان محاميا في المحاكم الجزائية ، وفي الواقع فإني أنحدر من أسرة اتخذت العلم والثقافة نبراسا لها .
ومازلت أتذكر مرساة السفينة التي ركبها جدنا الأكبر وهو في طريقه إلى الجزيرة ، فهي باقية حتى اليوم في بلدة مكانجوني بالجزيرة الخضراء (بمبا). فنحن من أسرة مبارك بن بدوي ، هذه الأسرة التي تصاهرت مع المزاريع الموجودين في الجزيرة ونحن امتداد لتلك الأسرة فهي أسرة قديمة قدم التاريخ العماني بشرق أفريقيا. ولدت العام 1948 ، وكان أبي حينها مدرسا ثم إداريا وسافر إلى بريطانيا العام 1955 ليتخصص في الإدارة العامة وربانا منذ البداية تربية على التعليم ، أما جدي فقد كان أيضا مدرسا ثم تحول إلى الإدارة العامة . الكفاح من أجل العلم
ثم واصلت التعليم العالي لمدة سنتين ونجحت بامتياز ثم قررت أن ألتحق بالجامعة وفي ذلك الوقت لم يكن من السهل أبداً الدراسة بالجامعة لأن الحكومة – في ذلك الوقت - منعت الناس من مواصلة الدراسة بعد الصف الثاني عشر ، ولكني تجاوزت هذه المحنة وتقدمت بطلب الدراسة في جامعة دار السلام فتمت الموافقة ، وتكفل بعض أهل الخير هناك بتكاليف دراستي حتى حصلت على شهادة البكالوريوس في علم الاقتصاد والجغرافيا ، وبقيت في تنجانيقا ( تنزانيا البر ) ، كمدرسة حتى عام 1972 ثم جئت إلى زنجبار بهدف تجديد جواز سفري ، وبمجرد وصولي زنجبار مُنعت من الخروج ، وأجبرت على العمل في زنجبار ولكن أنا وزوجي وأهلي كافحوا لمدة سنتين ونصف من أجل تخليص من هذه الحالة وإخراجي من زنجبار، ذلك لأني تزوجت في سنه 1975 وما زلت طالبة في الجامعة ، ورجعت من البر العام 1974 وبقيت هناك حتى العام 1993.
وعن بدايتها العلمية قالت : تعلمت في الجزيرة الخضراء ( بمبا) إلى الصف الثالث ثم جئت زنجبار لأن والدي نُقل للعمل بزنجبار ، ولكني واصلت الدراسة من الصف الرابع حتى الصف السابع بالقسم الداخلي بالمدرسة بسبب وجود عائلتي بزنجبار ، ثم نُقلت لمواصلة الدراسة الثانوية ، والتحقت بمدرسة السيدة معتوقة سنة 1962م وأنهيت الصف الثاني عشر العام 1965. الحياة العلمية وحدثتني عن شتى الوظائف التي عملت فيها فقالت : عملت مدرسة في المدارس الثانوية ثم مسئولة في وزارة التعليم ، ومسئولة في قسم التخطيط في وزارة التعليم نفسها ثم تحولت إلى باحثة –بإيعاز من الوزارة –فألفت كتباً أنا وزملائي تتركز حول التربية والتعليم في تنزانيا ، ومن ضمنها كتابا بعنوان أثر توظيف من بلغوا الصف الثامن كمعلمين على المستوى التعليم بتنزانيا ، وكتابا آخر حول محو الأمية وكيف أفاد المجتمع التنزاني .
بحمد الله نجحت ومنحت شهادة الدكتوراه عام 1990م، وعندما كنت في مقاعد الدراسة باستراليا تلقيت رسالة من (منظمة جمعية) في أغاخان تطالبني بالعمل معهم في مشروع يسمى (التعليم ما قبل الدراسة ) ومن الأماكن التي يشملها هذا المشروع كينيا وأوغندا وتنزانيا ، وبعد مفاوضات وافقت على العمل معهم في عام1993م ، حيث عينت في هذه المؤسسة التعليمية كمشرفة عامة ثم ترقيت إلى مديرة عامة وبعدها إلى منصب (القائم بأعمال المنسق العام) لهذه المؤسسة في هذا المشروع في المستوى الشرقي الأفريقي كله.
وقالت : لقد حصلت على منحة دراسية من الكومنولث فسافرت إلى كندا مدة سنتين ، وهناك تخصصت في علم جديد يتركز حول كيفية تعليم الأولاد الصغار التعليم الأساسي، فحصلت على شهادة الماجستير وأخذت بجانب هذا التخصص تخصصا آخر وهو كيفية تدريس اللغة الإنجليزية كلغة ثانية ، وعند عودتي بقيت في الدراسة كمشرفة في مجال تدريس الصغار فجمعت تقارير عدة من عدة وزارات فألفت كتابا يعنى بهذا المجال مشتملا على أموراً كثيرة تتعلق بسياسة وفلسفة التعليم في تنزانيا ، وتدريب المعلمين إضافة إلى مواضيع أخرى متعددة . وبجانب عملي في الوزارة كنت اعمل مع منظمة اليونيسيف وأيضا كنت أعمل في مكتبة رئيس الوزراء وتوكل إلي المهام التي تدخل في اختصاصي العلمي ، وحصلت على منحة دراسية أخرى للدراسة باستراليا العام 1987م للحصول على شهادة الدكتوراه في جزئية أخرى من تخصيص السابق المتعلق بالتطور الاجتماعي والعاطفي للأطفال الصغار.. والآن تقاعدت لأستريح قليلا وفي هذه الفترة فترة الاستراحة أعمل متطوعة –في جمعية الاستقامة –لتدريب المعلمين في كيفية تدريس الصغار وكيفية إعداد واستخدام الوسائل التعليمية أثناء التدريس ، وأقدم لهم المشورة بين الحين والأخر في مجال تعليم الأولاد. حياتها الاجتماعية
وكذلك كان حال والدهم الذي كان له الدور الكبير في تكوينهم العلمي لاسيما عند سفري للدراسة بكندا ، فهو الذي كان يتولى شؤون الأسرة وتعليم الأولاد ، وكذلك عندما سافرت إلى استراليا ، بقي هو مع الأسرة ، وأعتقد لو لم أكن بهذا المستوى من العلم لما وصلوا أولادي إلى ما وصلوا إليه.
وحدثتني عن حياتها الاجتماعية فقالت : إنني متزوجة منذ سنة 1970م ولي ثلاثة أولاد ذكور وعدد من الأحفاد ، وأكبر أولادي عمره 33 سنة وأصغرهم عمره 27سنة ، وتوفي زوجي العام 2002م وأولادي كلهم تخصصوا في الهندسة الكهربائية فابني الأكبر –كان مديرا للمبيعات للشركة لشركةBp ثم رقي إلى مسئول بجنوب إفريقيا والآن رقي إلى مدير الشبكات شرق ووسط إفريقيا. الدور الكبير: وسألتها عن دورها كأم وأثره في تنشئة أبنائهم هذه التنشئة العلمية مما جعلهم يسيرون على خطاها فقالت : أعتقد أنني لعبت دورا كبيرا في تعليم أولادي –لأن والدهم كان مشغولا جدا بالأعمال وكان لا يرجع إلا في وقت المساء، مما جعلني أتحمل عبء تعليمهم وتثقيفهم ، والحمد لله تعالى - لقد ساعدتهم كثيرا وذلك منذ أن كانوا في مدارس الروضة –كنت أجلس معهم وأعطيهم دروسا إضافية -وكنا أكثر جدية عندما بلغوا المرحلة الإعدادية وكنا نجلس معاً كأننا في مدرسة وأعلمهم وأتابع دروسهم في دفاترهم يوميا وحينما يحتاجون إلى مدرس إضافي كنت أوفر لهم، مما جعلني أنفق الكثير من الأموال من أجل شراء الكتب حتى تساعدهم في نمو معارفهم وزيادة اكتساب العلم في اللغة الإنجليزية والسوا حلية. وحول سؤال عن الدراسات والبحوث التي شاركت في إعدادها لاسيما ما يتعلق بالحضارة العمانية في شرق أفريقيا فقالت : في الحقيقة لم أشارك في دراسات من هذا النوع لأنني لم أتخصص في التاريخ ، ولكن بالتأكيد هنالك من كتبوا في هذا المجال . دور اجتماعي بارز:
وحدثتني عن دورها الاجتماعي الشخصي فقالت : نعم ، إن دوري لم يقتصر على عملي والوظائف التي شغلتها فأنا والحمد لله متفانية – قدر استطاعتي من أجل المجتمع ، فكثيرا ما أتوجه إلى القرى النائية التي لا تصلها السيارات وفي الساعة السادسة فجرا ، حتى الواحدة مساء من أجل مساعدة التجمعات الفقيرة في إنشاء مدارسهم الخاصة ، لا سيما الكتاتيب ، وعندما ننزل إلى هذه القرى .. يجب علينا أن نعيش واقعهم وأن نكون مثلهم ، ولذلك كانت لي الكثير من المساهمات في تنمية وتطوير المجتمعات الفقيرة في توعيتهم لإدراك معنى التعلم وأهميته بشكل خاص في مجال تعليم الصغار ، وبالطبع غرس السلوك الديني الحميد في حياة الفرد ، وضرورة تعلم الدين الإسلامي ، وهذا العمل مارسته لمدة عشر سنوات ، وهو عمل شاق جدا ، وأحيانا يلزمنا دفع ما في جيوبنا لمساعدة بعض الأسر في توفير الحاجات
الضرورية .

ما تفاصيل حرب المقاطعة والقرنفل بين العمانيين والهنود في زنجبار؟

أثير – تاريخ عمان
إعداد: نصر البوسعيدي
حينما تورّط العالم في الصراع الدموي في الحرب العالمية الأولى، كانت زنجبار من الأماكن التي تأثرت كثيرا بالأوضاع المتردية التي صاحبت الحرب، وما تلاها من خراب، وانهيار اقتصادي ذهب ضحيته الكثير.
فزنجبار كانت تحت السيطرة البريطانية حالها من حال كل المستعمرات التي استطاع الأوربيون تقاسمها فيما بينهم، لذلك من الطبيعي أن تتأثر زنجبار واقتصادها بالحرب وآثارها التي تنعكس على الشعب الزنجباري، ومنهم العمانيون خاصة لا سيما، وهم من يملكون أغلب مزارع القرنفل التي تعتبر مصدر الثروة الحقيقية في اقتصاد زنجبار حالها حال ثروة البترول اليوم وأثره في اقتصاديات دول المنطقة على سبيل المثال.
في عام 1919 م وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بدأت الأوضاع الاقتصادية المتردية عالميا تلقي بضلالها على زنجبار، وأهلها وخاصة بعدما أغلقت الكثير من الشركات الألمانية التي كانت تعمل بشكل عام في شرق أفريقيا، ودخل الاقتصاد الزنجباري في دوامة الأزمة العالمية، والكساد الخطير الذي اجتاح العالم بداية من عام 1929م نتيجة هبوط أسعار شركة ” كلوفز “، و”كوبرا”.
ومن هنا نشبت أزمة مديونية المزارعين في زنجبار وبالأخص العمانيين الذين عانوا كثيرا في مزارع القرنفل نتيجة الفائض المعروض في الأسواق العالمية والذي نتج عنه تدهور الأسعار بشكل خطير.
ولذلك، فقد حاولت الحكومة البريطانية إنقاذ الموقف بسبب اعتماد ميزانيتها على محصول القرنفل بإنشاء مخازن لحفظ قرنفل المزارعين بالمجان، مع شق الطرق في مناطق المزارعين وربطها بالمدينة لتسهل على الجميع عملية البيع والتصدير، بالإضافة إلى توفيرها لبعض الإعانات المالية لملاك المزارع تراوحت بين (10 – 15) روبية عن كل 200 شجرة قرنفل في المزرعة الواحدة لمساعدتهم في حصاد المحصول الذي كان يحتاج إلى أيد عاملة كبيرة وكانت تأتي من البر الأفريقي غالبا للعمل في مزارع القرنفل، وخاصة في موسم الحصاد.
وفي عام 1920م قامت الحكومة في زنجبار بقطع الإعانات المالية عن المزارعين الملاك الأمر الذي أدى إلى تورط الكثير من العمانيين ملاك المزارع بالتعامل مع الهنود، والاقتراض منهم، وكان الهنود بجشعهم لا يقرضونهم الأموال إلا بفوائد عالية مجحفة تراوحت ما بين (20 – 30 %) بشرط أن يتم تسديد كامل الدين في ثلاث سنوات، وإن عجز صاحب الأرض من ذلك يتضاعف الدين، وبالتالي يستولي الهندي الدائن على المزرعة.
ووفقا لذلك ولصعوبة الموقف والكساد الاقتصادي تورط أغلب العمانيين بعدم المقدرة على السداد في المدة المحددة مما تسبب بأن تؤول ملكية الكثير من مزارعهم للدائنين الهنود، وقد بلغ عدد أشجار القرنفل التي انتقلت ملكيتها للهنود ، على سبيل المثال، في عام 1922م إلى أكثر من 125000 شجرة!
ومما لا شكّ فيه أن الأمر كان سلبيا للغاية، بالنسبة للعرب العمانيين، فكان من الصعب عليهم تقبل أن يفقدوا مزارعهم وشجر القرنفل مصدر دخلهم، وكان أغلبها إرثا تعاقب عليها جيلا بعد جيل.
ولقد أصبحت هذه المشكلة كذلك من ضمن اهتمامات وزارة المستعمرات البريطانية لخطورتها على الوضع في زنجبار ومديونية العرب بشكل عام للهنود، وهو الأمر الذي استدعى عقد اجتماعات متكررة مع أعضاء الجمعية العربية لتوضيح أهمية معرفة تلك الديون، وحصرها وتسجيلها في الجهات المختصة بالحكومة للوصول إلى حل يقلل من خطر المشكلة إلا أن ذلك لم يقابله الكثير من التجاوب بسبب إخفاء الكثير من العمانيين مشكلة ديونهم.
ولذلك، وبعد تفاقم المشكلة أصبحت الغالبية الساحقة من ملاك الأراضي الزراعية في زنجبار من الفقراء بسبب مصادرة المرابين الهنود لأراضيهمن وأخذ الناس بكل حزن، وألم يشاهدون منازلهم تباع في المزادات العلنية، وبقية ممتلكاتهم تصادر عنهم مما نتج عنه مشكلة حقيقية وحالة من الكراهية والغضب واختلال للنسيج الاجتماعي والاقتصادي في زنجبار.
ومن هنا فقد اتخذت الحكومة البريطانية بعض الإجراءات للحد من خطورة هذا الأحداث على الاقتصاد الزنجباري باعتبار أن دخل المحمية كان يعتمد بشكل كلي على تجارة القرنفل، وأول هذه الخطوات كانت في عام 1923م حينما تبنّت الحكومة برنامج إمداد مزارعي القرنفل بالنقد السريع لتسديد الديون المستحقة عليهم وحث ملاك المزارع وبالأخص العمانيين على زيادة زراعة أشجار القرنفل من أجل زيادة الإنتاج والأشجار الغير مرهونة.
وبسبب قلة الأيدي العاملة، لم تستطع إدارة الزراعة في زنجبار الإشراف بشكل مثالي على هذا البرنامج لمدة عشرة سنوات ،ولذلك كانت النتيجة سلبية، ولم تأت بثمارها، وتفاقمت أزمة الديون بشكل أكبر في بدايات عقد الثلاثينيات وتفاقمت أكثر بسبب عدم استقرار أسعار القرنفل في الأسواق العالمية بالرغم من تحسن أسعار ما بين عام 1913م إلى عام 1929م إلا أن مرحلة الكساد العالمي التي تلت عام 1929م تسببت في تهاوي أسعار القرنفل بشكل غير مسبوق في الأسواق العالمية.
وفي عام 1933م قررت الحكومة تشكيل لجنة من قبل وزارة الزراعة لحل مشكلة الديون وتهاوي أسعار القرنفل واقتصاد زنجبار، وخلصت اللجنة إلى أهمية إنشاء جمعية منتجي القرنفل تضم جميع من يملك مزارع القرنفل بهدف السيطرة على كميات الإنتاج، وتكاليفها بتوفير مخازن بالمجان لحفظ منتج القرنفل، وحل مشكلة الديون للمرابين الهنود، وتقديم قروض للمزارعين من أجل تحصيل المنتج بفوائد مالية منخفضة.
وبالفعل تأسست الجمعية في عام 1928م بالقرب من ميناء زنجبار، وحققت في البداية إقبالا كبيرا من قبل الأعضاء الذين بلغ عددهم 9000 عضوا بسبب تعهد الحكومة بتقديم الإعانات المالية لهم، ولكنها ما لبثت أن فقدت الكثير من الأعضاء نتيجة عدم مقدرة الجمعية من الالتزام بوعودها في تقديم الإعانات المالية للمنتسبين لها، وأصبحت غير فعاله لعدم تمكنها من الحفاظ على أسعار القرنفل في السوق رغم طلبها من الحكومة بتأسيس بنك محلي لدعم عمليات البيع والشراء، ولذلك فقد بادرت الحكومة لإنشاء مخازن إضافية لتخزين محصول القرنفل وعدم بيعه بكميات كبيرة إلا بحاجة السوق للحفاظ على الأسعار التي تهاوت كثيرا، حاله من حال الأزمة التي تعاني منها اليوم الدول المنتجة للنفط نتيجة زيادة المعروض في السوق وتهاوي الأسعار لأدنى من المتوقع.
وفي عام 1934م بدأت الأحداث تسوء بشكل أكبر، فقد تهاوت فيه أسعار القرنفل بشكل كبير وشكل كارثة حقيقية على الاقتصاد الزنجباري، والأهالي، وخسر ما يوازي 70% من قيمته بالمقارنة مع موسم عامي 1927م و1928م مع عجز الإدارة البريطانية من حل المشكلة رغم جهودها، وتشكيلها لعدة لجان للوصول لحل يقلل من هذه الكارثة، ووقعت الحكومة في معضلة حل أزمة المديونيات لمنع تدهور انتقال الأراضي من ملاكها نتيجة عدم مقدرة المزارعين من سداد الدين للمرابين الهنود والمحافظة بنفس الوقت على المصالح الآسيوية في المنطقة، ولكنها في الأخير ارتأت الحكومة البريطانية من إصدار قرار يقتضي بمنع تحويل الأراضي والمزارع التابعة للعرب إلى الهنود وتجميد جميع الديون مؤقتا حتى الخروج من الأزمة.
ومن ناحية أخرى تمكنت جمعية منتجي القرنفل في عام 1937م من السيطرة على تجارة القرنفل برفقة هذه الإجراءات التي تم اتخاذها، وأوجدت في المجتمع الزنجباري حراكا اتسم بالصراع بين الهنود والعمانيين ملاك المزارع.
لقد استثارت هذه الإجراءات الجالية الهندية في زنجبار، ودفع بالجمعية الهندية إلى عقد اجتماع طارئ في 19 / 4 / 1937م للاحتجاج على هذه الإجراءات بخصوص منع الحكومة انتقال الأراضي إليهم نتيجة عجز الملاك من دفع الديون بالفوائد الخيالية التي ذكرناها مسبقا، وكذلك احتجاجا على قرار جمعية منتجي القرنفل بالتحكم في عملية تصدير، وبيع القرنفل مؤقتا، وقدم الهنود وثيقة تظلم للمجلس التشريعي معتبرين أن منع انتقال ملكية الأراضي الزراعية المرهونة لديهم يعد عنصرية ضدهم.
أما العمانيون والأفارقة، فقد عقدوا اجتماعا يؤيدون فيه قرارات القانون الجديد وفي 25/ 7 / 1937م، تم تنفيذ هذه القرارات، ودخلت حيز العمل بها.
وفي الوقت والعام نفسه، قرر الهنود مقاطعة عملية شراء وتصدير القرنفل في زنجبار وبشكل قاطع وأصبحت القضية لها أبعادا سياسية أكبر، وخاصة حينما قرر قادة مستوردي القرنفل الهنود في بومباي من إيقاف عملية استيراد القرنفل الزنجباري لا سيما أن الهند تستورد ما يقارب 40% من القرنفل الزنجباري، مما يعني خسارة اقتصاد زنجبار كثيرا نتيجة هذه المقاطعة التي عمل عليها الهنود بشكل منظم بالإضافة إلى تبني المؤتمر الوطني الهندي قضية جاليتهم بزنجبار، ودعمها بالمقاطعة من قبل جميع أهالي الهند للمشاركة في حملة مقاطعة القرنفل.
وكردة فعل على موقف الهنود، ومقاطعتهم، بدأ العمانيون والعرب بشكل عام التفكير جديا في الرد بالمثل، ومقاطعة جميع المنتجات الهندية، وهو الأمر الذي بدأ يقلق السلطات البريطانية في المحمية الزنجبارية، ولذلك اجتمع المقيم البريطاني (جون هول) بالعمانيين، والعرب في دار الإقامة البريطانية قائلا:
” إنني أمقت المقاطعة، وأمقت المقابلة بمثلها أنهما تلدان عداوة، وشرا وتؤديان بالمرء إلى مأزق لا يدري كيف تكون نهايتهن وعاقبته، ولقد أظهر العرب والحكومة في أثناء مشكلة المقاطعة صبرا جميلا، ونصيحتي لكم أن تستمروا على هذا الصبر، فإنه سيجلب الصبر والرضا”.
إلا أن صبر العمانيين بدأ ينفذ من جراء استمرار ضغط مقاطعة الهنود للقرنفل الزنجباري على رغم من محاولات الحكومة للوصول إلى تسوية لإنهاء المقاطعة.
وفي خضم هذه الأحداث قررت الجمعية العربية، بالترويج لحملة مقاطعة ضد جميع البضائع الهندية في الجزيرة، وفي الاجتماع الذي تم عقده في 17/3/1938م طالب عزيز بن عامر المسروري، وعلي بن ناصر الإسماعيلي بضرورة تبني الجمعية العربية لحملة مقاطعة حازمة ضد الهنود وبضائعهم.
وفي عام 1938م توتّرت أوضاع زنجبار بشكل أكبر نتيجة حرب المقاطعة بين العمانيين والهنود الأمر الذي أدى إلى قيام السلطات البريطانية بإرسال السيد (بوزمن) مندوبا من قبل حكومة الهند لحل الأزمة بين الحكومة، والهنود، ولكن أغلب محاولاته باءت بالفشل.
وفي منتصف عام 1938م بدأت بعض المؤشرات بانفراج الأزمة، لا سيما، حينما بدأ الهنود من خلال الجمعية الهندية في زنجبار يفقدون الدعم الشعبي في الهند لاستمرار المقاطعة، وبالأخص التجار، ومستوردي القرنفل الزنجباري، والذين تأثرت تجارتهم كثيرا من جراء المقاطعة وخاصة المسلمين الهنود الذين أكدوا بأن وحدة المسلمين يجب أن تتخطى الحدود وأن العرب والهنود يجب أن يحلوا مشاكلهم بالطرق السلمية.
وكان لهذا الإيمان من قبل مسلمين الهند الأثر الكبير في كسر المقاطعة، واستئناف العمل في تصدير القرنفل الزنجباري من قبل البعض، مما أدى إلى انقسام الهنود أنفسهم في زنجبار بين مؤيد ومعارض، وهذا الانقسام قد أدى إلى تمكن جمعية منتجي القرنفل التحكم في شراء وتصدير القرنفل مع اتاحة فرص التصدير لبعض التجار الهنود شريطة شراء كميات ثابتة من الجمعية.
وما لبث إلا وأن انفرجت الأزمة بين الطرفين جمعية منتجي القرنفل، والجمعية الهندية في عام 1938م بتوقيع اتفاق تعهد فيه الجميع للمزارعين بأنهم سيحصلون على أسعار مناسبة لمحصولهم من القرنفل في عمليات البيع والتصدير.
وأما فيما يتعلق بقضية الديون، فقد قررت الحكومة بعد المشاورات المباشرة مع حكومة لندن بتأسيس محاكم خاصة لفض المنازعات بهذا الشأن، وحصر الديون، وتثمين المزارع المرهونة، ومن ثم تقوم الحكومة بدفع المبالغ للمرابين الهنود، وفي الوقت ذاته يقوم المزارع بدفع المبلغ للحكومة بأقساط ميسرة، ليتخلص في الأخير العرب من الدين الربوي ولا يفقد بالتالي مزرعته، وأشجار القرنفل بفك الرهن عنها من قبل الحكومة، وهذه الإجراءات لا شك ساهمت بشكل فعال في استقرار الوضع الاقتصادي في زنجبار.
وقد تعلّم العمانيون، من هذه الأزمة كثيرا من أجل وحدتهم، وحماية تجارتهم التي أصبحت تحت قبضة اللوبي الآسيوي نتيجة عدم توحد الصفوف بالشكل الذي يستطيعون من خلاله التحرر من سيطرة المحتكرين للتجارة في تلك الأنحاء.
المرجع: زنجبار في عهد السلطان خليفة بن حارب البوسعيدي ( 1911م – 1960م ) ، دراسة في التاريخ السياسي، أحمد بن خلفان بن علي الشبلي ، دار الفرقد للطباعة والنشر – سوريا – دمشق ، الطبعة الأولى 2015م .

Thursday, December 15, 2016

الشيخ العلاّمة عبدالله بن صالح الفارسي:حياته وسيرته

الشيخ العلاّمة عبدالله بن صالح الفارسي
قاضي قضاة كينيا
(1330-1403 هـ/ 1912-1982م)
حياته وسيرته
ورقة مقدمة في :ندوة قراءات في فكر الشيخ عبدالله بن صالح الفارسي 
 كلية العلوم الشرعية : 7 ديسمبر 2016م

أعدّ الورقة: الأستاذ ناصر  الريامي
تقديم: د. سليمان المحذوري

Friday, December 9, 2016

قمريٌ نصفه الآخر في صور العُمانية.. تعرّف على قصته

موروني- سيف المعولي
كنت أرقبه من البعيد، شيءٌ ما في داخلي يخبرني بأنه ليس بغريب، شيءٌ في داخلي يدفعني للذهاب إليه، كان فضولي يسبقني لرجل لا أعرفه، لكن رأيت فيه ملامح أحد كبار السن الذين كنت أزورهم قبل أن توافيه المنية، كان بالنسبة لي الفاصل الزمني بين الماضي والمستقبل، واليوم أرى نسخة منه تقف على مقربة مني، يدفعني الشغف للتعرف عليه، حتى قادتني قدماي دون أن أدري لأجدني أمامه. يسكنني الصمت تمتم لي بكلمات بسيطة مخنوقة:  “نصفي عُماني ونصفي الآخر قمري”..بهذه العبارة استوقفني رجلٌ في جزر القمر يلبس الدشداشة العُمانية ويعتمِر كمة نُقِش عليها عبارات بالخط العربي. لكنته ولسانه وبعض كلماته توحي بانتمائه إلى إحدى ولايات السلطنة، ومن الوهلة الأولى التي حطت عيناي عليه، كنت أرى في وجهه تلك الشقوق العميقة التي تحكي عمرا من الزمن.
وتتوقف عقارب ساعتي عندما بدأ التمتمة بأن انتماءه هو لعُمان ذلك البلد التي لا أستبدله بأي وطن آخر.
إنه عبدالله ودعان -هكذا يُطلَق عليه كما أخبرني- الذي اقتربت منه لأعرف حكايته، فرحّب بابتسامته، وعباراته التي تؤكد جريان الدم العُماني في عروقه، وسرد قصته لـ “أثير”.
حكايته تعود إلى فترة تقترب من المائة عام حيث خرج رجل عُماني من جزر القمر عائدا إلى السلطنة وتحديدا إلى ولاية صور، تاركًا خلفه زوجته وهي حامل، لأسباب قال عنها عبدالله ودعان إن أخواله في صور استدعوا جده للرجوع إليهم.
تميّز الجد بأن ضميره الحي -كما يصفه حفيده- جعله يُخبِر أبناءه في صور بأن لهم أختا في أفريقيا وأن عليهم البحث عنها، والمميز أيضا أن أبناءه تاقوا إلى لقاء أختهم فقاموا بالبحث المضني عنها عبر خطابات كثيرة أرسلوها إلى أفريقيا لكنها ضلت الطريق إلى جزر القمر بسبب كتابة مدغشقر على العنوان ظانين بأن مدغشقر وجزر القمر هي بلاد واحدة.
في الجانب الآخر من الحكاية هناك أحداث درامية جرت منذ ولادة أم عبدالله (شيخة) ، إذ رفض أهلها الذين تربت معهم في جزر القمر تزويجها لغير ذوي الأصول العربية خوفا من اختلاط الدم العربي بالدم الأفريقي، حتى جاء رجل أصله يمني من حضرموت فارتبط بها، وأنجبت منه أولادا من بينهم  عبدالله ودعان راوي هذه الحكاية.
ظل طرفا الحكاية يسيران نحو اللقاء، خصوصا من قبل أخوال عبدالله الذين استمرت رسائلهم في المجيء إلى أفريقيا حتى سقط اسم “مدغشقر” من أحدها فعرفت طريقها هذه المرة إلى جزر القمر، لتصل إلى شيخة وعائلتها وابنها عبدالله فانتعش الأمل لديهم بعدما ظن الجميع “ألا تلاقيا”.
عبدالله لم يكن يُجيد العربية جيدا فحصل على منحة من المملكة العربية السعودية للدراسة فذهب إلى هناك ودرس الثانوية ثم التحق بالجامعة في تخصص إدارة الأعمال. لباسه (الدشداشة العمانية والكمة) جعل الطلاب العمانيين في الجامعة نفسها يتساءلون عنه، حتى كشف لهم ذات يوم عن قصته التي جعلت أحدهم ( جمعة) يكون حلقة الوصل لترتيب اللقاء بين عبدالله وخاله الأكبر.
يقول عبدالله عن هذه اللحظات: “استقبلت خالي الذي جاءني إلى جدة بفرح كبير، وقد كتبت إلى أمي في جزر القمر عن هذا اللقاء وأرسلت لها الصور عن ذلك ففرحت فرحا كبيرا”.
أحداث الحكاية ظلت تتوالى لكنّ فصولها لم تكتمل بلقاءٍ بين الأخت وأشقائها بعد ، حتى تخرّج عبدالله من الجامعة وعمِل في بنك التنمية الإسلامي في جدة، فقرر الرجوع إلى جزر القمر وأخذ أمه إلى صور العفية بالتنسيق مع خاله الأكبر.
اللقاء الكبير الذي صاحبه بكاء فرح وسرور كان في بداية تسعينيات القرن الماضي حيث أخذ عبدالله أمه إلى صور. يصف عبدالله هذه اللحظات قائلا: استقبلونا من المطار، في موكب يتجاوز الخمس سيارات، أصروا علينا الذهاب إلى صور رغم بيوتهم الموجودة في مسقط،  ذهبنا من الطريق القديم واستمرت رحلتنا حوالي 7 ساعات، لكن مشقة الطريق تلاشت واختفت من الاستقبال الكبير والبهيج الذي حصلنا عليه في صور؛ كانوا يتنافسون في إكرامنا، ويُكثرون من العزائم التي لا تخلوا من “الذبيحة” في كل مرة”. رأينا “شيخة” أخرى لديهم، حيث وجدنا إحدى بنات خالي “نسخة طبق الأصل” من أمي في الاسم والشكل”.
الفصول لم تنتهِ، واللقاء الكبير فتح المجال للقاءات متواصلة يحكي بعضها عبدالله ودعان قائلا لـ”أثير”: لم يتحمل خالي رجوعنا من صور، إذ جاء مشتاقا إلى رؤية أخته في جزر القمر هو وزوجته بعد مجيئنا بحوالي أسبوعين، وتوالت الزيارات بيننا، إلى وقتنا الحالي، نحن نذهب إليهم وهم يأتون إلينا”.
عبدالله ودعان الذي يفتخر بأصله العُماني أصبح الآن رجل أعمال معروفا في جزر القمر حيث يمتهن “المقاولات”، وله تواصلٌ مع شخصيات معروفة في دول الخليج، وقصته ألهمته لمساعدة آخرين يبحثون أن تكتمل حكاياتهم مع أصولهم العُمانية والعربية، التي غيّبتها الأحداث المتتالية، أو غيّبها “الضمير الإنساني” ذات زمن، فهل سينجح في ذلك؟

توصيات مؤتمر علاقات عمان بدول القرن الأفريقي

العمانية – أثير
أوصى المؤتمر الدولي الخامس -علاقات عُمان بدول القرن الأفريقي- الذي أقيم بموروني عاصمة جمهورية القمر المتحدة بضرورة السعي من أجل تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية بين السلطنة ودول القرن الأفريقي وبين جمهورية القمر المتحدة والسلطنة وتعزيز دراسة اللغة العربية في هذا الدول بصفة عامة عامة وجزر القمر بصفة خاصة.
كما أوصى المؤتمر الذي شارك فيه باحثون من السلطنة ، جمهورية القمر المتحدة، تنزانيا، الصومال، كينيا، مصر، تونس، الجزائر، اليمن، بريطانيا، بلجيكا، روسيا والولايات المتحدة بالعمل على إبراز العلاقة التاريخية الاستثنائية بين اللغة العربية واللغة السواحيلية لتقوية الروابط بين الجانبين والاهتمام بالبحث العلمي المشترك بين السلطنة ودول القرن الأفريقي وتخصيص المزيد من المنح الدراسية للطلاب الراغبين في مواصلة دراسة التاريخ والحضارة بين السلطنة وجمهورية القمر المتحدة وإبراز دور التجار العمانيين في نشر الإسلام والحضارة والتراث الاسلامي بدول القرن الأفريقي.
وشدد المؤتمر على أهمية إقامة مثل هذه المؤتمرات والندوات العلمية واستمراريتها وتوسيع آفاقها من خلال دراسة علاقات عُمان مع دول القرن الأفريقي كالصومال، مدغشقر، أثيوبيا وجزيرة موريشيوس بهدف تعميق المعارف التاريخية والحضارية والعمل على ترجمة المصادر الفرنسية والإنجليزية الخاصة بتاريخ جزر القمر إلى اللغة العربية وطباعة ونشر الكتب والدراسات العلمية المختلفة.
ومن بين التوصيات التي خرج بها المؤتمر أهمية تضمين موضوعات التاريخ المشترك بين عُمان وجمهورية القمر المتحدة ودول القرن الأفريقي في المناهج الدراسية بغرض الاطلاع على القواسم المشتركة في الجوانب التاريخية والحضارية بينهما وتعزيز التعاون في الجانب العلمي وتطوير المدارس القرآنية في الجزر القمرية وتبادل الخبرات في الدراسات الإسلامية.
وأوصى المؤتمر بتشجيع الباحثين والدارسين لدراسة الوثائق والمخطوطات لما تحويه من كنوز معرفية في المجالات التي لم يتم الاطلاع عليها بعد وتبادل الخبرات بين جامعات دول القرن الأفريقي وجمهورية القمر المتحدة والجامعات العمانية وإقامة الفعاليات الثقافية والعلمية بين السلطنة ودول القرن الأفريقي.
وأكد المؤتمر الدولي الخامس -علاقات عُمان بدول القرن الأفريقي- على أهمية توثيق علاقات التعاون والشراكة بين هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية بالسلطنة وبين المركز الوطني للبحث العلمي والوثائق بجمهورية القمر المتحدة ومراكز الأرشيفات والوثائق في دول القرن الأفريقي في مجال الوثائق والمكتبات بصورة عامة وتبادل الخبرات في المجال الوثائقي وإصدار دورية علمية محكمة سنوية تختص بنشر الدراسات والبحوث التي تتناول التاريخ المشترك بين السلطنة ودول القرن الأفريقي وجمهورية القمر المتحدة.
وقد نظمت المؤتمر هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية بالتعاون مع وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي بجمهورية القمر المتحدة وبحث فيه 46 ورقة عمل وبحثا علميا على مدى ثلاثة أيام.

أحفاد وآثار السلاطين النباهنة حكام باتي بشرق أفريقيا

أثير – تاريخ عمان:
حينما قامت دولة النباهنة في شرقي أفريقيا، وتحديدا في جزيرة باتي، وما جاورها بيد السلطان سليمان النبهاني، بعد أن تزوّج من ابنة حاكم الجزيرة الأميرة بتاوينا بنت إسحاق بن محمد البتاوي الذي تنازل عن الحكم لصهره النبهاني عام 1203م ليصبح بذلك سليمان أول حاكم عماني لجزيرة باتي الواقعة في الطرف الجنوبي من ساحل كينيا، ومنها انطلق سلاطين بني نبهان نحو تأسيس سلطنة عربية إسلامية قويّة حكمت أجزاء كبيرة من ساحل شرق إفريقيا لمدة 311 سنة، وبعد ثم انحصرت سلطنة النباهنة، وفي أواخر حكمهم ظلت محصورة في جزيرة باتي ولامو حتى عام 1813م، وأصبح فيها السلطان النبهاني أشبه بالوالي، أو الزعيم القبلي.
“أثير” ترصد لكم أهمّ الحكّام النباهنة الذين حكموا جزيرة باتي الكينية، وازدهرت من خلالهم دولة النباهنة ووصلت لأوج ذروتها، وبقي أحفادهم فيها حتى يومنا هذا.
كانت البداية، في عام 559هـ بيد المؤسس سليمان النبهاني الذي مات في عام 625هـ، وخلفه ابنه محمد بن سليمان النبهاني في الحكم، وهو أول من حمل لقب سلطان باتي، وقد كانت له منزلة رفيعة جدا في قلوب أهل باتي لكونه ابن ابنة السلطان إسحاق قريبتهم، واستمر محمد في الحكم لمدة 25 سنة، وحينما مات ترك ثلاثة أبناء، وهم : أحمد، وسليمان، وعلي.‪ ‬
-السلطان أحمد بن محمد النبهاني (650 – 690هـ):‪ ‬
حينما مات السلطان محمد خلفه ابنه أحمد بالحكم، ولكن بعض من أهالي باتي لم يرتضوه حاكما، وزرعوا الفتنة بينه، وبين أخويه ليدب الصراع بين أحمد، وأخويه سليمان، وعلي، وفي هذه الأثناء تدخلت والدتهم السلطانة بتاوينا ونصحت ابنها أحمد بالصلح مع أخويه ليستقيم له الأمر في الحكم، وتفادي ثورة من خلال هذه الفوضى يطرد من خلالها بنو نبهان من باتي، فتسقط الدولة.
فاستدعى السلطان أحمد رجلا مسنّا حكيما كان صديقا لوالده، ويدعى علي بن عثمان بن سيف بن مظفر، ليصلح بينه، وبين أخويه، والذي استطاع فعلا أن ينجح بإقامة الصلح بين الأخوة المتصارعين، وحلّ الوفاق بينهم لتسود المدينة مرة أخرى حالة الهدوء، والسلام.
حيث كانت من أهم إنجازات السلطان أحمد النبهاني في باتي هو اهتمامه بتحسين إدارة، وموارد الدولة، وتنميتها، وتعزيز الجيش بهدف توسعة ممتلكات الدولة مستقبلا، كما أمر بتنفيذ الكثير من المشروعات التنمويّة، فأنشأ المزارع، وحفر الآبار، وبنى البيوت الحجرية، ونوّع من مصادر الدخل في البلاد، مما أكسب أهالي باتي الاستقرار المعيشي الذي أرسى بواسطته السلام في البلاد.‪ ‬
-السلطان الفاتح محمد بن أحمد النبهاني (690 – 740هـ):
حينما مات السلطان أحمد سنة 690هـ خلف ابنين هما: عمر، ومحمد، وابنتين هما : موانا خديجة، وموانا ميمي، وقد آل الحكم من بعده لابنه محمد، وهو أوّل من تلقب بلقب (بوانا فومو مادي)، وكان يتميز السلطان محمد بجمال المظهر، وحسن التصرف، والكرم، وكان يتمتع بحسّ قيادي عالي المستوى، واتّصف بحكمته وحنكته السياسيّة.
ولقد عمل السلطان محمد بتوسيع رقعة البلاد، فاتّجه إلى إخضاع الجزر الواقعة حوله، وخاض حروبا لذلك، مع أهالي شانجا، وفازا، وقبائل الراسيني، ومن ثم اتّجه للسيطرة على الإقليم الممتد من شمال باتي حتى مقديشو في الصومال، وكلّ المدن الواقعة في هذا الامتداد كـ كيونجا، وتولا، وكوياما، وماركة، وكسمايو، وأعلن السلطان محمد حكمه على مقديشو، تلك المدينة المهمة في خط التجارة للسفن القادمة من عمان، واليمن، وفارس، والهند.‪ ‬
السلطان عمر بن محمد بن أحمد النبهاني (740 – 795هـ):‪ ‬
حينما مات السلطان الفاتح محمد بن أحمد النبهاني سنة 740هـ تولّى الحكم ابنه عمر النبهاني الذي لقّب بـ (بوانا فومو عمر)، ولقد ورث من والده الصفات القيادية والحنكة السياسية، فواصل فتوحات الدولة النبهانية في أفريقيا، وقاد جيوشه نحو التوسعة، فاستولى على الكثير من المدن الواقعة في كينيا، وتنزانيا من أقصى الشمال، حتى أقصى الجنوب، بدءا من مدينة بانجاني، وسعداني، وتانجا، وكلوة، وكريمبا، لتدين له كلّ هذه المدن بالولاء، والاعتراف بسلطنته، ونطاق حكمه حتى وفاته عام 795هـ.‪‪ ‬
المرجع: الهجرات العمانية إلى شرق إفريقيا ما بين القرنين الأول والسابع الهجريين (دراسة سياسية وحضارية)، سعيد بن سالم النعماني، دار الفرقد للطباعة والنشر والتوزيع – سوريا، النادي الثقافي العماني، الطبعة الأولى 2012م.

المؤامرة الفرنسية للإطاحة بالإمبراطورية العُمانية في جزر القمر


أثير – تاريخ
إعداد : نصر البوسعيدي
كانت جزيرة موهيلي القمرية من أجمل الجزر التابعة للجزر القمرية والتي كانت تحت سلطة العرب منذ سنوات طويلة ، إذ تشير بعض المصادر ككتاب ( المفاخر السامية في ذكر سلاطين جزر القمر ) إلى أن السلطان العماني أبوبكر بن حسين من أحفاد الإمام محمد بن علي صاحب مرباط تولى الحكم في جزيرة موهيلي القمرية عام 1600م ،وقد توارث أبناؤه الحكم من بعده حتى ضعفت هذه العائلة واستولى على موهيلي شخص يدعى رامنتيكا عام 1832م بعدما اغتصب الحكم من أهلها، وبعدها أعلن إسلامه وأقسم الولاء والتبعية للسلطان سعيد بن سلطان مؤسس الامبراطورية العمانية وذلك لضمان بقائه في الحكم وتثبيت أقدامه بتبعيته للسيد سعيد بن سلطان الذي كان يعتبر حامي الإسلام والمسلمين في المنطقة.
ولذلك لا غرابة أن نرى آنذاك العلم العماني يرفرف في الجزيرة القمرية بموهيلي التابعة وبشكل صريح للسيادة العمانية، حيث بعث السيد سعيد بن سلطان في مارس عام 1836م موفده الدبلوماسي سعيد بن محمد البوسعيدي الملقب بمقدارا من أجل الوساطة في حل الصراع في جزيرة موهيلي بين السلطان رامنتيكا (عبدالرحمن ) والسلطان عبدالله الثاني سلطان أنجوان الذي كان يريد أن يستعيد موهيلي لحكمه بعدما اغتصبها مثلما ذكرنا أعلاه رامنتيكا، وانتهى هذا الصراع بأسر السلطان عبدالله الثاني ووفاته بالسجن عام 1836م.
وفي عام 1840م احتلت فرنسا جزيرة نوس بيه المدغشقرية نتيجة تنازل اندريان تسولي سلطان مايوت عنها للفرنسيين ومعها مايوت ذاتها رغبة منه للتخلص من النفوذ العماني نتيجة كرهه للسيد سعيد بن سلطان، وقد كان هذا الحدث هو نقطة تحول لتقليص نفوذ سلطان عمان وزنجباروبالتحديد في جزر القمر، ولذا فقد وجّه السيد سعيد رسالة إلى حلفائه الانجليز لمساعدته في وقف النفوذ الفرنسي لاحتلال مايوت التي حكمها النباهنة والمناذرة العمانيون لأكثر من قرن ونيف، ولكن كل مساعي السيد لم تكلّل بالنجاح واحتلت فرنسا مايوت وتبعتها بقية الجزر من خلال الصراع العماني الفرنسي الذي خطط كثيرا لتحطيم النفوذ العماني بجزر القمر وبالذات في جزيرة موهيلي التي كانت تتبع عمان في عهـد رامنتيكا الذي مات وخلّف ابنته السلطانة جومبيه فاطمة وأمها الملكة روفاو التي تزوجت بعد وفاة زوجها المدعو تسيفاندين عام 1834م والذي أصبح الحليف الأول للسيد سعيد بن سلطان والوصي الفعلي للسلطانة الصغيرة جومبيه فاطمة وريثة العرض بجزيرة موهيلي وهي بعمر الـخمسة أعوام.
وكل هذا تسبّب في قلق فرنسا التي أخذت تخطط بكل خباثة لإسقاط النفوذ العماني عن جزيرة موهيلي القمرية وإستمالة السلطانة الصغيرة وأمها ، وكانت البداية هي استمالة السلطانه التي أصبح سنها 9 سنوات بإرسال الهدايا وبعض الرسائل الودية التي أمر بها مجلس الوزارء الفرنسي المعادي للنفوذ العماني أنذاك، وفي عام 1843م قام المبعوث الفرنسي باسو بزيارة السلطانة ووالدتها محملا بالهدايا تتبعه أوامر السلطات الفرنسية عام 1844م بوضع خارطة الطريق للإطاحة بنفوذ عمان وزنجبار بموهيلي بكل الطرق المتاحة لذلك، وقد أرسلت فرنسا بعد هذا التاريخ جواسيس لموهيلي عبر السفينة لي كوليبيري بدعوى الدراسة الطبوغرافية لمياه البحر مع بعض الهدايا التافهة التي حملوها للسلطانة الصغيرة منها صندوقان من شراب عصير مركّز استلطف السلطانة جومبيه فاطمه التي عبّرت بكل حفاوة وترحاب بالوفد الفرنسي ، مما أدى إلى أن آمر المحطة البحرية الفرنسية روبين ديسفوسي في بوربون قام بنفسه في عام 1845م بزيارة موهيلي لتقصي الأخبار التي وردته بأن السيد سيعد بن سلطان ينوي الزواج بفاطمه أو لديه النية بأن يزوج أحد أبنائه أو أقاربه بالسلطانة ليضمن ولاء الجزيرة لعمان وزنجبار وهي التي لا زالت ترفع العلم العماني في القصر الملكي بموهيلي.
ولذا فإن فرنسا بعد كلّ هذه الأخبار كانت حريصة كل الحرص على أن ترمي بثقلها الدبلوماسي وعملها التجسسي بجزيرة موهيلي لإسقاط التبعية العربية العمانية عن الجزيرة ومحاربة السيد سعيد بن سلطان الذي تسبب بنشر الإسلام في جزر القمر وأواسط أفريقا وكل البقاع الأفريقية التي وصل له النفوذ العماني انذاك ، وكانت أول خطوات الحكومة الفرنسية لضرب نفوذ السيد سعيد بجزيرة موهيلي أن وضعت بداية من عام 1847م جومبيه فاطمه تحت إشراف مربية فرنسية اسمها مدام درواة كانت تعمل بحملات التبشير لتقوم بدور المخبر والجاسوس الذي يطلع على كل الأمور وتحرّكات السيد من داخل القصر وبنفس الوقت تسيطر على أفكار السلطانة الصغير جومبيه فاطمة وتبعدها عن الفكر الإسلامي العربي.
وقد باشرت مدام درواة عملها بكل مهارة فائقة لدرجة أن السلطانة جومبيه أخذت تتحدث الفرنسية خلال فترة وجيزة ، كما إنها أصبحت تحت سيطرة أوامر مربيتها التي أمرتها بأن ترفض كل هدايا السيد سعيد بن سلطان الذي كان يفكر بالزواج منها لضمان سيطرته على موهيلي، كما إنها عملت جاهدة لإبعاد جومبيه فاطمة عن الإسلام وزرع روح الكراهية ضد الجنس العربي في قلبها وتطبيعها بالعادات الفرنسية التي أثارت غضب وجهاء جزيرة موهيلي بقيادة تسيفاندين الذي بدوره قدم استقالته وهاجر إلى زنجبار بعدما توج الفرنسيين جومبيه فاطمة سلطانة على جزيرة موهيلي القمرية سنة 1849م لضمان تبعيتها لهم وهي بذلك امتلكت أهم خيوط وأوراق المؤامرة للإطاحة بالسيد سعيد.
هنا وفي هذا الوضع تنافست الإمبراطورية العمانية وبريطانيا وفرنسا لكسب قلب وود السلطانة جومبيه فاطمة، وذلك بعرض الزواج منها لأحد الأشخاص المرشحين من قبل الأطراف المتصارعة، حيث كسب ودها السيد سعيد ونجح بتزويجها من مبعوثه إلى الجزيرة في عهد والدها وهو العماني سعيد بن محمد بن ناصر البوسعيدي وخاصة بعدما غادرت المربية الفرنسية قصر السلطانة مجبرة نتيجة الضغوط الشعبية ضدها عام 1852م ، وقد تم فرض عدة شروط على الأمير سعيد بن محمد لكي يتم هذا الزواج ومنها:
ـ إن جومبيه هي الحاكمة الحقيقية للجزيرة.
ـ لا ينخرط أي عربي في العسكرية إلا بموافقة المجلس.
ـ إذا توفيت جومبيه فاطمه فإن أختها سلمى ستخلفها بالحكم.
ـ إن أنجبت ذكرا من زوجها العربي العماني فإنه لا يمكن له أبداً مغادرة الجزيرة.
ـ لن تلبس السلطانة الحجاب أمام شعبها ولن تتوقف عن الظهور العلني.
ورغم كل تلك الشروط فإن زوجها العماني سعيد بن محمد البوسعيدي أخذ يسيّر السياسة الإقتصادية للجزيرة على غرار سياسة السيد سعيد بن سلطان في زنجبار، وطور النشاطات التجارية للجزيرة لدرجة إنها أصبحت تورد منتجاتها ومقومات المعيشة لجزيرة القمر الكبرى، وحينما تنامى نفوذ السيد سعيد بن سلطان على جزيرة موهيلي بشكل اغاض فيها فرنسا وبريطانيا على السواء ، فقد خطط الطرفان مع معارضي السيد سعيد ترحيل زوج السلطانة إلى زنجبار وطرده من الجزيرة رغم أنه أنجب من جومبيه فاطمة ثلاثة أبناء وهم محمد ،وعبدالرحمن، ومحمود الذين حكموا موهيلي تبعاً بعد وفاة والدتهم.
في هذه الأثناء وبعد وفاة السيد سعيد بن سلطان وتقسيم الإمبراطورية العمانية نتيجة صراع الأخوين السيد ماجد والسيد ثويني على الحكم، ساهم الجنود القمريين بقيادة سعيد بن محمد البوسعيدي زوج السلطانة للقتال بصف السيد ماجد بحكم أن موهيلي تتبع سلطة زنجبار ولذلك فقد كانت مشاركته في صف السيد ماجد سبباً رئيسياً في عزله وطرده من موهيلي نهائياً عام 1860م ، واجباره على تطليق جومبيه فاطمه للخلاص نهائياً من الأمير سعيد بن محمد البوسعيدي وبالتالي نفوذ الإمبراطوورية العمانية على السواء، وظل الأمير العماني بعيدا عن زوجته مجبراً حتى وفاته عام 1864م.
وفي عام 1865م ، أقامت السلطانة مثلما وصف المؤرخون علاقة حميمية مع المستثمر الفرنسي لامبير الذي استغل حزنها وضعف عاطفتها بعد وفاة زوجها العماني الأمير سعيد بن محمد وتورطت معه في بعض الديون التي أخذتها منه في تلك الفترة، وكل هذه الأسباب اجتمعت على أن توقع السلطانة فاطمة مع لامبير اتفاقية امتياز مجحفة جداً اعطت من خلالها هذا الفرنسي الكثير من الأراضي في جزيرة موهيلي مقابل ربح 5% فقط للسلطانة ولمدة ستين عام وبكافة التسهيلات التي مكنت لامبير والفرنسيين من السيطرة فعليا على أراضي السلطانة بموهيلي والذي قابله انحسار كبير وخطير للنفوذ العماني بالجزيرة. حيث تعتبر هذه الإتفاقية هي البداية الفعلية للإستعمار الفرنسي لموهيلي القمرية، فقد سيطر لامبير بفترة وجيزة على المشهد الإقتصادي والسياسي في الجزيرة وأصبح هو الآمر والناهي لدى السلطانة، وفي خضم هذه الأحداث أمر السيد ماجد بزنجبار أبناء السلطانة بالعودة إلى موهيلي بعدما عاشوا بكنف السيد ماجد لمدة 9 سنوات بزنجبار، وكان السيد ماجد يحاول بهذه الطريقة أن يعيد السيطرة العمانية على الجزيرة، وبالفعل عاد الأبناء الثلاثة وأخذوا بموهيلي إثارة السلطانة والرأي العام ضد لامبير والوجود الفرنسي الذي استغل السلطانة وأراضي موهيلي بكل جشع نتيجة رعونة سياسة السلطانة، مما تسبب بهياج شعبي معارض للاتفاقية التي أبرمتها السلطانة مع الفرنسي لامبير، حتى أعلنت السلطانة مجبرة تنازلها عن العرش لأبنها الأكبر محمد ابن زوجها العماني الأمير سعيد بن ناصر البوسعيدي وبمباركة السيد ماجد ابن السيد سعيد بن سلطان ظناً منها بأنها بهذا التنازل والتنحي ستتخلص من الإتفاقية وبالتالي إسقاط كل هذه الإمتيازات عن الفرنسي لامبير، مما تسبب بأزمة حقيقية بين السلطانة ولامبير لدرجة أن الطرفين تبادلا الشتائم في اجتماعهما بحضرة أعضاء الحكومة بالجزيرة وتلاسن أبناء السلطانة مع لامبير الذي كان يهددهما بطردهما من موهيلي وإعادتهم إلى زنجبار وأدى ذلك في الأخير أن قامت السلطانة بطرد لامبير والوفد المصاحب له من المجلس ، وفي هذه الأثناء وبعد تعثر المفاوضات بين الطرفين قامت السفن الحربية الفرنسية بقصف الجزيرة وبعض القصور عام 1867م، في المقابل قام الأهالي الموالين للسلطانة وللعلم العماني بالهجوم على مؤسسة لامبير وحرقها بالكامل وتسويتها بالأرض، وفي ظل هذه الأحداث قام الفرنسيون بقيادة أمبيز آمر السفينة الحربية ليندر بالتوجه إلى زنجبار عام 1868 م للتفاوض مع السيد ماجد في حل إشكالية الجزيرة وتحميله كافة المسؤلية بما جرى، وقد اتفق الطرفان على ان يرسل السيد ماجد مبعوثه الى موهيلي لترحيل ابناء السلطانة سيف وعبدالله وارجاعهما الى زنجبار مع أمهم السلطانة جومبيه فاطمة، وبنفس الوقت تم تنصيب السلطان محمد بن سعيد البوسعيدي سلطان على موهيلي عام 1867م وتم رفع العلم العماني مشروطاً من فرنسا بالإلتزام الكلي بإتفاقية لامبير بموهيلي، ولكن صغر سن السلطان الجديد واعتزله العمل السياسي مؤقتاً تسبب في أن يصبح تحت وصاية وسلطة لامبير وبالأخص في عام 1868 م حينما استطاع هذا الفرنسي أن يقنع وجهاء الجزيرة بأن يتم تغير العلم العماني وبالأخص بعد هجرة السلطانة الى زنجبار وأن يصبح السلطان الجديد مستقلا عن السلطة العمانية مع التأكيد على التزام موهيلي بإتفاقية لامبير، وكل ذلك مكنه بأن يصبح الآمر والناهي بالجزيرة وبمرتبة تشبه رئيس الوزراء مع السلطان الشاب الجديد المجرد من كل سلطاته، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل استطاع لامبير أن يقنع أهالي موهيلي بعدم الإعتراف بجومبيه فاطمة وعدم السماح لها بالرجوع إلى الجزيرة كسلطانة وتجريدها بشكل نهائي من العرش، ولذلك فقد توجهت السلطانة فاطمه إلى فرنسا تشكو الوضع من تصرفات لامبير والتي أيضاً لم تكن تتوافق كلياً مع الدبلوماسية الفرنسية للسيطرة على الجزيرة مثلما خطط له الإستعمار، ولذا فقد أتت الأوامر من الحكومة الفرنسية إلى لامبير للتخلي عن وصايته على السلطان الجديد وأن يتوقف فورا من التدخل في القرارات السياسية للجزيرة لأنها تمثل شخصه لا الحكومة الفرنسية وأن يتنازل عن بعض أملاكه بالجزيرة مقابل مبلغ من المال، فهاجر هذا الفرنسي موهيلي متجه إلى جزر القمرعام 1869م ، وساءت علاقته مع السلطان محمد ذلك الشاب العربي العماني الذي وقف كثيراً ضد لامبير رغم كل الضغوطات التي كان يمارسها بمعية السلطات الفرنسية سابقاً.
وفي عام 1870 م منيت فرنسا بهزيمة نكراء في معركة سيدان التي استطاع من خلالها الألمان أسر الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث، وهذا الحدث جاء في صالح السلطانة التي ارادت العودة إلى جزيرتها وترك زنجبار وبالأخص بعد وفاة السيد ماجد سلطان زنجبار في نفس العام، وفي عام 1871م عادت جومبيه فاطمة لجزيرة موهيلي برفقة ابنها عبدالرحمن بن سعيد البوسعيدي، وصاحب ذلك ثورة شعبية مناصرة للسلطانة ضد التسلط الفرنسي من خلال أملاك لامبير التي شملت أغلب أراضي الجزيرة، ولتحد فرنسا من هذه المقاومة وعدم إلتزام السلطانة بالإتفاقيات المبرمة معها، قامت بقصف موهيلي والإستيلاء على القصر السلطاني ورفع العلم الفرنسي وترحيل كل المعارضين من الوجهاء للإستعمار الفرنسي.
فتحت فرنسا مع السلطان محمد باب التفاوض من جديد لكي يتجنب الوجود الفرنسي من أي اعمال شغب تهدد وجودهم فتم في نفس هذا العام اي في عام 1871م ابرام اتفاقية بين الحكومة الفرنسية والسلطان محمد البوسعيدي تنص على ان يتم التقليل من الأراضي التي يملكها لامبير ليستغلها الأهالي حيث أصبحت ملكية اراضي لامبير بمساحة 5000 هكتار مع إعطاء لامبير حق مزاولة قطع أشجار الجزيرة الغير مزروعة من قبل الأهالي لتلبية إحتياجات مصانعه وبذلك عادت الجزير للهدوء نتيجة هذه الإتفاقية كما عادت العلاقة العاطفية مرة أخرى بين جومبيه فاطمة والفرنسي لامبير رغم كل الذي حدث وبالأخص بعدما انفصلت من زوجها الملغاشي بكاري سمبا بعد فترة وجيزة من زواجهما!!!
وفي عام 1873م مات المدعو لامبير عن عمر يناهز الـ49عاماً وقد أدت وفاته إلى حزن السلطانة التي ما كادت أن تنسى حزنها على لامبير حتى فجعت مرة أخرى بوفاة ابنها الأكبر السلطان محمد البوسعيدي في عام 1874م وهذا الحدث جعلها تعود مرة أخرى إلى حكم جزيرة موهيلي رغم الرفض الشعبي لذلك.
عودة السلطانة إلى الحكم أدى إلى عودة علاقتها الحميمية مرة أخرى مع الحكومة الفرنسية وقد توج كل ذلك بزواجها للمرة الرابعة بالأدميرال الفرنسي لانجلاي عام 1875م وساهم هذا الزواج بشكل كبير في استمرار المخطط الفرنسي للسيطرة على كل ما يتعلق بجزيرة موهيلي وقد أنجبت منه طفلين اسمهما باكوكووسليمي.
وفي عام 1878م توفيت السلطانة جومبيه فاطمة عن عمر ناهز اثنين وأربعين عاماً بعد أن حكمت جزيرة موهيلي ثمان وثلاثين سنة، ولم يكن لموتها أي ضجيج أو حزن من قبل أهالي موهيلي المستاؤون من سلطانتهم المسلمة التي تزوجت في أواخر حياتها من رجل أوروبي غير مسلم.
وقد تم انتقال الحكم لابنها عبدالرحمن بن سعيد بن ناصر البوسعيدي في عام 1878م وهو ذو الثمانية عشر عاماً بأشراف من فرنسا وزوج السلطانة الراحلة الفرنسي لانجلاي، وقد كان السلطان عبدالرحمن البوسعيدي يبغض بشدة السيطرة الفرنسية على الجزيرة ولم يخف ذلك أمام الفرنسيين، ولكن سفره إلى زنجبار ولمدة عامين لزيارة أقاربه من البوسعيديين وأيضا للزواج من أحد العمانيات وهي من الأسرة الحاكمة كانت سبب رئيسياً بالإطاحة به وقتله في عام 1885م نتيجة ثورة شعبية اجتاحت موهيلي بعد رجوعه إليها نتيجة الفتن التي تم إشعالها ضده وبمخطط فرنسي بحت.
ولقد أدى ذلك إلى أن يحكم موهيلي رجل يدعى محمد بن الشيخ مختار وهو من الأسر القديمة الحاكمة في الجزيرة ولكنه عُزل بعد عام واحد من حكمه وتم تعين ابن أخته مرجان بن عبده الذي وقع مع السلطات الفرنسية معاهدة الحماية في عام 1886م لتصبح موهيلي رسمياً تحت الحماية الفرنسية.
السلطانة جومبيه فاطمة (1841م – 1878م)
المرجع:
كارهيلا ، حامد – صراع الحب والسلطة ، السلطانة جومبيه فاطمة (1841م – 1878م) والتنافس الفرنسي العماني على جزيرة موهيلي القمرية ، الطبعة الأولى ، دار الفرقد للطباعة والنشر – دمشق 2012م.

Thursday, December 8, 2016

رائحة السواحل

جريدة عمان
8 /12/2016
سالم بن حمد الجهوري 
Salim680@hotmail.com 


عندما تطأ قدماك أيا من دول شرق إفريقيا بدءا من الشمال، بدءا بالصومال ثم نزولا إلى كينيا، وتنزانيا، وموزمبيق، والداخل بوروندي، وروندا، ثم أوغندا، فإن رائحة الآباء والأجداد الأوائل تسبقك إلى هذه الأماكن، وأول ما يتبادر إلى الذهن هي كيف استطاعوا أن يقطعوا مسافات الطرق الطوال  من عمان إلى كل هذه الدول، حيث لم يكن إلا عباب البحر المنفذ الوحيد لأولئك الطامحين في استكشاف ما وراء الأفق والمجهول، فلم تكن في سنواتهم تتوفر وسائل التعريف الجغرافي بالطرق أو البعد التقديري للأراضي التي كانوا يسعون إلى الوصول إليها، وهي كما كان يطلق عليها   «السواحل».
اليوم يعيش هذا الامتداد العماني مع الشرق الإفريقي مرحلة أخرى من التواصل مع شعوبها عبر تنظيم الملتقيات والندوات والمؤتمرات الهادفة إلى تعريف الوجود العماني علميا، وثقافيا، وسياسيا، وعسكريا، واقتصاديا، واجتماعيا، هذا التعريف الذي تأخرنا في نبش كنوزه القيمة حول الوجود العماني لقرون في هذه البقعة، التي تستضيف اليوم جزر القمر الاتحادية أحد أعراسه والذي كان آخرها في بوروندي العام قبل الماضي.
المؤتمر الدولي الخامس «علاقات عمان بدول القرن الإفريقي» الذي تنظمه هيئة الوثائق والمحفوظات في هذا الاتجاه خلال الساعات القادمة، يعد واحدا من أهم الخطوات نحو الخروج بتوصيات حول تفعيل التواصل العماني الإفريقي في المرحلة المقبلة، لما تمثله أوراق العمل الـ 46 التي ستناقش والمحاضرون والحضور الأثر البالغ في فهم مسارات التاريخ العماني ومحطاته وحقبه وصناع التاريخ من رجالاته، وربطه بالأحداث الإقليمية والقارية والعالمية في تلك الفترة التي شهدت توسع الامبراطورية العمانية قبل اكثر من ألف عام ليس فقط على الأراضي الإفريقية بل في آسيا والأقاليم المجاورة وتصدي العمانيين للطامعين بمنطقة الجزيرة العربية، حيث   كان لهذا الدور بعد في تقليل المخاطر والمحافظة على  الكيانات المتواجدة في وقتها وضمان حرية الملاحة في مياه  الخليج لمئات السنوات، وهذا الجهد نفسه الذي تساهم فيه اليوم عمان.
المؤتمر الذي يفتتح اليوم ويستمر لمدة 3 أيام ويترجم إلى 4 لغات، سيغطي فترة الوجود العماني في المنطقة وجزر القمر الاتحادية بالذات، والعلاقة المهمة التي كانت تجمع الجانبين والدور العماني في نشر الإسلام و السلم والحضارة وبناء الدول التي ما زالت هويتها متمسكة بذلك الوجود الرائع.
المرحلة المقبلة تحتاج منا إلى المزيد من التكريس لهذه الفعاليات في الشرق الإفريقي وكل القارة السمراء، وإلى كتابة التاريخ عن الدور العماني والعلاقات مع الأشقاء في هذه الدول، وان نلتفت بشكل أكبر ونوثق كل محطاتنا التاريخية وإسهاماتنا البشرية والدور الرائد السياسي والعسكري واستمرار تعزيزه والذي يخلو من أي «أجندة» سوى توضيح الحقائق للعامة والباحثين والمهتمين، وتحديد الكثير من النقاط في تلك الحقبة من التاريخ العماني المهم وإجلاء الكثير من الحقائق، ولعل مشاركة العشرات من العلماء والباحثين والمهتمين العرب والأفارقة  في مؤتمر اليوم وغيره، دليل ساطع على أن هذه الفترة تعد من الفترات المهمة في تاريخ القارة الإفريقية وهي مصدر فخر لما فعله الآباء المؤسسون، كما أنه يرفع الحرج حول أهمية دور العمانيين عن الباحثين والعلماء العمانيين.
هذه السلسة من المؤتمرات تعد من أكبر المكاسب التوثيقية لتاريخنا المشرف، وهي تقطع الطريق على البعض لإشراك  نفسه في صناعة تاريخ المنطقة الإفريقية لتسمين كتبه التاريخية.

Tuesday, December 6, 2016

موروني تبتسم لعمان

مدرين المكتومية
جريدة الرؤية
الثلاثاء 06 ديسمبر 2016
موروني تلك العاصمة الجميلة التي ما إن وضعنا أقدامنا على أرضها حتى كنا محاطين بترحيب واهتمام كبير من قبل سكانها؛ فعلى الرغم من بساطة العيش وقلة الحيلة إلا أنّ قناعة العيش سمة من سمات البقاء.. في جزر القمر نتنفّس النقاء، ونشبع ناظرينا بالخضرة ولا تبخل علينا السماء بأن تدر من غيومها القليل من المطر ليخفف عنا الحرارة في هذا الوقت من العام..
بلد يحاول جاهدا أن ينهض بنفسه على الرغم من قلة أدواته إلا أنّه ظلّ متمسكا بفرض وجوده بين دول العالم. ولو تحدثنا عن علاقتنا كعمانيين بسكان هذا البلد يكفينا أن رؤية "الدشداشة العمانية" و "الكمة العمانية" وما ترتديه النساء والذي نطلق عليه بلغتنا المحلية "ليسو" وغيرها لازالت حاضرة في محافلهم ولازالوا يذكرون العلاقات والروابط التي تجمعنا بهم.
ولا يمكن أن ننسى أنّ جزر القمر وبالتحديد موروني بلد الأمن التي لا يقلق فيها الفرد من أن يمشي وحده في الليل، ويكتشف مساءتها البسيطة وطقوس سكانها التي تبدأ بساحات الشواء وتنتهي بفنونهم الشعبية التي تدق طبولها معلنة عن سعادة لا توصف، ولباسهم البسيط الذي يعبّر عن شخصيّتهم المتواضعة ونساءهم اللاتي يصنعن لأنفسهن الجمال بمستحضرات طبيعية وبكل تواضع يجدن أنهن أجمل من أي نساء أخريات لأنهن يصنعن من الجمال جمالا آخر.
ولعلنا اليوم نزيح الستار عن تلك العلاقات التي قد تكون مغيبة للجيل الجديد ونكشف أسرارها ونفتح باب الحوار بيننا وبين سكان العاصمة موروني، وذلك من خلال مؤتمر "علاقات عمان بدول القرن الإفريقي " والتي نظمتها هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية والتي تضمنت ٤٦ ورقة عمل قدمتها مجموعة من الدكاترة والأساتذة والباحثين في مجال التاريخ والعلاقات بين عمان ودول القرن الإفريقي.
فحين نأتي لنرى حجم تلك العلاقات سنكتشف أنّ لعمان مكانتها المعترف بها والتي يرددها الجميع، وقد كشفت الكثير من البحوث التي تميّزت بالتنوّع والثراء الكثير من الجوانب منها "الوجود العماني في جزيرة مايوت القمرية قبل الاستعمار الفرنسي، إمارة آل بوسعيد في جزيرة موهيلي القمرية، السكان القمريين في زنجبار وأسرة البوسعيد العمانية، عمان وسوقطرة في العصور الوسطى، جسور العلاقات التاريخية بين عمان وجزر القمر، بعض الشخصيات ذات أصول عمانية في جزر القمر والتأثير العماني في مدارس تحفيظ القرآن الكريم "الكتاتيب" بجزر القمر وغيرها من البحوث والدراسات التي كشفت الكثير من الجوانب، التي لم تقتصر على الجانب التاريخي فقط بل تجاوزتها نحو الروابط العلمية والعملية  والسياسية وهذا ما يجعلنا نجد أنّ هناك تواجدا عمانيا لا يمكن نكرانه.
عمان يد السلام تمد يدها وتبذل قصارى جهدها لتعيد شريط علاقاتها بدول القرن الإفريقي؛ ليكون بمثابة إحياء للذكرى واحتفال بكل المنجزات التي قدمتها على المستوى الداخلي والخارجي؛ وليس هذا فقط بل لتبعث رسالة التسامح والسلام لكل العالم. وها هي هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية إحدى الجهات الحكومية التي تقوم بدورها في رسم تلك العلاقات، وإظهارها للعالم من خلال المؤتمر الدولي الخامس لعلاقات عمان بدول القرن الإفريقي، والذي سبقته مؤتمرات وجهود أخرى تسجل التواجد العماني هناك وترسم خارطة استمرار تلك العلاقات والصلات العميقة.

المد العُماني في دول القرن الإفريقي

حمود الطوقي
جريدة الرؤية
الإثنين 05 ديسمبر 2016 10:04 م
أُطِلُّ عليكم بمقالي الأسبوعي هذه المرة من مُوروني عاصمة جُزر القمر الاتحادية، هذه الجزيرة التي تستضيف وفدا عُمانيا جاء إلى هُنا لتنظيم مؤتمر دولي، بأوامر سامية من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- الذي يحمل عنوان "علاقات عُمان بدول القرن الإفريقي"؛ حيث سيشارك -في الفترة الواقعة بين 6-8 من الشهر الجاري- باحثون ودارسون يُمثلون 11 دولة، بأوراق عمل ستتحدث بشكل تفصيلي عن العلاقات العُمانية الحضارية بجزر القُمر، وإثيوبيا، والصومال، ومدغشقر، وجيبوتي، وموريشيوس، وسقطرى، وهي دول القرن الإفريقي، وذلك بتنظيم مشترك بين هيئة المخطوطات والوثائق الوطنية من جهة، ووزارة الخارجية والتعاون الدولي في جمهورية جزر القُمر.
المؤتمر -كما يتضح من عنوانه- يحفر في العلاقات العميقة الحضارية بين السلطنة ودول القرن الإفريقي مُجتمعة ومنفردة، ويوثِّق الجوانب المهمة لتبقى في سِفر التاريخ، من خلال رصدها وقراءتها وتحليلها عبر المتحدثين الـ11 الذين يمثِّلون البحث العلمي من زواياه المختلفة التي تستقي بياناتها ومعلوماتها من وقائع التاريخ والمخطوطات والآثار المُشاهٓدة عيانًا والمتسقة مع واقع الحال عبر القرون.
وتكشف المحاور الخمسة التي سيحفل بها المؤتمر الخامس حول علاقات عُمان بدول القرن الإفريقي، الكثيرَ من الأبعاد التاريخية والاقتصادية والتعليمية والتربوية والزراعية والمعمارية والديموغرافية والأدبية، وهذه كلها تصب في صالح التأكيد التاريخي للوجود العُماني هناك، الذي لا تشوبه شائبة.
لقد حفلتْ العلاقات العُمانية بدول القرن الإفريقي بتناغم سكاني عبر الهجرات العُمانية إلى دول القرن، وهناك نشأت العديد من الصلات الاجتماعية التي أكَّدتْ نشوء الجوانب التاريخية التي جعلت الأصول مُمتزجة، وهو في الوقت ذاته ليس عائداً إلى الهجرات فقط، فحركة الملاحة البحرية أسهمت في نشوء تلك الهجرات، على اعتبار أنَّ القاسم المشترك هو التناغم والاندماج الذي كان محل ترحيب من الجانبين.
عُرف عن العُمانيين جهدهم الواسع في نشر الإسلام في معظم دول إفريقيا، ومن بينها دول القرن، فقد جاء ذلك من خلال التوسُّع العُماني، ومن خلال الصلات التي جمعتهم مع سلطنة زنجبار، وهو ما جعل العُمانيين يبرعون في ذلك من خلال التبادل التجاري مع دول القرن في نشر الإسلام عبر نموذج القدوة والسلوك الذي تحلُّوا به في علاقاتهم بتجار دول القرن الإفريقي، وهذا أسهم بشكل كبير في زيادة مستوى الاندماج بين شعوب تلك الدول وبين العُمانيين.
لن يغفل هذا المؤتمر دور العُمانيين في نشر التعليم في دول القرن الإفريقي؛ من خلال المؤسسات التعليمية، وحركة التأليف وإنجاز المصنفات العلمية، إضافة إلى نشر اللغة العربية هناك؛ كونها لغة الإسلام والعبادات المتصلة به، وكذلك تعلم لغات تلك الدول من جانب العُمانيين باعتبارها لغة الخطاب المشتركة، مما أنشأ قاسما مشتركا تجذيريا في التساكن والتكيف والتعلم المشترك، وهذا أثّر على الحركة الأدبية، والكتابات الشعرية، وكتب الرحلات...وغيرها من الجوانب الكتابية.
لقد مثَّلت الزراعة والتبادل التجاري عبر التجار من الجانبين عُنصرا مُهما في إضفاء طابع التكامل عبر الاستيراد والتصدير، وهذا ما أكدته الجمعيات الأهلية التي تكاتفت -فيما بينها- من أجل تسهيل الصلات التجارية والاجتماعية؛ مما جعل هذا الدور ينعكس على استقرار الحراك وتنامي منافعه وتعددها بين الطرفين العُماني وسكان دول القرن الإفريقي؛ ولم تكن الفعاليات الاجتماعية والدينية غائبة، بل إنها -بحكم دخول تلك الدول في الإسلام- انتشرت بينها احتفالات؛ مثل: الإسراء والمعراج، والمولد النبوي، ومناسبات العيدين الفطر والأضحى، بما صاحبها من تثاقف في العادات والتقاليد ذات الصلة بهذا الجانب.
أمَّا على مستوى المخطوطات والوثائق، التي ظل بعضها هناك، وبعضها الآخر مُتنقلا بين دول أوروبية بسبب حركة الاستعمار في مراحل عاقبة على الوجود العُماني؛ فهي بمثابة شهادات عابرة للعصور، موثقة الوجود والتأثير والتجذر العُماني في دول القرن الإفريقي.
إنَّ هذا المؤتمر يفتح بابَ التأكيد على أنَّ الوجود العُماني الحضاري الإيجابي الفاعل والمؤثر مُتحقق، ولنا أن نفخر بذلك كوننا عُمانيين.

العمانيون ودورهم في نشر الإسلام والثقافة العربية في شرق أفريقيا

العمانيون ودورهم في نشر الإسلام والثقافة العربية في شرق أفريقيا: دراسة ببليومترية للإنتاج الفكري المنشور

بحث مقدم للمؤتمر العالمي (الإسلام في أفريقيا) بالجامعة الإسلامية بماليزيا
إعداد
صالح بن سليمان الزهيمي
جامعة السلطان قابوس
مسقط


2011

Zanzibar Tragedy

Zanzibar Tragedy
Aman Thani Fairuz
http://www.zinjibar.com/zanzibartragedy/

الفلم الوثائقي جزر القمر

فلم وثائقي يحكي العلاقات التاريخية بين عمان وجزر القمر
انتاج تلفزيون سلطنة عمان