جريدة الفلق الالكترونية: 27 نوفمبر 2012م
زاهر بن حارث المحروقي
كعادته الثابتة يحرص الأستاذ أحمد الفلاحي على متابعة كل جديد عن عمان
في كل معارض الكتب التي تقام في أرجاء الوطن العربي لدرجة أنه أصبح معروفا لدى كل
الناشرين الذين يتسابقون إلى إبلاغه عن أي جديد يصدر عن عمان، ومن هنا تجد
أن الفلاحي يكون السباق دائما في معرفة كل جديد يصدر عن عمان أولا بأول ويكاد لا
يفوّت أي فرصة لحضور معارض الكتب هذه، وقد عاد من معرض الشارقة محملا بالعديد من
الكتب، منها المجلد الكبير الذي أصدره د. “سلطان بن محمد القاسمي” حاكم الشارقة تحت
عنوان”مراسلات سلاطين زنجبار” الذي يقع في 539 صفحة، ويحتوي الكتاب على مجموعة
مختارة من الرسائل الواردة والصادرة للسيد “سعيد بن سلطان” مع الحكومة البريطانية
والخاصة بزنجبار وكذلك الرسائل الواردة والصادرة للسلاطين ماجد وبرغش وخليفة أبناء
سعيد بن سلطان والمتبادلة مع الحكومة البريطانية وكلها متعلقة بالقسم الأفريقي من
الإمبراطورية العمانية والذي عملت بريطانيا على فصله عن الجزء الأم عمان
وتنبع أهمية الكتاب أنه يكشف عن كثير من المعلومات الخاصة بسياسة
بريطانيا في الساحل الشرقي لأفريقيا وذلك بإثارة الفتن في الولايات التابعة لسلطان
زنجبار وإبعاد ولاته وإنزال علم السلطنة ورفع العلم البريطاني مكانه على تلك
الولايات حتى أصبح سلطان زنجبار لا يملك إلا جزيرة زنجبار والجزيرة الخضراء
“بيمبا” إلى أن وقع الإنقلاب على الوجود العماني هناك في يناير عام 1964، وقد
اعتمد د. سلطان القاسمي على المكتبة البريطانية في جمعه لوثائق الكتاب التي ضمت 234
رسالة صادرة وواردة لسلاطين زنجبار وتم تقسيمها إلى 4 مجموعات حيث ضمت المجموعة
الأولى مراسلات السلطان سعيد بن سلطان وعددها 99 رسالة، فيما ضمت المجموعة الثانية
مراسلات السلطان ماجد بن سعيد وعددها 35 رسالة، وضمت المجموعة الثالثة مراسلات
السلطان برغش بن سعيد وعددها 32 رسالة، أما المجموعة الأخيرة فتضم مراسلات السلطان
خليفة بن سعيد وعددها 68 رسالة، أي أن هذه المراسلات تغطي فترة مهمة من التاريخ
العماني من عام 1806 إلى عام 1890، وميزةُ الكتاب أن د. القاسمي اعتمد على نشر
الرسالة الأصلية في الصفحة اليمنى ونشر طباعتها دون تدخل منه في الصفحة المقابلة
وهو بذلك قد سهل للباحثين في التاريخ العماني وتاريخ الوجود العماني في الشرق
الأفريقي مهمة البحث والتنقيب، رغم أنه يبدو أن الرسائل كانت إنتقائية ولم تشمل كل
المراسلات
والحقيقة إن كتاب “مراسلات سلاطين زنجبار” يأتي في إطار جهود د. سلطان
بن محمد القاسمي لخدمة الباحثين والمختصين- المهتمين بالتاريخ العماني، من خلال
تقديم مجموعة متميزة من الدراسات التاريخية الجادة التي أصبحت مصدراً لكل من أراد
أن يكتب عن تاريخ عمان خاصة بعد كتابه القيم “تقسيم الامبراطورية العمانية”، ويعد
هذا الكتاب إضافة متميزة إلى مكتبة الدراسات التاريخية العربية عامة،
والعمانية خاصة، لأنه يتناول حقبة مهمة في التاريخي السياسي والاقتصادي لعمان
وللعلاقات التاريخية بين السلطنة وبريطانيا وهو بالتالي سيكون مصدراً لا غني عنه
لمن أراد أن يكتب في هذا الموضوع، لأن تلك المراسلات الصادرة والواردة من السيد
سعيد بن سلطان ومن بعده خلفائه مع الحكومة البريطانية، تظهر كيف نجح العمانيون منذ
زمن طويل في إقامة التواصل الثقافي والحضاري مع شعوب سواحل المحيط الهندي والحضارات
التي قامت هناك، إضافة إلى أنهم تمكنوا من بناء مجتمعات وإقامة كيانات سياسية مؤثرة
وفاعلة في تلك السواحل واستمرت عقوداً عدة، حتى وصل النفوذ العماني في زنجبار إلى
ذروة ازدهاره الثقافي والحضاري والسياسي والاقتصادي زمن السيد سعيد بن سلطان
وتكشف الوثائق عن بعض جوانب التطور الحضاري والثقافي والخدمي الذي شهدته
زنجبار خلال فترة حكم السلطان برغش بن سعيد (1870م- 1888م)، حيث تم توصيل الكهرباء
والماء إلى زنجبار، وإنشاء الشوارع وتطوير الزراعة وزيادة الصادرات الزراعية، إلى
جانب اهتمام السلطان برغش بالثقافة حيث قام برحلة إلى أوروبا وبريطانيا عن طريق مصر
في عام 1875، وأدرك أن بلده بحاجة إلى مطبعة لطباعة الكتب العربية، فأمر بإنشاء
مطبعة في عامي 1879-1880، عرفت باسم المطبعة السلطانية استخدمت فيها الحروف العربية
والرومانية القديمة، وكانت الأولى من نوعها في شرق أفريقيا وهي تعتبر مفخرة لكل
المقاييس، كما أن تلك الوثائق تلقي الضوء على مكانة سلاطين عمان وزنجبار ودورهم في
إحداث التطورات التي شهدتها الساحة الإقليمية والدولية خلال القرن التاسع عشر.
ويرى أ.د. “حسن محمد النابودة” الأستاذ بجامعة الإمارات العربية المتحدة
في قراءته لوثائق الكتاب أنها تشتمل على عدد كبير من المفردات والموضوعات التي تتصل
بحركة التجارة والملاحة في المحيط الهندي وسواحل شرق إفريقيا إبان تلك الفترة،
وأنواع البضائع المتبادلة والمستوردة، وأنواع السفن المستخدمة آنذاك، كما أنها تلقي
الضوء على العلاقات الاقتصادية بين زنجبار وعمان والهند من خلال الاتفاقيات والشروط
المستخدمة في التجارة، وكذلك العلاقات السياسية المتبادلة بين سلاطين زنجبار وبعض
الدولالأوربية وخاصة بريطانيا وألمانيا وفرنسا، وهناك مراسلات السيد سعيد بن سلطان
ومحاولاته بناء علاقة تعاون مع مصر زمن محمد علي باشا (1805- 1848) وموقف بريطانيا
من ذلك.
إن المتتبع لمراسلات سلاطين زنجبار المنشورة في هذا الكتاب يمكن له أن
يستنبط الأحداث والاضطرابات السياسية التي وقعت بعد وفاة السلطان سعيد بن سلطان،
والتطورات الإقليمية والأحداث التي وقعت زمن السلطان برغش بن سعيد وكذلك يمكن له أن
يلم بأهمية دور القضاة الشرعيين في الفصل في المشاكل التي كانت تحدث، وخاصة في حركة
البيع والشراء، ومشاكل الديون وأهمية ذلك بالنسبة لزنجبار ومكانتها السياسية
والاقتصادية وهو الدور نفسه الذي قام به القضاة الشرعيون على مدى التاريخ في
عمان قبل التحول إلى المحاكم الحديثة، وهناك جانب هام في بعض المراسلات التي لم
يركز عليها كتاب التاريخ كثيرا وهي مراسلات السلطانة سميكو سلطانة جزيرة “نصوبي”
التي تقع بين مدغشقر وجزر القمر والتي تسلم أمر سلطنتها كله إلى السيد سعيد بن
سلطان، حيث تبدأ المراسلات بتاريخ 13 مايو 1841، وهي تلقي الضوء على نفوذ السيد
سعيد لتلك البقاع جنوب زنجبار والتي لم تركز عليها الأقلام كمدغشقر وجزر القمر
باعتبارهما كانتا تابعين للنفوذ الفرنسي، أي أن المراسلات المتعلقة بالممالك
الفرنسية يمكن الرجوع والبحث عنها في فرنسا.
لقد فتح د. سلطان بن محمد القاسمي الباب للمهتمين بالتاريخ العماني
لإجراء المزيد من الأبحاث والدراسات حول التاريخ والوجود العماني في سواحل أفريقيا،
ودور العمانيين الرائد في حركة الملاحة والتجارة في المحيط الهندي، وكذلك العلاقات
العمانية الدولية، والمطلوب الآن الاهتمام بإبراز الكثير من التراث العماني
المتناثر في بقاع الأرض المختلفة مثل تنزانيا والبرتغال وتركيا والهند
وبريطانيا وفرنسا وأمريكا وغيرها، بل حتى هنا في عمان من خلال المخطوطات التي لم
تجد من يغوص فيها ويحققها، لأن د. القاسمي اختار فترة زمنية محددة فقط وجانبا واحدا
من التاريخ العماني هو الجانب الأفريقي في كتابه هذا، وهو جهد يشكر عليه لأنه يقدم
صفحات مجهولة من التاريخ العماني لدى الكثيرين خاصة الجيل الشاب، وهو يعكف حاليا –
كما ذكر في حوار مع تلفزيون الشارقة – على جمع مجموعة من القصص والوقائع والأحداث
التي تعبر عن ممارسات البرتغاليين في المنطقة، على أن تصدر تلك القصص في كتاب اختار
له عنوان: “عندما ركز الصليب على مدخل الخليج”، ويسرد من ضمن تلك القصص قصة “بيبي
فاطمة”، وقصة “ألفانسو يزيل هرمز”.
إن الاهتمام بالماضي وبالتاريخ العماني يجب أن يكون مفتاحا للحاضر
وللمستقبل وأن يكون حافزا لبناء حاضر زاهر ومستقبل باهر
No comments:
Post a Comment