Sunday, February 28, 2016

سلطنة زنجبار الإسلامية بين الإنجليز و الألمان

 
سلطنة زنجبار الإسلامية بين الإنجليز و الألمان
د.محمد سيد محمد

تأريخ السيادة العُمانية في المحيط الهندي

تأريخ السيادة العُمانية في المحيط الهندي
د. محمود علي الداود

العلاقات بين عُمان و زنجبار 1861-1891

العلاقات بين عُمان و زنجبار 1861-1891
د.عبدالرحمن علي السديس
الدارة، العدد 2، السنة 25، 1420هـ

التاريخ السياسي لسلطنة زنجبار الإسلامية ( 1248-1308هـ / 1832-1890م )

 
 
 
التاريخ السياسي لسلطنة زنجبار الإسلامية ( 1248-1308هـ / 1832-1890م )
فاطمة السيد علي
رسالة ماجستير، جامعة ام القرى ، 1989
 
 

Thursday, February 25, 2016

الوثيقة العمانية.. بصمة تاريخ

حمود الطوقي
جريدة الرؤية : الاثنين 22 فبراير 2016

مرّ المقال السابق (رفيعة المسكرية.. انتماء بالهويّة) على غير ما توقعتُ، فردود الفعل جاءت وفق القياس الذي حملته الذاكرات عن هذا الملف المسكوت عنه، والذي يعاني المنتمون إليه تعبا كبيرا، ويكابدون نَصَباً غير بسيط، انعكس على ما ورد في المقال المذكور من ردود أفعال، تبيّنتُ بعضها كتابياً وبعضها حضورياً بالمشافهة والحوار.
التاريخ له لسان وصوت، والذاكرة متمردة على الموت، لذلك يمكن فتح مناخ نعيد فيه ترتيب مسكوت الملف هذا، الذي نظن أنّ ثمة زوايا إيجابية يمكنها أن تشكّل جسرًا جديدًا نحوه، وأن تعيد ترتيب المتناثر في الذين شكّلوا هويّة التاريخ العماني خارج الحدود العُمانية المألوفة في وقتنا الحالي.
بعضهم خرجوا في طفولتهم المبكّرة نحو تلك الأقاصي في القارة الأفريقية في كنف آبائهم، وبعضهم وُلِدوا هناك، وبعضهم تقطّعت بهم السبل، هؤلاء الآن بين حاملي جنسيات أخرى، وبين كونهم (بدون)، يلاحقهم القانون بكونهم مخالفين، ويتقصى أماكن سُكناهم الراغبون في اجتثاثهم من هناك، وهم في حالاتهم كلها لا وطن هويّة لهم، باستثناء موطن انتماء يحملونه في الاسم العربي المقرون بالقبيلة العمانية التي يحملونها وهي تحيلهم إلى عُمان، حتى في لكنة مخارج الحروف.
نظن وربما يتفق معي في هذا الرأي العديد من المهتمين بالإضافة إلى أصحاب القضية ذاتهم أنّه يمكن تفعيل هذا الملف، لتقصي حقائق عن الراغبين في الحصول على الهوية العمانية، من خلال النسب الذي يمكن معرفته عبر العديد من الوسائل، أو من خلال الامتداد الاجتماعي والإرث الحضاري لهم من واقع انتمائهم الاجتماعي لأرض السلطنة، من خلال تحديد النسب غير المنقطع، أو من خلال الوثائق التي تثبت كينونتهم العُمانية.
يحصل أن يموت الأب العُماني الهويّة، ثم يتم سلب ما أورثه أبناءه من بيوت وأراض لصالح الحكومة حيث يقيم، لماذا؟ لأنّ الأبناء والبنات لا هويّة لهم فيذهب تعب العمر أدراج الرياح، ويبقون هم من بعده عالة يتكففون الناس، ويتحولون بسبب ذلك إلى مخالفين لقانون الإقامة هذا هو الحال الذي يؤول إليه عُمانيو الامتداد التاريخي.
الواضح - لمن يتابع الشأن الاقتصادي والاستثماري بين السلطنة وتنزانيا - أنّ ثمة مشاريع راغبة في زيادة أنواع المشاريع المشتركة والمختلفة من قبيل ميناء باجامويا، وغيرها من الاستثمارات، ويمكن الاستفادة من الطاقات العُمانية هناك، وتكييفها لتصبح عنصرًا منتجًا في تلك المشاريع، بمعرفة الحكومة العمانية وبالتنسيق مع مثيلتها التنزانية.
نحن من الوِجهة التاريخية والاجتماعية مع فكرة تسوية أوضاع هؤلاء، فمن خلال الاستقصاء المعلوماتي، ندرك أنّ الكثير من العمانيين الموجودين في أفريقيا، صار لديهم نوع من الالتزام بالأرض والاعتياد عليها بحكم التقادم، ولكن هذا لا يعني أنّهم نسوا عمان، بل عمان في قلوبهم وأرواحهم، إلى درجة أنّهم يتركون في وصاياهم أنّهم يتمنّون الموت على أرض أجدادهم؛ لذلك ندرك أنّ منح الهويّة العمانيّة لهم، مع إبقائهم هناك، ودعم وجودهم وذاكرتهم المكانية، عن طريق فتح أبواب رزق لهم، عن طريق تمويل مناشطهم التجارية، ودفعهم إلى المنافسة في الأسواق التي ينتمون إليها، سيدعم الاستمرار العُماني هناك بصيغة لائقة، بما يحقق المنفعة لكثير من الأطراف، وأهمّها الاستقرار الوجودي العماني هناك، وليس فقط مجرد تسجيل امتدادهم بما فيه من ضَنَك ومَغَبّة.
الشاعر العماني ناصر بن سالم بن عديّم الرواحي البهلاني، خرج طفلا من هُنا، من عُمان، بعد ولادته في العام 1856م، واستمر هناك في زنجبار (تنزانيا)، يرسم الخارطة العمانية في (نُونيّته) الشهيرة، وهو لا يتذكر من جغرافيا الأماكن العُمانية من الناحية البصرية شيئاً؛ نظن أنّ أحفاده في القارة السمراء، يستحقون خارطة طريق إلى وطن الهويّة والانتماء.

Thursday, February 18, 2016

ثورة الشيخ بشير الحارثي

الجريدة 
الخميس 18 فبراير 2016
خليل علي حيدر
(1)
قد الألمان عام 1884 عشر معاهدات مع زعماء القبائل وملوك مناطق شرق إفريقيا بواسطة "كارل بيترز" مؤسس "الجمعية الألمانية للاستعمار" وأحد أنشط دعاة التوسع والضم في إفريقيا، وكانت هذه المعاهدات تنص على استقلال هذه المناطق عن سلطنة زنجبار العربية، بما لها من روابط مع بريطانيا، وتنص على تنازل عن الأراضي لإمبراطور ألمانيا ويلهلم الكبير، وبالتالي فرض الحماية الألمانية على تلك المناطق.
ويشير د. بنيان تركي في بحثه عن "ثورة الشيخ بشير الحارثي" إلى أن هذه الاتفاقيات التي قام بها "بيترز" و"جوهلك" لم يُستشر فيها الحكام العرب، كما أن "الكثير من السلاطين والملوك الأفارقة الذين وقّعوا تلك الاتفاقيات لم يدركوا خطورة ما أقدموا عليه، مع ملاحظة أن تلك الأراضي تخضع على الأقل اسمياً لسلطان زنجبار"، ويضيف أن الإنكليز حاولوا مساعدة السلطات إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل، وهكذا أعلنت الحماية الألمانية على تلك الأراضي، واعتبرت الحكومة الألمانية "كارل بيترز"، رئيس الجمعية الألمانية للاستعمار، ناطقاً باسمها، واتخذت عدداً من الخطوات لدعم موقعها وتعزيزه، وأبلغت سلطان زنجبار السيد "برغش بن سعيد" بإعلان حمايتها على منطقة شرق إفريقيا، وذهبت اعتراضات السيد برغش أدراج الرياح.
 ويضيف د. تركي "إن بريطانيا الحليف القوي للأسرة البورسعيدية- حكم زنجبار– أخذت تبحث عن مصالحها ضاربة عرض الحائط بطلبات السلطان ومتخوفة من أن تبتلع ألمانيا المنطقة، ولهذا وجدت أن مصالحها تحتم عليها التعاون مع ألمانيا لا مواجهتها".
اضطر السيد برغش إلى الإذعان تحت تهديد الأسطول الألماني عام 1885، وتنازل عن حقوقه البحرية في ميناء "دار السلام"، ووقع عدداً من الاتفاقيات التجارية الجديدة مع ألمانيا، وتم اختيار دار السلام كميناء بحري مهم للنشاط الألماني، وتم كذلك تكوين مستعمرة شرق إفريقيا الألمانية وبسط نفوذها على الشريط الساحلي، وقد أثار هذا كله حفيظة العرب والهنود من تجار المنطقة، وكذلك السلطان الجديد "خليفة بن سعيد" الذي وجد نفسه مضطراً إلى توقيع عدد من الاتفاقيات، وقد "ترتب على ذلك رد فعل قوي من السكان المحليين والقوى الوطنية الفاعلة في المنطقة، وتعد ثورة الشيخ بشير الحارثي ضمن الثورات الوطنية التي ناصبت النفوذ الألماني العداء".
انحدر الشيخ بشير من قبيلة "الحرث" العربية، التي "لعبت أدواراً مهمة وحيوية في تاريخ عمان وشرق إفريقيا وفي مقاومة النفوذ الأجنبي، كما شاركت في الصراع على السلطة في سلطنة زنجبار العربية، واستعان العديد من أبناء السيد سعيد بهذه القبيلة العربية للثورة أو الثوب على السلطة".
كان بشير الحارثي شيخ دين لا شيخ قبيلة، ويقول الباحث إن أهالي المنطقة الساحلية في البر الإفريقي قد استدعوه للقدوم لقيادة حركتهم التي أطلق الألمان عليها اسم "التمرد العربي"، كما كان الشيخ الحارثي ومنذ زمن بمثابة "منافس للأسرة الحاكمة البوسعيدية في سلطنة زنجبار العربية".
ويقول د. تركي: "من المرجح أن تفسير موقف الشيخ بشير الحارثي من الأسرة البوسعيدية يكمن في أن السيد سعيد وأبناءه من بعده كانوا يميلون إلى التسامح الديني بمعناه الواسع الذي يشمل المسلمين وغير المسلمين، بمن فيهم رجال الإرساليات التنصيرية، ولعل تدين الشيخ بشير الحارثي وما يراه من نشاط تبشيري واسع بدعم غربي وسكوت عربي هو سبب موقفه من أسرة البوسعيد الحاكمة، وأجمع كل من زار الساحل الشرقي للقارة الإفريقية من رحالة ومستكشفين ومنصرين غربيين على تسامح السيد سعيد وأبنائه من بعده".
ويؤكد د. تركي أن الألمان كانوا مثل بقية القوى الأوروبية يشجعون تنصير الأفارقة، فيقول: "لا بد من التأكيد على أن الألمان من جانبهم لم يغفلوا الجانب التنصيري في بسط نفوذهم على شرق إفريقيا، وكذلك في موقفهم من ثورة الشيخ بشير الحارثي.
ويكمن الموقف الألماني فيما قاله المستشار "بسمارك" تدعيما لوجهة نظره في إرسال حملة عسكرية لشرق إفريقيا بقوله: إن المسألة لا تكمن في دعم الشركة (ويقصد "شركة شرق إفريقيا الألمانية") ولكن المسألة هي دعم الحضارة والمسيحية والواجب الوطني. وتعد تلك الكلمات دليلا لا لبس فيه حول دوافع تنصيرية في الوجود والتوسع الألماني في شرق إفريقيا، كما أن رجال الإرساليات التنصيرية في مناطق النفوذ البريطاني والألماني لم يكتفوا بمحاولة تنصير الوثنيين إنما تعدّوا ذلك إلى حد دعوة العرب والمسلمين للدخول في النصرانية، وليس هذا فحسب بل نجد أن الكاثوليك الألمان عملوا جهدهم أولاً على إقناع الحكومة الألمانية، وثانياً ساهموا بجمع الأموال لإرسال حملة للقضاء على ثورة الشيخ بشير الحارثي، كما يمكن إضافة أن رجال الإرساليات التنصيرية أخذوا في تشجيع الرقيق على الهروب من ملاكهم، وكان لهذا أثره في حدوث تجاوزات، وهو أمر زاد من العداء بين الطرفين، ومع ذلك نجد أن الشيخ بشير الحارثي يظهر جانباً إنسانياً، حيث حرم على أتباعه مهاجمة مراكز الإرساليات التنصيرية المسالمة".
وكانت ثمة أسباب أخرى للاستياء وبخاصة تحكم الألمان بالجمارك وإلزام الأهالي بدفع رسوم جمركية باهظة على صادراتهم، وإدخال نظم تجارية وقوانين جديدة لم يألفها سكان الساحل الشرقي، كما "أن إدارة شركة شرق إفريقيا الألمانية حرمتهم مما كانوا يحصلون عليه من فوائد من القوافل المارة بمناطقهم، كما خسر التجار العرب والهنود أموالاً طائلة كانوا يجنونها بسبب علاقتهم التجارية، وكونهم وسيطاً بين الساحل والداخل فلا عجب في تشجيعهم للثورة ضد الوجود الألماني، وهم الذين يخشون منافسة التجار الأوروبيين لهم".
وهناك سبب آخر يستحق أشد الاهتمام ضمن ما يورد الباحث د. تركي من أسباب دعم التجار للثورة من عرب وهنود، وهو خوف هؤلاء من أن تتبنى ألمانيا سياسة محاربة الرق!
يقول د. تركي: "كان هناك تخوف من قبل بعض أصحاب المصالح من التجار والإقطاعيين العرب والهنود والأفارقة من تبني ألمانيا لسياسة محاربة الرق وتجارته، حيث يعني ذلك خسارتهم لليد العاملة في الإقطاعيات الزراعية، وكانت تجارة الرقيق تعد من الأنشطة التجارية المربحة للعديد من الأطراف في شرق إفريقيا وموردا اقتصاديا مهما ولا تقتصر ممارستها بيعا وشراء على الأفارقة والعرب وإنما الهنود والأوروبيون، ومن المعروف أن الهنود ساهموا بشكل مباشر وغير مباشر في الرق وتجارة الرقيق، ويعدون من الممولين الرئيسيين لهذه التجارة، فلا غرابة أن أصحاب المصالح تخوفوا من أن تستغل تلك السياسة لضرب مصالحهم وتحقيق أهداف استعمارية، كما فعلت بريطانيا.
 وكانت بريطانيا قد استغلت سياسة محاربة الرق وتجارة الرقيق للتدخل في الشؤون الداخلية للعديد من الإمارات والسلطنات بما فيها السلطنة العربية في زنجبار، وقد يكون في ذهن العرب الخوف مما حدث في سلطنة زنجبار العربية، حيث نجحت بريطانيا في كسر شوكة العرب الاقتصادية، كما كسرت شوكتهم السياسية".
(2)
الجمعة 19 فبراير 2016
رى الباحثون أن علاقة ألمانيا بالرق وتجارة الرقيق بحاجة إلى المزيد من الدراسة، ذلك أن ألمانيا لم تظهر ككيان سياسي موحد كما إنكلترا أو فرنسا مثلاً، قبل القرن الخامس عشر، وكانت "الإمبراطورية الرومانية المقدسة"، كما كانت تسمى ألمانيا الحالية، اتحاداً كونفدراليا تحت حكم "آل هابسبورغ" حكام النمسا، حيث تعرضت هذه "الإمبراطورية الرومانية" إلى المزيد من الانقسام أثناء الحركة الإصلاحية المسيحية في القرن السادس عشر.
 ولم تمتلك الولايات الألمانية مستعمرات في أميركا أو أساطيل في المحيط الأطلسي للمساهمة في تجارة الرقيق كبقية السفن الأوروبية، ولكن عندما وصل شارل الخامس إلى الحكم في الإمبراطورية الرومانية عام 1519 كان بحكم الوراثة وقوانينها في أوروبا ملكا على إسبانيا كذلك مع مستعمراتها في "الدنيا الجديدة" أميركا، وهكذا تولى ملك ألماني نمساوي حكم إسبانيا في مرحلة دقيقة من مراحل تجارة الرقيق الإفريقية، حيث عمد شارل الخامس إلى توسعة نطاق تجارة الرقيق، مانحاً الامتياز لأحد رجالات البلاط الهولندي، حيث كانت هذه الدولة كذلك ضمن أملاكه وهو لورنزو غوريفورد Gorrevod بأن يصدّر أربعة آلاف مسترقّ إفريقي عام 1518 إلى أميركا، فكانت هذه بداية تجارة الرق حيث توالت بعدها رحلات نقل الرقيق إلى مختلف المناطق في القارة الأميركية سنوياً بالآلاف.
 ورغم أن ظهور حركة مارتن لوثر الإصلاحية المسيحية في ألمانيا في الفترة نفسها فإن هذه الحركة المسماة بالبروتستانتية لم تؤثر مباشرة في هذه التجارة، إلا أن الكنائس البروتستانتية تحولت في القرن التاسع عشر إلى قوة رئيسة في محاربة الرق، ولكن لا مجال لاستعراض تاريخ هذه الحركة في ألمانيا زمن "بسمارك" وقبله، وموقف الكنيسة من الحركة الاستعمارية الألمانية الوليدة.
أشرنا في المقال السابق إلى مرونة الإدارة الاستعمارية البريطانية وذكاء الساسة الإنكليز في مجال التعامل مع الشعوب المحلية الخاضعة لهم، وبخاصة الزعماء والشخصيات الدينية وشيوخ القبائل، وهذا ما لم يتقنه الألمان في شرق إفريقيا.
يقول د. تركي: "كان الفتور سمة العلاقة بين الحكام الألمان والمحكومين من العرب والسواحلية والأفارقة، حيث لجأ الألمان في إدارتهم للمناطق التابعة لهم إلى إحلال موظفين ألمان بدلاً من الموظفين الذين كانوا تحت سلطة السلطنة العربية في زنجبار، كما قام الألمان بتعيين شخصية ألمانية حاكما عاما للمستعمرة يخضع مباشرة لوزارة مستعمراتهم، وكذلك تعيين مديرين للمناطق المختلفة الواقعة تحت سلطة الحاكم العام الألماني.
ومن المفارقات أن كلا من الحاكم والمديرين لم يبذلوا جهدا يذكر للاحتكاك بالوطنيين من عرب وأهل ساحل وأفارقة ومعرفة حاجاتهم ورغباتهم، وبمعنى آخر لم يهتموا كثيرا بمعرفة طبيعة الحياة الاجتماعية والاقتصادية للشعب الذي أخضعوه لنفوذهم وسيطرتهم، ومن المفيد ذكره أن الشركة الألمانية كحال أغلب الشركات الغربية التي عملت في إفريقيا شكلت قوات تابعة للشركة وتحت تصرفها، وكان الهدف حماية الشركة وموظفيها وفرض الأمن في المنطقة التابعة لها، وأثر هذا على السلوك الألماني تجاه الأهالي، حيث استخدموا العنف والشدة في التعامل مع أهل الساحل والداخل اعتقادا منهم أن هذا السلوك هو أنجع الوسائل لفرض الهيمنة والنفوذ، فلا غرابة أن تصف صحيفة بريطانية سلوك موظفي الشركة الألمانية بالمتعجرف، حيث إنهم يفتقدون الفطنة واللباقة وطول الأناة، في عملية تعاملهم مع سكان البلاد.
كما لجأت الشركة الألمانية إلى استغلال السكان المحليين للعمل الإجباري والسخرة في مزارعها، فليس من الغريب أن تنطلق الشرارة الأولى من مزارع العمل الإجباري في كل من "باغامويوا" و"فنجاني"، بل إن الرقيق المحررين الذين أجبروا على العمل في الشركة الألمانية فضلوا العودة إلى مالكيهم السابقين، فلا عجب من انتفاض الأهالي أحرارا وعبيدا لحماية مصالحهم من الاستغلال الألماني".
وسنرى في المقال القادم تطور مسار الثورة ومصيرها!
(3)
الجمعة 26 فبراير 2016
وقعت ثورة الشيخ بشير بن سالم الحارثي ضد الألمان في عهد السلطان خليفة بن سعيد البوسعيدي في زنجبار، وتقول بعض المراجع إن "زنجبار" كلمة عربية محرفة أصلها "زنج" و"برّ" أي "برّ الزنج" وتتكون من جزيرتين كبيرتين هما "زنجبار" و"بمبا"، إضافة إلى سبع وعشرين جزيرة صغيرة على بعد 35 كيلو متراً مقابل "تنجانيقا".
وتسمى "زنجبار" بستان إفريقيا الشرقية، حيث يبلغ طولها 85 كيلو متراً وعرضها نحو 40 كم، وتتميز الجزيرة بأرضها الحجرية التي تصلح للزراعة الخاصة، وفيها نحو مليون شجرة قرنفل، ويقطعها نهر كبير يسمى "مويرا"، وقد بقي فيها البرتغاليون قرابة قرنين منذ عام 1503.
وقام العمانيون بطردهم منها في عهد السلطان سعيد بن سلطان، بعد أن حاربهم ابتداء من عام 1650 الإمام سلطان بن سيف الأول، ونجح الأسطول العماني عام 1696 في تدمير الحاميات البرتغالية الموجودة في "بمبا".
ازدهرت الحياة الاقتصادية في "زنجبار" في عهد السلطان سعيد، وقد طور النظام الزراعي باستزراع القرنفل كما انفتح المجال للتجار القادمين من شبه القارة الهندية، وذلك بمساعدة السلطان سعيد الذي جعلهم يستوطنون الجزيرة، وبعد وفاة السلطان سعيد تنازع ولداه "ثويني" و"ماجد" على وراثة الحكم، مما حدا بتقسيم عمان وزنجبار إلى سلطنتين، فقوّى ماجد سلطته من خلال تجارة الرقيق بشرق إفريقيا، أما خليفته برغش بن سعيد فقد ساعد على إلغاء تجارة الرق في زنجبار وطور البنية التحتية للبلد.
وقد تولى حكم زنجبار خليفة بن سعيد البوسعيدي عام 1888 وذلك بعد وفاة أخيه برغش، وقد وقع على معاهدة مع شركة شرق إفريقيا الألمانية فمنح السلطان بمقتضاها للشركة Deutsch Ostafrica Gesellschaft "الحق في تحصيل الرسوم الجمركية والضرائب على طول ساحل تنجانيقا في 1888 مقابل مئتي ألف جنيه إسترليني، رسم تأجير لنصف قرن، مما مكن الألمان من التحكم في طرق التجارة مع زنجبار، واستلم 11 ألف جنيه إسترليني من شركة شرق إفريقيا البريطانية مقابل ممباسا والأجزاء الشمالية من الساحل الإفريقي الخاضع لحكمه، وحصلت في دولته ثورة الشيخ بشير بن سالم الحارثي ضد الألمان".
(عن موقع: https:/om77.net/forums/thread/404492).
ويشرح د. بنيان تركي أسباب الثورة التي أطلق عليها الألمان تسمية "التمرد العربي"، ويقول إن الشيخ "الحارثي"، كان ومنذ زمن منافسا للأسرة البوسعيدية الحاكمة في زنجبار العربية، لكن المراجع لم تحدد نوع المنافسة وماهيتها.
ويرجح د. تركي أن يكون سبب استياء الشيخ بشير هو تساهل السلطات مع الإرساليات التنصيرية، إذ كان "البشير" يقول الباحث "شيخ دين لا شيخ قبيلة".
وكانت شركة شرق إفريقيا الألمانية من ناحية أخرى "قد ارتكبت العديد من الأخطاء؛ مما أثار حنق سكان المناطق، ولعل من أهم تلك الأخطاء إلزام الأهالي بدفع رسوم جمركية باهظة على صادراتهم لم تكن موحودة في السابق.
كما قامت إدارة الشركة بإدخال نظم تجارية وقوانين جديدة لم يألفها السكان لهذا عمّ عدم الرضا، ويكمن السبب في أن إدارة الشركة حرمتهم مما كانوا يحصلون عليه من فوائد من القوافل المارة بمناطقهم، كما خسر التجار العرب والهنود أموالا طائلة كانوا يجنونها بسبب علاقاتهم التجارية، وكونهم وسيطا بين الساحل والداخل فلا عجب في تشجيعهم للثورة ضد الوجود الألماني وهم الذين يخشون منافسة التجار الأوروبيين لهم".
وكان لمنع تجارة الرق علاقة مباشرة بالثورة، إذ كان "هناك تخوف من قبل بعض أصحاب المصالح من التجار والإقطاعيين العرب والهنود والأفارقة من تبني ألمانيا لسياسة محاربة الرق وتجارته، حيث يعني ذلك خسارتهم لليد العاملة في الإقطاعيات الزراعية، وكانت تجارة الرقيق تعد من الأنشطة التجارية المربحة للعديد من الأطراف في شرق إفريقيا، وموردا اقتصاديا مهما لا تقتصر ممارستها بيعا وشراء على الأفارقة والعرب وإنما الهنود والأوروبيين".
ويدرج الباحث ضمن أسباب التمرد فتور علاقة الحكام والإداريين الألمان بالمحكومين العرب والأفارقة حيث لجأ الألمان إلى إحلال موظفين ألمان بدلا منهم، ولم يبذل الألمان كذلك جهدا يذكر للاحتكاك بالسكان المحليين والتجاوب مع حاجاتهم.
قام الألمان بإنزال العلم السلطاني من فوق دار الوالي رغم احتجاجه على هذا التصرف، ورفعوا العلم الخاص بمستعمرة شرق إفريقيا الألمانية، رغم أن الاتفاق كان ينص على رفع علم السلطان، فكان لهذا أثره في احتجاج رجال السلطة العرب وفي غضب السلطان.
ونتيجة لذلك يقول الباحث "ثار سكان المنطقة بمختلف عناصرهم وفئاتهم الذين نظروا لما قام به الألمان باعتباره تدخلا مباشرا وعملا سافرا من دولة غربية وغريبة عن المنطقة، وبصورة لم يعهدوها من قبل".
استفاد الشيخ بشير الحارثي من حالة الاحتقان على الألمان، وبدأت ثورته في أغسطس 1888 من مزارع العمل الإجباري، وتكوّن جيش كبير قام باستدعاء الشيخ بشير الحارثي و"انضم إليهم جيش عظيم من عرب وبلوش وسواحلية".
طالب الحارثي الألمان بالخروج فورا من المنطقة، والحد من نشاط التبشير، واتجه الثائرون جنوبا فهاجموا مقر الشركة الألمانية، وأرسل الألمان سفينة حربية حاول بحارتها النزول في "تانغا"، ولم ينجحوا إلا بعد أن قصفوا المدينة بالمدفعية الحربية، وحاول الإنكليز إقناع السلطان خليفة بضرورة التدخل شخصيا لإنهاء ثورة الشيخ بشير ومن معه، كما استقدم الألمان من جانبهم على عجل أسطولهم البحري، إلا أن السلطان خليفة كان راغبا في نجاح الثورة "نكاية بالإدارة البريطانية"، حيث كانت علاقته غير جيدة مع القنصل البريطاني وكارها للوجود البريطاني وغير مرحب بالوجود الألماني، وكانت بريطانيا على علم بحقيقة عواطف السلطان، ولكنها كانت تهدف إلى منعه من مساندة الثورة، والواقع أن السلطان لم تكن لديه قوات نظامية وإنما قوة بقيادة الجنرال البريطاني ماثيوس قائد القوة السلطانية، ولهذا يقول د. تركي كان الحرص البريطاني على إنهاء الثورة كي لا تمتد إلى مناطق النفوذ البريطانية، وهكذا ترسخت قناعة الجنرال ماثيوس بعد تطور الأحداث بأن أنجع وسلة لتحقيق السيطرة على الوضع هي تفكيك ثورة الشيخ بشير الحارثي من الداخل بمقابلة بعض قادة الثوار والتفاهم معهم وتحييدهم، وتشكل وفد لمقابلة السيد خليفة الذي حاول أن يوضح لهم التطورات الجديدة والاتفاقيات التي وقعها مع الألمان، والتي تعطيهم الحق في إدارة المنطقة، وأن عليهم القبول بالوضع الجديد.
ولم يعجب الوفد رد السيد خليفة ولا تبريراته "فعاد إلى الساحل أكثر غضبا واستياء من السابق، حيث أصبحوا أكثر قناعة بأن السيد خليفة لم يعد له حول ولا قوة، ونشط الثوار في كل من الشمال والجنوب، كما قُتل مسؤولان ألمانيان وأحد عشر من السكان المحليين الذين كانوا بخدمتهم، وفي المقابل قتل من الثوار واحد وعشرون شخصا، وقام عدد من شيوخ القبائل الساحلية بإرسال خطابات للسيد خليفة تحذره من التعاون مع الألمان وإعانة الشركة على استعادة نفوذها، وكان التهديد شديد اللهجة مهددين بالخروج عن 
طاعته
(4)
الخميس 3 مارس 2016
ذل السلطان "خليفة بن سعيد" حاكم زنجبار كل ما بوسعه للاستفادة من "ثورة الشيخ بشير الحارثي"، كما فشلت محاولاته بالتقرب من الألمان، وقد كتب إليه المستشار "بسمارك" في سبتمبر 1888 مقترحاً التعاون بين سلطنة زنجبار العربية والحكومة الألمانية للسيطرة على الثورة، وكان رد السلطان بأن لا علاقة لسلطنة زنجبار بما تعانيه "شركة شرق إفريقيا الألمانية" وبما يجري على الساحل، كما اشتكى السلطان من الممارسات الألمانية وفرض قوانين وأنظمة لم يألفها السكان، وتطرق لبعض الأعمال الألمانية غيبر المنضبطة تجاه المساجد الإسلامية، وكذلك عدم احترام العلم السلطاني، الذي اعتبر أن من أسباب الاضطرابات تنزيله ورفع علم الشركة بدلا منه.
 ووافق "الرايخستاغ" الألماني على اقتراح المستشار الألماني "بسمارك" بفرض حصار بحري بحجة أن المحرضين على الثورة من تجار الرقيق، وخوفا من انفراد الألمان بالإجراء شاركت بريطانيا في الحصار كذلك، حيث "وافق السيد خليفة مرغماً على مشروع الحصار الألماني– البريطاني، وأصدر مرسوماً بهذا الشأن، كما أعلن عددا من المراسيم بشأن محاربة الرق وتجارة الرقيق".
وحاول الشيخ بشير تغيير منطقته، غير أن سيطرته على الموقع لم تدم طويلاً، حيث كان في مرمى المدفعية الحربية،
واختلطت في هذه المرحلة مشاكل تجارة الرق مع قضايا التبشير والتنصير، كما قُتل في مارس 1889 عدد من رجال الإرساليات وأسر عدد منهم، ثم عقدت معاهدة صلح مؤقتة، وعرضت على الشيخ امتيازات سياسية من قبل السلطان والألمان لم تنجح في إنهاء الثورة، كما خصصت الحكومة الألمانية مليوني مارك لتمويل حملة عسكرية إلى شرق إفريقيا بقيادة "هيرمان فون ويسمان" Wissmann للقضاء على الثورة ومحاربة تجارة الرق.
 يقول د. بنيان تركي: "منح بسمارك الصلاحية المطلقة لـ"ويسمان" للتعامل مع الرافضين للهيمنة الألمانية بما فيها استخدام العنف، مع ملاحظة أن ويسمان الذي عرف عنه كرهه لتجار الرقيق وقسوته شرح لـ"الرايخستاغ" الألماني في يناير 1889م أنه يعتقد جازما "بأن الحل الأوحد للتعامل مع الثوار على الساحل يكمن في استخدام القوة لفرض الهيمنة والنفوذ الألماني، وكانت الإشاعات قد سرت في سلطنة زنجبار العربية أن مقدم "ويسمان" من الممكن أن يؤدي إلى إعلان الحماية الألمانية على زنجبار". فلم يعتمد الألمان على جنودهم في قمع الثورة، بل عمد القائد إلى دعم قوته من مصادر أخرى.
ويضيف د. تركي: "زار ويسمان في طريقه لشرق إفريقيا مصر من أجل تجنيد سودانيين للعمل معه في المهمة المكلف بها، وكانت أولى المهام التي قام بها الميجور ويسمان هي إعداد قوة عسكرية من المرتزقة لمواجهة ثورة الشيخ "بشير الحارثي" ومناصريه، ومن المفيد الإشارة إلى أن الحكومة البريطانية ساعدت الحكومة الألمانية على تجنيد المرتزقة... وترتّب على المساعدة البريطانية أن تمكن ويسمان من جمع أكثر من 900 مرتزق أغلبهم من المناطق التابعة للنفوذ البريطاني (600 جندي سوداني من القاهرة و200 من قبائل الزولو من موزمبيق و50 صوماليا و80 جنديا وطنيا من سلطنة زنجبار العربية و20 تركيا بالإضافة إلى 60 ضابطا ألمانيا وفرتهم الحكومة الألمانية لقيادة المرتزقة".
هاجم الشيخ بشير مع ثواره "دار السلام" و"باغامويوا" مع اقتراب ويسمان، وأعلن الألمان من جانبهم الأحكام العرفية وحدثت معارك بين الطرفين. كانت قوات الألمان إلى جانب السفن والمدافع تتجاوز ألف رجل "تشمل 320 أوروبياً بمن فيهم 200 بحار ألماني و80 من قبائل الزونو و600 سوداني وعدة مئات من السود من أهل البلاد".
ويضيف الباحث: "لجأ ويسمان لاتباع سياسة الهجوم السريع الخاطف والقتل والتنكيل أو ما يطلق عليه سياسة "القبضة الحديدية" وبالفعل عمل ويسمان على إبادة العديد من القرى، واجتث مساحات شاسعة من الغابات، وارتكب مذابح واتبع سياسة الأرض المحروقة، وكان بعمله هذا يرغب في أن يبث الرعب والخوف لدى الشيخ بشير ومناصريه من الأهالي".
وعن نتائج هذا الهجوم الواسع يقول: "وأمام ضراوة الهجوم أجبر الشيخ بشير الحارثي على التراجع، وبالفعل تراجع الشيخ الحارثي وثواره بعد أن كبدوا الألمان ومناصريهم خسائر كبيرة، وفي هذا الصدد يشير "المغيري" إلى أن الشيخ "الحارثي" تمكن من قتل وأسر عدد كثير من الألمان".
وعمد الألمان إلى استدعاء المزيد من المساعدات العسكرية بقيادة "فون جرافتراوت"، حيث استطاع الألمان ومن انضم إلى هؤلاء من محاربي بعض القبائل الإفريقية الموجودة على الساحل تشتيت قوات الشيخ الحارثي، وتم قتل أعداد كبيرة من الثوار، وأخيراً تم القبض على الشيخ بشير مع مرافقيه العرب والبلوش.
ويصف د. تركي نهاية الشيخ بشير فيقول: "أعدم الشيخ بشير الحارثي في "فنجاني" شنقا، ودون محاكمة بعد ثلاثة أيام من القبض عليه"، ويشار إلى أن إعدام الشيخ بشير تم بمشهد من عموم الطوائف في بلدة فنجاني، ومن المرجح أنه تم القبض عليه في 12 ديسمبر وتم إعدامه في 15 ديسمبر 1889م في "فنجاني"، حيث دفن ولا يعرف على وجه التحديد لماذا أُبقي على الشيخ ثلاثة أيام بعد القبض عليه، ولماذا لم يحاكم حتى صوريا قبل شنقه؟ ويُقال إن بعض مستشاري الشيخ بشير قد نجح الألمان في تجنيدهم للتجسس عليه وتتبع حركاته، ويشير المغيري إلى أنه لا يستبعد أن يكونوا هم السبب في القبض عليه وتسليمه للألمان". ويعتقد "المغيري" أنه "لولا خداع المستشارين وخيانتهم لنجح في الفرار بنفسه والانتقال عبر البحر إلى سلطنة زنجبار العربية أو أية منطقة أخرى على غرار ما فعله الشيخ مبارك بن راشد المزروعي أحد الذين قادوا ثورة ضد الألمان في شرق إفريقيا".

خاتمة:
إن جملة دراسات د. بنيان تركي الإفريقية، ومنها حركة "الشيخ بشير الحارثي" وثورته ضد الألمان، إضافة حقيقية للمكتبة الخليجية حول منطقة شرق إفريقيا ذات الأهمية الخاصة في التاريخ السياسي والاقتصادي للدول الخليجية، وبخاصة التجارة البحرية وظاهرة الرق والروابط الاجتماعية بين عرب الخليج وسكان شرق إفريقيا، وفي مقدمتهم بالطبع العمانيون الذين استوطنوا هناك منذ قرون.
وقد شهدت هذه المنطقة الإفريقية في مراحل لاحقة بعد منتصف القرن العشرين ممارسات عدائية وأعمال عنف ضد التجار والأقليات العربية والهندية عموماً، ففي عام 1963 مثلاً قامت "ثورة زنجبار" الدموية، حيث قتل الآلاف من العرب والهنود، وتم طرد آلاف آخرين، ومصادرة أملاكهم، كما عادت زنجبار إلى الظهور في الأخبار العالمية عام 2001، من خلال المذابح التي تعرض لها المسلمون بعد انتخابات متنازع عليها.
وتثير حركة الشيخ بشير نفسها ضد الألمان، والأسباب التي عددها د. تركي، العديد من الأسئلة بخصوص نظرة الشيخ بشير الى تجارة الرق ومدى شرعيتها دينياً، وكذلك موقفه من حركة تحرير العبيد، رغم معارضة الملاك العرب المسلمين للمزارع ومن يعمل عليها من الأرقاء الأفارقة، وكذلك حقيقة الأسباب التي حركت الشيخ بشير ومؤيديه ضد السلطان خليفة والألمان.
إن شرق إفريقيا وزنجبار بحاجة إلى زيارات أخرى وبحوث من د. بنيان تركي وكل المهتمين بالشؤون الإفريقية.
.

ثورة عرب زنجبار... على الألمان


الجريدة
الخميس 11 فبراير 2016
خليل علي حيدر
(1)
درس أـ د. بنيان سعود تركي أستاذ التاريخ بجامعة الكويت في إحدى أوراقه البحثية ضمن كتابه "الكويت وإفريقيا" 2014 حرباً نادرة بين العرب والألمان في زمن مستشار بروسيا الحديدي، كما كان يلقب موحد ألمانيا وقائدها التاريخي الأمير أوتوفون بسمارك 1815-1898 الذي دخل الحياة السياسية عام 1847 عازما منذ البداية على أن يجعل من الإمارات أو الولايات الألمانية قوة موحدة ودولة عظمى، فدخل السلك الدبلوماسي سفيرا في روسيا ثم فرنسا، ثم رئيسا للوزراء أو مستشارا Chancellor، حيث هزم النمسا وفرنسا التي كان يقودها نابليون الثالث، غير أنه أجبر على الاستقالة مع تولي القيصر ويليام الثاني عام 1890.
تبحث دراسة د. تركي وهي بعنوان "ثورة الشيخ بشير الحارثي في شرق إفريقيا 1888-1889" جانبا مهما من بدايات دخول ألمانيا مجال التوسع الاستعماري، وتم تقسيم الدراسة إلى أربعة محاور، تدرس بداية الوجود الألماني في شرق إفريقيا وتكوين مستعمرة ألمانية فيها، وأسباب اندلاع ثورة شيخ الدين بشير الحارثي، وتطور أحداث هذه الثورة وقضاء القائد الألماني "وبسمان" على الثورة.
كانت الظاهرة الاستعمارية والتوسع والغزو من الأعمال والتطورات المعروفة منذ القديم، ويرى الباحثون أن الاستعمار الأوروبي الذي نجم عن الاكتشافات الجغرافية ويدعى Colonisation يختلف عن الاستعمار الحديث الذي ظهر اعتبارا من النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وأطلق عليه منذ 1898 اسم Imperialism أو "الإمبريالية" في أمور ثلاثة مهمة:
1 - أن الأول يكون وليد عوامل داخلية دينية (كهجرة البروتستانت والهوغنوت والبوريتان إلى أميركا) أو اجتماعية كالحكم الاستبدادي والإقطاعي، أو اقتصادية فردية (لتأمين المعيشة) بينما نتج الثاني عن التطور الصناعي، وعن الاحتكار الرأسمالي وعن عوامل خارجية (كتوطيد النفوذ القومي بين الأمم).
2 - أن الأول كان هجرة بشرية واستعماريا سكنيا لمناطق غير مأهولة، في حين نجد الثاني هجرة رؤوس أموال وسيطرة اقتصادية على مناطق مأهولة وبعضها ذو حضارة عريقة.
3 - يقوم الأول على تبادل السلع، أما الثاني فيقوم على الاستثمار فحسب.
 (العالم الحديث، أنور الرفاعي، شاكر مصطفى، دمشق 1950 ص421).
 وتقول الموسوعة البريطانية Britannica نسخة عام 1980 في مادة Colonialism إن الخطوات التي نجم عنها فقدان مصر استقلالها تشبه ما جرى لاستقلال تونس: عروض مالية مغرية من قبل البنوك الأوروبية، إفلاس الدول المقترضة، تشديد الرقابة على الاقتصاد الوطني والإنفاق يتولاها مراقبون ماليون أجانب، الضغط والاحتيال على المزارعين والفلاحين لزيادة الصادرات والمحاصيل والدخل خدمة للقروض، تنامي الحركة الاستقلالية، التدخل والغزو الأجنبي والاستعمار.
يتناول د. تركي أولاً تأسيس مستعمرة شرق إفريقيا فيقول: "نجح السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي" (1806- 1856م) سلطان مسقط في نقل عاصمته من مسقط على الجانب الآسيوي إلى زنجبار على الجانب الإفريقي، وتمكن من تأسيس أول إمبراطورية عربية إفريقية في العصر الحديث، شملت معظم الساحل الشرقي لإفريقيا، وبعد وفاة السيد سعيد وبسبب الصراع بين أبنائه على الحكم، ونتيجة للتدخل الأجنبي وعلى وجه الخصوص التدخل البريطاني، تم فصل مسقط عن زنجبار، حيث حكم السيد ثويني مسقط بينما حكم السيد ماجد زنجبار، وكان معظم الساحل على الأقل اسمياً يدين بالولاء للبوسعيديين حكام زنجبار، وكان القنصل البريطاني في زنجبار يدعم ويعزز الوجود العماني في شرق إفريقيا لقناعته والحكومة البريطانية من ورائه أن ذلك أيضا يؤدي إلى دعم وتعزيز النفوذ البريطاني، وقد عملت الحكومة البريطانية جهدها لإبعاد القوى الغربية عن الساحل الشرقي لإفريقيا، واستمر الوضع حتى دخلت ألمانيا لاستعماره".
كان الاندفاع الألماني نحو إفريقيا حصيلة تنامي ضغوط مختلفة داخل هذا الكيان الصاعد المتعطش للتوسع الاستعماري. يقول الباحث: "ظلت ألمانيا حتى ثمانينيات القرن التاسع عشر الميلادي لا تسيطر على أي جزء من شرق إفريقيا، ومع ذلك كان للألمان كأفراد نشاط كشفي سواء ضمن رجال الإرساليات التنصيرية أو ضمن بعض المؤسسات التجارية العاملة في شرق إفريقيا. لقد عرف عن ألمانيا قناعاتها الراسخة بأن مجالها الحيوي يكمن في أوروبا ومع ذلك لعبت مجموعة من العوامل دورها في إقناع المستشار الألماني بسمارك والحكومة الألمانية بالدخول في التسابق الاستعماري، وإنشاء مستعمرات ألمانية في إفريقيا، ولعل من أبرز تلك العوامل الوحدة الألمانية التي تمت عام 1870م وضغط التجار ورجال البعثات التنصيرية ورجال الصحافة والرأي العام الألماني على الحكومة الألمانية للتحرك بهدف حماية المصالح الألمانية، وإيجاد مناطق نفوذ لألمانيا في إفريقيا، وتعد مؤسسة "أوزفالت" (1844م) من المؤسسات التجارية الألمانية السباقة في المنطقة، وتم افتتاح فرع لها في زنجبار عام 1849م كما برز عدد من رجال الإرساليات التنصيرية الألمان، وكان من بينهم كرايف 1844 وريبمان 1846م.
كما تأسست العديد من الجمعيات الألمانية التي تدعو إلى ما يعرف بسياسة الاندفاع نحو الشرق، ولعل من أهمها الجمعية الألمانية للدراسات الإفريقية التي تأسست عام 1878م وساهمت في إنشاء العديد من المراكز في المنطقة الواقعة بين باغامويوا وبحيرة تنجانيقا".
قامت ألمانيا بتعيين جيرهارد رولفز قنصلا عاما لها في زنجبار في 1885م وكان رولفز من الرحالة الألمان المشهورين بحماسهم للتوسع الاستعماري الألماني في القارة الإفريقية، كما دعم هذه الجهود تأسيس "الجمعية الألمانية للاستعمار" من قبل مجموعة من رجال الأعمال الألمان، وترأسها كارل بيترز peters في مارس 1884م، وقامت بدور بارز في جلب الاهتمام نحو شرق إفريقيا تمهيدا لاستعمارها، كما انعقد في برلين عام 1884 "مؤتمر غربي إفريقيا" بمشاركة 15 دولة، ونجحت ألمانيا بعد ذلك في تعزيز هيمنتها على التوجولاند Togoland والكاميرون.
كان بيترز (1856- 1918) من أبرز المخططين للاستعمار والتوسع الألماني في إفريقيا وتأسيس محمية "تنجانيقا" في شرق إفريقيا التي هي اليوم جزء من تنزانيا، وقد زار بيترز لندن، وتقول الموسوعة البريطانية لدراسة المبادئ البريطانية في الاستعمار British principles of Colonization قبل أن يؤسس الجمعية الألمانية للاستعمار التي أشار إليها د. تركي Society for German Colonization.

(2)
الجمعة 12 فبراير 2016
يتابع د. تركي حديثه عن تطلعات الألمان الاستعمارية في إفريقيا ويخص حديثه عن نشاط "بيترز" بقوله: "وصل كارل بيترز مؤسس الجمعية الألمانية للاستعمار إلى سلطنة زنجبار العربية في 4 نوفمبر 1884م، وقام برحلته إلى إقليم أوسجارا الذي يقع شمال تنجانيقا متخفيا مع ثلاثة من زملائه، وتمكن خلال ثلاثة أسابيع من توقيع عشر معاهدات مع زعماء وملوك القبائل في تلك المنطقة (أوساجارا ونجورو وأوزيجوا وأوكامي7)، مما أعطى الجمعية الألمانية للاستعمار الادعاء بالحق في السيطرة واستغلال تلك المنطقة الواسعة. لم يغفل بيترز أن يشير في المعاهدات الموقعة أن السلاطين والملوك الذين عقد المعاهدات معهم مستقلون ولا يخضعون لسلطان سلطنة زنجبار العربية الذي تربطه علاقات تجارية وسياسية مع الحكومة البريطانية، كما أشار إلى أن رؤساء تلك المناطق موافقون على التنازل عن الأراضي لإمبراطور ألمانيا ولهلم الكبير welhelm وعلى فرض الحماية الألمانية على تلك الأراضي كما نجح الألماني جوهلك Johlac في عقد معاهدات مماثلة لتلك التي عقدها بيترز بلغت عشر معاهدات تعطي لألمانيا حق الحماية على منطقة "كليمنجارو".
تحدث مؤلفا كتاب "تاريخ العالم" المشار إليه آنفا والصادر في دمشق عام 1950، وهما أنور الرفاعي وشاكر مصطفى، عن ملامح الاستعمار وتاريخه وأسبابه، وتناولا كذلك الاختلافات بين الاستعمار الانكليزي والاستعمارين الفرنسي والألماني وهي مقارنة جديرة بالقراءة والمقارنة.
يقول الباحثان عن سياسة إنكلترا الاستعمارية "إن سياستها ليست ثابتة مع امتداد الزمن واتساع الأرضين واختلافهما" ولكن هناك بعض الملامح المشتركة مثل:
"1 - مرونة الإدارة الاستعمارية واختلافها من مستعمرة لأخرى.
2 - منح الحكم الذاتي للممتلكات التي هاجر إليها الأوروبيون (الإنكليز خاصة) فأدى ذلك إلى نشوء الممتلكات الاتحادية الحرة (الدومينيون).
3 - انتقاء الأكفاء من الرجال لإرسالهم للمستعمرات وترك حرية العمل لهم بالشكل الذي يرونه أضمن لمصلحة الإمبراطورية.
4 - سياسة الباب المفتوح في الاقتصاد وهي سياسة إنكلترا التقليدية ليس مع مستعمراتها فحسب ولكن مع كل الدول، وقد حاول المحافظون قبل الحرب الأولى إدخال مبدأ الحماية التجارية، ففشلوا (وبقي هذا المبدأ حتى 1933).
5 - الدفاع عن الإمبراطورية بحيث تشترك كل شعوب الإمبراطورية معا بهذا الدفاع، وذلك إما بإرسال الجنود أو بإضافة قطع بحرية إلى الأسطول البريطاني أو بتقديم المساعدات أو باستخدام الأساطيل الخاصة عند الحاجة.
6 - عدم التدخل في شؤون المواطنين وتقاليدهم الاجتماعية عدا ما يخل منها بالنظام العام" (ص 440).
ومن النقاط الجديرة بالاهتمام في ملامح السياسة البريطانية مع مستعمراتها إشراك ممتلكاتها في توجيه سياستها العامة، وربط أجزاء هذه الإمبراطورية التي وصفت بأنها "لا تغيب عنها الشمس" فظهرت عام 1884 "عصبة الاتحاد الإمبراطوري"، وبخاصة مع تزايد التهديد الألماني لبريطانيا، وقد أدت سلسلة من المؤتمرات منذ 1887، عام يوبيل الملكة فكتوريا، إلى توحيد الجمارك بين أجزاء الإمبراطورية البريطانية، وأقامت منذ عام 1897 هيئة أركان حرب إمبراطورية، ومهد هذا كله لما أصبح يسمى بعد الحرب العالمية الأولى بـ"الكومنولث البريطاني" الذي ضم عام 2007 كل الدول ذات العلاقة الخاصة ببريطانيا وعددها 53 دولة مستقلة تعد ملكة بريطانيا والمملكة المتحدة رئيسة فخرية لها بما فيها موزمبيق التي لم تكن يوما من المستعمرات البريطانية. (انظرThe World Almanac 2008 usa. p.853).
 يقول الباحثان عن سياسة فرنسا الاستعمارية، والكتاب كما ذكرنا صادر عام 1950، إنها لا تشبه إنكلترا، "فبينما تسير بريطانيا بمستعمراتها نحو نوع من الحكم الذاتي في تدرج مرن، نرى فرنسا بالعكس تميل إلى دمج المستعمرة بها دمجا كليا، ولهذا تميزت السياسة الفرنسية:
1 - باتباعها مبدأ التمثيل (ولا سيما في الأقطار المشابهة لفرنسا في المناخ كالجزائر) وذلك بنشر الثقافة الفرنسية وتشجيع الهجرة إلى المستعمرة من فرنسا، وإدخال النظم السياسية والإدارية الفرنسية نفسها إليها.
2 - بحرصها على المركزية فليس لحكام مستعمراتها ولا لمجالس المستعمرات المحلية (إن وجدت) أي مجال للتفرد بسياسة خاصة، ولكنهم يتلقون جميع التعليمات من باريس، وإذا فرضت فرنسا حمايتها فإنما ذلك تمهيد لتحويل الحماية إلى استعمار وحكم مباشر.
3 - باستخدام المستعمرات لأغراضها العسكرية وإدخال أفراد المستعمرات في الجيش الفرنسي.
4 - بإغلاق باب المستعمرات أمام كل نشاط اقتصادي غير فرنسي ما وسعها ذلك".
 (ص451-452).
ماذا عن النشاط الاستعماري الألماني؟ وماذا جرى لهذه الإمبراطورية في المراحل اللاحقة؟ يقول الباحثان: "وأما ألمانيا فقد ظلت طول عهد بمسارك منصرفة عن الاستعمار إلى سياسة القارة الأوروبية، فلما ولي أمرها الإمبراطور غليوم الثاني أخذت تعربد طالبة "مكانا لائقا تحت الشمس"، ومطالبة بحقها كدولة عظمى في العالم، وقد استطاعت بهذا الشكل أن تشكل إمبراطورية استعمارية من توغو والكامرون على الساحل الغربي من إفريقيا قرب خط الاستواء، ومن مقاطعة أخرى على الساحل الغربي الجنوبي، وبعض الجزر في المحيط الهادئ، كما وجهت همها إلى استغلال الشرق العثماني عن طريق الامتيازات، ولكن هذه الإمبراطورية ذهبت نهبا بين الدول المنتصرة عقب الحرب العالمية الأولى". (ص454).
نعود لاستكمال قراءة بحث د. بنيان تركي عن "ثورة الشيخ بشير الحارثي" في المقال القادم.

هوامش عن إلغاء الرق في زنجبار

الجريدة
الخميس 28 يناير 2016
خليل علي حيدر

ما حقائق دور تجار الرق الخليجيين وعرب شمال إفريقيا، وتجار الهند وبلاد فارس والأفارقة أنفسهم؟ وما الدور الذي قام به هؤلاء التجار؟ وما العون الذي تلقوه من زعماء القبائل الإفريقية وقبائل شمال إفريقيا؟ وهل قصة الرق في الساحل الإفريقي الشرقي مماثلة للساحل الغربي؟ وما انكشف من تفاصيلها في القصص والأفلام الأميركية؟
هذه بعض الأسئلة التي تثيرها في الذهن بعض أبحاث أ. د. بنيان تركي في كتابيه "الكويت وإفريقيا" و"زنجبار وجوارها الإفريقي".
ورغم ما أظهرته بحوث د. تركي من جوانب تلك التجارة المشينة، فإن علاقة التجار العرب والفرس والأفارقة والأوروبيين بالرق لا تزال بحاجة إلى بحوث صريحة، إذ يشعر القارئ في هذا المجال أننا لا نستطيع البوح بكل جوانب هذه التجارة، فما علاقة هؤلاء التجار مثلاً بعمليات إخصاء الرقيق وشحنهم إلى القصور العثمانية والمصرية والفارسية والهندية وغيرها؟
وكيف كان يتم التحايل على القوانين التي حرمت تجارته في بريطانيا عام 1807، وفي أميركا 1808، وظل مستمراً في بعض الدول الخليجية حتى أُلغي رسمياً عام 1962، واستمر في دول عربية أخرى حتى عهد قريب! ولعل من أهم بحوث الكتابين دراسة للباحث بعنوان "إلغاء الصفة القانونية للرق في سلطنة زنجبار العربية 1897".
تقول الموسوعة البريطانية إن تجارة الرق في العصور الحديث قد بدأت ربما عام 1442، عندما كان البرتغاليون تحت قيادة "هنري الملاح" منهمكين في استكشاف السواحل الغربية لإفريقيا، وكان أحد الضباط على السفينة، ويدعى "أنتام غونغالفس" Goncalves قد أسر بعض المغاربة، فطلب منه الأمير إعادتهم إلى إفريقيا غير أن "غونغالفس" تلقى في المقاربة من المغاربة عشرة من الأفارقة السود وكمية من برادة الذهب! وهكذا انفتحت شهية البرتغاليين لهذه التجارة  اللا إنسانية، وقاموا ببناء السفن الضخمة لحمل العبيد، وكذلك توسعوا في إنشاء القلاع والحصون على الساحل الإفريقي، وانهمك البرتغاليون والإسبان في هذه التجارة عبر الأطلسي، التي سرعان ما شارك فيها الإنكليز والفرنسيون وغيرهم، فتم نقل مئات الألوف من الأفارقة إلى جزر ومناطق الأميركتين.
حاول الفرنسيون تنظيم هذه التجارة أو الحد منها بموجب قانون 1685 Code Noir  في عهد لويس الرابع عشر غير أن تجارة الرق وملاك الإقطاعيات الزراعية في الجزر الأميركية تجاهلوا القانون.
ويقول د. تركي إن الثورة الفرنسية أصدرت القانون المتعلق بإلغاء الرق سنة 1791 في المستعمرات الفرنسية "وفي الميدان الاقتصادي دعا أبرز علماء الاقتصاد أمثال "آدم سميث" و"جون ستيوارت مل"، وغيرهم إلى تحرير الرقيق، وهؤلاء العلماء بنوا دعوتهم على فكرة العلاقة بين الحرية والإنتاج، الحرية تعطي الاستقرار، والاستقرار يعطي إنتاجا أكثر".
ونجحت الحكومة البريطانية بعد جهد في إقناع السيد سعيد بن سلطان البوسعيد بتوقيع معاهدة إلغاء تجارة الرق في زنجبار مع السلطان وحلفائه في الأعوام 1822 و1839 و1845 و1873 وفي عام 1890 آلت جميع أمور السلطنة إلى القنصل البريطاني والإدارة البريطانية، وأصبح حكام زنجبار من آل بوسعيد لا حول لهم ولا قوة، وصدر مرسوم جديد بإلغاء الرق ابتداء من أول أغسطس 1890.
 يقول د. تركي: "وقد نص المرسوم على تحريم تبادل أو شراء أو بيع الأرقاء مع إغلاق جميع بيوت سماسرة الرق، وفي حالة وفاة مالك الرقيق الذي لا ولد له يتم تحرير أرقائه، كما يعاقب المالك الذي يسيء معاملة رقيقه، وفي حالة استعمال المالك للقوة والوحشية ضد رقيق فعقابه تحرير رقيقه، كما منح المرسوم الأرقاء حق تقديم تظلمات إلى القاضي كالأحرار، والتحريم على الهنود من رعايا بريطانيا التعامل مع مالكي الرقيق، وأخيرا حرم المرسوم على الأرقاء المحررين امتلاك الرقيق". (زنجبار وجوارها الإفريقي، ص13-14).
كانت الزراعة في زنجبار وبالذات زراعة القرنفل تعد دعامة الاقتصاد الوطني، وكانت زنجبار، يضيف د. تركي، "تكاد تحتكر إنتاجه وتصديره".
ويقول د. تركي إن الإدارة البريطانية كانت تحرص على حماية مصالحها ومصالح التجار الأوروبيين ورعاياها الهنود، ولم تكن تهتم بمصالح الأرقاء وملاك الأراضي العرب، ويرى الباحث مع "سالمة بنت سعيد بن سلطان" في كتابها "مذكرات أميرة عربية" أن أهداف بريطانيا من محاربة الرق وتجارته لم تكن بدوافع إنسانية بحتة، بل كانت "مجرد دجل".
ويصعب على كل من يقرأ تاريخ حركة محاربة الرق البريطانية وامتداداتها الأوروبية والأميركية أن يعتبرها "مجرد دجل"، فقد كانت حركة إصلاحية ضخمة اصطدمت بمصالح إنكليزية ودولية، ونجمت عنها حرب أهلية في الولايات المتحدة، واجتذبت الحركة إلى صفوفها الكثير من المسيحيين المتدينين والمصلحين الاجتماعيين والمثقفين الإنسانيين، فلا ينبغي والحال هذه أن نحلل أوضاع زنجبار من زاوية معارضي هذه الحركة الإصلاحية، كما أن الإدارة البريطانية، كما هو وارد في بحث د. تركي، لم تكن قادرة على فرض ما تريد في زنجبار.
 يقول د. تركي مثلا: "كانت الإدارة البريطانية على معرفة بأن تربة زنجبار صالحة لأنواع عديدة من المحاصيل الزراعية، ومن أهم أنواع المحاصيل التي كانت في ذهن المسؤولين البريطانيين في زنجبار الأرز والسكر وزيت النخيل، وكانت تلك المحاصيل في السابق تزرع في أراضيها". ورغم هذا لم يكن من السهل على الإنكليز إقناع المزارعين بزراعة مثل هذه المحاصيل.
يضيف الباحث: "وكانت الإدارة البريطانية تدرك صعوبة تحقيق هدفها بإدخال محاصيل زراعية جديدة: أولاً، لأن العرب محافظون وتقليديون متمسكون بتقاليدهم الزراعية الموروثة، ومن الصعب إقناعهم بآراء وأفكار جديدة، وثانيا كانت أوضاعهم الاقتصادية تسير من سيئ إلى أسوأ، إذ كانوا في حاجة للأموال لتنفق على العمال المؤقتين القادمين من البر الإفريقي، ولتمويل مشاريعهم الزراعية، وقد كان لتراخي العرب من أصحاب الإقطاعيات الكبيرة في تنفيذ إصلاحات اقتصادية لتعزيز وضعهم المتدهور، وتدني أسعار القرنفل أثره في وقوع العرب تحت رحمة المرابين من الهنود، وبالذات "البانيان" المعروفون بتقاضيهم للفوائد العالية، ما جعل أصحاب الأراضي يغرقون في الديون يوما بعد يوم لآخر ويحولون ملكية الكثير من أراضيهم للهنود كسداد للديون.
ولقد اتضح أن تدابير الإدارة البريطانية لإدخال محاصيل جديدة كانت تعني إثقال كاهل ملاك الأراضي العربية الذين كانوا يرزحون تحت وطأة الدين بأعباء جديدة لا يستطيعون تحملها دون مساعدات ضخمة من الإدارة البريطانية" (ص 16-17).
كان لإلغاء الصفة القانونية للرق في زنجبار تأثير واضح، ويقول الباحث إن الإدارة البريطانية لم تكن ترغب في كسر شوكة العرب الاقتصادية والاجتماعية، كما كسرت شوكتهم السياسية، ويستعين هنا بما يقوله "سعد المغيري" في كتابه "جهينة الأخبار": "إن حالة العرب بعد تحرير الرقيق سقطت إلى الحضيض لأن ذلك السلطان وتلك الأوامر والنواهي قد فارقتهم من جهة تحرير الرقيق، وأن الأرض التي كانت تدر لهم المنافع وأسباب المعيشة قد اضمحلت".
وتتحدث بعض المراجع عن ثراء وقوة بعض الشخصيات العربية إلى جانب نفوذها القبلي في زنجبار. يقول د. سلطان بن محمد القاسمي: "إن القبيلة العربية الرئيسة المقيمة في زنجبار هي قبيلة الحرث، ويمتلك أفراد هذه القبيلة مزارع وأراضي واسعة، والعديد من العبيد، وهم أقدم من استوطن أرض الجزيرة من العرب، يتزعم هذه القبيلة شخص يدعى عبدالله بن سالم الحارثي، وهو رجل يمتلك ثروة ضخمة من الأراضي والسفن، ويملك نحو ألف وخمسمئة عبد جميعهم مسلحون". (تقسيم الإمبراطورية العمانية (1856-1862-القاهرة 1995- ص99).
راعت السلطات البريطانية كذلك جانبا مهما من تقاليد وموروثات المجتمعات العربية في مسألة الرق، فلم تقم بتحرير "النساء المحظيات" في العائلات العربية.
يقول د. تركي: "والإدارة البريطانية في زنجبار كانت تدعي أن تحرير المحظيات والذي كان مطلبا رئيسا من مطالب جمعية محاربة الرق في لندن والجمعيات التبشيرية العاملة في زنجبار من الممكن أن يؤدي إلى اضطراب التنظيم الاجتماعي وإثارة معارضة شديدة للإدارة البريطانية، كما كانت الإدارة تدعي أن التعرض لوضع المحظيات اللاتي هن بالنسبة إلى العرب أمهات وزوجات ومتاع من الممكن أن تكون له عواقب وخيمة، وأن يتطور إلى مواجهة مع الإدارة البريطانية، مستغلة ما جاء على لسان سلطان زنجبار السيد حمود بن محمد (1896-1902) من أن العرب كانوا "يؤثرون الموت" على الإذعان لتلك الإجراءات، مما حدا بالإدارة البريطانية إلى اللجوء إلى أسلوب المناورة والدهاء في تعاملها مع هذه القضية، إذ إنها من جهة كانت تشير إلى الرغبة في تحرير المحظيات لكنها من جهة أخرى كانت ترى أن مصلحتها تقتضي في ذلك الوقت على الأقل عدم التعرض لوضع المحظيات". (ص20- 21).
ولننظر الآن في بعض تفاصيل تطبيق هذا القانون في زنجبار بعد صدوره واعتماده من السلطان في أغسطس 1890.

إلغاء الصفة القانونية للرق في زنجبار


الجريدة
الخميس 4 فبراير 2016
خليل علي حيدر

ظرت الإدارة البريطانية إلى محميتها في زنجبار كمجتمع من عدة مجتمعات منفصلة عرقيا، ويقول د. تركي إن الإنكليز شجعوا وثبتوا هذا التقسيم: "فالعرب يمثلون الطبقة الحاكمة وملاك الأراضي ومزارعي القرنفل، في حين كان الهنود يمثلون التجار والممولين ووسطاء العمليات التجارية، أما السواد الأعظم من السكان، ونقصد بهم الأفارقة ومعهم الأرقاء، فكانوا مجرد أيدٍ عاملة لخدمة الإدارة البريطانية والعرب والهنود".
لجأ الإنكليز، في تحليل الباحث، إلى حيلة قانونية في قضية إلغاء الرق، فـ"أشاع البريطانيون بأن هناك فرقا شاسعا بين إلغاء الرق وإسقاط صفته القانونية، فالحالة الأولى تعني إعتاق جميع الأرقاء فوراً ودون تردد، بينما تعني الحالة الثانية عدم الاعتراف بالرق وعدم شرعيته، وإلغاء الرق في زنجبار معناه إعتاق جميع الأرقاء الذين كانوا يشكلون، حسب ما ذكرناه، ثلثي عدد السكان، وكان ملاك هذه الأعداد الكبيرة يتكفلون، في ظل وجود نظام الرق، بتوفير مستلزمات الحياة من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، والإدارة البريطانية كانت تتخوف من أنه حالما يتم إعتاقهم فلن يكون هناك إجبار لمالكيهم السابقين بتوفير مستلزمات احتياجاتهم لبدء حياة مستقلة، وفي الوقت نفسه كانت غير مقتنعة بإمكانيتها في توفير البديل إذا لم توفر لهم أراضي للسكنى.
كما كانت إمكانية إيجاد فرص عمل لهم خارج نطاق الزراعة "محدودة"، أضف إلى ذلك أن توفير البديل إن وجد يكلف خزينة الدولة أكثر من طاقتها، ولم يكن لدى الإدارة البريطانية الرغبة في ضخ أموال باهظة لمصلحة الأرقاء، مما حدا بالإدارة البريطانية إلى اللجوء إلى إلغاء الصفة القانونية للرق كبديل لإلغاء الرق". (زنجبار وجوارها الإفريقي 2010، ص24).
ويرى الباحث في هذا الموقف البريطاني تبريرا يعزز شكوكه في عدم جدية الإدارة البريطانية في محاربة الرق وتجارته لأسباب إنسانية، ولكن ما من قانون إنساني إلا ويحتاج في تطبيقه إلى الوقت وحسن التخطيط والتبصر، وخصوصاً أن الملاك العرب والوسطاء الهنود كانوا غير متعاطفين مع أي شكل من أشكال تحرير الأرقاء، وبخاصة تحرير الأفارقة السود.
 وقد رأينا كذلك في العقود الراهنة كيف فشلت دول وغرقت مجتمعات إفريقية عديدة في بحور الفوضى والفساد، رغم وجود "الأفارقة الوطنيين" على رأس حركات الاستقلال، وتوافر الثروات والمحاصيل في هذه الدول، وانتهاء الاستعمار والإدارة الأجنبية، ولا يدافع أحد بالطبع عن السياسة البريطانية في مستعمراتها ومحمياتها، ولكن لا الأفارقة في بلدانهم المستقلة، ولا نحن في العالم العربي، نجحنا دائما في تقديم إدارة أفضل. وما يورده د. تركي في الفقرة اللاحقة، يظهر لنا في الواقع بُعد نظر الإدارة البريطانية، مهما اتهمنا تلك الإدارة بعدم النزاهة والميكيافيلية، وبخاصة أن هذه الإدارة كانت أمام مجتمع بالغ التخلف والانقسام والمعاناة من الاستغلال، مثل زنجبار أواخر القرن التاسع عشر! ويشرح د. تركي هذه النقطة فيقول: "خشيت الإدارة البريطانية أن يؤدي الإعتاق الفوري للأرقاء إلى وجود مجتمع متذمر، وتكون النتيجة الحتمية لهؤلاء المعتقين القيام بأعمال ذات صبغة ثورية؛ لذا نجدها تصرّ على فكرة التدرج في إلغاء الرق والاكتفاء بإلغاء صفته القانونية، وكانت تهدف من جراء ذلك إلى امتصاص نقمة الأرقاء المعتقين، وزيادة في الحيطة والحذر، فقد لجأت الإدارة البريطانية إلى اتخاذ إجراءات احترازية ضد طالبي الحرية من الأرقاء، إذ أصرت على أن يكون عبء الحصول على الحرية منوطا بالرقيق نفسه، كما لا يحق له الحصول على حريته ما لم يكن لديه إفادة إثبات مورد دخل من أي مصدر كان، وكما سنرى لاحقا فإن الإدارة البريطانية شجعت الأرقاء على البقاء في أراضي أسيادهم والعمل معهم بظروف جديدة ومناسبة لتضمن بقاء الأرض مزروعة وبقاء الرقيق عليها". (زنجبار وجوارها الإفريقي، ص25).
هل كانت الإدارة الإنكليزية متحمسة لاستمرار الرق في زنجبار، وتحاول مجاملة ضغوط جمعيات مكافحة الرق فحسب؟
ما يورده الباحث في دراسته ينفي هذا الاتهام، فقد كانت الأوضاع الاقتصادية في زنجبار تسير من سيئ إلى أسوأ، بعد أن فشلت الإدارة في إعادة زنجبار إلى وضعها كميناء، وكانت الزراعة في زنجبار كذلك تعاني قلة اليد العاملة والاعتماد على زراعة محصول واحد، وكان الملاك العرب بدورهم يعانون الديون المتراكمة عليهم، وكانت الإدارة البريطانية، يقول الباحث، مدركة ضرورة تغيير نمط الاقتصاد الزراعي التقليدي.
 كان أحد الحلول التي يريد الإنكليز تطبيقها زيادة العمالة، وإغراء أفارقة آخرين بالتقدم للعمل في زنجبار إلى جانب من يمكن جلبهم من عمال الهند والصين. يقول د. تركي: "واتخذت الإدارة البريطانية زمام المبادرة عندما حاولت تطبيق مبدأ استخدام العمال الأحرار في إقطاعياتها الزراعية، وكان ذلك عن طريق جلب عمال أحرار من الهند والصين، غير أن المحاولة فشلت بسبب عدم ملاءمة الأحوال المناخية في زنجبار لهؤلاء العمال؛ مما أدى إلى صرف النظر عنها، وكان المخزون البشري الخصب المرشح للحصول على اليد العاملة متوافراً في البر الإفريقي حيث العديد من القبائل الإفريقية التي كانت ترغب في العمل في زنجبار، إلا أن تلك القبائل الإفريقية التي كانت ترغب في العمل في زنجبار كانت تتردد خوفا من الوقوع في براثن العبودية، غير أن الإدارة البريطانية كانت تأمل أن يكون لإلغاء الصفة القانونية للرق وزوال شبح العبودية أثره في استقطاب أعداد كبيرة من عمال البر الإفريقي للقدوم إلى زنجبار للعمل سواء بصفة مؤقتة أو دائمة، مما يساعد في الحد من مشكلة نقص الأيدي العاملة". (ص28-29).
وهكذا صدر في النهاية مرسوم إلغاء الصفة القانونية للرق، وقام بتوقيعه السيد "حمود بن محمد" سلطان زنجبار في 5 أبريل 1897، وتم نشر المرسوم كذلك باللغة العربية، لغة المكاتبات الرسمية، لا اللغة السواحيلية، مما عرض الإدارة البريطانية لاحقاً للنقد من البعثات التبشيرية العاملة في زنجبار وجمعية مكافحة الرق في لندن، وكذلك البرلمان البريطاني، بحجة أنها كانت لغة الأقلية العربية من الملاك لا الأفارقة الأرقاء، وبينت السلطات البريطانية أن سكان زنجبار من الأرقاء غير متعلمين، ونشره بأي لغة لم يكن يعني لهم شيئاً. ورغم كل هذه الانتقادات كان جميع الأرقاء في جزيرتي "زنجبار" و"بمبة" قد سمعوا بالمرسوم، بما فيه حقهم بالتقدم للمحاكم مطالبة بالحرية، ولم تكن النخبة والأرستقراطية العربية في زنجبار مرحبة بالمرسوم خوفاً من نتائج تطبيقه على مصالحهم، إلا أن الإدارة الإنكليزية أسندت إليهم الدور الأساسي في تنفيذه، لأسباب اقتصادية واجتماعية يشرحها الباحث.
عمد الملاك العرب أسوة بالحاكم إلى توقيع عقود عمل مع الأرقاء المحررين، وكان معظم هؤلاء من كبار الملاك، أما أصحاب الأملاك الصغيرة "فلم تكن لديهم القدرة على الدفع النقدي لأرقائهم مقابل العمل اليومي، ناهيك عن الدفع مقابل العمل الإضافي، أو الموافقة على السماح لأرقائهم بالعمل فقط لأربع وعشرين ساعة في الأسبوع، مما كان له أثر في إلحاق أضرار جسيمة بأصحاب الأراضي الصغيرة والزيادة في معاناتهم".
لم يتناول الباحث موقف الفقهاء المسلمين ورجال الدين في زنجبار من هذا المرسوم ومن الرق والعبودية بشكل عام، المؤيد منهم والمحايد والمعارض، ولا أدري إن كان لهذا المرسوم أي صدى في مجتمعات العالم الإسلامي أو بين مسلمي شرق إفريقيا وشمالها، ومن الغريب أن الأرقاء أنفسهم لم يتحمسوا كثيراً للمرسوم، وما منحهم من حريات إلا بعد مرور وقت.
 ويورد الباحث د. تركي اقتباساً عن باحث غربي هو Lyan، يقول فيه إن الأرقاء لم يكونوا على غير دراية بأهداف المرسوم، بل "إنه من التهديدات المجدية التي تلجأ إليها الإدارة الزنجبارية ضد العاطلين عن العمل والكسالى وعديمي الفائدة من الأرقاء وتهديدهم بإعتاقهم"! ويبدو أن هذا التخويف كان مستخدماً قبل صدور المرسوم.
درس د. بنيان تركي كذلك ثورة عربية في إفريقيا نادرا ما درسها باحث، قام بها عرب الساحل الشرقي لإفريقيا بقيادة الشيخ بشير بن سالم الحارثي.
وكانت معظم ثورات العرب في آسيا وإفريقيا ضد الإنكليز والفرنسيين إلا هذه فقد كانت ضد الألمان، وهذا ما سنعرضه في المقال القادم!

الباحث د. بنيان تركي وتجارتا العاج والرقيق في زنجبار

الجريدة 
2016الخميس 14 يناير
خليل علي حيدر

ل كان لتجار الكويت قبل النفط أي دور في نقل وتسويق العاج الإفريقي؟ وهل برز العرب في مجال صيد الفيلة الإفريقية في تلك المرحلة؟ وما الصراعات العربية– الأوروبية التي دارت في شرق إفريقيا، خاصة حول تجارة العاج والرقيق؟ وما الشخصيات التي برزت في تلك المرحلة؟
أسئلة كثيرة أخرى قد تثار، ومعلومات قيمة عن هذا المجال الحيوي الذي اعتمد عليه دخل الدول الخليجية، يتناولها أ. د. بنيان سعود تركي، أستاذ التاريخ في جامعة الكويت، ضمن مجموعة بحوث قيمة جمعها في كتاب "الكويت وإفريقيا".
 كتاب د. تركي بمثابة عودة تاريخية، وجولة في ماضي منطقة كانت لتجار الخليج وبحارتها وربابنتها صولات وجولات، قبل أن تقلب السفن الكبرى والناقلات العملاقة هذه الصفحة، وتدخل المنطقة الخليجية وإفريقيا مرحلة جديدة.
 د. تركي يحلل المعلومات التاريخية بكل اقتدار، ويستفيد من جهود العديد من مؤرخي وباحثي الكويت، وبخاصة تراثها البحري في البحث الأول الذي يفتتح به الكتاب بعنوان "العلاقات التجارية بين الكويت وشرق إفريقيا"، ومن هؤلاء د. ميمونة الصباح، ود. يعقوب الحجي، وعبدالعزيز حسين، وأحمد المزيني، وعادل العبدالمغني، وبالطبع مؤرخو الكويت البارزون مثل الأستاذ سيف مرزوق الشملان والشيخ يوسف بن عيسى الجناحي... وآخرين.
 غير أن المراجع الأجنبية الإنكليزية تبرز في بحوث الكتاب الأخرى، والتي تتناول تجارتي العاج والعبيد، ولا شك أن بحث د. تركي في هذه المراجع إضافة حقيقية للدراسات الخليجية في المكتبة الكويتية، وحافز للاستزادة منها من قبل أساتذة وبحاث آخرين.
تدرس الورقة المشار إليها وهي بعنوان "العلاقات التجارية بين الكويت وشرق إفريقيا" المرحلة بين 1899 و1945، من عهد الشيخ مبارك الصباح إلى نهاية عهد الشيخ أحمد الجابر تقريباً، وكانت التجارة مع إفريقيا نشيطة مع نهاية القرن العشرين، حيث "زارت الكويت بحدود 50 باخرة يمكن الإشارة إلى أن نصيب شرق إفريقيا مما تحمله السفن الكويتية في تجارة الاستيراد والتصدير خلال الفترة من عام 1905 إلى عام 1906 يمثل 61.8%".
ويقول د. تركي إن الرحالة امتدحوا صناع السفن الكويتية، وبخاصة صاحب كتاب "أبناء السندباد"، ألن فاليرز          (1903-1982) Alan Villiers، الذي ظهرت الطبعة الأولى منه عام 1940، ويقول فيه: "إن صانعي السفن الكويتيين أعظم الناس خبرة في الخليج، إذ يظلون مشغولين في صنع السفن الحديثة وإصلاح السفن القديمة التي تستخدم لصيد اللؤلؤ والسمك والتجارة". ولهذا نظر الرحالة نفسه إلى الكويت على أنها "أهم مدينة تجارية على الساحل الشرقي للجزيرة العربية".
 درس د. بنيان تركي في بحث مفصل دور العرب العمانيين في مجال تجارة العاج في شرق إفريقيا، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر 1840-1890، تحدث فيه أولا عن تصنيف العاج، وبين أن هناك الناعم شديد البياض وهناك الخشن"... والناعم أغلى سعراً ، ولما كان العاج الإفريقي أكثر نعومة من العاج الهندي كان الأفضل والأشد رواجاً، ويتمتع هذا العاج الإفريقي بـ"بياضه الشديد وتنوع ألوانه ما بين الأبيض والأصفر والقرنفلي الضارب للصفرة".
ويقول الباحث إن تجارة العاج انتعشت في القرن التاسع عشر، وشارك فيها الكثير من الأفراد والشركات، حيث كان العمانيون ممن عملوا في هذا المجال، وكان العاج من أهم السلع التي تاجروا فيها منذ عهد بعيد، إذ يشير الجغرافي الشهير "المسعودي" في القرن التاسع عشر إلى أن العمانيين كانوا ينقلون العاج بين إفريقيا والهند والصين، فكانت عمان من أشهر أسواق العاج إلى أن تراجعت أهمية هذا السوق مع اكتشاف رأس الرجاء الصالح، وتغير مسار تجارة شرق إفريقيا مع أوروبا، وهيمن التجار البرتغاليون على هذه التجارة "عندما اهتموا بتوفير الأقمشة والخرز والحديد لسكان الداخل مقابل الحصول على العاج والعنبر، مما أدى إلى فقدان العرب لمكانتهم التجارية المتميزة في شرق إفريقيا".
ويرى الباحث أن بعض النتائج العسكرية والسياسية قد ترتبت على هذه المنافسة، ويقول "ولعل تأثر تجارة عمان وبخاصة تجارة العاج مع شرق إفريقيا في ظل الهيمنة البرتغالية على المياه الشرقية كانت وراء تصدي حكام عمان من اليعاربة (1724-1741) للنفوذ البرتغالي بالخليج العربي وشرق إفريقيا"، وفي النهاية، "استعاد اليعاربة السيطرة على المناطق التي كانت البرتغال تحتلها، مما أدى إلى انحسار النفوذ البرتغالي بشرق إفريقيا".
تجدد اهتمام العمانيين بهذه التجارة مع بدايات القرن التاسع عشر، وازدياد الطلب على العاج وارتفاع أسعاره بالأسواق العالمية، مع تزايد المنافسين من تجار الهند وأوروبا وأميركا، أما سبب ازدياد الطلب فيقول إنه كان ناجماً عن دخول العاج في الكثير من الصناعات "من أبرزها صناعة التحف، والتماثيل، والآلات الموسيقية، والحلي، واتجاه عدة بلدان أوروبية مثل ألمانيا وهولندا، وبريطانيا، لإقامة مراكز متخصصة في معالجة العاج، واتجاه العديد من السفن التي كانت تحمل بضائع أوروبية، إلى سواحل شرق إفريقيا لتسويق هذه السلع، مقابل العاج وغيره من المنتجات المحلية، مما أدى إلى ارتفاع الطلب على العاج بشرق إفريقيا في القرن التاسع عشر الميلادي".
وكان ارتفاع أسعار العاج وراء امتداد عمليات زحف التجار على الداخل الإفريقي "حتى وصل تجار العاج العرب إلى حوض نهر الكونغو، وكان التجار العرب المغامرون، الذين يسعون إلى العاج بالداخل يحدوهم الأمل في الحصول عليه مباشرة دون التعامل مع القبائل الإفريقية بشكل يحقق لهم مكاسب مالية وفيرة رغم المخاطر الكبيرة التي تترتب على توغلهم داخل القارة". (ص91).
 وازداد اهتمام السلطات العمانية في زمن السيد برغش بن سعيد 1870-1888 بتنظيم هذه التجارة بعد ازدياد الضغط العربي على المنطقة الخليجية وإفريقيا لإلغاء الرق "وتجارة العبيد"، والتي كانت أرباح سلطان زنجبار من ورائها ضخمة.
شجع السيد برغش، كغيره من سلاطين زنجبار، التجار العرب على التوغل داخل إفريقيا لأهداف تجارية ولتوطيد العلاقة مع زعماء القبائل الإفريقية الذين ارتبطوا بولائهم لسلطان زنجبار من آل بوسعيد، وكان بعض حكام هذه المناطق "قد منعوا التجار العرب من الحصول على العاج مباشرة من صائدي الفيلة، وكان ازدياد تجارة العاج وراء مشروع التجار العرب والسواحليين في إنشاء مراكز دائمة، ومحطات استراحة لقوافلهم التجارية، مخازن لحفظ بضائعهم". وفي بعض المناطق "كان العاج الذي يُشترى بمبلغ ألفي دولار يتم بيعه في الساحل بسبعة آلاف دولار".
ويورد د. تركي نماذج من تجار العاج العمانيين في شرق إفريقيا مثل محمد بن سعيد المرجبي ومحمد بن خلفان البرواني، ويقول: "كان حميد بن محمد المرجبي المشهور بلقب "تيبوتيب" واحداً من أشهر العرب العمانيين في شرق إفريقيا، وتمكن من أن يكون صاحب الكلمة في حوض نهر الكونغو.
وكانت له علاقات واسعة بالرحالة ستانلي وملك البلجيك ليوبولد الثاني، كما أشاد به رجال الإرساليات التنصيرية في شرق إفريقيا، وبدأ نشاط المرجبي التجاري في سن الثامنة عشرة، وعمل في تجارة الرقيق والعاج، التي ازدهرت في وقته حتى كوّن ثروة من تجارة العاج الأبيض والأسود جعلت حاكمي زنجبار ماجد بن سعيد والسيد برغش بن سعيد يرتبطان به، ويستعينان به لتوطيد النفوذ العربي في المناطق الداخلية من شرق إفريقيا، في الوقت الذي كان يمارس فيه نفوذا سياسياً واقتصادياً في أعالى الكونغو بعد عام 1870م. وبلغت شهرة المرجبي أن عددا من الرحالة الأجانب أمثال ديفيد لفنغستون Livingston وستانلي، وكاميرون Cameron وفون وايزمن Von waizman، لم يستغنوا عن مساعدته في العمل بالمنطقة". (ص101).
 ولكن كانت لـ"تيبوتيب" كذلك فظاعاته في القرى الإفريقية وفي تعامله مع من كان يتاجر بهم من الرقيق. (انظر مثلاً: Islam Black slaves، من تأليف 2001، Ronald segat، ص157 مثلاً).
وفي هذا الكتاب فصل كامل 145-162 عن دور التجار العرب والخليجيين في مجال الرق في شرقي إفريقيا، وهناك كذلك بالطبع تقارير اللجان البريطانية التي كانت تحارب الرق والكثير من المقالات في الصحافة الإنكليزية وربما الأميركية مثل Harpers.
اعتمد بعض تجار العرب على أصحاب رأس المال الهنود لتمويل تجارتهم في العاج، وفي كسب ولاء زعماء القبائل، وكان الممولون الهنود يرحبون بهذا الاستثمار لارتفاع العائد، وبخاصة بعد منع تجارة الرقيق، وبعد اعتماد سلاطين زنجبار عليهم في تمويل تجارتهم، كما رهن البعض مزارعهم للتجار والمرابين الهنود بفوائد فاحشة، حيث استحوذ الهنود مع الوقت على الكثير من الإقطاعيات الزراعية، وصاروا يتحكمون في الأسعار في عدة مجالات.

ما دور العرب في عملية اصطياد الفيلة؟

ينفي الباحث مشاركة العرب في صيد الفيلة "ولم يُعرف عنهم امتهانهم لهذه المهنة. والدراسات حول مساهمة العرب في تجارة العاج توضح بجلاء أنهم ظلوا بعيدين عن استخدام السلاح في صيدها، بعد أن اقتصر دورهم على شراء العاج".
 وعن مصير الفيلة يضيف د. تركي: "ومما لا شك فيه أن ازدياد أهمية العاج وانتشار عملية صيد الفيلة كادت تقضي على مصدر العاج نفسه، وتتسبب في انقراض الفيلة، ولهذا لجأت مؤسسات ومنظمات عالمية لتجريم صيد الفيلة من أجل أنيابها بهدف المحافظة عليها في المحميات الإفريقية، وقد حققت تلك التشريعات واللوائح نجاحا محدودا سمح بتنظيم محميات طبيعية تسمح للفيلة بالتكاثر في السنوات الأخيرة".
ومع مرور الوقت أصبح السلاح جزءاً أساسياً من قيمة العاج، مما أدى إلى تصاعد أعمال العنف بشرق إفريقيا واتساع عملية إبادة الفيلة، كما أن التجار العرب الذين تعاملوا في الداخل مع الكيانات السياسية "أصبحوا مصدراً من مصادر قوتها، لقيامهم على توفير الأسلحة لها".
ولهذا أصبح بعض هؤلاء التجار تدريجياً، يضيف د. تركي، "من المستشارين المقربين لهؤلاء الملوك، في الوقت الذي كان فيه ملوك مناطق أخرى- كمنطقة بوروندي- ينفرون من العرب، ولا يسمحون لهم بالاقتراب من حدودهم".
 هل عرف عرب زنجبار "المحظيات" والجواري"؟ سنرى ذلك في المقال القادم. 

رفيعة المسكريّة.. انتماء بالهويّة

جريدة الرؤية 
الإثنين 15 فبراير 2016

الطفلة رفيعة بنت خميس المسكرية.. عنوان تصدّر وسائل التواصل الاجتماعي في السلطنة والخليج والدول العربية على نطاق واسع، والسبب هو أنّها فازت في مسابقة بريطانية بثلاث جوائز دفعة واحدة، هي: الخطابة باللغة العربيّة، والخطابة باللغة الإنجليزيّة، وحفظ القرآن الكريم، هذه الثلاثية المؤثرة، عنوانها (طفلة عمانية)، وهو ما جعل الجميع في السلطنة على وجه الخصوص، يشعرون بالفخر والسعادة..
ثم، جاءت المعلومة الصادمة، هذه (الطفلة) الفائزة بهذه الثلاثية على مستوى العالم، على الأراضي البريطانية، ليست عُمانية بل بريطانية الجنسيّة، على الرغم من عروبيّة الاسم، وعُمانية 
القبيلة، هذه الصدمة التي أحدثت دهشة عامة، فتحت العديد من الأفكار، وأخذتني نحو بهو واسع من الأفكار، ونقلتني إلى فضاءات كانت تروح وتجيء، ولم تَطفُ على سطح المؤشرات اليومية المُلِحّة.
هذه الطفلة، أبوها عماني، وأمها كذلك، أعمامها وأخوالها وخالاتها وأخوالها، كلهم عمانيون، الجذور عمانية، على الرغم من كون الأب عاش شطرًا من حياته في شرق أفريقيا، كونه ولد هناك ولكن من أبوين عمانيين وعلى الرغم من محاولته الحصول على الجنسية استنادًا إلى وثيقة الجذور والامتداد الاجتماعي، إلا أنّ المحاولات باءت بالفشل المُحبِط؛ لذا، حمل جذوره، وذهب نحو المملكة المتحدة (بريطانيا)، وهناك عمل، ثم حصل على الإقامة، ثم نال الجنسيّة؛ وفي تلك الجغرافيا البعيدة عن الوطن، تمت ولادة (الطفلة رفيعة)، لتحمل اسمها العماني، ونسبها الاجتماعي العماني العربي المسلم، وتحافظ على لغتها (الأم) ولغة الجنسية معاً، متفوقة فيهما معاً، ومتخذة من القرآن الكريم مرجعاً ذاكريًا تجذيرا وتكوينيًا لهوّيّتها..
مثل خميس المسكري وعائلته، هناك الكثيرون، في شمال أفريقيا (تنزانيا)، وفي منطقة البحيرات العُظمى (رواندا، بوروندي، زائير)، وكلهم عمانيون وعمانيات، انتقلوا للعيش طلبا للحياة الكريمة إبّان الفتوحات العُمانية، وعلى الزحف الامبراطوري للتوغل العُماني الواسع الانتشار في أفريقيا، ولكن، لم يَدُم الحال، ووجد هؤلاء الكثيرون والكثيرات أنفسهم وأنفسهن خارج منظومة الاعتراف بكونهم عمانيين، على مستوى الجنسية؛ إلى الحد الذي صارت فيه الفتيات العمانيات، يتزوّجن من الأفارقة، من أجل الحصول على استقرار وإقامة، كي تضمن كفالة لوالديها ومن لديها، وكي لا تقع تحت طائلة عقوبة تضعها تحت يافطة (المخالفين)..
قريبنا العاجل، شهد تجنيسًا واسعا للعديد من غير العمانيين، لأسباب مختلفة، لا اعتراض، فهذا شأن حكومي بسند قانوني، ولكن في المقابل، كنا نأمل أن تتم عملية التجنيس مع الأولى بذلك، وهم العمانيون والعمانيات المنتشرون والمنتشرات في أماكن عدة في العالم، حتى بات بعضهم في دول قريبة ينتمون إلى (فئة البدون)، على الرغم من جذورهم الصريحة جدا بكونهم عمانيين، ولكن القانون لا يعترف بالجذور، بل بجواز السفر فقط..
هناك ملف، ينبغي إعادة فتحه، لأهمّيّته، وهو المتعلق بـ (العمانيين في أفريقيا)، شمالاً وغرباً، فالضرورة تقتضي التعامل مع عمانيي الشرق والغرب الإفريقيين، نسبة إلى وثائقهم، وجذورهم، بمنحهم جواز السفر، كي يتعمّق الانتماء، ولا بأس من اشتراط الإقامة  في عمان، إن كان ذلك سيحقق استقراراً نفسياً وتاريخياً واجتماعياً لهم وهم في تلك البلدان، فهم ثروة اقتصادية واجتماعية، وهم ذاكرة لا بد من الاعتناء بها، فنحن أحوج ما نكون إلى تجذير الانتماء فيهم، وعدم تركهم عُرضة للظروف التي لا يُعلَم مسار أخذها إيّاهم..
في أمريكا، وبالتحديد في ولاية أوهايو، حيث كنت أرافق ابنتي واحة، التي تكمل دراستها الجامعية هناك، لفتت انتباهي الطالبة خديجة بنت هلال الحبسي، ذات الحراك الخدمي الذي تقوم به لكل طالبة تقوم بالالتحاق بالجامعة، عميق تفكيرها يجعلها تجد في كل قادمة من السلطنة بمثابة رائحة تراب تشمّها في الملامح والتفاصيل والابتسامة والحلم، كانت تقوم بمساعدة أي طالب أو طالبة عمانية تلتحق بالجامعة، أعجبني نشاطها، فسألتها من أين أنتِ؟  قالت من ولاية المضيبي، وتحديدا من بلدة الروضة، ولكنّي هنا بصفتي تنزانية الجنسية وطالبة في الجامعة على هذا الأساس، ولكنّي أشعر بفخر عميق في داخلي، كلما رأيت عمانيا أو عمانية، لأنهم يربطونني بالجذور، التي تتجاوز الجواز، وتجعلني مؤمنة بالانتماء.
مثل خديجة ورفيعة، هما رسالة مهمة وضرورية، ومن المهم أن تصل إلى المعنيين بها، فهما وأمثالهما من لحمنا ودمنا، نحتاج إليهم؛ ولذا أناشد وزارة الداخلية الاهتمام بهذا الملف، الذي – نعلم يقينا – أنّه سيحل الكثير من الإشكاليات، وسيعيد البسمة والحياة إلى أسر عمانية خارج جغرافيا الوطن، تحلم أن تعيش بقيّة حياتها في أي شبر من أرض عمان الطيبة، التي لا تنبت إلا طيّبا.

Friday, February 12, 2016

مغامر عُماني في أدغال افريقيا


 كتاب : مغامر  عماني في أدغال أفريقيا 
(حياة حمد بن محمد بن جمعة المرجبي المعروف بتيبو تيب 1840 - 1905)
ـ ترجمة د. محمد المحروقي ، منشورات الجمل ، 2006 م.
رابط التحميل :

المؤتمر الدولي الثالث حول الحضارة والثقافة الإسلامية والدور العماني في دول البحيرات العظمى الأفريقية ..



جريدة الوطن: 11 ديسمبر 2014

المؤتمر الدولي الثالث حول الحضارة والثقافة الإسلامية والدور العماني في دول البحيرات العظمى الأفريقية .. يتواصل في بوروندي


وغل العمانيين إلى قلب القارة الأفريقية في عام 1824م شكل نقطة انطلاقة لاكتشاف ما تزخر به تلك المناطق واستطاعوا تحويلها إلى سلع رائجة
بوجمبورا (بوروندي) ـ من خلفان الزيدي:
بذات الزخم والاحتفاء الذي بدأ به، واصل المؤتمر الدولي الثالث حول الحضارة والثقافة الإسلامية والدور العماني في دول البحيرات العظمى الأفريقية، والذي تنظمه هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية بالتعاون مع المكتب الوسيط وجامعة بوروندي وجامعة السلام والتصالح بجمهورية بوروندي بالعاصمة بوجمبورا، جلسات اليوم الثاني ــ أمس ــ بتقديم (17) بحثا وورقة عمل عبر ثلاث جلسات، تطرقت إلى جوانب عديدة للدور العماني في شرق أفريقيا، واسهام العمانيين في الحضارة الاسلامية ودورهم في العلاقات مع دول البحيرات العظمى.
استهلت جلسات الأمس بورقة عمل حول المؤسسات الثقافية الدعوية بشرقي أفريقيا في العصر الحديث قدمها الباحث جمعة بن خلفان بن صالح البطراني موجه ديني أول بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، أشار من خلالها إلى دور العلماء والدعاء العمانيين في بناء المؤسسات الثقافية الدعوية في شرقي أفريقيا، مؤكدا أنهم أدوا دورا ملموسا في ذلك، إذ استمر هذا العطاء الفكري والأدبي في شرقي أفريقيا عبر العصور التاريخية المختلفة منذ القرن الأول للهجرة إلى وقتنا الحاضر، فظهرت مؤلفات عديدة في مختلف الفنون، وصاحب ذلك النتاج حركة علمية وثقافية وأدبية وعمرانية، وهو الذي يمكن أن نطلق عليه ثقافة العصر آنذاك وهو الإدراك والإلمام بمعارف شتى تغذي الجانب الفكري والوجداني.
وأشار الباحث إلى ما ذكره المؤرخون من أن عصر الدولة البوسعيدية يعتبر العصر الذهبي للوجود العماني في شرقي أفريقيا، وقال في هذا الصدد: “شهدت فترة البوسعيد في شرقي أفريقيا مرحلة مهمة من مراحل انتشار الإسلام فيه، ففي عصرهم أشرق نور الإسلام لأول مرة في ربوع أوغندا وأعالي نهر الكونغو وفي رواندا وبوروندي فضلا عن المناطق الداخلية كزنجبار والجزيرة الخضراء في تنزانيا الحالية، وازدهرت الحركة العلمية في عهد الدولة البوسعيدية في مدن زيلع وهرر وأوفات وبربرة ومقديشو وبراوة وكلوة وأصبحت مدنا ومراكز علمية مشهورة في أرجاء ساحل شرق أفريقيا يفد إليها طلاب العلم والمعرفة لينهلوا من علمائها الأجلاء.
وذكر الباحث في ورقته المؤسسات الثقافية الدعوية في العصر الحديث، وقال إنها لعبت دورا حيويا في شرقي أفريقيا في دعوة الناس إلى الإسلام والمضي قدما إلى الطريق الصحيح الذي اختاره الله لعباده، متناولا هذه المؤسسات الثقافية الدعوية في أربعة مطالب هي المساجد، والكتاتيب والمدارس والمعاهد، والمجالس ودور العلماء، والجمعيات الإصلاحية.

مملكتا بوغندا وبونيورو
في الورقة الثانية، التي حملت عنوان “مملكتا بوغندا وبونيورو واصطدامهما بالإسلام .. من الخطاب الشفوي إلى الكلمة المكتوبة حتى نشوء الكتابات التاريخية” والتي قدمتها الدكتورة فيرا فيلهانوفا-باوليكوفا من معهد الدراسات العربية بالأكاديمية السلوفاكية للعلوم في براتيسلافا، بسلوفاكيا، ذكرت الباحثة أن مملكة بوغندا تعتبر من أهم المناطق في شرق ووسط أفريقيا التي انتشر واكتسب الإسلام فيها دورا وموقعا قويا. واكتسبت الديانة الإسلامية مؤيديها في بوغندا من خلال توغل الأفكار الدينية جنبا إلى جنب مع عناصر الثقافة والحضارة الإسلامية، بما في ذلك المهارات الجديدة والحرف اليدوية وأسلوب الحياة واللباس الإسلامي، ومحو الأمية من خلال الخط العربي. وارتبط اعتماد الخط العربي ومحو الأمية بانتشار اللغات الجديدة كالسواحيلية والعربية.
وقالت: أصبح تعبير قراءة “اكوسوما” مفهوماً مرادفا لاعتناق الإسلام في وقت لاحق للمسيحية حتى أن المعتنقين للديانة كانوا يسمون بتعبير”القراء”. لقد شعر من تعلموا القراءة والكتابة بالحروف العربية أو بالأحرف الرومانية من أبناء بوغندا وبانورا بالحاجة إلى تدوين التقاليد بالتاريخي المحلي، وتسجيل ما يعرفونه عن تاريخ أمتهم، وتقديم التقارير المنقولة عن شهود العيان عن الأحداث المضطربة التي وقعت في أواخر القرن التاسع عشر. ولا بد من الإشارة إلى أن العديد من هذه الكتابات التاريخية، ومعظمها غير منشورة، المدونة بأقلام الجيل الأول من “القراء” في بوغندا وبنيورو قد نجت من الضياع، وهي توفر الرواية الإسلامية للأحداث حيث تروي الأخبار التاريخية والمذكرات والرويات من وجهة نظر الشهود العيان والمشاركين في تلك الأحداث، والتي كتبها المسلمون المحليون. إن التاريخ الإسلامي للأحداث يصحح وصف الحروب الدينية في بوغندا، وتاريخ تغلغل الإسلام إلى منطقة البحيرات الأفريقية الشرقية العظمى، والحروب بين بوغندا وبنيورو والضم والاحتلال الاستعماري البريطاني واحتلاله لهذه المنطقة المدون بقلم البروتستانت والكاثوليك. ويمكن الاستفادة من هذا التاريخ كثقل توازن مفيد للتأريخ البروتستانتي والكاثوليكي السائد.

الوجود العماني في الكونغو
وتناول الدكتور محمد بن ناصر بن راشد المنذري مستشار شؤون البرامج الدينية بالهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في ورقته التي قدمها الوجود العماني في جمهورية الكونغو، معتبرا أن توغل العمانيين إلى قلب القارة الأفريقية في عام 1824م شكل نقطة انطلاقة، لاكتشاف ما تزخر به تلك المناطق من خيرات طبيعية استطاع العمانيون أن يحولوها إلى سلع رائجة.
وأشار إلى أنه وبمرور الزمن تعاظم نفوذ التجار العمانيين في الداخل الأفريقي حيث كانوا حلقة وصل بين سكان الساحل الشرقي لأفريقيا وسكان وسط القارة وكان لهم دور كبير في تذليل الصعاب التي كانت تكتنف ذلك التواصل فاخترقوا الغابات الاستوائية حتى وصلت قوافلهم أرض الكونغو، مستغلين في ذلك مهارتهم الملاحية، فاستقلوا أفرع نهر الكونغو للدخول إلى أغوار الكونغو وغاباته الكثيفة.
وتطرق الباحث إلى ما ذكره صاحب كتاب “جهينة الأخبار” بأن العمانيين في عهد السلطان سعيد بن سلطان هم أول من اكتشف مجاهل القارة الأفريقية، وهم أول من روى الحكايات عن وجود البحيرات والجبال ذات القمم الثلجية، متناولا أشهر الشخصيات التي أسهمت بدور فاعل في ذلك التواصل الحضاري هو التاجر العماني (حمد بن محمد المرجبي)، أحد أشهر التجار العمانيين في شرق أفريقيا في مطلع القرن التاسع عشر الذي أوصل رسالة الإسلام إلى الكونغو، وأسس فيها إمارة عربية، ومن ذلك الحين أخذ العمانيون يتوافدون إلى تلك البلاد، وكان لهم نشاط اقتصادي كبير أسهموا به في إثراء خزينة الدولة في زنجبار.
وتتبعا لهذا الوجود العماني الذي ما يزال أثره موجودا حتى يومنا هذا، قدم الباحث ورقته عبر مبحثين عني الأول بتتبع تاريخ الوجود العماني في الكونغو والدور الذي قام به في النشاط الاقتصادي وإسهامهم في نشر الإسلام والثقافة العربية وذكر الشخصيات التي كان لها الدور الريادي في ذلك.
وعني المبحث الثاني بتسجيل ذكريات بعض الشخصيات العمانية المعاصرة والتي كان لها وجود في الكونغو، والبعض لا يزال له مناشط تجارية وعقارية في تلك البلاد، والتعرف على بعض ما في حوزتهم من وثائق خاصة، وتحليل بعض الجوانب الاقتصادية والاجتماعية التي تشير إليها تلك الوثائق.

مِن الفرضاني
الدكتور خميس بن ماجد بن خميس الصباري من كلية العلوم والآداب قسم اللغة العربية في جامعة نزوى، أضاء محاور المؤتمر بتقديم قراءة نقدية في رحلة “مِن الفرضاني”، وذلك في سياق حديثه عن دور أدب الرحلة في توثيق العلاقات العمانية بجنوب شرق أفريقيا.
وقال في هذا الصدد: يعدّ أدب الرحلة من الفنون الأدبية المهمة في التاريخ الإنساني على مدى الأزمنة والدهور، لما له من دور عظيم في توثيق كثير من الأنشطة الإنسانية: الدينية والسياسية، والعلمية والاقتصادية، والاجتماعية وغيرها، لتبقى حاضرة في ذاكرة التاريخ، ومعمقة لكثير من الصلات الإنسانية. ويعدّ الرحالة شخصا ذا قدرة فائقة حساسة على استقراء جغرافية الأماكن التي يزورها، لتسجيل أبعادها، وتوثيق واقعها، وفق ما يراه من مشاهدات، وما يلاحظه من ملاحظات، أو ما يسمعه من أخبار متواترة، بما يعكس عنها صورة تؤرخ لكثير من مواقفها الحيوية المهمة.
وركز الباحث في ورقته على رحلة بعنوان: “مِن الفرضاني” للدكتور محمد بن ناصر المحروقي، وهي رحلة قام بها إلى الشرق الأفريقي في عام 1992م، مناقشا موضوعات الرحلة، بدءا من العنوان “مِن الفرضاني” وهي كلمة سواحلية تعود إلى أصل عربي هو (الفرضة) ومعناها “محط السفن”. وكان الهدف منها، الوقوف على شعر العلامة ناصر بن سالم الرواحي، ليكون موضوعا له في دراسة الماجستير، وليلتقي بأقاربه العمانيين هناك، وليرى طبيعة الشرق الأفريقي الساحرة.
وانتقل الباحث للحديث عن المنهج الذي اتبعه الكاتب الذي حدده بمحطات الرحلة بدءا من مطار مسقط، ثم دار السلام، ثم زنجبار وإلى باقي المحطات منها: ممباسا، وتانجا، وأروشا وتاليزا، وموانزا، وكياكا (على الحدود التانزانية الأوغندية).
بعدها تناول لغة الرحلة وهي لغة أدبية سهلة، تحمل ملامح ثقافية من خلال ما يستشهد به الكاتب من شواهد أدبية، وملامح ثقافية سواحلية، وما تتضمنه من دلالة للتعبير عن الأبعاد النفسية المتعلقة بوشائج العلاقات العمانية الشرق الأفريقية، ثم بيان أهم العلاقات الدينية والسياسية، والثقافية والاجتماعية التي تستقرأ من واقع هذه الرحلة، وما يُستشفّ من خلالها من علاقات إنسانية طيبة بين عمان وجنوب شرق أفريقيا.

العلاقات التجارية
الدكتور شاكر مجيد كاظم الحواني من قسم التاريخ في كلية الاداب بجامعة البصرة، تطرق في ورقته إلى العلاقات التجارية بين عُمان وشرق أفريقيا قبل الإسلام، والتي يعود تاريخها إلى فترات موغلة بالقدم حيث اتصلوا بالمدن والموانئ المطلة على الساحل الشرقي الأفريقي التي امتدت من الساحل (بنادر) في الصومال مرورا بمقديشو شمالا إلى سفالة الزنج جنوبا وقنبلو وحتى ساحل موزنبيق، بل إنهم وصلوا إلى مصب نهر الزمبيزي، بالاضافة إلى جزر سقطرى، وبمبا وزنجبار، ووسعوا تجارتهم إلى ازانيا بهدف التجارة والاستيطان، وقد أقاموا فيها عدة مراكز لتجارة الذهب والعاج والتوابل والرقيق وريش النعام وخشب الابنوس والعنبر والقرفة.
وأشار إلى أن التزاوج بين العمانيين والأفارقة ساعد على نقل الثقافة ولغة العرب اليهم، واشار الباحث إلى أسباب تمركز العمانيين في سواحل شرق أفريقيا، متطرقا إلى اشتهار العمانيين منذ القدم بركوب البحر، إذ كان لهم أكبر أسطول بحري حتى وصفوا بانهم أرباب المراكب، وذكروا كثرة نواخذتهم الذين يتولون ادارة السفن في سواحل الشرق الأفريقي والبحر العربي والمحيط الهندي، ونشير إلى أهم موانى عُمان القديمة: رأس مدركة ومرباط الذي اشتهر بتصدير البخور، وظفار ودبا الذي كان في ذلك الوقت سوقا تجاريا، وميناء حضرموت الذي يبحرون من خلاله باتجاه شرق أفريقيا، وميناء رأس فرتك المخصص لشحن اللبان من السواحل العمانية إلى سواحل شرق أفريقيا.

الدبلوماسية العمانية في أفريقيا
فيما تناول الباحث منذر بن عوض بن عبدالله المنذري من دار الاوبرا السلطانية مسقط، أبعاد الدبلوماسية العمانية في شرق وأواسط أفريقيا (القرن 19 الميلادي)، وقال إن الهجرات العربية عامة والعمانية خاصة إلى شرق وأواسط أفريقيا شكلت تغيرا في مجريات التاريخ في تلك المنطقة، وكان للعمانيين دبلوماسية واضحة استطاعوا بحنكتهم ودرايتهم الكبيرة، أن يوسعوا من رقعة الحضارة العمانية الإسلامية إلى شرق وأواسط أفريقيا وغيرها من المناطق، وأن يحذوا حذو الحضارات التي سبقتهم هناك سواء من ناحية الدولة السياسية، أو بجهود فردية، هذه الدبلوماسية ناتجه عن حضارة عربية قامت في عمان واستفاد منها العمانيون هناك، خاصة لطرد الاحتلال الأجنبي من تلك المناطق وتحريرها ونشر الدين الإسلامي وصولا إلى شرق أفريقيا. كما كان للدبلوماسية العمانية دور في مواجهة بعض الخصوم وحتى من العمانيين أنفسهم (صراع السلطان سعيد بن سلطان مع بعض القبائل مثالا) وصولا لتوحيد الراية والمصلحة العامة نتج عنه ازدهار حضاري عظيم ونمو في مختلف مجالات الحياة وخاصة السياسية والاقتصادية والعمرانية وغيرها.

مقديشو .. أهم مراكز التجارة
وفي الجلسة الثانية من جلسات الأمس، تطرق الدكتور إبراهيم عبد المنعم سلامة أبو العلا من كلية الآداب والعلوم الاجتماعية في جامعة السلطان قابوس، إلى مكانة مدينة مقديشو الصومالية كأحد أهم مراكز التجارة والثقافة الإسلامية بساحل شرق أفريقيا منذ تأسيسها في بداية القرن الرابع حتى منتصف القرن الثامن الهجريين، باعتبارها مدينة كبيرة، وبها كانت تصنع الثياب المنسوبة إليها، وبها المتاع الكثير، وكانت تتجمع فيها أيضًا تجارة السودان والحبشة والصومال وشرق أفريقيا، وكانت السفن التي ترفئ إليها من العراق والخليج وبلدان الجزيرة العربية والهند والصين تحمل منها كما ذكر ياقوت الحموي ما تزخر به من ثروة حيوانية هائلة، والصندل والأبنوس والعنبر والعاج. وكان أهلها تجاراً أقوياء مهرة، وكانوا يُكرمون التجار الغرباء ويقومون بأمرهم.
وأوضح أن شهرة مقديشو برزت منذ أن هاجر إليها بعض زعماء قبيلة الحرث العربية الإحسائية، واستقروا فيها، ونهضوا وغيرهم من التجار العرب، خاصة العمانيين بواجب الدعوة إلى الإسلام، وبذلوا في سبيل ذلك جهدًا واضحًا أسفر عن انتشار الإسلام في هذه المدينة وغيرها من مدن الصومال، فحين وفدوا إليها حدث تغير كبير في معتقدات سكانها، فقد شيدوا المساجد، لتأدية الصلاة والشعائر الإسلامية، وأسسوا أيضا مراكز التعليم التي تحولت إلى دور لنشر الثقافة الإسلامية وتعليم اللغة العربية، وقد تحولت المساجد والمدارس إلى مراكز علمية حضارية ينهل من معينها العرب والأفارقة بالساحل والبر الأفريقي، ولا غرو فقد جعل ابن سعيد الأندلسي مقديشو أهم مدن الإسلام وأشهرها بشرق أفريقيا، وقد زارها الرُحالة ابن بطوطة زمن سيطرة بني نبهان العُمانيين عليها سنة 731هـ/1331م، وأعجب بسلطانها ورجال العلم وطلبه في مدينته، لما عرفوا به من الورع والتقوى، وإكرام الغرباء من التجار والفقهاء والصالحين وتوقيرهم، وأعجب أيضا بنظام الفصل بين الناس وأهل الشكايات القائم على مبادئ الشريعة والشورى الإسلامية.

زنجبار وبوغندا في القرن الـ 18
وتطرق الباحث إسحاق ستوب وهو محاضر ومترجم تحريري وفوري وباحث من أوغندا إلى نشأة وتطور العلاقات بين سلطنة زنجبار/عمان ومملكة بوغندا في القرن الـ 18، من خلال القيام بإعادة قراءة فاحصة لكل من المصادر الإنجليزية والبوغندية.
وقال: أدت مغامرات التجار المسافرين الزنجبارين إلى الدواخل الأفريقية إلى وصول الإسلام إليها من غير وجود حملات تبشيرية رسمية. وبعد تشكل الفكر الديني التوحيدي الجديد، ظهرت جوانب ثقافة مادية بدءاً من محو الأمية واللغة إلى اللباس والطعام. وتفاعل جميع ملوك غاندا مثل: سونا الثاني، موتيسا الأول، موانغا الثاني، كيويوا موتيبي ونوهو كليما مع العرب والسواحيلين الذين قدموا من السواحل، وتعلموا منهم الإسلام بدرجات متفاوتة، وقاموا بتوظيف بعض منهم ككتبة، ومستشارين ومعلمين، وكثير منهم استقر في بوغندا. وفي ظل حكم الملك موتيسا الأول والملك كليما ازدهرت العلاقات التجارية والدبلوماسية، نظرا لحركة القوافل وتبادل الرسائل والسفارات. وشهدت فترة حكم الملك كليما ظهور العاصمة التي أطلق عليها لنجوجا (اونجوجا/زنجبار)، ومحاولات للوصول إلى السلطان لإمداده بالذخيرة والتوجيه، حتى يقال إن مبعوثي موتيسا خرجوا في البحث عن الأم المفقودة.

السيرة الحسنة للعمانيين
وتناول الدكتور أحمد بن يحيى بن أحمد الكندي أستاذ مساعد بقسم العلوم الإسلامية في جامعة السلطان قابوس السيرة الحسنة والتعايش البناء للعمانيين بوجودهم في دول البحيرات (تنزانيا، أوغندا، رواندا، بوروندي، الكنغو)، وذلك من خلال عرض نماذج تبرز روح التعايش وحسن السيرة من خلال المنظومة الفكرية والاجتماعية وظهورها في الشخصية العمانية.
وتطرق الباحث إلى السيرة الحسنة والتعايش البناء للقادة السياسيين العمانيين الذين كان لهم حضور وتأثير في دول البحيرات، سواء التجارب القديمة الممثلة في هجرات الأمراء أو ظهور ذلك بقوة وقت الامتداد السياسي العماني في شرق أفريقيا أيام السلطان سعيد بن سلطان، وعرج إلى تناول السيرة الحسنة والتعايش البناء للعلماء والدعاة العمانيين الذين قاموا بدور مؤثر في دول البحيرات.

بحوث وأوراق عمل ثرية
وبالإضافة إلى هذه البحوث، حفل يوم أمس بتقديم أوراق عمل أخرى تنوعت عناوينها بين الطابع الحضاري لزنجبار في العهد البوسعيدي، دراسة دلالية في وثائق الوصايا والوقف خلال الفترة (1882-1938م)، قدمها الدكتور إيهاب محمد أبو ستة أستاذ مساعد في كلية العلوم والآداب بجامعة نزوى، وثراء التواصل العلمي العماني مع شرق أفريقيا من خلال مؤلفات الردود العلمية، قدمها الدكتور صالح بن أحمد البوسعيدي الأستاذ المساعد بكلية التربية في جامعة السلطان قابوس، وتناولت الباحثة الاجتماعية في وزارة الدفاع مريم بنت طالب بن خليفة القطيطية دور المرأة العمانية في المحافظة على الهوية الوطنية في مناطق البحيرات العظمى.
وقدم الدكتور محمود قطاط من الجامعة التونسية، بحثا حول الانصهار العربي الأفريقي من خلال الاحتفالات الدينية والطقوس العقائدية منطلقا من النموذج الأفروعُماني.
وقدم الباحث في وزارة التربية والتعليم ناصر بن عبدالله بن سالم الصقري ورقة حول الدولة العمانية في منطقة البحيرات العظمى في عهد السلطان برغش بن سعيد.
وتناول الدكتور جمعة بن خليفة البوسعيدي مدير عام المديرية العامة للبحث وتداول الوثائق في هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، التحولات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية خلال حكم آل بوسعيد في الشرق الأفريقي، والمؤثرات الحضارية التي تركها العمانيون في حياة شعوب الشرق الأفريقي.
وتطرق الدكتور سعود بن سليمان بن مطر النبهاني مساعد عميد كلية العلوم التطبيقية بنزوى وأستاذ مشارك في مناهج الدراسات الاجتماعية وأساليب تدريسها، إلى الكشوفات الجغرافية العمانية الشرق أفريقية وتأثيراتها الحضارية.
واختتم الدكتور صالح محروس محمد الباحث بجامعة بنى سويف في جمهورية مصر العربية جلسات الأمس بورقة حول تجارة العاج في شرق أفريقيا بين التجار العمانيين والاحتكار البريطاني.