Tuesday, January 31, 2017

وثائق الدبلوماسية الإيطالية المتعلقة بسلطنةعمان والخليج العربي وشرق افريقيا

وثائق الدبلوماسية الإيطالية المتعلقة بسلطنةعمان والخليج العربي وشرق افريقيا
دراسة وتلخيص لنماذج من الوثائق

د. ناهد عبدالكريم

Tuesday, January 24, 2017

تلخيص كتاب جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار

منى عبدالله الذكير
الجزيرة: 7/2/2001
لقد صنعت العوامل الجغرافية والبشرية من سلطنة عمان بلدا ذا قيمة استراتيجية وحضارية منذ القدم، فالبحر يحيط بها من اجزائها الثلاثة ورمال الربع الخالي تلتف بجزئها الرابع الذي يفصلها عن بقية شبه الجزيرة العربية ويقوم التركيب السكاني فيها على أساس قبلي عربي.
ولقد سجلت كتب المؤرخين كثيرا من الأخبار عن هجرات القبائل العربية الى شرق افريقيا واستيطانها في العديد من الجهات الداخلية لقارة افريقيا.
وفي عهد الرسول الأمين صلوات الله وسلامه عليه دخل الاسلام أرض عمان ويروى ان النبي قال: من تعذر عليه الرزق فعليه بعمان .
وقد خضعت عمان لسلطان الأمويين أيام الحجاج بن يوسف الثقفي، وفي 720م كانت تحت حكم بعض الجماعات، وفي نهاية القرن العاشر الميلادي تلاشى نفوذ العباسيين تماما من ارض عمان، واستعادت الامامة العمانية سلطانها باعتبارها نظام الحكم المفضل في عمان وان المؤرخين ليؤكدون بان العرب العمانيين كانت لهم مراكز في القارة الافريقية ولهم ذرات تمتد من بر الصومال حتى مدغشقر، ولقد زار ابن بطوطة الرحالة العربي المغربي الساحل الافريقي ووصف بدقة الآثار العمانية هناك من قصور ومساجد وقبور، وكانت لهم نشاطات تجارية وصلات وطيدة بالسلاطين الوطنيين في افريقيا الشرقية في ايام حكم الامام سيف بن سلطان العربي.
وكانت ممباسة مقر الولاة الذين يرسلهم الائمة اليعاربة في عمان ليتولوا حكم ممباسة وغيرها من الموانىء الافريقية ثم انتقلت الامامة من اليعاربة الى الامام أحمد بن سعيد البوسعيدي، وبذلك انتقلت ممباسة وزنجبار والجزيرة الخضراء في الساحل الافريقي الى السادة البوسعيديين، وقد سافر السيد سعيد بن سلطان عام 1818م من مسقط في اسطول ضخم يمخر به عباب البحر الى زنجبار، فشاهد لأول مرة هذه الجزيرة الجميلة واستقبله اهل زنجبار بالحفاوة، وقد رأى ان يتخذ منها عاصمة لمملكته وزرع فيها شجر القرنفل، وقد اشتهرت زنجبار بتجارة محاصيل القرنفل في جميع انحاء العالم, وانتقل كثير من القبائل العمانية واليمانية والعدنانية للاستقرار بها وبنوا المستوطنات والمراكز التجارية، ومراكز نشر الدين الاسلامي، وشقوا الطرق وبنوا المساجد، وقد امتزج العرب العمانيون بالسكان الوطنيين لهذه الجهات وأبقوا لهم ملوكهم وسلاطينهم واحكامهم، والروح العمانية لا تعرف تفاضلا لجنس او لدين، وقد سعوا الى تعليمهم الحرف والزراعات واشركوهم معهم في شؤون الحياة وأعطوهم الاملاك والمزارع يتوارثونها في حرية تامة، كما هو ثابت ومسجل في عديد من الصكوك وجلبوا سكان تلك البلاد من الزنوج الى عمان وثقفوهم وأدبوهم وعلموهم دين الاسلام، وتزوجوا منهم وصارت بعض نسائهم والدات لعرب نبلاء، وانفصلت زنجبار عن مسقط أيام حكم السيد ماجد أكبر أبناء السيد سعيد وتوالى على حكم زنجبار سلسلة من أبناء واحفاد السيد سعيد، وآخرهم خليفة بن حارب الذي تعتبر أيام حكمه العصر الذهبي لزنجبار، وفي ديسمبر سنة 1963م اعلن استقلال زنجبار، وبذلك انحسر الحكم العماني عنها، بعد ان ترك بصمات وضاءة في الحضارة والرقي هناك، وزنجبار كلمة عربية محرفة أصلها بر الزنج وهي جزيرة تقع في المحيط الهندي وتبعد عن البر الافريقي مسافة 25 ميلا خمسة وعشرين، وكانت تسمى في القرن الاول للمسيح منشونيا، وتصلح في ارضها زراعة الأرز والحبوب، وعدد سكانها يقرب من مائة ألف نسمة من كل الطوائف، والغالبية افريقيون.
وأكبر أنهارها نهر مويرا وينبع من مكان ما وسط الجزيرة التي يقال: انها كانت متصلة بالبر الافريقي والدلائل ذات نوع الاشجار في الجزيرة والبر ونفس أنواع الوحوش الضارية كالنمور والتماسيح والقردة، ويسقي سكان زنجبار عين ماء فوارة يقال إنها تنبع من البر الافريقي وتجري تحت البحر ثم ينبع في الجزيرة، وكان الانسان قديما يستطيع الوصول لزنجبار سيرا على قدميه خائضا في المياه وقت الجزر وثبور المياه، وأرض زنجبار خصبة غنية بأشجار الفواكه مثل القرنفل والنارجيل والبرتقال، وتوجد بها شجرة تسمى دوريات، وهي ذات حجم كبير لها ثمر عليه شوك مثل القنفذ أكلها لذيذ الطعم ومثل هذه الشجرة توجد في امريكا والهند.
وأول رسم يلوح للمسافر الذي يدنو من زنجبار قصور العرب القدماء ذات اللون الابيض الناصع كأنها درر تنبعث من تحت أمواج البحر وقصر السعادة الخاص بالسلطان السيد خليفة وأطلال بيت الراس الذي بناه السيد سعيد بن سلطان.
وجدير ان تسمى زنجبار ببستان افريقية الشرقية لجمال ريفها الخلاب، وقد كان يوجد في زنجبار حوالي مليون شجرة قرنفل ولكن منذ سنة 1358ه أصاب القرنفل، موت مفاجىء، وظلت تلك العلة تجتاح شجر القرنفل بوجه السرعة حتى قضت عليه وتعتبر من أكبر النكبات التي حلت بالجزيرة، وفقدت مدخولا اقتصاديا ضخما حيث كان محصول القرنفل يسوق الى جميع دول العالم وبخاصة دول اوروبا، ان اول ظهور للبرتغاليين في سواحل افريقيا الشرقية كان سنة 1494م بقيادة المكتشف فاسكودي جاما البرتغالي ويعتبر السيد سعيد بن سلطان بن الامام أحمد السياسي القدير الذي بواسطته اشتهر اسم زنجبار وعمت الأقطار، وبهمته رسخت أقدام العرب العمانيين في زنجبار الحديثة.
ولد سنة 1204ه في بلد سمايل من عمان وتولى المملكة سنة 1219ه الموافق لسنة 1791م، وكان السيد سعيد جنديا عظيما وحليفا لانجلترا لا أقل من نصف قرن وكان مكافحا لتجارة الرقيق واول من أدخل زراعة شجر القرنفل الذي يصدر الى كافة أنحاء العالم وقضى عشرين عاما في ارساء الحكم في عمان وتهدئة الأوضاع وخلق الاستقرار في بلده وجعل زنجبار عاصمة لحكومته عام 1832م وانتقل معه مئات من العرب العمانيين وعمت التجارة، واتسع نطاقها وألف العرب السياحات والقوافل الى اواسط افريقيا.
كان للسلطان سعيد جيش قوي أخضع به جميع أقطار الساحل الافريقي الشرقي ومات السيد سعيد عن أربعة وثلاثين ولدا، وله جيش بري اضافة الى الاسطول البحري وكان ملوك اوروبا يتقربون اليه بالهدايا مثل المدافع والسلاح، وكان جيشه البري مؤلفا من أمم شتى منهم البلوشي والعجم وهم الغالبية وفي عهده زاد عدد السياح الأوروبيين الى افريقيا، ورأت بريطانيا ان تجعل مصالح رعاياها في يد وكيل قوي فعينت القبطان همرتين فضلا لجلالة ملك بريطانيا، ووكيلا لشركة الهند الشرقية في ديوان حاكم زنجبار، وتعاظم سلطانهم منذ ذلك الحين وهيمنوا على امورها السياسية، وارتفع العلم الانجليزي فوق زنجبار عام 1843م، ويحكى ان الملكة فيكتوريا أهدت السلطان سعيد عربة ملوكية غير انه لم يجد لها طرقا مناسبة حتى تجرها الخيل، كما اهدته آنية للشاي من الفضة المموهة بالذهب ولكنه لم يستخدمها لما في ذلك من البذخ والاسراف ولكون الذهب استخدامه حراما شرعا، وهذا يدل على ورعه، ولقد توفي السيد سعيد في 19 اكتوبر سنة 1856م في البحر على متن باخرته المسماة فيكتوريا، ودفن بزنجبار التي اختارها وطنا له، وبموت السيد سعيد دخل تاريخ زنجبار وافريقيا في عصر جديد لأن الانجليز هبوا لاكتشاف اعماق افريقيا التي كانوا يعتبرون البر الافريقي ميتاً ليس به ما يفيدهم، ولكن رحلات عرب عمان الى الداخل فتح الطرق للاوروبيين وتنبيههم الى الخيرات التي تستقر في اراضيها كما ان فتح قناة السويس عام 1869م ساعدت على سهولة الوصول الى زنجبار.
لقد أبرم السلطان سعيد الكثير من المعاهدات ومن ضمنها معاهدة مع الولايات المتحدة التي كانت اول دولة حطت رحالها في ساحل زنجبار، وكانت المتسلطة في جميع المصالح التجارية في افريقيا الشرقية، وشاركتها فرنسا في هذه السيادة وكانت تلك المعاهدة فاتحة لكل المعاهدات التي أبرمتها زنجبار بعد ذلك مع جميع الدول.

عمان والولايات المتحدة في عهد السيد سعيد بن سلطان

13/7/2015
لقد إجتذبت عمان إهتمام الإمريكيين منذ بداية الثلاثينات من القرن التاسع عشر , ليس ‏لأهمية موقعها فقط وإنما لشهرة صادراتها الإفريقية من العاج والذهب والجلود والقرنفل ‏‏, وكان تطوير الشرق الإفريقي في عهد السيد سعيد بن سلطان عامل جذب لكثير من ‏القوى الأجنبية وكانت الولايات المتحدة الإمريكية في مقدمة القوى الأجنبية التي تطلعت ‏إلى فتح أسواق لها في زنجبار وخصوصاَ حينما زارها التاجر الإمريكي (أدموند ‏روبرتس) الذي وجد نشاطاً تجارياً رائجاً وتسهيلات كبيرة تمنح للأجانب , لذا فقد عاد ‏إلى بلاده حاملاً فكرة عقد معاهدات تجارية بين عمن والولايات المتحدة بهدف تحقيق ‏تبادل تجاري بين البلدين , وكتب إلى الرئيس الإمريكي أندرو جاكسون موضحاً له ‏النتائج المرجوة من التعامل مع أسواق جديدة تزخر بنفائس البضائع الإفريقية , ووافق ‏الرئيس الإمريكي على الفور وعهد إلى أدموند روبرتس بأجراء المفاوضات اللازمة ‏وكان وصول السفينة الإمريكية بيكويك حاملة بعثة روبرتس إلى مسقط دليلاً على ان ‏الإمبراطورية العمانية دولة ذات أهمية خاصة .‏ 
وفي سبتمبر 1833م أبرمت اول إتفاقية بني السيد سعيد بن سلطان والولايات المتحدة ‏الإمريكية , وظلت هذه الإتفاقية سارية المفعول حتى عام 1958 حين إستبدلت بمعاهدة ‏جديدة نظمت العلاقاتت الإقتصادية والدبلوماسية بين البلدين.‏ 
لقد إمتنع الإمريكيون بموجب هذه المعاهدة بإمتيازات إقتصادية وقضائية حيث أصبح ‏التجار الإمريكيون يتاجرون في أراضي الإمبراطورية مقابل 5% فقط كرسوم على ‏البضائع التي يصدرونها كما صار من حق القنصل الإمريكي فض كافة المنازعات التي ‏تنشأ بين رعايا دولته مقابل حق قنصل عمان في الفصل في القضايا بين الرعايا ‏العمانيين في الولايات المتحدة الإمريكية .‏ 
لقد حمل المبعوث الإمريكي من السيد سعيد بن سلطان إلى الرئيس الإمريكي أندرو ‏جاكسون مع نص الإتفاقية .‏ 
ومما جاء في رسالة السيد سعيد للرئيس جاكسون : (لقد إستجبت لرغبات معالي ‏سفيركم روبرتس وذلك بإبرام معاهدة صداقة وتجارة بين بلدينا العزيزين .. هذه ‏المعاهدة التي سنتقيد بها بكل إخلاص أنا ومن يخلفني في الحكم وتستطيع سيادتكم أن ‏تطمئن بأن كل السفن الإمريكية التي ترسو في الموانئ التابعة لي ستلقى نفس المعاملة ‏الكريمة التي نلقاها في موانئ بلادكم السعيدة ) .‏ 
لقد إحتجت بريطانيا وحذرت السيد سعيد من ان الولايات المتحدة لها أطماع في شرق ‏إفريقيا وبالسياسة الهادئة التي تميز بها لسيد سعيد طلب من الأنجليز عقد معاهدة معهم ‏مشابهة للمعاهدة الإمريكية وتم إبرام هذه المعاهدة عام 1839م. ‏ 
لقد أدت الإتفاقية العمانية الإمريكية إلى إزدهار التجارة بين البلدين إذ إستقبل ميناء ‏زنجبار سفناً إمريكية تحمل قماشاً قطنياً سرعان ما وجد قبولاً رائجاً في شرق إفريقيا ‏إلى جانب الأدوات المنزلية والبنادق والبارود والساعات والأحذية , وفي المقابل حملت ‏السفن الإمريكية من زنجبار القرنفل والعاج وجوز الهند والتوابل لدرجة أن عدد السفن ‏الإمريكية التي رست في زنجبار عام 1835م قد وصلت إلى ثلاثين سفينة , لذا فقد ‏إختارت الحكومة الإمريكية المستر ريتشارد ووترز في عام 1836م ليكون أول قنصل ‏إمريكي مقيم في مسقط , إلا أن العلاقات العمانية الإمريكية قد تعرضت لعدة مشاكل من ‏اهمها :‏ 
‏1.‏ رغبة السيد سعيد في تعديل المادة الثانية من المعاهدة المعقودة بين الطرفين عام ‏‏1833م والتي تنص على حق التجار الأمريكيين دخول كل الموانئ الخاضعة ‏للسيد سعيد , على إعتبار أنه كان يقصد زنجبار فقط ولم ترغب الحكومة ‏الإمريكية في الإستجابة لطلب السيد سعيد فتحرم تجارها من التجارة في بقية ‏موانئ الإمبراطورية .‏ 
‏2.‏ لقد إرتكب بحار إمريكي جريمة قتل في حق مواطن عربي مما فتح المجال ‏لإعادة النظر في إختصاصات القضاء القنصلي خصوصا وقد تكرر إعتداء ‏الإمريكيين على التجار الهنود المشمولين بالرعاية البريطانية .‏ 
‏3.‏ لقد لعب القنصل الإمريكي في زنجبار شارل وارد دوراً في سوء العلاقة بين ‏البلدين لذا تدهورت العلافات بشكل ملحوظ .‏ 
فقد حرصت الإدارة الإمريكية على معالجة المشكلات المعلقة بين البلدين , لذا فقد أرسل ‏الرئيس الإمريكي ميلارد فيلمور مبعوثاً خاصاً إلى السيد سعيد بن سلطان (الكومودور ‏أوليك) وصل زنجبار في اول ديسمبر 1851م وأجتمع مع التجار الإمريكيين قبل أن ‏يلتقى بالسيد سعيد , وعرف منهم إحترام السيد سعيد للجالية الإمريكية وحسن معاملته ‏لهم والإمتيازات التي يتمتعون بها , لذا فقد حرصت الولايات المتحدة على إختيار ‏قناصلها في مسقط وزنجبار بعناية خاصة بهدف تطوير العلاقات بين البلدين والتي ‏أخذت تتنامى منذ عام 1852م , لذا فقد أشاد القناصل في تقارير بروح المودة التي ‏يبديها السيد سعيد نحو الإمريكيين .‏ 

Monday, January 23, 2017

سلطنة عمان وتاريخها في زنجبار

زاهر بن حارث المحروقي

جريدة الشبيبة العمانية في 12 مايو 2009م

1

بعد سنوات قليلة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة أي في يناير عام 2014 ستمر الذكرى الخمسون لمأساة العمانيين في زنجبار والتي أنهت الحكم العماني هناك وأدت إلى مذبحة كبيرة راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء وتم الاستيلاء على ممتلكاتهم بالقوة ، بعد حكم عماني حقق العديد من الإنجازات والتي لا تزال قائمة تشهد على عراقة العمانيين الذين جعلوا من زنجبار منارة لأفريقيا كلها والتي كانت السباقة في كل نهضة وتطور على صعيد البنيان والتطوروالنماء أو على الصعيد السياسي أو الثقافي والنيابي والإعلامي أو التعليمي.


ومما يؤسف له أن تمر السنوات الخمسون هذه بكل برودة شاهدنا خلالها طمس الهوية العمانية هناك في كل شيء من جانب الأفارقة ومن جانب العمانيين أنفسهم الذين بدوا وكأن الموضوع لا يعنيهم من قريب أو بعيد مما أعطى أناسا آخرين ليس لهم علاقة بذلك المكان أو ذلك التاريخ الفرصة في أن يتصدوا لسرقة ذلك الإرث الحضاري ومحاولة نسبه إلى أنفسهم ، كما أن بعض القنوات الفضائية العربية التي اهتمت بذلك التاريخ حاولت من جانبها التقليل من الدور العماني هناك ، وكل ذلك لأن من يفترض أن يهتموا لم يهتموا إضافة إلى نقطة أخرى يتحملها العمانيون الذين عاشوا هناك وعاصروا النهضة العمانية وعاصروا الأحداث المؤسفة ، فهم يتحرجون من ذكرها وتناولها وكأنهم يتخوفون من التشكيك في عمانيتهم أو ظانين أن التحدث عن ذلك من المحرمات ، وهذا بدوره أدى إلى أن ينتقل الكثير ممن عاصروا الأحداث إلى الدار الآخرة وأخذوا معهم التاريخ في صدورهم مما أوجد إشكالا عند الجيل الجديد من أبناء الوطن الذين لا يعرفون شيئا عن تاريخ بلادهم الناصع وتاريخ أسرتهم الحاكمة.


ولكن هناك بعض النقاط المضيئة الآن والتي سبق لي وأن ذكرتها في مقال سابق في جريدة (الشبيبة) بعنوان (زنجبار أرض القرنفل والنار) حيث أشرت إلى أن هناك الآن من الشباب العماني من بدأ يهتم ويركز على ذلك التاريخ وأن هناك بعضا منهم بدأ يؤلف في هذا الجانب ، ولو أنها محاولات متأخرة إلا أنها مهما يكن فهي محاولات جيدة لأننا لا يمكن أن نعتمد فقط على ما كتبه الغربيون وبالذات البريطانيون الذين هم سبب المشكلة لأن تناولهم للأحداث يأخذ الجانب الاستعماري فقط مما أدى إلى تشويه سمعة العمانيين.


ومن النقاط المضيئة الآن صدور كتاب جديد عن دار الحكمة يباع الآن في مكتبات السلطنة بعنوان ( زنجبار- شخصيات وأحداث ) تأليف ناصر بن عبد الله الريامي.

2

يعتبر هذا الكتاب من الكتب المهمة جدا فهو الكتاب الأول الذي تناول الوجود العماني في شرق أفريقيا وبالذات القصة الحقيقية لما سمي بالانقلاب بمنظور عماني ، إذ اعتمد المؤلف على لقاءات الشخصيات التاريخية الفاعلة في تلك الفترة منهم السلطان جمشيد بن عبد الله بن خليفة بن حارب آل سعيد آخر السلاطين العمانيين في زنجبار ، وزار العديد من الباحثين والمهتمين بالشأن العماني في أفريقيا وكذلك زار الأرشيف الوطني الزنجباري وهو في الحقيقة الأرشيف الوطني العماني لما يحويه من وثائق عمانية من مراسيم سلطانية وقرارات إدارية ومراسلات رسمية والصحف والصور ، واعتمد المؤلف كذلك على المراجع العربية والأجنبية والمخطوطات وسافر إلى بلدان كثيرة وبحث ونقّب مما أعطى الكتاب قيمة علمية كبيرة حيث يعتبر عملا وطنيا صرفا يركز بالأضواء الكاشفة على ذلك التاريخ المجهول والمنسي من تاريخ عمان المجيد وهو التاريخ المرشح للزوال أو للتشويه من الكثيرين قد يكون على رأسهم الأقربون قبل الأبعدين لأنه تاريخ لم يتجاوز نطاق محفوظات الصدور كما أشار إلى ذلك المؤلف نفسه.


لقد جاء كتاب زنجبار شخصيات وأحداث دفاعا عن قضية الفاتحين العمانيين الذين رفعوا راية الإسلام والعروبة في شرق أفريقيا وصنعوا المجد العماني هناك بعد أن نصبوا فيها مشاعل الحضارة والمدنية الحديثة.


وقد استطاع المؤلف ناصر الريامي أن يفند الكثير من الأباطيل والترهات والافتراءات التي نسجتها أقلام الاستعمار البغيضة ضد الحكم العماني في شرق أفريقيا خاصة والعمانيين عامة ، واستطاع ببراعة أن يوثق جانبا مهما من التاريخ العماني الزنجباري في ظل افتقار مكتبات التاريخ إلى مادة تاريخية متخصصة في أحداث زنجبار وشخصياتها وهي شخصيات كانت تمثل صفوة المجتمع العماني آنذاك ولم يتم التركيز عليها أبدا ، فالصفوة كانت تمثل كافة الجوانب من فقهاء وعلماء وقضاة وشعراء وأدباء وكتاب وصحفيين ورحالة ومغامرين وتجار ، ولو أن المؤلف اكتفى بصور الشخصيات العمانية في زنجبار التي نشرها في آخر الكتاب لكان ذلك يكفي ولكن كيف به وقد تحدث عنها باستفاضة ؟

3

بقدر ما هو شيء مهم وعظيم توثيق التاريخ العماني في زنجبار إلا أن من يطلع على هذا الكتاب فإنه يصاب بحسرة وألم لما آلت إليه الأمور هناك خاصة بعد أن يطلع على المؤامرات التي حيكت ضد هذا الوجود وضد الأسرة الحاكمة التي لها الفضل الكبير في تطور ورقي الشرق الأفريقي كله خاصة العاصمة زنجبار التي ترقد على ثراها شخصية عبقرية نادرة في الوطن العربي هي السيد سعيد بن سلطان الذي أسس الحكم العماني الحديث هناك وبنى دولة عصرية كانت الأولى في القارة كلها وهو الذي بنى اقتصاد زنجبار بزراعته للقرنفل في تلك الجزيرة والذي أصبح مصدر الدخل الرئيسي الآن ، وقد كانت زنجبار أول دولة في شرق أفريقيا تدخلها الكهرباء وكذلك الهاتف وشبكة المياه التي تأسست منذ عام 1872 وفي تسيير خط للملاحة البحرية بين زنجبار وعدن التي كانت ميناء مهما جدا ، كما أن شبكة الاتصالات الهاتفية بين زنجبار وعدن بدأت عام 1879 ، كما تم إنشاء أول مطبعة ربما في القارة الأفريقية كلها هي المطبعة السلطانية التي طبعت أمهات الكتب العمانية وأصدرت الصحف العربية ، وكل ذلك قبل وصول البريطانيين إلى هناك والفضل في ذلك يعود إلى عهد السيد سعيد بن سلطان وإلى عبقريته وبعد نظره ورؤيته المستقبلية.


ومن الفصول المهمة في الكتاب الفصل الرابع الذي عنونه المؤلف بسقوط زنجبار استعرض فيه انقلاب يناير الأسود والدموي عام 1964 ، حيث ركز على أهم التفصيلات منذ البدايات الأولى وحتى لحظات الإعلان عن سقوط زنجبار باسناد خارجي معتمدا على المقابلات الشخصية وعلى الوثائق الخارجية منها وثيقة مهمة صادرة عن وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية والتي تشير إلى أنه كان هناك أكثر من مخطط لإسقاط الحكومة العمانية ، ويشرح بالتفصيل الكيفية التي مكنت الإنقلابيين من الإطاحة بالحكومة رغم قلة عتادهم ، ولقد تضمن الفصل أهم القرائن المؤيدة لفرضية التدخل الانجليزي لإنجاح الانقلاب ، وهي أصبحت الآن حقيقة مؤكدة.


وهناك معلومات مهمة جدا تناولها ناصر الريامي في كتابه وهي التدخل الإسرائيلي في شؤون القارة الأفريقية وهي السياسة المعلنة منذ بداية إنشاء إسرائيل والتي أشرت إليها في مقال سابق لي في (الشبيبة) تحت عنوان ( تفتيت السودان – مصلحة إسرائيلية ) ، حيث أشار ناصر إلى نجاح جولدا مائير وزيرة الخارجية الإسرائيلية آنذاك في استمالة المعارضة في زنجبار حيث زودتها بالكثير من المساعدات المالية والعينية لأن الحكومة العربية في زنجبار تعاطفت مع القضية الفلسطينية – وهذا طبيعي - وهو الأمر الذي دعا رئيس الوزراء الزنجباري إلى الإعلان صراحة عن معارضة حكومته لإسرائيل وذلك في الخطاب الذي ألقاه يوم الاستقلال العاشر من ديسمبر 1963 ، وأورد ناصر الريامي معلومات مهمة أخرى في هذا السياق عن الزيارة الخاطفة التي قام بها لزنجبار موشيه ديان – الذي أصبح وزيرا للحرب في إسرائيل – في الفترة السابقة لسقوط الحكومة الشرعية ، ثم الزيارة التي قام بها لزنجبار ديفيد كيمحي ( كيمكي ) وهو النائب الثاني لرئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الموساد والمسؤول عن الشؤون الإفريقية وذلك فور سقوط زنجبار ومغادرة السلطان جمشيد إلى منفاه ، حيث استقر كيمحي في مقر قائد الانقلاب وتقابل معه دون أن ينشر حتى الآن ما دار بينهما من حديث أو اتفاقيات ، لكن الوثائق التي تنشرها إسرائيل ستوضح يوما ما عما دار في ذلك الاجتماع وسيقول التاريخ حتما قوله في تلك المأساة.

4

لقد مرت خمسون عاما أو تكاد سريعة على الأحداث التي جرت في زنجبار في ذلك التاريخ الأسود ، ولكن المؤسف حقا هو أن ينمحي كل أثر عماني هناك وذلك بتقصير عماني واضح ، وبرغبة أخرى من آخرين لهم عقدة من التاريخ العماني حيث يحاولون سرقة تاريخ غيرهم أو تبني تزوير التاريخ بما يملكون من مال وإعلام.


ولا أستطيع أن أفهم كيف يمكن لآلاف الناس أن يقتلوا في مذبحة لم يتكلم عنها أحد أبدا ولم يدافع عنهم أحد ؟ كيف لأناس تعرضوا للاغتصاب ونهب ثرواتهم وأموالهم ولا يتكلم عن ذلك أحد ؟ كيف يمكن إلغاء تاريخ كامل وهوية كاملة من بلد ساهم في بنائه وتطويره عمانيون ؟


إن المسؤولية كبيرة على الجهات المعنية في الدولة لإعادة الاعتبار إلى ذلك الجزء من تاريخ الوطن بالحفاظ على ذلك التاريخ والإرث الحضاري كل في مجاله ، وقد قال لي من ذهب إلى الأرشيف الوطني الزنجباري إن كل الوثائق العمانية مهددة بالانقراض لسوء حال الأرشيف وهو لا يحتاج إلى الشيء الكثير لإصلاحه ، وهناك ولله الحمد محاولات جادة من رجل أعمال إماراتي - جزاه الله خيرا عنا وعن عمان - للحفاظ على الوثائق والمخطوطات العمانية في الارشيف و قد قطع شوطا كبيرا في ذلك حيث يصوّر نسخة منها ويأخذها لمكتبته.


لقد اطلعت على كتاب صدر في أبوظبي عن العمارة الإسلامية في زنجبار به صور عن قصور السلاطين العمانيين العظام واطلعت على المقبرة السلطانية وقبر السيد سعيد بن سلطان رحمه الله فأصابني غم فوق غم من ذلك الإهمال الذي لحقهم ، ولكن هل لي أن ألوم الزنجباريين وهم الذين انقلبوا على من كان لهم الفضل عليهم ؟


إن الحديث عن زنجبار يحتاج إلى مجلدات وليس إلى مقال واحد أو اثنين ويجب من الآن أن يستعد المهتمون بالوجود العماني في شرق أفريقيا لذكرى مرور 50 عاما على السقوط لأن الحق يجب أن لا يغيب ويجب أن تبقى الحقيقة ناصعة البياض ، ونتمنى من المسؤولين في وزارة الإعلام أن يهتموا بتوثيق التجربة العمانية هناك بأن يواصلوا تسجيل حلقات الوجود العماني في شرق أفريقيا التي قدّم منها الزميل محمد المرجبي حتى الآن جزءين فقط لأن في الجعبة الكثير ولأن الجيل الذي هاجر من عمان إلى أفريقيا ينقرض ، ولا يخفى ما حققه الجزءان من نجاح ومتابعة جماهيرية ، والخطوة التالية المطلوبة من الزميل محمد هي توثيق تلك التجربة في كتاب وقد أخبرني الزميل إبراهيم اليحمدي أنه تقدّم بطلب للمسؤولين في وزارة الإعلام اقترح فيه برنامجا توثيقيا عن المخطوطات العمانية في الأرشيف الوطني الزنجباري وهو صاحب تجربة في هذا المجال ، إلا أن الرد تأخر أكثر من سنتين ربما لظروف مالية ولكن ما هي قيمة المال ؟ وفي الواقع هناك بعض الشركات تستطيع أن تتبنى برامج كهذه التي ستبقى في مكتبة التليفزيون مدى الدهر وفي المقابل سوف تجذب فئة مثقفة مهمة لمتابعتها بدلا من الاعتماد فقط على برامج صناعة الخزفيات والجحال وكأن ذلك هو التاريخ العماني أو كأن الشهرة العمانية مستمدة فقط من تلك الصناعات التي لم يعد يستخدمها أحد الآن ، والكثيرون في العالم يربون نحل العسل ويصنعون المهفة واللهّابة والخزفيات والجحال ولكن ليس كل أحد لديه ذلك الإرث التاريخي والثقافي ، ومن المثير أن من يملك ذلك التاريخ والإرث يهمله ومن لا يملكه يحاول أن يتبناه أو يسرقه !

5

لقد بذل ناصر بن عبد الله الريامي على مدى سبع سنوات أو أكثر جهدا كبيرا في سبيل إخراج هذا الكتاب "الوثيقة" إلى النور ، وقراءته شبه واجب على كل عماني وعمانية حتى يكونوا على بينة في كثير مما خفي عليهم أو أشكل عليهم فهمه في أحداث زنجبار.

Waqf as a Model for Production and Conservation of Architectural

Waqf as a Model for Production and Conservation of Architectural
Heritage
By Khalfan Amour Khalfan
Global Journal of HUMAN-SOCIAL SCIENCE: D
History Archaeology & Anthropology
Volume 14 Issue 3 Version 1.0 Year 2014
https://drive.google.com/file/d/0B2Ecuc06Le8DZ0dxQlEzdEtzRUU/view?usp=sharing

تاريخ الإرهاب الدولي: مذبحة زنجبار

د.خالد النجار
أمة بوست
تاريخ الارهاب الدولي: مذبحة زنجبار 1
تقع (زنجبار) في شرق إفريقيا، وتتشكّل من عدد من الجزر في المحيط الهندي قُبالة سواحل دولة (تنزانيا)، وتبعد عن السواحل الأفريقية قرابة 35 كيلو مترًا، وأكبر جزرها جزيرتا: زنجبار، وبيمبا، أما البقية فهي جزر صغيرة تتوزع حول جزيرة بيمبا.
دخل الإسلام أرض زنجبار (أندلس أفريقيا) منذ القرن الأول الهجري، وكانت تُدعى «برّ الزنج» ثم صار اسمها زنجبار، وقد حكمها العرب العُمانيون، قبل أن يتم ضم الجزيرة قسرًا بمعاونة الاستعمار مع منطقة "تنجانيقا" عام 1964م، ليتم تشكيل ما تُسمَّى اليوم بدولة تنزانيا.
ففي عام 1698م عاد العمانيون وسيطروا على زنجبار مجددا، وذلك في عهد السلطان (سلطان بن سيف اليعربي) الذي قام بطرد البرتغاليين بعد احتلال دام 200 عام، وأعاد حكم العُمانيين العرب لها.
أحدث العمانيون نهضة شاملة في زنجبار حيث طوروا نظام التجارة والاقتصاد والمحاصيل، مع تحسين المزارع لزراعة التوابل والقرنفل والثوم، حتى أعطي لها لقب «جزر التوابل»، لينافس «جزر الملوك» المستعمرة الهولندية بإندونيسيا.
وكان لزنجبار تجارة أخرى وهي العاج الذي يؤخذ من أنياب الفيلة التي تقتل في بر أفريقيا، أما المصدر الثالث للتجارة فهو تجارة الرقيق، حيث كان الآلاف من سكان المناطق المجاورة يؤسرون ويباعون كعبيدٍ على أرض الجزيرة، كما أدى ذلك إلى استقبال زنجبار كغيرها من الموانئ الأفريقية لأعداد كبيرة من تجار العبيد القادمين من أوروبا وأمريكا تحديداً.
واستمر تواجد العمانيون إلى أن جاء أهم حاكم لزنجبار (سعيد بن سلطان البوسعيدي) الذي أصدر عام 1818م أمرا بنقل مقر إقامته من عُمان إلى زنجبار! وأصبحت سلطنة (عُمان وزنجبار) تدار من زنجبار، حيث تم بناء عدد من القصور والمنشآت المهمة لهذا الغرض مما أحدث طفرة في تطور هذه الجزيرة من الناحية العمرانية والاقتصادية.
وفي عهد السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي حصل اتفاق على وجود بريطاني في الجزيرة، وفي عام 1856 توفى السلطان (سعيد) وهو على ظهر الباخرة البريطانية (فكتوريا) عندما كان في جولة بحرية، حيث نقل جثمانه ودفن في زنجبار.
استلم الحكم بعده ابنه الأكبر (ماجد) وكان يمتاز بشخصية هادئة مسالمة ومتسامحة، وخلال فترة حكمه وبإقناع من بريطانيا، انفصلت زنجبار وبشكل غير تام عن حكم سلطان عُمان. وهذا بالضبط ما خططت له بريطانيا على نار هادئة، وعمقت الخلاف بينه وبين أخوه (برغش) الذي سعى للإطاحة بحكم أخيه، وقد كان برغش بن سعيد متهورا شديدا في رأيه، ودائم الانتقاد لسياسة أخيه ماجد، واستمر الخلاف بينها إلى أن توفى السلطان ماجد سنة 1870م حيث تولى الحكم بعده أخوه برغش، وخلال حكمه ازداد تدخل بريطانيا في شؤون الجزيرة.
وفي سنة (1890) توفى السلطان برغش وخلفه أخوهم (علي)، وهنا كشرت بريطانيا عن أنيابها! وأعلنت الوصاية [أي الاحتلال] لزنجبار، والذي استمر لمده تزيد عن سبعين عاما استنزفت خلالها خيرات هذا البلد الغني.
وعندما أرادت بريطانيا الانسحاب، قامت كعادتها بترتيب خطة تستطيع بها البقاء الفعلي بعد خروجها ظاهريًّا، فكانت المؤامرة التي دبّرتها للإطاحة الكاملة بالحكم العربي الإسلامي عام 1964م، من خلال سياسة «فرِّقْ.. تَسُدْ»، فعمدت إلى تكوين حزبيْن سياسييْن يفرِّقان بين المسلمين من أصل عربي والمسلمين من أصل أفريقي؛ تمهيدًا لحرب أهلية تطيح بالعرب المسلمين وحكمهم.
استقلت زنجبار كسلطة ذات سيادة في (ديسمبر 1963)، وكان حاكمها في تلك الفترة (جمشيد بن عبد الله)، وأجريت انتخابات حرة فاز بها (حزب زنجبار الوطني) بقيادة (علي محسن) وأغلب أعضاءه من عامة الشعب ذوي الأصول العربية والشرقية، وخسر في هذه الانتخابات (الحزب الأفروشيرازي) والذي كان يمثل الأصول الأفريقية والشيرازيين بزعامة (عبيد كرومي)، ولكن بتحريض من بريطانيا ومؤامراتها ساعدت الأخير وحزبه على القيام بثورة دموية ضد السلطات الدستورية، وبالفعل حصلت المذبحة؛ حيث سادت الفوضى، وقام بعض المأجورين من الأفارقة بقيادة الأوغندي المسيحي (جون أوكيلو) بهجوم شامل على عرب زنجبار، وانتهى الأمر باستشهاد أكثر من عشرين ألف عربي مسلم. ولم يبق من الخمسين ألف عربي بالجزيرة (سدس السكان) سوى 12 ألفا من فرط التهجير القسري والترويع.
تم الاستيلاء على زنجبار، وألغيت نتيجة الانتخابات، وفر آخر سلطان عربي (جمشيد) إلى خارج البلاد، وذلك في شهر (يناير1964) أي بعد أقل من شهر من استقلال زنجبار عن بريطانيا.
وتسلم (عبيد كرومي) -وهو للأسف مسلم- الحكم في البلاد، وفي نفس التوقيت تم الإعلان عن اتحاد فيدرالي بين أرخبيل زنجبار وتنجانيقا لتتشكل منهما ما يعرف الآن (تنزانيا) وعاصمتها دار السلام.
كانت مذبحة المسلمين من أصول عربية مذبحة بشعة بكل المقاييس حيث تم أخذهم بالآلاف إلى مقابر جماعية مجهزة خصيصاً لهم، وقال الكاتب (يوسي ميلمان) في مقال نشره بجريدة هآرتس بتاريخ 7 أغسطس 2009 أنّ الانقلاب العسكري ضد حكم المسلمين -والذين كانوا يمثلون الأغلبية بنسبة 70%- كان بمشاركة المخابرات الصهيونية، وذكر أسماء ضباط المخابرات الذين شاركوا في هذا الانقلاب.
بعد الانقلاب قام القس النصراني (جوليوس نيريري) بتولي الحكم في تنزانيا بدعم من الغرب، ودعم هذا القس الماركسية، وألغي الكثير من الشعائر الدينية الإسلامية الخاصة بالغالبية العظمي في زنجبار، حتى أنّه أصدر قرار يُجبر المسلمات على قبول الزواج من النصارى، ويعتبر رفض ذلك جريمة ولها عقوبة جنائية، وفي خلال عملية الانقلاب دخل مرتزقة أوغنديين كانوا يتبعون لجوليوس نيريري وقاموا بمذبحة بدأت بقتل خمسة آلاف مسلم وأحرقوا جثثهم.

ولعل من الصعب تخيُّل ما حدث للعرب المسلمين على يد مسلمين مثلهم، بعد أن عاشوا سويًّا قرابة مائة عام، يربط بينهم عامل واحد هو «الدين» الذي يرفعونه فوق كل اعتبار، لكن بالنظر إلى الأسباب التي رسمت هذه الواقعة، فإننا نجدها تعود إلى أسباب خارجية متمثلة في:
- سياسة التنصير التي عملت على إثارة النعرة العنصرية بين المسلمين خاصة، بعد أن أشاع الاستعمار بين الأفارقة أن العرب كانوا من تجار الرقيق، في تجاهل للاتفاقية التي وقعها السلطان (سعيد بن سلطان) مع بريطانيا لإلغاء هذه التجارة التي كان يقوم عليها الغزو الغربي.
- مطامع دول الجوار، وخاصة كينيا وتنزانيا في ضم زنجبار إليها واستقطاعها من حكم الدولة العُمانية، بجانب رغبة الدول الغربية في تقويض الإسلام في زنجبار وخاصة نظام الحكم؛ لأنها كانت بوابة إفريقيا الشرقية، ومنها دخل الإسلام إلى معظم الدول الإفريقية الشرقية والوسطى.

تاريخ الارهاب الدولي: مذبحة زنجبار 2

28 فبراير 2016

الغريب والعجيب أن أول من اعترف بهذه الحكومة النصرانية القاتلة والسفاحة كانت الدول العربية المسلمة وعلى رأسهم مصر والأردن، ففي الوقت الذي كانت بعض الدول الأوروبية والأسيوية ودول قارة أمريكا الجنوبية ترفض شرعية هذه الحكومة القاتلة، بادر الرئيس المصري جمال عبد الناصر بتقديم التهنئة لعبيد كرومي المجرم القاتل على تسلمه السلطة في زنجبار.
ويبدو من السرد التاريخي أن عبد الناصر كان ضليعا في محاربة التيار الإسلامي إقليميا وعالميا، نعم هذا هو عبد الناصر!!
هذا هو عبد الناصر الذي وقف مع الهند الهندوسية الوثنية ضد باكستان المسلمة.
هذا هو عبد الناصر الذي وقف مع الهند الوثنية لفصل بنجلادش عن باكستان.
هذا هو عبد الناصر الذي وقف مع هيلاسيلاسي إمبراطور الحبشة ضد المسلمين في الحبشة.
هذا هو عبد الناصر الذي ساند أخيه الشيوعي تيتو ضد المسلمين في يوغسلافيا، وسلمه المجاهدين اليوغسلافيين الذين جاهدوا في فلسطين ليعدمهم في يوغسلافيا.
هذا هو عبد الناصر الذي هنأ الوفد النيجيري المسلم الذي جاء ليشكوا إليه قتل زعيمهم المسلم الحاج أحمد أوبللو -رئيس الوزراء- الذي أسلم على يدية 1118000 وثني.
هذا هو عبد الناصر الذي وقف بجانب جوليوس نيريري في تنزانيا ضد المسلمين في زنجبار وتنجانيقا.
هذا هو عبد الناصر الذي وقف مع الأسقف مكاريوس في قبرص ضد المسلمين الأتراك فيها، وكانت الصاعقة المصرية تقوم بنسف المساجد في قبرص.
هذا هو عبد الناصر الذي وقف مع خريشوف الزعيم السوفياتي الشيوعي ضد مصالح المسلمين هناك.
قال الدبلوماسي الأميركي (دونالد بيترسون): “لو كنا نتكلم في 1964 بلغة اليوم لوصفنا محنة العرب في الجزيرة في تلك السنة بـالجنوسايد [أي الإبادة الجماعية] لا مواربة”.
وربما تَفَرد تطهير العرب العرقي في زنجبار في أنه مما صورت بعض مشاهده حية بواسطة التليفزيون الإيطالي في الفيلم الوثائقي «وداعا أفريقيا» عام 1966م، وعَرَض الفيلم مقتلة زنجبار ضمن فظاعات أفريقية وقعت بعد استقلال بلدان القارة السمراء.
ويرى المشاهد على الطبيعة كيف يُساق العرب قتلا على الهوية، والمقابر الجماعية التي ضمت رفاتهم، وقد احتج سفراء في أفريقيا في إيطاليا على الفيلم الذي صدمهم عنفه، حيث كان استقلال القارة ما زال بكرا.
ضافرت حوادث في التاريخ المحلي الزنجباري والقاري الأفريقي والعالم على إسدال ستار النسيان على مقتلة العرب في الجزيرة، وأوجزها في ما يلي:
1- كان التغاضي عن ذلك الجنوسايد هو أفضل حيل الحركة القومية الأفريقية الجامعة، وفي نسختها الزنوجية المتطرفة بالذات، التي تعتقد بأن «أفريقيا للأفريقيين».
والمفهوم من الأفريقيين أنهم السود الأصل، وما عداهم ممن جاؤوها من أصقاع مختلفة من العالم محض غزاة، فالعرب في رأي مثل هذه القومية غزاة، والتخلص من وجودهم الثقيل كسب قومي لا مذمة.
فليس منظورا من هذا الحركة المتطرفة بالطبع تَذَكر هذا الجنوسايد، وهي التي ابتهجت بعودة زنجبار إلى القارة في اتحاد مع تنجانيقا في دولة تنزانيا بعد أشهر قليلة من الثورة والجنوسايد، وعليه دأب كتاب أفريقيون على تكذيب أرقام ضحايا الكارثة ونسبتها للخيال العربي الشاطح.
2- الفكر الماركسي الزنجباري الذي مثله (عبد الرحمن بابو) زعيم حزب الأمة، وعضو مجلس قيادة ثورة 1964 والفكر الأكاديمي التنزاني في الستينات والسبعينات الذي غلب فيه التحليل على الطبقة، ولم يعتبر العرق الاعتبار الذي صار له مؤخرا في الدراسات السياسية.
فمن رأي (بابو) أن من قام بالثورة -وما ترتب عليها- هم البروليتاريا الرثة التي سرعان ما جرى استبعادها من دفة الأحداث لتتولى قيادتها قوى ثورية اجتماعية مسؤولة. وظل بابو ومن لف لفه يتفادون النظر في الضغائن العرقية التي تجلت غير خافية في مذبحة العرب، وعليه فتفسير بابو الطبقي كان صرفا للمسألة لا تحليلا لها.
3- الفكرة القومية العربية في نسختها الناصرية التي غلبت تحالفاتها للتحرر الوطني الأفريقي على استنقاذ شعب عربي.
فسقوط دولة سلطان عربي، من وجهة نظر تلك الفكرة القومية، مؤشر على صحة مطلبها في التخلص من سلاطين عرب رجعيين آخرين في مركز العرب، وكانت تلك مفارقة مأساوية أن يهلك شعب عربي على ذلك النحو، والدعوة إلى قومية هذا الشعب في أوجها.
يقول محمد فايق (مسئول الشئون الأفريقية في عهد عبدالناصر) أن موقف مصر كان داعماً لثورات التحرر الوطني في أفريقيا.
ويقول في كتابه «عبد الناصر والثورة الأفريقية» أن عبد الناصر وجد أن اعتراف مصر السريع بالثورة يضع حداً للمجازر ضد العرب في زنجبار التي قد تمتد إلى الساحل الأفريقي!! وأن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عرض على جمشيد أن يقوى سلطانه بالسلاح والرجال لكنه رفض، واكتفي فقط بطلب أم كلثوم وغيرها من المطربات المصريات!!.
عموما كانت النتيجة اعتراف عبد الناصر بالنظام الجديد، واعترف باتحاد زنجبار مع تنجانيقا في القاهرة في القمة الإفريقية في 1964م، ورحب بنيريري رئيس تنزانيا في القاهرة، وقام بإغلاق بيت الزنجباريين في منشية البكرى بالقرب من منزله.
4- وقع الجنوسايد في إطار الحرب الباردة التي كان أكبر همها كسب صفوة الحكم والسياسة الأفريقيين لسياسات القوتين العظميين، الاتحاد السوفياتي والغرب، فقد استبشر المعسكر الاشتراكي بثورة زنجبار الموصوفة بـ”كوبا أفريقيا”، واشتغل الغرب بالتخلص منها بضمها لتنجانيقا.
هناك بالطبع ما يقال عن سياسات لعرب أفريقيا تنكبت سبل الإخاء الوطني، ولكن سهم النقد -طالما كنا بحضرة ذكرى جنوسايد زنجبار- يطال السردية القومية الأفريقية الجامعة، فسيبوء بناء الدولة الوطنية في أفريقيا بالفشل طالما أنكرت تلك السردية: مواطنة العرب في أفريقيا، وعدتهم مستوطنين ثقلاء.

3تاريخ الارهاب الدولي: مذبحة زنجبار

1/3/2016
جنوسايد زنجبار، الذي دق إسفينا في دولتها ما يزال طريا، فرضته السردية القومية الأفريقية فرضا على الزنجباريين، ولم يكن في برنامج الحزبين الوطنيين المعارضين في زنجبار بقيادة عبيد كرومي (الأفروشيرازي) أو عبد الرحمن بابو (الأمة) خطة لمحو الوجود العربي، وكان صراعهم مع حزب زنجبار الوطني الحاكم والموالي للسلطان بقيادة (علي محسن) حول نتيجة انتخابات حرة تباينت نتيجتها بين فوز الوطني بالمقاعد الأكثر في البرلمان، بينما نالت المعارضة أكثرية أصوات الناخبين في الجملة. وهذا بعض المعلوم بالضرورة في الانتخابات.
وهكذا لم تكن زنجبار وقتها مهيأة لأكثر من خصام انتخابي فظ وطويل واحتكاكات عرقية مقدور عليها، ولا أدل على أن ثورة 1964 والمقتلة التي بعدها هي إفراز للقومية الأفريقية الجامعة، لا الدولة الوطنية الأفريقية الزنجبارية، أن كرومي وعبد الرحمن كانا يغطان في نوم عميق حين انفجرت الثورة، فأيقظ الثوار كرومي فجرا وحملوه إلى دار السلام -عاصمة تنجانيقا- بحجة حمايته، أما بابو فقد كان لائذا بدار السلام أصلا، فأيقظه السفير الكوبي هناك لينقل له خبر اندلاع ثورة في وطنه.
بثورة 1964 غَلَبت القومية الأفريقية الجامعة على الوطنية الأفريقية الزنجبارية، ولا أعلم من نوه بسخرية القدر الباهظة في ذلك الوضع مثل البروفسير (علي المزروعي) فقد وضع أصبعه على ما انطوت عليه ثورة زنجبار من تناقض بين الدولة الوطنية والأفريقية الجامعة، فقائد الثورة (جون أوكيلو) أفريقي، ولكنه ليس زنجباريا، وقد جاء الجزيرة في 1959 ضمن أفارقة الداخل ممن ظل يجتذبهم سوق العمل في زنجبار.
وهكذا أسقط هذا «الأجنبي» في مفهوم الدولة الوطنية سلطانا من الجيل الرابع في الجزيرة له الولاية على شعب مسلم بصورة كاملة، وعمقت الهوية الإسلامية من غربة قائد هذه الثورة عن الوطن الزنجباري بصورة دراماتيكية، فهو مسيحي تحول عن ديانة أفريقية خالصة فعمَّدته طائفة الكويكرز في أوغندا.
وزاد بأن أصطحب عقيدته المسيحية في ثورته ضد العرب المسلمين، فقد سماه الكويكرز “قيدون” وهو المخلص في دينهم، وتقمص أوكيلو دور المخلص لأفريقيي الجزيرة من ظلم العرب.
حكى عن سفره بالباخرة من الساحل الكيني إلى زنجبار وتعرضه لعاصفة كادت تغرقهم، وقال كاتب لمَّاح إنه إنما تمثل في ذلك بسانت بول الذي كادت سفينته تغرق عند جزيرة مالطا.
ولم تستسلم الوطنية الزنجبارية لـغزوة أوكيلو الثورية، وكان أول هم لكرومي بعد تعيينه رئيسا لمجلس قيادة الثورة بواسطة أوكيلو أن تتخلص منه كغريب زنيم، ونجح في مسعاه خلال خمسين يوما.
واختبط قائد الثورة الأجنبي (بالمعني الوطني) الآفاق الأفريقية التي جاء منها أول مرة. علاوة على استمرار هذه الوطنية الزنجبارية في التململ من الاتحاد التنزاني المفروض عليها باسم القومية الأفريقية الجامعة وبغير شورى منها. ولهذه الوطنية حزب ما فتئ يدعو لتفكيك الاتحاد.
والحق أن أوكيلو قائد ثورة 1964 جاء إلى قتل العرب بلا وازع من باب مزارات الرق العربي وشحن الضغن الأفريقي بواسطتها على العرب، فكان زار قلعة المسيح بمومباسا بكينيا، وقال إن حيطانها التي انحفر فيها تاريخ الرق لتُخجِل كل عربي.
وعرض هنري قيتس -الأستاذ بجامعة هارفارد- هذه المزارات كلها قبل سنوات في وثائقيته عن أفريقيا، فعاب عليه زميله جوناثان قلاسمان -الأستاذ بجامعة نورثوسترن الأميركية- تغفيل سدنة هذه النصب له، فيروى عنهم أساطير أدلاء السياحة وكأنها حقائق.
وكشف الأستاذان إبراهيم شريف ومحمد المحروقي في ورقة علمية أخيرا التزوير الذي دخل في صناعة تلك النصب. فقالا –مثلا- إن صناعة السياحة في الرق العربي تأخذ الزائر إلى كنيسة ست مونيكا ليرى قبوا به أغلال صدئة هي بقايا مزعومة للنخاسة العربية.
وإذا علمنا أن الكنيسة مما بني في 1905 بعد سنوات طويلة من إلغاء الرق في زنجبار، وقفنا على الخيال الكاذب الذي وراء تلك الصناعة.
ومما يزعج حاليا أن اليونسكو أشهرت مدينة الحجر في زنجبار، وفيها معظم هذه النصب، أثرا عالميا في 2000، وازدهرت تبعا لذلك سياحة التبغيض في العرب. ولاحظ من قرأ الأدب السياحي التنزاني عن الرق خلوه من أي ذكر لثورة 1964 لتفادي ما تثيره من تاريخ للجنوسايد قد يغطي على تاريخ الرق، أو ربما كشف كيل متطرفي القومية الأفريقية الجامعة بمكيالين: الحرص على تسوئة العرب، والتستر على سيئتهم هم.
ربما نظرنا في نهجنا التذكير بمحنة زنجبار، واستدركنا التغاضي الطويل عنها، بإلحاح منهجي، إلى همة اليهود الذي جعلوا من الهولوكوست واقعة لا مهرب منها. فألفوا فيها بإسراف حتى أحصوا ستة آلاف كتاب عنها سنويا، وخرج منهم مثل إفريم زوروف (65 سنة) الموصوف بـ”عميد صائدي النازيين” الذي أعد قائمة بالمطلوبين من النازية لجرائمهم بحق اليهود.
واشتهر عنه قوله: “إن جرائم الهولوكوست لا تسقط بالتقادم”، وحين رأى بلوغ النازيين أرذل العمر بموت الله قال إنه يتمنى منه أن يطيل من أعمارهم حتى يلقوا جزاءهم المستحق.
وبلغ الضرب على وتر الهولوكوست مرات مبلغا جعلها صناعة رابحة، كما قال بذلك الأستاذ اليهودي نورمان فنكلستين في كتابه «صناعة الهولوكوست».
فقد نشرت النيويورك تايمز خبرا عن كتاب اسمه «سفر الهولوكوست» وصفه نقاده بـ”الألعباني” في التذكير بالهولوكوست، فصفحاته 1250 وطوله ستة أقدام ونصف ومحيطه 46 قدما، وصاحب فكرته (لا تأليفه) هو فيل جيرموسكي، معلم رياضيات، هاجر من أميركا لإسرائيل.
ولا يحوي الكتاب سوى كلمة “يهود” ببنط صغير مكررة ستة ملايين مرة بعدد ضحايا الهولوكوست، ولا سقف لثمنه بالطبع طالما صدر الكتاب من أجل قضية، فقد اشترى أحدهم مائة نسخة ليوزعها على أعضاء بالكونغرس الأميركي وقادة اليهود بجنوب أفريقيا وأستراليا. وركز إبراهام فوكسمان -متولي منظمة مناهضة شتم اليهود- على الحصول على نسخة للبيت الأبيض.
جدير بالذكر أنه بعد أن سادت الهوية الإسلامية في زنجبار بدأت الحركات التنصيرية تتغلغل فيها حتى أن عدد الكنائس بلغ كنيسة لكل مائة نصراني. بل وانتشرت الكتب النصرانية والإنجيل مترجمة باللغات المحلية انتشاراً واسعاً بحيث تصل إلى أيادي المسلمين الذين يفتقرون إلى العلم الديني وفهم القرآن بعد أن سادت اللغة السواحلية مقابل محو اللغة العربية.
ورغم أن الأغلبية المسلمة فإن زنجبار تقع تحت حكم مسيحي شامل، يعاني المسلمون في ظلماته القمع والاضطهاد. ومحرومون من الوصول إلى مراكز صنع القرار، فنسبة المسلمين في مراكز صنع القرار لا تتعدى 5 %. بل إن التحيز للنصارى واضح جداً، فالوظائف الحكومية استحالت غالبيتها إليهم، وحرم الشباب المسلم من فرص التعليم والمنح الدراسية والحياة الأكاديمية التي يتمتع بها النصارى بلا حدود. ومن المحزن أنه تم في عام 2001م تعيين وزير نصراني لرئاسة الوزارة الخاصة بالشؤون الدستورية وهى المخولة بإدارة الإفتاء والأوقاف والمحاكم الإسلامية في زنجبار .
وقد شهدت زنجبار عمليات عسكرية لقمع مظاهرات سياسية قام بها المسلمون احتجاجاً على تزوير الانتخابات العامة التي أُجريت عام 2000م، وانتهت هذه المظاهرات بحصار الجزيرة، واقتحام المساجد، والاعتداء بالضرب على السكان، وفي الوقت الذي كان الجيش يحصد فيه أرواح المدنيين، كانت الشرطة تُكْمِل المهمة بتكسير عظام ومفاصل الجرحى، وتكويمهم بعضهم فوق بعض في سيارات مكشوفة.

من المصادر

  • خمسون عاما على محنة عرب زنجبار .. عبد الله علي إبراهيم (موقع الجزيرة)
  • مسلمو زنجبار ينتظرون دعمًا عربيًّا وإسلاميًّا لتثبيت هوّيتهم (شبكة الألوكة)
  • الطاغية جمال عبد الناصر اخزاه الله (منتدى الطريق إلى الله)

زنجبار.. وجع في قلب العالم الإسلامي

Tuesday, January 17, 2017

صراع الحضارات على جزيرة زنجبار


صراع الحضارات على جزيرة زنجبار وأثره على الدعوة الإسلامية
الأستاذ عبدالحق ميحي تهامي

https://drive.google.com/file/d/0B2Ecuc06Le8DS1dFVncxOTFpWkk/view?usp=sharing

Saturday, January 14, 2017

دور السلاطين والعلماء العمانيين في تنشيط الحركات العلمية في دول شرق أفريقيا والقرن الأفريقي

جريدة الوطن، ملحق اشرعة، 15 يناير 2017
د. أبو ياسر مبورالي كامي محاضر ورئيس كلية الآداب فرع الساحل جامعة موئي ألدوريت كينيا
يرى كثير من المؤرخين أن العلاقات العمانية الأفريقية، عرفت كوجود بشري عماني مقيم في شرق أفريقيا تعود إلى هجرة آل جلندى (سليمان وسعيد أبناء عباد الجلندى) إلى أفريقيا في الفترة من (65هـ 684م)، إلا أن العلاقة التجارية البحرية بين عمان وشرق أفريقيا، سبقت تلك الفترة الزمنية بفترة طويلة، ولا نبالغ إن قلنا إنها تعود إلى فترة مبكرة لهذا التاريخ.
وقد حظيت التجارة بالاهتمام الأكبر للسلطنة البوسعيدية بشرق أفريقيا، لأن البوسعيديين اعتمدوا على التجارة الاعتماد الكبير في بناء السلطنة اقتصادية وسياسيا، وسيطروا في سبيل ذلك على مياه المحيط الهندي وساحل إفريقيا الشرقي وداخل القارة الإفريقية حتى حوض نهر الكنغو.
وبعد أن حول السلطان سعيد عاصمته من مسقط إلى جزيرة زنجبار، فمنها امتد سلطنته على طول الساحل وعلى الجزر المتناثرة أمامه، كما امتد داخل البر الإفريقي، ومنها انتشر تجاره ووكلاؤه التجاريون في شبكة من النشاط التجاري الذي يغطي كل الساحل الإفريقي.
وأصبحت زنجبار مركزا تجارية وثقافيا انطلقت منه قوافل التجار المسلمين، تتاجر وتبشر بالإسلام في وقت واحد وسط قبائل الداخل.
وكانت التجارة العربية كثيفة إلى حد أن شاعت المقولة: إنهم حينما يعزفون على المزمار في زنجبار يرقص الناس على سواحل البحيرات الكبرى، وتمكن السلطان سعيد من تكوين دولة ذات قوة اقتصادية في شرق إفريقية، قاعدتها جزيرة زنجبار، فهي ذات موقع متوسط بين موانئ شرق إفريقيا، وكان المسلمون هم القوة المسيطرة.
إن منطقة شرق أفريقيا شهدت تغيرا ملحوظا منذ بداية القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع الميلادي، وذلك بسبب التوسع الاقتصادي الذي طرأ بسبب الحاجة غير المسبوقة إلى سلع شرق أفريقيا وطلب السيد سعيد من التجار العرب والمغامرين ارتياد الداخل أي البر الإفريقي، وتطوير تجارة القوافل في محاولة لربط الداخل بالساحل.
وعمل السيد سعيد على توفير كافة الضمانات لنجاح التجارة الداخلية، وعلى الأخص تجارة القوافل العربية التي تمر بداخل القارة الإفريقية، وسلكت هذه القوافل كافة الطرق التجارية الممتدة داخل القارة، وانتعشت الطرق القديمة.
وفي أواخر عهد السيد سعيد عام 1269هـ 1852م تم فتح طريق تجاري جديد يربط الساحل الشرقي لإفريقية بساحلها الغربي عبر بحيرة تنجاميقا.
لقد أدى التوسع التجاري إلى نشأة ثلاثة طرق رئيسية لتجارة القوافل العربية المتجهة من ساحل شرق إفريقيا نحو الداخل، وهي ذات أهمية خاصة فيما يتعلق بنسر الإسلام في المنطقة وهي كالتالي:
- الطريق الشمالي الممتد من ممباسا وماليدني إلى هضبة البحيرات الإفريقية، وكان ارتياد هذا الطريق محفوفا بالمخاطر بسبب تعرض القوافل التي ترتاده لهجمات قبائل الماساي المحاربة.
- أما الطريق الثاني الذي سلكه الإسلام إلى الداخل وسلكه العناصر الإفريقية إلى الساحل فهو الطريق الأوسط ويبدأ من الموانئ المواجهة لزنجبار مثل تانغة وبنغاني وبغمويو ويتجه وسط تنجانيقا مثل أروشا وموشي وتابورا، وقد زاد حجم التجارة على طول هذا الطريق ابتداء من أوائل القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي بسبب ارتفاع أسعار العاج العالمية.
- أما الطريق الثالث الذي اتبعه تجار العرب فهو الطريق الجنوبي من كلوة، عبر جنوب تنجانيقا وشمال موزمبيق، إلى بحيرة نياسا. ولم يكن العرب يسيطرون عليه إلى حد كبير؛ لأن الجزء منه كان يقع تحت الإدارة البرتغالية، وتمكن العرب من التحالف مع قبائل الياو التي كانت تجلب العاج والمنتجات الإفريقية الأخرى وتبيعها لتجارة القوافل العربية.

المطبعة السلطانية والحركات العلمية والتأليفية
يعتبر إنشاء المطبعة السلطانية في زنجبار من الأمور التي ساعدت على تطور ونهوض الحركة العلمية والثقافية ليس في زنجبار وحده. وإنما تعداها إلى شرق أفريقيا كلها وإلى عمان البلد الأم . لتلك الحركة العلمية الثقافية . كان ذلك بفضل برغش بن سعيد (عام 1870م -1888م).
وقد قامت تلك المطبعة بطبع الكتب العمانية وخاصة أمهات المؤلفات الدينية. وكان ذلك في سنة 1297هـ، وقد عبر المغيري مشيدا بجهود السلطان برغش بن سعيد قائلاً :وقد أنشأ في زنجبار مطبعة عربية لطبع الكتب الدينية والأدبية وسائر العلوم، ولو لم تطبع هذه المطبعة شيئا إلا كتاب هيمان الزاد وقاموس الشريعة وحاشية الترتيب ومختصر الخصال. ومختصر البسيوي وإزالة الاعتراض، ومنظومة الكمال لكفى فكيف وقد طبعت عددا كبير من الكتب، وقد بقيت المطبعة إلى زمن المغيري أي في عهد السلطان خليفة بن حارب 1911م، بالإضافة إلى هذه الكتب الجليلة التي تم طبعها وإخراجها إلى عالم النور فإن تلك المطبعة مهدت الطريق لتطور جديد كانت له آثار بعيدة المدى في مجال التوعية ونشر الثقافة العربية الإسلامية. وقد شهدت سلطنة زنجبار في العهد البوسعيدي ظهور الصحافة لآول مرة في تاريخها بل في تاريخ شرق أفريقيا بأسره.
وفي ذات تلك الحقبة عرف العمانيون في مهجرهم الإفريقي في جزيرة زنجبار تحديداً أول مطبعة حكومية عمانية، وهي المطبعة السلطانية التي تعد من أقدم المطابع العربية في شرق إفريقيا، والتي أنشأها السلطان برغش بن سعيد بن سلطان (1287- 1305هـ/ 1870- 1887م) بزنجبار سنة 1299هـ/ 1882م.
وإذا عدنا إلى الوجود العماني في شرق إفريقيا فما من شك بأنه ضارب في أعماق التاريخ. وبالنظر إلى المكونات الثقافية والرصيد الحضاري الذي تمتع به العمانيون بزنجبار خلال الحقبة التي سبقت إنشاء المطبعة السلطانية فإن جملة من علماء عمان قد هاجروا إلى الجزيرة تزامناً مع الهجرة التي نشطت بتشجيع من السيد سعيد بن سلطان (1804-1856م) وحملوا معهم الكثير من الكتب العمانية المخطوطة، وأسسوا لنهضة ثقافية معرفية تباينت عن الحالة العمانية نتيجة اختلاف البيئة واحتكاكهم بالأعراق والأجناس المختلفة التي احتضنتها جزيرة زنجبار. ومن أظهر النماذج هجرة الشيخ العلامة ناصر بن أبي نبهان الخروصي بصحبة السيد سعيد بن سلطان الذي قربه وأدناه إلى بلاطه، فانعكس ذلك إيجاباً على شخصية الشيخ ناصر ومكنه من تحقيق اتساع في منجزه المعرفي ليشتمل على الفلسفة وعلم النبات وأدبيات أخرى تتعدى علوم الشريعة الإسلامية.
ميلاد المطبعة السلطانية
نبعت فكرة إنشاء المطبعة السلطانية لدى السلطان برغش في رحلته السياحية في بعض البلدان العربية كمصر وبلاد الشام ثم بلدان أوروبا سنة 1294هـ/ 1877م، والتي وثقها زاهر بن سعيد النخلي الكاتب الأول في دار السلطان في كتاب (تنزيه الأبصار والأفكار في رحلة سلطان زنجبار) بإشراف: القس لويس صابنجي.
ونتيجة لما شاهده السلطان في تلك البلدان من دور تقوم به المطابع فقد قرر إدخال الطباعة لأول مرة إلى زنجبار، وهو ما تم بالفعل سنة 1299هـ/ 1882م وذلك باستيراده مطبعةً مُجَهَّزَةً بكل اللوازم من مطبعة الآباء اليسوعيين في بيروت. على أنه ثمة اختلاف في المصادر حول مصدر هذه المطبعة بين كونها جلبت من الهند أو أن السلطان جلبها من بريطانيا، ويذهب مصدر آخر إلى أنها جلبت من سوريا عقب زيارة السلطان لها عام 1872م.
وقد استقدم السلطان للمطبعة عُمَّالا لبنانيين للإدارة والتشغيل وتدريب الموظفين على استعمالها. وأشرف بنفسه على أعمال الطباعة، وكلَّف عدداً من العلماء العمانيين المعتنين بالتراث بالإشراف على الطباعة، ومراجعة الكتب وتصحيحها، منهم الشَّيْخ يَحْيَى بن خَلْفَان بن أبِي نَبْهَان الْخَرُوصِيّ (ت1322هـ/ 1904م) والشيخ سَيْف بنِ نَاصِر بن سُلَيْمَان الْخَرُوصِيّ (ت1341هـ/ 1923م) والشيخ أبو مسلم ناصر بن سالم البهلاني الرواحي (ت1339هـ/ 1920م).
وفي إحدى رسائل الشيخ يحيى بن خلفان بن أبي نبهان الخروصي إلى عمه الشيخ خميس بن جاعد بن خميس الخروصي، المؤرخة في 8 جمادى الأولى 1298هـ أشار إلى نشأة المطبعة السلطانية وأن السلطان قد جلب عمالا أربعة من بيروت بعد أن فشل من قبلهم في تشغيل المطبعة فأشار إليه الشيخ يحيى بأن ذلك غرم لا طائل منه فكانت النتيجة أن أرسل السلطان لجلب أولئك العمال الأربعة من بيروت، وأشار الشيخ يحيى إلى أن بدء العمل في طباعة أول كتاب وهو الجزء الأول من كتاب قاموس الشريعة كان في شهر رمضان وهو هنا يشير إلى سنة 1297هـ بما أن الرسالة مؤرخة في شهر جمادى الأولى من سنة 1298هـ، كما أشار إلى عدد النسخ وكلفة الورق في معرض ذكره لما أمر به السلطان برغش من طباعة 200 نسخة وأن كلفة الجزء ألف قرش للورق (القرطاس).
وذكر الشيخ يحيى أيضاً تقريظه للكتاب وفهرسته له في قصيدته التي وضعت في الجزء الأول. ونقرأ في سطور الرسالة مشاعر السرور التي تملكت الشيخ يحيى بنشأة أول مطبعة عمانية، واعداً الشيخ خميس بن جاعد بأن يرسل له نسخة من أول كتاب مطبوع بعد اكتمال عملية الطباعة

الإنتاج العلمي للمطبعة السلطانية
تحتل التآليف الدينية النصيب الأوفر من المنجز الثقافي العماني فيما مضى، ويعود ذلك إلى أسباب عديدة كما يرى الشيخ أحمد بن سعود السيابي منها كون الجهود التأليفية في عمان اقتصرت أو كادت تقتصر على علماء الدين، بمعنى أن أفراد المجتمع إما أن يكونوا في عداد العوام أو النخبة والتي تكون غالباً علماء الدين أنفسهم، وتكوين عالم الدين يكون عادة من خلال العقيدة والفقه.
ويرى السيابي أنه قلما نجد في الحضارة العمانية عالماً في فن من الفنون مستقلاً عن الوسط الديني، خلافاً للبلدان الأخرى التي نجد فيها المؤرخ البحت والأديب المستقل بأدبه والفيلسوف المستقل بفلسفته.
لذا كان من الطبيعي أن تتصدر العلوم الدينية إنتاج المطبعة السلطانية، فكان كتاب قاموس الشريعة الحاوي طرقها الوسيعة للشيخ جميّل بن خميس بن لافي السعدي (ق13هـ/ 19م) وهو أضخم موسوعة في الفقه الإباضي أول كتاب يطبع في المطبعة، وقد صدر منه خمسة عشر جزءا بين سنتي 1297هـ/ 1880م – 1303هـ/ 1886م.
“قد أوقف سيدُنا ومولانا الأجل الأكرم المحترم المعظم الهمام برغش بن سعيد بن سلطان بن الإمام جميع الكتب المطبوعة من أجزاء قاموس الشريعة أولها وآخرها على طلبة العلم المتعلمين والراغبين فيه المجتهدين، ابتغاء ما عند الله تعالى من الثواب، وهَرَبًا من أليم العقاب، وإنه قد أخذ عهد الله وميثاقه على من صار في يده شيء من هذه الكتب أن لا يبيعها ولا يهبها ولا يرهنها ولا يتملكها، وأن لا يمنعها من كان مستحقا للقراءة منها، وأن لا يعطيها من هو غير مأمون عليها خوفا من ضياعها، وإن احتاجت إلى إصلاح فليصلحها مَنْ صارت في يده وأجره على الله تعالى؛ وقفا مؤبدا صحيحا شرعيا لا يُحال ولا يزال، ولا تباع هذه الكتب ولا تورث ولا توهب ولا ترهن ولا تملك حتى يرث الأرض وارثها. أُشْهِدُ الله تعالى على ذلك وكافة المسلمين ﴿فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 181).
وكتب هذا عن أمره خادمه الفقير لله يحيى بن خلفان بن أبي نبهان الخروصي بيده في 10 رمضان 1299هـ .صَحَّح ذلك السيد برغش بن سعيد”.
كما كان لتجليد الكتب بالمطبعة السلطانية ثيمة خاصة تتميز بلون أحمر وختم مذهب ذي طابع عماني عرف بها وشاع استخدامه حتى في تجليد الكتب المخطوطة التي نسخت في زنجبار خلال تلك الحقبة.
وقد كانت حركة نشر الكتب في المطبعة خلال حقبة حكم السلاطين :
1ـ برغش بن سعيد وهو مؤسس المطبعة.
2ـ خليفة بن سعيد بن سلطان (1305هـ/1888م – 1307هـ/1890م) الذي استلم حكم زنجبار بعد وفاة أخيه السلطان برغش، وقد وقع على معاهدة مع شركة شرق أفريقيا الألمانية منح بمقتضاه الألمان الحق في تحصيل الرسوم الجمركية والضرائب على طول ساحل تنجانيقا، وحصلت في دولته ثورة الشيخ بشير بن سالم الحارثي ضد الألمان في باغ مويو وبنغاني في الساحل الأفريقي، وكان يمده بالآلات الحربية والمأكولات حتى يتقوى على مقاومتهم .وقد نال وسام فارس الصليب الكبير الفخري (وسام القديس مايكل والقديس جورج) من بريطانيا.
3ـ علي بن سعيد بن سلطان (1307هـ/1890م – 1310هـ/1893م) وفي عهده تم وضع أول دستور للسلطنة وتشكيل حكومة دستورية عام 1891، بالإضافة إلى تشكيل مجلس الوزراء وفصل السلطات.
4ـ حمد بن ثويني بن سعيد (1310هـ/1893م – 1313هـ 1896م) وكان قد قرّب العلماء وأجلّهم، وللشيخ الشاعر أبي مسلم البهلاني الرواحي قصائد بليغة في مدحه وذكر مناقبه.
وفي عهد السلطان علي بن حمود بن محمد اقتصر دور المطبعة السلطانية على إصدار الأوراق الرسمية للدولة، كالمراسيم والقرارات وأوسمة الشرف وسجلات القضاء والعهود الدولية وعقود المعاملات والمراسلات السلطانية.
وقد كان لإنشاء السلطان برغش للمطبعة الفضل في تأسيس وانطلاق النهضة الثقافية العلمية الفكرية في جزيرة زنجبار وشرق أفريقيا عامة لتكون جسراً للتواصل المعرفي مع بلدان العالم، فقد أعقب إنشاء المطبعة إنشاء أكثر من عشر مطابع أهلية في زنجبار.
كما كان لمجمل تلك المطابع كبير الدور في الصحافة العمانية بزنجبار وذلك بصدور قرابة 12 صحيفة امتدت لحقبة أكثر من 60 عاماً أشهرها: (النجاح – النادي – الفلق – النهضة – المرشد – الأمة – الإصلاح – المعرفة).

• ورقة مقدمة إلى المؤتمر الدولي الخامس علاقات عمان بدول القرن الأفريقي الذي أقامته هيئة الوثائق والمحفوظات
الوطنية في جزر القمر خلال الفترة من 6 إلى 8 ديسمبر 2016م

الجزء الثاني
الأحد 22 يناير 2017

تميز دور سلاطين عمان في تنشيط الحركات العلمية بنواح عدة جمعت بين القيام بواجبات الإفتاء والقضاء، والنواحي الرسمية بما يمليه واجب الدولة ومسؤولياتها، وكذلك التدريس والتأليف ونشر العلم حيث دل عليه وجود الكتب والمؤلفات ونشاط المدارس العلمية والفقهية.
وكان سلاطين زنجبار والفئة المثقفة ( العلماء) فيها يحرصون على نشر الدين الإسلامي ومبادئه بين السكان وساحل شرقي أفريقية، ولهذا بدأوا في إنشاء مدارس القرآن الكريم (الخلاوي)، والتي تعرف محليا باسم (الدوكسي)، في وسط تجمعات السكان، وقد تولى التدريس في هذه المدارس جملة من العلماء العرب المسلمين من ذوي الأصول العمانية الذين نبغوا في علوم اللغة العربية، والفقه والتفسير.
وتعد زنجبار بعد قيام الدولة البوسعيدية قصبة العلم التي هوت إليها أفئدة العلماء، فهاجروا إليها من عُمان واستقروا فيها، فكانوا أن أسهموا في نهضتها العلمية والفكرية، الأمر الذي عد فخرا لسكانها وقاطنيها.
وقد تنوعت الأسباب والدوافع التي أدت ببعض العلماء للهجرة نحو الساحل الأفريقي، كما عاود البعض منهم حنينا إلى بلدهم الأصلي فترددوا بينها وبين موطنهم الجديد كقول العالم الشاعر أبي مسلم البهلاني متشوقا لموطنه عُمان:

تِلكَ المعَاهِدُ مَا عَهْدِي بِهَا انْتَقَلَتْ
وَهُنَّ وَسْطَ ضَمِيرِي الآنَ سُكَّانُ
نَزَحْتُ عَنْهُمْ بِحُكْــــمٍ لاَ أُغَــالِبُهُ
لاَ يَغْلِبُ القَدَرَ المحْتُومَ إِنْسَانُ.

ويبدو أن ترحيب سلاطين زنجبار بهؤلاء العلماء، ومدهم بالعون والمؤازرة والاعتماد عليهم في ترسيخ قدم الدولة وبسط نفوذها شجع على الهجرة والاستيطان على الساحل الأفريقي، نذكر من بينهم العلامة المشهور الشيخ ناصر بن أبي نبهان الذي انتقل بصحبة السلطان سعيد بن سلطان إلى شرق أفريقيا.
وللشيخ ناصر المذكور مؤلفات مشهورة كمؤلفه «الحقُّ اليقين» في العقيدة، وكذلك كتابه المسمى «لطائِفُ الـمِنَن في أحكَامِ السُّنَن» وقد بوب فيه الشيخ «الجامع الصغير» للإمام جلال الدين السيوطي.
وللشيخ أيضا كتاب في الطب سمَّاه: «السرُّ الجلي في ذكر أسباب النبات السواحلي» حيث شرح فيه فوائد النبات والأشجار الموجودة بالساحل الأفريقي، وقارن أسماءها مع ما هو معروف منها في البلاد العربية.
ونجد كذلك من بين علماء زنجبار الشيخ محمد بن علي المنذري، وكان رئيسا للقضاء في عهد السلطانين سعيد بن سلطان وولده ماجد بن سعيد، ولهذا الشيخ مؤلف في العقيدة هو «الخلاصة الدامغة» وقد توفي عام 1314هـ/ 1869م. وقد تولى ابنه الشيخ علي بن محمد المنذري منصب قاضي زنجبار في عهد السيد خليفة بن حارب، وله كتاب في التربية تحت مسمى “اختصار الأديان”. وله كتب أخرى كمثل “نور التوحيد” وكذلك كتاب “الرد على النصراني الكندي” الذي رد فيه على أحد النصارى في عهد الخليفة المأمون.
ومن بين العلماء الذين تقلدوا قضاء «مُمباسة» الشيخ علي بن عبد الله المزروعي الذي برز في عهد السلطان ماجد بن سعيد (1856-1870م) وكذلك ابنه الشيخ الأمين بن علي المزروعي، وللمزروعي الأب مؤلفات منها: مخطوطة “الدروع السابغة” و«السبل الواضحة في شرح دلائل الخيرات».
أما المزروعي الابن فهو قاضي قضاة كينيا وقد اهتم بالصحافة والنشر، وله دورية أسماها “الصحيفة” ظهرت عام 1930م، وكذلك جريدة الإصلاح الصادرة في شوال 1350هـ/1932م باللغتين العربية والسواحلية.
ومن العلماء البارزين في ساحة العلم على الساحل الأفريقي، العالم الشاعر أبو مسلم بن ناصر سالم بن عديم البهلاني الذي له عدة مؤلفات مشهورة مثل «نثار الجوهر» وهو كتاب في الفقه، وكتاب «النور المحمدي» و«الكنوز الصمدية في المفاخر المحمدية»، وكتب أخرى في العقيدة، وله ديوان شعر مطبوع في وزارة التراث بسلطنة عُمان تظهر فيه براعته في الصياغة الشعرية فهو يمتاز بنفس شعري عميق، وحس مرهف. ويجمع الشيخ بين مواهب متنوعة في القضاء والشعر والصحافة والنثر. ففي مجال الصحافة نجد المجلة التي أنشأها بعنوان «النجاح»، وقد تولى تحريرها، فقد كان متابعا لما عليه حال المسلمين في أنحاء العالم، يدل على ذلك قصيدته التي نشرها وأرسلها للمؤتمر الإسلامي برئاسة رياض باشا في مصر، حيث أثيرت قضية مصر الفرعونية وقتذاك.
ومما يدلنا على فكر العلامة أبي مسلم في استيعابه لمقتضيات العصر تلك الرسالة التي وجهها إلى الإمام سالم بن راشد الخروصي (حكم 1331 ــــ 1338هـ) في عُمان بتاريخ 14 ربيع الثاني 1333هـ التي حملت أفكارا تفصح عن بعد النظرة لما هو الحال الذي ينبغي أن تكون عليه الدولة.
ومن العلماء العُمانيين في عهد السلطان برغش بن سعيد بن سلطان العالم الشيخ يوسف بن ناصر الخروصي الذي هاجر إلى أفريقيا عام 1300هـ، وكان قاضيا ومُفتِيًا لزنجبار ومن مؤلفاته «الجامع لأركان الإسلام».
ومن بين العلماء صاحب المقامات العُمانية والصحارية الشيخ محمد بن علي بن خميس البرواني الذي برع في أدب المقامة. وفيهم كذلك العلامة سالم بن سعيد الشعبي وهو شافعي المذهب وله كتاب في علم الفرائض “أسمى المقالب المبهمات”.
وقد عُنِي بعض العلماء العُمانيين عناية خاصة بالتاريخ، كمثل الشيخ سعيد بن علي المغيري صاحب كتاب «جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار» الذي ولد في عُمان ثم ارتحل إلى زنجبار عام 1300هـ وقد عينته الحكومة عضوا في المجلس التشريعي بزنجبار عام 1351هـ.
فهناك شواهد كثيرة قام بها السلاطين والعلماء وأثرياء العمانيين وغير العمانيين في تأسيس المدارس القرآنية والنظامية، وتشييد المساجد، والمعاهد العلمية، مع تخصيص أموال وقفية لخدمة هذه المدارس وذلك للنفقة على روادها ومدرسيها والعناية بالمدرسة نفسها.
وقد زينت المساجد في شرق أفريقيا خاصة زنجبار وممباسا ولامو ومليندي وغيرها من المدن بحلقات العلم ورابط المعلمون والشيوخ في المساجد لتوعية الناس وتثقيفهم.
وتميز حكم السلطان سعيد بن سلطان بين عام 1806-1856م بروح العدالة في إدارة البلاد، فساد جو الألفة والتجانس والصلات الوثيقة بين الأوساط الإجتماعية، وخصوصا بين العلماء والفقهاء من الإباضية والسنة. ويشير الشيخ سعيد بن علي المغيري أن السلطان سعيد بن سلطان بسبب حبه للوحدة الوطنية والمذهبية أصدر أوامره إلى قضاته وعماله بعدم التعرض للمذاهب الإسلامية، وقد جاء في هذا المنشور (من سعيد بن سلطان إلى جناب كافة ربعنا بحال القضاة، كا من حكم بحكم، وأخطأ فيه يرجع إلى السؤال إلى من هو أعلم منه كل مذهب يتبع مذهبه، هذا ما جرت العادة من قديم بذلك والسلام) في 2 ربيع الأول 1261هـ.
وفي عهد السلطان برغش بن سعيد استقطب العمانيين بعد انهيار دولة الإمام العدل عزان بن قيس البوسعيدي، وكان بها عدد من العلماء والمشايخ والأخيار، فرأوا أن بقائهم في عمان به خطورة، فرحلوا إلى زنجبار، فأدناهم السلطان برغش وقربهم إليه، وحث البقية على الهجرة في زنجبار، وكان للسلطان برغش إنجازات جليلة في عنايته بالعلم والعلماء حتى بلغت الحركة العلمية أوجها في فترة حكمه، وهاجر كثير من مشايخ الأمصار إليها، وأصبحت مأوى الفضلاء والصالحين، حتى قال الإمام الحجة نور الدين عبد الله بن حميد السالمي، رحمه الله تعالى ” في زنجبار في جواب له لرجل من تبوراه” ولا شك أن تقليد أهل زنجبار في قبلتهم أولى من تقليد أهل قطركم لأن زنجبار قد دخلها العلماء والأفاضل من أهل المذهب وغيرهم.
وﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء الجديرة ﺑﺎﻹﺷﺎدة والتقدير في دوﻟﺔ البوسعيديين هذا الاحترام واﻟﺘﻜﺮﻳﻢ الذي ﻟﻘﻴﻪ العلماء ﻣﻦ سلاطين زﻧﺠﺒﺎر، وﻗﺪ ﻛﺎن ﺳﻤﺔ ﺑـﺎرزة أرﺳـﻰ قواعدها السلطان سعيد الذي خص العلماء ﻣﻦ ﻛﺎﻓﺔ المذاهب ﺑﺮﻋﺎﻳﺘﻪ واﺣتراﻣﻪ، إن روح اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ اﻟﺪﻳﻨﻲ والمذهبي، قد كانت من الخصائص المميزة ﻟـﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺴﻴﺪ ﺳﻌﻴﺪ واﻟﺴﻴﺪ ﻣﺎﺟﺪ ﻣﻨﻪ في عهد السيد برغش.
إن العلماء واﻟﻔﻘﻬﺎء هم اﻟﻘوة المحركة في زﻧﺠﺒﺎر في مجالات ﺣﻴﻮﻳﺔ ﻣﺘﻌـددة، ﻓﻘﺪ ﻛﺎن في ﻣﻘدﻣﺔ واجباتهم تطبيق ﺣﻜﻢ الشرع في زﻧﺠﺒﺎر وملحقاتها أوﻛﻠﺖ إﻟﻴﻬﻢ ﻣﻬﺎم اﻟترﺑﻴﺔ واﻟﺘﻌليم واﻹرﺷﺎد وإﺷﺎﻋﺔ اﻟﻘيم اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ في مجتمع زﻧﺠﺒﺎر وشرق إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ، وﻣﻦ ثم اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ فقد أﻓﺮدوا ﺣﻴﺰا كبير ﻣﻦ وقتهم ﻟﻼطﻼع الواسع والتبحر في دراﺳـﺔ اﻟﻌﻠوم كما أﺳﻬﻤﻮا بالتأليف ووﺿﻊ المصنفات والشروع في ﺷﺘﻰ ﻓﺮوع اﻟﻌﻠﻮم البشرية اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وﻣﻦ هذا المنطلق وﻟﺘﺤﻘﻴﻖ الهدف المنشود ﻓﻘﺪ ﻗـﺎﻣوا ﺑﺎﻟﺮﺣﻼت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻟﻼﺣﺘﻜﺎك واﻹﻓﺎدة ﻣﻦ ﻣﺼﺎدر المعرفة اﻷﺻـﻠﻴﺔ في المعاهد اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ الكبيرة وﻣﺮاﻛﺰ الدراسات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، وبمرور اﻷﻳﺎم ﻛوﻧوا ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﺮﻛﺰا ﻣﺮﻣﻮﻗﺎ ﻣﺴﺘﻘﻼ ﻻ يقل ﻋﻦ المراكز اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻷﺧﺮى في العالم اﻹﺳﻼﻣﻲ.
وقد أﺳﻬﻢ ﻫﺆﻻء العلماء في نشر الوعي الديني واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺗدرﻳﺴﺎ وتأليفا وﻧﺸﺎطا اجتماعية وتتلمذ على أيديهم أعداد غفيرة من سكان زﻧﺠﺒﺎر والمناطق الداخلية في شرق إﻓرﻳﻘﻴﺔ. وﻣﻦ ﻫﺆﻻء العلماء الذين خلفوا الكثير ﻣﻦ المؤلفات المخطوطة واﻟﻘﻠﻴﻞ المنشور باللغتين اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ والسواحلية في ﺷـﺘﻰ الموضوعات المتعلقة بالتراث اﻹﺳﻼﻣﻲ في شرق إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ وﻣﻦ العلماء الذين برزوا واﺳـﺘﻤﺮ ﻧﺸﺎطهم وتواﺻﻞ عطائهم، وشهدت على أيديهم العديد من مدن شرق أفريقيا نهضات ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻣﺒﺎرﻛﺔ ﻣﺘنوﻋﺔ ﺑﺒﻨﺎء اﻟﻌديد ﻣﻦ المساجد والمعاهد وإﻧﺸﺎء المدارس.
علماء بارزون من عمان
تعطرت مدن شرق أفريقيا والقرن الأفريقي بعلماء من ذوي الأصول العمانية وبسبب خبرتهم العلمية والفقهية استفاد أهالي شرق أفريقيا بذخيرة علمية وكان النتيجة استفادة كثير من طلبة العلم بعلمهم وتخرج عندهم وأصبحوا قادة والأئمة في المساجد، تعمرت المساجد بحلقات التفسير والفقه وغيرها من العلوم من قبل هؤلاء الأئمة، وأصبحت مدينة زنجبار وممباسا وجزر القمر أماكن تضرب لها المثل في وجود أئمة من ذوي الكفاءات العلمية، وأصبح هناك ترابط وثيق بين طبقة العلماء في شرق أفريقيا الشرقية، والإباضية، ومن هؤلاء الأئمة الشيخ جاعد بن خميس الخروصي.
يخبرنا التاريخ بأن الشيخ جاعد بن خميس الخروصي، لاقى هو وأسرته بعض المضايقات من طرف أحد القادة السياسيين في ولاية الرستاق، وأن تلك المضايقات ازدادت حدتها عقب وفاة الرئيس، إلى الدرجة التي أدت إلى سقوط أكبر أبنائه، نبهان، قتيلا على أيدي المتربصين بعائلة فقيد الأمة، الشيخ الرئيس. دفع هذا الوضع الشيخ، ابن أبي نبهان إلى الارتحال عن مسقط رأسه، العلياء، إلى ولاية نزوى، التي مكث فيها لمدة تزيد على السنة. واجه في ارتحاله هذا وضعا اقتصاديا، بالغ الشدة، فلقد قضمه فك الفكر، حتى بات، في معظم تلك الفترة لا يأكل سوى الخبز بالماء والليمون والملح والقاشع، حتى أنشد في نفسه قائلا:

معيشتنا خبز لغالب قوتنا
وماء وليمون وملح وقاشع
فإن حصلت مع صحة الجسم والتقى
فيا حبذا هذا بما هو قانـــع

تسامح الناس بالحالة الاقتصادية المتردية التي مر بها الشيخ، ابن أبي نبهان، فرفعوا أمره إلى سلطان البلاد، السيد سعيد بن سلطان، مطالبين منه إعطاء الشيخ ما يستحقه من مكانة العلماء. استجاب السلطان لنداء العامة، فعمل على تقريب الشيخ إليه، وخصص له راتبا شهريا. وكان الشيخ رجلا متواضعا، ومن أمثلة على تواضع الشيخ أبي نبهان الخروصي رده على أستاذه الشيخ سعيد بن أحمد الكندي عندما أثنى الأخير ذات مرة عليه إذ قال: أحسنت فإني دونك في العلم والفهم، فما كان من الشيخ الرئيس إلا أن قال له: ” إنك في العلم أنت المنتهى، وأنا المبتدى، وشتان بينهما”.
كان الشيخ من ضمن الشيوخ والوجهاء الذين اختارهم السلطان لمرافقته في رحلة الهجرة إلى زنجبار. وفي زنجبار، ذلك البلد الهادئ الآمن، الذي تحفه الأشجار وظلالها الوارفة، من كل حدب وصوب، ويسقيه ماء السماء في كل آن وحين، تفتقت قريحته العلمية لبذل المزيد من العطاء. عاش في تلك البيئة الجديدة، بجوها الصافي البديع، وبمائها العذب الزلال، عيشة مريحة رغدة، حيث تمتع باحترام الحاكم والمحكومين على السواء، فقربه السلطان أكثر إليه، حتى أضحى في حكم مستشاره الشخصي.
ومما يذكر، أن احترام الناس له، لم يكن تقديرا لعلمه فحسب، وإنما لما اشتهر به من قدرته الفائقة على تسخير الجان أيضا، أو ما يعرف بعلم الرياضة، فلقد كانت له اليد الطولي في هذا العلم، مثلما كان لوالده من قبل.
ومن الأحداث المأثورة عن قدرته في هذا العلم، أنه في فترة من الفترات، كان السيد سعيد بن سلطان في أشد القلق على نائبه في عمان، ابنه السيد ثويني، نتيجة لبعض القلاقل والاضطرابات التي كانت تحدث في عمان آنئذ. الشيخ ناصر بن جاعد، تقدم إلى السيد سعيد، وعرض عليه أن يسطر كتابا إلى السيد ثويني، وأنه متكفل بإيصال إليه، بل وبموافاته برد من السيد ثويني في اليوم التالي. عمل السيد سعيد بالعرض، وسلم الكتاب إلى الشيخ ناصر، فإذا بالأخير يفد إلى السلطان صباح اليوم التالي ويسلمه كتاب ردِّ، بخط يد ابنه السيد ثويني، من عمان، يطمئنه عن أحواله في هناك، ويزوده بتفاصيل الجواب التي استفسر عنها والده، السيد سعيد في كتابه.
وإنما الشيخ ناصر بن أبي نبهان يذكر بأنه كان صلبا في تعامله مع السلطان سعيد بن سلطان، وكان السلطان يلين له الجانب ويميل إلى استعطافه، ويوسع له، وقد توفي في زنجبار في التاريخ المذكور بين عام 1262هجرية أو 1263 هجرية، ويقول الفارسي، إن هذا العالم التقي، لفظ أنفاسه الأخيرة على حجر السيد سعيد في أحد قصوره المعروف باسم قصر متوني، الذي يقع على بعد ثلاثة أميال وثلاثة أرباع عن مدينة زنجبار. دفن الشيخ في إحرامات القصر، وتولى بناء ضريحه السيدة علياء بنت محمد بن سعيد سلطان، ثم أكمله، في وقت لاحق، الشيخ سعيد بن عبد الله بن سعيد الخروصي.
ومن الكتب التي ألفها الشيخ وهو في زنجبار كتاب “لطائف المنن في أحكام السنن”. شرح فيه الكثير من الأحاديث النبوية، شرحا سلسا، بعيدا عن الإطالة وكذا الإختصار، في آن واحد. كما ألف كتابا آخر وهو في زنجبار بعنوان” السر الجلي في ذكر أسرار النبات السواحلي”، وهو كتاب في الطب الشعبي، تناول فيه التداوي بمختلف أنواع الأعشاب التي تنبت في ديار الشرق إفريقية.
وفيه مقدمته ذكر فيها مصطلحات اللغة السواحلية وما فيها من تفخيم المسمى وتصغيره. وأورد أسماء الأشجار باللغة السواحلية، ولهذا الكتاب سمعة جيدا إلى الآن، إذ يستخدمه بعض أطباء الأعشاب في جوانب عدة من الطب، يرجع الفضل إلى مؤلفه الشيخ جاعد بن خميس الخروصي.
وهناك من العلماء اﻟﻘﻤﺮﻳــين من ذوي الأصول العمانية ﻟﻌﺒــﻮا دورا ﻣـﺆﺛﺮا وواﻗﻌــﺎ في نشراﻹﺳــﻼم والتعليم في دول القرن الأفريقي وخاصة شرق أفريقيا، والقمريون هم القراء للقرآن الكريم وﻣـﻦ اﻷواﺋـﻞ اﻟـﺬﻳﻦ نشروا اﻟﻌﻘﻴـﺪة الإسلامية وكان منهم قضاة ومعلمو القرآن وأئمة مساجد.
ومن العلماء القمريين من ذوي الأصول العمانية الذين أسهموا في تدريس العلوم الإسلامية والعربية ونشرها، من خلال نظام التعليم التقليدي في المساجد والكتاتيب والحلقات العلمية، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، الشيخ أحمد بن أبو بكر بن سميط (1278- 1344هـ 1861- 1925م) الذي قام بالتدريس في المذهب الشافعي والعلوم العربية لعدد من التلاميذ، في جامع ” مليندي” وانتهت إليه الرياسة العلمية في الأقطار السواحلية، وتخرج عليه الجمع الغفير، بل ما من ﺣﺎﻣﻞ محبرة أو قلم في بلدان شرق إﻓﺮﻳﻘﻴـﺔ إﻻ وﻫـﻮ منتسب إﻟﻴـﻪ ﻣﺒـﺎشرة أو بواسطة، “وللعلم رحم بين أهله” وألف عددا من الكتب كما اشتغل طويلا في القضاء، وانتقل إلى رحمة الله بعد حياة حافلة بالعطاء العلمي والتأثير الثقافي في بزنجبار، وقبره مشهور، ويوجد أمام جامع “مليندي”.
اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟﺸﻴﺦ منصب ﺑـﻦ علي (1280-1346هـ 1863-1927م) الذي ﻫﺎﺟﺮ ﻣﻦ ﺟﺰر اﻟﻘﻤﺮ إلى زﻧﺠﺒﺎر ﻛﺎن ﻳﻌﻠـﻢ اﻟﻘـﺮآن واﻟﻌﻠـﻮم الشرعية في بلدته بمروني، ثم ﻫﺎﺟﺮ أﻳﺎم السيد ماجد وأﻗﺎم المواعظ والدروس في ﺟـﺎﻣﻊ زنجبار، وعندما علم السيد ماجد أمره عينه قاضيا لمدينة زنجبار، وكان أول رئيس لجمعية أهل السنة والجماعة الزنجبارية التي تأسست في السبعينات القرن التاسع عشر الميلادي/ الثالث عشر الهجري.
إذن ﻛﺎن لعلماء ودﻋﺎة شرق إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ اﻟﻔﻀﻞ في نشر اﻹﺳـﻼم بين اﻟﻘﺒﺎﺋـﻞ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺑﻨﺎﺋﻬﻢ ﻟﻠﻤﺴﺎجد والمدارس وإﻟﻘـﺎء الدروس، واﻟﺸﻌﻮب اﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ الدينية. وكانت شرق أفريقيا من الدول التي كانت تضرب بها المثل في وجود جهابذة من العلماء الأجلاء البارعين في فنون مختلفة من العلوم الشرعية وغيرها، وبوجود سلاطين من عمان تنورت المدن وعمرت المساجد وأصبحت شرق أفريقيا ملجأ لطلاب العلم في مختلف البقاع من القرن الأفريقي.

• ورقة مقدمة إلى المؤتمر الدولي الخامس علاقات عمان بدول القرن الأفريقي الذي أقامته هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية في جزر القمر خلال الفترة من 6 إلى 8 ديسمبر 2016م.
ملاحظة :
جميع المصادر والمراجع في الموقع الإلكتروني .
إبراهيم، نور الدين عوض الكريم، (2004)، الندوة العالمية عن التعليم الإسلامي، انجمينا، جامعة الملك فيصل.
بشير، سيف الإسلام بدوي، (2010)، “جذور التراث الثقافي ودوره في بالساحل الشرقي لأفريقيا”، http://www.islam4africa.net/ar/more.php?cat_id=18&art_id=13
البوسعدي، جمعة بن خليفة، (2013) ” السلطان سعيد بن سلطان 1806-1856م مؤسس دولة ورائد نهضة” ندوة الحضارة والثقافة الإسلامية والدور العماني في النواحي التاريخية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية في دول شرق إفريقية، ج 1، مدينة زنجبار، في الفترة 2-4- سبتمبر 2013 م. ج 1، مسقط سلطنة عمان، مطبوعات هيئة الوثائق.
تاج السر، أحمد حران، الأقلية المسلمة في كينيا، الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود، ط 1.
التركي، بنيان سعود، ” الشيخ مبارك بن راشد المزروعي في شرق افريقية”، مجلة دراسات افريقية، العدد 24، 2002م ص 69.
الجبو، مصطفى إبراهيم، (2007)، زنجبار في ظل الحكم العربي 1832-1890، سلطنة عمان: وزارة التراث والثقافة، د.ط.
الحداد، حامد أحمد، (2007)، دراسات عن العرب والإسلام في شرق أفريقيا، جدة: دار المنهاج، ط1.
الخليلي، أحمد بن حمد ( 1999)، “العُمانيون وأثرهم في الجوانب العلمية والمعرفية”، حصاد ندوة الدراسات العمانية، البحوث والدراسات، مسقط، المنتدى الأدبي، مطبوعات وزارة التراث والثقافة.

الخليلي، أحمد بن حمد (1993). “العمانيون ودورهم الحضاري في شرق أفريقيا ” فعاليات ومناشط حصاد أنشطة المنتدى الأدبي لعام 1992، مسقط، سلطنة عمان، وزارة التراث والثقافة.
ديوان أبي مسلم البهلاني (1987)، ط1، إصدار وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عُمان.
رودولف سعيد روت (1983)، سلطنة عمان خلال حكم السيد سعيد بن السلطان (1791-1856م) ترجمة عبد المجيد حسيب القيسي، البصرة: مركز دراسات الخليج العربي، د.ط.
رونالدو أوليفر وأنتوني أتمور( 2005)، إفريقيا منذ عام 1800م، ترجمة فريدة بوري، ط1، القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة.
الريامي، ناصر بن عبد الله (2009). زنجبار شخصيات وأحداث، 1828م 1972م، ط 2، القاهرة: مكتبة بيروت.
السديس، عبد الرحمن، (1987)، تطور حركة اتنشار الاسلام في شرق أفريقيا في ظل دولة البوسعيديين 1832-1930م، رسالة ماجستير، جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية.
سنكر، علي سعيد، (2013)،” الشيخ علي بن عبد الله بن نافع المزروعي: زعيم الحركة الإصلاحية للعلوم الإسلامية في شرق افريقيا في القرن التاسع عشر”، ندوة الحضارة والثقافة الإسلامية والدور العماني في النواحي التاريخية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية في دول شرق إفريقية، ج 1، مدينة زنجبار، في الفترة 2-4- سبتمبر 2013 م. ج1، مسقط، سلطنة عمان، مطبوعات هيئة الوثائق.
السيفي، محمد بن عبد الله بن سعيد بن ناصر(2005). النمير حكايات وروايات الإباضية في زنجبار وما جاورها من دول شرق أفريقيا، ج 1، نزوى: مكتبة غاية المراد، 1426ه 2005م.
العقاد، صلاح، (1983)، التيارات السياسية في الخليج، ط 3، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية.
عمان في التاريخ، (1995)، وزارة الإعلام، لندن: دار أميل للنشر، د.ط.
العيسري محمد بن عامر، “المطبعة السلطانية في زنجبار ” جريدة الوطن، الموقع: http://omanzanzibar.blogspot.co.ke/2014/12/blog-post_27.html Saturday, December 27, 2014
غنيمي، رأفت الشيخ، (2006)،” الآفرو عربية ككيان سياسي وحضاري نموذج الدول العمانية بشرق أفريقيا” المؤتمر الدولي حول الإسلام في إفريقيا، الكتاب الرابع.

الغيلاني، حمود بن حمد محمد، (2014)، “الأسطول البحري العماني وأثره في العلاقات العمانية الأفريقية”، سلسة البحوث والدراسات في الوثائق الوطنية والدولية، ندوة الحضارة والثقافة الإسلامية والدور العماني في النواحي التاريخية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية في دول شرق إفريقية، ج 1، مدينة زنجبار، في الفترة 2-4- سبتمبر 2013 م. ج1، مسقط سلطنة عمان، مطبوعات هيئة الوثائق.
الفارسي، عبد الله بن صالح، ترجمة محمد أمين عبد الله (1982)، البوسعيديون حكام زنجبار، ط2، مسقط: سلطنة عمان، وزارة التراث القومي والثقافة.

الفارسي، عبد الله صالح، (1944)، بعض علماء الشافعية في شرق أفريقيا، ب. د، ط1.
كامي، مبورالي مبورمامي (2015) “أهداف المنصرين ودورهم في محو الآثار العربية عن اللغة السواحلية ” مجلة قراءات أفريقية، العدد 25، ص (26-27).
كرهيلا، حامد، ( 2005) أثر الإسلام في تشكيل السلوك الإجتماعي في جزر القمر، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة أم درمان الإسلامية، 1426هـ .
محمود، عبدالرحمن حسن، (2011)، الإسلام والمسيحية في شرق افريقيا من القرن 18 الى القرن 20، ط1، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، معشي، جميلة بنت عبد موسى، (2014م )، جهود المزارعة في نشر الإسلام في شرق أفريقيا (1110-1313هـ 1698- 1895م)، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في التاريخ الإسلامي الحديث، جامعة أم القرى كلية الشريعة والدراسات الإسلامية قسم التاريخ.

المغيري، سعيد بن علي، تحقيق: الصليبي، محمد علي (1994). جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار، ط3، مسقط: سلطنة عمان، وزارة التراث.
الميزابي، قاسم أحمد الشيخ بالحاج الجزائري (1999). “وقفة تعريفية للإباضية في دولة تنزانيا وجزيرة زنجبار”،مجلة التراث المعرفة والتعارف والاعتراف، تاريخ الاسترجاع 31/5/199 من : http://www.tourath.org/ar/content/view/172/42/ .
وليد، محمود خالص (2010). ” إيضاح نظم السلوك إلى حضرات ملك الملوك ناصر بن جاعد بن خميس الخروصي” مجلة نزوى الإلكترونية، تاريخ الاسترجاع 1/يناير/2010م، من: www.nizwa.com

REFFERENCES
Martin, B.G. (1971). Notes on Some Members of the Learned Classes of Zanzibar and East Africa in the Nineteenth Century, The Journal of the African Historical Studies, Vol. 1V, and Part 3.
Sharif, A. (2001). The Records of the Wakf Commission as a Source of Social and Religious History of Zanzibar, Islam in East Africa: New sources.
Tamim.G.Y. Maisha ya Sh.Al-Amin bin Ali Mazrui (1891-1947), Signal Press LTD.
http://alharah2.net/alharah/showthread.php?t=13000.