Friday, June 26, 2015

الوالد ....... و الشيخ خلفان بن جميل و التباسات زنجبار المكان والمآثر والسقوط

حمود بن سالم السيابي 
-------------------------------------
كانت سمائل عام 1371 هي غير سمائل كل الأزمنة إذ بدت كطفلة تائهة تبحث عن أبيها , فابن جميل يحزم حقائبه للسفر إلى زنجبار حيث كل غيمة تمطر ، و كل قطرة مطر تتسكب تنبت قرنفلة وتشمخ جوزة هند .
وحيث السلطان خليفه بن حارب يلغي المسافة بين عمامة العالم وكرسي عرش سعيد بن سلطان .
لقد حزم الرجل أمره ليعبر المحيط الهندي إلى البر الإفريقي ليتنفس هواء (صحيا) يجدد رئتيه ويفتح مسام جلده وينعش روحه بعيدا عن مسقط و نزوى .
وقد ارتفعت إستغاثات (غيل الدك) لتطال مسامع الإمام في نزوى حيث طلبوا منه إثناء ابن جميل عن السفر ، لان سمائل بحاجة إليه فهو شمس نهارها وقمر ليلها ومرجعيتها وعقلها وروحها . فجاء رد الإمام مشاركا سمائل خوفها من افتقاده ولكن لا يمكنه إثناءه . 
ولم يكن ابن جميل وحده الذي نشر شراعه ورحل ، فنصف بيوت (غيل الدك) بسمائل أرسلت فلذات أكبادها إلى إفريقيا المتوحشة ليأكلوا في إفريقيا أو تأكلهم إفريقيا .
إلا إن كل تلك الهجرات لم تربك البلدة , ولم تحدث بها ذلك الشعور باليتم . بينما مجرد التفكير برحيل ابن جميل يزلزل الفيحاء , بل كل عمان حتى قبل أن يترجم الرحيل إلى حقائب ومراكب وأشرعة . 
ولم يكن الوالد بعيدا عن أمنيات الترحال إلى غياهب البر الاخضر الذي يراه في قلب الإمبراطورية العمانية وان ابتعدت المسافات بين جناحيها الآسيوي و الافريقي , فمنذ كان الوالد في نخل كانت أحاديث منتدى الحصن النخلي تبدأ بافريقيا وتنتهي بإفريقيا حيث بيت العجائب والمتوني يشعان بأمجاد السلاطين , و شوانب الفنسة وبوبوبو وكيسونجوني تعطر بر الزنج بتدارس القرآن ، وحيث نارجيل أنغوجا تتمتم في هجعة الليل (تلك البوارق حاديهن مرنان)
وقد كان الوالد فاروقيا في نظرته للبحر, فابن الخطاب كان يطلب من قواده أن لا يجعلوا البحر بينهم وبينه , حتى اذا ما شاء اتصل بهم , فكان الوالد لا يتعجل قراراته ولا يجعل الهروب وسيلته للتعبير عن الرفض وربما كان أكثر المتمسكين بنصيحة إمامه الرضي الخليلي في "الصبر على ضنك المعيشة إيثارا للسلامة " فقد نشأ الوالد في الهجمة الشرسة للطاعون , ولم يفر الوالد من قدر ربه , وتصادم مع الجبال فلم يبتئس بتضاريس الجغرافيا , بل بحث عن إزميل يفتت به الجبل ليشق (شاغيا) فيعبر. 
وحين كان الوالد في نخل كانت تشنف أسماعه زنجبار الأشرعة والمراسي , وكانت تشده زنجبار المطابع والمكتبات ، وزنجبار قصائد ابن عديم وصحف النجاح والفلق والنهضة والاصلاح .
ولكن نخل الزنزلة و الثوارة و كبه و الصاروج تشده ليستكمل (إرشاد الأنام في الأديان والأحكام) ويتحاور بيتيمات الدهر مع أساطين القريض .
وحين غادر نخل إلى جعلان كان الطريق الطويل مدعاة للتفكير بزنجبار القصور والقلاع والكهرباء والهاتف , إلا أن بصمات اليعاربة حصونا وأفلاجا وجوامع ودروبا تستبقيه , وعطرها أكثر تضوعا في أنف التاريخ من كل ما دلق التاريخ من قوارير عطر وما تفنن من تحبيب وترويج لزنجبار. وحين غادر الوالد حصن السيب بانتهاء فترة ولايته عليها واتجه لحصن الكامل واليا وقاضيا عليها كان البحر على اتساعه بين السيب والكامل وكل موجة في هذا المد الازرق تستحثه لينشر شراعه الأبيض على السارية بدلا من البنديرة الحمراء على سارية حصن يشمخ في أرض متغيرة التاريخ والتضاريس , إلا أن فاروقيته المشككة في إخلاص البحر تحفزه دوما ليبقى أميرا عند الشطان التي يغسلها البحر , بدلا من النوخذة الذي يغسل البحر ويدوخ البحر ويهيمن على البحر . 
ذهب الوالد إلى مسجد شيخه ومعلمه ابن جميل ليكون في صدارة الملحين عليه بالبقاء وخلفه سجل طويل من التردد في ارتياد البر الاخر البعيد .
ويبدو أن الشيبخ ابن جميل من الذين لا يتراجعون بل كان يلح على مودعيه للحاق به , و ليقيموا في زنجبار سمائل اخرى بمساجدها وسبلاتها وتنانير الشواء وحلقات الذكر التي ترتع إليها افئدة العشاق لرياض الجنة .
وأزاء تشبث الشيخ ابن جميل بقراره في الهجرة كان يقابله تشبث الوالد بسجله المأزوم من البحر وغدره , ففضل أن لا يصاحبه في رحلته إلى المجهول بل ينتظر وينتظر و ينتظر حتى يأتيه الموج بالخبر اليقين , فقد يلحق بابن جميل حين يستقر به المقام ويطمئن على صواب اختياره فتتبدد كل دواعي الخوف من البحر ومن متاهة الترحال بين البرين . 
خرج الوالد و غيل الدك تشيع الرجل بل تبكي الرجل الذي ركب البحر إلى الهند ومنها إلى البر الإفريقي ليضيء زنجبار ويغرق الفيحاء في الظلام , وبرحيله جلست الفيحاء تندب حظها العاثر وتنتظره كل فجر ليؤمها بالصلاة , وتتحلق حوله مسجده يطرز أماسيها بعلمه .
وتستعيد الفيحاء سيرة بن جميل النورانية منذ غشاها ذات صباح قادما من إزكي بعد ان كان وكيل أوقاف بلدة سيما , فمدرسا في نخل فقاضيا بها فقاضيا بالرستاق فمدرسا بمسقط فقاضيا بمطرح بثم بصور ثم بسمائل نفسها ، ومن أنوار سيرته انبثق كتابه الاشهر (سلك الدرر) وبقية كتبه كبهجة المجالس وجلاء العمى في شرح ميمية الدما وغيرها من الإبداعات التي صاغت ثقافة الأجيال , وصانت العقيدة وأطالت قامة الرجل لتناطح الأنجم . 
كان الرجل دائم الترحال ولكن الفيحاء قريبة منه , يشغله عمله ولكنه يعود إليها ليغسل تعبه في فلج القلعي , بل كانت الفيحاء تلاحقه أينما حل وارتحل في عمان , فمجلسه سمائلي بامتياز . 
ألقى غياب الشيخ مسؤولية ثقيلة على الوالد فبات مرجع الفيحاء ومفتيها والكتف الذي تريح رأسها عليه فغطى غيابه بما يفرضه الواجب وتمليه الضرورات .
ومن مطالع السعد أن الرياح التي دفعت سفينة بن جميل إلى (بر الزنج) هاهي تدفع نفس السفينة إلى البر العماني حاملة من الشيخ الغائب إبن جميل رسائل سوداء الحبر بلون الغربة , يبث فيها أحبابه ندمه وحسرته ويبوح بأسرار تعجله في قرار الهجرة والرحيل ثم يبشرهم بعودة سريعة , إذ لم تتوافق طبيعته مع بلد ترطن بغير العربية , وتدخل الموز و المهوجو إلى مطبخها لتعجنه مع كل أكلة , ولم يفلح كل القرنفل الذي يغطي أفق الجزيرة الخضراء أن يحل مكان بل النارنج و الشاموم في (الجنينة والمشجوعية) . 
كانت دروب (فيرنجالي) في (ماليندي) تجري كأفلاج أثر غيمة ماطرة ولكن أفلاج الفيحاء تجري دون مطر ودون ان تتلوث الدروب بالطين , فقرر الرجل المكابر العودة للوطن , وبرجوعه استعادت سمائل قنديلها واستعادت نفسها .
وكان فشله في التأقلم مع أرض لا تتكلم العربية نجاح للوالد المتريث في قراراته , حيث نسف فكرة الهجرة إلى زنجبار للابد , وحمدنا الله نحن أولاده على قرار قد نعيش غدا ضحايا تبعاته ،رغم تحسر بعضنا على عدم هجرة الوالد , فلربما تغيرنا نحو الأفضل وسمونا , فيما رأى بعضنا أن الوالد لو ركب البحر وهاجر مقتفيا أسلافه لتراجعنا نحو الأسوأ , ومن رأى أن الوالد لو غادر إلى زنجبار لن يعود الى عمان وسنبقى معه هناك ، ننعجن بسياستها وساستها ونمارس حقنا في المساهمة في حكم زنجبار ، ونقرأ مقالات هاشل المسكري في صحيفة الفلق كل صباح على كاس من ماء النارجيل ونتظاهر أمام بيت العجائب ، ونتبنى قضايا الرفض والإنعتاق والحرية كما غذتها صيحات لوثر كنج و جان دارك , ونحتشد في المرفأ نستقبل السلطان العائد من رحلة تتويج ملك انجلترا , وننضم للجمعية العربية أو الحزب الافروشيرازي نمارس السياسة وننقلب على أهل السياسة .
وربما نؤدب عبيد كرومي أو نمنع (جون أكيلو) من أن يلغينا ، وربما نثني جمال عبدالناصر من أن يعترف بزنجبار السليبة بعد أن اشتم في التغيير رائحة اليسار ونزق الثوار ، فتناسى العروبة والدين وسعيد ابن سلطان .
وربما لو سافر الوالد إلى هناك لساهمنا في صياغة ملمة محمد شامتي رئيس وزرائنا وهو يلقي خطاب إنضمام زنجبار للامم المتحدة .
وقد نعترض على الصحفي المصري محمد جبريل في تنظيره للحالة الزنجبارية في رواية (زوينة) .
وقد لا نسمح لو كنا هناك لكتابات تتحدث عن ليلة سقوط زنجبار بأن" الناس إعتقدوا أن إطلاق الرصاص كان من رجال البلدية وهم يطاردون "الكلاب الضالة" فيما كان كلاب جون أكيلو وعبيد كرومي وأسلحة السفينة ابن خلدون هي الضلال الذي مورس على أرض الكنانة , وأخرس طبول أفريقيا , وهي الكلاب التي تنهش في اللحم العماني وليست كلاب زنجبار الشاردة من رصاصات البلدية , وهي التي كانت تأكل الأطفال وتبقر الحوامل وتحتز رقاب الرجال ,الذين أخذوا على حين غرة في غفلة من بيت العجايب , المشغول بأتيكيت أدب المائدة والتقاليد المراسمية , والإرتكان على جنرالات الدولة العجوز .
ولعل قرار عودة ابن جميل هو استشراف المؤمن للغد بإلهام من خالقه , فبعد سنوات عادت قوافل العمانيين إلى الفيحاء وإلى غيل الدك تحديدا , وتعفرت السبلات السمائلية بغبار أحداث زنجبار من أفواه بريئة لا تعرف ما حصل لأنها لم تكن جزءا من المشهد , بل ذهبت لتسترزق فاستوطنت وتناسلت وكبرت الشلنجات في سحاحيرها ، وما زاد عن الحاجة أرسلته إلى عمان لشراء نخلة أو ضاحية تبني عليها حلما .
وحين عاد العمانيون من زنجبار لم يكن الشعور بفقدها كبيرا إذ وجدوا في الوطن الأم عمان خير تعويض لهم عن ألف زنجبار .
ولكن الطريقة التي خرجوا بها هي التي أوجعتهم , فقد طردوا من بلد يعتجن أديمه بالأجساد العمانية لألفين من السنين , ورفع سلاطين عمان من البوسعيديين بيارقهم على سواريها لما يزيد عن مائة وثلاثين عاما , وقبلهم اسلافهم الحرث و اليعاربة .
وقد أحب العمانيون زنجبار واستسهلوا العيش بها , وكانت تدر عليهم أموالا كثيرة وبأقل مجهود على العكس مما ألفه أجدادهم في عمان .
في زنجبار كانت الغمامة إذا مرت لا بد أن تمطر , فتسقي الأرض دون أفلاج ولا بادة . و المواسم الزراعية في زنجبار مفتوحة طوال العام , بين نارجيل لا يعترف بدورة الزمن بل يدور مع الزمن ، و موز يثمر طوال العام , و فافاي يتدلى بصفرة ثماره كعناقيد من ذهب يلمع تحت شمس أفريقيا التي لا تعرف الشتاء بل تفترش الصيف وتتدثر بمطره طوال العام .
والزنوج في زنجبار يؤمرون فيأتمرون , يزرعون الأرض دون كلل , ويحصد الملاك الثمن دون أن يجهدوا أنفسهم في احتساب المردود الوفير من الشلنجات .
والزنجيات في زنجبار عاشقات للعمل , وحين تغرب الشمس تتلفع سوداوات أفريقيا بعباءة ليل زنجبار كزوجات مطيعات يعددن عصيدة الموز وينثرن الياسمين وعطر بنت السودان علي الوسادة ويحرقن البخور, ويتمتمن بالتعويذات التي تطرد الشر من ان يلحق بأزواجهن الذين يدخرون لهن في سحارتهم شلنجات لا تعد ورجولة كصيف أفريقيا الطويل .
ومن المفاراقات أن العمانيين الذين لم يروا زنجبار ولم يطأوا أرضها كانوا الأكثر تأثرا بسقوط الحكم العماني ونزول علم سلاطين آل بوسعيد ، وكانوا الأكثر انكسارا بالهزيمة , والأكثر شعورا بالخسارة , إذ نظروا إلى سقوط زنجبار بعيون الوطن وبمقاييسه دون أن تأسرهم زنجبار بسحرها وسحرتها و نارجيلها وقرنفلها وحورها الإفريقيات . 
وفي أذهان العمانيين العديد من الخسارات على المستويين القطري والقومي , فعمان خسرت سواحلها الآسيوية والإفريقية والعرب خسروا فلسطين والأندلس ,وزنجبار على نفس الدرب المضرج بالخيبات حيث يقف السلطان جمشيد من شرفة السفينة (خليفه) وقفة الأندلسي محمد الثاني عشر في زفرة العربي بغرناطة حيث ألقى آخر نظرة على قصر الحمراء وأمه عائشة تقول له " أبك كالنساء ملكا لم تحافظ عليه كالرجال ".
عاد العمانيون من زنجبار ومعهم حكايات تتناسل بعفوية في استماتة لربط المشهد بشخوصه فيرددون ببغاوية (جمشيد وكرومي وبريطانيا العظمى ورئيس الشرطة العماني الذي ذهب ليستجم في (أرواه) تاركا مركز الشرطة الذي يفترض أن يحارب وقد صفده (سليفان) بالقفول وسرح رجاله . وان فهز (المعارضون) أعمدة الدولة بأسلحة الدولة .
وفسر البعض خواتيم العهد العماني بزنجبار وهم يحتشدون في حسرة وألم عند بنط مسقط وفرضة مطرح لاستقبال أحبائهم (بالعقوبة الالهية) , فقد ابتعد بعض الناس عن دينهم وانغمسوا في الملذات فضاعوا وضيعوا ملك الآباء فالكوارث لا تحل الا بذنب ولا ترتفع الا بتوبة .
عاد ابن جميل للوطن وبعدها بعام ذهب ليغسل أحزان مغامرته بالسفر الى مكة والمدينة ، وأسبغ الله على أهل سمائل نعمة امتداد عمره لعقدين من الزمن بعد عودته ليدرك عهد صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم ويكون في شرف مستقبليه بحصن سمائل .
وقد كان اللقاء فرصة للشيخ ابن جميل لأن يفاتح جلالته في إقامة صلاة الجمعة في كل عمان , فإذا بصلاة الجمعة حية في ذهن جلالته فهو سليل التربية الفقهية في الحصن , والضليع بالفقه . وقد عاش في صلالة التي تتسامى فيها التكبيرات كل جمعه فكان من أولوياته إقامتها في كل عمان , وهاهو يصادق على فتوى إقامتها من عالم جليل بحجم الشيخ خلفان الذي أمضى ردحا من عمره متقلبا بين السلطنة و الإمامة , وكان صادق النصح في المقامين , فيؤثر عنه أنه خاطب جلالة السلطان سعيد بن تيمور في إطلاق سراح العلماء الذين يئنون بقيودهم في كوت الجلالي فكان نصيبه الزجر والتهديد بسجنه معهم . 
كما بعث ابن جميل برسالة قاسية إلى الإمام الخليلي حملت مواقفه في سلوك المحيطين بالإمام .
وقد عرف عنه أنه لم يداهن إماما أو سلطانا لدرجة أنه أفتى بوجوب التصدي لجيش الإمام غالب إذا دخل مدنهم لعدم قدرته على حماية المسلمين وبيضة الإسلام , ولان درء المفاسد مقدم على المنافع ولأن دولة الإمامة لا تقوم إلا اذا امتلكت ثلث القوة لدى خصمها وهي غير حاصلة في دولة إمامة الإمام غالب من وجهة نظره . 
ويعزو البعض إلى أن لفتوى الشيخ أثرها في عدم الإصطفاف مع الإمام , فيما رأى البعض أن الشيخ زل في فتواه .
ولقد عاش الشيخ بن جميل وخطبة الجمعة تعطر الأفق من منارات جوامع عمان , وامتد العمر بالوالد ليؤم بجلالته بصلاة الجمعة في مسجد الخور , بعد أن كان كل السلاطين والأئمة لا يرون بوجوب إقامتها إلا في صحار ثم أضيفت لها نزوى باعتبارها عاصمة الدولة وأخيرا أعلت جعلان الحسون منبر الجمعة اثر زيارة الإمام الخليلي في أربعينيات القرن العشرين لتؤدى فيها مع جارتها التوأم جعلان بني بوعلي .
وعاش الوالد وهو على رأس لجنة تعد خطب الجمعة بعد أن كان العمانيون يكتفون بخطب الشيخ سعيد بن خلفان حيث يؤم العلماء والقضاة المصلين وبيدهم كتاب تلقين الصبيان .
وقد ارتقى الخطباء المنابر وفي الايادي خطبة خطها الوالد لتتلى في كل منابر عمان .
فما أروعها من خاتمة لابن جميل بدلا من أن تبتلعه مجاهل أفريقيا و يحرق العمر في شانبة زنجبارية ، ويقبر تحت أطلال قصر سلطاني في بلد بات كله أطلالا , فيعود الى الفيحاء ليقبر بكل الإجلال الذي يليق به غربي مسجده في جنة خضرءا لتكون قنطرته لجنة أكثر اخضرارا باذن الله .
وما أروعها من خاتمة للوالد وهو يلحق برفيق عمره ويجاوره تحت أديم سمائل , فلا يبتعد القبران عن بعضهما إلا بضعة أشبار . وكأنهما حرصا على الإرتباط بغيل الدك كل العمر, وحين يرحلان تكون غيل الدك قنطرتهما للآخرة ,وخير خاتمة لخير علاقة .
وقد مر الوالد يوما بمسجد شيخه ورفيق دربه فخنتقه العبرة لغياب سيد المكان وقنديله , ومسبحته وسجادة صلاته , ففاضت دموعه قريضا صاغه باهدابه المغموسة في محبرة 
قلبه المشتاق
 .

Tuesday, June 23, 2015

حوار مع رئيس تحرير جريدة "الفلق" أحمد اللمكي حديث لم ينشر

ناصر اليحمدي
جريدة الوطن: ملحق أشرعة 15 ديسمبر 2009م

كان مرتبا لهذا الحوار مع أحمد اللمكي ـ المنجز عام 1991 ـ باعتباره صحفيا بارزا في زنجبار، فالرجل رأس تحرير "الفلق"، ثاني جريدة تصدر باللغة العربية بعد "النجاح" (1911) فـ"النهضة" ثم محررا في "المرشد". وكان يكتب باللغات الثلاث السائدة هناك: العربية والسواحيلية والانجليزية. لكن الرجل وقد تحددت توجهاته السياسية قبل اشتغاله بالصحافة؛ كان لابد للحوار أن يستفيد من تواجد اللمكي وسط الحركة الوطنية في زنجبار. حينما أفرغت التسجيل؛ اكتشفت أن تداعيات اللمكي ـ الشاهدة ـ على الصراع الأيديولوجي، للنخبة، الزنجباريين؛ بحاجة لمفاتيح على الهامش، لم تكن متوفرة وقتها. أما اليوم، وقد نشرت مجموعة دراسات وشهادات أمينة، عن زنجبار؛ يليق بالصحفي والسفير، الاستاذ أحمد اللمكي، أن نستمع إلى شهادته، التي لن يقرأها أبدا، برحيله الأبدي عام 1997.
** بدأت الحكاية في لندن، يقول اللمكي.
** كنا مجموعة من الشباب ندرس هناك، معظمهم من أصل عماني، وقلة جدا سواحيليون. كان عددنا يزيد على مائتي شخص. دعوتهم للاجتماع بمنزل رمضان حسن، كان مقيما يعمل هناك. بعضنا كانوا بحارة، وهناك من يعمل في الإذاعة البريطانية. بعض الحاضرين؛ علي سعيد وعمر زهران... كانوا من كبار موظفي الحكومة في زنجبار. أسفر اجتماعنا عن تكوين جمعية الزنجباريين (1952). أخذنا نراسل جميع الجمعيات في زنجبار، متطلعين لدمج الجمعيات في واحدة. كان لصوتنا هناك صدى وقوة. أول ردة فعل من الحامية البريطانية أن أصدرت قرارا بمنع جميع موظفي الحكومة من الانتماء إلى عضوية الجمعية.
** 1953 عدت إلى زنجبار ودعوت قادة الجمعيات. كان هناك عبيد كرومي، سيصبح رئيس زنجبار، ثابت كومبو، زعيم الحزب الوطني الزنجباري. عقدنا اجتماعنا لنسيان الفوارق الطائفية، وتنظيم جهودنا ضد المستعمر. كونا الاتحاد الوطني الزنجباري، وهذه المرة حاولت الحامية البريطانية إقناع رؤساء الجمعيات والأعيان بأن الشيوعية وراء هذا التجمع. ثم بثت دعاية مفادها أن العرب يتطلعون للقيادة. واستطاعت فعلا عزل الأفارقة والشيرازيين عنا. كما تراجع بعض الهنود، وانشلت الحركة.
** عام 1954 كون بعض العرب والشيرازيين: الحزب الوطني الزنجباري ـ أول حزب سياسي، ومنظم مظاهرة 1955 المطالبة بالجلاء ـ في نفس الفترة؛ صودرت جريدة "الفلق"، رأست تحريرها (1953 - 1954) بتهمة التأليب ضد الحكومة في زنجبار وأقطار أفريقية أخرى للمقالات المنشورة. وادينت اللجنة التنفيذية للجمعية العربية التي كنت سكرتيرها، وحكم علي بغرامة (12 ألف شلنج) أو السجن 4 سنوات. لكن الجمعية العربية دفعت الغرامة. طلب منا السلطان خليفة بن حارب أنا واللجنة التنفيذية أن نعتذر للمقيم البريطاني عما كتبته، قلت: أعتذر لك أيها السلطان، لا للمقيم. قال: أموافق أنت على ما كتبته؟ قلت: نعم. وتركنا نخرج. وبقيت تحت الإقامة الجبرية 9 أشهر.
** كنا نلتقط أخبار العالم عن طريق المذياع. ومراسلونا كانوا متعاونين، مثلما نعمل نحن، فقد كنا نعتمد على تمويل الجمعيات، كل الجرائد وإلا فإنها لن تستمر. اقترحت العمل على تحرير "الفلق" بثلاث لغات: العربية والسواحيلية والانجليزية، وهو نفس النمط الذي اتخذته مع جريدة المرشد فيما بعد.
** في العيد 25 لـ"الفلق" أصدرت حوالي 80 صفحة منها، ومطبعتها لا تحتمل هذا القدر. اتفقت مع الجريدة الهندية (زنزبار فويس) مساعدتنا في طبع بعض الصفحات كنوع من التعاون بيننا، وهذا ما تم فعلا وبلا مقابل. كانت الفلق تصدر 600 نسخة، ثم أصبحنا نصدر حوالي 2600 مع نهاية عام 1953. وقبل الظهر لا تجد نسخة واحدة، تباع جميعها في الساعات الأولى من الصباح الزنجباري، لدرجة أن بعض عمال المطبعة كانوا يخفون نسخا ويبيعونها لحسابهم الخاص.
** تلاحظ أنني ضعيف في النحو، لقد كانت مقالاتي تراجع لغويا.
** كانت صحافتنا تصل عمان عن طريق البريد. لنا اشتراكات كثيرة هناك.
كجريدة، لم تكن لنا اتصالات مع الإمام.
** نعم، كان المفهوم لدينا في زنجبار أن الإمام يختص الشؤون الدينية، بينما سياسة عمان من اختصاص السلطان سعيد بن تيمور.
** هاشل المسكري كان يزور عمان سنويا، وما كتبه حول الارتباك السياسي والاجتماعي كان يلمسه عن قرب.
** لا أعتقد أن الإمام الخليلي لم يطلع على جرائد زنجبار، وإذا ما قرأ كتابات المسكري ولم يحتج على اعتباره إياه إماما دينيا فقط؛ دون سلطة سياسية؛ فمرد ذلك، قد يكون، لعدم وضوح هذه المفاهيم في داخل عمان وقتها. إذ ما يهمهم كان تحقيق العدالة السماوية. (1).
** في أول حكومة بعد الاستقلال (10 - 12 - 1963) التي رأسها محمد شمتي حماد، عينت سفيرا للشرق الأوسط مقيما في القاهرة. كانت لنا خمس سفارات فقط: الهند، القاهرة، لندن، مندوبنا في هيئة الأمم، وأندونيسيا بحكم تجارتنا في القرنفل.
** كانت الجزائر تمد المساعدة لثوار أنجولا، الحركة متمركزة في دار السلام. كمبونا وزير خارجية تانجانيقا هو المشرف على مساعدات تحرير أنجولا. في 8 يناير 1964 وصلت دار السلام السفينة ابن خلدون محملة بالسلاح. وبواسطة كمبونا ونيريري؛ نقل بعض السلاح على مراكب صيد لإسقاط الحكومة الوطنية في زنجبار، فكانت المجزرة ليلة 12 يناير 1964. وقد أعلمت الأخضر الابراهيمي سفير الجزائر في القاهرة وقتها. اندهش، ولما سأل الحكومة الجزائرية أعلم بحقيقة ما جرى فعلا، وهو ما أزعجه تماما؛ كيف نرسل السلاح لحركة التحرير فيستعمل ضد العرب؟!
** نعم كانت لدي نسخة من تقرير (بيني) يثبت أن تأسيس حزب الأفروشيرازي من عمل الإنجليز لخلق معارضة للحزب الوطني.(2).

هامش:
(1) .. إننا نستعطف عظمة السلطان سعيد لجمع شمل الأمة العمانية.. فوجود حاكم ديني في داخل القطر ضروري لكف الفتن الداخلية ولإقامة الأحكام الشرعية بين القبائل.. جريدة "الفلق"، 29 يوليو 1939، ص2 ، مقالة كتبها هاشل المسكري.
(2) تقرير بيني عن انتخابات 1957 أتلفته الحكومة البريطانية، قال فيه: نظرا لوجود حزب سياسي واحد في زنجبار وهو الحزب الوطني المعروف بعدائه لبريطانيا رأت الحكومة البريطانية ضرورة إيجاد حزب منافس قبل إجراء الانتخابات، فرحبت وشجعت بفكرة تأسيس حزب الأفروشيرازي. زنجبار عبر التاريخ، فرحان عبيد، ص 20.

* إبراهيم اليحمدي
* اعلامي عماني

Sunday, June 21, 2015

THE REVOLUTION IN ZANZIBAR

HANSARD
HL Deb 14 January 1964 vol 254 cc535-9

THE MINISTER OF STATE FOR COMMONWEALTH RELATIONS AND FOR THE COLONIES (THE DUKE OF DEVONSHIRE) 
My Lords, I should like to give to the House a statement which my right honourable friend has just made in another place:
"Early on Sunday morning the British High Commissioner in Zanzibar informed me that serious disturbances had broken out in the island. In view of the possible danger to British lives and property H.M.S. "Owen", which was in the vicinity, was immediately ordered to proceed to Zanzibar and arrived there that evening. She has since been standing off-shore ready to evacuate United Kingdom citizens if this should prove necessary. The Commanding Officer has orders not to intervene for any purpose other than the protection of British lives.
"A Royal Fleet Auxiliary vessel, now at Mombasa, has also been alerted so that she could be off Zanzibar within about ten hours. In addition, the frigate H.M.S. "Rhyl", was ordered to steam from Aden in the direction of Zanzibar so as to be available if needed.
"We have received assurances from Kenya, Tanganyika and Uganda that if British nationals have to be evacuated their Governments will afford such help as may be necessary.
"These measures are purely precautionary and, in the opinion of the British High Commissioner, the need for evacuation has not as yet arisen.
"In fact his latest report received this morning states that the situation is calmer and that movement in the town is now resuming though many shops remain closed. He says that all members of the British community are safe and well and in good heart.
"The Sultan left the island on board a Zanzibar ship on Sunday for Mombasa. With him on board were members of his family, members of his Administration, including certain British police officers, and about 25 British subjects. some of whom may already have been on the ship as normal passengers before the Sultan came on board. On arrival at Mombasa the Kenya Government felt unable to give permission to anybody on the ship to land. They explained that conditions were exceptional in the Coastal Strip, which had until recently been part of the Sultan's dominions. Thereupon the Sultan got in touch with us to ask for assistance. I accordingly sent an urgent message to President Nyerere; and he has assured me that there will be no difficulties, if the Sultan and his party wish to land at Dar es Salaam and to stay there until they can make arrangements to proceed elsewhere.
"As regards the political situation, the status of the authorities which have seized control is still rather obscure. The Zanzibar radio announced the creation of a Republic with Sheikh Abeid Karume, the leader of the Afro-Shirazi Party, as President, Abdullah Kassim Hanga as Prime Minister, and Sheikh Abdul Rahman Mohammed, known as Babu, as Minister for External Affairs. On the other hand we have just received a telegram signed by Mr. John Okelo, who describes himself as "Field Marshal of the Zanzibar Republic", asking us to recognise the "Revolutionary Republican Government." We cannot, of course, consider the question of recognition until the position is much clearer."
EARL ALEXANDER OF HILLS-BOROUGH 
My Lords, I am much obliged to the noble Duke for the statement he has made on behalf of his Minister. I should like to express appreciation of the steps taken so far to ensure the safety of British nationals and, I feel sure, their general interests. It is yet one more tribute to the re-sources of even our limited Navy that it should come to the assistance of British nationals in this way. The situation is surprising—and apparently, subject to what the noble Duke says, was as big a surprise to the three other members of the Commonwealth in the vicinity, Uganda, Kenya and Tanganyika, as it appears to have been to Her Majesty's Government. I hope that the Government in the next day or two will be able to undertake to make further statements on the situation as it emerges. I feel it is all the more important to ask for this in view of the rather astonishing claims—at least, to me they are astonishing—recently made by the newly-styled Field Marshal. I think it would be advisable, for I am sure your Lordships' House will want to be kept posted on this matter.
THE DUKE OF DEVONSHIRE 
My Lords, I shall, of course, be only too ready to make further statements as the situation develops and clarifies. I should like to associate myself with what the noble Earl says about the rôle and the work of the Royal Navy in this particular episode.
LORD COLYTON 
My Lords, I am wondering whether my noble friend has sufficiently emphasised the seriousness of the political repercussions of this matter—although, of course, I think it was quite clear that something of the sort could happen as a result of what I feel must have been the premature independence of Zanzibar.
I should like to ask the noble Duke certain important questions. Is it not a fact that the individual known as Sheikh Babu, now Minister of Foreign Affairs, is a well-known Chinese Communist agent, trained in Moscow and, until recently, in Peking, and that he has been largely responsible for this coup? Secondly, is it not probable that the whole plot was hatched in Peking, with the inevitable result that Zanzibar will become the advance post of Chinese Communist penetration into Africa—a sort of Chinese Cuba threatening directly Kenya and Tanganyika? Thirdly, is it not a. fact that this Communist movement has not got the support of the whole ex-Opposition Afro-Shirazi Party of Zanzibar, but in fact has only been made possible by what I can only describe as the folly of the late Zanzibar Government in getting rid immediately of all their British police officers, on the one hand, and the intrigues of Sheikh. Babu and Messrs. Hanga and Moyo, who are the two leading, and I think probably the only leading, Communist members of the AfroShirazi Party, on the other hand? These all seem to me to be important questions, having regard in particular to the threat which this involves of Chinese intentions in regard to Africa. Is it a coincidence that Chou En-lai is in Africa at this particular moment?
EARL ALEXANDER OF HILLS-BOROUGH 
My Lords, before the noble Duke replies, may I suggest that it would have been quite easy to put down Questions of this sort at this time from the official Opposition. I would rather deprecate any detailed statements being made in reply to such questions until the matter has been further considered and in the light of proceedings in the next day or two. I would prefer that the House should rely on the promise made by the noble Duke to keep us posted as to the situation and then perhaps to give us the information.
THE DUKE OF DEVONSHIRE 
My Lords, I hope the noble Earl who leads the Opposition will be satisfied with my answer. It will be in general terms, with one exception. First of all, so far as Sheikh Babu is concerned, I do not think—and I hope the House will agree with me that this is the moment to try to analyse the political views of the leaders of this revolution. The position is still far too obscure. Nor have I any idea whatsoever—and my noble friend seems very well-informed on this—where the plot was hatched. I can say with absolute truth that neither I myself, my right honourable friend, nor anybody in our office has any idea where the plot was hatched. The only specific point I would make is this. The previous Zanzibar Government did not get rid of the British police officers. They remained on, and indeed a number of them are with the Sultan on board the vessel which is now at sea.
LORD COLYTON 
My Lords, I would not contradict my noble friend, but, of course, the Commissioner of Police was removed immediately after independence, and a number of others were under notice; the whole police were certainly disorganised and demoralised. I understand that there is no question of recognising this new Government of Zanzibar at the present time. Are there any steps contemplated for preserving the lives and safety of the Arab minority in Zanzibar?
THE DUKE OF DEVONSHIRE 
My Lords, if the implication behind that question is that we should send some force to Zanzibar for this purpose, the answer, as I said originally, is that our only interest in Zanzibar is to preserve the lives of British citizens. We must remember that, whether this is approved or not, Zanzibar is now a totally free, sovereign people and any outside interference by anybody is quite out of the question.
LORD COLYTON 
My Lords, I recognise that fact, but in the event of the lives of these, I think it is, 56,000 Arabs in Zanzibar being threatened, would there not perhaps be a case for invoking the United Nations?
THE DUKE OF DEVONSHIRE 
I think I may say that that is really rather another question from the one we are answering this afternoon. If my noble friend wishes to put down a Question on those lines, I shall of course be only too pleased to answer it.
http://hansard.millbanksystems.com/lords/1964/jan/14/the-revolution-in-zanzibar 

الصحافة العُمانية في زنجبار

زاهر بن حارث المحروقي
مجلة الفلق الإلكترونية : 29 يناير 2010م
 يقول لشاعر محمد الحارثي في مقال كتبه عن تاريخ الصحافة العمانية إننا بحق نجحفُ  الصحافة العُمانية إذا قلنا  إنها تأسست عام 1970 مع ظهور صحيفة الوطن لكن ميلاد الصحافة العمانية تم قبل ذلك التاريخ بـ 61 عاماً، ليس في عُمان التي كانت تمر آنذاك بظروف لا تسمح بإصدار صحيفة  بل صدرت فيما سماها محمد الحارثي “السلطنة التوأم” أي زنجبار
لقد كان عام 1911 عام الميلاد الحقيقي للصحافة العمانية بصدور جريدة النجاح في زنجبار والتي رأس تحريرها  الشاعر الكبير أبو مسلم البهلاني الذي كان يكتب افتتاحياتها مركزا على الوحدة الوطنية وعلى نبذ الفرقة ، وقد صدرت تلك الجريدة في عهد السلطان الشاب السيد علي بن حمود  صاحب النزعات الوطنية والذي كان يقف بالمرصاد ضد الإستعمار البريطاني حتى وقت إزاحته من الحكم  وهو السلطان الذي عمل على تعريب كل شيء
وإضافة إلى صحيفة النجاح فهناك صحيفة الفلق التي تأسست عام 1920  والتي تناوب على رئاسة تحريرها  نخبة من الكتاب العمانيين ربما كان الأبرز فيهم الشيخ هاشل بن راشد المسكري الذي كان – إضافة على أنه رجل فكر وسياسة – كان كريما مع كل العمانيين الذين ذهبوا إلى زنجبار طلبا للرزق  حيث ذكر لي والدي رحمه الله ، أكثر من مرة أن الشيخ هاشل المسكري استقبله في أول وصوله إلى زنجبار وأكرمه وبما أن أبي كان فقيرا لا يملك شيئا فقد أهدى الشيخ هاشل قلما وقال له لا أملك شيئا أعطيكه إلا هذا القلم عسى أن يفيدك فيما تكتبه في جريدة الفلق التي كانت  صلة وصل بين العمانيين في عُمان وزنجبار وهي التي اهتمت بقضايا الوطن الأم عمان رغم بعد المسافة ، وقد بقي أبي إلى آخر حياته  يحمل ذكرى طيبة عن الشيخ هاشل المسكري رحمهما الله وكان دائما يصفه بأنه رجل ( مُهَنجَم ) والتي فهمت أنها تعني رجل شجاع وجسور ومقدام
لقد كانت أعداد  كثيرة من الصحف العمانية في زنجبار ترسل إلى عمان عن طريق الكثير من الإشتراكات كما أشار إلى ذلك أحمد اللمكي أحد رؤساء تحرير الفلق المتأخرين في لقاء مع الزميل الإعلامي إبراهيم اليحمدي نشر في ملحق أشرعة بجريدة الوطن يوم الثلاثاء 15/12/2009
ويشير الشاعر محمد الحارثي إلى إن السفن الزنجبارية حملت أعداد تلك الصحف إلى داخلية عمان، وكانت تصل إلى المشتركين فيها على ظهور الجمال التي تحملها من ميناء صور الى سائر المناطق العمانية، كما تواصل بها المسير الى بومبي في الهند التي كانت حاضرة وواحة ثقافية وتجارية لكثير من أبناء الخليج ، كما أنها  كانت تصل إلى بعض الأقطار العربية وعواصم كاسطنبول وباريس  وتتابَعُ من قبل الساسة والمهتمين وهو دليل على نجاحها
” 2 ”
إضافة إلى النجاح والفلق فقد كانت هناك صحف عمانية أخرى لاقت أيضا نجاحا منقطع النظير من أهمها جريدة الإصلاح  صدرت 1923 والنهضة 1949 والمرشد 1945 والأمّة 1958 ، وقد كان الاهتمام بأحوال عُمان التي انقسمت إلى إمامة وسلطنة واضحا بل ورئيسيا في تلك الصحافة ، من ذلك مثلا أن جريدة النهضة التي أسسها السيد سيف بن حمود بن فيصل آل سعيد عام 1949 نشرت خبراً عن ناظر شؤون الداخلية  في مسقط الذي أصدر قراراً بمنع العُمانيين المقيمين في زنجبار من دخول وطنهم الأم وطالبت الصحيفة بمحاكمة ذلك الناظر ولذا أمر السيد  سعيد بن تيمور سلطان عمان آنذاك بإلغاء قرار ناظر داخليّته المجحف والمظلم
كما أن الشيخ هاشل بن راشد المسكري يكتب في جريدة الفلق عدد 29/7/1939  مقالا عن وحدة عمان يقول فيه ( إننا نستعطف عظمة السلطان سعيد لجمع شمل الأمة العمانية ، فوجود حاكم ديني في داخل القطر ضروري لكف الفتن الداخلية ولإقامة الأحكام الشرعية بين القبائل )
يقول أحمد اللمكي إنه في اليوبيل الفضي لجريدة الفلق صدرت الجريدة ب80 صحفة ، وكانت مطبعتها لا تحتمل ذلك القدر وتم الاتفاق مع جريدة ( زنزبار فويس ) على المساعدة في طبع بعض الصفحات كنوع من التعاون ، وكانت الفلق تصدر 600 نسخة ثم  أصبحت تصدر 2600 نسخة مع نهاية عام 1953  وقبل الظهر تكون كل النسخ قد نفدت  لدرجة أن بعض عمال المطبعة كانوا يخفون نسخا ويبيعونها لحسابهم الخاص .!
” 3 ”
لقد تبنت الصحافة العمانية المهاجرة قضايا هامة تخص العمانيين ومنها المحافظة على الهوية العمانية المهددة وذلك بوجود قوى الإستعمار الإنجليزي خاصة بعد أن عمل الإنجليز على إزاحة السلطان علي بن حمود لتوجهاته العروبية والإسلامية  وهو الذي أسس المدارس النظامية وكانت المناهج في عهده عربية خالصة ، ونجد مثلا الشيخ هاشل المسكري ينتقد في جريدة الفلق عدد 26/2/1938 موقف الحكومة نقدا لاذعا إذ يقارن بين موقفها في تهميش اللغة العربية وموقف الحكومات الأخرى كالإيطالية والبريطانية في وضع اللغة العربية في برامجها الإذاعية لاستقطاب قلوب من ينطقون بهذه اللغة
ويرصد د. محسن الكندي في كتابه عن الصحافة العمانية المهاجرة وشخصياتها مقالا آخر جريئا نشر في جريدة الفلق عدد 11/7/1956 للكاتب سالم بن حميد الرحبي الذي كتب يقول ( …. فإني أناديكم بملء فمي – يا بني العروبة – أن تعلموا أبناءكم لغة آبائهم ، لغة دينهم ورسولهم ، لغة قومهم ، وأن لا تجعلوا أبناءكم في زوايا الغفلة والإهمال ، لا يعرفون القبيل من الدبير ولا الظاهر من الضمير فأنقذوهم من مخالب الجهل وخذوا بأيديهم من الحضيض الأدنى إلى الذروة العليا ، إلى العلم والعمل والسعي إلى ما يتطلبه منهم الواجب الإسلامي نحو الاهتمام بلغتهم العربية ….)
إن من يقرأ النموذجين السابقين يدرك تماما أهمية ذلك الكلام الذي قيل في تلك الأعوام  فها هم العمانيون الآن يعانون ويدفعون ثمن الخطأ الكبير الذي وقعوا فيه إذ أنك قد تجد من هو عربي ومن بيت أصل لكنه لا يتكلم اللغة العربية وإن تكلمها فإنها مكسرة ، هذا في وقت نجد فيه أن زنجبار كانت منارة للعلم والثقافة والحضارة وكانت السلطنة العربية هناك أول من أسس مطبعة عام 1879 سميت بالمطبعة السلطانية والتي أنشأها السلطان برغش بن سعيد بن سلطان بمساهمة من التجار العمانيين والأعيان في زنجبار ، وقد طبعت المطبعة السلطانية قدرا كبيرا من المؤلفات العمانية منها هيمان الزاد وقاموس الشريعة وإزالة الاعتراض وحاشية الترتيب ومختصر الخصال وجامع البسيوي ومنظومة مدارج الكمال وديوان أبي مسلم البهلاني وغيرها من الكتب والمخطوطات
هذا وبجانب طباعة المخطوطات فقد اضطلعت المطبعة السلطانية كما يقول ناصر الريامي في كتابه  ( زنجبار – شخصيات وأحداث ) اضطلعت بنشر الثقافة العربية والقيام بالدور التنويري الذي كان المجتمع العماني العربي في أمس الحاجة إليهما على أرض تلك السلطنة
” 4 ”
إن الوجود العماني في الشرق الأفريقي يكتنفه الغموض لدى الكثيرين وقد آن الأوان أن يبدأ العمانيون أنفسهم في إخراج ذلك إلى النور فهناك من يستعد لسرقة ذلك التاريخ ، لأن هناك من يتعامل مع ذلك التاريخ كأنه عار أو سبة في الجبين بينما هو قبس منير من قبسات التاريخ العماني وقبس منير لشخصيات إنسانية فريدة في المجتمع الإنساني ، ولعل هذا من المهام التي يجب أن تضطلع بها جريدة الفلق الألكترونية

تاريخ الصحافة العُمانية المهاجرة

جريدة الوطن: 18 يونيو 2015م
شفت الدراسات الحديثة أن تاريخ الصحافة العمانية يعود إلى مطلع القرن الماضي، حين صدرت عدة صحف عمانية في المهجر. ولعبت تلك الصحف دوراً طليعيا رياديا في بث روح الوحدة العربية وتعاليم الدين الإسلامي وإذكاء روح التنوير الذي كان مطلباً مهماً في تلك المرحلة من عمر الوجود العماني في زنجبار. وقد مارس الكتاب العمانيون في تلك الصحف النقد الاجتماعي والسياسي كما بثوا أفكارهم لوحدة العالم العربي والتمسك بتعالم الدين الحنيف. ورغم الظروف والتحديات الصعبة في تلك المرحلة إلا أن تلك الصحف كانت تتجاوز محيط المهجر وتنتشر في الكثير من بقاع العالم العربي، فتصل مسقط والقاهرة وبيروت كما وتوزع في الكثير من العواصم والمدن الأفريقية التي كانت تحتفظ بالوجود العماني فيها بكثافة. ومن بين أهم الصحف العمانية التي صدرت في المهجر صحيفة (الفلق) التي يعود تاريخ إصدارها إلى الأول من أبريل من عام 1929، وبدأت الجريدة بطبعة عربية فقط قبل أن يضاف إليها القسم الانجليزي عام 1932 وفي عام 1946 أضيف إليها القسم السواحيلي الذي بقي غير منتظم الصدور. وكانت هذه الصحيفة تصدر عن”الجمعية العربية في زنجبار”، وهي جمعية أسهم في تأسيسها عدد من الشخصيات العمانية مثل سيف بن حمد البوسعيدي وسليمان بن ناصر اللمكي وسالم بن عبدالله البرواني. كانت صحيفة “الفلق” تصدر يوم السبت من كل أسبوع حتى عام 1956 وتوزع في زنجبار وفي الجزيرة الخضراء وعدد من المدن الأفريقية، وكانت تصل إلى مسقط ومصر والجزائر وبلاد الشام. ولم يكن عدد صفحات “الفلق”عبر سنوات إصدارها ثابتاً، بل كان يقل أو يكثر حسب عدد الأقسام واللغات، وقد أصدرت الصحيفة بالحجم النصفي “التابلويد” والصفحة الواحدة فيها قسمت إلى ثلاثة أعمدة في غالب الأحيان وأربعة أعمدة في أحيان أخرى، ولم تستخدم الألوان في الصحيفة إذ أن الفترة التي صدرت فيها كانت تمثل
بدايات العمل الطباعي والصحفي في زنجبار. ولم تستعمل الصور الصحفية فيها إلا في حالات نادرة. والمتتبع لأعداد الصحيفة يجد أن مضامينها تنوعت بشكل كبير بين السياسة والاقتصاد والزراعة والأدب وغيرها من المواضيع. وكانت المجلة تنشر مقالات كتاب عمانيين أمثال ناصر بن سليمان اللمكي وهاشل بن راشد المسكري ومحمد بن هلال البرواني وهم في الوقت نفسه محررو الصحيفة. كما كانت تنشر لكتاب وشعراء عرب أبرزهم الكاتب المصري محمد حسنين هيكل صاحب رواية زينب والشاعر السوري سليمان العيسى. واستخدمت الإعلانات في “الفلق” من أجل توفير موارد مادية لها، وانقسمت إلى إعلانات سلع وبضائع وإعلانات للخدمات غير أن الصحيفة واجهت في تاريخها ظروفاً صعبة كضعف الإمكانات المادية اللازمة لاستمرارها وبقائها، إذ كانت “الفلق” تكرر باستمرار طلب الدعم والمساندة المالية من قرائها لضمان بقائها واستمرارها وذلك بشرائها أو الاشتراكات طويلة الأمد أو التبرعات المالية بحسب تقرير الموسوعة العمانية، والتي تقول ان الصحيفة تعرضت للمحاكمة عام 1954 وصدر حكم بحجبها عن الصدور مدة عام من 19 يونيو 1954 إلى 19 يونيو 1955 بسبب ثمانية اتهامات وجهت لها تتعلق بنشر أربعة مقالات مثيرة للشعب وبوجود ثلاث مطبوعات مثيرة في حيز إدارة “الفلق”، وعدم نشر اسم طابع وناشر الجريدة وعنوانها في عدد 12 مايو 1954. وتناوب على رئاسة تحريرها هاشل بن راشد المسكري ومحمد بن هلال البرواني ومحمد بن ناصر اللمكي وسيف بن حمود آل سعيد وسعيد بن سالم الرواحي وعلي بن محسن البرواني.
ومن بين الصحف العمانية التي صدرت في المهجر أيضا صحيفة “النجاح” التي يعود تاريخ إصدار عددها الأول إلى الثاني من أكتوبر من عام 1911. وبدأت الصحيفة التي تصدر عن حزب “الإصلاح” بأربع صفحات فقط. وكان شعار الصحيفة “النجاح لحزب الإصلاح” تعبيراً عن مبادئ أعضائه وأفكارهم من العرب وغيرهم. وتشير المصادر الى أنها تأسست على يد شاعر عمان الكبير أبو مسلم البهلاني وقد تولى ناصر بن سليمان اللمكي رئاسة تحريرها في فترات لاحقة إلا أنها توقفت عن الصدور في يوليو من عام 1914 بعد نفيه إلى الهند. ودعت الصحيفة في العديد من مواضيعها إلى وحدة الأمة الإسلامية وأيدت توجهات الوحدة القومية العربية فسعت إلى توعية المسلمين شرق أفريقيا بأمور الدين الإسلامي وكان يدفع هذا التوجه المبادئ والقيم الإسلامية التي ظهرت في أفكار الدعاة المحررين. وفي منتصف القرن الماضي صدرت أيضا جريدة “النهضة” التي ظهر العدد الأول منها في 18 نوفمبر من عام 1951 وأسس صحيفة “النهضة” سيف بن حمود البوسعيدي وكانت تصدر بشكل أسبوعي باللغتين العربية والانجليزية فيما كانت بعض موادها تترجم إلى السواحيلية. واهتمت الجريدة في صفحاتها الأولى بالمضامين الصحفية المتنوعة، فكانت تقدم الأخبار والتحليلات في المجالات السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية وقد وصلت نسخ توزيع الصحيفة إلى 500 نسخة أسبوعياً. وكانت الصحيفة توزع في زنجبار كما كانت تصل إلى مناطق مختلفة من ساحل شرق أفريقيا مثل بمبا وممباسا والكونغو وموزمبيق وجزر القمر. واستخدمت النهضة فنوناً صحفية مختلفة باستثناء التحقيق والحوار، كما وظفت أخبار المندوب المتجول والمراسل واستعملت مصطلح “جاسوس إخباري” للتعبير عن مصطلح المخبر الصحفي المعهود في الصحافة وفق الموسوعة العمانية. واتخذت الصحيفة الكثير من المواقف السياسية ضد الحكومة المحلية في زنجبار أو ضد المقيم البريطاني فيها الأمر الذي أدى إلى إيقاف رئيس تحريرها سيف بن حمود البوسعيدي غير مرة والتحقيق معه. ولا يعرف تاريخ توقف الصحيفة عن الصدور. ومن بين الصحف التي صدرت في زنجبار أيضا صحيفة “المرشد” التي أصدرها أحمد بن سيف الخروصي لتخاطب الذين يتحدثون باللغة السواحلية وانتهجت خط مهاجمة الحماية البريطانية للجزيرة، وعندما ظهرت الأحزاب السياسية في زنجبار والجزيرة الخضراء انضم كتاب الصحيفة اليها. ظلت الجريدة مستقلة تصدر بثلاث لغات هي العربية والانجليزية والسواحلية، وذلك حتى عام 1954. وأبرز كتاب ” المرشد” سعود بن محمد الريامي وعلي بن محسن البرواني، وهاشل المسكري، وأحمد بن محمد اللمكي. كما صدرت في زنجبار أيضا جريدة “الامة” عام 1958 عن حزب”الامة” إثر حصوله على مطبعة عربية من الصين الشعبية واستمرت في الصدور كلسان حال الحزب الى أن توقفت عام 1963م. كما أصدر الأمين بن علي المزروعي جريدة “الإصلاح” التي صدر عددها الأول في
29 فبراير من عام 1932 وهي استكمال للمشروع التنويري الذي كان يقوم به الشيخ الأمين المزروعي. وعنيت الجريدة بالمسائل الدينية والسياسية. واتخذت الجريدة شعاراً لها الآية القرآنية “ان أريد إلا الاصلاح ما استطعت”. وعنيت الجريدة بمقالات شكيب أرسلان كما أنها اهتمت بمقتطفات من كتاب “حاضرة العالم الإسلامي”. وكتب فيها المزروعي عدة مقالات تناولت موضوع الاسهام الحضاري للدولة الاسلامية في أوروبا، وأسباب تردي وانحطاط المسلمين التي لخصها في بعدهم عن جذورهم الاسلامية وعاداتهم وهويتهم العربية، كما تناول الهجمة الصليبية على أبناء المسلمين في المعاهد والمؤسسات التعليمية القائمة على النظم الغربية.

Monday, June 8, 2015

العُمانيون ونشر الإسلام والثقافة العربية في شرق أفريقيا

زياد بن طالب المعولي
مجلة جمعية التراث ، 11 يونيو 2010م

ترجع بداية الاتصال العُماني بالساحل الأفريقي إلى حقبة مبكرة في التاريخ أرجعها البعض إلى مرحلة تسبق ظهور الإسلام، إلاَّ أن الحدث البارز والأكيد لشرق أفريقيا هو هجرة الأميرَين العُمانيَّين من أبناء الجلندى.
وقد حدثت هذه الهجرة نتيجة للصراع الدائر بين عُمان الطامحة للاستقلال الذاتي من جهة والدولة الأموية في دمشق الراغبة بإخضاع جميع الأقاليم المحيطة سلطة الدولة من جهة أخرى. وقد حدا ذلك بالحجاج بن يوسف الثقفي عامل بني أمية، إلى توجيه جيش لقمع ثورة سعيد وسليمان ابني عباد بن عبد الجلندانيين في الفترة الأخيرة من القرن الأول للهجرة، ونتيجة لعدم تكافؤ الجيش الثائر مع حملة الحجاج، خرج هذان الأميران فرارا من بطش جيش الحجاج متوجهين إلى إفريقيا، وكانت تلك الهجرة عام 82هـ إذ توجها إلى أرخبيل «لامو» الكائن حاليا في كينيا على الساحل الأفريقي(1).
oman-zenzibar1.jpg
ويعزو البعض سبب توجه الأميرين للساحل الأفريقي ـــــ دون غيره من السواحل ــــ إلى سبب يؤكد معرفة العُمانيين بالطريق البحري الجنوبي، وكذلك وجود علاقات تجارية ــــ بحرية ضاربة في القدم يرجعها بعض المؤرخين إلى القرن الأول للميلاد(2).
إن ارتحال هذين الأميرَين إلى ساحل أفريقيا وما تبعه من هجرة لأنصارهما، ساعد على توالي الهجرات إلى الساحل الأفريقي، وكان ذلك بداية الطريق لتعرف الأفارقة على الدين الجديد الذي حمله هؤلاء الوافدون.
وقد أكد أحد الباحثين على أن التجار العُمانيين ومنذ القرن العاشر للميلاد، هم أول من نشر الإسلام داخل القارة الأفريقية، وأن التاجر العُماني حمل إسلامه مع سلعته، فكان تاجرا وداعية في نفس الوقت(3).
وقد ساعدت الهجرات العُمانية إلى أفريقيا على ازدهار المدن الساحلية وأصبحت هناك مدن متناثرة على طول الساحل الأفريقي كمقديشو، وممباسا، ومالندي، وبمبا، وزنجبار، وكلوة، كل هذه المدن تجمع بين السكان الأفارقة إضافة إلى العرب الوافدين القادمين بديانتهم ودعاتهم، سواء من الساحل العُماني أم غير ذلك من سواحل البلدان المجاورة كما هو عليه الحال لسكان اليمن وحضرموت.
وقد أشار المؤرخ المسعودي إلى دور العُمانيين في القرن الرابع الهجري حيث بين اتصالهم بلاد الحبشة وبحر الزنج وصولا إلى جزيرة قنبلو (مدغشقر حاليا). وقال: إنَّ «هؤلاء القوم الذين يركبون هذا البحر من أهل عُمان عرب من الأزد»(4).
كما يشير ابن بطوطة الرحالة المشهور إلى رحلة بحرية حملته من جزيرة كلوة إلى ظفار، وذلك حوالي عام 731هـ(5).
ونعود للمؤرخ المسعودي الذي ركب هذا الخطَّ البحري بنفسه من جزيرة مدغشقر إلى عُمان عام 304هـ(6) حيث تحدث عن وجود ربابنة عُمانيين.
كما وصف المسعودي «سفالة» (موزنبيق) فقال: هي أقاصي بلاد الزنج، وإليها تقصد مراكب العُمانيين(7).
ويبدو أن تجارةً نشطت بين الساحل الأفريقيِّ وعُمان، وأن عُمان كانت معبرًا لتصدير عاج الفِيَلَة إلى الهند والصين(8).
إن اتصال العُمانيين المبكر مع الساحل الأفريقي قد ساعد على وجود هجرة منتظمة للقبائل العُمانية، وقد اتخذ بعضها خيار الهجرة إما لدوافع سياسية أو لدوافع تجارية، وهو الأمر الذي ساعد على وجود مجتمعات عربية على طول الساحل الأفريقي.
ويتحدث المؤرخون عن استيطان قبيلة الحرث في مقديشو بين عامي 291 و301هـ حيث أسست هذه القبيلة دولة خاصة بها استمرت في حكمها حتى قدوم البرتغاليين(9). ونظرا لطول مدة حكم هذه الأسرة فقد بذلت جهدها في تعريب الكثير من القبائل الصومالية، وخاصة الساحلية التي دخلت الإسلام على أيديهم(10) وعليه فتكون هذه الهجرة تالية لهجرة الأسرة من آل الجلندى إلى «لامو» بـ«كينيا».
وقد أشارت كتب التاريخ إلى هجرة لقبيلة عُمانية أخرى هي قبيلة النباهنة في أوائل القرن السابع الهجري إذ أقامت تلك القبيلة سلطنة إسلامية لها في «بات» ظلت موجودة حتى عام 1861م(11).
ويبدو أن قبيلة النباهنة في «بات» في أرخبيل «لامو» (كينيا حاليا) قد جاءت متزامنة مع حكم هذه الأسرة لعُمان خلال الفترة من عام 500هـ وحتى قيام الدولة اليعاربة أي عام 1024هـ.
ويشير بعض المؤرخين إلى أن قدوم الأمير سليمان بن سليمان بن مظفر النبهاني إلى «بات»، هو بداية هذه الدولة النبهانية عام 599هـ حيث تزوج هذا الأمير بأميرة سواحلية هي ابنة إسحاق حاكم وقتذاك، وعلى أثر هذا الزواج نقل الأمير النبهاني بلاطه من عُمان إلى الساحل الأفريقي الشرقي(12).
إن هذا النزوح والاندماج العربي قد تكرر في أكثر من مدينة على طول الساحل الأفريقي كما هو الحال عليه في ممباسا حيث استوطنتها عائلات من قبيلة المناذرة العُمانية وكذلك قبيلة المزاريع حيث تسلسلت الريادة والحاكمية في بعض هذه الأسر إلى عدد من السلاطين والزعماء، فقد وصل عدد الحاكمين من أسرة بني نبهان إلى اثنين وثلاثين سلطانا حتى عام 911هـ أي مع وقت قدوم البرتغاليين(13).
وقد نقل العرب العُمانيون عقيدتهم الإسلامية إلى السواحل الأفريقية كما نقلوا معهم عاداتهم ولغتهم العربية محدثة اندماجا فريدا مع لغة السكان الأصليين، فنتج عنها لغة جديدة عرفت بالسواحلية تتغلغل فيها المفردات العربية إلى ما يقارب 45% ولكن هذه العربية هي بطابع عُماني ملحوظ حتى وقتنا هذا، يلمسه الزائر ويحسُّ به بمجرد التعرُّف على سكان تلك الشعوب من المواطن الساحلية من مقديشو وحتى جزر القمر.
إن الحدث البارز في العلاقات العُمانية الأفريقية قد تُوِّج بأمرين بارزين يجدر الإشارة إليهما، ونهرج على ذكرهما كالآتي:
أولا: مساندة العُمانييـن لإخوانــهم الأفارقة في إنهاء الوجود البرتغالي:
وذلك أنَّ الساحل الأفريقي قد تعرض لاحتلال برتغالي تام كما جرى لعُمان والسواحل العربية والإسلامية الأخرى حيث قاوم العُمانيون هذا العدوان على أراضيهم مدة قاربت المائة والخمسين عاما.
وقد تمكن العُمانيون في ظل الدولة اليعربية من دحر الدخلاء البرتغاليين، ومطاردة فلولهم، وكذلك تصفية وجودهم حتى من الساحل الأفريقي. وتُعَدُّ الفترة من عام 1498م وحتى عام 1730م فترة الصراع بين البرتغاليين من جانب، وأئمة عُمان من جانب آخر، وذلك منذ لحظة وصول «فاسكو دي جاما» إلى «مُمْبَاسَا» عام 1498م(14).
وعندما حلَّ الاستعمار البرتغالي في شرق أفريقيا استنجد الأفارقة بإخوانهم العُمانيين للقضاء على هذا الاستعمار، وجاء دور اليعاربة الذين قاوموا الاستعمار البرتغالي واستخلصوا منهم القلعة التي كانوا يسمونها قلعة "يسوع" وتتبعوا خروجهم من السواحل الأفريقية (15).
وقد كلف تحرير ممباسا العُمانيين جهدا كبيرا حتى يمكن القول: إنه من الإنجازات البارزة التي تسجل لتاريخ الدولة اليعربية(16).
لقد استطاع العُمانيون الاستيلاء على قلعة يسوع بعد حصار دام ثلاثة وثلاثين شهرا أي من 13مارس 1696 وحتى 14ديسمبر 1698م، وبسقوط ذلك الحصن المنيع وضعت دولة اليعاربة النهاية لتفوق البرتغاليين في شرق أفريقيا(17).
وقد جاءت استجابة الحاكم العُماني الإمام سلطان يوسف بن سيف اليعربي لنداء الاستغاثة الموجه له من سكان ممباسا فأرسل قوة بحرية مكونة من سبع سفن حربية، وعشرة زوارق وحوالي ثلاثة آلاف جندي لإنقاذ المدينة من طغيان البرتغاليين(18)، وقد جاءت أبيات الشاعر بشير بن عامر الفزاري معبرة عن هذا الفتح بقوله:
هَذَا هُوَ الفَتْحُ العَظِيمُ الأَزْهَرُ .:.:. هَذَا هُوَ النَّصْرُ المبِينُ الأَكْبَرُ
فَالحَمْدُ للهِ الذِي نَصَرَ الوَرَى .:.:. بِإِمَامِ صِدْقٍ فَضْـلُهُ لاَ يُــــنْكَـــرُ
عَدْلٌ أَبِيٌّ يَعْرُبِيٌّ خَاشِعٌ لِلـ .:.:. ــــهِ لا يـَزْهُـــو وَلاَ يَتَــكَـــبَّــــــرُ
بَعَثَ الجُيُوشَ إِلَى النَّصَارَى غَازِيًا .:.:. دُوَلاً لَهُمْ بِالكُفْرِ كَانَتْ تَعْمُرُ(19)
لقد كان الحكم البرتغالي للساحل الأفريقي فترة مظلمة من الاستعباد والتسلط وقد كانت سياسة فتح البلاد لديهم التدمير بلا رحمة، اعتمادًا على مدافعهم البالغة الأهمية، ولقد صور ملك «مُمباسا» الذي شهد تدمير مدينته على يد البرتغاليين صورة معاناة شعبه في رسالة موجهة إلى جاره ملك ماليندي قائلا إن الغازي «لم يكتف بقتل الرجال وحرقهم، بل أسقط الطيور في السماء»(20).
وعليه فإن الفتح العُماني للساحل الأفريقي يعد بحق بمثابة الرحمة التي أنقذت الساكنين من نير الطغيان الذي عصف بهم فترة من الزمن.
ثانيا: نشوء السلطنة العُمانية في زنجبار على الساحل الأفريقي:
إنَّ الحدث الذي ذكرناه آنفا قد مهد الطريق لنشوء الدولة العُمانية، فبعد أن تم تطهير الساحل العُماني من الوجود البرتغالي زادت الهجرة العُمانية من جديد إلى الساحل الأفريقي، واتسع مدى الاتصال البحري تجاريا واجتماعيا بين الجانبين حتى اقتضت الحاجة نشوء دولة عُمانية على الساحل الأفريقي كانت مركزا للإشعاع الحضاري والإسلامي والعربي واستمر لعصور طويلة.
ويعد حكم السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي 1804_1856م تحولا بارزا في سماء العلاقات العُمانية الأفريقية، فقد حول عاصمة ملكه من مسقط إلى زنجبار، وبدءا من عام 1832م أصبحت زنجبار عاصمة الإمبراطورية العُمانية، وقد أدى ذلك إلى انتقال طائفة من العُمانيين إلى شرق أفريقيا(21).
كما امتدت سلطة السيد سعيد إلى جميع الجزر الأفريقية الشرقية وكان نفوذه يمتد شمالا وجنوبا حتى قبل: إنه إذا ضرب السيد سعيد طبله في زنجبار، رقصت عليه كل غابات أفريقيا(22).
هذا النفوذ في الشرق الأفريقي أدى بدوره إلى قيام دولة إسلامية عربية لها تاريخها وتراثها فطبعت الساحل الأفريقي بطابعها الإسلامي- العربي المتميز وهو ما سهل انتشار الإسلام كدين جديد بين السكان المحليين، سواء في الجزر أم على امتداد المدن الساحلية.
وقد أدى استقرار الحاكم السيد سعيد بن سلطان في زنجبار إلى قيام نهضة زراعية وتجارية، فقد جلب شجر القرنفل من جزيرة موريشوس واعتنى بزراعته الأمر الذي زاد من ثروة البلاد وانتعاش اقتصادها، وأصبحت زنجبار من أغنى البقاع بسبب زراعة القرنفل وتجارته(23).
وكدولة ذات كيان ومكانة بارزة، فقد ارتبطت بمعاهدات واتفاقات مع الدول الكبرى ذات النفوذ آنذاك، كما هو الحال مع ألمانيا وفرنسا وبريطانيا(24).
كما أوفد السيد سعيد سفيره أحمد بن نعُمان الكعبي إلى أمريكا سنة 1840م ليصل إلى نيويورك على السفينة سلطانة(25).
ويذكر صاحب كتاب "جهينة الأخبار" كيف أرست هذه الدولة أسس التعايش السلمي بين المذاهب الإسلامية القائمة في زنجبار آنذاك، فقد صدرت أوامر من السيد سعيد بعد التعرض للمذاهب الدينية وأن كل مذهب يتبع حكم مذهبه(26).
وقد بلغ الأمر ذروته في ظهور الإسلام وعلو شأنه، حتى إنَّ زنجبار وشقيقتها الجزيرة الخضراء (بمبا) ضمتا 357مسجدا، وكانت الدروس تلقى في أروقة المساجد على يد نخبة من الرجال الأفذاذ الذين بلغوا أعلى المستويات الدينية(27).
وقد أصبحت عاصمة الدولة العُمانية على الساحل الأفريقي مركز إشعاع للدين الإسلامي في كل ما جاورها على البر الأفريقي إذ أشرق نور الإسلام لأول مرة في المناطق الداخلية من البر الأفريقي، واستشرف آفاقا جديدة في ربوع أوغندا وأعالي نهر الكونغو وفي رواندا وبورندي وذلك فضلا عن تنجانيقا (تنزانيا حاليا) ومنطقة نياسا (مالاوي) وزامبيا وموزنبيق(28).
العُمانيـون ونشر الإسـلام والثقافـة العربية:
ليس خافيا على أحد الأثر الذي أحدثه العُمانيون بنشر الإسلام على الساحل الأفريقي وكيف كان ذلك بفعل الاستيطان السكاني واندماج العُمانيين مع السكان الأصليين فكان أن نقلوا ثقافتهم ولغتهم، إضافة إلى عقيدتهم الإسلامية إلى غيرهم من الأفارقة.
ولم يكن أمر نشر الإسلام ليمر دون تضحيات ومصاعب تصدى لها هؤلاء الوافدون، لكن الإصرار والعزيمة كانا من عوامل النجاح فأمكن للإسلام أن يرفع رايته، ويعلو صوت آذانه، وتخشع لقرآنه قلوب المؤمنين في جزر الساحل والأراضي المتاخمة لها.
إن العرب العُمانيين هم أوَّل من اكتشف أفريقيا وجاس خلالها إلى حوض نهر الكونغو، وهم الذين أخبروا عن البحيرات والجبال المعممة رؤوسها بالثلوج على الرغم من مشاق الأسفار، وعلى الرغم من وحشية الأهالي الذين يأكل بعضهم بعضا. وقد توغلوا في الغابات المظلمة وسط الضباع الضارية مخاطرين بأرواحهم وأموالهم. كما ثبت أن الأوروبيين اعتمدوا على عرب شرق أفريقيا في ارتياد مجاهل القارة الأفريقية ومداخلها(29).
حقا لقد كانت التضحيات المبذولة عظيمة، ولكن الإنجاز كان أعظم إذ تسنى لنور الإسلام أن يضيء سناه هذا الجزء الهام من القارة الأفريقية.
وقد شهد لنتائج تحول الساحل الأفريقي إلى الإسلام ابن بطوطة عندما زار هذا الساحل عام 731هـ، فقرر أن كل الناس الذين رآهم في المدن التي زارها كانوا مسلمين(30).
كما أثار ذلك دهشة «فاسكو دي جاما» عندما وفد على هذا الساحل الأفريقي عام 904هـ فوجد أهلها قد تطبعوا بطابع العرب من العُمانيين في عاداتهم ولباسهم، ووجد في إحدى المدن شيخا بالثياب الحريرية متقلدا السيف والخنجر، وفي معيته أقوام في أفخر الثياب(31).
ولعلنا نتعرض إلى دورهم في نشر الإسلام من ناحيتين:
الناحية الأولى من دور الدعـاة العُمانـيين في نشر الإسلام:
لربما يحاول البعض تشويه صورة العرب والمسلمين في دخولهم لأفريقيا، وحصر هذه الصورة في قضايا الرق والاستعباد واستغلال الأرض، دون الإشارة إلى هدف حقيقي هام يعول عليه، ولا غرابة في أن يصدر هذا القول من أعداء الإسلام الذين هالهم ما وصل إليه الدين الإسلامي في شرق القارة من تمكن ونفوذ.
إن العُمانيين الداخلين إلى لبلاد الأفريقية وإن كان منهم الذي تدفعه روح المغامرة للكسب والغنى، إلا أن انتماءهم العقدي لدينهم الإسلامي هو الذي تحكم في حركتهم وتجولاتهم، وندلل على ذلك بالقصة التي يوردها الكاتب جراي عن الشيخ أحمد بن إبراهيم العامري التاجر العُماني الذي وصل من زنجبار إلى بلاط الملك (سنا) بمملكة يوغندا عام 1260هـ/1843م، حيث أبدى هذا الشيخ شجاعة فائقة في بلاط الملك كانت سببا في إسلام أهل يوغندا(32).
فقد جرت العادة وفق الطقوس التي يعتنقها أهل يوغندا آنذاك وعلى رأسهم «الكباكا» (الملك)، تقديم عدد من الرعايا الأبرياء كقرابين للآلهة؛ وذلك بذبحهم وسفك دمائهم، فما كان الشيخ أحمد ــــ وقد وفد على «الكباكا» في يوم مشهود لتقديم هؤلاء القرابين ــــ إلا أن وقف متحديا «الكباكا»، وذلك وسط دهشة المشاهدين مخاطبا ومعاتبا له قائلا: «مولاي إنَّ هؤلاء الرعايا الذين تسفك دماءهم كل يوم بغير حق إنما هم مخلوقات الله ــــ سبحانه وتعالى ــــ الذي خلقك وأنعم عليك بهذه المملكة». وقد كرَّر الشيخ ذكر قدرة الله خالق الكون، وأنه الواحد الأحد... ورويدا رويدا انفتح عقلُ «الكباكا» وقلبه لكلام الشيخ إذ أقنعه بالدين الجديد الذي جاء يحمل مبادئه.
وقد أسفرت صحبة الشيخ للكباكا عن تعلم الأخير لأربعة أشياء من القرآن الكريم، وكذلك مبادئ الدين الإسلامي قبل وفاة الكباكا عام 1237هـ/ 1856م، وبهذه الخطوة انفتح الباب على مصراعيه للإسلام فانتشر في أوغندا والمناطق المجاورة لها(33).
هذه القصة التي جرت مع حاكم يوغندا لم تكن الوحيدة التي سطرها التاريخ، بل هنالك حوادث أخرى تدل على دور الدعاة العُمانيين في نشر الإسلام. وقد أخبرني غير واحد من العُمانيين القادمين من شرق أفريقيا ـــــ الذين نشأ عدد من العاملين الأفارقة الوثنيين في مزارع آبائهم ـــــ عن دور العُمانيين في نشر الإسلام بين هؤلاء المزارعين من خلال تعليمهم مبادئ الدين الإسلامي وكذلك تسميتهم وتنشئتهم وتزويجهم على أسس الإسلام وتعاليمه.
كما عمل الدعاة العُمانيون على مقاومة نشاط الجمعيات الكنسية،وعارضوا حركة الإرساليات. ومن الأسماء التي ترددت في وثائق الكنيسة أسماء عُمانيين قاوموا هذا النشاط كمثل الشيخ سليمان بن زاهر الجابري، وهو من سكان يوغندا المقربين للسلطان برغش بن سعيد سلطان زنجبار، كما جرى ذكر عدد آخر من التجار العُمانيين الذين تصدوا لحركة الكنيسة في تنصير الساكنين الأفارقة(34).
الناحية الثانية من دور العلماء العُمانيين في نشر الإسلام:
وقد تميَّز هذا الدور بنواح عدة جمعت بين القيام بواجبات الإفتاء والقضاء، والنواحي الرسمية بما يمليه واجب الدولة ومسؤولياتها، وكذلك التدريس والتأليف ونشر العلم حيث دل عليه وجود الكتب والمؤلفات ونشاط المدارس العلمية والفقهية.
وتعد زنجبار بعد قيام الدولة البوسعيدية قصبة العلم التي هوت إليها أفئدة العلماء، فهاجروا إليها من عُمان واستقروا فيها، فكانوا أن أسهموا في نهضتها العلمية والفكرية، الأمر الذي عد فخرا لسكانها وقاطنيها.
وقد تنوعت الأسباب والدوافع التي حدت ببعض العلماء للهجرة نحو الساحل الأفريقي، كما عاود البعض منهم حنينا إلى بلدهم الأصلي فترددوا بينها وبين موطنهم الجديد كقول العالم الشاعر أبي مسلم البهلاني متشوقا لموطنه عُمان:
تِلكَ المعَاهِدُ مَا عَهْدِي بِهَا انْتَقَلَتْ .:.:. وَهُنَّ وَسْطَ ضَمِيرِي الآنَ سُكَّانُ
نَزَحْتُ عَنْهُمْ بِحُكْــــمٍ لاَ أُغَــالِبُهُ .:.:. لاَ يَغْلِبُ القَدَرَ المحْتُومَ إِنْسَانُ(35)
ويبدو أن ترحيب سلاطين زنجبار بهؤلاء العلماء، ومدهم بالعون والمؤازرة والاعتماد عليهم في ترسيخ قدم الدولة وبسط نفوذها شجع على الهجرة والاستيطان على الساحل الأفريقي، نذكر من بينهم العلامة المشهور الشيخ ناصر بن أبي نبهان الذي انتقل بصحبة السلطان سعيد بن سلطان إلى شرق أفريقيا، ومع تردده على عُمان، إلا أنه استقر بعُمان وتوفي فيها عام 1263هـ ولا يزال قبره معروفا هناك(36).
وللشيخ ناصر المذكور مؤلفات مشهورة كمؤلفه «الحقُّ اليقين» في العقيدة، وكذلك كتابه المسمى «لطائِفُ الـمِنَن في أحكَامِ السُّنَن» وقد بوب فيه الشيخ «الجامع الصغير» للإمام جلال الدين السيوطي.
وللشيخ أيضا كتاب في الطب سمَّاه: «السرُّ الجلي في ذكر أسباب النبات السواحلي» حيث شرح فيه فوائد النبات والأشجار الموجودة بالساحل الأفريقي، وقارن أسماءها مع ما هو معروف منها في البلاد العربية.
ونجد كذلك من بين علماء زنجبار الشيخ محمد بن علي المنذري، وكان رئيسا للقضاء في عهد السلطانين سعيد بن سلطان وولده ماجد بن سعيد، ولهذا الشيخ مؤلف في العقيدة هو «الخلاصة الدامغة» وقد توفي عام 1314هـ/ 1869م. وقد تولى ابنه الشيخ علي بن محمد المنذري منصب قاضي زنجبار في عهد السيد خليفة بن حارب، وله كتاب في التربية تحت مسمى "اختصار الأديان"(37)، وله كتب أخرى كمثل "نور التوحيد" وكذلك كتاب "الرد على النصراني الكندي" الذي رد فيه على أحد النصارى في عهد الخليفة المأمون.
ومن بين العلماء الذين تقلدوا قضاء «مُمباسة» الشيخ علي بن عبد الله المزروعي الذي برز في عهد السلطان ماجد بن سعيد (1856-1870م) وكذلك ابنه الشيخ الأمين بن علي المزروعي، وللمزروعي الأب مؤلفات منها:مخطوطة "الدروع السابغة" و«السبل الواضحة في شرح دلائل الخيرات».
أما المزروعي الابن فهو قاضي قضاة كينيا وقد اهتم بالصحافة والنشر، وله دورية أسماها "الصحيفة" ظهرت عام 1930م، وكذلك جريدة الإصلاح الصادرة في شوال 1350هـ/1932م باللغتين العربية والسواحلية.
ومن العلماء البارزين في ساحة العم على الساحل الأفريقي، العالم الشاعر أبو مسلم بن ناصر سالم بن عديم البهلاني الذي له عدة مؤلفات مشهورة مثل «نثار الجوهر» وهو كتاب في الفقه، وكتاب «النور المحمدي» و«الكنوز الصمدية في المفاخر المحمدية»، وكتب أخرى في العقيدة، وله ديوان شعر مطبوع في وزارة التراث لسلطنة عُمان تظهر فيه براعته في الصياغة الشعرية فهو يمتاز بنفس شعري عميق، وحس مرهف، وبلاغة قلما يشهد لها مثيل. ويجمع الشيخ بين مواهب متنوعة في القضاء والشعر والصحافة والنثر. ففي مجال الصحافة نجد المجلة التي أنشأها بعنوان «النجاح»، وقد تولى تحريرها، فقد كان متابعا لما عليه حال المسلمين في أنحاء العالم، يدل على ذلك قصيدته التي نشرها وأرسلها للمؤتمر الإسلامي برئاسة رياض باشا في مصر، حيث أثيرت قضية مصر الفرعونية وقتذاك.
ومما يدلنا على فكر العلامة أبي مسلم في استيعابه لمقتضيات العصر تلك الرسالة التي وجهها إلى الإمام سالم بن راشد الخروصي (حكم 1331 ــــ 1338هـ) في عُمان بتاريخ 14 ربيع الثاني 1333هـ التي حملت أفكارا تفصح عن بعد النظرة لما هو الحال الذي ينبغي أن تكون عليه الدولة.
وقد أشار الشيخ على الإمام بإنشاء مطبعة لبيت مال المسلمين وضرورة فتح المدارس بل والأخذ بمبدأ التعليم أو التعليم الإجباري حيث جاء فيها: «وأحثك سيدي على فتح المدارس العلمية في بلادك، وحث أهل الخير على التبرعات في سبيل هذا المشروع العظيم، فإنَّ مصرك عُمان لم يسقط هذه السقطة العظيمة إلا من جهة الجهل، والجهلُ أمُّ المصائب في الدين الدنيا، وبِوُدِّي لو ساعدني العلماء هناك على الرأي الذي أراه، وهو جواز جبر الأولاد على التعلُّم، وهي لعمري مصلحة عظيمة في الأمَّة، ثم تجعل نفقة الفقراء منهم على بيت المال، ونفقة الأغنياء منهم على آبائهم، وهي طريقة سياسية دينية تدل لها أصول من الكتاب والسنة»(38).
ونستخلص من هذه الأفكار التي قدمها أبو مسلم بُعد النظرة وعميق الفكر لديه، وكيف أن مكوثه في زنجبار في الساحل الأفريقي قد أتاح لهذا العالم تكوين نظرة عصرية تسبق في توقيتها الزمني الواقع الذي يعيشه الوطن الأم عُمان آنذاك.
وكذلك نجد أن لديه أفكارا تربوية بنيت على استنباط فقهي قد تحلُّ أزمة التعليم القائمة في دول كثيرة من بلداننا إذ نجد أن أبناء الأغنياء يحصلون عل نفس ميزات أبناء الفقراء في التعليم، والمفاضلة تكون فقط على أسس النتائج الدراسية في القبول في الجامعات والمدارس، ولا اعتبار مطلقا لدخل الأسرة، وقدرة الآباء على نفقات التعليم وما إلى ذلك.
وفي هذه الرسالة يدعو أبو مسلم الإمامَ سالم أيضا إلى وجوب المصالحة مع الدول المحيطة والمهادنة معها لما فيها من صالح للمسلمين وصالح للرعية، أي إقامة علاقات جوار ودية، وهو أمر ينمُّ عن بعد النظرة والوعي السياسي حيث تنبه لما فيه صلاح الأمة وقوتها.
لقد عززت حركة النشر والتأليف من ارتباط عرب الساحل بغيرهم من إخوانهم المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي من جهة، وأكدت على ربط هذه الأواصر بحال إخوانهم من الأفارقة الذين نقلوا إليهم إسلامهم وثقافتهم، ولم يكن التأليف قاصرا على اللغة العربية، بل تعداها إلى اللغة السواحلية التي مزجت مفرداتها بكلمات ومعان من اللغة العربية، ومن ذلك نجد العناية بترجمة القرآن الكريم إلى اللغة السواحلية التي بدأت بترجمة سورتي الفاتحة والبقرة بواسطة الشيخ الأمين بن علي المزروعي. ثم جاءت ترجمة كاملة للقرآن بواسطة الشيخ عبد الله بن صالح الفارسي الذي تبوأ منصب قاضي القضاة بكينيا. وللشيخ عبد الله مؤلفات عدة باللغة السواحلية كمثل: شعائر الصلاة، والصوم، وأحكام الزواج، وتاريخ السيرة النبوية، وتاريخ السيد سعيد بن سلطان وكذلك أحكام المواريث.
ومن العلماء العُمانيين في عهد السلطان برغش بن سعيد بن سلطان العالم الشيخ يوسف بن ناصر الخروصي الذي هاجر إلى أفريقيا عام 1300هـ، وكان قاضيا ومُفتِيًا لزنجبار ومن مؤلفاته «الجامع لأركان الإسلام».
ومن بين العلماء صاحب المقامات العُمانية والصحارية الشيخ محمد بن علي بن خميس البرواني الذي برع في أدب المقامة. وفيهم كذلك العلامة سالم بن سعيد الشعبي وهو شافعي المذهب وله كتاب في علم الفرائض "أسمى المقالب المبهمات".
وقد عُنِي بعض العلماء العُمانيين عناية خاصة بالتاريخ، كمثل الشيخ سعيد بن علي المغيري صاحب كتاب «جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار» الذي ولد في عُمان ثم ارتحل إلى زنجبار عام 1300هـ وقد عينته الحكومة عضوا في المجلس التشريعي بزنجبار عام 1351هـ(39).
إن من ذكرناه من علماء الساحل الأفريقي ومثقفيه هو غيض من فيض يطول ذكرهم علماء الساحل الأفريقي ومثقفيه هو غيض من فيض يطول ذكرهم وذكر مآثرهم التي تنوعت بين مؤلفات وصحف،وشعر ونثر. ولقد عنيت بطبع البعض منها وزارة التراث القومي بسلطنة عُمان، وبقي جزء آخر مخزونا في مخطوطاته ينتظر جهود الباحثين والمثقفين، والكتاب والمحققين حتى يعنوا بإبرازه وكشف كنوزه وهو ما يدلنا على عمق الأثر العلمي الذي أحدثه نقل الإسلام والحضارة العربية الإسلامية إلى الساحل الأفريقي. هذا الأثر الذي أينع ثمره وزكى بعد سنين دأبت من الاتصال الحضاري والتبادل الثقافي والتمازج المكاني والسكاني بين العرب العُمانيين وإخوانهم من الأفارقة على مر التاريخ.
لقد أحدث ولوج العُمانيين للساحل الأفريقي نهضة علمية وثقافية واسعة المجال كما أن اهتمام السلاطين العُمانيين بنشر العلم، وتشجيع العلماء زاد في هذا الجانب حيث رسخ جذور اللغة العربية والثقافة الإسلامية، وطبع اللغة المحلية (السواحلية) بطابع العربية تحدثا وكتابة.
ولعل من أبرز ما يجدر ذكره في هذا الجانب، إنشاء المطبعة السلطانية التي دفعت إلى قيام الصحافة العُمانية إبان حكم السيد برغش بن سعيد بن سلطان خلال الفترة من (1287ـــ1306هـ) (1870ــــ 1888م). ويذكر الشيخ سعيد المغيري صاحب كتاب «جهينة الأخبار» أن السيد برغش أنشأ مطبعة لطبع الكتب الدينية والأدبية قد طبعت عددا من كتب الفقه الإباضي كقاموس الشريعة، وهميان الزاد، ومختصر البسيوي(40).
وبوجود هذه المطبعة برزت حركة تأليف وطباعة، كما ازدهرت صناعة الصحافة إذ برزت صحف عدة كالنجاح، والفلق، وجريدة زنجبار، وغيرها.
ولعلنا نقف لنمر سريعا على دور الصحافة العربية التي أسسها العُمانيون في أرض المهجر لندرك أن هذه الصحافة قد حملت على عاتقها دورا إصلاحيا لواقع البلاد الأفريقية هذا مع وجودها كمنبر ثقافي لنشر الثقافة العربية الإسلامية في تلك البقاع.
وقد جاءت في شعار جريدة الفلق مثلا أنها "جريدة أدبية سياسية، أخلاقية، زراعية" هذه الموضوعات تعكس هموم الشارع الأفريقي آنذاك إضافة إلى الفكر الذي حاول القائمون للصحيفة أن يروجوا له"(41).
كما أن رواد هذه الصحف العُمانية وكاتبيها لم يغيبوا عن النشاط الصحفي في أجزاء من العالم العربي نستدل على ذلك من نشر مجلة الهلال المصرية في عددها الصادر في 29 جمادى الأولى 1324 هـ لمقال أسهم به الشيخ ناصر بن سليمان اللمكي كموضوع افتتاحي تحت عنوان "أشهر الحوادث وأعظم الرجال: حميد بن محمد المرجبي فاتح الكونغو" وتعد هذه الدراسة توثيقا لأحد المغامرين العُمانيين الذين توغلوا في أصقاع الكونغو وكانت لهم فتوحات مشهودة في هذا الجانب(42).
ونعود إلى جريدة الفلق التي قاومت في مقالات لها سياسة الإدارة البريطانية في زنجبار لتحويل الكتابة من الأحرف العربية إلى الأحرف اللاتينية بالنسبة للغة السواحلية حيث نشر الكاتب مسلم بن حميد الرحبي مقالا يدعو فيه إلى الاهتمام باللغة العربية في عددها الصادر في 11/07/1956م(43).
وتعد صحيفة النجاح التي أصدرها الشيخ أبو مسلم البهلاني من أُولًى الصحف العُمانية فقد أصدر عددها الأول في 09 شوال 1330هـ/12 أكتوبر 1911م، وقد اهتمت بنقل أخبار العالم الإسلامي والعالم من حوله، فمثلا تمت تغطيتها لحرب الدولة العثمانية مع الطليان، وكذلك أخبار أخرى جرت في العالم الإسلامي.
ومما يزيد من قيمة هذه الصحيفة شأنا أسلوب أبي مسلم الأدبي وقدرته العلمية في تأليف المقالة، كذلك وجود كُتَّاب آخرين إلى جانبه كمثل الشيخ ناصر بن سليمان اللكمي الذي تناوب على رئاسة تحريرها مع الشيخ أبي مسلم.
وقد امتدت نهضة علمية لتعليم مبادئ الدين والقرآن الكريم قراءة وتجويدا في كل مدن الساحل وصولا إلى جزر القمر، حتى إن سكان مدينة مدغشقر كانوا يكتبون بالأحرف العربية قبل احتلال فرنسا لها(44).
وقد انتشرت المدارس التي تعنى بتدريس علوم الدين على يد مشايخ عُمانيين وغيرهم من العرب الحضارمة، وكذلك بعض المسلمين من الهنود.
اللغة العربية واللغة السواحلية:
إن وجود العرب العُمانيين في الساحل الأفريقي مدفوعين بدينهم وتراثهم، وكذلك لغتهم، كل ذلك أدى إلى امتزاج حضاري مع الواقع المعيش للإنسان الأفريقي لاسيما في ثقافته ولغته.
ويلاحظ أن معظم البقاع التي انتشر فيها الدين الإسلامي كتركيا، والهند، وإيران، وأندونيسيا، وماليزيا، والفلبين، وغيرها قد امتزجت لغاتها الأصلية باللغة العربية لغة القرآن والرسالة المحمدية.
إلا أننا نلاحظ في الشرق الأفريقي ملحظا خاصا وهو أن العربية امتزجت باللغة الأفريقية السائدة وقت هجرة العُمانيين، وكونت اللغة السواحلية، وقد حملت طابعا خاصا، وهو المفردات العُمانية المستخدمة في اللغة العربية.
فالزائر إلى دول الشرق الأفريقي ككينيا وتنزانيا مثلا تقابله عبارة الترحيب باللغة السواحلية (كريبو karibu) إذ وجدتها شخصيا عند نزولي في مطار «دار السلام» وقد كتبت بخط واضح للترحيب بالقادمين. هذه الكلمة هي ذات الكلمة العربية المستخدمة لدى مجموع العُمانيين تقال عند الترحيب بالضيف أو القادم "قرب" بالتشديد على الراء وهي بمعنى إقرب وتفضل واقترب معنا.
وعندما يتجول السائح العربي في شوارع دار السلام عاصمة تنزانيا أو نيروبي عاصمة كينيا، ويقترب متّأمِّلا العبارات التي كتبت باللغة السواحلية بأحرفها اللاتينية اليوم، لا شك أنه سيقف مندهشا أمام الكم الهائل من مفردات العربية المتغلغلة في السواحلية.
وعندما يدقق النظر في لافتات كتبت للدعاية والإعلان مثلا سيسترعي باله منتج ما روج له بكلمات مثل ladha kamali, sifa thabiti أي بمعنى صفة ثابتة ولذة كاملة بأسطر كاملة لمفردات عربية تبدو من النظرة الأولى سواحلية ولكنها عند تدقيق النظر تنجلي عن صفحتها العربية، فتشعُر حينها بعزَّة الصناعة الحضارية التي أوجدتها دون تذكر للتضحية الكبرى لمن ركبوا أهوال البحر للوصول إلى تلك المناطق من أجداد العُمانيين.
بل إن اللافت للنظر أن هناك كلمات كان يرددها العُمانيون في لغتهم العربية منذ السالف وقد تخلوا عنها اليوم، إلا أنها حفظت في اللغة السواحلية، أذكر على سبيل المثال لا الحصر كلمتي sahihi بمعنى صحيح أو signature أي توقيع باللاتينية فعندما يقال في الكتب القديمة صححه فلان أي أمضاه أو بتوقيع فلان.
وكذلك من الكلمات المستخدمة biashara أي بيع وشراء، وهي اللفظة المستخدمة عند العُمانيين بمعنى التجارة.
وهكذا تجول متأملا المفردات المستعملة في اللغة السواحلية، فتدرك غزارة الاستخدام للمفردات العربية المنبثة في السواحلية، وقد قامت بحوث تبين هذه العلاقة بين اللغتين(45) إلا أن مرادي هو تبيين هذه الخصوصية إي طبيعة العلاقة مع العربية التي حملها العُمانيون لتلك الديار.
ويقرر الدكتور إبراهيم الصغيرون أنه «من الحقائق التاريخية المهمة والجديرة بالتسجيل أن انتشار اللغة السواحلية وتوغلها في أواسط أفريقيا قد ارتبط بمرحلة النفوذ العُماني في شرق أفريقيا وبخاصة في عهد السيد سعيد بن سلطان الذي أرسى قواعد الدولة البوسعيدية»(46).
وغاية القول: إن السواحلية قد غدت لغة جميع الساحل الشرق الأفريقي انطلاقا من زنجبار، بحيث أصبحت زنجبار هي المصدر لهذه اللغة بكل مفرداتها وآدابها، كما أنها صارت المصدر لمعلمي السواحلية الذين استعانت بهم جميع مدن الساحل، وكذلك البر الأفريقي المجاور.
ويمتلئ الأدب السواحلي ــــ كما يقول أحد الباحثين ــــ «شعره ونثره بالإشارات إلى الفقه الإسلامي، وفي ترغيب المؤمنين في كل كلمة من كلماته، وتشكل معرفة الشريعة الإسلامية مطلبا أساسيا لفهم الأدب السواحلي، وخصوصا فيما يتعلق بتشريعات الزواج والتشريعات العائلية(47).
وقد نشطت حركة الترجمة من العربية إلى السواحلية بحيث تم نقل مؤلفات عدة إلى اللغة السواحلية، ومع ذلك فإنَّ تعليم العربية ظل منتشرًا في المدن الساحلية بوصفها لغة القرآن والدين الإسلامي. وقد ازداد عدد المتحدثين باللغة العربية طرديا مع انتشار الدين الإسلامي بين مدن الساحل الأفريقي.
الثقافة والعمران في الساحل الأفريقي:
إن دخول الإسلام والنهضة العلمية والفكرية التي أحدثتها هجرة العرب من العُمانيين إلى الساحل الأفريقي قد أثر أيما تأثير في الثقافة الأفريقية السائدة، فاصطبغت وانطبعت بالطابع الذي حمله هؤلاء الوافدون، فغدا أثرها واضحا على عاداتهم وتقاليدهم وكذلك فنون العمران والملابس والأزياء.
وقد زاد في ذلك الانصهار والاندماج بين العرب والأفارقة، سواء بالمجاورة أم الزواج، فأوجد نمطا متآلفا من العيش والتقاليد العربية والإسلامية. فالزائر إلى مدن الساحل الأفريقي سوف يلحظ التجانس في الأزياء ذات الجذور العربية والإسلامية بدءا من مقديشو وانتهاء بجزر القمر، بل إنه وحتى بعد أن غير الاستعمار الأوروبي هذا الملمح سوف يجده القادم متمثلا في المناسبات واللقاءات ذات الطابع الإسلامي.
فيوم الجمعة يؤدي المصلون صلاتهم وقد اتشح غالبيتهم بالأثواب العربية التي تحاكي الثوب العربي المستخدم في عُمان، وكذلك القبعة التي توضع على الرأس، بل إنه في مناسبات الزواج وعقد القرآن لن تفاجأ إذا رأيت العريس وقد تقلد سيفا، عربيا وتمنطق خنجرا عربيا، ثم لف على رأسه العمامة الذي تذكر بعرب شمال البحر.
كذلك هو الشأن بالنسبة لزي المرأة الأفريقية التي أخذت طابعا من ملابس المرأة العربية، ولنستمع إلى وصف تاريخي يسوقه صاحب كتاب «جهينة الأخبار» عن زي المرأة قائلا: «وأما لباس المرأة في ذلك الزمن، فخمارٌ على رأسها، وقميصٌ وسراويل، وشيلةٌ تعمُّ سائرَ جسدها، وجواربٌ وحُقٌّ»(48)، وهو يشير إلى زمن السلطنة العُمانية قبل السيطرة الاستعمارية وقبل دخول العادات الغريبة التي جلبها الأوروبيون.
امتد هذا التأثير أيضا إلى العادات والآداب بدءا من الاستقبال والترحيب إلى القيام بواجبات الضيافة الأخرى. وقد نتج كل هذا بفعل التعايش والاندماج بين العرب الوافدين والسكان المحليين.
أما فيما يتعلق بالعمارة الإسلامية فتجدها ماثلة للعيان في معظم مدن الساحل الأفريقي وبصفة خاصة في المساجد والقلاع والبيوت القديمة حيث هي تنبئ عن هويتها العربية.
وعلى سبيل المثال لا تزال هناك آثار وشواهد دالة على هذه الآثار العمرانية كما هو حال الرسم بالمسجد الموجود ببلدة شوكة في الجزيرة الخضراء، حيث يبدو جليا الرسم الذي هو على شكل خنجر عربي في المحراب القديم لهذا المسجد، ويعود تاريخ هذا المحراب إلى سنة 812هـ/1412م(49).
ومن بين المساجد القديمة التي عثر عليها في مدينة مقديشو مسجد نقشت عليه كتابة تبين تاريخ تأسيسه وهو عام 637هـ في عصر السلطنة الحارثية، أي قبل مرور ابن بطوطة بها بنحو من الزمان.
وبنظرة على طريقة بناء بعض المساجد القديمة في الساحل الأفريقي نتعرف على مدى التشابه بين أسلوب عمرانها مع تلك الموجودة في عدد من البلدان العُمانية، أذكر مثلا زيارتي لبلدة كجمبوني في ناحية من ناحية دار السلام عاصمة تنزانيا حيث يوجد بناء لمسجد قديم، وقد لاحظت أن محراب المسجد الذي بني قبل أربعة مائة عام يماثل في بنيانه المحاريب المبنية في المساجد القديمة في عُمان حيث يكون المحراب بدون تجويف .
بل إن شواهد القبور القائمة والمحاذية للمسجد قد اتخذت طابعا وشكلا يماثل عددا من شواهد القبور القديمة في عُمان، هذه الآثار كلها تصور لنا هذا التأثير الثقافي الذي ظلت دوارسه وآثاره شاهدة على سنين من التعايش والاندماج الثقافي والعمراني.

--------------------
قائمة المراجع
1 - إبراهيم الزين الصغيرون: الإسهام العُماني في المجالات الثقافية والفكرية والكشف عن مجاهل القارة الإفريقية في العهد البوسعيدي، المنتدى الأدبي، حصاد ندوة 1991 ـ 1992م، وزارة التراث القومي، سلطنة عُمان،1993.
2 - ابن بطوطة (779هـ/1377م): محمد بن عبد الله اللواتي، تحفة الأنظار في غرائب الأمصار، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط4، 1985م.
3 - أحمد بن حمد الخليلي (سماحة الشيخ): العُمانيون وأثرهم في الجوانب العلمية والمعرفية بشرق إفريقيا، المنتدى الأدبي، حصاد ندوة 1991 ـ 1992م، وزارة التراث القومي، 1992م.
4 - أحمد حمود المغيري: عُمان وشرق إفريقيا، ترجمة محمد أمين عبد الله، وزارة التراث القومي، سلطنة عُمان، ط2، 1992م.
5 - جيان (ربان سفينة): وثائق تاريخية وجغرافية وتجارية عن إفريقيا الشرقية، كتبه عام 1865م، نقله إلى العربية ملخصا يوسف كمال، القاهرة، ط، 1345هـ/1962م.
6 - حسن أحمد حمود: انتشار الإسلام في القارة الإفريقية، مكتبة النهضة المصرية، ط2، 1984م.
7 - خالد ناصر الوسمي: عُمان بين الاستقلال والاحتلال، مؤسسة الشراع العربي، الكويت، 1993م.
8 - رجب محمد عبد الحليم: العُمانيون والملاحة والتجارة ونشر الإسلام، مكتبة العلوم، سلطنة عُمان، 1929م.
9 - سالم بن أحمد الطيواني: زنجبار منذ دخول الإسلام حتى قيام اليعاربة، مخطوط بمكتبة معهد العلوم الشرعية، سلطنة عُمان، 2000م.
10 - سعيد بن علي المغيري: جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار، وزارة التراث القومي، ط4، سلطنة عُمان، 2001م.
11 - سلطان بن محمد القاسمي: تقسيم الإمبراطورية العُمانية، مؤسسة البيان للصحافة والنشر، دبي، ط2، 1989م.
12 - عائشة علي السيار: دور اليعاربة في عُمان وشرق آسيا، مطابع دار الصحف الوحدة، أبو ظبي، ط3، بدون تاريخ.
13 - عبد الرحمن عبد الكريم العاني: تاريخ عُمان في العصور الإسلامية الأولى، دار الحكمة، لندن، 1999م.
14 - علي بن الحسين بن علي المسعودي، أبو الحسن (ت346هـ/957): مروج الذهب ومعادن الجوهر، 4 أجزاء، دار الكتب العلمية، بيروت، ط، 1986م.
15 - فليبس وندل: تاريخ عُمان، ترجمة محمد أمين عبد الله، وزارة التراث القومي، سلطنة عُمان، 1981م.
16 - فهمي جدعان وتوفيق مرعي: عُمان والحضارة الإسلامية، وزارة التربية والتعليم، سلطنة عُمان، 1984م.
17 - محمد بن سليمان الحضرمي: الصحافة العُمانية في زنجبار، مخطوط بمعهد العلوم الشرعية، سلطنة عُمان، 2001م.
18 - محمد صالح ناصر:
أ) أبو مسلم الرواحي حسَّان عُمان، سلطنة عُمان، 1996م.
ب) منهج الإباضية في الدعوة، مكتبة الاستقامة،سلطنة عُمان،1997م.
19 - محمد عبد الله النقيرة: انتشار الإسلام في شرق إفريقيا ومناهضة العرب له، دار المريخ للنشر، 1402هـ/1982م.
20 - نايف عيد وجابر السهيل: الإباضية في الخليج العربي في القرنين الثالث والرابع الهجريين، دار الوطن، الكويت، 1994م.
21 - وزارة الإعلام: عُمان في التاريخ، سلطنة عُمان، 1995م.
--------------------
ملحق: خريطة الساحل الشرقي لأفريقيا في العصور الوسطى
المصدر: عبد الرحمن علي السديس: تطور حركة انتشار الإسلام في شرق افريقية في ظل دولة البوسعيديين
--------------------
الهوامش
(1) محمد النقيرة، انتشار الإسلام في شرق أفريقيا.
(2) أحمد حمودي المعمري، عُمان وشرق أفريقيا، ص46.
(3) د. رجب محمد عبد الحليم، العُمانيون والملاحة والتجارة ونشر الإسلام، ص188.
(4)المسعودي، مروج الذهب، ج2، ص107.
(5)ابن بطوطة، ص 285.
(6)المسعودي، مروج الذهب، ج2، ص108.
(7)المصدر نفسه، ص6.
(8) د. عبد الرحمن عبد الكريم العاني، تاريخ عُمان في العصور الإسلامية، ص198.
(9) جيان، وثائق تاريخية وجغرافية وتجارية عن أفريقيا الشرقية، ص160.
(10) رجب محمد عبد الحليم، العُمانيون والملاحة والتجارة ونشر الإسلام، ص220.
(11) عبد الرحمن زكي، الجغرافيون والرحالة، ج3، ص360.
(12) حسن أحمد محمود، انتشار الإسلام في القارة الأفريقية، ص399.
(13) رجب محمد عبد الحليم، مصدر سابق، ص 273.
(14) د. فهمي جدعان، د. توفيق مرعي، عُمان والحضارة الإسلامية، ص286.
(15) أحمد بن حمد الخليلي، العُمانيون وأثرهم في الجوانب العلمية في شرق آسيا، ص180.
(16) عائشة علي اليسار، دولة اليعاربة، ص119.
(17) المصدر السابق، ص120.
(18) وندل فيليبس، تاريخ عُمان، ص66.
(19) سعيد بن علي المغيري، جهينة الأخبار، راجع ص203.
(20) وندل فليبس، مصدر سابق، ص48.
(21) أحمد بن حمد الخليلي، مصدر سابق، ص181.
(22) فهمي جدعان ، مصدر سابق، ص291.
(23)المصدر نفسه.
(24)يمكن الرجوع إلى الاتفاقيات المبرمة بين السلطنة العُمانية والدول الأخرى إلى كتاب «تقسيم الإمبراطورية العُمانية (1856 ـــ 1862)» لمؤلفه د. سلطان بن محمد القاسمي .
(25)سعيد بن علي المغيري، جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار، ص268.
(26)المصدر السابق، ص271.
(27)محمد أحمد الحداد، حقائق تاريخية عن العرب والإسلام، ص123.
(28) د. إبراهيم الصغيرون، الإسهام العُماني في المجالات الثقافية، ص194.
(29) سعيد بن علي المغيري، جهينة الأخبار، ص 247.
(30) د. نايف عيد جابر السهيل، الإباضية في الخليج العربي، ص196.
(31) جيان، وثائق تاريخية وجغرافية وتجارية عن أفريقيا الشرقية، ص320.
(32) كما يرجع إلى:
GRAY.J.M, AHMED BIN IBRAHIM
(33) إبراهيم الصغيرون، الإسهام العُماني، ص 197.
(34)إبراهيم الصغيرون، الإسهام العُماني، ص198.-
(35) يراجع ديوان أبي مسلم البهلاني، طبعة وزارة التراث القومي بسلطنة عُمان.
(36) أحمد بن حمد الخليلي، العُمانيون وأثرهم في الجوانب العلمية، ص181.
(37) عبد الله بن صالح الفارسي، البوسعيديون حكام زنجبار، ص73.
(38)د.محمد صالح ناصر، أبو مسلم الواحي حسان عُمان، ص203.
(39)مقدمة الطبعة الأولى لكتاب جهينة الأخبار، ص13.
(40)سعيد المغيري، جهينة الأخبار، ص237.
(41)جريدة الفلق، العدد 532، صادر بتاريخ 25 مارس 1939م، كما يرجع إلى بحث محمد بن سليمان الحضرمي، الصحافة العُمانية في زنجبار، مخطوط.
(42)يرجع في ذلك إلى بحث محسن بن حمود الكندي، الصحافة العُمانية المهاجرة.
(43)محمد بن سليمان الحضرمي، الصحافة العُمانية في زنجبار.
(44)جهينة الأخبار، سعيد المغيري، ص526.
(45) راجع علي محمد الطيواني: العُمانيون ودورهم في تطوير اللغة السواحلية، جريدة عُمان، عدد1408، رجب 1405هـ/ 23 مارس 1985م.
(46)إبراهيم الصغيرون، حصاد أنشطة المنتدى لعام 91/92، ص 215.
(47)عبد الله الحراصي (ترجمة)، السواحلية لسان شعب أفريقي وهويته، مجلة نزوى، العدد السابع، يوليو 1996م، ص120.
(48)سعيد المغيري ، جهينة الأخبار، ص544.
(49)سالم بن أحمد الطيواني، زنجبار منذ دخول الإسلام حتى قيام دولة اليعاربة، بحث مخطوط، ص122.

نشر المقال في دورية الحياة، العدد: 11، 1428هـ/2007م، ص161-183.

تأسيس المدن الإسلامية في شرق إفريقيا

موسى بن خميس البوسعيدي
مجلة التفاهم- عدد 39 ،2013م
مجيء القرن السابع الميلادي اتخذت بعض الهجرات إلى شرق أفريقيا طابعاً متميزاً، بسبب عوامل مؤثرة، كان أساسها ظهور الإسلام في جزيرة العرب، وهروب المسلمين الجدد من الاضطهاد الداخلي من قبل قبائل قريش بمكة المكرمة، والاتجاه إلى الحبشة (أثيوبيا)، مما خلق نوعاً آخر من الاحتكاك العربي الإسلامي، وعزّز مكانة العرب المسلمين في تلك المنطقة، ولذلك يعدّ الإسلام بداية لصفحة جديدة من تاريخ العلاقات بين العرب والحبشة (أثيوبيا) في شرق أفريقيا. كما أن التوجه بالهجرة إلى الحبشة لم يكن عشوائيا؛ وإنما كان ثمرة للعلاقات التجارية السابقة بين تجارة قريش والحبشة، التي اتسمت بالأمن والسلام والتجارة الحسنة، إلى جانب حسن العلاقة بين قريش وسكّان ساحل البحر الأحمر. إضافة إلى ذلك انتشار خبر النبيّ -صلَّى الله علية وسلَّم- إلى الحبشة عن طريق التجار وقيامه -صلَّى الله علية وسلَّم- في السنة الخامسة من البعثة عام (614م) بإرسال وفد إلى ملك الحبشة، واستغرقت رحلة هذا الوفد حوالي أربعة أشهر مكث منها الوفد فترة كافية بالحبشة، ثم عاد إلى مكة، وتحسس النبيّ -صلَّى الله علية وسلَّم- من خلال ذلك قدرة النجاشي على حماية المسلمين، ولذلك قال الرسول -صلَّى الله علية وسلَّم- لأصحابه: "لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتَّى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه"، فتمّت هجرة المسلمين عن طريق مركبين في البحر الأحمر، نقلاهم إلى الحبشة في العام نفسه، وكان عددهم (132) نفرا(1).

وفي الحبشة وأمام (الملك النجاشي)، كان الالتحام الفكري والعقدي بين المسلمين، وبين من قدموا من مكة من غير المسلمين، بقصد محاولة الوقيعة بينهم وبين النجاشي، إلا أن العرض الذي قام به (جعفر بن أبي طالب) لقضية الإسلام أقنع النجاشي بموقف المسلمين. ولأجل تقوية أواصر العلاقة قام النبيّ -صلَّى الله علية وسلَّم- في السنة السادسة للهجرة عام (627م) بعقد صُلح الحديبية، وإرسال كتاب إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام، وفي السنة التاسعة للهجرة عام (630م)، أرسل -صلَّى الله علية وسلَّم- الهدايا إلى النجاشي، واستمرت الرسائل متبادلة بين النبيّ -صلَّى الله علية وسلَّم- وبين النجاشي، وذلك دليل على اتسام العلاقة بالود المتبادل، والاستقرار المحترم للمسلمين الذين مكثوا في الحبشة حوالي أربعة عشر عاما، كانت فترة كفيلة بإحداث مؤثرات فعالة في المسلمين أنفسهم وفي الشعب الحبشي(2).

كما شكّل الإسلام حقبة جديدة من الانتشار العربي في شرق أفريقيا، فبدأت تتجه إلى الساحل الأفريقي أمواج جديدة من العرب المسلمين؛ لأسباب ودوافع عديدة، في مقدمتها نشر الإسلام، والتوسع في التجارة ثانيا، إلى جانب البحث عن الرخاء ثالثا. وبعد أن اضطرب الحال -بسبب الخلافات التي نشأت بين الأمويين ثم العباسيين وخصومهم ومنافسيهم- فإن كثيرا من العرب المسلمين لاذوا بأنفسهم وأفكارهم، متجهين إلى الشواطئ العربية والأفريقية(3).

على أن الهجرة العربية الإسلامية التي اتفق عليها عدد كثير من المؤرخين ترجع إلى عهد الدولة الأموية لا سيّما زمن حكم عبدالملك بن مروان (75هـ-95هـ/ 695م-714م)، حيث كثرت الاضطهادات ضد المعارضين للولاة الأمويين في بلدان الجزيرة العربية، وسنوضح ذلك في هذا الباب، باعتباره أحد العوامل الأولية الرئيسة لبداية الاتصال العماني الإسلامي بشرق أفريقيا.

وفي خلال القرنين الأول والثاني للهجرة اتخذت هجرات العرب المسلمين وخاصة العمانيين إلى سواحل شرق أفريقيا شكلاً جماعياً (4)، بفعل التدخلات والاضطهادات من قبل ولاة الدولة الأموية والعباسية، ومن أبرز الأمثلة في ذلك هجرة الأخوين (سعيد وسليمان) ابني عباد بن عبد بن الجُلندى، ملوك (عُمان) وقتذاك(5)، اللذين هاجرا إلى سواحل شرق أفريقيا مع مجموعة عمانية، وذلك عام (83هـ/702م) واستقرا في أرخبيل جزر (موفيه ولامو) بالساحل الكيني، وكونوا دولة إسلامية، نشروا الدين الإسلامي والمذهب الإباضي، وصارت تلك المنطقة مركزاً هاماً بالساحل الشرقي الأفريقي، استقطبت حولها وفود جماعات عربية من جنوب الجزيرة والشام(6).

وقد دلّت الاكتشافات الأثرية أن أقدم مسجد موجود في شرق أفريقيا يعود إلى بناء ذاك الرجلين العمانيين المسلمين، ويوجد في جزيرة بيمبا التي سمّاها العرب بـ(الجزيرة الخضراء)(7).

ويستنتج من هجرة العمانيين الأوائل من (آل الجُلندى) وجود علاقات أو هجرات عُمانية عربية سابقة إلى شرق أفريقيا استقرت هناك، وإلا فما كان يضير آل الجُلندى من التوجه إلى بلاد فارس أو أرض الهند وأرض الصين وغيرها من بلاد العالم، لولا وجود العمانيين بشرق أفريقيا قبل آل الجُلندى، مما أسهم في ظهور المؤثرات العربية الإسلامية بشرق أفريقيا(8).

ومما يؤكد ذلك أن بعض المؤرخين يرون أن العناصر العمانية كان لها وجود فعلي في شرق أفريقيا منذ القرن الأول الميلادي، ولها مراكز وطيدة ذات نفوذ على امتدا الساحل الشرقي الأفريقي(9).

يقول الدكتور نايف السهيل: "كان الوجود العماني في شرق أفريقيا أكبر كثافة وأكثر عمقاً بكل المقاييس، ولذلك كان تأثيرهم في هذه المنطقة من قارة أفريقيا أشد وأقوى عن وجودهم في جنوب شرقي آسيا؛ ذلك أن هجرتهم لجنوب شرق آسيا كانت هجرات فردية وغير دائمة، أما وجودهم في شرقي أفريقيا فاعتمد الهجرات الدائمة والجماعية والمنتظمة، إلى جانب اعتمادهم على الروابط الملاحية والتجارية، والتي أسهمت طبيعة المنطقة الجغرافية على تثبيتها وانتظامها"(10).

ويقول أيضاً: "وقد كان أهل المراكب من العمانيين يقطعون (خليج بربرة) الممتد بين الحبشة والصومال، أمام باب المندب إلى جزيرة (مبنول) وهي جزيرة (مدغشقر) حالياً، من بحر الزنج، وكانت مراكبهم تصل (سفالة)، وهي أقاصي بلاد الزنج، وهي غاية مقاصدهم في أسافل بحر الزنج. وقد أبحر المسعودي نفسه في القرن الرابع للهجرة من [ميناء] صُحار[شمال عُمان] إلى ساحل شرقي أفريقيا، ثم أبحر من جزيرة (قنبلو) إلى عُمان، مستعملاً هذا الخط الملاحي المعروف الذي كان يربط عُمان بساحل شرقي أفريقيا. ونستطيع القول: إن كافة المصادر تؤكد على وثوق الصلة بين عُمان وبين الشرق والجنوب الأفريقي، حتَّى أنهم وصلوا تنزانيا، ومدغشقر، وجنوب الصومال، وجزر القمر، ومنطقة نورديفان، وكلْوَه، وبيمبا، وزنجبار، وأن هذا الوصول بشكل رئيس عن طريق ركوب البحر ذلك هو خط الاتصال الأول بين عُمان وشرق أفريقيا"(11).

ومهما يكن من أمر؛ فإن تلك العوامل كلها أدت إلى انتقال جماعات من العرب إلى شرق أفريقيا، فاندمج بعضهم مع السكان الأفارقة، وأسسوا محطات ومراكز تجارية، تطورت وأصبحت مُدناً مزدهرة فيما بعد، وصار لها دورٌ مهم في تلك المنطقة الأفريقية، حيث قام العرب بشق طريقين الأول من جهة الشمال الشرقي لأفريقيا، شمل مدن بلاد الحبشة (أثيوبيا)، والصومال، وأرتيريا، والثاني من جهة الجنوب الشرقي لأفريقيا، شَمِل مدن (ممباسا، وماليندي، وجزيرتي زنجبار وبيمبا، وكلوه) بالساحل الشرقي الأفريقي، و(تنجانيقا، وأوغندا، والكونغو "زائير"، وبوروندي، ورواندا) بداخل الوسط الأفريقي، بالإضافة إلى جزر المحيط الهندي شملت (جزر القمر، ومضيق موزمبيق، وجزيرة مدغشقر)، كل ذلك بفعل العامل الأساسي لنجاح أولئك العرب ووصولهم إلى البقاع الشرقية للساحل الأفريقي، وهو درايتهم بالملاحة البحرية والرياح الموسمية.

التأثير العماني في مدن وسواحل شرق أفريقيا: (نذكرها من الشمال إلى الجنوب)، هي:

1- جزر أرخبيل لامو: "باتا / بتـّه، وسيوى، ومافيه، ولامو ": التي تقع على الساحل الكيني، بالقرب من ممباسا، وأصبحت تلك الجزر إحدى مراكز الهجرات العربية في صدر الإسلام منذ القرن الأول الهجري، لا سيما بعد هجرة الأخوين (آل الجُلندى) ملوك (عُمان) وقتذاك واستقرارهما بذلك الساحل، وكانت منطلقاً للهجرات العربية، والانتشار الإسلامي والتجارة في شرق أفريقيا، وتطور ذلك بالاندماج الاجتماعي والثقافي العماني مع الأفارقة، ونشوء اللغة السواحلية، والمجتمع السواحلي، وما تبعه من تغيرات ثقافية في الفترات اللاحقة(12).

2- ممباسا: وهي إحدى المواني المشهورة على الساحل الكيني بشرق أفريقيا، ويذكر المؤرخون أن تأسيسها كان منذ زمن الدولة الأموية في القرن (الأول الهجري/ السابع الميلادي)، وذلك عندما نشب النزاع بين الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان (65هـ-86هـ / 685م-705م)، وخصومه، مما اضطر البعض منهم للهجرة إلى شرق أفريقيا، فاستقرت إحدى المجموعات في مدينة (ممباسا)، وأسست بها سلطنة عربية إسلامية، أطلق عليها اسم (بساسه)، ثم أطلق عليها المسعودي (ت: 346هـ/ 956م)(13) اسم (منبسي)، أما ياقوت الحموي (ت: 626هـ / 1228م) فأطلق عليها اسم (منبسه)، وقال: "إنها مدينة كبيرة بأرض الزنج ترفأ إليها المراكب"(14).

ويذكر بعض المؤرخين والباحثين أن البرتغال هم من سمّوا المدينة بـ (ممباسا) عندما احتلوها في القرن (9هـ/15م)، ويزعمون أنه اسم لأحد قادتهم المسمى (منفسه)، وكان اسمها قبل ذلك (غنغوبا) وهو اسم سواحلي، وسميت كذلك (أمفيت) بمعنى حرب(15).

وقد شهدت (ممباسا) هجرات مستمرة من التجار العرب المسلمين، وخاصة من أهل عُمان واليمن، كما كانت مركزاً لإنتاج وتصدير الحبوب، وكذلك العاج والذهب، وهي منتوجات كانت تصدّر إلى مواني المحيط الهندي، هذا إلى جانب اشتهار ممباسا بتصدير الحديد والنحاس والجلود إلى مواني الهند، وظهرت فيما بعد صناعة المعادن (16).

ولما زار ابن بطوطه (ت: 799هـ / 1369م)(17) ممباسا في القرن (8هـ/14م) لم يذكر عنها خبراً مهما، ولا ذكر أن بها سلطاناً،إلا ما ذكره من عادات أهلها الساكنين بها(18).

3- جزيرتي بيمبا(الجزيرة الخضراء) وزنجبار:

حيث عثر الباحثون على أقدم كتابة عربية معروفة في شرق أفريقيا جنوب زنجبار بمنطقة تسمَّى (كيزيماكي)، وهي عبارة عن نقش على جدار يقول " إن الشيخ السيد أبا عمران أمر ببناء المسجد في اليوم الأول من شهر ذي القعدة لعام 500هـ"، ويوافقه 27تموز/ يوليو1107م، كما وصفها المؤرخ البرتغالي (بربوسا Brbross) حينما زارها عام 1503م فيقول: "سكان زنجبار وملوكها مسلمون... وفي الجزيرة مساجد كثيرة والسكان متمسكون بالدين"(19).

وتشير الروايات إلى أنه قد قامت أسرة حاكمة عربية إسلامية في جزيرة (قنبلو)، وهي التي ذكرها المؤرخ المسعودي، إن هذه الأسرة كانت من (قبيلة الأزد) العُمانية، التي كانت تعمل في التجارة فاختلطت مع السكان الزنوج، وأقنعتهم بالإسلام. ولذلك يشير المؤرخون إلى أن (ميناء قنبلو) يُعد من أقدم المواني التي أنشأها العرب على الساحل الشرقي لأفريقيا، واختلفت الروايات في تحديد موقع هذا الميناء، فبعضهم قال: إنه على (الجزيرة الخضراء) إلى الشمال من زنجبار، وبعضهم قال: إن (قنبلو) هي جزيرة زنجبار، وقال المؤرخ الألماني (كيركمان Kearkman): إنها إحدى جزر القمر، وقال آخرون: إنها جنوب ممباسا(20).

وأما اسم (زنجبار)، فهي كلمة فارسية تتكون من مقطعين (زنج) و(بار) وتعني (ساحل الزنج) محرفة وأصلها (برالزنج)، ويقال لها بالسواحلية: (أنغوجاء) مركبة من كلمتين (أنغو) بمعنى الصحن الواسع، و(جاء) بمعنى امتلاء، فيكون معنى كلمة (زنجبار) الصحن الواسع الممتلئ. وكانت تسمَّى في القرن الأول الميلادي باسم (منشونيا) أو(منشونياس)، ولا يعرف معنى هذا الاسم، وأكثر مساحة أرضها حجرية، وتصلح في أرضها زراعة الأرز والحبوب ما عدا القمح، ويجود فيها القرنفل إلى جانب وجود مختلف أنواع أشجار الفاكهة المثمرة وأشجار جوز الهند، وأكبر أنهارها (نهر مويرا) وهو ينبع من وسط الجزيرة، ويبلغ طوله (خمسة أميال) ثم يغيب في باطن الأرض، كما توجد بزنجبار عين غزيرة المياه في جهة الشمال، وتـُعد زنجبار غير منفصلة عن البر الأفريقي من ناحية التنوع البيئي، بحكم وجود الأشجار الموجودة في البر الأفريقي نفسها ووجود مختلف الحيوانات المأكولة والمفترسة، هذا إلى جانب عمق مياه ساحلها، كما تتميز بتعدد البلدان والقرى والتي استقر فيها العمانيون خلال عهد الحكم البوسعيدي(21).

وتقع (جزيرة زنجبار) على المحيط الهندي على خط عرض (6 درجات)، وتبعد عن البر الأفريقي مسافة (25 ميلاً)، جنوب ممباسا، و(35 ميلاً) جنوب جزيرة بيمبا، و(29 ميلاً) شمالي مدينة دار السلام، ونحو (ثمانية آلاف ميل) عن لندن(بريطانيا)، و(2200ميل) عن مسقط (عُمان)، و(1700 ميل) عن عَدَن (اليمن)، و(2500 ميل) عن بمباي(الهند)، و(750 ميلاً) عن مدغشقر، و(500 ميل) عن جزر القمر. ويبلغ طولها من أوسع نقطة منها مسافة (524ميل)، وعرضها من أوسع نقطة منها (24ميلاً)(22).

وتُعد (زنجبار) من أبرز الجزر بشرق أفريقيا، والمشهورة بالموقع الاستراتيجي والتميز التجاري، وإحدى مواطن الجذب؛ لما تمتاز به من طبيعة ساحرة وثروات متنوعة، ولذلك كانت مقصداً للتجار العرب القادمين من شبة الجزيرة العربية، والتجار القادمين من الهند، وذلك منذ القرن الأول (ق.م)، كما وفدت عليها القبائل العربية من عُمان واليمن وحضرموت، وازدهرت بمجيء الإسلام وانتشاره فيها(23).

ومن الجدير بالذكر أن (زنجبار) الحالية قد اشتهرت وذاع صيتها بعد وفود العرب العُمانيين إليها في القرن التاسع عشر الميلادي، أيام دولة السيد السلطان سعيد بن سلطان (1221هـ/1806م-1272هـ/1856م)، الذي جعلها عاصمة للمملكة العُمانية الأفريقية، وصارت مركزاً اقتصاديا وسياسيا بارزاً في الشرق الأفريقي والمحيط الهندي قاطبة.

4- مدينة (كلوَه)(24): وهي من أشهر المراكز والمدن التجارية الأفريقية على المحيط الهندي، التي ظهرت بوضوح في العصور الوسطى، نظراً لموقعها المتوسط على ساحل شرق أفريقيا، فأصبحت (كلوَه) مركزاً مهما، تقصده السفن العربية القادمة من شبة الجزيرة العربية، ومقصداً لتجارة قبائل البانتو الزنجية بشرق أفريقيا، حيث اتجهت إلى الاستقرار بالقرب من الساحل، لتسهيل عملية التبادل التجاري مع التجار وأهل السفن القادمين من شبة الجزيرة العربية، حيث كانت (كلوه) تصدر سلع العاج والذهب والجلود وغيرها، كما أن آثار الأبنية فيها تتشابه مع نمط العمارة بالجزيرة العربية، من قلاع وحصون وأسوار، تدل على الترابط والعلاقة مع شعوب وأهالي كلوَه (25).

ونظراً لأهمية (كلوَه) فقد كُتبت فيها مؤلفات وسيَر تحكي قصة حضارتها، وحكامها وسلاطينها، ونشاطها الاقتصادي، من ذلك كتاب (السلوه في أخبار كلوه)(26 الذي ألّف في القرن(9هـ/15م) ويحتوي على عشرة أبواب قصيرة، وتأكيداً لأهميته قام الشيخ سعيد بن علي المغيري العُماني بسرده بين ثنايا كتابه (جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار) في إشارة إلى ترابط تاريخ المدينتين(27).

آراء الباحثين في أسبقية استقرار العرب بمدينة كلوة قبل الشيرازيين:

تؤكد الأحداث التاريخية أن العرب المسلمين أيام الدولة العباسية، هم الذين أسسوا مدينة (كلوه) حوالي عام (266هـ/976م)، إلا أن كثيراً من المراجع التاريخية العربية والأجنبية تذكر أن تأسيس مدينة (كلوَه) يرجع إلى هجرة الشيرازيين من بلاد فارس، الذين هاجروا بزعامة (الحسن بن علي) وأبنائه الستة وجماعتهم، في سبع سفن وذلك عام (346هـ/975م) فارين بأنفسهم من (طغرل السلجوقي)، فوصلوا إلى ساحل شرق أفر يقيا، ونزلوا في عدة مدن بالساحل، وأسسوا مدينة (كلوَه) وجعلوها عاصمة لهم، استمرت من القرن (3هـ/10م) وحتى القرن(9هـ/16م)(28). 

وكانت بداية تأسيسها عبارة عن محطة تجارية يديرها التجار في منطقة المحيط الهندي، للحصول على الذهب والعاج، الذي تميزت به (كلوَه)، في مقابل بيع الأقمشة القطنية والحريرية والأواني الخزفية والفخارية، التي يجلبها التجار من الجزيرة العربية والهند(29).

وقد قام المؤرخ (المغيري) بتحقيق تلك المسألة التاريخية(30)، وذَكر معلومات مهمة في تاريخ كلوه ومؤسسيها، منتقدا ما جاء في كتاب (السلوَه في تاريخ كلوَه)، فذكر أن هجرة (حسن بن علي الشيرازي) هو وأولاده في القرن (3هـ/10م) في سبع سفن لا يوجد بشأنها اتفاق الباحثين على حدوثها ووصولها إلى (كلوَه)، وتأكيدا لهذه المعلومة تقابل (المغيري) مع أحد المشايخ المسنين لما زار (كلوَه)، وأفاده أن آثار القلاع والأسوار في كلوه تنسب لهارون الرشيد العباسي، وأن العرب هم أول من فتح كلوه ونشروا الإسلام فيها، وليس الشيرازيين، وأن هجرة حسن بن علي إلى كلوه لا أساس لها من الصحة، وذكر على ذلك عدة أدلة، من ذلك أن (سلطان كلوه) المذكور في (كتاب السلوه) ليس شيرازياً، وإنما هو عربي ينتسب إلى قبيلة المهدي من عرب الحجاز بالجزيرة العربية، ويؤكد ذلك أن الرحالة الشهير (ابن بطوطه) لما زار مدينة (كلوَه) في القرن (8هـ/14م) أيام ازدهارها ذكر اسم سلطانها (أبي المواهب) وأن لها اتصالات وروابط بعلماء الحجاز، ولم يذكر شيئا عن علاقة ملك كلوه بشيراز، وأكد (المغيري) بأن المكاتبات والصكوك القديمة التي وجدها منذ مائة سنة منذ وصوله الأول لزنجبار عام (1322هـ/1904م) لم يكن فيها لفظة (الشيرازيين)، وأن هذه اللفظة كثـُر استخدامها بعد قدوم الإنجليز وأسردوها في مؤلفاتهم خاصة منذ بدء عهد السلطان (خليفه بن حارب) في عام (1329هـ/1911م)، وانتشار حرية الرأي وقيام بعض الأهالي بكتابة اسم قبيلته بلفظة السواحلي ثم تطورت اللفظة إلى الشيرازي(31).

وعلى اعتبار صحة هجرة (الحسن بن علي الشيرازي)، فقد جاء في كتاب (السلوة في أخبار كلوه) الإشارة إلى أن (العمانيين) هم الذين استقبلوا (الشيرازيين) في (كلوَه) حيث جاء فيها: "ولمّا وصل أهل المركب الذي دخل كلوَه وجدوها جزيرة محيطاً بها البحر..، فنزلوا فيها، فوجدوا رجلاً من المسلمين مع من تبعه من عياله وأولاده، بنى مسجداً واحداً"، وهو التاجر العماني الواسع الثراء (محمد بن الحسين المنذري) الذي استطاع أن يحكم كلوه مدة اثنتي عشرة سنة، بمساعدة قبيلة (مواتاماندلين) صاحبة دولة (موزمبيق) وقتذاك، وأرغموا حاكمها بالفرار إلى جزيرة زنجبار، وجاءت الإشارة إلى ذكر اسمه في تلك السيرة وجاء ذكر اسمه في "الباب الثاني والرابع" من تلك السيرة، وأنه هو من أمر ببناء المسجد في كلوه، وهو من أمر بتأليف كتاب السلوه، وأنه توفي بتلك المدينة(32).

كما يفهم من كتابات (السيد سعيد بن سلطان) -سلطان زنجبار- ومراسلاته إلى حكّام (كلوَه)، قوة العلاقة العربية بين أهالي كلوه وحكامها، وبين السلاطين العُمانيين في زنجبار(33).

وكان من نتاج تأثير الإسلام مدينة (كلوَه) تشييد المساجد، وبناء المنازل من الحَجَر. والبناء الوحيد الذي ظل قائما إلى اليوم بأطلاله هو المسجد الجامع، الذي بُني في القرن (6هـ/12م)، حيث عُدَّ مثالا رائعاً للعمارة العربية السواحلية في شرق أفريقيا، كما دلت الحفريات على أن قصر سلطانها كان من القصور الرائعة الشبيه بقصور الأمويين والعباسيين(34).

وقد وصف (كلوَه) المؤرخ البرتغالي المعروف (دوراتي بربوسا Dorati Brbrossa) الذي وصلها أوائل القرن (10هـ/16م)، فقال: "بأنها مدينة إسلامية...يرتدي سكانها ثيابا حسنة من القطن والحرير المقصّب، ولغتهم العربية، وهم مُسلِمون ورِعُون"، وقال: "بدت المدينة من سفننا جميلة ببيوتها البديعة، ومآذن مساجدها وبساتينها، مما جعل رجالنا يتشوقون للاستيلاء عليها ". وفعلا قد حدث ذلك، إذ استولى البرتغال عليها فور وصولهم وذلك عام (910هـ/ 1505م)،كما أن رجلا ألمانيا كان مرافقاً للحملة الاستعمارية البرتغالية واسمه (هانس ماير Hanes Mayaer) قال: "إن في كلوه العديد من المساجد ذات الأروقة والقباب، يشبه أحدها جامع قرطبة"(35).

5- سُفالة/سوفالا(36): هي إحدى أقاليم (موزمبيق)(37) منذ العصور القديمة، وكانت الرحلة إليها شاقة وطويلة وتحتاج لنوع كبير من السفن التجارية، ولخطورة الرحلة استقرت بها جاليات عربية كبيرة قبل الإسلام،وفي العصور الإسلامية تحول أهلها إلى الإسلام، بحيث أصبحت مرتبطة بالنشاط الإسلامي في شرق إفريقيا، الأمر الذي أدهش البرتغاليين، حينما شاهدوا حاكماً مسلماً وحوله رجال ومستشارون من العرب(38).

وتقع (سُفالة) عند نهر الزمبيزي الذي يمر بوسط (جمهورية موزمبيق)، كما تعتبر آخر المحطات الهامة للرحلات التجارية العربية، حيث وصلت إليها السفن التجارية القادمة من (عُمان)، و(اليمن) وبلدان الخليج العربي وغيرها(39).

وارتبطت (سفالة) بتجارة الذهب منذ العصور القديمة، وأصبحت أحد المنافذ الحضارية إلى العالم الخارجي، ومقصداً للسفن التجارية العربية حتَّى بداية العصور الإسلامية. يقول عنها المسعودي بأنها "غاية مقصد السفن القادمة من (عُمان) و(سيراف)، وينتهي بحر الزنج في بلاد (سُفالة)، وفي بلاد (الواق واق)، وهي بلاد تنتج التِبر بكثرة، ومناخها دافئ وتربتها خصبة ", كما ذكر البرتغاليون منطقة هامة لذهب سفالة وتسمَّى (ماتوكا)(41).

واشتهرت (سُفالة) بتصدير خام الحديد بكثرة، كونه أهم السلع لحضارات العصور القديمة في المحيط الهندي، خاصة الهند وبلاد الرافدين، التي اعتمدت في صناعتها وعمرانها على خام حديد سفالة، كمستورد رئيس من خلال التجار العرب من أهل الجزيرة العربية خاصة، الذين اتبعوا عملية التبادل التجاري بين ذهب سفالة وبين سلع التجار وذلك عن طريق المقايضة بالأقمشة والعملات وغير ذلك(42).

6- جزيرة مدغشقر"مالاجاشي"(43): وهي التي هاجر إليها مجموعات من العمانيين، واستقروا فيها، حيث اتصفت علاقتهم هناك بمبدأ التسامح في التعامل، ونشر الدين الإسلامي، فعمدوا على نشر المذهب الإباضي، وبمرور الوقت أثمر ذلك في ترسيخ مفاهيم الإسلام الصحيحة في شعوب الأفارقة، وكان من نتاج تأثيرهم في مدغشقر إطلاق اسم (مسلج) عليها، اشتقاقا لاسم مدينة (مسقط) العمانية، وإطلاقهم على محطة تجارية في شمال الجزيرة وتسميتها باسم (سلالا) تيمناً بمثيلتها (صلاله) بجنوب عُمان(44).

ودليل ذلك ما ذكره المؤرخ المسعودي عندما زار (جزيرة مدغشقر) في مركب سيرافي خلال القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، سنة (304هـ/916م) قوله: "إنها جزيرة عامرة فيها قوم من المسلمين، إلا أن لغتهم زنجية غلبوا على هذه الجزيرة"(45).

ويؤكد ذلك الرحالة (بزرك بن شهريار) المعاصر للمسعودي، فيقول: "إن يزيد العماني النواخذة حدّثه من أنه رأى في بلاد الزنج جبلين عظيمين، وأن النواخذة العماني ذكر له أنه خرج هو وجماعة من البحارة من (عُمان) في مركبه، يريد قبيلة مالاجاس (مدغشقر) في عام 310هـ/922م"(46).

كما لاحظ المسعودي أن هناك نشاطاً مزدهراً للسفن العربية في الجزيرة، خاصة سفن أهل عُمان، كما أشار إلى نشاط سفن أهل سيراف، وذكر أن أغلبية أهل الجزيرة كانوا وثنيين من الزنوج. ووصف المسعودي الأحوال المناخية الصعبة التي تواجه السفن العربية المتجه إلى مدغشقر من الأمواج العاتية والأمواج العالية فقال: "موجه عظيمٌ كالجبال الشواهق وموجه لا ينكسر"، ورغم تلك الأحوال استطاع العرب الوصول إلى تلك المنطقة للتجارة وجلب السلع وغير ذلك(47).

وتدل الآثار المكتشفة أن السفن العربية قد وصلت إلى تلك الجزر منذ العصور القديمة، خاصة سفن أهل عُمان واليمن، وذلك للظروف السياسية والاقتصادية التي مرت بها منطقة جنوب الجزيرة العربية، التي أدت إلى الهجرات المستمرة للجاليات العربية إلى جزيرة مدغشقر(48).

تلك هي أبرز المدن الواقعة على الساحل الشرقي الأفريقي بالمحيط الهندي، التي كان للوجود العربي الإسلامي تأثير واضح في العمران والثقافة فيها، بقيت معالمه واضحة حتَّى اليوم. 

وبقطع النظر عن المؤثرات الدينية والاقتصادية التي جاءت نتيجة للهجرات العربية؛ فإن أوضح أثر تركه هذا الاتصال المستمر هو نشوء وتكوين (اللغة السواحلية)(49), التي أصبحت لغة التعامل في شرق أفريقيا، والتي انتشرت في مدن الساحل ومدن الداخل والوسط الأفريقي والجزر المجاورة، بفعل الحركة التجارية والتأثيرات والانتقالات الاجتماعية والثقافية للعادات والتقاليد، مما يدل على عمق الأثر العربي الطويل في تلك المنطقة الأفريقية، الذي كان مصدره وبلا أدنى شك من جهة (عُمان واليمن)، وهكذا استطاع الاتصال العربي الأول أن يُوجد نواة الوجود العربي في شرق أفريقيا، وأن يوجد معه أداة لغوية واسعة الانتشار(50).

وقد قسّم الباحث (سبنسر ترمنجهام Sbinsaer Trngham) ((51) الاتصالات العربية في عهد الإسلام إلى ثلاث فترات، تضمنت الفترة الأولى تمركز المسلمين في الأماكن الساحلية، التي خضعت لحكم الزنج من قبائل البانتو الذين اعتنق بعضهم الإسلام، وتضمنت الفترة الثانية تكوين مجموعات صغيرة على الساحل وفي جزر القمر، وهي الفترة التي تسمَّى بالفترة الشيرازية(53). وأما الفترة الثالثة فهي التي أعقبت الانهيار البرتغالي، إذ تزايد النفوذ السياسي لعُمان(54).

ولعله يقصد هنا الاتصال الرسمي للعمانيين بشرق أفريقيا، الذي كان في عهد (دولة اليَعاربة) بعُمان، فقاموا بتلبية نداء الإغاثة والتحرير، ونصرة إخوانهم المسلمين في مدينة ممباسا، فتم طرد المستعمرين البرتغال، وأسهم ذلك الانتصار في تعزيز الوجود الفعلي للعمانيين بمناطق شرق أفريقيا، وتطور ذلك بظهور (دولة البوسعيد) والإمبراطورية العمانية الأفريقية.

وخلاصة القول: أن الهجرات العربية من شبه الجزيرة إلى شرق إفريقيا قد أوجدت نواة الجنس العربي في تلك القارة، وهو سابق لظهور الإسلام، وبمجيء الإسلام أحدث العرب المسلمون تأثيرًا منقطع النظير، لما قدموه من إسهامات في نشر الدين الإسلامي، وزيادة الوجود العربي، وما حدث من الاندماج والتزاوج وتعدد العلاقات الاجتماعية، التي أدت إلى وجود العنصر السواحيلي في حضارته وثقافته ولغته، مما كان لها الأثر في نشوء وازدهار الحضارة العربية الأفريقية، لا سيّما وبشكل خاص في عهد دولة البوسعيد العُمانية، التي أرست جذور الثقافة العربية في شرق أفريقيا في شتى مجالاتها، واستمرت حتَّى منتصف القرن العشرين الميلادي.

****************************

الهوامش:

*) أكاديمي وباحث من سلطنة عُمان.

(1) ينظر: ابن هشام، أبو محمد بن عبدالملك المعافري: السيرة النبوية، تحقيق وشرح وفهارس، مصطفى السقا، إبراهيم الأبياري، عبدالحفيظ شلبي، دار ابن كثير للطباعة والنشر (د.ت)، ج1، ص321، الغنيمي، عبد الفتاح مقلد: الإسلام والمسلمون في شرق أفريقيا، ط1، عالم الكتب، القاهرة، 1998م، ص41-42.

(2) ينظر: الغنيمي، المرجع السابق ص43- 44.

(3) ينظر: المرجع السابق ص43.

(4) المرجع السابق، ص48.

(5) توجد رسالة للنبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وجهها إلى ملكي عُمان (عباد وعبد ابني الجلندى)، خاطبهما فيها بالملك ودعاهما إلى الإسلام، وهي (وثيقة تاريخية) مشهورة تدل على مكانة أهل عُمان قبل وبعد الإسلام، فأسلما طوعاً، وأشاد الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- بأهل عُمان، كما أشاد بهم أبي بكر الصديق في خطبة مشهورة سطرتها مصادر التاريخ والأدب العربي.

(6) ينظر: الخليلي، سماحة الشيخ أحمد بن حمد: العمانيون وأثرهم في الجوانب العلمية والمعرفية بشرق أفريقيا، بحوث ندوة فعاليات المنتدى الأدبي، ج1، وزارة التراث والثقافة، سلطنة عُمان، إصدار ديسمبر 1993م، ص178، الجمل، شوقي: دور مصر وعمان في أفريقيا، بحوث ندوة العلاقات العمانية المصرية، ج2، ص140-141، المالكي، سليمان عبدالغني: دور العرب وتأثيرهم في شرق أفريقيا، في كتاب (العرب في أفريقيا) بحوث الندوة الثانية، إشراف رؤوف عباس حامد، كلية الآداب، جامعة القاهرة، إبريل - 1987م، الناشر: دار الثقافة العربية، ص128، قرقش، محمد: المدخل إلى تاريخ الإسلام في أفريقية مع دراسة للدور العماني، مطبعة بسمة للطباعة والنشر، صحار، سلطنة عمان (د.ت) ص409 - 412.

(7) ينظر: المغيري: سعيد بن علي: جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار، تحقيق: الصليبي، محمد علي، وزارة التراث والثقافة، سلطنة عمان، ط 4، 2001م، ص171 - 172، الخليلي: المرجع سابق، ص178.

(8) المغيري: المصدر السابق، ص176، الخليلي: المرجع سابق، ص178.

(9) المغيري: ص69، العقاد، صلاح، وقاسم، جمال زكريا: زنجبار، مكتبة الإنجلو المصرية، القاهرة، 1959م، ص8، الغيث، حمامة خلفان: التأثيرات العمانية في زنجبار, رسالة ماجستير, جامعة القاهرة، 1988م، ص64.

(10) السهيل، نايف عيد جابر: الإباضية في الخليج العربي في القرنين الثالث والرابع الهجريين، الناشر: مكتبة الاستقامة، مسقط، ط2، 1998م، ص185.

(11) المرجع سابق، ص186-187.

(12) ينظر: المغيري، الشيخ سعيد بن علي: مصدر سابق، ص170، السالمي، العلامة عبدالله بن حميد: تحفة الأعيان في سيرة أهل عمان، مكتبة الاستقامة، سلطنة عمان 1997م، ج1- ص71- 73، الجمل، شوقي: دور مصر وعُمان الحضاري في أفريقيا، حصاد ندوة العلاقات العمانية المصرية، ج2، ص140 - 141، الجهضمي: زايد بن سليمان: حياة عمان الفكرية حتَّى نهاية الإمامة الأولى، 134هـ، مطبعة النهضة، سلطنة عمان، 1998م، ص70،.قرقش، محمد: المدخل إلى تاريخ الإسلام في أفريقية مع دراسة للدور العماني، مطبعة بسمة للطباعة والنشر، صحار، سلطنة عمان (د.ت)، ص136، 409 - 412. وسنوضح تفاصيل ذلك في الفصل الثاني من هذا الباب.

(13) يعتبر المسعودي من أبرز الرحالة العرب المسلمين الذين تميزوا بكتابة التاريخ من واقع المشاهدة في كتابه "مروج الذهب ومعادن الجوهر، وقد أفرد العُمانيين بالذكر في القرن (4هـ/10م) فقال: "إن أهل المراكب من العمانيين يقطعون هذا الخليج إلى جزيرة قنبلو من بحر الزنج"، حيث صحب البحارة العرب من (عُمان) عام (299هـ/912م) ووصل معهم إلى أقصى الجنوب، وربما يكون قد وصل مدغشقر أو موزنبيق، وعند عودته إلى عُمان سجّل مشاهداته وانطباعاته قبل أن يجوب صحراء أفريقيا، في رحلة استنفدت سنوات طويلة من عمره، سجّل وقائعها عند عودته إلى القاهرة التي توفي فيها.[ينظر: المسعودي: أبو الحسن علي بن الحسين الهذلي: مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج1، دار الكتب العلمية، ط1، بيروت، 1986م، ج1، ص106، فليجه، أحمد نجم الدين: أفريقيا دراسة عامة وإقليمية لجنوب الصحراء، مركز الإسكندرية للكتاب،2006م، ص20، ديفيد سون بازيل: أفريقيا تحت أضواء جديدة، ترجمة جمال محمد أحمد، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع (د.م), 1961م، ص214- 215، 218، بغدادي: مرجع سابق ص99].

(14) ينظر: المسعودي: مصدر سابق، ج3 ص77، الحموي، ياقوت: معجم البلدان، ط 1، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1979م، ج8، ص171.

(15) المغيري: المصدر سابق، 163، قاسم، جمال زكريا: دولة البوسعيد في عُمان وشرق أفريقيا، القاهرة، 1967م، ص32، قاسم، جمال زكريا: استقرار العرب في أفريقيا، حوليات جامعة عين شمس، المجلد العاشر، القاهرة، 1967م، ص342 - 348.

(16) قرقش: مرجع سابق ص134.

(17) يُعد (ابن بطوطه المغربي) واحداً من أعظم الرحالة العرب المسلمين الذين أسهموا في الكشف عن امتداد الساحل الشرقي لأفريقيا، فقد أبحر سنة (731هـ/1330م) من مدينة (عَدَن) بجنوب الجزيرة العربية، متجها صوب امتداد ساحل شرق أفريقيا، فنزل في كل من المدن (براوه ومقديشو وممباسا وكلوه)، وقابل هناك عربا آخرين وصلوا بدورهم إلى ميناء سوفالا. إلا أن أهم رحلات ابن بطوطة كانت في غرب أفريقيا حيث بدأ رحلته من مدينة (فاس) سنة (752هـ/1351م) وعبر جبال الأطلس، واخترق الصحراء الكبرى، ونجح في الوصول إلى (مملكة مالي) الأفريقية. وسجّل رحلاته ومشاهداته في كتابه الشهير (تحفة الأنظار في الأمصار وعجائب الأستار).[أبو عيانه، فتحي محمد: جغرافية أفريقيا، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1994م، ص25].

(18) المغيري: المصدر سابق ص160.

(19) ينظر: الخوند: الأقليات المسلمة في العالم، ط 2، 2006م، universal company, بيروت، ج1، ص44.

(20) ينظر: المرجع السابق، ص44، الغنيمي: مرجع سابق، ص50.

(21) المغيري: المصدر السابق، ص73 - 75.

(22) المصدر السابق، ص73، الجمل، شوقي: تاريخ كشف أفريقيا، ص36، الجمل، شوقي: دور العرب الحضاري في أفريقيا، بحوث ندوة (العرب في أفريقيا)، ص141

(23) ينظر: العقاد، صلاح وقاسم، جمال زكريا: زنجبار، ص4-5.

(24) تقع مدينة كلوه في الساحل الجنوبي بالقرب من رأس دلجادو جنوب زنجبار، وتتبع حالياً جمهورية تنزانيا الاتحادية. 

(25) ينظر: علي، أحمد: كلوه تاريخها وحضارتها من القرن(10م) حتَّى القرن (15م)، رسالة ماجستير، معهد البحوث والدراسات الأفريقية، جامعة القاهرة 1983م، ص56، قرقش: مرجع سابق، ص134.

(26) هذا الكتاب عبارة عن مخطوطة محفوظة في المتحف البريطاني بمؤلف مجهول الاسم، ويحتوي على مقدمة طويلة ذكر فيها المؤلف السبب من تأليف كتاب السلوه، وقد قام بتحقيق الكتاب الأستاذ/ محمد علي الصليبي، ونشرته وزارة التراث والثقافة بسلطنة عمان. 

(27) قام الشيخ المغيري بتأليف كتاب (جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار) عام 1357هـ زمن السلطان (السيد خليفه بن حارب البوسعيدي) سلطان زنجبار، ويُعد هذا الكتاب من المصادر المهمة في تاريخ شرق أفريقيا وخاصة زنجبار؛ إذ يحتوي على كثير من المعلومات عن تاريخ السكان الأصليين في زنجبار والدور العُماني فيها، كما ذكر كثيراً من الوثائق والمراسلات للسلاطين البوسعيديين والولاة في زنجبار، إلى جانب الوقائع والأحداث المتزامنة مع عصر المؤلف.[ينظر: مقدمة المحقق في المغيري: مصدر سابق(مقدمة المحقق)، ص21- 23]. وسيأتي التعريف بالمغيري في المبحث الأخير بالباب الثاني.

(28) ينظر: المغيري، مصدر السابق (مقدمة المحقق)، ص31، وص103، 133، الغنيمي، عبد الفتاح مقلد: مرجع سابق، ص63.

(29) الخوند، مسعود:مرجع سابق، ج1، ص43.

(30) أوضح الشيخ المغيري أن تاريخ رواية هجرة (حسن بن علي) وأبنائه وجماعته في سبع سفن إلى كلوه والتي جاء ذكرها في تاريخ السيرة الكلوية ليس لها أساس من الصحة، وإنما هي من قبيل الزعم الذي ذكر في أول سطر من تلك السيرة، إذ لم تذكر التواريخ ولا المكاتبات سواء العربية أو الأعجمية منذ القرن التاسع إلى القرن الثالث عشر الهجري شيئا عن وقوع هجرة شيرازية أو اسم شيراز، إلا ما يدعيه الأهالي في كلوه في بدايات القرن العشرين الميلادي (عصر حياة المغيري) أنهم من الشيرازيين. وللعلم أن كتاب السيرة الكلوية أو المسمى بـ(السلوه في أخبار كلوه) موجود في ثنايا كتاب (جهينة الأخبار) للمغيري، حيث أفرده في الفصل الثالث من الكتاب ص101 - 131. 

(31) ينظر: المغيري: المصدر سابق ص133-137، 143 - 144، 174- 177.

(32) المصدر السابق ص105، 107، 114، حيث يوجد كتاب السلوه في ثنايا كتاب المغيري، وينظر: السهيل، نايف: مرجع سابق، ص216-217.

(33) ينظر: نص الرسالة في المغيري: المصدر السابق ص138.

(34) ينظر: الخوند، مسعود: مرجع سابق، ص43.

(35) ينظر: المرجع السابق، ص44.

(36) سفاله أو سوفالا لفظة أصلها سامي تعني الأرض المنخفضة، وسُمّيت في المصادر العربية بسفالة الذهب لتوافر معدن الذهب في أرضها، وهي مدينة تقع على الساحل الجنوبي، تتبع جمهورية موزمبيق حاليا.[العراقي، سيد أحمد: معالم الحضارة الإسلامية في ساحل شرق أفريقيا في العصور الوسطى، مجلة دراسات إفريقية، الخرطوم، العدد الثاني، إبريل 1986م، ص102، سالم، سحر عبدالعزيز: مرجع سابق، ج2، ص22].

(37) هي جمهورية موزمبيق الشعبية حاليا، ولغتها الرسمية البرتغالية، نتيجة لحقبة الاستعمار البرتغالي خلال فترة ما قبل القرن التاسع عشر الميلادي وبعده، حتَّى تحررت عن استعمارهم في 25/6/1975م، وتنتشر فيها حاليا الديانات الوثنية الأفريقية إلى جانب وجود كثافة لانتشار الإسلام والمسيحية فيها، عاصمتها (مابوتو) الواقعة في أقصى الجنوب على الساحل، وعملتها تسمَّى (متكال/متقال). [العزيزي، هاني عبدالرحيم: موسوعة دول العالم، دار النبراس للنشر والتوزيع، الأردن، ط1، 1990م، ص220-222].

(38) قرقش: مرجع سابق، ص133.

(39) المرجع سابق ص132.

(40) المسعودي: مصدر سابق ج1،ص125.

(41) قرقش: مرجع سابق ص132.

(42) المرجع السابق ص132. وينظر المسعودي: مصدر سابق، ج1 ص125.

(43) هي حاليا جمهورية مدغشقر الديموقراطية، وتقع هذه الجزيرة في جنوب غرب المحيط الهندي، استقلت عن فرنسا في 26/6/1960م، عاصمتها (أنتاناناريفو) تقع بوسط شرقي الجزيرة، ونظام حكمها جمهوري، بها ست مناطق، ولغتها الرسمية تسمَّى (ملاغاشي)، وعملتها (فرنك مدغشقر)، وأبعاد مساحة الجزيرة (571. 1كم) جهة شمال شرق وجنوب غرب، و(570 كم) جهة شرق جنوب شرق وغرب شمال غرب، وعدد سكانها أكثر من أحد عشر مليون نسمة(5%) من مساحتها مزروعة(58%) مراعي(21%) غابات(2%) أنهار وبحيرات(8%) مناطق مهجورة(6%) استخدامات أخرى.[العزيزي، هاني: موسوعة دول العالم، ص209 - 211].

(44) السهيل، نايف: مرجع سابق، ص197-201.

(45) المسعودي: مصدر سابق، ج1، ص97.

(46) السهيل، نايف: مرجع سابق، ص206، نقلا عن بزرك: )عجائب الهند)، ص50-51.

(47) المسعودي: مروج الذهب، ج1، ص107. قرقش: مرجع سابق ص130.

(48) دافيدسون، بازل: أفريقيا تحت أضواء جديدة، ترجمة: جمال محمد أحمد، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1961م، ص244، قرقش: مرجع سابق، ص130.

(49) أصل هذه اللغة هو من لغات قبيلة (البانتو) الأفريقية، المبنية في أصلها على قبيلة (جرباما) التي تعيش في الجزء الشمالي من ممباسا الكينية، ولا يستبعد أن يكون الاتصال الأول بالمهاجرين العرب الأوائل قد تم في هذا الإقليم، ثم أخذ ينتشر تدريجيا في كل اتجاه.[الغنيمي: المرجع السابق، ص33].

(50) ينظر: الغنيمي: المرجع السابق، ص33.

(51) هو مستشرق ومؤرخ إنجليزي، وأستاذ بجامعة جلاسجو كالدونيال، إحدى أكبر الجامعات باسكتلندا بالمملكة المتحدة، تأسست عام 1875م، قضى ترمنجهام أربعة أشهر كاملة من صيف عام 1961م في التنقل في مناطق شرق أفريقيا وفي الجزر المتاخمة، متفرغاً وباحثاً يشاهد ويتحرى للحياة الإسلامية في تلك المناطق، ويعد أبرز المؤلفين الغربيين الذين كتبوا عن الإسلام إلى جانب آخرين أمثال (توماس آرنولد، وهوبير ديشامب), وانتهى ترمنجهام من رحلته تلك إلى تأليف كتابه المشار إليه، وقد جاء كتابه مثالا للمؤلفات الغربية الفكرية المتميزة بالأدبيات والمؤلفات الكلاسيكية التي كتبت عن الإسلام خاصة في فترة الستينيات من القرن العشرين، فقد استخدم فيه أدوات واقترابات تحليلية معينة لفهم الإسلام وطرق انتشاره في شرق أفريقيا، وركز على الممارسات الصوفية كإحدى الطوائف الإسلامية المعينة لفهم الإسلام، علماً بأن بعض أنواع تلك الطرق طقوس وممارسات خارجة عن الإسلام، وشبهت بعضها برياضة اليوغا الهندية، ورغم أهمية الكتاب فهو لا يخلو من أخطار ومغالطات فكرية، مثل محاولة المزج بين الإسلام كعقيدة وبين الطوائف الصوفية وبين التقاليد الإفريقية القبلية المحلية كالشعوذات والسحر وغيرها وربطها بالقرآن، مما يتعارض مع الإسلام، وقد استفاض في شرح تفاصيلها وإلصاقها بالثقافة الإسلامية في كتابه المذكور ص181 -184، 194 - 200. علماً بأن المؤرخ المذكور له تأليف بعنوان (الفرق الصوفية في الإسلام) ترجمة عبدالقادر البحراوي.[ينظر: النواوي، محمد عاطف، مقدمة ترجمة كتاب (الإسلام في شرق أفريقيا)، ص6، حمدي عبد الرحمن حسن : الإسلام في أفريقيا، مقال منشور في الموقع الإلكتروني (إسلام أون لاين)، صفحة أخبار وتحليلات، الثلاثاء، 20 مايو 2008م].

(52) ترمنجهام، سبنسر: مرجع سابق، ص34.

(53) ينظر: المرجع سابق، ص42، الغنيمي: مرجع سابق ص63.

(54) ترمنجهام، مرجع سابق، ص34.