Sunday, August 28, 2016

الأمير خالد بن برغش وسلطنة زنجبار

د.بنيان تركي
حوليات كلية آداب عين شمس
المجلد 30 (اكتوبر- ديسمبر 2002)م

قراءة في كتاب: زنجبار في عهد السيد سعيد بن سلطان :دراسة في التاريخ الاقتصادي

يونس النعماني
صحيفة وهج الخليج


تُعد الكتابة التاريخية في بعدها الاقتصادي من الأمور المعقدة، والتي تتطلب أن يتسلح الباحث بأدوات منهجية وبحثية معينة، وأن يبحث في المصادر والمراجع التاريخية ليستخلص، ويحلل، ويربط بين الأحداث التاريخية علمياً، مركزاً على الأحداث والتصورات الاقتصادية في تناول الحدث. يقول عبدالعزيز الدوري في كتابه (مقدمة في التاريخ الاقتصادي العربي): "إن فهم خيرات الأمة وتتبع سيرتها التاريخية، ضرورة أولية لفهم الحاضر، وبداية لازمة للانطلاق للمستقبل، والتاريخ الاقتصادي لإمة ما يمثل جانباً مهما من خبرتها التاريخية، وأساسًا لفهم الكثير من آثارها".
وما كتاب زنجبار في عهد السيد سعيد بن سلطان لمؤلفه سليمان بن عمير المحذوري، إلا نموذج لهذه الرؤية التاريخية للاقتصاد، وقد صدر الكتاب عن دار الفرقد للطباعة والنشر والتوزيع سوريا، دمشق 2014م بدعم من النادي الثقافي، وهو اطروحة الكاتب في مرحلة الماجستير في جامعة السلطان قابوس.
يقع الكتاب في 286 صفحة، يتناول فيه الباحث الدور الحضاري الذي أسهم به العُمانيون في شرق إفريقيا في عهد السيد سعيد بن سلطان أبرز حكام دولة البوسعيد، وقد تم تخصيص الجانب الاقتصادي بوصفه نموذجاً حضارياً في شرق إفريقيا خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر .
ولعل أبرز الأنشطة الاقتصادية التي مارسها العُمانيون في جزيرة زنجبار وملحقاتها الزراعة والتجارة التي كانت بمثابة العمود الفقري للنشاط الاقتصادي برمته، وقد ترتب على النشاط الاقتصادي تأثيرات عُمانية واضحة المعالم في النواحي السياسية والثقافية والاجتماعية .
يتألف الكتاب من خمسة فصول ومقدمة وتمهيد وخاتمة، تناول الفصل الأول: الزراعة في زنجبار خلال عهد السيد سعيد بن سلطان، بما في ذلك العوامل التي ساعدت على ازدهار التجارة، لا سيما في جزيرتي بمبا (الجزيرة الخضراء) وزنجبار مع التركيز على أهم المحاصيل الزراعية خاصةً القرنفل. بينما خُصّص الفصل الثاني: عن التجارة، والذي تضمن العوامل التي ساعدت على تنشيط التجارة ، وكذلك الأسطول في عهد السيد سعيد إلى جانب دور التجار العُمانيين في تجارة القوافل في أواسط افريقيا، ومن ثم الحديث عن الصادرات والواردات. أما الفصل الثالث فقد تعرّض للعلاقات التجارية الخارجية زمن السلطان سعيد كالعلاقات مع الولايات المتحدة، التي توجت بالمعاهدة التجارية العُمانية - الأمريكية عام 1833م، والعلاقات العُمانية البريطانية، والعلاقات التجارية مع كل من فرنسا وألمانيا وما ترتب على ذلك من فتح قنصليات غربيّة ولأول مرة في زنجبار. فيما ركّز الفصل الرابع على النظم الاقتصادية المُتبعة في زنجبار آنذاك مثل: الرسوم الجمركية، المقاييس والموازين إلى جانب التمويل المالي وغيرذلك. وتناول الفصل الأخير من الكتاب تناول آثار النشاط الاقتصادي العُماني في شرق إفريقيا كالآثار السياسية والاجتماعية والثقافية.
وما يمّيز الكتاب اعتماد الباحث على عددٍ كبير من المصادر والمراجع، والمخطوطات التاريخية، والوثائق المنشورة والغير المنشورة، مما أعطى قوة وقيمة كبيرة للدراسة، وهنا يمكن القول أن كثير من الأحداث التاريخية وثقّها الكتاب الأجانب، وهذا التوثيق لا يخلو من الأيدولوجية الغربية في نظرته إلى الشرق، رغم ما احدثته الكتابات من نقلة نوعية في التدوين، لذا على الكاتب والباحث في هذا المجال أن يتناول هذه الكتابات بمزيد من التحليل والتمحيص، ومقارنتها بكتابات أخرى في نفس الموضوع، وقد وفق المحذوري إلى حدٍ كبير في هذه النقطة بأنه لم يأخذ كتابات الأجانب على علاتها بل حلل وفسر وناقش كثير من الأحداث التاريخية المتعلقة بفترة الدراسة. 
وقد تناول الكاتب عدة مواضيع متعلقة بالجانب الاقتصادي وبتاريخ شرق أفريقيا والعوامل المؤثرة في تلك الحقبة الزمنية، لا يسع المجال لذكرها. لكننا نتساءل: لماذا استقر السيد سعيد بن سلطان في زنجبار بعد 1832م؟ وهل فعلا اتخذها عاصمة؟ وهذه العاصمة هل كانت للإمبراطورية بشقيها عُمان وشرق أفريقيا؟ أم هي حاضرة للشق الأفريقي فقط
هناك الكثير من الآراء، حول مدى صحة النظرية الاحادية التي تقول بأن زنجبار لم تكن عاصمة لدولة السيد سعيد المترامية الأطراف، نلاحظ الآتي:
بالنسبة لعدد من مصادر تاريخ زنجبار فهي تركز على موضوع تسمية الدولة بأنها مملكة السيد سعيد أو سلطنته؛ فالسيدة سالمة بنت سعيد في كتابها (مذكرات أميرة عربية) (ط 8 ) طبعة وزارة التراث والثقافة ترجمة: عبدالمجيد القيسي ص 145 تقول :" كنت في حدود التاسعة من عمري حين عزم أبي السفر على عُمان، جريا على عاداته في زيارتها مرة كل ثلاث أو أربع سنوات؛ ليشرف بنفسه على شؤون القسم الآسيوي من سلطنته حيث كان ينوب عنه في إدارة شؤون الحكم ورئاسة العائلة في مسقط أخي ثويني ..".
أما الشيخ سعيد بن علي المغيري مؤلف كتاب (جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار) (ط 4)، 2001م يقول في ص263: "ولما نقل السيد سعيد ديوان حكومته من مسقط إلى زنجبار، وجعلها مقرا لسلطنته جعل حكم البلاد أنصافا بينه وبين موني......واتخذ السيد سعيد مقره في نفس مدينة زنجبار ومنها كان يرسل سياسة أملاكه، ويصدر أوامره ونواهيه..."، ويقول في ص 237:" ولكن ساقته العناية الربانية إلى اتخاذ زنجبار عاصمة لسلطنته..."، وفي ص250 يقول المغيري: "إن إقامه السيد سعيد في ممالكه الإفريقية وجزيرة زنجبار لم تشغله عن إدارة المملكة العربية العمانية فكان يتردد أحيانا بين عُمان وزنجبار، وكان يعين على زنجبار واليا من قبله في حال غيابه عنها، يدير شئون أحكامها...." ، وفي ص243 يقول المغيري:" أن السيد سعيد بن سلطان كان بعمان وولده السيد خالد بن سعيد هو النائب عنه في مملكته ..."
وهناك من يذهب من المؤرخين أن السيد سعيد ظل عشر سنوات لم يزر خلالها عُمان الا قبل وفاته .
المصادر والمراجع العُمانية وأبرزها كتاب تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان للشيخ نور الدين السالمي فلا نجد إشارات كثيرة عن الموضوع وتركيزه في الجزء الثاني على حروب السيد سعيد في عمان، وعدم التطرق لذكر أخبار الساحل وزنجبار بقوله في ص229: " ولا حاجه لنا بذكر أخبار زنجبار والسواحل.."، ويذكر مسكد أو بندر مسقط، وبندر زنجبار من دون الإشارة إلى شيء يذكر، ويكتفى بالقول في ص228:" وبموته اقتسم الملك بين أولاده فصار ملك السواحل لماجد بن سعيد ...."
المراجع الحديثة تميل أغلبها إلى القول أن زنجبار هي حاضرة وعاصمة الإمبراطورية العُمانية - حسب المعنى الحديث المتعارف عليه- ولم نجد إشارة إلى عكس ذلك، ومن تلك المراجع : كتاب (زنجبار شخصيات وأحداث) لناصر الريامي فقد ذكر في ص39: "إن السلطان سعيد بن سلطان، سلطان عُمان وزنجبار (1806-1856م) كان قد اتخذ من زنجبار عاصمة لإمبراطورتيه العُمانية في عام 1832م......" 
لكن سليمان المحذوري في كتابه هذا يخالف الريامي فيقول في ص28: "ففي عام 1832م قرر السيد سعيد اتخاذ زنجبار عاصمة للشق الأفريقي من دولته رغم وجود مدن أخرى عامرة في شرق أفريقيا مثل ممباسا، وكلوة......ومنذ انتقاله للإقامة بتلك الجزيرة أصبح يحكم عمان من شرق أفريقيا بدلا من أن يحكم شرق أفريقيا من عمان" كما يصنف أسباب الانتقال إلى دوافع سياسية، واستراتيجية وجغرافية، وأخيراً اقتصادية.
وعليه، فإن هذه القضية تحتاج إلى دراسة تحليلية، وإلى الرجوع إلى ما يثبت فعلياً من وثائق أو غيرها، كما نحتاج أن نعّرف بعض المفاهيم السياسية والقانونية المرتبطة بها.