الصلات التجارية بين عمان وشرق إفريقيا في العصر الوسيط

صحيفة الوسط : ، الثلاثاء 13 يونيو 2006م

كان لمنطقة الخليج العربي عموماً وعمان خصوصاً صلات عريقة بشرق إفريقيا ترجع إلى ما قبل الإسلام بوقت طويل وكان العمانيون أول رواد لساحل إفريقيا الشرقي وأكثر تأثيراً في المنطقة من أي فريق آخر، وذلك بهدف المتاجرة مع الأفارقة في هذه المنطقة من قارة إفريقيا. وابتداء من القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي نجد أن رحالاً عربياً قد دوّن بصورة مختصرة أخبار رحلته من عمان إلى شرق إفريقيا في كتابة «مروج الذهب ومعادن الجوهر» وهو أبوالحسن بن الحسين بن علي المسعودي الذي ولد في نهاية القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي في بغداد من أسرة حجازية... والواقع أن أخبار رحلته إلى شرق إفريقيا هي السبيل الوحيد للتعرف على حجم التجارة العمانية وأبعادها في شرق إفريقيا.

رحل المسعودي مع التجارة والتجار العمانيين عدة مرات، ولقي ما كان من مخاوف وأهوال في مياه الشرق الإفريقي ووصل مع بحارة «عمان من عرب الازد» إلى أقصى جنوب الساحل الإفريقي وعاش معهم في شرق إفريقيا ثلاث سنوات يرقب ويدون ما يرقب ثم عاد معهم إلى عمان ولم تستقر به الحياة في عمان إلا قليلاً فقد ركب البحر مرة أخرى وعاد إلى إفريقيا الشرقية.

لقد قدم المسعودي المعرفة عن شرق إفريقيا، إذ كتب في زمن نشطت فيه التجارة الخليجية في تلك المنطقة، ولم يكتب عن سماع وقراءة بل كتب ما رأى وخبر مباشرة، وبذلك وضع أسساً ثابتة وقوية لتاريخ العلاقات العربية - الإفريقية التجارية وخصوصاً العمانية. ومع كل ما كتبه من معلومات عن صلة العمانيين التجارية بشرق إفريقيا والتي تخص الطريق التجاري بين عمان والساحل الإفريقي الشرقي ومصاعب هذا الطريق ومراحل السفر فيه ومنتجات ذلك الساحل فإننا على ثقة بأن معلومات المسعودي عن هذه الجوانب هي أكثر بكثير مما دونه لنا في كتابه «مروج الذهب».

ومنذ القرن الرابع الهجري - العاشر الميلادي وصلتنا أوصاف أخرى للرحالات التجارية العمانية في شرق إفريقيا... فقد كتب بزرك بن شهريار على لسان ربانية السفن العمانية المتخصصين بالسفر إلى شرق إفريقيا موضحا لنا المناطق التي وصلها التجار العمانيون في تلك المنطقة.

استمر الجغرافيون العرب ما بين القرن الخامس والسابع الهجريين/ الحادي عشر والثالث عشر الميلاديين في التأكيد على النشاط التجاري العربي في شرق إفريقيا، ذلك النشاط الذي بلغ أوجه في القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي وفي هذا المجال نذكر الرحالة العربي الكبير ابن بطوطة، الذي جاب العالم الإسلامي بنفسه ووصل من عدن إلى ساحل إفريقيا الشرقي سنة هـ/ م، وعاد من المكان الأخير إلى عمان عبر الطريق المسلوك من قبل التجار، وعند عودته دون ما شاهده من نشاط تجاري عربي في مدن الشرق الإفريقي، وكذلك النظم التجارية المتبعة هناك. اما الكتب الملاحية فهي حصيلة العلاقات التجارية والبحرية والسياسية العمانية في أقطار العالم المعروفة آنذاك ومن بينها أقطار شرق إفريقيا، فقد حرص بعض العمانيين على دراسة قواعد وأصول الإبحار في المحيط الهندي، وكان من أشهرهم أحمد بن ماجد وسليمان المهري اللذين ألفا مجموعات كبيرة صغيرة من المقالات تعين الباحث على معرفة كثير من جوانب النشاط التجاري الملاحي... وإلى هذه المؤلفات الملاحية يعود الفضل في معرفتنا بأن الرحلة التجارية البحرية إلى شرق إفريقيا ترتبط بمعرفة أصول الملاحة وفنونها... وإليها يعود الفضل أيضاً في معرفتنا بمواسم التجارة العمانية مع شرق إفريقيا والمناطق التي وصلها التجار العمانيون في شرق إفريقيا والسلع التي كانوا يرحلون من أجل جلبها...

---

العوامل التي تتحكم في صلة العمانيين التجارية بشرق إفريقيا

إن الحافز الأول والأهم في صلة عمان بشرق إفريقيا هو التجارة، التي دفعت العمانيين إلى الإبحار إلى شرق إفريقيا حاملين معهم المواد التي يرغب سكان تلك المنطقة في مبادلتها بمنتجات بلادهم.

والسؤال الأول الذي يتبادر إلى الذهن هو لماذا وجه العمانيون نشاطهم التجاري نحو شرق إفريقيا؟ إن الإجابة على هذا السؤال ترتبط ارتباطا وثيقا بعدة عوامل منها:

- دور عمان العريق في الملاحة والتجارة البحرية: فارتباط الشاطئ العماني بالبحر منذ وجوده جعل سكانه يكتسبون خبرة بحرية تؤهلهم لكي يخضعوا المحيط الهندي بين عمان وشرق إفريقيا لجولاتهم البحرية غير ابهين بامواجه العالية وهذا يعني أن العمانيين قد سخروا مهاراتهم الملاحية ومعرفتهم بطرق الملاحة وقوانينها لخدمة أغراضهم التجارية مع شرق إفريقيا.

- الموقع الجغرافي لموانئ عمان لقد جعل هذا الموقع المدن العمانية مركزاً مهماً لتجارة العبور استيراداً وتصديراً بين أسواق العالم المعروفة في العصر الوسيط وربطها بطرق التجارية العالمية آنذاك وهذا ما اكسب عمان خصوصية في التجارة العالمية فقيل «من اراد التجارة فعلية بعدن وعمان». إذ اشتهرت موانئ عمان بكثرة تجارها ووفرة تجارتها وسعة مالها وغناها... كما أن موقع عمان جعلها بوابة الخليج العربي الأولى إلى شرق إفريقيا، التي امتازت بخيراتها الوافرة... ولذلك قام العمانيون بنقل معظم تجارة الساحل الإفريقي الشرقي إلى عمان ليعاد تصديرها إلى المراكز التي تطلبها...

- العلاقة المكانية بين عمان وشرق إفريقيا: فالجوار الجغرافي قد دفع العمانيين لأن يوجهوا نشاطهم التجاري إلى شرق إفريقيا...

- تعد إفريقيا الشرقية نقطة جذب العمانيين لما يتوافر فيها من سلع غالية ومرغوبة تدر ارباحا عالية، لذلك غامر العمانيون لجلبها وتحملوا الصعاب والمخاطر من أجل الحصول عليها.

- الطبيعة المناخية لشرق إفريقيا: فقد يسرت هذه الطبيعة للعمانيين التجارة مع شرق إفريقيا بأقل جهد، ونقصد بذلك حركة الرياح الموسمية التي تهب على منطقة المحيط الهندي والتي مكنت العانيين من القيام برحلتين منتظمتين في السنة، ففي شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من كل سنة تندفع الرياح نحو الجنوب الغربي فتخرج السفن من خليج عمان إلى المحيط الهندي ثم تسير بمحاذاة الساحل الإفريقي الشرقي وفي شهر أبريل/ نيسان من كل سنة تنعكس العملية، إذ تبدأ الرياح بالهبوب من الجنوب والجنوب الغربي بحيث تمكن السفن العمانية من العودة إلى أوطانها في ساحل عمان محملة بسلع إفريقية متنوعة، فضلاً عن أن موقع عمان قد مكنها من الاستفادة من الرياح الموسمية للوصول إلى شرق إفريقيا.

- ازدياد التجارة العمانية بعد ظهور الإسلام: ويمكن أن نضيف عاملاً آخر هو البعد الجديد الذي اكتسبته العلاقات العمانية الإفريقية بعد الإسلام، بسبب بروز دوافع وعوامل جديدة دينية سياسية جعلت الصلة قوية بين الجانبين ونشطت من حركة التجارة، فقد ذهب العمانيون بعد ظهور الإسلام حاملين معهم الرسالة الإسلامية وقاموا بنشرها في شرق إفريقيا عن طريق التجارة.

إن تاريخ الحضارة العمانية يزخر بالكثير من أمثلة السمو الأخلاقي والشجاعة والبطولات إلى جانب المهارات البحرية والاهتمام بالعلوم والأعمال الجادة الدؤوبة - والتي تضافرت جميعها لتصل الدولة العمانية إلى ما هي عليه الآن