Sunday, November 26, 2017

السلطان برغش والخديوي إسماعيل من الصداقة والوئام إلى العداوة والخصام

أثير الالكترونية: 23 نوفمبر 2017
اعداد: نصر البوسعيدي

لسلطان العماني برغش بن سعيد بن سلطان البوسعيدي، الشاب الطموح الذي حكم زنجبار في عام 1870م، بعد وفاة شقيقه السيد ماجد، كان يملك علاقات حسن الجوار بكل محبة وود مع جيرانه لا سيما مع مصر وحاكمها الخديوي إسماعيل (1863- 1879م).
وتشير المصادر التاريخية إلى أن السلطان برغش حينما ذهب بزيارته الرسمية إلى أوروبا وإنجلترا على وجه الخصوص كأول سلطان وحاكم عربي يصل بزيارة رسمية إلى تلك الأنحاء لرغبته في الاستفادة من تقدمهم في شتى المجالات وتطوير زنجبار التي أصبحت بحق اندلس العرب في القارة الأفريقية، فأدخل إليها الكهرباء والمطبعة السلطانية والخ من خدمات وبنى تحتية تميز المجتمعات المتمدنة حينها.
كان في مسار السلطان برغش برحلته هذه وهو يغادر زنجبار عدد من الدول منها اليمن ومصر والبرتغال ودول البحر المتوسط وانجلترا، لذلك وحينما وصل بزيارته إلى مصر والتي كانت تربطه علاقة ودية كبيرة بحاكمها الخديوي إسماعيل، والذي استقبله استقبالا حافلا مع اطلاق المدافع الترحيبية لوصوله مدن مصر المختلفة، فالعلاقة بينهما كانت كبيرة للغاية لدرجة أن السلطان برغش كان يعتبر والدة الخديوي والدة كل الزعماء العثمانيين والعرب، وذهب للقائها والسلام عليها تقديرا لمكانتها وإجلالا للصداقة التي تربطه بابنها، وبعد كل هذه الحفاوة في مصر واصل السلطان برغش رحلته إلى أوروبا وانجلترا بعدما أكرمه الخديوي وأحسن ضيافته.
وحينما عاد السلطان برغش من رحلته كذلك توجه إلى مصر التي تعد المحطة قبل الأخيرة ليصل إلى اليمن ثم زنجبار، فاستقبله الخديوي وكل أهل مصر بكل محبة وترحاب ولم يوجد ما يكدر صفو هذه العلاقة.
وكان السلطان يتنقل في سفره عن طريق سفنه والبواخر الإنجليزية، وحينما وصل إلى مصر اضطر السلطان برغش للمكوث فيها بشكل أطول بعدما تأجلت رحلة مغادرته نتيجة وفاة ابنة الخديوي الأميرة زينب هانم، فخيم الحزن على مصر وبقى السلطان برغش لتقديم واجب العزاء لصديقه الخديوي إسماعيل، ولذلك قام الأخير بتجهيز الأسطول المصري لينقل السلطان برغش في رحلته هذه إلى زنجبار، وقبِل السلطان برغش ما أراده خديوي مصر، وفعلا خرج الخديوي وحاشيته لوداع السيد برغش في محطة القطار الذي تحرك بجلالته من القاهرة وحتى الزقازيق ومنها إلى السويس التي استقبلته بالحفاوة وطلقات المدفعية الـ 21 الترحيبية، واعتلى السلطان الأسطول المصري وتوجه إلى اليمن في طريقه إلى مملكة حكمه زنجبار، وحينما وصل لليمن شكر السيد برغش قبطان الأسطول المصري وكرم الخديوي وفضل السلطان أن لا يكثر عليهم الرحلة حتى زنجبار وأهدى قبطان السفينة وسام الكوكب الدري من الدرجة الثالثة وزوده برسالة خطية للخديوي يشكره فيها على حسن كرمه وضيافته، وكان السلطان برغش قد أعد العدة للراحة في اليمن ومنها ينطلق إلى زنجبار عبر بوارج حلفائه الإنجليز الذين أصروا كذلك بنقله إلى زنجبار كالعادة بدل البارجة المصرية وهو من تربطه بينهم مصالح ومعاهدات تجارية وسياسية بالإضافة إلى معاهدة إبطال تجارة الرقيق التي حاربها السلطان بمعية الإنجليز بعد الاتفاق على ذلك.
وحينما عاد الأسطول المصري إلى مصر وتسلم الخديوي إسماعيل رسالة السلطان برغش، وعلم بأن السلطان لم يكمل الرحلة إلى زنجبار بالبارجة المصرية مثلما أراد، غضب بشده واعتبر بأن ذلك إهانة عظمى له ولبلاده خاصة وانه يكن كل البغض للإنجليز من حاولوا التدخل في شؤون بلاده والحد من استقلاليته بمصر، مما جعله يضمر العداء للسلطان برغش وبالتالي جهز جيشه لمهاجمة ممتلكاته في بنادر الصومال، وبالفعل توجه الجيش المصري في عام 1875م، من ميناء السويس نحو الصومال واحتل بنادرها التي كانت تحت السيادة العمانية.
ولم يكن بمقدور السيد برغش مواجهة الخديوي إسماعيل للفارق العسكري الكبير بينهما، فالسلطان برغش في تلك الأيام لم يكن رجل حرب وقتها، بل كان يتطلع لتنمية زنجبار والمردود الاقتصادي لكل الممتلكات التي تقع تحت سيطرته بالاطلاع والاستفادة من التجربة الإنجليزية، فبريطانيا مثلما أسلفنا كانت حليفته الأقوى في ظل تمددها الاستعماري في المنطقة وقلة حيلة العرب في مواجهة الاستعمار الأوروبي بشكل عام.
وعطفا على ما سبق فقد تمكن الخديوي إسماعيل من احتلال بنادر الصومال جميعها لمدة عامين وعرفت هذه الحملة العسكرية بـ (ماكيلوب باشا)، ولم يستجب الخديوي لطلب السلطان برغش الكف عن هذا الاعتداء على سيادته في تلك البنادر مما تسبب ذلك إلى أن تدخلت بريطانيا ببوارجها العسكرية بطلب من السلطان برغش بعدما استنفذ كل الحلول لتهديد الجيش المصري بالانسحاب من موانئ الصومال للحد من أطماع الخديوي إسماعيل في المنطقة، وفعلا انصاع الخديوي إسماعيل للتهديدات الإنجليزية وانسحب من المواقع التي كانت تحت سيادة السلطان، لتنتهي هذه الأزمة التي كانت ستشعل حربا بين بريطانيا ومصر لأسباب مثلما يصنفها البعض بأنها هزيلة، وقد تسبب ذلك مع جملة أسباب كثيرة لعزل الخديوي من حكم مصر نتيجة الضغط الإنجليزي والفرنسي على السلطان العثماني عبدالحميد الثاني لإبعاده وعزله عن حكم مصر والذي تحقق فعلا في عام 1879م، ليصبح التاريخ لدينا هكذا محزنا نتيجة الصراعات التي حطمت الأمة الإسلامية وحضارتها في ظل خبث السياسة الاستعمارية التي عملت بشكل منظم على مبدأ فرق تسد.
المراجع:
– زنجبار شخصيات وأحداث 1828-1972م، ناصر بن عبدالله الريامي، دار الحكمة لندن، الطبعة الأولى 2009م.
– تنزيه الأبصار والأفكار في رحلة سلطان زنجبار، تأليف زاهر بن سعيد، تحقيق احمد الشتيوي، 2007م، وزارة التراث والثقافة، سلطنة عمان.