Thursday, July 30, 2015

حوارات زنجبارية مع فاطمة جينجا

آسية البوعلي .. وذكريات من الماضي الجميل

جريدة الوطن 26 يوليو 2015م
صدر مؤخرًا للكاتبة العمانية الدكتورة آسية بنت ناصر البوعلي كتاب “ذكريات من الماضي الجميل”، يقع الكتاب في مائة صفحة من القطع الصغير ويتكون من ثماني مقابلات ومقدمة ويتضمن عددًا كبيرًا من الصور النادرة لضيفة الكتاب والذي خصصت الكاتبة ريعه لصالح الجمعية العمانية لمكافحة السرطان.
قدمت آسية البوعلي لكتابها “ذكريات من الماضي الجميل” بذكر شخصية “فاطمة جينجا” التي تصفها بأنها امرأة جديرة بالاهتمام عند الحديث عن زنجبار، فهي عايشت مرحلة ما قبل انقلاب 12يناير 1964م وما بعده وهي الأديبة وربيبة القصر وابنة الشهيد والزوجة (سابقًا) لقائد الانقلاب وهي أم لعشرة من الأولاد منهم: قرينة رئيس زنجبار السابق وأحد الوزراء، وتصف لنا الكاتبة كيف قطعت المسافة من مسقط لزنجبار للقائها وإجراء حوارات متعددة معها على مدار أيام.
الحوار الأول بدأ بالتعريف عن “فاطمة جينجا” التي ولدت في زنجبار في 13فبراير 1930م، من أبوين من أصول عمانية: والدها محمد بن سالم البرواني، ووالدتها: شريفة بنت ناصر بن علي البرواني، وهي أم لخمس بنات وخمسة ذكور توفي واحد منهم.
وعن التصاق لقب “جينجا” باسمها تقول: نظرًا لعشق والدها لكرة القدم ومهارته فأطلقوا عليه في زنجبار هذا الاسم نسبة للاعب كرة إنجليزي كان يتردد على زنجبار، وعن طفولتها تقول “فاطمة”: ولدت في حي (ماليندي) من عائلة ميسورة الحال، ماتت والدتي أثناء ولادة شقيقي الوحيد سالم ـ رحمه الله ـ وكنت في الثانية من عمري، ورغم ذلك تمتعت في طفولتي بقدر من الاستقرار والعناية والحب والمرح والانطلاق، تعلمت في مدرسة بنات حكومية وكانت لغة الدراسة الانجليزية والعربية والسواحلية، كنت الأولى على زنجبار في المرحلة الثانوية وكان المخطط التحاقي بجامعة اكسفورد البريطانية، لكن الظروف حالت دون ذلك.
كان لجدتي لوالدي “شنونة بنت سالم البوسعيدي: بصمة قوية على طفولتي وشبابي، فهي من قامت بتربيتي وتوجيهي في الحياة، وكنت على علاقة قوية بالسيدة: نونو بنت أحمد البوسعيدي زوجة حاكم زنجبار السيد خليفة بن حارب البوسعيدي، وكنت بمثابة ابنتها، لذلك اقتربت من حياة القصور وعرفت الكثير عن دهاليز الحكم وحياة القصر في تلك الفترة.
وعن تأثير والدها تقول “جينجا”: كان لوالدي حضور طاغ عليّ وعلى الكثيرين ممن عرفوه، فوالدي محمد بن سالم البرواني ولد في عام 1905م واستشهد في عام 1965م، كان معروفًا بقوة شخصيته وشدة ذكائه وحبه للقراءة والثقافة، وبسبب تفوقه الدراسي حصل على منحة من قبل الحكومة الزنجبارية للدراسة في بريطانيا عام 1938م، ونال درجة الماجستير في الآداب من جامعة كمبريدج، وماجستير آخر من جامعة أكسفورد في نفس التخصص عام 1945م.
كان يتسم بالمرح وخفة الظل، وكان حنونًا معي وصديقًا وكان أوسم الرجال قلبًا وقالبًا في نظري، لم يفكر بالزواج رغم صغر سنه عقب وفاة والدتي وكرس كل حياته لتربية ابنائه، كان يقرأ لي القصص والكتب الإنجليزية، وظل يشجعني على القراءة، فكان مثلي الأعلى بفلسفته ورؤيته للحياة. تزوج مرة أخرى متأخرًا بعد إلحاحي عليه حينما كبرت وبلغت الثامنة عشرة من عمري.
كانت له وجهة نظر في قضية التعليم، لذلك دخل في جدال ممتد مع مديره الإنجليزي بعد عودته من البعثة وتعيينه في مديرية التربية والتعليم، وكان يذهب إلى عمله يوميًا رافضًا أن يتقاضى راتبًا آخر الشهر رغم احتياجه للراتب لعدم اقتناعه بآليات العمل وجدواه في توصيل الخدمة التعليمية، وكان معروفًا في زنجبار بدفاعه عن حق الجميع في التعليم ضد الحكومة الإنجليزية.
ـ في المقابلة الثانية سألت الكاتبة فاطمة جينجا عن تفاصيل استشهاد والدها وأثر هذه الواقعة عليها؟
تقول جينجا: “إنك تفتحين جرحًا لا زال داميًا بداخلي إلى يومنا هذا، ومهما طال الزمن بي سيستمر نزفه، الواقعة بدايتها اتهام والدي من قبل من يطلقون على أنفسهم اسم “الرفاق” من أتباع حزب الأمة اليساري ؛ بأنه عميل للأمريكان والإنجليز وأنه حاول القيام بانقلاب آخر بعد انقلاب يناير 1964م، فقد أتى ثلاثة منهم إلى منزلنا بحي (مالندي) واقتحموه عنوة بحثًا عن والدي، دون مراعاة لحرمة المنزل، قلنا لهم إن والدنا لا يعيش معنا بالمنزل، وأنه تزوج ويعيش ببيت زوجته فردوس بنت محمد البرواني الخاص، حينئذ صمموا أن يأخذوا خادمًا اسمه موليدي ليريهم منزل والدي، وحين رفض انقضوا عليه بالضرب بوحشية، فطلبت جدتي من الخادم الذهاب معهم، رأفة به وإيمانًا منها بأن ابنها سيكون في رعاية المولى، وقبضوا على والدي وسجن ثم أطلق سراحه، ثم سجن مرة أخرى بسجن بعيد عن المدينة.
كنت في الخامسة والثلاثين ومرض ابني أحمد الذي كان في التاسعة من عمره بسرطان الدم وأقمت معه في المستشفى وهو يحتضر. أتى والدي لزيارة حفيده بعد صلاة العشاء، وكانت هذه المرة الأخيرة التي رأيته فيها وأتذكر آخر كلماته لي: “لا الإنجليز ولا الأمريكان سيساندون العرب في رجوع حكمهم في زنجبار، ولذا من يريد لذاته الأمان والبقاء حيًا عليه إما ينضم إلى الأفارقة أو يهرب كما فعل الكثيرون. عقب هذه الزيارة اختفى والدي، وفشلت في الوصول إليه أو معرفة مكان احتجازه، حتى أطلق سراح شخص كان مسجونًا مع والدي، هذا الشخص هو علي بن محمد البرواني، شقيق زوجة أبي فردوس، وحكى لأخته كيف هؤلاء الشخوص الثلاثة من جماعة الرفاق قاموا بتعذيب أبي بالتناوب على مدار شهور، وحين أصبح على مشارف الموت أخذوه إلى مكان بعيد وأرغموه مع ستة آخرين من الأبرياء على حفر مقبرة جماعية كبيرة، ثم أوقفوهم وظهورهم للمقبرة وأطلقوا عليهم الرصاص من الوجه، ليسقطوا جميعًا شهداء في الحفرة، وأرغم علي بن محمد البرواني مع آخرين بإهالة التراب على الجثث.
وعن تأثير استشهاد والدها عليها تقول فاطمة جينجا: “حين حكت لي زوجة أبي عن واقعة استشهاد والدي لم أصدق في البداية، كنت في حالة صدمة وذهول، لم أشعر سوى أن جسدي وكأن به تنميل أو مخدر لشهور، وبمرور الأيام بدأت أتقبل وأستوعب الحقيقة الأليمة لرحيل والدي الأبدي.
المقابلة الثالثة عن دور الرجل في حياة فاطمة جينجا التي تزوجت أكثر من مرة وأنجبت عشرة من البنات والبنين، وهي الآن بدون زوج، تقول: “تزوجت خمس مرات من أربعة رجال، لأن واحدًا من ازواجي تزوجته مرتين (طلقت منه ثم بعد زواجي من آخرين رجعت إليه وتزوجته مرة أخرى).
فالرجل بالنسبة لها مجرد مرحلة تبدأ بالزواج وتنتهي بالطلاق، سواء طالت هذه المرحلة أم قصرت، وأنا لا أستمد وجودي ولا كياني ولا هويتي من الرجل، بل من ذاتي وأولادي وبناتي وكتاباتي، لذلك بمجرد وقوع الطلاق احتضن ابنائي من طليقي ولا أطالبه بأي شيء وأقفل صفحته نهائيًا، وقد نجحت في هذا والدليل أن أبنائي من زيجات مختلفة، لكن الرابط الذي يربط بينهم هو شعور الأشقاء والانتماء إليّ ، فأنا الحضن والأم وأنا الأساس بالنسبة لهم.
وعن مفهومها للحب تقول: ” ظللت أتساءل هل أنا أحببت كل من تزوجتهم حقًا ؟ أم أنني كنت مدمنة لحالة الحب ذاتها كفكرة أو كموضوع؟! وأقصد بهذا حين يقول الشخص إنه أحب شخصًا ما، هل في هذه الحالة يكون حقًا عاشقًا للشخص ذاته ؟ أم لحالة الحب الجميلة التي يجد ذاته فيها؟ لذا الحب كمفهوم من وجهة نظري، أراه مركبًا ويصعب تعريفه.
المقابلة الرابعة كانت عن زواجها الثالث من المرحوم يوسف حميد مفتاح وكان إفريقيًا وبعد انقلاب 1964م رقي لرتبة لواء وعين قائدًا لجيش الانقلاب، تزوجته في نهاية 1966م، وعن الدافع لهذا الزواج تقول فاطمة: ” منذ استشهاد والدي وخلال فترة زواجي من زوجي الثاني المرحوم سالم بن حمد البرواني، كنت أعاني من مضايقات الرفاق واقتحامهم لمنزلي في أي وقت من النهار أو الليل للتفتيش، لم أفهم عمَّ كانوا يفتشون؟ أو عمَّن؟ ولك أن تتخيل حالة الهلع والرعب التي كنت أعيشها أنا وكل من في البيت من جراء هذا التهديد، منظر بشع وغير إنساني ولا رحمة فيه، وفي نفس الفترة طردني رئيسي في العمل من عملي بالهيئة البيطرية دون ذنب ارتكبته ؛ لمجرد أنه كان من الرفاق ومن أتباع حزب الأمة المعادي للعرب.
عانيت معاناة شديدة، لا نقود ولا عمل وأفواه جائعة جميعها تعتمد عليّ في القوت والرمق، اضطررت وأنا المدللة في تربيتي لتعلم خياطة الملابس والطبخ وأعمال أخرى كي أستطيع أن أعيش وأعول من أعول، وصل بي الحال للاستعانة بابنتي شادية (10) سنوات وإيمان (9) سنوات للوقوف على قارعة الطريق كي تقوما ببيع الأكلات التي كنت أطبخها للمارة، فلم يكن باليد حيلة وإن كان هذا الأمر كان يمزقني ألمًا.
وكنت أذهب إلى الشيخ محمد بن ناصر اللمكي للشكوى وكان يساعدني ويخفف عني معاناتي، وفي إحدى زياراتي له كان عنده اللواء يوسف حميد مفتاح قائد الجيش، ونصحني الشيخ أن أطلب مقابلته كي أشرح له مشكلتي، ربما يستطيع مساعدتي ويمنع مضايقات الرفاق عني وعن عائلتي.
وقابلته وأحبني وعرض عليّ الزواج، فتزوجته في نهاية عام 1966م، زواجًا دام 14سنة حتى عام 1980م، وأنجبت منه أبنائي منصور وأماني وشريفة وآخر العنقود ماريسا.
وعن اللواء مفتاح تقول:” كان إفريقيًا خالصًا ولم يكن ثريًا ولكنه كان يمتلك النفوذ والسلطة بحكم منصبه كقائد للجيش، لم يكن متعلمًا بل أميًا يستطيع كتابة اسمه بالكاد، وقبل أن يصير قائدًا للجيش كان يعمل سائقًا للسيارات الثقيلة في الكامب الإنجليزي في شمال إفريقيا وحين وقع انقلاب 1964م، عين فيما بعد قائدًا للجيش، بالنسبة لي كان شخصًا طيبًا ويحبني حبًا كبيرًا.
في المقابلة الخامسة ترد “فاطمة جينجا” على اتهامات من اعتبروا زواجها من قائد جيش الانقلاب خيانة لا تغتفر لبني جلدتها، لا سيما وانه كان إفريقيًا والانقلاب كان انقلابًا للأفارقة على العرب العمانيين.
تقول: “شر البلية ما يضحك”، أنا لم أعرف أنني أنثى جميلة، أو حتى كنت كذلك من وجهة نظر الآخرين، حتى أستطيع مراودة رجل عن نفسه، يوسف هو من أحبني منذ البداية وعرض علي الزواج وألح عليه، أليس بعد الانقلاب الكل فر وفلت بجلده من أجل البقاء حيًا، ومن وجد من ساعده على الفرار بالكثير أخذ أولاده معه والأمثلة على ذلك كثيرة، لكن الوضع معي كان مختلفًا، فحملي كان ثقيلًا، وقبل أن يعلق شخص أو يحكم عليّ، فليضع نفسه في موضعي، سيجد أن زواجي من يوسف كان أمثل السبل وأكثرها شرفًا لبقائي حية وبعزة نفس وكرامة، ولبقاء كل من كان معي.
وعن علاقتها بالقرآن الكريم تقول:” معرفتي بالقرآن الكريم كمعرفة أي مسلم تربى وترعرع في زنجبار، من الأجيال السابقة، فأنا أجيد قراءة القرآن، لأنني تعلمت قراءته في الكٌتاب منذ طفولتي، شأني في ذلك شأن أية طفلة من جيلي ومع مرور السنين وتكرار القراءة حفظت معظم آيات القرآن عن ظهر قلب، وتأسف فاطمة جينجا على ضعف الاهتمام بالقرآن لدى الأجيال الحديثة في زنجبار، فالبعض منهم ضعفاء في القراءة، أو لا يعرفون قراءة القرآن البتة، أو يقرأونه بدون فهم معانيه.
وعن علاقتها بالرئيس عبيد كارومي (1964م ـ 1972م)، تنفي “جينجا” عنه ضلوعه في عمليات الاغتيال والتصفية الجسدية التي انتشرت في زنجبار عقب الانقلاب الذي أطاح بالحكم العربي العماني، وأرجعته إلى أنه بعد الانقلاب كان هناك غوغائية وفوضى واضحة سادت البلاد، ووجود أكثر من جهة أو فرد يمارس نفوذه بطريقته الخاصة، وتذكر للرئيس كارومي مواقفه الإنسانية حين استنجدت به ليسمح لزوجها المسجون بزيارة ابنها الذي كان يحتضر في المستشفى، وكيف وافق على الزيارة وأعطاها مبلغًا من المال لعلمه بظروفها الصعبة، كما تذكر علاقة كارومي الجيدة بالشيخ محمد بن ناصر اللمكي.
في المقابلة السادسة تروي لنا “فاطمة جينجا” عن سبب تزويجها ابنتها الكبرى شادية في سن صغيرة (14) عامًا لأماني ابن رئيس زنجبار عبيد كارومي، وتنفي عن نفسها تهمة إجبار كريمتها على الزواج، وتؤكد أن الزواج تم برضاها وأن ظنها كان في محله، حيث عاشت حياة هنيئة مع أماني الذي أصبح فيما بعد رئيسًا لزنجبار في الفترة من (2000م حتى 2010م) وأصبحت شادية سيدة زنجبار الأولى.
وعن علاقتها بالسلطنة وردها على الشائعات التي تتحدث عن منعها من دخول السلطنة بسبب زواجها من قائد جيش الانقلاب ولذلك لم تزر السلطنة سوى في بداية التسعينيات تقول “فاطمة جينجا”: هذا الكلام لا أساس له من الصحة ومجرد شائعات مغرضة ومحض افتراء واختلاق، أنا لم أمنع من دخول السلطنة لا قبل التسعينيات ولا بعدها، فأنا لا أمارس العمل السياسي ولا علاقة لي بأية حركات مشبوهة سواء سياسية أو غير سياسية، وعمان بها حكومة واعية تعلم تمامًا ما الذي تفعله، وإذا كانت تريد منعي من دخول السلطنة لكوني مطلقة قائد جيش الانقلاب، فمن باب أولى كانت منعت أولادي وبناتي من قائد الجيش من دخول عمان، لمجرد النسب إلى والدهم، فعمان بها معارفي وأهلي وأولادي الثلاثة وابنتي من زوجي الثاني العماني المرحوم سالم البرواني، وجميعهم يحملون الجنسية العمانية، وأنني منذ فترة طويلة آتي إلى السلطنة لإجراء فحوصات طبية على القلب وأتلقى أفضل العلاج والرعاية الصحية بالمستشفيات الحكومية والخاصة، فحكومة السلطنة رحيمة ومعروف عنها عالميًا الإنسانية في تعاملها مع الآخر.
وعن مظاهر الثراء والرفاهية والكرم، التي تعيشها فاطمة جينجا اليوم، حيث تعيش في بيت كبير مملوك لها، مفتوح للضيوف طوال اليوم، في أرقى أحياء زنجبار، يطل على البحر مباشرة، ومبني على مساحة شاسعة للغاية، تحوي بيوتًا أخرى كبيرة “فلل” جميلة مملوكة لأولادها، تقول “جينجا” أما عن الكرم فأنا ابنة عصري ومكاني الذي ولدت فيه زنجبار الثلاثينيات وما بعدها، وسليلة عادات وتقاليد المجتمع المتنوع والثري في ثقافاته وأعراقه من أصول عمانية أو يمنية وهنود وفرس وأفارقة، وأنا فخورة بها وأحافظ عليها، فمن أبرز عاداتنا كعائلات عربية من أصول عمانية في زنجبار سواء الثرية أو العادية، البساطة في التعامل مع الآخر والبيوت المفتوحة لاستقبال الجميع وكرم الضيافة.
أما عن مصدر ثروتها، فتقول أن ما ترينه لم يأت في يوم وليلة، بل كفاح أكثر من ثلاثين سنة، فأنا أجيد التخطيط لحياتي، فبعد سنوات من تأمين حياتي بزواجي من قائد الجيش، وكبر أبنائي منه، استطعت أن أحول البيتين الكبيرين اللذين أملكهما في المدينة الأثرية القديمة بمنطقتي (مالندي) و(شاجاني) ـ بيت أهلي وبيت والدي ـ إلى فندقين يرتادهما السياح الأجانب، وذلك بمساندة بعض المستثمرين، فأنا لم أكن أملك رأس المال الكافي، وبتوفيق من الله نجح المشروع، وأصبح مزارًا سياحيًا يرتاده السياح على مدار العام، رغم رفضي تقديم أي مشروبات روحية فيهما، وكنت اشتري بأرباحي من المشروع قطع أرض، وكانت أسعار الأرض رخيصة منذ عشرين عامًا، ومع ارتفاع الأسعار بعت بعض الأراضي لأشتري مزرعة كبيرة كمشروع استثماري يدر عليّ ربحًا.
فأنا امرأة عصامية بنيت ذاتي بذاتي، وأتحدى أي شخص يقول عني عكس ذلك أو يتهمني بأنني استغللت نفوذ زوجي أو زوج ابنتي أو ابني في الاستيلاء على أملاك الآخرين، فالفساد لم يكن قط من مبادئي ولن يكون.
المقابلة السابعة بدأت بالسؤال عن الزوج الرابع والذي لم يستمر سوى عامين وعنه تقول “فاطمة جينجا”: زوجي الرابع هو المرحوم ماهر نجيب الجيزاوي، كان مصري الجنسية، أتى إلى زنجبار ليعمل مدرسًا لمادة الرياضيات الحديثة، كان يصغرني بتسعة أعوام، تزوجته في زنجبار بعد اعتناقه الإسلام سنة 1980م وطلقت منه عام 1982م في القاهرة، دون أن أنجب منه، تعرفت عليه عن طريق أصدقاء مصريين كانوا يعملون في زنجبار، ومن الوهلة الأولى أبدى إعجابه بيّ والذي سرعان ما تحول من ناحيته لحب جارف، رغم تحفظي معه لكونه مسيحيًا ولفارق العمر بيننا، لكنه ألح في مشاعر حبه والتمسك بي، وعرض عليّ الزواج وأبدى استعداده لاعتناق الإسلام، لم أوافق على الزواج به ليقيني أن اعتناق الإسلام في هكذا حالات لا يكون عن قناعة بالدين.
لم ييأس ماهر واستمر في إلحاحه، حتى استطاع إقناعي بالزواج، وقلت فلأمنحه الفرصة لمعرفة نواياه، ووضعت شرطًا لإتمام الزواج ؛ أن يقرأ عن الإسلام وأن اختياره له كدين تم عن قناعة، وبعد تيقني من إسلامه وقطعه صلته بالمسيحية كدين وافقت على الزواج، وكان ماهر صادقًا في وعده طوال زواجه مني في زنجبار، ولكن في عام 1982م انتقلنا للعيش في القاهرة، وهنا كانت الطامة الكبرى، لم يستطع ماهر مواجهة أهله ومجتمعه بحقيقة إسلامه، واكتشفت أنه كان يذهب إلى الكنيسة بحجة مرافقة والدته، ولم أوافق على ذلك وطلبت الطلاق.
وعن آخر زيجاتها تقول ” فاطمة جينجا”: تزوجت من المرحوم سالم البرواني زوجي الثاني مرة ثانية في انجلترا عام 1983م، وطلقت منه عام 1993م، وعن سبب الزواج رغم قولها سابقًا إنها تطوي صفحة الرجل من حياتها بمجرد حدوث الطلاق ؟.. تقول: أنا لم أسع لفتح أية صفحة من جديد، فالصفحة فتحت من تلقاء ذاتها برغبة كلينا في العودة للآخر، فسالم قال لي إنه لا يزال يحبني وأنه منذ طلاقنا لم يستطع أن يجد نفسه مع امرأة أخرى رغم أنه تزوج وطلق.
وكان سبب الانفصال الإحساس بالغربة وعدم الشعور بالاستقرار طوال عشر سنوات كنت أقضي ستة أشهر في زنجبار ومثلها في انجلترا، مما شكل عبئا نفسيًا عليّ لعدم قدرتي على التأقلم.
المقابلة الأخيرة كانت عن إنتاج فاطمة جينجا الأدبي، واختيارها اللغة الإنجليزية للكتابة، والتي لاحظت آسية البوعلي بعد قراءة روايتين لضيفتها أنها تجيد الكتابة بالإنجليزية التي ملكت ناصيتها على نحو سهل ممتنع، فضلًا عن مستوى وأسلوب في الكتابة ينم عن مستوى أعلى من المستوى الدراسي التي حصلت عليه، وعن سبب اختيارها الإنجليزية للكتابة دونًا عن العربية أو السواحلية، خاصة أنها تعلمت الثلاث لغات تقول: كنت أتمنى الكتابة باللغة العربية، لكن للأسف طوال مراحل دراستي لم أصادف معلمة تحببني في اللغة العربية، أنا وكل جيلي وهذه حقيقة مؤلمة، لأن المدرس هو العامل الأساسي في تقريب أو تنفير الطالب من المادة، فاختيارات مدرسات اللغة العربية كانت سيئة للغاية، لذلك كانت النتيجة صفرًا، عكس اللغة الإنجليزية التي أحببتها بتشجيع من والدي والمدرسة، وقرأت من خلالها عددًا كبيرًا من القصص والروايات.
في بداية رحلتي كنت أستعين بالقواميس عندما تقابلني كلمة إنجليزية لا أفهم معناها، ومع الزمن تكونت عندي حصيلة واسعة من المفردات والتعبيرات ونفس الشيء مع اللغة السواحلية، فهي لا تكتب بها ولا تعرفها كمعرفتها للغة الإنجليزية، وسبب ذلك أنه قبل انقلاب 1964م كانت العربية والإنجليزية هي لغة التدريس في المدارس، ولم يكن هناك اهتمام بالسواحلية والتي تحولت إلى اللغة الرسمية للدولة بعد الانقلاب.
وعن طقوس الكتابة عند “جينجا” والتي لا تؤثر العزلة أو الفردية التي يمارسها معظم الكتّاب وتقول: بالنسبة لي لدي المقدرة التامة على الفصل، فحين أكتب وأنا أكتب وسط الناس، لا أسمع من هم حولي سواء أكان الصوت صادرًا من شخص أو تلفاز أو مذياع أو هاتف، ففي تلك اللحظات أكون مستغرقة في عالمي فحتى من يقاطعني أرد عليه وأعود إلى الحالة الكتابية دون الشعور بالانقطاع.
وعن طبيعة كتاباتها الأدبية وحجمها وبدايتها، تقول: ” أكتب في جنس الرواية فقط، ليس لدي إنتاج أدبي ضخم، نشرت أربع روايات طويلة ـ جميعها بالإنجليزية ـ والآن أكتب سيرتي الذاتية، وقد بدأت الكتابة منذ كنت في العشرينيات من عمري، حين بدأت الكتابة النثرية على هيئة قصص قصيرة أو شبه طويلة، ولكن للأسف لم أحتفظ بأي منها لأنني لم أكن واعية بقيمة ما أكتبه ولأنني في الماضي كنت أستعين بالورق والقلم في الكتابة، فكانت لدي مسودات كثيرة وعدد ضخم من الأوراق فقدتها مع التنقل من بيت لبيت، بالإضافة إلى الظروف القاسية التي مررت بها بعد الانقلاب، لكني منذ خمس سنوات شرعت في الكتابة الأدبية بشكل منتظم، وأستعين بـ (اللاب توب) أو الحاسوب في الكتابة والذي أعانني على الاحتفاظ بكل ما أكتبه ومن ثم نشره.
وعن سبب اختيارها جنس الرواية كنمط للكتابة.. تقول: قرأت أجناسًا أدبية كثيرة منذ صغري ولكني كنت دومًا أميل نحو الرواية، كما أنني قرأت عددًا لا يحصى من الروايات لروائيين إنجليز وعرب وأتراك وإيرانيين.
وعن توظيف اللغة الرومانسية في كتاباتها تقول: الكتابة الإبداعية لا تخضع لخطة مفترضة أو سابقة التجهيز ويقرر الكاتب أن يسير عليها بدقة، فموضوع الرواية هو الموجه الأساسي نحو توظيف عناصرها الفنية.
وعن توظيف عنصر المكان في السرد الروائي تقول: اتخذت من زنجبار كجزيرة لها طبيعتها الجمالية فضاء رئيسيًا للحدث الروائي.

Friday, July 10, 2015

المؤامرة الفرنسية للإطاحة بالامبراطورية العمانية في جزر القمر

أثير: 4 يونيو 2014م

كانت جزيرة موهيلي القمرية من أجمل الجزر التابعة للجزر القمرية والتي كانت تحت سلطة العرب منذ سنوات طويلة ، إذ تشير بعض المصادر ككتاب ( المفاخر السامية في ذكر سلاطين جزر القمر )  إلى أن السلطان العماني أبوبكر بن حسين من أحفاد الإمام محمد بن علي صاحب مرباط تولى الحكم في جزيرة موهيلي القمرية عام 1600م ،وقد توارث أبناؤه الحكم من بعده حتى ضعفت هذه العائلة واستولى على موهيلي شخص يدعى رامنتيكا عام 1832م بعدما اغتصب الحكم من أهلها، وبعدها أعلن إسلامه وأقسم الولاء والتبعية للسلطان سعيد بن سلطان مؤسس الامبراطورية العمانية وذلك لضمان بقائه في الحكم وتثبيت أقدامه بتبعيته للسيد سعيد بن سلطان الذي كان يعتبر حامي الإسلام والمسلمين في المنطقة .
ولذلك لا غرابة أن نرى آنذاك العلم العماني يرفرف في الجزيرة القمرية بموهيلي التابعة وبشكل صريح للسيادة العمانية، حيث بعث السيد سعيد بن سلطان في مارس عام 1836م  موفده الدبلوماسي سعيد بن محمد البوسعيدي الملقب بمقدارا من أجل الوساطة في حل الصراع في جزيرة موهيلي بين السلطان رامنتيكا (عبدالرحمن ) والسلطان عبدالله الثاني سلطان أنجوان الذي كان يريد أن يستعيد موهيلي لحكمه بعدما اغتصبها مثلما ذكرنا أعلاه رامنتيكا، وانتهى هذا الصراع بأسر السلطان عبدالله الثاني ووفاته بالسجن عام 1836م .
وفي عام 1840م  احتلت فرنسا جزيرة نوس بيه المدغشقرية نتيجة تنازل اندريان تسولي سلطان مايوت عنها للفرنسيين ومعها مايوت ذاتها  رغبة منه للتخلص من النفوذ العماني نتيجة كرهه للسيد سعيد بن سلطان، وقد كان هذا الحدث هو نقطة تحول لتقليص نفوذ سلطان عمان وزنجباروبالتحديد في جزر القمر، ولذا فقد وجّه السيد سعيد رسالة إلى حلفائه الانجليز لمساعدته في وقف النفوذ الفرنسي لاحتلال مايوت التي حكمها النباهنة والمناذرة العمانيون لأكثر من قرن ونيف، ولكن كل مساعي السيد لم تكلّل بالنجاح واحتلت فرنسا مايوت وتبعتها بقية الجزر من خلال الصراع العماني الفرنسي الذي خطط كثيرا لتحطيم النفوذ العماني بجزر القمر وبالذات في جزيرة موهيلي التي كانت تتبع عمان في عهـد رامنتيكا الذي مات وخلّف ابنته السلطانة جومبيه فاطمة وأمها الملكة روفاو التي تزوجت بعد وفاة زوجها المدعو تسيفاندين عام 1834م  والذي أصبح الحليف الأول للسيد سعيد بن سلطان والوصي الفعلي للسلطانة الصغيرة جومبيه فاطمة وريثة العرض بجزيرة موهيلي وهي بعمر الـخمسة أعوام .
وكل هذا تسبّب في قلق فرنسا التي أخذت تخطط بكل خباثة لإسقاط النفوذ العماني عن  جزيرة موهيلي القمرية وإستمالة السلطانة الصغيرة وأمها ، وكانت البداية هي استمالة السلطانه التي أصبح سنها 9 سنوات بإرسال الهدايا وبعض الرسائل الودية التي أمر بها مجلس الوزارء الفرنسي المعادي للنفوذ العماني أنذاك، وفي عام 1843م قام المبعوث الفرنسي باسو بزيارة السلطانة ووالدتها محملا بالهدايا تتبعه أوامر السلطات الفرنسية عام 1844م  بوضع خارطة الطريق للإطاحة بنفوذ عمان وزنجبار بموهيلي بكل الطرق المتاحة لذلك، وقد أرسلت فرنسا بعد هذا التاريخ جواسيس لموهيلي عبر السفينة لي كوليبيري بدعوى الدراسة الطبوغرافية لمياه البحر مع بعض الهدايا التافهة التي حملوها للسلطانة الصغيرة منها صندوقان من شراب عصير مركّز استلطف السلطانة جومبيه فاطمه التي عبّرت بكل حفاوة وترحاب بالوفد الفرنسي ، مما أدى إلى أن آمر المحطة البحرية الفرنسية روبين ديسفوسي في بوربون   قام بنفسه في عام 1845م  بزيارة موهيلي لتقصي الأخبار التي وردته بأن السيد سيعد بن سلطان ينوي الزواج بفاطمه أو لديه النية بأن يزوج أحد أبنائه أو أقاربه بالسلطانة ليضمن ولاء الجزيرة لعمان وزنجبار وهي التي لا زالت ترفع العلم العماني في القصر الملكي بموهيلي.
ولذا فإن فرنسا بعد كلّ هذه الأخبار كانت حريصة كل الحرص على أن ترمي بثقلها الدبلوماسي وعملها التجسسي بجزيرة موهيلي لإسقاط التبعية العربية العمانية عن الجزيرة ومحاربة السيد سعيد بن سلطان الذي تسبب بنشر الإسلام في جزر القمر وأواسط أفريقا وكل البقاع الأفريقية التي وصل له النفوذ العماني انذاك ، وكانت أول خطوات الحكومة الفرنسية لضرب نفوذ السيد سعيد بجزيرة موهيلي أن وضعت بداية من عام 1847م  جومبيه فاطمه تحت إشراف مربية فرنسية اسمها مدام درواة كانت تعمل بحملات التبشير لتقوم بدور المخبر والجاسوس الذي يطلع على كل الأمور وتحرّكات السيد من داخل القصر وبنفس الوقت تسيطر على أفكار السلطانة الصغير جومبيه فاطمة وتبعدها عن الفكر الإسلامي العربي.
وقد باشرت مدام درواة عملها بكل مهارة فائقة لدرجة أن السلطانة جومبيه أخذت تتحدث الفرنسية خلال فترة وجيزة ، كما إنها أصبحت تحت سيطرة أوامر مربيتها التي أمرتها بأن ترفض كل هدايا السيد سعيد بن سلطان الذي كان يفكر بالزواج منها لضمان سيطرته على موهيلي، كما إنها عملت جاهدة لإبعاد جومبيه فاطمة عن الإسلام  وزرع روح الكراهية ضد الجنس العربي في قلبها وتطبيعها بالعادات الفرنسية التي أثارت غضب وجهاء جزيرة موهيلي بقيادة تسيفاندين الذي بدوره قدم استقالته وهاجر إلى زنجبار بعدما توج الفرنسيين جومبيه فاطمة سلطانة على جزيرة موهيلي القمرية سنة 1849م  لضمان تبعيتها لهم وهي بذلك امتلكت أهم خيوط وأوراق المؤامرة للإطاحة بالسيد سعيد .
هنا وفي هذا الوضع تنافست الإمبراطورية العمانية وبريطانيا وفرنسا لكسب قلب وود  السلطانة جومبيه فاطمة، وذلك بعرض الزواج منها لأحد الأشخاص المرشحين من قبل الأطراف المتصارعة، حيث كسب ودها السيد سعيد ونجح بتزويجها من مبعوثه إلى الجزيرة في عهد والدها وهو العماني سعيد بن محمد بن ناصر البوسعيدي وخاصة بعدما غادرت المربية الفرنسية قصر السلطانة مجبرة نتيجة الضغوط الشعبية ضدها عام 1852م ، وقد تم فرض عدة شروط على الأمير سعيد بن محمد  لكي يتم هذا الزواج ومنها :
ـ إن جومبيه هي الحاكمة الحقيقية للجزيرة .
ـ لا ينخرط أي عربي في العسكرية إلا بموافقة المجلس .
ـ إذا توفيت جومبيه فاطمه فإن أختها سلمى ستخلفها بالحكم .
ـ إن أنجبت ذكرا من زوجها العربي العماني فإنه لا يمكن له أبداً مغادرة الجزيرة .
ـ لن تلبس السلطانة الحجاب أمام شعبها ولن تتوقف عن الظهور العلني .

ورغم كل تلك الشروط فإن زوجها العماني سعيد بن محمد البوسعيدي أخذ يسيّر السياسة الإقتصادية للجزيرة على غرار سياسة السيد سعيد بن سلطان في زنجبار، وطور النشاطات التجارية للجزيرة لدرجة إنها أصبحت تورد منتجاتها ومقومات المعيشة لجزيرة القمر الكبرى، وحينما تنامى نفوذ السيد سعيد بن سلطان على جزيرة موهيلي بشكل اغاض فيها فرنسا وبريطانيا على السواء ، فقد خطط الطرفان مع معارضي السيد سعيد ترحيل زوج السلطانة إلى زنجبار وطرده من الجزيرة رغم أنه أنجب من جومبيه فاطمة ثلاثة أبناء وهم محمد ،وعبدالرحمن، ومحمود الذين حكموا موهيلي تبعاً بعد وفاة والدتهم .
في هذه الأثناء وبعد وفاة السيد سعيد بن سلطان وتقسيم الإمبراطورية العمانية نتيجة صراع الأخوين السيد ماجد والسيد ثويني على الحكم، ساهم الجنود القمريين بقيادة سعيد بن محمد  البوسعيدي زوج السلطانة للقتال بصف السيد ماجد بحكم أن موهيلي تتبع سلطة زنجبار ولذلك فقد كانت مشاركته في صف السيد ماجد سبباً رئيسياً في عزله وطرده من موهيلي نهائياً عام 1860م ، واجباره على تطليق جومبيه فاطمه للخلاص نهائياً من الأمير سعيد بن محمد البوسعيدي وبالتالي نفوذ الإمبراطوورية العمانية على السواء، وظل الأمير العماني بعيدا عن زوجته مجبراً حتى وفاته عام 1864م  .
وفي عام 1865م ، أقامت السلطانة مثلما وصف المؤرخون علاقة حميمية مع المستثمر الفرنسي لامبير الذي استغل حزنها وضعف عاطفتها بعد وفاة زوجها العماني الأمير سعيد بن محمد وتورطت معه في بعض الديون التي أخذتها منه في تلك الفترة، وكل هذه الأسباب اجتمعت على أن توقع السلطانة فاطمة مع لامبير اتفاقية امتياز مجحفة جداً اعطت من خلالها هذا الفرنسي الكثير من الأراضي في جزيرة موهيلي مقابل ربح 5%  فقط للسلطانة ولمدة ستين عام وبكافة التسهيلات التي مكنت لامبير والفرنسيين من السيطرة فعليا على أراضي السلطانة بموهيلي والذي قابله انحسار كبير وخطير للنفوذ العماني بالجزيرة. حيث تعتبر هذه الإتفاقية هي البداية الفعلية للإستعمار الفرنسي لموهيلي القمرية، فقد سيطر لامبير بفترة وجيزة على المشهد الإقتصادي والسياسي في الجزيرة وأصبح هو الآمر والناهي لدى السلطانة، وفي خضم هذه الأحداث أمر السيد ماجد بزنجبار أبناء السلطانة بالعودة إلى موهيلي بعدما عاشوا بكنف السيد ماجد لمدة 9 سنوات بزنجبار، وكان السيد ماجد يحاول بهذه الطريقة أن يعيد السيطرة العمانية على الجزيرة، وبالفعل عاد الأبناء الثلاثة وأخذوا بموهيلي إثارة السلطانة والرأي العام ضد لامبير والوجود الفرنسي الذي استغل السلطانة وأراضي موهيلي بكل جشع نتيجة رعونة سياسة السلطانة، مما تسبب بهياج شعبي معارض للاتفاقية التي أبرمتها السلطانة مع الفرنسي لامبير، حتى أعلنت السلطانة مجبرة تنازلها عن العرش لأبنها الأكبر محمد ابن زوجها العماني الأمير سعيد بن ناصر البوسعيدي وبمباركة السيد ماجد ابن السيد سعيد بن سلطان  ظناً منها بأنها بهذا التنازل والتنحي ستتخلص من الإتفاقية وبالتالي إسقاط كل هذه الإمتيازات عن الفرنسي لامبير، مما تسبب بأزمة حقيقية بين السلطانة ولامبير لدرجة أن الطرفين تبادلا الشتائم في اجتماعهما بحضرة أعضاء الحكومة  بالجزيرة وتلاسن أبناء السلطانة مع لامبير الذي كان يهددهما بطردهما من موهيلي وإعادتهم إلى زنجبار وأدى ذلك في الأخير أن قامت السلطانة بطرد لامبير والوفد المصاحب له من المجلس ، وفي هذه الأثناء وبعد تعثر المفاوضات بين الطرفين قامت السفن الحربية الفرنسية بقصف الجزيرة وبعض القصور عام 1867م،  في المقابل قام الأهالي الموالين للسلطانة وللعلم العماني بالهجوم على مؤسسة لامبير وحرقها بالكامل وتسويتها بالأرض، وفي ظل هذه الأحداث قام الفرنسيون بقيادة أمبيز آمر السفينة الحربية ليندر بالتوجه إلى زنجبار عام 1868 م للتفاوض مع السيد ماجد في حل إشكالية الجزيرة وتحميله كافة المسؤلية بما جرى، وقد اتفق الطرفان على ان يرسل السيد ماجد مبعوثه الى موهيلي لترحيل ابناء السلطانة سيف وعبدالله وارجاعهما الى زنجبار مع أمهم السلطانة جومبيه فاطمة، وبنفس الوقت تم تنصيب السلطان محمد بن سعيد البوسعيدي سلطان على موهيلي عام 1867م وتم رفع العلم العماني مشروطاً من فرنسا بالإلتزام الكلي بإتفاقية لامبير بموهيلي، ولكن صغر سن السلطان الجديد واعتزله العمل السياسي مؤقتاً  تسبب في أن يصبح تحت وصاية وسلطة لامبير وبالأخص في عام 1868 م حينما استطاع هذا الفرنسي أن يقنع وجهاء الجزيرة بأن يتم تغير العلم العماني وبالأخص بعد هجرة السلطانة الى زنجبار وأن يصبح السلطان الجديد مستقلا عن السلطة العمانية مع التأكيد على التزام موهيلي بإتفاقية لامبير، وكل ذلك مكنه بأن يصبح الآمر والناهي بالجزيرة وبمرتبة تشبه رئيس الوزراء مع السلطان الشاب الجديد المجرد من كل سلطاته، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل استطاع لامبير أن يقنع أهالي موهيلي بعدم الإعتراف بجومبيه فاطمة وعدم السماح لها بالرجوع إلى الجزيرة كسلطانة وتجريدها بشكل نهائي من العرش، ولذلك فقد توجهت السلطانة فاطمه إلى فرنسا تشكو الوضع من تصرفات لامبير والتي أيضاً لم تكن تتوافق كلياً مع الدبلوماسية الفرنسية للسيطرة على الجزيرة مثلما خطط له الإستعمار، ولذا فقد أتت الأوامر من الحكومة الفرنسية إلى لامبير للتخلي عن وصايته على السلطان الجديد وأن يتوقف فورا من التدخل في القرارات السياسية للجزيرة لأنها تمثل شخصه لا الحكومة الفرنسية وأن يتنازل عن بعض أملاكه بالجزيرة مقابل مبلغ من المال، فهاجر هذا الفرنسي موهيلي متجه إلى جزر القمرعام 1869م ، وساءت علاقته مع السلطان محمد ذلك الشاب العربي العماني الذي وقف كثيراً ضد لامبير رغم كل الضغوطات التي كان يمارسها بمعية السلطات الفرنسية سابقاً .
وفي عام 1870 م منيت فرنسا بهزيمة نكراء في معركة سيدان  التي استطاع من خلالها الألمان أسر الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث، وهذا الحدث جاء في صالح السلطانة التي ارادت العودة إلى جزيرتها وترك زنجبار وبالأخص بعد وفاة السيد ماجد سلطان زنجبار في نفس العام، وفي عام 1871م عادت جومبيه فاطمة لجزيرة موهيلي برفقة ابنها عبدالرحمن بن سعيد البوسعيدي، وصاحب ذلك ثورة شعبية مناصرة للسلطانة ضد التسلط الفرنسي من خلال أملاك لامبير التي شملت أغلب أراضي الجزيرة، ولتحد فرنسا من هذه المقاومة وعدم إلتزام السلطانة بالإتفاقيات المبرمة معها، قامت بقصف موهيلي والإستيلاء على القصر السلطاني ورفع العلم الفرنسي وترحيل كل المعارضين من الوجهاء للإستعمار الفرنسي.
فتحت فرنسا مع السلطان محمد باب التفاوض من جديد لكي يتجنب الوجود الفرنسي من أي اعمال شغب تهدد وجودهم  فتم في نفس هذا  العام اي في عام 1871م  ابرام اتفاقية بين الحكومة الفرنسية والسلطان محمد البوسعيدي تنص على ان يتم التقليل من الأراضي التي يملكها لامبير ليستغلها الأهالي حيث أصبحت ملكية اراضي لامبير بمساحة 5000 هكتار مع إعطاء لامبير حق مزاولة قطع أشجار الجزيرة الغير مزروعة من قبل الأهالي لتلبية إحتياجات مصانعه وبذلك عادت الجزير للهدوء نتيجة هذه الإتفاقية كما عادت العلاقة العاطفية مرة أخرى بين جومبيه فاطمة والفرنسي لامبير رغم كل الذي حدث وبالأخص بعدما انفصلت من زوجها الملغاشي بكاري سمبا بعد فترة وجيزة من زواجهما !!!
وفي عام 1673م  مات المدعو لامبير عن عمر يناهز الـ49عاماً وقد أدت وفاته إلى حزن السلطانة التي ما كادت أن تنسى حزنها على لامبير حتى فجعت مرة أخرى بوفاة ابنها الأكبر السلطان محمد البوسعيدي في عام 1874م  وهذا الحدث جعلها تعود مرة أخرى إلى حكم جزيرة موهيلي رغم الرفض الشعبي لذلك.
عودة السلطانة إلى الحكم أدى إلى عودة علاقتها الحميمية مرة أخرى مع الحكومة الفرنسية وقد توج كل ذلك بزواجها للمرة الرابعة بالأدميرال الفرنسي لانجلاي عام 1875م  وساهم هذا الزواج بشكل كبير في استمرار المخطط الفرنسي للسيطرة على كل ما يتعلق بجزيرة موهيلي وقد أنجبت منه طفلين اسمهما باكوكووسليمي.
وفي عام 1878م  توفيت السلطانة جومبيه فاطمة عن عمر ناهز اثنين وأربعين عاماً بعد أن حكمت جزيرة موهيلي ثمان وثلاثين سنة، ولم يكن لموتها أي ضجيج أو حزن من قبل أهالي موهيلي المستاؤون من سلطانتهم المسلمة التي تزوجت في أواخر حياتها من رجل أوروبي غير مسلم.
وقد تم انتقال الحكم لابنها عبدالرحمن بن سعيد بن ناصر البوسعيدي في عام 1878م وهو ذو الثمانية عشر عاماً بأشراف من فرنسا وزوج السلطانة الراحلة الفرنسي لانجلاي، وقد كان السلطان عبدالرحمن البوسعيدي يبغض بشدة السيطرة الفرنسية على الجزيرة ولم يخف ذلك أمام الفرنسيين، ولكن سفره إلى زنجبار ولمدة عامين لزيارة أقاربه من البوسعيديين وأيضا للزواج من أحد العمانيات وهي من الأسرة الحاكمة كانت سبب رئيسياً بالإطاحة به وقتله في عام 1885م  نتيجة ثورة شعبية اجتاحت موهيلي بعد رجوعه إليها نتيجة الفتن التي تم إشعالها ضده وبمخطط فرنسي بحت.
ولقد أدى ذلك إلى أن يحكم موهيلي رجل يدعى محمد بن الشيخ مختار وهو من الأسر القديمة الحاكمة في الجزيرة ولكنه عُزل بعد عام واحد من حكمه وتم تعين ابن أخته مرجان بن عبده الذي وقع مع السلطات الفرنسية معاهدة الحماية في عام 1886م  لتصبح موهيلي رسمياً تحت الحماية الفرنسية.


 السلطانة جومبيه فاطمة (1841م - 1878م)
المرجع:
كارهيلا ، حامد - صراع الحب والسلطة ، السلطانة جومبيه فاطمة (1841م - 1878م)  والتنافس الفرنسي العماني على جزيرة موهيلي القمرية ، الطبعة الأولى ، دار الفرقد للطباعة والنشر - دمشق 2012م.

 http://www.atheer.om/Article/Index/6537

العماني الذي اغتال الرئيس كارومي

أثير : 27 أغسطس 2014م

الكثير منا قرأ وسمع عن ذلك اليوم الأسود من عام 1964م في زنجبار، اليوم الذي قتل فيه آلاف العمانيين نتيجة إنقلاب دموي همجي قاده مجموعة من الأفارقة ضد الوجود العماني العربي في زنجبار التي كانت في عهد السلطان جمشيد بن عبدالله آل سعيد .

 وقد قاد ذلك الإنقلاب الدموي عبيد أمان كارومي الذي استباح الدماء والأعراض مع مجموعة من المرتزقة أنهوا من خلال إجرامهم الحكم العماني الذي دام أكثر من قرن ونصف في تلك الجزيرة التي اشتهرت بأندلس العرب في أفريقيا .

حكم بعدها كارومي زنجبار بسياسة همجية قضى فيها على الكثير من العرب العمانيين كما اضطهد كل ما هو عربي حتى وصل به الأمر إلى القضاء على أعضاء حكومته المتعلمين خوفاً على كرسي حكمه الذي وصل إليه بعد ذلك الإنقلاب الأسود في زنجبار.

ومما لا شك،  فإن روح الإنتقام ضد كارومي لدى العمانيين كانت حاضرة في تلك النفوس التي أنجاها الله من المذبحة ، لا سيما الشباب منهم من تجرع لوعة فقد الأهل والأحباب، ولقد كان  العماني حمود بن محمد بن حمود البرواني واحد من هؤلاء الشباب الغيورين ،فقد  كان حزيناً جدا لمقتل والده ، وتوعد بأن يثأر لأبيه بإغتيال رئيس الإنقلاب عبيد كارومي رئيس زنجبار آنذاك، فخطط لذلك خير تخطيط .

كان حمود البرواني اشتراكي الفكر بعدما انضم إلى حزب الأمة الذي قاده المنشق عن الحزب الوطني عبدالرحمن محمد بابو ، وتقول المصادر التاريخية بأن هذا الحزب كان هو المسؤول الأول عن تردي الأوضاع في زنجبار في عهد الإنقلاب بل كان المسؤول الأول في تصفية الكثير من المعارضين لتلك السياسة الهمجية التي يسير على نهجها رئيس زنجبار عبيد كارومي.

وبحلول عام 1971م ، كان شعب زنجبار في أوج محنته، ومهانته، وأصبحت المجاعة هي السمة البارزة لحياة أهل زنجبار العرب والسواحلية على السواء .

ولا شك أن حمود البرواني كان يعايش كل هذه المعاناة، ويخطط للوصول إلى الرئيس كارومي مثلما أسلفنا للإنتقام من مقتل والده ، ولذا فقد انتسب إلى القوات المسلحة، وأصبح برتبة ملازم بجيش كارومي ينتظر الوقت المناسب لتنفيذ عملية الاغتيال.

وفي يوم الجمعة الموافق 7 ابريل من عام 1972م بينما كان الرئيس عبيد أمان كارومي ومجموعة من وزرائه في الطابق الأرضي لمقر حزب الأفروشيرزاي يلعبون طاولة الزهر داهمهم حمود البرواني الذي كان عائدا للتو من التدريب العسكري من  إحدى دول أوربا الشرقية، ودخل عليهم، شاهرا سلاحه،فأفرغ طلقاته في الرئيس كارومي الذي خرّ صريعاً في عملية الإغتيال هذه التي انتهت قصتها بمقتل منفذها العماني حمود البرواني ، لينهي بعملية الاغتيال هذه طاغية حكم زنجبار بالحديد والنار وقتل بقيادته لذلك الإنقلاب المشؤوم عام 1964م الآلاف من العمانيين بدم بارد في ظل صمت دولي فاضح غضّ الطرف عن  تلك المذابح .          

قائد اللإنقلاب المشؤوم عبيد أمان كارومي 

 

المرجع:

 

1 – زنجبار شخصيات وأحداث (1882م – 1972م ) – ناصر بن عبدالله الريامي – دار الحكمة – الطبعة الأولى 2009م .

الحب الذي أوصل العمانيين النباهنة إلى حكم كينيا

أثير: 9 يوليو 2015م

من كان يجزم بأن تاريخ السلطة لم  يأت إلا بالدماء والحروب ، فهو مخطيء، بلا شك،  وبالأخص إن لم يطّلع على  التاريخ المشرّف لأهل عمان الذين  أسسوا ممالك مزدهرة ،هناك في الشرق الأفريقي بالحب، والإحترام، والسلام، وحسن التعامل، والتسامح ، ونشروا الدين الإسلامي إلى الكثير من شعوب القارة السمراء  .

ولا شك إنّ أرقى مراحل الحب في حياة البشر هو الزواج المقدّس الذي يذيب الفوارق، ويقوّي العلاقات الإنسانية بالمصاهرة التي تصل بالمودة إلى أجمل مراحلها .

ولا شك إنّ العمانيين كانوا أهل تجارة، وقيادة، وكانت زياراتهم لأفريقيا متواصلة منذ فترات زمنية طويلة، وأسسوا لهم هناك ممالك، وسلطنات ازدهرت بشكل كبير، وملحوظ وكانوا حلقة وصل بين تجار القارتين الآسيوية والأفريقية .

ويذكر التاريخ أن العماني سليمان بن نبهان بن مظفر النبهاني الذي هاجر من عمان ليستقر في كينيا وتحديدا في جزيرة باتي قبل عام 599هـ  كانت تربطه علاقة ودّ، واحترام  مع سلطان الجزيرة إسحاق بن محمد البتاوي ، وهو من نسل حكام المنطقة منذ القرن الأول الهجري ، وتقول المصادر التاريخية بأن سليمان النبهاني حينما وصل إلى الجزيرة كان ذا ثروة، وقد كان أول ما فعله عند وصوله أن أرسل الهدايا إلى سلطان باتي وكبار وزرائه ، كذلك قدّم بعض المؤن، والمساعدات لفقراء الجزيرة الذين أحبوا هذا العماني الكريم القادم من شرق الجزيرة العربية .

وفي ظل استقرار سليمان النبهاني في الجزيرة وازدهار علاقته الإيجابية مع السلطان إسحاق الباتي ترجم الطرفان هذه العلاقة الحميمية بزواج سليمان النبهاني ببتاوينا ابنت السلطان، فأدى هذا الحب ،وتلك المصاهرة  إلى تنازل السلطان إسحاق عن الحكم فيما بعد لصهره العماني سليمان النبهاني سنة 599هـ ، ليصبح بذلك سليمان أول حاكم نبهاني لجزيرة باتي الكينية لتبدأ من هذا التاريخ سلطنة بني نبهان تلك السلطنة العمانية الإسلامية العربية التي  تولت حكم ساحل شرق أفريقيا لمدة طويلة بداية من عام 599هـ وحتى عام 1229هـ ، وبلغ عدد سلاطينهم حوالي 32 سلطانا.

دولة بني نبهان في كينيا :

هنا سنكتفي بذكر أهم الحكّام النباهنة الذين حكموا جزيرة باتي الكينية، وازدهرت من خلالهم الدولة النبهانية ووصلت لأوج ذروتها 

السلطان محمد بن سليمان النبهاني (625 -650 هـ): 

مثلما أسلفنا كانت البداية  في عام 559هـ بيد المؤسس سليمان النبهاني الذي مات في عام 625هـ ، وخلفه إبنه محمد بن سليمان النبهاني في الحكم ، وهو أول من حمل لقب سلطان باتي، وقد كانت له منزلة رفيعة جدا في قلوب أهل باتي لكونه إبن إبنة السلطان إسحاق قريبتهم ، واستمر محمد في الحكم لمدة 25 سنة ، وحينما مات ترك ثلاثة أبناء وهم أحمد وسليمان وعلي.

السلطان أحمد بن محمد النبهاني ( 650 – 690هـ ) :

حينما مات السلطان محمد خلفه إبنه أحمد بالحكم ، ولكن البعض من أهالي باتي لم يرتضوه حاكما وزرعوا الفتنة بينه وبين أخويه ليدبّ الصراع بين أحمد ما جانب وأخويه سليمان وعلي ، وفي هذه الأثناء تدخلت والدتهم السلطانة بتاوينا ، ونصحت إبنها أحمد بالصلح مع أخويه ليستقيم له الأمر في الحكم .

فاستدعى السلطان أحمد رجلا مسنّا حكيما كان صديقا لوالده، ويدعى علي بن عثمان بن سيف بن مظفر ليصلح بينه وبين أخويه ، فاستطاع فعلا أن ينجح بإقامة الصلح بين الأخوة المتصارعين وحلّ الوفاق بينهم ليسود المدينة مرة أخرى حالة الهدوء والسلام .

لقد كانت من أهم إنجازات السلطان أحمد النبهاني في باتي هو اهتمامه بتحسين إدارة وموارد الدولة وتنميتها ، وتعزيز الجيش بهدف توسعة ممتلكات الدولة مستقبلا ، كما أمر بتنفيذ الكثير من المشروعات التنموية، فأنشأ المزارع، وحفر الآبار، وبنى البيوت الحجرية، ونوع من مصادر الدخل في البلاد مما أكسب أهالي باتي الإستقرار المعيشي الذي أرسى بواسطته السلام في البلاد.

السلطان الفاتح محمد بن أحمد النبهاني( 690 – 740هـ )  :

حينما مات السلطان أحمد سنة 690هـ خلّف ابنين هما عمر ومحمد وابنتين هما موانا خديجه ، وموانا ميمي ، وقد آل الحكم من بعده لإبنه محمد وهو أول من تلقب بلقب ( بوانا فومو مادي ) ، وكان يتميز السلطان محمد بجمال المظهر، وحسن التصرف، والكرم ، وكان يتمتع بحسّ قيادي عالي المستوى، واتّصف بحكمته ، وحنكته السياسية.

ولقد عمل السلطان محمد بتوسيع رقعة البلاد فاتجه إلى إخضاع الجزر الواقعة حوله، ففتح شانجا وفازا ومناطق قبائل الراسيني ، ومن ثم اتجه للسيطرة على الاقليم الممتد من شمال باتي حتى مقديشو في الصومال، وكل المدن الواقعة في هذا الإمتداد ككيونجا وتولا وكوياما وماركة وكسمايو ، وأعلن السلطان محمد سيطرته وحكمه على مقديشو تلك المدينة المهمة في خط التجارة للسفن القادمة من عمان واليمن وفارس والهند .

السلطان عمر بن محمد بن أحمد النبهاني ( 740 – 795هـ ) :

حينما مات السلطان الفاتح  محمد بن أحمد النبهاني سنة 740هـ  تولّى الحكم ابنه عمر النبهاني الذي لقّب بـ ( بوانا فومو عمر ) ، ولقد ورث من والده الصفات القياديّة، والحنكة السياسية ، فواصل فتوحات الدولة النبهانية في أفريقيا ، وقاد جيوشه نحو التوسعة، فاستولى على الكثير من المدن الواقعة في كينيا وتنزانيا من أقصى الشمال حتى أقصى الجنوب بدءا من مدينة بانجاني وسعداني، وتانجا ، وكلوة وكريمبا  لتدين له كل هذه المدن بالولاء والإعتراف بسلطنته، ونطاق حكمه حتى وفاته عام 795هـ .

وهكذا من خلال سيرة السلاطين العمانيين من بني نبهان الأوائل في شرق أفريقيا نجد بأنهم استطاعوا في الفترة الأولى من عهدهم أن يؤسسوا سلطنة عربية عمانية إسلامية مزدهرة بدأت عن طريق الحب والود وامتدت حدودها من مقديشو في الجنوب حتى موزنبيق في الشمال فارضين حكمهم فيما بعد على منطقة ساحل شرق إفريقيا بأكمله .

المرجع : الهجرات العمانية إلى شرق إفريقيا ما بين القرنين الأول والسابع الهجرين ( دراسة سياسية وحضارية ) ، سعيد بن سالم النعماني ، دار الفرقد للطباعة والنشر والتوزيع( سوريا) ، النادي الثقافي العماني  ، الطبعة الأولى 2012م .

Friday, July 3, 2015

ومرت خمسون سنة على الانقلاب

زاهر بن حارث المحروقي

الثلاثاء, 07 يناير/كانون ثان 2014 م
جريدة الرؤية

"1"
يوم الأحد المقبل 12 يناير، تمر الذكرى الخمسون لانقلاب زنجبار والذي أنهى الحكم العماني هناك، وأدى إلى مذبحة كبيرة راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء وتم الاستيلاء على ممتلكاتهم بالقوة، بعد حكم عماني حقق العديد من الإنجازات والتي لا تزال قائمة تشهد على عراقة العمانيين الذين جعلوا من زنجبار منارة لأفريقيا كلها، والتي كانت السباقة في كل نهضة وتطور على صعيد البنيان والتطور والنماء أو على الصعيد السياسي والثقافي والنيابي والإعلامي والتعليمي.
"2"
إن هذه الذكرى يجب أن تفتح مجالات نقاش ودراسات حول التاريخ العماني في أفريقيا، ليس من باب التغني بالأمجاد الغابرة أو البكاء على الأطلال، وإنما لمعرفة ماذا حدث؟ وكيف حدث؟ ولماذا حدث؟، فعجلة التاريخ تدور ولن تعود إلى الوراء، فلا يمكن معرفة الحاضر أو المستقبل إلا بمعرفة الماضي، وشبابُنا اليوم في حاجة ماسة للتعرف على أمجادهم وتاريخهم، فإذا لم يعرفوا ذلك من وطنهم فلن يعرفوه من الآخرين.ومما يؤسف له أن تمر السنون الخمسون هذه، وقد شاهدنا خلالها طمس الهوية العمانية هناك، في كل شيء من جانب الإنقلابيين ومن جانب العمانيين أنفسهم الذين بدوا وكأنّ الموضوع لا يعنيهم لا من قريب أو بعيد، مما أعطى أناسا آخرين ليس لهم علاقة بذلك المكان أو ذلك التاريخ، الفرصةَ في أن يتصدوا لسرقة ذلك الإرث الحضاري ومحاولة نسبه إلى أنفسهم، كما أنّ بعض القنوات الفضائية التي اهتمت بذلك، حاولت من جانبها التقليل من الدور العماني، وكل ذلك لأنّ من يُفترض أن يهتموا لم يهتموا، وقد خسرنا الكثير من التدوين والتوثيق لأنّ الكثيرين ممن عاصروا الأحداث انتقلوا إلى الدار الآخرة، وأخذوا معهم التاريخ في صدورهم، مما أوجد إشكالا عند الجيل الجديد من أبناء الوطن الذين لا يعرفون شيئا عن تاريخ بلادهم الناصع وتاريخ أسرتهم الحاكمة.لقد حدثني أحد الشباب الخريجين أن كتاب "زنجبار- شخصيات وأحداث" الذي ألفه "ناصر بن عبد الله الريامي"، أفاده كثيرا في معرفة تاريخ الوجود العماني في الشرق الأفريقي، وكان اندهاشه أنّ أحداث الانقلاب وقعت في الفترة القريبة جدا، عكس ما كان يظنه، وكان اندهاشه أكثر أن السلطان "جمشيد بن عبدالله آل سعيد" آخر السلاطين العمانيين في زنجبار ما زال على قيد الحياة، وذكر لي مما ذكر أنّ هناك خطأ في مناهجنا وفي إعلامنا، إذ أنّ التاريخ العماني والشخصيات العمانية غائبان عن الإعلام والمناهج، ويرى أنّ كل ما نفعله هو رد فعل فقط، إذ نقيم الدنيا ولا نقعدها إذا أحدٌ مّا نسب إليه بعض الشخصيات العمانية أو نسب إلى نفسه بعض التاريخ العماني، أو انتحل الفنون العمانية، وفي واقع الأمر فإنّ التقصير منا.
وأنا أؤمن بكلامه وأراه عين الصواب، فهل كنا ننتظر أن تثور تلك المناقشات في مواقع التواصل في النت عن التاريخ والشخصيات العمانية والفنون العمانية، حتى نفكر في إنشاء قنوات تراثية أو مراكز تهتم بالتراث العماني؟!
ودائما عندما تصدر قرارات كردّة فعل، تكون قرارات فاشلة ولن تؤدي الغرض المطلوب.ومن التقصير العماني حول زنجبار، أنّ قنصليتنا هناك بدأت عملها منذ أكثر من 20 عاما حتى الآن، ولكن مع ذلك فإنّ التقصير واضح في العديد من المجالات، إذ أن قصور السلاطين مهملة، واندثرت قبور شخصيات عمانية مهمة مثل قبر "أبو مسلم البهلاني" وقبر "أبي نبهان الخروصي"، حيث حكى الشيخ "أحمد الفلاحي" أنه فوجيء تماما عندما ذهب لزيارة مرقدي العلمَين العمانييّن، فوجد أن القبور قد اندثرت وليس لها وجود في الواقع، ثم إنّ المتتبع لحلقات برنامج "من السواحل" الذي أعده وقدمه الزميل "محمد المرجبي" عبر التلفزيون العماني، يخرج بانطباع هو أنّ التقصير لم يقتصر على المباني وعلى الأموات، بل لحق الكثير من البشر، خاصة من الذين ولدوا في عمان وهاجروا إلى تلك الديار طلبا للرزق، ثم تقطعت بهم السبل، فأصبحوا أقرب إلى "البدون"، في وقت كان من الممكن دعم هؤلاء بالمال مع بقائهم هناك، وهي مصلحة إقتصادية عمانية بحتة لو نظرنا إليها من منظور ذي بعد وطني.

"3"
حتى صباح السبت 11 يناير عام 1964 كانت زنجبار، جزيرة عربية، يحكمها سلطان عربي وهو حفيد السيد "سعيد بن سلطان"، ففي مساء ذلك السبت عاد الناس إلى بيوتهم، والهدوء يلف الجزيرة، وبعد منتصف الليل شق الهدوءَ صوتُ بعض الطلقات، لم يستمر طويلا، فذهب الناس إلى نومهم مطمئنين، دون أن يتوقعوا أنّ الأسوأ في طريقه إليهم، وما هي إلا ساعة بعد انتصاف الليل، حتى وقع الفأس في الرأس، فقد اجتاحت الأحياء والدور العربية فرقٌ من الجنود، فشرعوا في قتل سكانها من العمانيين، واستباحوا النساء، ونهبوا البيوت والممتلكات، وخلال دقائق معدودة تحولت بيوت العمانيين وأحياؤهم، إلى مسالخ وإلى حمامات دم، وأصبح "قتل طفل أو شيخ أو امرأة عربية أسهل من التفكير بقتل نملة"، حيث ذكرت بعض الإحصائيات غير الرسمية أنه سقط في هذه المذبحة ما يزيد على 20 ألف قتيل، ولم يطلع صباح الأحد يوم 12 يناير 1964 إلا وزنجبار، لم تعد عربية، فقد كانت طلقات الرصاص تلك إيذانا بساعة الصفر لعملية حصار لمقر السلطان "جمشيد"، فقد نجحت أساليب التحريض والتجهيل والغزو الفكري على مدى العقود الماضية، في تفريغ أدمغة بعض الأفارقة من قيم الأخوة والتسامح بل والإنسانية، وحشوها بنزعة التعصب والعنصرية وبثقافة الحقد ضد العمانيين، فكان الإنقلاب الدموي، لاستئصال شأفة العرب حكاما ومحكومين، تم معظمه بالسلاح الأبيض وبدم بارد، وفي أكثر الانقلابات وحشية ودموية في القرن العشرين.
هناك مجموعة من الكتب التي صدرت من بعض الشخصيات العمانية التي عاشت التجربة، أو من الذين التقوا بمن عاش التجربة، ومن هذه الكتب كتاب "زنجبار – التكالب الإستعماري وتجارة الرق" الذي فند فيه مؤلفه الشيخ "عيسى بن ناصر الإسماعيلي" المزاعم الغربية حول دور العمانيين في تجارة الرق، وهو كتاب هام اعتمد فيه على الأسلوب العلمي في تفنيد كل الأكاذيب، وهناك كتاب آخر هام هو كتاب "الصراعات والوئام في زنجبار"، وتنبع أهمية هذا الكتاب أنّ مؤلفه هو الشيخ "علي بن محسن البرواني" آخر وزير خارجية في زنجبار العربية، إذ جاء الكتاب كشهادة عصر وذكرياته عن الانقلاب، وعن عشر سنوات قضاها سجينا في سجون "نيريري"، وهناك كتاب آخر صدر مؤخرا عن زنجبار لمؤلفه السيد "سعود البوسعيدي" يحكي ذكرياته عن الحدث، كما أن "حبيبة الهنائية" لها كتاب عبارة عن ذكريات الطفولة كما سمعتها من أهلها عن الانقلاب وعن رحلة تهريبها من هناك خوفا من رجال "عبيد كرومي" سمّته "العودة إلى حيث الحلم"، وتستعد "هدى حمد" لإصدار رواية "التي تعدّ السلالم" توثق لبعض ما حدث يوم الانقلاب، وكان قد صدر كتاب "زنجبار – شخصيات وأحداث" الذي فند فيه مؤلفه "ناصر الريامي" الكثير من الأباطيل والافتراءات التي نسجتها أقلام الاستعمار ضد الحكم العماني في أفريقيا، ووثّق تاريخ شخصيات كانت تمثل صفوة المجتمع العماني آنذاك، في كافة الجوانب من فقهاء وعلماء وقضاة وشعراء وأدباء وكتاب وصحفيين ورحالة ومغامرين وتجار، ومن الفصول المهمة في الكتاب، الفصل الرابع الذي عنونه بـ "سقوط زنجبار"، استعرض فيه انقلاب يناير الأسود، وركز على أهم التفصيلات منذ البدايات الأولى وحتى لحظات الإعلان عن سقوط زنجبار، معتمدا على المقابلات الشخصية، منها مقابلات مطولة مع السلطان "جمشيد" نفسه في بيته المتواضع في حي "فيكتوريا جروف" في مدينة "بورتسماوث" في بريطانيا والذي اشتراه بعد الإنقلاب وما زال يعيش فيه حتى اليوم.لقد شكلت هذه الكتب وغيرها، ردا منطقيا على العديد من الكتب والدراسات الغربية التي شوهت التاريخ العماني في أفريقيا، فألصقت بالحكم العربي تهمة التعاون مع الاستعمار، وحمّلت العمانيين أكثر التهم سوادا في تاريخ أوروبا وأفريقيا، وهو بيع الآلاف من الرقيق الأفارقة لأوروبا وأمريكا، فيما كان الدفاع العماني غائبا وغير مسموع.

"4"
بقدر ما هو شيء مهم وعظيم توثيق التاريخ العماني في زنجبار، إلا أنّ مَن يطلع على الواقع، فإنه يصاب بحسرة وألم لما آلت إليه الأمور هناك، خاصة بعد أن يطلع على المؤامرات التي حيكت ضد هذا الوجود وضد الأسرة الحاكمة التي لها الفضل الكبير في تطور ورقي الشرق الأفريقي كله، خاصة العاصمة زنجبار، التي ترقد على ثراها شخصية عبقرية نادرة في الوطن العربي هو السيد "سعيد بن سلطان" الذي أسس الحكم العماني الحديث هناك، وبنى دولة عصرية كانت الأولى في القارة كلها، وهو الذي بنى اقتصاد زنجبار بزراعته للقرنفل في تلك الجزيرة والذي أصبح مصدر الدخل الرئيسي الآن، فالمسؤولية كبيرة على الجهات المعنية في الدولة لإعادة الاعتبار إلى ذلك الجزء من تاريخ الوطن بالحفاظ على ذلك التاريخ والإرث الحضاري كل في مجاله.

زنجبار أرض الدم والقرنفل

زاهر بن حارث المحروقي
جريدة الشبيبة
  1.  1 "

    نبهني الدكتور محمد بن ناصر المنذري يوم 6/12/2007م أن قناة العالم الفضائية تبث برنامجا عن عمان وزنجبار، وقد سارعت إلى مشاهدة ما تبقى من البرنامج حيث كان جزء كبير منه قد فات، ومع ذلك فإن الجزء الذي شاهدته أعطى صورة واضحة عن مجمل الحلقة. 

    استضاف برنامج تحت الرماد في هذه الحلقة تحت عنوان زنجبار ارض الدم والقرنفل، صحفيا من زنجبار هو عبد الله يحيى سالم، عبر الأقمار الصناعية من القاهرة، وفي الأستوديو من بيروت، الباحث الزنجباري عبد الوارث عبد الله موسى، كما استضاف عبر الهاتف من مسقط، الدكتور سعيد الهاشمي أستاذ التاريخ بجامعة السلطان قابوس وكان المذيع في حقيقة الأمر نجم الحلقة بمعلوماته القيمة التي قدمها للمشاهدين وبإلمامه التام لما وقع في زنجبار. 

    وبداية فإن اسم البرنامج نفسه تحت الرماد لا يمكن أن يخفى معناه وله دلالة واضحة، ويبدو أن البرنامج ينهج هذا النهج في اختيار مواضعه، وهذا قد يطرح سؤالا هل كان وراء هذه الحلقة أجندة معنية أو هدف معين أم أن الموضوع جاء مصادفة؟ خاصة إذا عرفنا توجه ورسالة القناة؟! وقد ركز مذيع البرنامج في أسئلته على الماضي من خلال الانقلاب الذي أطاح بالحكم العماني هناك وعلى المستقبل من خلال التركيز على أن هل يمكن أنتعود زنجبار إلى عمان؟!

    عند السؤال عن انتشار الإسلام في زنجبار تجاهل الباحث عبدالوارث عبدا لله موسى دور العمانيين تماما في نشر الإسلام في القارة الأفريقية، وهذا التوجه أصبحنا نسمعه ممن له عقدة من الدور والتاريخ العماني، بل إنني أقول إن العمانيين أنفسهم يجهلون الدور الحضاري والسياسي والتاريخي والريادي الذي قامت به عمان ليس في افريقيا وحدها بل في آسيا وغيرها من المناطق على مر التاريخ ( ويمكن ملاحظة بعض التعليقات على موضوع هذه الحلقة في بعض منتديات الحوار)، ولكن مما يسعد الآن أن في السلطنة بعض الشباب بدأ يهتم بالتاريخ العماني في الشرق الأفريقي منهم الدكتور محمد المحروقي والدكتور محسن الكندي والدكتور سعيد الهاشمي من جامعة السلطان قابوس، كما أن الدكتور محمد بن ناصر المنذري تناول دور العمانيين في نشر الإسلام في الشرق الأفريقي في بحثه القيم لنيل درجة الدكتوراة تحت عنوان علاقة عمان الخارجية وأبعادها الحضارية من صدر الإسلام حتى نهاية القرن الرابع الهجري، ولا ننسى ما قام به التلفزيون العماني من تغطية الوجود العماني في شرق أفريقيا، وهو جهد مشكور قام به الزميلان محمد المرجبي ومحمد التوبي، وإن كان البرنامج به بعض النواقص إلا أنه سيبقى توثيقا مهما لبعض الأحياء الذين ولدوا في عمان وهاجروا إلى القارة السمراء، والبرنامج قد تأخر كثيرا ولكن المهم أنه جاء ، بعد أن سبقنا الكثيرون وتناولوا الوجود العماني هناك كل حسب هواه وأهدافه. 

    وعودة إلى الحقيقة التاريخية التي حاول أن ينكرها الباحث الزنجباري فإن العمانيين هاجروا وتاجروا مع شرق أفريقيا من قديم الزمان، وفي العهد الإسلامي ازهدرت بحرية عمان وتجارتها، فنشط التواصل مع بلدان الساحل الأفريقي حتى أصبح الوجود العماني في شرق أفريقيا يتسم بالكثرة والكثافة، وكان تأثير العمانيين في هذه المنطقة أشد وأقوى من تأثير غيرهم حيث استطاعوا نشر دينهم بما كانوا يتحلون به من سلوك قويم ومعاملة حسنة. 

    وقد بدأ الإسلام في الإنتشار في شرق أفريقيا مبكرا حيث يرى بعض الباحثين والمؤرخين أن دخول الإسلام إلى جزيرة زنجبار كان عام 65 ه /684 م. وتذكر كتب التاريخ أن أول هجرة عمانية جماعية إلى شرق أفريقيا كانت للأخوين سعيد وسليمان ابني عباد بن عبد بن الجلندى ملكي عمان وذلك عام 83 ه ، وفي مهجرهم أقاموا أول إمارة للعمانيين في أرخبيل لامو في الساحل الشرقي وقد بنى سعيد وسليمان أول مسجد في تلك المنطقة وهو باق إلى يومنا هذا ويعتبر من المساجد الأولى في عهد الإسلام أي أنه بني في القرن الهجري الأول ، ودلت الإكتشافات الأثرية في ساحل تنزانيا عن وجود آثار لعدد من المساجد انتشرت في المدن التي اندثرت والتي عد أحد الباحثين منها ستة وثلاثين مسجدا بنيت بالحجارة ، وهذا الساحل يشهد حتى اليوم كثافة التواجد العماني فيه منذ القرون الإسلامية الأولى ، والمراجع التاريخية حول هذه النقطة متوافرة 
    يمكن الرجوع إليها .

    1. "2 "

      الصحفي عبدا لله يحيى سالم نفى أن يكون الذي حدث في زنجبار عام 1964 انقلابا وقال إن الذي حدث هو ثورة وإن المقصود من ذلك لم يكن العمانيين بل كانت ثورة ضد الإستعمار البريطاني، فلما واجهه المذيع بحقيقة المذبحة التي راح ضحيتها الآلاف من العمانيين قال إن هذا يحدث دائما في الثورات وإن رئيس زنجبار الأسبق سالمين عامر جمعة قدم اعتذارا رسميا لسلطنة عمان عندما زارها عام 1991، وعندما سأله المذيع وماذا عن الممتلكات المسلوبة؟ قال إنه هناك قانونا يسمح بإعادة الأملاك إلى أصحابها إذا كان هناك ما يثبت ذلك. وإذا كان عبدا لله يحيى يرى أن الإنقلاب كان ثورة تستهدف الإستعمار البريطاني فهو قد غالط نفسه لأن بريطانيا هي التي أعدت العدة لما حدث، فقد كانت زنجبار عاصمة سلطنة عمان وزنجبار أيام حكم السيد سعيد بن سلطان، وعندما توفي السيد سعيد وقع الخلاف على الحكم بين أبنائه فتدخلت بريطانيا للصلح بينهم وانفصلت زنجبار عن عمان وتوالى على حكمها سلاطين عمانيون، أعلنت بريطانيا الوصايا على زنجبار والجزيرة الخضراء في 1/11/1890 وكان هذا نتيجة أكيدة للتدخل البريطاني المغلف بحب السلام وفض النزاع بين الإخوة بعد وفاة السيد سعيد بن سلطان، وبناء على قاعدتها الإستعمارية المشهورة (فرق تسد) قامت بريطانيا بتفتيت سكان زنجبار إلى ثلاثة أحزاب سياسية ( العرب والأفارقة والشيرازيين) بالرغم من أنهم يدينون بدين الإسلام، وبعدها نجحوا في ضم الإفريقيين والشرازيين في حزب واحد، وفي 21 يناير 1964 أعلن هذا الحزب استقلال زنجبار وقام الحزب الأفروشيرازي بانقلاب مسلح واستولى على السلطة وابتدأت المذبحة التي راح ضحيتها الآلاف من العرب. وتختلف الروايات حول عدد القتلى ولكنها لا تختلف حول وقوع المذبحة نفسها، وقد قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في أحد كتبه إن قتلى المذبحة وصل إلى عشرين ألفا لم يبك عليهم أحد، كما أن الشيخ سيد قطب رحمه الله تناول في تفسيره القيم (في ظلال القرآن) تلك المأساة في بعض الأجزاء التي تحدث فيها عن مأساة المسلمين في العالم، وقد قام الإنقلابيون بحرق كل الوثائق العمانية في احتفال رسمي ثم أصدروا طوابع بريد تخليدا لتلك الذكرى. وقدم الصحفي الزنجباري عبدا لله يحيى بعد كل ذلك رأيه بأن الأفارقة لم يعتبروا العمانيين غزاة أو مستعمرين، لكنه قال إن أبناء البلد يرون أن هم أحق بالسلطة من الآخرين. 

      " 3 "

      بيت القصيد في البرنامج كانسؤال يقول هل يمكن أن تعود زنجبار إلى الحكم العماني وهل لعمان أجندة في زنجبار بعد أن بنت المطار وبعض المعاهد الصحية؟ كان رأي الدكتور سعيد الهاشمي أن السلطنة ليس لها أجندة مخفية وأن عودة زنجبار يمكن أن تتم باتفاق الطرفين فيما عارض عبدا لله يحيى هذا الرأي باعتبار أن زنجبار جزء لا يتجزأ من اتحاد تنزانيا، وقد كان الدكتور سعيد الهاشمي متحفظا ومقلا في إجاباته خوفا من الوقوع في المحذور على عكس الصحفي الزنجباري. وقد تطرق الحديث فيما بعد عن مشاكل زنجبار وعن إمكانية انفصالها عن تنجانيكا التي تشكل معها اتحاد تنزانيا . 

      إن برنامج تحت الرماد طرح عدة أسئلة لا يجرؤ على طرحها الكثير من الناس وإن كانت تختلج في النفوس وفي ظني إن زنجبار تشكل بعدا سياسيا وقوميا واقتصاديا لعمان، وقد آن الأوان للإهتمام بهذا الموضوع فالبعض يحاول دائما أن يقلل من الدور العماني في الشرق الأفريقي بتقديم بعض اللمزات والغمزات والهمزات حول الإستعباد وبيع الرقيق وتسهيل الإستعمار للأروبيين وفي حقيقة الأمر لو لم يكن شخص كالسيد سعيد بن سلطان رحمه الله لما ازدهرت زنجبار ولما كان لها شأن يذكر، يكفي الآن أن زنجبار وبمبا تعتمدان في دخلهما على ستة ملايين شجرة قرنفل كان السيد سعيد من جلبها وبدأ بزراعتها.

Wednesday, July 1, 2015

الموساد الإسرائيلي ودوره في الانقلاب على العمانيين بزنجبار


أثير- تاريخ عمان

سبتمبر 03, 2014,

حينما توطدت العلاقة بين الحزب الوطني العربي بزنجبار بعهد الحكم العماني بالرئيس المصري جمال عبدالناصر ، سعت إسرائيل إلى تكوين علاقات مضادة مع بعض القادة الأفارقة ، كردة فعل للإمتداد الناصري إلى دول القارة الأفريقية لا سيما زنجبار بحزبها الوطني العربي القومي .

ولقد دأبت إسرائيل عبر وزيرة خارجيتها جولدا مائير في تكوين علاقات مع بعض القادة الأفارقة في مؤتمر كل الشعوب الإفريقية الأول عام 1958م ، كـالرئيس الغاني نكروما والرئيس نيريري رئيس حزب التانو الذي عن طريقه تعرفت على كارومي قائد الإنقلاب الدموي ضد العمانيين في زنجبار عام 1964م .

ولم تكتف إسرائيل بذلك، بل استطاعت إستمالة حزب المعارضة الأفروشيرازي في زنجبار ودعمه بالمساعدات المالية، والعينية كسيارات الدفع الرباعي، والمبالغ المالية الطائلة حيث كان يتلقى دعماً شهريا من إسرائيل يقدر بثمانية عشر ألف شلنج التي يتم إرسالها مباشرة إلى أمين خزينة الحزب، وهو تاجر هندي يدعى رافال عن طريق عميل إسرائيلي تاجر يدعى ميشا فينسيلبير كان يتواجد في زنجبار بذريعة العمل في مجال تصدير السمك .

ولأن زنجبار بحكومتها العربية العمانية قد تعاطفت كثيراً مع القضية الفلسطينية وبالأخص حينما أعلن رئيس وزراء الحكومة الزنجبارية محمد شامتي عام 1963م في يوم الإستقلال معارضة حكومة زنجبار للكيان الصهيوني وجرائمه في فلسطين ، تعاظمت المساندة الإسرائيلية لحزب المعارضة بشكل ملحوظ واستطاع الصهاينة شراء ذمم بعض قادة الحزب كعبدالله قاسم هانجا وعبدالرحمن بابو اللذين كانا يترددان كثيراً على مكتب العميل اليهودي ميشا والسفارة الإسرائيلية في دار السلام آنذاك .

فقد أثبتت الوثائق بأن المذكورين مع مجموعة من الأفارقة قد خططوا للإطاحة بالحكومة الشرعية وبالأخص حينما زودتهم إسرائيل بالسلاح وذلك تماشياً بما قام به عبدالرحمن بابو من إرسال مجموعة من الشباب الأفارقة إلى كوبا لتلقي تدريبات عسكرية خاصة بتنفيذ الانقلابات ، وقد تم نقلهم بعد عودتهم لدار السلام إلى زنجبار بقوارب العميل الإسرائيلي ميشا والذي كان يكنّ كل الحقد والكراهية لحكومة زنجبار العربية العمانية ، وقد صرح ميشا بتاريخ 4 مايو عام 1964م في جريدة ( واشنطون ستار ) "إنه سبق ونصح القنصل الأمريكي (فريتز) قبل انتخابات يوليو 1963م بأهمية تقديم المساندة المالية والمعنوية لحزب المعارضة الأفروشيرازي ليتمكن من الوقوف ضد المساندة المصرية للعرب آنذاك وخاصة بعدما أوضح له بأن نظام الحكم العربي ونظام السلطنة لن يستمر في زنجبار طويلاً".

ومما يؤكد الدور الإسرائيلي الداعم للإنقلاب في زنجبار كذلك، تلك الزيارات التي قام بها الصهيونيان موشا ديان وزير الدفاع الإسرائيلي لاحقاً ، وديفيد كيمحي النائب الثاني لرئيس جهاز الإستخبارات الإسرائيلي ( الموساد) ، لزنجبار بعد الإنقلاب مباشرة وتشير بعض المصادر أن ديفيد كيمحي هو من ترأس كل العمليات السرية التي تحققت في أفريقيا ومنها هذا الإنقلاب الدموي الذي راح ضحيته الآلاف من العمانيين الذين قتلوا بدم بارد في ظل صمت دولي مستغرب تنكر لكل تلك الجرائم التي قادها قادة الإنقلاب بزنجبار وبدعم إسرائيلي فاضح.

المصادر والمراجع :

ـ زنجبار شخصيات وأحداث 1828م – 1972م ، ناصر بن عبدالله الريامي ، دار الحكمة لندن ، الطبعة الأولى 2009م.