Wednesday, January 27, 2016

بين إمبراطوريّتين.. سيرة ذاتية للشيخ السير مبارك الهناوي

 
5 الحواس
 
  • مسقط ــ محمد بن صالح البلوشي
  • التاريخ:
     يحكي كتاب بين امبراطورتين السيرة الذاتية للشيخ السير (لقب أطلق عليه من قبل ملكة بريطانيا) مبارك الهناوي (1896 1959)، والذي يحمل عنوان "بين إمبراطوريّتين". ويركز الكتاب على أحد أبرز الشخصيات العربية المسلمة من أصول عمانية في سواحل شرق إفريقيا خلال النصف الأول من القرن العشرين. وهو رجل مثقف تم تقليده بوسامين من سلطان زنجبار وملكة بريطانيا.
     
    سرد تاريخي
    ولقد شهد الشيخ السير مبارك الهناوي من منزله في مومباسا كينيا حاليا- العقود الأخيرة من عصر الإمبرالية والاستعمارية، كما شهد أيضاً صعود القومية الأفريقية. وقال خليفة الهنائي، ابن الشيخ السير مبارك الهناوي: "يعد هذا الكتاب سرداً لحياة وفترة عاشاها والدي الحبيب الشيخ السير مبارك بن علي الهناوي، الذي عمل كوالٍ لساحل كينيا بين 1941 1959 وقبلها والياً لمومباسا بين 1937-1941. جاءت عائلتي إلى شرق أفريقيا من عمان خلال حياة جد جدي، علي بن منصور بن محمد الهناوي.
    كان استقرارنا الأول في مومباسا ثم في زنجبار، وكانت عائلتي ترتبط بصلة وثيقة بسلطنة زنجبار". وأضاف خليفة: "يأخذنا هذا الكتاب في رحلة عبر حقبة رومانسية ومضطربة عندما كان الرجال مثل والدي يعملون بإخلاص مع إمبراطوريات تلك الأيام لبناء مستقبل مشرق لهذا الركن من إفريقيا.
    كان وقت ومكان وصراع أهمل في كتب التاريخ. ومن هنا فإن أملي كبير أن الكلمات والصور في هذا الكتاب ستنعش ذكريات الناس والأجيال الشابة عن المساهمات التي بذلها والدي وغيره لبناء شرق إفريقيا وساحلها النابض بالحياة

    العمانيون وقلعة ممباسا

     
    جريدة الوطن
        21 /9/2015

    صدور كتاب “العمانيون وقلعة ممباسا” .. باللغتين العربية والإنجليزي

    يحتوي على منظومات بطولية على غرار الملاحم
    صدر حديثا عن مؤسسسة بيت الغشام للصحافة والنشر والترجمة والإعلان كتاب “العمانيون وقلعة ممباسا” لمؤلفه الشيخ مبارك بن علي الهناوي. ويرصد الكتاب حياة محمد بن عبدالله بن مبارك بخاشويني، مع مجموعة من أشعار وأغاني زمانه، التي تعكس ملامح الحراك الاجتماعي وترصد الأحداث وتروي سير أبطالها.
    الكتاب يحتوي على مقدمة بقلم خليفة بن مبارك بن علي الهنائي، نجل المؤلف، وإهداء بقلم البروفيسور إبراهيم بن نور شريف البكري، إلى جانب تمهيد المؤلف مبارك بن علي الهناوي الذي كتبه في ممباسا عام 1949م. كما يتضمن الكتاب فصلا عن شرقي إفريقية من الأزمة الأولى، إلى جانب مسرد لشخصيات الأحداث، وسرد مختصر لتاريخ حياة محمد بن عبدالله.
    ويحتوي الكتاب أيضا على فصل يتناول موضوع العقيدة والشيخ مبروك المزروعي، بالإضافة إلى فصل بعنوان “الوالي الجديد وشعب ممباسا”، وفصل حول انهيار العقيدة وسقوطه، ويختتم الكتاب بمنظومة (العقيدة)، وهي قصيدة سواحيلية بعنوان (أوتنزي).
    يقول خليفة بن مبارك الهنائي، نجل المؤلف في مقدمته: “يحكي هذا الكتاب تفاصيل حياة قائد قلعة ممباسا خلال الفترة الحاسمة بين القرن السادس عشر والقرن الثامن عشر.
    كان والدي ــ رحمه الله ـــ عالما متبحرا في اللغة السواحيلية ومغرما بجمع المخطوطات النادرة، كما كان ولِعا أيضا بجمع الشعر السواحيلي الذي كان غالبا يكتب باللغة العربية”.
    أما البروفيسور إبراهيم بن نور شريف فيقول في إهدائه:”وعلى غرار القصائد السواحيلية التي تسرد التاريخ في هيئة أبيات شعرية، فإن الأبيات الواردة في هذا الكتاب ليست فقط جزءا لا يتجزأ من الأحداث، ولكنها في الواقع محور الحدث نفسة”.
    المؤلف من جهته يقول في تمهيده للكتاب:”وتعتبر منظومة (أوتنزي) المذكورة في نهاية هذا الكتيب تعبيرا صادقا عن الحدث كله، وبالرغم من أنها لا تعتبر من روائع الأدب فإنها تستحق هذه المكانة الخاصة في تاريخ الأدب السواحيلي حيث إنها تظهر ما للعقيدة من أثر على يد أحد المؤلفين المعاصرين. وقد تم تجميع معظم هذه الأبيات من أحد مؤلفي الأغاني في (تاكونجو) ويدعى (ماتوانا) و(اسومبا). كما تم استكمال باقي الأبيات من الشيخ جمعة بن علي باغوزي، وهو أحد الرجال المشهورين في ممباسا بدقته في جمع أكبر عدد من المؤلفات الأدبية. وتجدر الإشارة إلى أن الشيخ جمعة قد زامل محمد بن عبدالله في حصن ممباسا، وكانت له هو الآخر تجربته مع المشاكل التي نشأت هناك في ذلك الحين”.
    يشار إلى أن الكتاب يحتوي في آخره على صور للحصن الذي تدور فيه أحداث الكتاب، إلى جانب منزل المؤلف ومشاهد مختلفة من ممباسا ومينائها وبعض السفن العمانية التي ترسو فيه، بالإضافة إلى بعض الشخصيات مثل محمد بن علي (العقيدة) ومحمد بن عبدالله الحاج بقشمر.

    Tuesday, January 26, 2016

    الصراعات والوئام في زنجبار

     

     
    
    مقابلة إذاعية مع د. آسية البوعلي عن كتاب الصراعات والوئام في زنجبار
     
     
     
    صحيقة الحياة
    د.صالح محروس محمد
    السبت، ٨ أغسطس/ آب ٢٠١٥
    أثناء إعدادي لأطروحتي لدرجة الدكتوراه تحت عنوان «سلطنة زنجبار تحت الحماية البريطانية 1890 – 1964» كنت أحلم بمقابلة القائد العربي الذي شهد سقوط الحكم العربي لزنجبار في كانون الثاني (يناير) 1964 بمؤامرة دولية. وعندما كنت في مسقط عام 2012 في المؤتمر الدولي «عُمان وشرق إفريقيا» وتحدثت عن علي محسن البرواني، وهو من أشهر الشخصيات من أصل عُماني في شرق إفريقيا قابلني المهندس محمد علي محسن البرواني بعد أن اتصل بي قبل سفري إلى القاهرة بدقائق في مطار مسقط وأهداني نسخة من مذكرات والده بعنوان «الصراعات والوئام في زنجبار: ذكريات علي بن محسن البرواني» الذي اعتبره كنزا ثقافياً وسياسياً لشخصية من أشهر الشخصيات العربية في القرن العشرين. لكن قبل الكلام عن هذا الكتاب الذي يعد مصدراً مهماً لتاريخ الوجود العربي العُماني في شرق أفريقيا، نسأل من هو علي بن محسن البرواني؟
    علي محسن البرواني (1919- 2006) هو قائد سياسي ومفكر وعالم وشاعر عُماني ولد في سلطنة زنجبار في شرق أفريقيا (التابعة لدولة تنزانيا حالياً) وعاش هموم الأمة الإسلامية والمسلمين بعامة، وزنجبار بخاصة. فلقد قاد الحركة الوطنية في زنجبار ووقف بالمرصاد ضد سياسات بريطانيا فيها. وكان من أبرز قادة الحزب الوطني الزنجباري الذي ناهض وكافح من أجل أن تنال زنجبار استقلالها في كانون الأول (ديسمبر) 1963 وتولى حقيبة وزارة التعليم، ثم الداخلية ثم الخارجية قبل سقوط زنجبار 1964. ثم وقف ضد الانقلاب الدموي في زنجبار الذي راح ضحيته ما يقرب من ثلث سكان زنجبار ما بين قتيل وغريق ولاجئ ما جعله يسجن أكثر من عشر سنين في سجن نير يرى حاكم تنزانيا. وله إنتاج علمي عظيم في خدمة الإسلام والمسلمين في مقدمته ترجمته باللغة السواحيلية كتاب «المنتخب في ترجمة معاني القرآن الكريم». وكتابه «أسوة حسنة» كتب فيه سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم) شعراً باللغة السواحيلية وكتاب «علم نفسك العربية في ثلاثة أسابيع» للمتحدثين باللغة السواحيلية الذي يعد كتاباً مهماً ساعد العديد من سكان شرق أفريقيا من (تنزانيا وكينيا وأوغندا) على تعلم اللغة العربية بما تميز به من بساطة. وكتاب «دع الكتاب المقدس يتكلم» وكذلك كتابه الصراعات والوئام في زنجبار وهو مذكراته الشخصية. ويعتبر كتاب «الصراعات والوئام في زنجبار» من أهم المصادر التي تناولت تاريخ العُمانيين في شرق أفريقيا وهو مصدر مهم لكتابة تاريخ شرق أفريقيا قسمه البرواني إلى ثلاثة عشر فصلاً. في الفصل الأول يتناول لمحة عن سيرته الذاتية، مولده، تعليمه، زواجه، العلاقات الحميمة التي كانت تجمعه مع الزنجباريين مع اختلاف طوائفهم. أما الفصل الثاني فبعنوان «الدين في مواجهة العلمانية» ويتحدث فيه عن كيف يوظف الغرب إمكاناته للوقوف ضد الإسلام وفي الفصل الثالث، بعنوان «إطلالة خاطفة في التاريخ»، يتناول بدايات الوجود العماني في شرق أفريقيا. وفي الفصل الرابع يتكلم عن السواحيلية: الشعب واللغة. وفي الفصل الخامس عن موضوع مهم وهو القومية الزنجبارية والعرقية. وفي الفصل السادس يتكلم عن مصادرة الممتلكات، لا سيما مصادرة منزله وممتلكاته عقب انقلاب كانون الثاني (يناير) 1964. وفي الفصل السابع يتحدث عن إزالة بعض الأوهام. ويرد فيه على الدعايات المغرضة ضد العمانيين مثل اتهامهم بأنهم تجار رقيق ومالكو مزارع القرنفل وغيرها من الاتهامات الباطلة ودور بريطانيا في نشأة الحزب الأفروشيرازي وكذلك في كل الدعايا المغرضة ضد العرب. وفي الفصل الثامن بعنوان «التعليم»، يوضح التعليم الإسلامي والتنصير وذكرياته وهو في مراحل التعليم المختلفة. وفي الفصل التاسع بعنوان «الحرب والزراعة» يوضح جهوده في توفير الغذاء للزنجباريين أثناء الحرب العالمية الثانية. وفي الفصل العاشر يشرح جهوده في الوحدة الوطنية بعنوان «بحثاً عن الوحدة الوطنية» وكيف وقف وحزبه الحزب الوطني الزنجباري ضد السياسات البريطانية لخلق الطائفية. وفي الفصل الحادي عشر بعنوان «الآصرة المصرية» يوضح العلاقات القوية التي كانت تجمع زنجبار ومصر في عهد عبد الناصر ويتحدث عن زيارته لمصر عام 1958 وحصوله على أربعين منحة دراسية للزنجباريين من مصر ووعد ببناء جامعة إسلامية في زنجبار ولكن انقلاب يناير حال دون ذلك.
    وفي الفصل الثاني عشر بعنوان «الزواج» يعود إلى حياته الخاصة ويتحدث عن ذكريات زواجه وهو يخدم في كتابة التاريخ الاجتماعي فيتناول عادات وتقاليد الزواج في زنجبار. وفي الفصل الرابع عشر بعنوان (الحلم الذي ضاع) يتكلم عن خططه لتطوير زنجبار ويوضح فيه وصول مهندس مصري للبدء في مشروع الجامعة الإسلامية في شرق أفريقيا لخدمة مسلمي شرق أفريقيا وبناء مستشفى كامل التجهيزات في هذه المؤسسة العلمية على أرض كوامتيبورا، تبرع بها بالفعل المرحوم محمد ناصر اللمكي وأبناء الشيخ مسعود بن علي الريامي ولكن ذهبت الأحلام أدراج الرياح بعد انقلاب يناير 1964. ووضح في هذا الفصل كشاهد عيان أحداث يناير ومن دبرها (بريطانيا – إسرائيل – نيريري) بالتعاون مع الحزب الأفروشيرازي للقضاء على الحكم العربي في زنجبار. وفي الفصل الخامس عشر بعنوان «العمل السياسي» يتحدث عن ذكرياته وبداية اتجاهه للعمل السياسي والصحف التي كتب فيها مقالات سياسية لنقد الاحتلال البريطاني. وفي الفصل السادس عشر الذي هو بعنوان «زنجبار والرق»، يردَّ على الدعاية المغرضة الخاصة باتهام العمانيين بأنهم تجار رقيق، ويوضح المزاعم الكاذبة لمنظمات حقوق الإنسان. وفي الفصل السابع عشر بعنوان «الأصولية» يناقش موقف الغرب من الإسلام واتهامه بالأصولية الذي هو في الأصل مفهوم خاص بالمسيحيين والتي يتهم بها الغرب المسلمين. وفي الفصلين الثامن عشر والتاسع عشر يوضح جهوده في الحكومة كوزير للتعليم والداخلية والخارجية قبل سقوط زنجبار 1964. وفي الفصل العشرين تناول «انضمام زنجبار إلى منظمة الأمم المتحدة بتاريخ 16/12/1963»، وفي الفصل الحادي والعشرين يتحدث عن ذكريات السجون حيث سجن أكثر من عشر سنوات. وفي الفصل الثاني والعشرين يوضح العتق من المعتقل ويتكلم عن جولة محزنة في زنجبار وبمبا. ويعود مرة أخرى الى الحديث عن ذكريات السجون في الفصل الأخير الثالث والعشرين بعنوان «كنت سجين نيريري» ويحكي فيه عن هروبه من تنزانيا إلى مصر بعد رفض حكومة نيريرى إعطاءه جواز سفر ثم انتقل إلى العيش في كينيا ثم الإمارات العربية المتحدة وأخيراً سلطنة عمان ثم انتقل إلى جوار ربه في 20 آذار (مارس) 2006. وختاماً تعتبر هذه المذكرات بمثابة وثائق مهمة تعكس الوجود العماني في شرق أفريقيا في شكل صادق حيادي
     

     
    

    Monday, January 25, 2016

    مراسلات زعماء الإصلاح إلى سلاطين زنجبار

     

    جريدة الزمن
     
    
    تاريخ النشر : 6 أكتوبر 2015
    ضمن المنشورات الصادرة عن جامعة نزوى، صدرت الطبعة الأولى 2014م من كتاب “مراسلات زعماء الإصلاح إلى سلطاني زنجبار حمود بن محمد وعلي بن حمود البوسعيديين 1896م – 1919م”، جمع وتحقيق د. محمد بن ناصر المحروقي وسلطان بن عبدالله الشهيمي، بذل فيه المؤلفان جهدا بحثيا كبيرا، تجلى ذلك في منهج ترتيب الوثائق، وقدما ملخصا وافيا لمضامين مراسلات زعماء الإصلاح والبالغ عددها 130 رسالة، وهي لمجموعة من العلماء من بينها رسائل للشيخ الجزائري امحمد بن يوسف اطفيش، والمصري الشيخ السيد محمد رشيد رضا، وكذلك رسائل لأئمة الحرمين الأشراف، والمؤرخين والكتاب والشعراء والأعوان الأقران، ومراسلات صحفية وصلتهم من وكالة رويترز والجريدة الزنجبارية وبعض الصحف والمجلات العربية. وفي المقدمة التي كتبها د. محمد المحروقي علل فيها الأهداف التي يسعى الكتاب إلى تحقيقها؛ من بينها إبراز الدور الثقافي للسلطانين حمود بن محمد (1896- 1902م)، وابنه علي بن حمود (1902 – 1919م)، في دعم الجهود الاصلاحية لعلماء وكتاب وصحفيي العالم العربي في مطلع القرن العشرين وذلك من خلال مجموعة كبيرة من الوثائق التي قام بجمعها وفرزها و تحليل مضامينها. وتحدث عن المنهج الذي تم اتباعه لترتيب الوثائق، يقول الباحث: تضم المجموعة مئات الرسائل المصورة، تتناول موضوعات وأشكالا شتى، مراسلات سياسية بين أقطاب العالم آنذاك، وسلاطين زنجبار منذ عهد السيد سعيد بن سلطان، ومراسلات أسرية بين أفراد في عمان وأقاربهم، أو وكلائهم في زنجبار وشرق افريقيا، وبعض الوثائق التي تخص أحكاما قضائية وصكوكا، لم ينفض الغبار عنها منذ ما يزيد على الثلاثين سنة، من ممباسا والجزيرة الخضراء خصوصا. كما يقول الدكتور محمد المحروقي في مقدمته: لا يمكنننا أن نغفل الإشارة إلى مجموعتنا الثرية من الصور التي أخذناها من أراشيف ومراكز بحثية مختلفة، على نطاق واسع في شرق أفريقيا من جزر القمر، مرورا بالجزيرة الخضراء وزنجبار ودار السلام والأرشيف الوطني في نيروبي وعنبتي وجامعة ماكريري في أوغندا والقاهرة، هذه الصور بعضها قديم وبعضها مما صورته بنفسي لبيوت أثرية أو صناعات تقليدية، وكل ذلك يشكل مجموعة ضخمة يصنع منها مكتبة يسترفدها الباحثون. وكتب أيضا: لقد قمنا بقراءة تلك الوثائق وفرزنا منها ما يتصل بالسلطانين، مما كتب إليهما أو في زمانهما، مما يتصل بمساهماتهما في رفد الثقافة العربية، وتعزيز جهود الاصلاحيين على مختلف مشاربهم وتوجهاتهم. ولقد أفضى الفرز التحليلي لمضامين الوثائق إلى تحديد أربعة أقسام أساسية تندرج ضمنها تلك الوثائق المنتخبة، التي بلغت 130 وثيقة، وهذه الأقسام هي العلماء والشعراء والأقران والأعوان والصحافة، وكل قسم يضم مجموعات أصغر، وقد وضعنا جداول لترتيب هذه الوثائق، أخذا في الاعتبار الأقدمية، ووضع الرسائل القادمة من مصدر واحد معا، وفي هذه الجداول حرصنا على تعبئة الحقول باسم المرسل والمرسل إليه، ومحتوى الوثيقة وتاريخها وحقل الملحوظات. وأضاف الباحث د. محمد المحروقي أن أغلب هذه الوثائق حصل عليها من الأرشيف الوطني بزنجبار، في رحلة بحثية أثناء عضويته بفريق البحث الاستراتيجي “مصادر تاريخ علاقة عمان بشرق أفريقيا 1624 – 1663م، تحت إشراف الأستاذ الدكتور ابراهيم الزين صغيرون بجامعة السلطان قابوس. أما رسائل الشعراء فتأتي إلى السلاطين من عمان والجزائر والشام، ومجمله قصائد مديح في المعاني التقليدية والاسترفاد، وهي في مجملها قصائد سليمة البناء، من بين الشعراء محمد بن شيخان السالمي، وشاعر يدعى سالمين، ومن الشاعرات أنيسة عطا الله وروجينا عواد والكسندرا مليادي دي فيرينوه، وبعض القصائد تتصل بالشعر الغنائي الذي كانت تغنيه الفرق الموسيقية، بعضها باللغة العربية الفصحى، وبعضها باللهجة الحضرمية. وهناك رسائل أخرى ترد من صحفيين من مختلف أنحاء العالم، وكذلك مراسلات من صاحب مجلة الهلال وهو الأديب المعروف جرجي زيدان، وكذلك مكاتبات من عبدالمسيح الأنطاكي صاحب مجلة العمران، يرسلها إلى كاتب السلطان الشيخ محمد بن سالم الرواحي، يطلب فيها صورة السلطان علي وأبيه حمود، لطبعها في كتاب خاص عن ذكرى وفاة السلطان حمود. ويؤكد د. محمد المحروقي في تقديمه للكتاب أن هذه الرسائل لها أهمية تاريخية، تتضح بما تقدمه من معلومات، كما تؤكد قوة شبكة العلاقات التي نسجها سلاطين زنجبار في مختلف بقاع العالم. وورد في سياق التقديم أن الطابع الغالب على الرسائل هي واردة إلى السلطانين، ولم نجد رسالة صادرة منهما البتة، أما كلمة الإصلاح الواردة في العنوان فهي كلمة راجت في الخطاب النهضوي العربي المعاصر، وهي مرادفة لكلمة النهضة والتجديد. جدير بالذكر أن المرتبين والمحققين قد قاما بوضع ملحقين بالكتاب، الأول يتناول تراجم الشخصيات، والثاني في التعريف بالصحف التي يرد ذكرها في الوثائق والمرسلات، تم ترتيب الملحقين ترتيبا أبجديا، والرائع في هذا الكتاب أنه تم نشر أصل تلك الرسائل بخطوط كتابها، وصف ما تتضمنه تلك الرسائل من مادة علمية في متنها، وذلك لسهولة قراءتها، حيث يتيح الفرصة للقارئ أن يقرأ الرسالة مطبوعة أو قراءتها كما كتبها مرسلها. وتكشف الرسائل عن تنوع جميل في الخط بين المشرق والمغرب، وبعض التواقيع، وسنوات الكتابة، والاستهلالات الرائعة لكل رسائل، وما تتضمنها من نصوص نثرية وشعرية، جديرة بالدراسة والتحليل. وتكشف بعض الرسائل جمال الخط العربي في الكتابة، وجمال التعبير في المقدمة ومن ثم الولوج إلى قلب الموضوع، بأسلوب أخاذ، يدل على تمكن الكاتب من اللغة، يقع الكتاب في 407 صفحات من الحجم المتوسط. -
    

    Sunday, January 24, 2016

    ممالك عربية في شرق أفريقيا

     
    محمد ولد المنى
     
    جريدة الاتحاد
     
    تاريخ النشر: الجمعة 23 نوفمبر 2012
     
    أحدث وجود العرب العمانيين في شرق أفريقيا من التأثيرات ما غيّر مجرى التاريخ لهذه المنطقة تغييراً جذرياً، وكان الفضل في ذلك يعود إلى الجلندانيين والنبهانيين. لكن تاريخ الهجرات العمانية إلى شرق أفريقيا وأثرهم الحضاري هناك، يلفه الكثير من الغموض، حيث لا توجد مصادر تاريخية يعتد بها في هذا المجال، وأغلب المعلومات المتوافرة جاءت من خلال الروايات الشفهية للمعمرين في شرق أفريقيا، والتي نقلها إلينا مؤرخون ومستكشفون غربيون في العصر الحديث. تلك هي الثغرة التي يحاول سدها كتاب «الهجرات العمانية إلى شرق أفريقيا... بين القرنين الأول والسابع الهجريين»، لمؤلفه سعيد بن سالم النعماني، والذي يسعى إلى إزالة ركام التجاهل عن الوجود المبكر للعمانيين في شرق أفريقيا، ودورهم التاريخي وتأثيرهم الحضاري. وفي هذا الخصوص فهو يؤكد أن هجرة الجلندانيين كانت أول هجرة عمانية معروفة ومنظمة إلى شرق أفريقيا، وسببها أن خلافاً نشب بين الجلندانيين الذين كانوا يملكون عمان وبين الخلافة الأموية، مما اضطر الملك العماني سليمان بن عباد الجلنداني الأزدي للهجرة بذراريه وبعض رجال دولته إلى شرق أفريقيا، حيث استقر في أرخبيل "لامو" بشمال كينيا، سنة 80 للهجرة.
    ويتكون الكتاب من بابين؛ أولهما يتناول التاريخ السياسي للهجرات العمانية، وفيه يتحدث عن النشاط الملاحي للعمانيين، والذين ما كان لهجراتهم إلى شرق أفريقيا أن تتم على النحو الذي تمت به لولا ريادتهم في ركوب البحر وامتلاكهم أسطولاً بحرياً. كما يتطرق إلى الصلات التاريخية بين عمان وشرق أفريقيا، منطلقاً من قرار الملك الجلنداني بالهجرة إلى تلك المنطقة بعد ما أحكم أعداؤه الأمويون السيطرة على بلاده، مما يؤكد توافر معرفة سابقة لدى العمانيين بمنطقة الساحل الشرقي لأفريقيا، مصدرها وجود صلات تاريخية بين بلادهم وتلك المنطقة.
     
    ويغوص الكتاب في دراسته هجرة الجلندانيين إلى شرق أفريقيا، فيتناول أوضاعهم قبل الهجرة، وأسباب هجرتهم، وزمنها، ومكان استقرارهم، والحكم الذي أقاموه هناك. ومن ذلك يتضح أن الجلندانيين كانوا ثاني مجموعة عربية تهاجر إلى شرق أفريقيا بعد هجرة الأمويين، وأن وجودهم اكتسب أهمية كبيرة بسبب التوسع الاقتصادي والتجاري وما أصبح لهم من نفوذ سياسي، حيث أنشأوا مملكةً سيطرت على أجزاء كبيرة من ساحل شرق أفريقيا واستمرت نحو خمسة قرون.

    واستطاع النعماني أن يبدد الأوهام السياسية في «المسألة الإفروشيرازية»، حيث اعتاد المؤرخون نسبة تأسيس دولة الزنج الإسلامية الأولى إلى الشيرازيين، لكن وفقاً للمؤلف فإن الشيرازيين الذين وفدوا إلى المنطقة في القرن الرابع الهجري، سبقتهم إليها هجرات عربية منها الجلندانيون، كما ثبت الآن أن الشعب والثقافة السواحليين نتجا عن ذلك الوضع الذي كان العرب والأفارقة صنّاعه.
    أما حكم النبهانيين في شرق أفريقيا فقد تأسس بعد سقوط الدولة الجلندانية هناك بأربع وثلاثين سنة، أي في سنة 599 هجرية، حيث قام سليمان النبهاني، أحد أفراد الأسرة النبهانية الأزدية الحاكمة في عمان، بتأسيس حكم النباهنة في جزيزة «باتي»، واستمر حكمهم أربعة قرون. لكن كما اتسم عهدهم عموماً بالقلاقل والحروب، فإن المصادر التاريخية حوله شحيحة وتتصف الاضطراب في الرواية والمعلومة.
    أما الباب الثاني من الكتاب فيتمحور حول الدور الحضاري لعرب عمان في شرق أفريقيا، لاسيما أنشطتهم وصلاتهم التجارية، ويتطرق إلى ما أنشأوه من طرق ومراكز تجارية، مثل مقديشو وباتي ولامو وجيدي وملندي وممباسة وزنجبار وكلوة ومدغشقر وموزمبيق. كما يتناول المبادلات التجارية بين شرق أفريقيا والبلدان الأخرى، مثل فارس والهند والصين... ويفصل في الواردات والصادرات، مثل الذهب والعاج والحديد والعنبر النمور والقرود والأخشاب والتوابل.
    وأخيراً يتناول الكتاب التأثيرات الحضارية للعرب العمانيين في شرق أفريقيا، خاصة دورهم في الدعوة الإسلامية، وفي نظم الحكم، وفي اللغة والثقافة، وفي مجالي العمران والحِرف.
    وهكذا ففي سبيل تتبعه هجرتين عربيتين خرجتا من عمان إلى شرق أفريقيا في القرون الإسلامية الأولى، استطاع النعماني باقتدار أن يجمع وثائق ومواد كثيرة ويعيد قراءتها من جديد، مؤكداً على إحدى حلقات التواصل بين العالم العربي وأفريقيا، وعلى وجود إرث حضاري مشترك أنجزه عرب وأفارقة في شرق القارة!

    الهجرات العمانية إلى شرق إفريقيا

     
     كتاب الهجرات العمانية إلى شرق أفريقيا: ما بين القرنين الأول والسّابع الهجريين (دراسة سياسيّة وحضاريّة)
    دار الفرقد 2012
    ضِمن إصدارات البرنامج الوطني لدعم الكتاب الذي يتبنّاه النّادي الثقافي
    سعيد بن سالم النعماني
     
     
    يأتي الكتاب متتبعًا ما أحدثه الوجود العماني في شرق إفريقيا من تأثيرات، مما ساعد في تغيير مجرى تاريخ منطقة ساحل شرق إفريقيا تغييرًا جذريًّا، ويعود الفضل في ذلك إلى الجلندانيين والنباهنة، فقد أسهموا في إضافة رصيد حضاريّ قيِّم إلى ما سبق أن أنجزته الأمة الإسلاميّة هُناك، إلّا أنّ تاريخ هجرات العمانيين وأثرهم الحضاري في شرق إفريقيا يلفّه الكثير من الغموض بحسب الباحث؛ وذلك لعدم التاريخ له، وندرة المصادر التاريخية في ذلك، فأغلب المعلومات التي تمّ التّوصّل إليها جاءت من خلال التاريخ الشفهي للمعمّرين في شرق إفريقيا.
    فجاء هذا الكتاب معتمدًا على منهجٍ استقرائي تحليلي، وذلك لانعدام المعلومات المصدريّة المكتوبة، متتبِّعًا الأثر العُماني في شرق إفريقيا، حيث جاءت الدراسة في مقدّمة وتمهيد تناولا عُمان ودلالة تعدّد تسمياتها على الهجرات، والموقع والمناخ والتضاريس وأثرها في الهجرات، العاقة الجغرافيّة بين عُمان وشرق أفريقيا.
    وبابين وخاتمة، ركّز في بابها الأوّل على البحث في الجوانب السياسيّة المتصلة بالوجود العُماني في شرق إفريقيا؛ وذلك من خلال تطرّقه إلى التّاريخ السياسي للهجرات من ناحية أوّلا الهجرات وبواعثها وتناوله من خلال نشاط لعمانيين الملاحي، والصلات التاريخيّة بين عمان وشرق إفريقيا، وثانيًا هجرة الجلندانيين إلى شرق إفريقيا من خلال: أوضاع الجلندانيين قبل هجرتهم، وأسباب الهجرة، وزمن الهجرة، وأماكن استقرار الجلندانيين متناولا أيضًا دولة الجلندانيين: نفوذها عاصمتها ونظام حكمها، ومجيبًا في هذا الفصل عن من هو مؤسس دولة الزّنج الإسلاميّة الأولى؟.
    الفصل الرّابع هجرة الحرث، أمّا الفصل الخامس فقد تناول فيه هجرة بني نبهان من خلال: بنو نبهان في عُمان، دوافع الهجرة في عهد بني نبهان، وظهور الأسرة النبهانيّة في باتي، وقيام السّلطنة النبهانيّة وامتداد نفوذها.
    وفي الباب الثّاني تناول الدّور الحضاري لعرب عُمان في شرق إفريقيا، من خلال أربعة فصول، تناول في الفصل الأوّل النشاط التجاري ( النّشاط التجاري للمهاجرين العمانيين إلى شرق إفريقيا، التجارة مع الأمصار العربيّة الإسلاميّة، التجارة مع الهند والصّين)، وفي الفصل الثاني طرق ومراكز التجارة بساحل شرق إفريقيا من خلال محورين أوّلهما الطّرق التجاريّة، والثّاني قيام المراكز التجاريّة مثل: مُدن إقليم لامو ( مقديشو، باتى،لامو، جيدي، ملندي، ممباسة)، وجزر إقليم الرّانج ( زنجبار، كلوة، شربوة/كرموه، القرود)، وجزر ومدن الإقليم السفالي (قنبلو/مدغشقر، موزمبيق، صيونة، جنطمة، دندمة، البانس،دغوطة، جسطة).
    أمّا الفصل الثالث فتناول المبادلات التجاريّة بين شرق إفريقيا والبلدان الأخرى من خلال الواردات المتمثّلة في بضائع عربيّة وبضائع فارس والهند والصِّين، والصّادرات المتمثِّلة في: الرّقيق، والذّهب، والعاج، والحديد، والعنبر، والفيلة والزّراف، والنّمور، والقرود، والأخشاب والتّوابل.
    وفي الفصل الأخير ناقش الباحث التأثيرات الحضاريّة الأخرىـ كـ : دور المهاجرين العمانيين في الدّعوة إلى الإسلام في شرق إفريقيا، وأسلوب المهاجرين العُمانيين في الدّعوة الدينيّة وموقفهم من تعدّد المذاهب الفقهيّة، وتأثير المهاجرين العمانيين في مجال نظام الحكم والألقاب الحكوميّة والوظائف، وتأثير المهاجرين العمانيين في اللغة والثقافة السواحيليّة، وتأثير المهاجرين العمانيين في مجال العمران، وتأثير المهاجرين العمانيين في مجال الحرف.
    وقد ختم دراسته بخلاصة أبرزت أهم نتائج البحث وتوصياته

     

    زنجبار التكالب الاستعماري وتجارة الرقيق

     
    جريدة عمان، ملحق شرفات  يوم الثلاثاء الموافق 8 مايو . 2012

     عن كتاب “زنجبار التكالب الاستعماري وتجارة الرقيق”
    د. آسية البوعلى.
    مستشار مجلس البحث العلمي للعلوم الثقافية .
          لقد قرأت النسخة العربية  لكتاب “زنجبار التكالب الاستعماري وتجارة الرقيق” لمؤلفه الشيخ عيسى بن ناصر الإسماعلي ، الطبعة الأولى 2012 م ، دار الغرير للطباعة والنشر ، دبي ، دولة الإمارات العربية المتحدة ).والكتاب  الذي يبلغ في عدد صفحاته (329صفحه) من الحجم الكبير، وقد  ترجمه من اللغة السواحيلية إلى العربية : مبارك بن خلفان بن ناجم الصباحي ( سفير سلطنة عُمان بالسودان ،سابقًا )، و لا يعد هذا  الكتاب بالكتاب الأول للمؤلِف إذ سبقه كتاب” الزنجبارية والسلطنة”  كُتب باللغة ذاتها. ( راجع:  مقدمة الكتاب الصفحة الأولى).
            وقبل الولوج إلى دواعي الكتابة عن كتاب “زنجبار التكالب الاستعماري وتجارة الرقيق” و التي أهدف من ورائها  إبراز ما للكتاب من خصوصية و أهمية ، أود أولاً أن أُبيِّن أن المجهود الذي بُذل من قِبَل مترجم الكتاب في نقله إلى العربية  –  والذي  كان تطوعًا و بلا مقابل مادي – يعد إنجازًا في حد ذاته ، فكلنا نعلم صعوبات الترجمة ومشقاتها، لذا أيًا كانت الملاحظات  التي يمكن أن تُأخذ على الكتاب في نسخته العربية لا و لن تقلل من عظمته و قيمته ، في توقيف القارئ العربي على الحقائق الدقيقة لمذبحة زنجبار فضلاً عن معلومات وأفكار أخرى لا تقل أهمية ، أضف إلي ذلك ما يحسب للمترجم من اجتهادات نحو إضافة بعض التوضيحات في متن بعض الصفحات وهوامشها.
          والكتاب المذكور أعلاه تكمن أهميته، في كونه كتاب تاريخي يعرض و بمنهجية علمية وعبر المراجع المختلفة تاريخ ودوافع الهجرات العربية وغير العربية إلى القارة الإفريقية بعامة،  وشرق أفريقيا بخاصة سواء ما تعلق منها بأسباب بيئية و أخرى اقتصادية و سياسية. كما  أنه يُعد مرجعًا علميًا في  السرد للتاريخ العٌماني في شرق أفريقيا وزنجبار، فضلاً عن قيمته في عرض تاريخ ألاثني عشر سلطانًا من سلاطين زنجبار، بدءًا من عهد السيد سعيد بن سلطان ، سلطان عُمان وزنجبار ( 1804- 1856م)، وانتهاءً بعهد السيد جمشيد بن عبد لله ( 1 يوليو 1963- 12 يناير 1964م). وليس السرد التاريخي لمختلف الأحداث و الوقائع المتعلقة بكل سلطان من السلاطين ما يمنح الكتاب خصوصيته ، بل طبيعة هذا السرد من حيث الوقوف على الجوانب المختلفة لشخصية كل سلطان من السلاطين بحيث يمنحنا السرد مساحة لتخيل هذه الشخصية وكأنها حية بيننا مع الوضع في الاعتبار ما ورد في ذهن المؤلِف  من أهمية تعزيز هذه المساحة بصورة فوتوغرافية لكل سلطان.
          غني عن البيان أن لكل شخصية جانبها السلوكي، والنفسي والفكري وهذه الجوانب قد توافر الكثير  منها في العرض التاريخي لشخصيات السلاطين المتناوَلة في  الكتاب ولولا ضيق الحيز الكتابي لأدرجت أكثر من مثال لِمَا أقوله، لذا سأكتفي بمثال واحد  لجعل القاري يتخيل السلوك والتركيبة النفسية والفكرية لأحد سلاطين زنجبار فضلاً عن سلوك مَنْ حوله من المقربين بما يعكس الطبيعة البشرية النكراء في حالات الأزمات.
           حيث يقول الكاتب عن السيد خليفة بن سعيد ( 1888-1890م) : ” قبل توليه الحكم ، عاش السيد خليفة حياة العزلة ، نتيجة لِما فُرض عليه من إقامة جبرية دامت ست سنوات من قِبَل أخيه السيد برغش الذي كان يتهمه بالقيام بحركات ضده، مِما ترتب عليه أن عاش السيد خليفة وحيدًا في مزرعة نائية، إلى درجة أن مَنْ كان يرغب في زيارته من أصدقائه ومؤيديه امتنع خشية ألا يشمله الاتهام.  إن حياة العزلة التي عاشها  السيد خليفة كان لها  آثارها الجم فقد جعلته يميل في طبعه إلى  الهدوء والانطواء حتى بدا وكأنه لم يكن راغبًا في الحكم ” (ص 39 الفقرة الأولى، بتصرف من صاحبة المقال في إعادة الصياغة مع الاحتفاظ بالمعنى ).
          وإذا كان الكاتب في وصفه للشخصية السابقة يعتمد على ما ورد ذكره في  إحدى مراجع التاريخ ، فإنه في موضع آخر يستند على تجربته الشخصية والمعرفة الذاتية للسيد جمشيد بن عبد الله (1 يوليو 1963- 12 يناير 1964م)، بما لا يسمح بتسرب الشك في الحقيقة المسرودة حيث يقول: ” لقد لعبت والسيد جمشيد منذ الصغر،  كما كنا في مرحلة الشباب زملاء عمل ، واستمرت هذه الزمالة حتى وقتنا الحالي ؛  مرحلة المشيب ، رغم إقامة السيد جمشيد في بريطانيا وإقامتي في عُمان . من هذا المنطلق لديَّ الحق في القول : إنني أعرفه حق المعرفة وأن الجبن والخوف ليسا من طبعه ، كما أنه لم يغادر زنجبار خُفية وهربًا فضلاً عن أن مغادرته لم تكن جوًا ؛عن طريق المطار” (ص 125 الفقرة الأولى، بتصرف من صاحبة المقال في إعادة الصياغة مع الاحتفاظ بالمعنى ).
         ويسترسل الكاتب في سرد جوانب أخرى من شخصية السيد جمشيد لا سيما السلوكية منها حيث يقول : ” كان السيد جمشيد ( آخر سلاطين زنجبار) يعشق الرياضة ، وكان كثير الاختلاط بعامة الشعب. أحبه الكثيرين من الناس لبشاشته وحُسن ترحيبه لهم إلى جانب ما تحلى به من حُسن الخلق والمكانة واحترام الناس” (ص 138 الفقرة الأولى مع تصرف بسيط في صياغة بعض الكلمات من قِبَل صاحبة المقال).
            إن ما أريد  الوصول إليه ، أن الكتاب في كثير من المواضع جمع في  سرده التاريخي لسيرة الآخر التي وصلتنا  عبر التجربة الذاتية أو بما يمكن أن يُسمي بسيرة الذات، هذا السرد قد جمع بين الرؤية الموضوعية والذاتية في الطرح وليس أدل على الأولى ؛( الموضوعية ) من إقرار الكاتب بالامتنان والتقدير لمعلمه ” عبود جومبي ” فضلاً عن غيره من معلميه ( راجع: الصفحة ش في فصل نبذة عن المؤلِف)، رغم أن الشخصية ذاتها ( أي عبود جومبي) وبعد  توليها رئاسة زنجبار بعد موت عُبيد كارومي في أبريل 1972م، حكمتْ بإعدام تسعة من المواطنين رميًا بالرصاص بتهمة التخطيط لقلب نظام الحكم ،  دفنوا جميعًا في حفرة واحدة ( راجع: ص ص 168- 169).
          وفي موضع آخر يتجلى الجمع بين الرؤية الموضوعية و الذاتية حين يقول المؤلِف : ” فكثير من المصائب التي تعرض لها إخواني في زنجبار لم أسلم ،أيضًا ، منها. منها ما يصعب وصفها ويستحيل نسيانها”  (الصفحة ط ، مع تصرف بسيط في صياغة بعض الكلمات ) كما ” لم تكن كبرى مصائبي هي استيلاء حكومة تلك الزمرة الظالمة على كل ما أملك بغية إذلالي كي لا أتمكن من العيش بحياة كريمة لا لشيء سوى لكوني عربي، بل  أكبر تلك المصائب المرارة التي أشعر بها بسبب قتل والدي رميًا بالرصاص بطريقة وحشية، فضلاً عن جدتي المسنة التي يفوق عمرها الثمانين عامًا، إذ تركها أتباع الأفورشيرازي لتموت حرقًا ببطء  داخل منزلنا ببلدة مفينسيني، بعد أن أضرموا فيه النيران ” (الصفحة ط ، مع تصرف بسيط في صياغة بعض الكلمات ).
         ورغم ذلك فإن الكاتب يقر وبموضوعية شديدة، بامتنانه لزنجبار حيث يسرد : ” يستحيل بأية حال من الأحوال نكران ما لزنجبار من أفضال علىَّ، فهناك مولدي و نشأتي وتربيتي وذكرياتي … إنني لن أكره زنجبار مطلقًا ، وستظل عواطفي وحبي لها باقية طالما أنا باق” (الصفحة ط ).
        ويحسب للكتاب أيضًا قيمته في تسجيل المشاهد الدموية وصنوف التعذيب للأبرياء من شهداء زنجبار وليس أدل على هذا من المشهد الدموي لقتل المصليين رميًا بالرصاص  في إحدى مساجد زنجبار بتاريخ 9سبتمر 1964م، من قِبَل السفاح ” كاوجوري” أحد أعضاء مجلس قيادة الانقلاب، تلك المجزرة التي لم يعقبها  أية مساءلة ولا محاكمة من قِبَل حكومة الأفروشيرازي ، بل أحيط الموضوع بصمت رهيب ( راجع : ص ص 167- 168).
        وفي الحقيقة إن موضوع الاغتيالات والتصفية الجسدية والتعذيب والقتل الفردي والجماعي، احتل مساحات كبيرة عبر الكتب التي ألفت لتتضمن أحداث مذابح زنجبار التي وقعت في فترة الانقلاب أو عقبها ، الأمر الذي يجعلني أحيل القارئ إلى كتابين هامين في هذا المجال الأول هو:( الصراعات والوئام في زنجبار لكاتبه على بن محسن البرواني؛ ترجمة أ.د السيد عمر، دار الغرير للطباعة والنشر ، دبي ، دولة الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى 2011م ، توزيع مكتبة بيروت، مسقط ، سلطنة عٌمان). ففي الفصل الواحد والعشرين و الوارد تحت عنوان ” ذكريات السجون” والممتد من ( ص 561- 606)  يصف الكاتب وحشية شخصية” على محفوظ محمد الوهيبي ”  الشيوعي الذي من أصول عُمانية، وأحد زعماء المجموعة اليسارية المسماة ” بالرفاق ” و أحد كبار أنصار حزب الأفروشيرازي ، وحزب الاتحاد الوطني الأفريقي التنجانيقي  ( راجع:  ص 598 ، وراجع : ص 596 الهامشين (4) و (5)) ،  في هذا الفصل يصف المؤلِف قيام على محفوظ  ” بكي أناسًا من قبيلة ماكوندي بنار مستعرة ” ( ص 598) ، كما أنه ” أذاق أبرياء زنجباريين صنوفًا من التعذيب ” ( ص 599) و في حالات أخرى ” نزع فيها على محفوظ أظافر أصابع قدمي ضحاياه، و علقهم في سقف الزنزانة ، أقدامهم إلى أعلى و رؤوسهم إلى أسفل ، مع وضع فحم مشتعل يصب عليه فلفل حار، تحت رؤوسهم المنكسة” ( ص ص 599-600). ليس هذا فحسب ، بل هي الشخصية ذاتها التي قامت باعتقال والدته بناءً على بعض الشائعات ، كما قامت أيضًا باعتقال خال زوجته : محمد سالم البرواني المعروف بمحمد سالم جينجا ( راجع: ص 600).
          والكتاب الثاني الذي لا يقل أهمية في هذا المضمار كتاب ( زنجبار شخصيات وأحداث : 1828- 1972م، من تأليف ناصر بن عبدلله الريامي ،  الطبعة الأولى 2009م ، دار الحكمة لندن) ، ففي هذا الكتاب الذي  يُعد بحثًا قيمًا موثقًا بمختلف المصادر؛ الشفاهية منها والكتابية، يورد كاتبه مجموعة لا حصر لها من المشاهد الدموية في الفصل الرابع ، تحت عنوان فرعي ” التصفية العِرقية ( مذبحة القرن )” حيث يسرد من (ص460- 472) أسوأ المشاهد التي يقشعر لها البدن، منها على سبيل المثال لا الحصر حين يقول الريامي: ” من وسائل التعذيب التي استُخدِمت ضد العرب، ما يمكن تسميتها بوسيلة ” السَّحْل في الشوارع” . فلقد عمل الأفارقة ، بل العرب، أيضًا المنتمين إلى حزب الأمة أو ما كانوا يُعرفون بال ” Comrades ” ( الرفاق)، على توثيق أيدي ضحاياهم ، وجرَّهم بسياراتهم من أرجُلهم، لمسافات بعيدة إلى أن تخرج أرواحهم من شدة الألم؛ بعد أن تكون المسارات الوعرة والمخلَّفات العالقة فيها، من حَجرٍ وأغصان شجر، والشَّوك قد سلَخت جلودَهم بل وأكلت قدرًا كبيرًا من شحومهم ولحومهم” ( ص 466).
          وناصر الريامي في كتابه القيم يذهب لِمَا قبل 1964م ليبّن لنا أن مذابح انقلاب زنجبار لم تكن سوى نتيجة لسموم الحقد والكراهية التي نُفثت في المجتمع بزنجبار بكل فئاته وعرقيّاته لذا فإن مجازر العنف الوحشي كانت سابقة لتاريخ الانقلاب  فمن ضمن الدلائل “قضية حرق الأطفال” من جانب معلمهم ” على محسن الشيرازي” ( راجع: ص 567) تلك التي تُعد حالة واحدة من ” حالات القتل والتعذيب التي مُوِرسَتْ ضد الجنس العربي تحديدًا، في الفترة مابين الأول وحتى الثامن من يونيو 1961م” ( ص 567).
          وحتى لا لأبعد بالقارئ عن المضمون الأساسي لهذا المقال  الذي هو كتاب “زنجبار التكالب الاستعماري وتجارة الرقيق”  فإن ذكري لتلكما الكتابين وضربي المثل بالمشاهد الدموية ، كان الهدف منه تنبيه القارئ العربي إلى أن ترجمة تلك الكتب إلى اللغة العربية قد فتحت المجال واسعًا نحو إمكانية إقامة  الدراسات المقارنة في السرد التاريخي خاصة وأن مضامين بعض فصول هذه الكتب تتقاطع في تقارب دون نفي لوجود أوجه الاختلاف فيما بينها. هذا فضلاً عن إمكانية دراسة أوجه التناول للسرد التاريخي والمناهج المتبعة في تلك الكتب.
        إن الشيخ ناصر بن عيسى الإسماعيلى لم يكتف في كتابة بمآسي أحداث 1964م ، بل عرج إلى مسألة تشكيل الأحزاب السياسية في زنجبار ، والدور الذي لعبه المستعمر الإنجليزي في التنكيل بهذه الأحزاب ، تنفيذًا لمخططهم ” فَرِق تسد” ( راجع : الفصل الثاني من الكتاب بعنوان الحركات السياسية من ص 127-175)، كما تناول وبإسهاب لا يخلو من التوثيق العلمي والتدليل بالصور الفوتوغرافية إلى أن تجارة الرقيق لم تكن قط عربية المنبع  ، و أن المستعمر والبعثات التنصير الأوربية لعبا دورًا أساسيًا في غرس مفهوم الربط  بين الجنس العربي وتجارة الرقيق، في حين أن الأوروبيين هم اللذين بدءوا هذه التجارة ومارسوها بنطاق واسع ( راجع: الفصل الثالث تحت عنوان تجارة الرّق والاستعباد من ص 176-313).
         ختامًا ،لا املك سوى تعبيرات الإجلال والتقدير لمؤلِف الكتاب الذي واجه مأساوية الأحداث دون هزيمة ولا انكسار، فتحية لك أيها الوجيه البطل ؛ عيسى بن ناصر الإسماعيلي .

    الصاق تهمة تجارة الرق بالعرب

     
    د. ثائر الدوري
     
    في عام 2100م أو 2200م - إن استمرت البشرية في البقاء-  جاء مؤرخ أمريكي – إن استمرت أمريكا في الوجود – و اتهم الهندوراس و السلفادور باستعمار العراق لأنهما أرسلتا كتيبتي جنود عملتا بإمرة الجيش الأمريكي  ، ثم جاء أحد العرب و طالب السلفادور و الهندوراس بالاعتذار عن هذا التاريخ الاستعماري ، ثم صدق رئيس السلفادور أو الهندوراس هذا الأمر و قدم اعتذراً ، و بعدها بدأ المؤرخون الأمريكان يكتبون عن المآسي التي اجترحتها القوات الهندوراسية و السلفادورية أثناء احتلالها للعراق .
    و ما موضوع الرق الذي يتهم  العرب بممارسته في جزيرة زنجبار و في شرق إفريقيا عامة إلا شبيه باتهام هندوراس أو السلفادور باستعمار العراق لأن هاتين الدولتين أرسلتا عدداً محدوداً من الجنود بأمر أمريكي  . كم تبدو هذه التهمة مضحكة ! أما إن كان تسليط الضوء على هندوراس و السلفادور لتبرئة الولايات المتحدة فهذا أمر يدعو للبكاء.و هذا عين ما يحدث مع العرب في موضوع تجارة الرق فيركز الغرب و أتباعه على جدورهم الهامشي في هذه التجارة لتغطية الدور الرئيسي الذي لعبه الغرب.
    قبل مناقشة موضوع الرق لا بد من توضيح عدة نقاط أولها أن الرق من أجل العمل في الخدمة المنزلية كان موجوداً في كل العصور، و ما زال موجوداً حتى اليوم بتسميات و أشكال مختلفة قليلاً عن العبودية السابقة. و الأمر الثاني أن كل الشعوب مارست هذا النوع من الرق كما أنها وقعت ضحيته بغض النظر عن العرق و اللون و الدين ، فقد كانت الأطراف المتحاربة تأسر من بعضها و تبيع الأفراد المأسورين كرقيق أو تستفيد من خدماتهم عسكرياً ، كما حدث في ظاهرة المماليك في التاريخ العربي الاسلامي الذين بدأوا كرقيق عسكري و انتهوا سادة للحضارة العربية – الاسلامية . لكن ما حدث في العصور الحديثة أن مضمون ظاهرة الرق اختلف جذرياً فقد تحول إلى رق مندمج ضمن نظام رأسمالي غربي، فصار نظاماً و طريقة حياة مندمجة بالنظام الرأسمالي و تعمل في خدمة هذا النظام ، و هذا ما جعل من شروط العبودية وحشية لا تطاق ، فبينما كان هناك حد لا يمكن تجاوزه من الإنتهاكات بالنسبة للرق المنزلي صار رصيد الانتهاكات الإنسانية مفتوحاً على اللانهاية للعبيد الذين يعملون في حقول القطن الأمريكية ، و يلاحظ ماركس أن العبد في ظل هذا النظام كان يستهلك و يموت خلال سبع سنوات و يُستعاض عنه بشحنة جديدة من أفريقيا . 
    لذلك يجب عدم خلط الأمور عند الحديث عن الرق أو العبودية . فالحديث هنا مقتصر على ظاهرة الرق التي حدثت في العصر الحديث،و كان موضوعها الأفارقة السود الذين شُحنوا من أفريقيا ليعملوا في مزارع القطن في الولايات المتحدة و بقية القارة الأمريكية و هناك تعرضوا لأسوأ اضطهاد عنصري و ما زالوا .
    تتهم المصادر الغربية العرب باستعباد الأفارقة و بمسؤوليتهم عن شحن العبيد من أفريقيا ، و يتم تعيين جزيرة زنجبار كمركز رئيسي للشحن ، و ما زالت الحكومة القائمة هناك ، و التي استلمت السلطة بعد انقلاب دموي عنصري على النظام العربي عام 1964 م . ما زالت تحتفظ بتراث تجارة العبيد من الأماكن التي كانوا يشحنون منها ، إلى أماكن تخزينهم ، إلى وسائل السيطرة عليهم ، و يقدم كل ذلك للسياح الذين يزورون تلك الجزيرة ، التي كانت يوماً ما عربية ، دليلاً على عنصرية العرب تجاه الأفارقة ، و على عملهم بتجارة العبيد في حين أن مساهمة زنجبار و عرب زنجبار بتجارة العبيد أشبه بمساهمة هندوراس و السلفادور باستعمار العراق . فما هي قصة زنجبار التي يتهم العرب باستعمارها و ممارسة الرق عبرها ؟
    تاريخ الكيان العماني الزنجباري
    يرجع الوجود العربي في شرق أفريقيا و منها زنجبار إلى أكثر من ألفي عام ، فبعض المؤرخين يُرجعه إلى نحو الألف الأول قبل الميلاد ، أما المؤرخ العمري فيقول بثلاثة آلاف عام . و قد سجل أحد المؤرخين الإغريق أن سواحل أفريقيا كانت تزخر بالسفن العربية.  تلقت العلاقات العربية - الشرق أفريقية دفعة قوية بظهور  الاسلام فقد هاجر المسلمون الأوائل إلى الحبشة ، كما ازدهرت حركة التجارة الدولية التي باتت تحت سيطرة العرب و المسلمين ، و انتشر الإسلام هناك ، و تعربت السواحل تماماً ، إما ثقافياً ، أو بفعل الهجرة و الاستيطان العربي ، فنشأت سلسلة مدن عربية هي من الشمال و الشرق إلى الجنوب و الغرب :  مقديشو ، براوة ، كسمايو ، بان ، مالاوه ، زنجبار ، ماقية ، كلوة ، موزامبيق ، سفاليه ، و وصل العرب في الداخل حتى أعالي نهر الكونغو في أوغنده.
    سكن العرب زنجبار قبل ألفي عام ، و كانوا أول من قطنها من البشر فقد جذبهم إليها جوها البديع ، و أرضها الخصبة ، و طبيعتها الخلابة . و كان ساحل شرق إفريقيا تابعاً لها . و في عام 1828 م استقر السلطان السيد سعيد بن سلطان في زنجبار و جعلها مقراً لحكم الدولة العمانية – الزنجبارية مفتتحاً مرحلة جديدة في تاريخ هذه الدولة ، فقد كان ينيب عنه أحد أبنائه في مسقط أثناء و جوده في زنجبار و بالعكس ، و بقي هذا الكيان دولة واحدة حتى عام  1860م. خضعت زنجبار رسمياً للحماية الإنكليزية بعد مؤتمر برلين عام 1870 بعقد معاهدة هيلغولاند – زنجبار بين بريطانيا و ألمانيا ، حيث تنازلت بريطانيا لألمانيا عن جزيرة هيلغولاند ، و هي جزيرة صغيرة في مدخل بحر الشمال ذات أهمية استراتيجية فائقة ، مقابل قبول ألمانيا بسط الحماية البريطانية على زنجبار رسمياً.و عندما اعترضت فرنسا تم استرضاؤها بجزيرة مدغشقر .
       تعرضت المنطقة لأول اجتياح غربي على يد البرتغاليين في بداية القرن السادس عشر حيث استولوا على أغلب الموانيء العربية و منها زنجبار و عمان ، و في عام 1698 م طرد الإمام سيف بن سلطان اليعربي الأول الملقب بـ " قيد الأرض " البرتغاليين من هذه الحواضر . و هذا التاريخ يعتبر بداية خضوع جزر كلوه و باتا و زنجبار و ممباسا للحكم العماني الرسمي . لكن منذ دخول البرتغاليين إلى حوض المحيط الهندي لم يعد العرب القوة المسيطرة على هذه المنطقة ،التي وقعت تحت سيطرة الغربيين و ما زالت حتى اليوم . لقد صار الوجود العربي في شرق أفريقيا تحت سيطرة القوى الدولية المهيمنة ، أو يستفيد من الثغرات التي تنشأ من صراعاتها و أحياناً يدفع ثمن صراعاتها . لكن العرب في كل الأحوال لم يعودوا طرفاً مقرراً لا في مصير هذه المنطقة و لا في غيرها . بل صار الغرب هو منظم العالم و محدد لطريقة عيشه و لاقتصاده ، و في ظل السيطرة الغربية نشأت ظاهرة استرقاق الأفارقة و شحنهم إلى أمريكا،و كما يحدث في كل الأزمنة و الأمكنة و عند كل الأمم يلتحق بالغالب أفراد من كل الشعوب و القوميات المغلوبة و يعملون تحت إمرة المنتصر ، و قد التحق عدد ما - قليل أو كثير - من العرب ، و مارسوا تجارة الرق لصالح الغربيين مقابل بعض الأرباح المادية ، أي أنهم أصبحوا سماسرة عند الغربيين ، و فعل نفس الشيء بعض زعماء و أبناء القبائل الأفريقية فكانوا يصيدون أبناء جلدتهم و يبيعونهم للغربيين .
    إن من تعاون مع الغربيين من عرب و أفارقة أفراد و مسؤوليتهم فردية ، فهم وحدهم يتحملون وزر ما فعلوه ،و يبقى الغرب المسؤول الأساسي عن هذه التجارة، و هو من يتوجب عليه أن يعتذر للأفارقة ، فكل عبد شُحن بواسطة السفن في حوض المحيط الهندي إلى أمريكا تم باشراف و مسؤولية غربية و لمنفعة الغرب ،لأنهم كانوا مسيطرين على هذا المحيط .
    عمل في العراق تحت الإشراف الأمريكي أفراد مرتزقة من كل الجنسيات من الفليبين و بورما إلى جنوب أفريقيا و تشيلي فهل أممهم مسؤولة عن أفعالهم !و بشكل مشابه عمل أفراد عرب في تجارة الرقيق لكن تحت أمرة الغربيين و بإشرافهم . لقد عملت أشهر شخصية عمانية الملقب " تيبو تيب " تحت أمرة الغربيين و لصالح ملك بلجيكا ، فأوصل المستكشف ستانلي إلى منابع النيل ، و سجل التاريخ الغربي أن ستانلي هو من اكتشف منابع النيل لأن " تيبو تيب " يعمل تحت أمرته و لم يسجل أن "تيبو تيب" هو المكتشف ، لكن عندما يعمل " تيبو تيب" بتجارة الرقيق لصالح الغربيين تُلصق التهمة بالعرب .
    الظاهرة الاستعمارية العربية المزعومة في شرق أفريقيا
    في الكتاب الأسود للاستعمار (الكتاب الأسود ( 1600-1800) -إشراف: مارك فرو - ترجمة محمد صبح - مراجعة زياد منى - دار قدمس ) تم حشر الوجود العربي في زنجبار ضمن الظواهر الاستعمارية ، و أفرد معدو الكتاب فصلاً خاصاً بعنوان " الاستعمار العربي بزنجبار " . يدور حول ما أسماه المؤلف استعمار سلطان عمان لزنجبار و إقامته بها منذ عام 1840 . لا أدري كيف تم حشر العرب بهذا الأمر رغم أن المؤلف نفسه يعرف أن العلاقات بين شرق أفريقيا و العرب تعود إلى قبل ظهور الإسلام ،كما قلنا ، و هناك تمازج سكاني كثيف بين العرب و الأفارقة و اختلاط لغوي و حضاري ، و قد أقام التجار العرب حواضر كثيرة على الساحل الأفريقي بعضها ما زال قائماً حتى اليوم و بعضها دمره الغزو الغربي .
    لتلفيق هذه التهمة للعرب يتجاهل المؤلف أن حوض المحيط الهندي صار تحت سيطرة الغربيين منذ القرن السادس عشر ، و أن عمان نفسها ، التي يُتهم العرب عبرها بممارسة الاستعمار في زنجبار ،هي نفسها قد سقطت بيد البرتغاليين التي استولت على ممتلكات العرب في شرق أفريقيا كاملاً إلا في بعض الجيوب المحدودة . و أما عودة العمانيين كقوة بحرية في القرن التاسع عشر فقد تم تحت رعاية انكليزية بحتة و الاستيلاء على زنجبار يندرج في ذلك الإطار ، فقد كانت هذه الجزيرة الإستراتيجية موضع تنازع القوى الدولية الكبرى في ذلك الوقت ، من فرنسيين و ألمان و انكليز . قسمت معاهدة 1886 الأنغلو- ألمانية مناطق النفوذ على الساحل بحيث كينيا لبريطانيا و تنزانيا لألمانيا. و قد دفع ثمن هذا الصراع بين القوى الدولية أفراد أسرة السلطان نفسه ، فنفي من نفي بتهمة التحالف مع قوة أخرى ، و يشهد على ذلك مصير ابنة السلطان سالمة التي تزوجت ضابطاً ألمانيا و حظر الإنكليز عودتها للجزيرة إلا مرة واحدة و بعد احتياطات كثيفة. و حتى مؤلف هذا الفصل يغالط نفسه ، فيعود ليقر بالحقيقة  :
    (( ذلك أنه حتى لو كان النموذج الثقافي المهيمن هو السواحيلي ، فما من أحد ، منذ الستينيات ( القرن التاسع عشر ) ، و قبل الاستعمار الأوربي بكثير ، كان ينخدع بالأوهام : فإلى جانب السلطان برغش ، كانت السيطرة الإقتصادية بيد الغربيين ، و أولهم البريطانيون الذين كان لهم اثنان من المستشارين للسلطان يعرفهما الجميع : القائد العسكري لويد ماثيوس و القنصل العام جون كيرك . و قد شجع ارتفاع أسعار العاج الذي تسبب به الطلب الغربي الذي ليس له حد ، هذا التقدير للسيطرة الإقتصادية الغربية ))
    اما تجارة الرقيق التي يلصقها هذا الكتاب أيضاً بعرب زنجبار فيعود المؤلف ليعترف بالحقائق ، فيقول :
    (( و الحال إن تجارة الرقيق الإفريقية كانت تعيش على التجارة الدولية ( اقرأ الغربية )، و كانت تمول أساساً بالسلع المصنوعة الناتجة عن الثورة الصناعية الأوربية و المرغوبة من قبل كل الشركاء الدوليين الآخرين . و كانت الأسلحة من بين هذه السلع ضرورية لتجار العبيد لأن نجاح أعمالهم كان مرهونا بها : سواء عن طريق العمل لعسكري لجلب العبيد أم عن طريق التمتع بحق الأقوى ببساطة ))
    و يتابع مؤلف في هذا الفصل شرح كيف أن أوربا بعد السلام العابر بعد مؤتمر فيينا عام 1815 بعد عشرين سنة من الحروب البونابرتية وجدت مخزوناً هائلاً من الأسلحة أعادت تصديرها إلى تجار الرقيق في أفريقيا . يقول المؤلف :
    " و لهذا ليس للغرب الحق في استنكار النظام العبودي الزنجباري : فهو إن لم يكن و بشكل أكيد و بصورة غير مباشرة المحرض عليه فإنه كان المروج له ، على الأقل هو الذي أمن الإمدادات باستمرار "
     

    Saturday, January 23, 2016

    العمانيون والجهاد الإسلامي في شرق إفريقية

     
    عبدالرحمن بن علي بن عبدالله السديس
    العمانيون والجهاد الإسلامي في شرق إفريقية (1024- 1123هـ= 1624- 1711م)
    رسالة: دكتوراه
    جامعة أم القرى ، مكة المكرمة
    1413هـ / 1993م
     

    Friday, January 15, 2016

    الوجود العربى فى شرق إفريقيا

    القاهرة/ وكالة انباء الاهرام الدولية/ مقال/ في 4من اب 2015ا
    د/ صالح محروس محمد…أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر جامعة بنى سويف

    يرجع اتصال العرب الأوائل بساحل شرق أفريقيا إلى عدة قرون قبل الميلاد وكانت هجرتهم بغرض التجارة وليس الاستيطان واختلطوا بالأفارقة عن طريق الزواج. وكان العرب أقدم الأمم اتصالاً بالجماعات البشرية المقيمة على سواحلها قبل غيرهم من الأمم الأخرى وإن كان هذا الاتصال مقصوراً على التبادل التجاري وتصريف منتجات سكان أفريقيا الشرقية في شتى الأسواق وربط المنطقة بأهم مصادر الإنتاج العالمي في الشرق الأقصى و في بلاد البحر الأبيض المتوسط أي أن النشاط التجاري كان أساس العلاقات التي كانت بين العرب وشرق إفريقيا.
    وهناك عوامل هامة جعلت الصلات قوية بين العرب(بالأخص عرب عُمان) وشرق أفريقيا، وهى عوامل طبيعية و بشرية واقتصادية .أما العوامل الطبيعية فتتمثل فى البيئة الصحراوية في شبه الجزيرة العربية مما جعلها عامل طرد نحو البحر سواء في اليمن أوفى عُمان. فكان التوجه البحري العماني بسبب طول السواحل العُمانية واحتوائها على عدد كبير من المواني الصالحة للملاحة خاصة صحار ومسقط ،وأعطت تلك المواني لأهلها دور الوساطة في المناطق التي تقع على جانبيها بين سواحل شرق أفريقيا وسواحل المحيط الهندي والخليج العربي. وكذلك قرب المناطق الجنوبية من شبه الجزيرة العربية من شرق أفريقيا ويذكر علماء الجيولوجيا أن أفريقيا والجزيرة العربية كانتا أرضاً واحدة متصلة وانفصلت بسب الانكسارات الأرضية والهزات الأرضية .
    وهناك عامل طبيعي آخر وهو هبوب الرياح الموسمية الشمالية الشرقية(شتوية) التي تهب فى الفترة من شهر يناير حتى آخر مارس من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي حيث تدفع هذه الرياح معها المراكب الشراعية من شواطئ شبه الجزيرة العربية والخليج العربي إلى سواحل أفريقيا الشرقية وفى العودة تستفيد هذه السفن من هبوب الرياح الموسمية الجنوبية الغربية(صيفية) التي تهب فى الفترة من شهر إبريل وحتى أواخر شهر سبتمبر . وكانت الرحلتان تعرفان باسم داو .(Dhow)
    وهناك عامل بشرى هام لقوة العلاقة بين العرب وشرق أفريقيا تتمثل في تفوق العرب(بالأخص عرب عُمان ) في ركوب البحر حيث أنهم عرفوا الانتقال عبر المحيط الهندي بحدوده المترامية عند الهند من ناحية وعند جزر وساحل شرق أفريقيا من ناحية أخرى. وكانت هذه بالتحديد مساحة الاحتكاك الحضاري بين الشعب العُماني على مر الزمان والشعوب القاطنة في هذه الحدود الشرقية والجنوبية والغربية للمحيط الهندي.
    وجدير بالذكر أن العامل الاقتصادي الهام الذي يدل على قوة العلاقات بين العرب وشرق أفريقيا هو تجارة المحيط الهندي . وقد اشتهر العرب بالتفوق البحري من قديم الزمان وساعدتهم حركة الرياح الموسمية سالفة الذكر. حيث كان اتجاه العُمانيين إلى ساحل شرق أفريقيا لعلمهم بما لهذه المنطقة من خيرات وفيرة تتمثل في كميات العاج الهائلة والذهب والرقيق والحديد وجلود النمور وأخشاب الصندل والأبنوس والعنبر و أصداف السلاحف وزيت النخيل . ولقد جلب العُمانيون معهم سلعاً مثل التمر العُماني وكذلك الأقمشة الملونة من الهند والتوابل والأواني المصنوعة من الزجاج من بلاد فارس ومن هنا نشأت علاقة تجارية قوية عبر المحيط الهندي منذ قبل الميلاد .
    يعتقد بعض المؤرخين أن بدايات الهجرة العربية إلى شرق إفريقيا كانت عقب انهيار سد مأرب حيث دفع هذا الحدث بهجرة العرب دفعاً قوياً نحو الساحل الشرقي لإفريقيا بحثاً عن مأوى ومصدراً للرزق خارج شبه الجزيرة العربية حيث القرب الجغرافي والمعرفة السابقة بالساحل. وكان من أشهر القبائل العٌمانيةالتي هاجرت إلى شرق أفريقيا قبيلة الحارث وقبيلة البروانى وكان لهم نفوذ اقتصادي وسياسي فى شرق أفريقيا. ومن أشهر العائلات العمانية التي استوطنت فى شرق أفريقيا أسرة البوسعيد فى زنجبار وبنو نبهان فى بات والمزارعة فى ممبسه . وتكونت إمارات عربية فى شرق أفريقيا فى العصور الوسطى مثل مقدشيو و براوه وبات ولامو ومالندى و ممبسه وكلوه ومدن أخرى وكان حكامها مستقلين وكانت تقوم بينهما حروب أحياناً ومثّل العرب فيها الطبقة الأرستقراطية .
    وازدادت هذه العلاقات قوةً ورسوخاً بعد ظهور الإسلام وكان هناك نشاط للتجار العُمانيين حيث كانوا يجمعون بين التجارة والتعليم فأنشأوا الكتاتيب لتعليم القرآن الكريم وبنوا المساجد لأداء الشعائر الدينية ولتعليم الأفارقة قواعد الإسلام وشعائره الصحيحة. ومع انتشار الإسلام اتسع معه نطاق الملاحة البحرية العربية الإسلامية في المحيط الهندي وكانت الاضطرابات السياسية التي شهدتها الدولة الإسلامية أعقبها العديد من الهجرات العربية إلى أفريقيا .
    ومن أهم هذه الهجرات العربية إلى شرق أفريقيا تلك التي خرجت من عُمان خلال الفترة (75ـ85)هـ (694ـ704) م بقيادة الأخوين سليمان وسعيد ابني عباد الجلندى من قبيلة الأزد وهما من شيوخ العرب الذين حكموا عُمان في أيام الدولة الأموية وثاروا في وجه الخليفة عبد الملك بن مروان ولكنهم فشلوا وتغلبت عليهم قوات الحجاج بن يوسف الثقفي سنة 75 هـ/649 م ؛ فهرب سليمان وسعيد مع أنصارهما تاركين وطنهم إلى الساحل الأفريقي. ولا يُعلم تماماً أين نزلا على البر ويحتمل أن يكون قد نزلا في بات Pat في أرخبيل لامو ( أمام شواطئ كينيا حالياً ) . وحدثت هجرة عربية أخرى في عهد الدولة الأموية وهى هجرة الزيدية عام 122هـ (739) م إلى شرق إفريقيا بعد اضطهاد الأمويين لهم . وعندما استولى العباسيون على الدولة الإسلامية انتشر الأمويون وأتباعهم في شمال أفريقيا والأندلس وكان من بينهم عدد لا بأس به وصل إلى الشاطئ الأفريقي عن طريق المحيط الهندي والبحر الأحمر .
    ومن الهجرات العُمانية الأخرى هجرة أهل صحار والباطنية بعد إعلان عُمان إمامتهم الأباضية على أثر حملات العباسيين المستمرة لعُمان لوجود إمامة أباضية مخالفة لهم. ولعل من أهم الهجرات العربية في القرن الرابع الهجري( العاشر الميلادي) هجرة الإخوة السبعة من قبيلة الحارث العربية فقد هبطوا إلى الساحل الشرقي لإفريقيا عند شاطئ البنادر وأمتد نفوذهم حتى جنوب ممبسه. وهم الذين أسسوا مدينة مقديشو وبراوه ومركه. وكذلك هجرة النباهنه وسلطنتهم في بات في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي).
    ولقد تدفقت الوفود العربية العُمانية إلى زنجبار وشرق إفريقيا مع السلطان السيد سعيد بن سلطان بعد نقله العاصمة إلى زنجبار عام 1832 م حيث انتقل معه الكثير من العرب بغرض الإقامة وامتلاك الاراضى في زنجبار ويلاحظ أن السيد سعيد شجع أثرياء العرب على الهجرة إلى جزيرتي زنجبار وبمبه وأصبحوا يكونون طبقة أرستقراطية .
    وبدأ العُمانيون في عهد السيد سعيد في الاستقرار في زنجبار ثم بدأوا في التوغل إلى الداخل كتجار فأسسوا المراكز التجارية ،ومن جهة أخرى أصبح العُمانيون يسيطرون على مساحات واسعة من إفريقيا تمتد من الساحل الشرقي إلى منطقة البحيرات العظمى في وسطها وتشمل الأراضى الواقعة في كينيا وأوغندا وتنجانيقا فكان للعرب دورُ هام ومؤثر في شرق أفريقيا قبل أن يصل إليها الأوربيون .
    يوجد العديد من الملاحظات الهامة على الهجرات العربية إلى شرق أفريقيا يمكن أن نوجزها فيما يلي:
    1-قدم العلاقة بين عرب عُمان وشرق أفريقيا وقوتها بسبب تفوق عُمان بحرياً وقربها من الساحل الأفريقي.
    2-زاد الإسلام العلاقة بين عُمان وشرق أفريقيا قوةً ورسوخاً وقام العُمانيون بنشر الإسلام في شرق أفريقياوساعد التجار المسلمون على ازدهار التجارة وإنشاء أ سواق في شرق إفريقيا.
    3-كانت هذه الهجرات تكاد تكون مقصورة على عنصر الرجال دون النساء وهؤلاء الرجال لم تكن تحكمهم عقدة عنصرية فقد تزوجوا من نساء أفريقيات . وكان من أبرز نتائج هذا الاندماج بروز الشعب السواحيلي بلغته المميزة ، وقيام مجتمع جديد بعد جيل أو جيلين لم يعد من السهل تمييزه عن السكان المحليين.
    4-ترك العرب أثاراً هامة على منطقة شرق أفريقيا في مختلف مجالات الحياة الثقافية والدينية والاقتصادية والاجتماعية

    Monday, January 11, 2016

    رحلة عجيبة للسفينة العُمانية «سلطانة» إلى نيويورك العام 1840

    جريدة الوسط
    العدد 4497 - الثلاثاء 30 ديسمبر 2014م الموافق 08 ربيع الاول 1436هـ
    مسقط - محمد حميد السلمان 
     
    كتب سفير الولايات المتحدة في مصر العام 1962 بحثاً مطولاً مطلعه يقول: «طلع الفجر تدريجياً على مدينة نيويورك في صبيحة الخميس 30 من أبريل/ نيسان العام 1840، وبعد انفلاق الصبح بقليل ظهرت في الأفق سفينة تتهادى فوق سطح الماء مبتعدة قليلاً لتتفادى اللسان الرملي الذي يدور عند طرفه مصباح مضيء ليحدد مدخل مرفأ نيويورك، وهنالك توقفت السفينة لتأخذ مرشداً ملاحياً تدخل تحت قيادته إلى الميناء المذكور».
    تلك السفينة المذكورة هي العُمانية «سلطانة»، وبعد نحو 175 عاماً من رحلتها التي بدأت من زنجبار في فبراير 1840 حتى وصولها إلى ميناء نيويورك في نهاية أبريل من نفس العام بعد 87 يوماً في عرض المحيط الأطلسي؛ اختُتمت يوم الخميس الماضي في العاصمة العُمانية مسقط، أعمال ندوة بشان «رحلة السفينة سلطانة إلى نيويورك: نحو فيلم توثيقي»، برعاية رئيس الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون بسلطنة عُمان، عبدالله بن ناصر الحراصي. وذلك بحضور حشد من المتخصصين والباحثين في التاريخ والتوثيق، والفنانين، والمخرجين في مجالات المسرح، والسينما والتلفزيون من 12 دولة هي: عُمان، ايطاليا، الولايات المتحدة، تنزانيا، مصر، تونس، البحرين، فرنسا، الإمارات العربية، ألمانيا، المغرب، والسعودية.
    أهداف الندوة
    أكد عبدالله الحراصي، على أن فترة السيد سعيد بن سلطان شهدت الكثير من معالم حراك التاريخ العُماني على المستويات التجارية والسياسية والاجتماعية، والتواصل بين عُمان والقوي العظمي آنذاك. وأن رحلة السفينة «سلطانة»، والتي ورد في بعض المصادر والدراسات أن اسمها «سلطاني» وليس سلطانة، متمنياً للندوة أن تحقق في هذا الأمر، تُعد مهمة للغاية على مستوى العلاقات العربية الأميركية، وتعزيز قيم التواصل العُماني مع الآخر. و أن هذه الندوة تتناول اتفاقية العام 1833 التي تُعتبر من أول الاتفاقيات التي عقدتها الولايات المتحدة بينها وبين أهم دول العالم ومنها عُمان.
    وأضاف الحراصي، بأننا رأينا أن السبيل الأصلح علمياً والأدق في توثيق هذا التاريخ درامياً الدرامي هو تدارس هذه الفترة بخبرة الباحثين والمتخصصين في هذا المجال والخروج بعمل حضاري مهم.
    كما أوضح رئيس اللجنة المنظمة للندوة، عبدالكريم علي جواد اللواتي أن الهدف منها هو الوصول إلى رؤية مدروسة لإنتاج فيلم توثيقي للرحلة بما تمثله من أهمية تاريخية وحضارية. باعتبار أن عصر السيد سعيد (1806-1856)، كما يصفه المؤرخون، يعتبر فترة ذهبية في تاريخ عُمان الحديث، لكونه سياسياً ودبلوماسياً، أمكن فيه من إقامة علاقات واسعة مع الدول الكبرى، وتكوين امبراطورية شملت عُمان وأجزاء من سواحل الخليج وإفريقيا من مقديشو شمالاً حتى موزمبيق جنوباً.
    حيثيات الأوراق
    ركزت الندوة على الرحلة العجيبة والمغامرة الفريدة من نوعها التي قامت بها «سلطانة»، وهي إحدى سفن الأسطول العُماني في عهد الإمام سعيد بن سلطان البوسعيدي العام 1840 بين موانئ الإمبراطورية العُمانية آنذاك في مسقط وزنجبار، وهي تشق طريقها بنظام الأشرعة القديم وعبر أهوال المحيط الأطلسي؛ إلى ميناء نيويورك على الشاطئ الشرقي من الولايات المتحدة الأميركية.
    وقد تناولت الندوة الرحلة وأهدافها من عدة محاور تاريخية وفنية، وهي: عصر (السيد سعيد بن سلطان ودوافع قيام الرحلة). حيث قدم فيه الباحثان جمعة البوسعيدي من عُمان، و(بياتريش نيكوليني) من إيطاليا، رؤيتهما بشأن «ملامح عصر السيد سعيد بن سلطان وعلاقاته الدولية». والاتفاقية التجارية بين عُمان والولايات المتحدة التي تم التصديق عليها العام 1835 في عهد الرئيس الأميركي، أندرو جاكسون. وتعرف هذه الاتفاقية بـ (اتفاقية الصداقة و التجارة مع مسقط). وبشأن «الاتفاقية كمنجز سياسي واقتصادي وحضاري»، قدم كل من الباحثين محمد بن سعيد المقدم، و (جيه. إيه. بيترسون) من الولايات المتحدة، دراستهما الموثقة.
    أما المحور الثاني فهو (الرحلة والاتفاقية من واقع الوثائق المتاحة)، وقدم فيها هلال الحجري من عُمان، وأمينة أمير عيسى من تنزانيا، ورقتين بشأن «الاتفاقية في كتب الرحالة والمدونات والمخطوطات». حيث سلط الحجري الضوء على المصادر التي ذكرت الاتفاقية العُمانية- الأميركية، من خلال الصحف الأميركية، وأدب الرحلات، والكتب التاريخية الأجنبية القديمة، والحديثة، والعربية، والأطروحات العلمية.
    وفي نفس المحور قدم الباحثان زاهر سيف المسكري، وإبراهيم البوسعيدي، ورقتين تحت عنوان «الرحلة في المراجع والكتابات الصحافية والكتابات المترجمة».
    تناول المسكري في ورقته التاريخ البحري لعُمان، والعلاقات العُمانية الأميركية، بما فيها الاتفاقية بين الجانبين، ومناقشة بعض بنودها. كما استعرض رحلة السفينة «سلطانه» من بداية تصنيعها في حوض السفن بالهند، وشكلها، والرحلات التي قامت بها، ولماذا أختار السيد سعيد بن سلطان هذه السفينة لتقوم بهذه المهمة، ومن هو ربانها خلال الرحلة، ومدة الرحلة، والطريق البحري الذي سلكته السفينة؟ والبضاعة التي حملتها، والهدايا التي قدمتها عند وصولها لرئيس الولايات المتحدة مارتن فان بيورين. كما أشار المسكري، إلى أنه إبان الدولة البوسعيدية كان الأسطول العُماني يتألف من 24 سفينة، أربع منها مزودة بـ 44 مدفعاً، وخمس فرقاطات تحمل كل منها 18 إلى 24 مدفعاً. أما بقية السفن، فكانت من نوع الذي تتراوح أسلحته بين 8 إلى 14 مدفعاً.
    كما أضاف، بأن بسبب وصول السفن الأميركية إلى مملكة السيد سعيد بن سلطان محملة بالبضائع التجارية للأسواق الضخمة بين كل من مسقط وزنجبار، وبعد لقائه الأول ببعض الأميركيين أمثال التاجر الأميركي (أدموند روبرتس) في يناير 1828 في فترة حكم الرئيس أندرو جاكسون؛ بدأ يفكر أن يرسل إحدى سفنه التجارية التي كانت تجوب المحيط الهندي بحثاً عن التجارة في أوقات السلم إلى الولايات المتحدة، بهدف تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين، فتم اختيار «سلطانة».
    وقد أبرز المسكري العديد من الوثائق والصور التي تنشر لأول مرة عن رحلة السفينة»سلطانة»، وأوضح أنها بُنيت في حوض (مازاجون البرتغالي) لبناء السفن بمدينة مومبي العام 1833م، بطابع غلب عليه الشكل الأوروبي للسفن الشراعية آنذاك. وأبحرت السفينة منذ تدشينها في رحلات متعددة بين المحيطين الهندي، والأطلسي، حتى وصلت إلى لندن العام 1838م بحسب ما دونته الصحف البريطانية.
    وكان من أهم أسباب اختيار السفينة سلطانة لرحلة الولايات المتحدة، حداثة صنعها، وإبحارها سابقاً إلى بريطانيا مما أكسبها إلماماً بظروف الطقس والعواصف في المحيط والأطلسي، وطابعها وطرازها المصمم على الشكل الأوروبي، ومقدرتها على استيعاب البضائع المتنوعة في الذهاب والإياب. أضف إلى ذلك، وصول شهرة السفينة «سلطانة» إلى نيويورك بعد حادثة إنقاذها للسفينة الأميركية «بيكوك» الطاووس، إثر جنوحها قرب جزيرة مصيرة العُمانية العام 1833. وسرعة «سلطانة» الفائقة، حيث قطعت المسافة بين زنجبار ونيويورك في 87 يوماً وذلك قياساً بإحدى السفن الأميريكية التي قطعت نفس المسافة في 111 يوماً. فكانت رحلة بحرية مغامِرة وخطرة بحق، أثبت العمانيون جدارتهم وشجاعتهم فيها.
    أما إبراهيم البوسعيدي، فقد ذكر أن رحلة السفينة سلطانة إلى الولايات المتحدة العام 1840م شكلت أهمية خاصة في تاريخ عُمان الحديث لعدة اعتبارات منها أنها مهدت لعلاقات تاريخية وطيدة بين عُمان وأميركا تعتبر الأقدم من نوعها على مستوى الدول العربية. كما أنها تعبر عن سعة ادارك سعيد بن سلطان بالدور المتنامي الذي سوف تلعبه الولايات المتحدة في العالم. وجاءت النتائج الإيجابية للرحلة على المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي، بأن سارعت بعض الدول، وبخاصة الأوروبية منها، لعقد معاهدات اقتصادية مع الحكومة العُمانية، كما فتحت بعض الدول سفارات وقنصليات لها في مسقط وزنجبار بهدف تقوية الجانب الدبلوماسي.
    وجاء المحور الثالث للندوة بعنوان (رؤية فيلمية توثيقية ودرامية لرحلة السفينة سلطانة)، قدم فيها الكاتبان أحمد الأزكي، وعبدالله بن خميس، ورقتي عمل بعنوان «مرتكزات التخطيط لفيلم وثائقي عن الرحلة: الرؤى الفكرية، الأحداث، الجماليات». كما قدم الكاتب الدرامي المصري أبو العلا السلموني ورقته ضمن «الملامح الدرامية في رحلة السفينة سلطانة». متخيلاً فيها حكاية عاطفية من خلال مسلسل درامي طويل يحوي قصة الرحلة مع التركيز على شخصيتي أحمد بن نعمان، مبعوث السيد سعيد، والمرأة الإنجليزية في السفينة. بينما تعرض المسرحي عبدالكريم جواد للموضوع ذاته بورقة حملت عنوان «السفينة سلطانة ما بين الرؤية الدراميّة وأوجه تحديات الإنتاج».
    وجوه من الندوة
    على هامش الندوة كان لنا وقفات مع بعض المشاركين:
    الكاتب الدرامي عبدالرحمن الصالح (دولة الإمارات العربية): اتضح من خلال الندوة أن رحلة السفينة «سلطانة» غير موثقة للأسف، إلا ما كتبه المدعو (هيرمان أيلتس) عبر كتابه الصغير بعنوان «سلطانة في نيويورك». وكل البحوث والدراسات التي طُرحت في الندوة كانت تدور حول معلومات هذا الكتاب، ولو تم الاكتفاء بما ورد فيه لعمل فيلم وثائقي لكان مجزىاً. فالباحثون الأفاضل، في رأي الخاص، لم يضيفوا جديداً لما نعلم عن السفينة ورحلتها بما فيهم الباحثون الأجانب. واعتقد أن الأمر يحتاج الآن لتجميع المادة التاريخية ببحثٍ جيد فيما يخص رحلة «سلطانة»، ومن ثم تُسلم لأي سيناريست على قدر عالٍ من الكفاءة الفنية لمعالجة الموضوع سينمائياً. لتبقي قصة السفينة العُمانية رسالة للعالم المتحضر بأننا لم نكن مجرد شعب يغوص على اللؤلؤ، أو يكتفي بوجود النفط لديه، بل كانت له حضارة ودول حديثة وإمبراطوريات، كالعُمانية، التي وصلت بعلاقاتها إلى أميركا في العالم الجديد، واحتفت الولايات المتحدة بمبعوثه السيد سعيد ألا وهو أحمد بن نعمان.
    الكاتب التونسي عزالدين المدني: كانت ندوة مهمة جداً، عرفتنا على وضع عُمان في القرن التاسع عشر من خلال رحلة السفينة «سلطانة» التي اعتبرها رحلة استكشاف للآخر وكيفية الاتصال به ومعرفة الواقع الخاص به وبإمكانياته. وعند التفكير في عمل درامي لهذه الرحلة، فيمكن القول إن مادة الرحلة المتوافرة تصلح أن تكون فيلماً، أو مسرحية، أو مسلسلاً، أو مسرحية موسيقية أيضاً.
    والتركيب الدرامي في كل جنس من هذه الدراما له طابعه الخاص، كما يمكننا عمل أوبرا كذلك. وما لفت نظري في قصة الرحلة هي السفينة «سلطانة» نفسها، فهي من وجهة نظري بطلة أي عمل درامي حول الرحلة أكثر من الأشخاص الذين هم أدوات سُخرت لها. فهي التي قامت بالرحلة أساساً، وهي التي كابدت العواصف والمشاكل، ووصلت إلى نيويورك، وهي التي غرقت أخيراً في البحر أمام السفن الأجنبية الأخرى التي شاهدتها تموت، غرقاً، ولم تنقذها وكأنها تشمت بها. ثم ما أثارني هو دور الأوروبيين، والعرب، والهنود، والأفارقة على ظهر السفينة طوال الرحلة. من هذه الجماعات المتنوعة يمكن خلق أوبرا عالمية رائعة. ويمكن تلحينها بأسلوب موسيقي عربي وعالمي.
    الباحثة الايطالية (بياتريش نيكوليني): الندوة رائعة باعتبار أنني لأول مرة أرى الحكومة العُمانية تسعي لعمل فني تاريخي ليس محلي قومي فقط، بل له صفة عالمية عن طريق التواصل الحضاري الذي تم في التاريخ بين عُمان والولايات المتحدة من خلال رحلة السفينة «سلطانة» العام 1840، فقد حملت تلك الرحلة العديد من مظاهر حضارية للعلاقات والتسامح بين الشعوب في ذاك الزمان.
    فعلى ظهر السفينة العديد من القوميات والأديان، والأفكار، والبضائع الشرقية بينها خيول وسجاد فارسي، وقرنفل، وجلود. كما شكلت عنواناً مهماً للعلاقات التجارية والدبلوماسية والتسامح بين الدول. شكلت مثلاً جيداً لبقية الدول لو تم إتباعه كما يجب، لما وصلت أوضاعنا اليوم لما هي عليه من تشاحن وصراعات خصوصاً في الشرق الأوسط.
    أتمنى أن يكون العمل الذي سيتمخض قريباً عن هذه الندوة؛ إحدى الخطوات المهمة في طريق التلاقح والتفاعل الحضاري بين الشعوب. وحين التركيز على العمل الفني بالطبع سيتم تقديم معلومات مهمة عن رحلة السفينة «سلطانة»، ولكنى لست متأكدة من نجاح مسلسل درامي ذي حلقات متعددة عن هذه الرحلة ومدى متابعة المشاهدين له. واعتقد أنه يجب التركيز على شخصية السيد سعيد بن سلطان في أي عمل درامي توثيقي، فهو لم يكن حاكماً محلياً عادياً، بل كانت له مكانة كبيرة في المحيط الهندي ومع بقية الدول الكبرى من أوروبية وأميركية، وكان له سفراء ومبعوثون لهذه الدول في ذاك الزمان، إنه لشيء عجيب وحيوي للنظر فيه.
    المخرج المصري، محمد فاضل: بعد الأسلوب الذي أديرت به الندوة على أسس علمية وبحثية، وثم استطلاع آراء الخبراء الدراميين، سواء مؤلفين أو مخرجين، لابد أن يتبع هذا مباشرة خطوة ما، لأن ما حدث في الندوة الطيبة هو أساس نظري فقط لكن لم نرَ فيه ما يوحي بأن هناك عملاً قريباً.
    ويبدو أن الوضع عند الأخوة هنا أنهم يستغرقون وقتاً في عمل الأبحاث والدراسات الكافية عن أي عمل أو مشروع يتجهون لتنفيذه على أرض الواقع. حيث إنني علمت أن هذه الندوة لوحدها مثلاً تم التحضير لها منذ أربعة أشهر. تصورت أننا بعد حضورنا والمناقشة والتوصيات سيتم متابعة ما جاء فيها وتنفيذها خلال أسبوع على الأكثر، ومنها إنتاج أعمال درامية تسجيلية أيضاً عن هذا الموضوع.
    وفي رأي أننا يمكن أن نخرج من هذه الرحلة بفيلم جماهيري لأن بها عناصر صراع درامية رائعة مشوقة. فرحلة السفينة نفسها بها الكثير من جوانب الإثارة والتشويق لمجموعة من البشر تحيط بهم الإخطار من كل جانب، وهم من مختلف القوميات والأديان والمشارب والتوجهات، وسط البحر وهم فيه على ظهر سفينة لمدة حوالي 87 يوماً. كما أُفضل أن يكون العمل درامياً وليس تسجيلياً فقط، لأن العمل الدرامي التاريخي نفسه هو في الأساس توثيقي.
    وقبل ختام الندوة عُقدت أهم جلساتها الحوارية المفتوحة، بحضور مجموعة مختارة من المتحدثين والباحثين والكتاب ومخرجي الدرامي والسينما وهم: الكاتب المسرحي عز الدين المدني من تونس، والمخرج المصري محمد فاضل، والمخرج والمنتج السينمائي نضال شاتي من فرنسا، والمنتج والمخرج السينمائي حكيم بالعباس من الولايات المتحدة، والكاتب الدرامي من عبدالرحمن الصالح من دولة الإمارات العربية، وحسن جابر من السعودية، والباحثة دلال مقاري من ألمانيا، والمخرج السينمائي عادل الكضاعي من تونس، والباحث محمد السلمان من البحرين، والمخرجون من عُمان أنيس الحبيب، وأحمد الحضري، ومحبوب موسى.
    أحمد بن نعمان البحراني
    وقد أثارت شخصية أحمد بن نعمان بن محسن بن عبدالله الكعبي البحراني، الممثل الشخصي للسيد سعيد بن سلطان حاكم مسقط وزنجبار وتوابعهما في القرن التاسع عشر، انتباه وإعجاب المشاركين وحضور الندوة، بسبب قوة شخصيته وثقة السيد سعيد الكبيرة به لتعيينه قائداً للسفينة «سلطانة» وممثلاً عنه في رحلتها إلى نيويورك العام 1840، وإتقانه بطلاقة للغة الانجليزية في ذاك الزمان دون أن يدخل لمدارس حديثة. فقد ولد في البصرة العام 1784 حيث تلقي تعليمه الديني، وكان والده عربي الأصل من قبائل بني كعب التي استوطنت ضفاف الخليج جنوب العراق بعد هجرتها من وسط شبه الجزيرة العربية. أما والدته فقد كانت فارسية الأصل، وبدأ حياته كغلام يخدم على ظهر السفن، إلا أنه أظهر في عمله ذكاء ومقدرة نادرة جعلته يترقى سريعاً في أعمال البحر، كما أنه تميز بالأمانة والتقوى. وقد ألتحق أحمد البحراني بخدمة السيد سعيد في أوائل العشرينيات من القرن التاسع عشر، وسافر إلى الصين ومصر ولأوروبا في مهمات عديدة ممثلاً للسيد سعيد ومديراً للسفن التجارية. وفي العام 1835 وصل لمرتبة السكرتير الخاص للسيد سعيد، في رسالة واضحة شكلت قمة التلاحم والثقة بين المذاهب الإسلامية في عصر السلطان سعيد، وبقي أحمد البحراني يشغل هذه الوظيفة حتى وفاة السلطان.
    وأخيراً، خرجت الندوة بالعديد من التوصيات لتنفيذ المشروع المقترح بفيلم توثيقي عن رحلة «سلطانة» إلى نيويورك العام 1840، أهمها: تكليف مختصين لإعداد تصور شامل ونهائي لإنتاج عمل درامي أو وثائقي عن رحلة السفينة «سلطانة» أو «سلطاني» إلى نيويورك على مستوى عالمي يليق بمكانة الرحلة ودلالاتها. وتوثيق فترة حكم السيد سعيد بن سلطان وسيرته وملامح عصره، وذلك بتكليف باحثين مختصين في هذا الجانب، وإعداد كتاب موسوعي يوثق سيرة السفينة إلى نيويورك بالوثائق والصور وباللغتين العربية والإنجليزية، ونشر الوعي لدى النشء الجديد في المناهج الدراسية والإعلامية عن فترة حكم السيد سعيد بن سلطان والأحداث التاريخية التي صاحبت فترة حكمه، ولاسيما إنتاج فيلم رسوم متحركة عن رحلة السفينة، مع الاستفادة من خبرات البحارة والعاملين العُمانيين على السفن في توثيق التقاليد البحرية عبر التاريخ.
     

    أحمد بن النعمان الكعبي البحراني... سنوات زنجبار

     
    جريدة الوسط
    وسام السبع
     
    العدد 3713 - الثلاثاء 06 نوفمبر 2012م الموافق 21 ذي الحجة 1433هـ
     
    من بين الجمع غير المتجانس للطاقم العامل بالسفينة «سلطانه» التي غادرت ميناء زنجبار في أول رحلة عربية إلى الولايات المتحدة الأميركية العام 1840، وقف سيد عربي يحترمه الجميع ببشرته السمراء المصفرة وعينيه السوداوين الثاقبتين، كان قصيراً سميناً بعض الشيء وملتحياً. لف رأسه بعمامة ملونة فخمة عظيمة، أما حول خصره فقد ربط شالاً كشميرياً يشبه العمامة في بهجة الألوان الفاتحة، ولبس فوق الثوب الأبيض الطويل بشتاً جميلاًً أسود اللون (قفطان) مطرزاً بالذهب بجمال فائق عند الكتفين. يبدو أن هالة من الشرف الفطري قد تحلقت حوله.
    كانت هذه الشخصية الآسرة هي أحمد بن النعمان الكعبي البحراني (ت 1867)، المبعوث الخاص للسيد سعيد بن سلطان (ت 1856) سلطان مسقط وزنجبار وتوابعهما، والذي بأمره أبحرت السفينة نصف المسافة حول العالم في بعثة «للتجارة وحسن النوايا».
    ولد أحمد بن النعمان بن محسن بن عبدالله الكعبي في البصرة بالعراق العام 1789، وفيها تلقّى تعليمه الابتدائي في الدين الإسلامي بالطرق التقليدية. كان هذا القبطان والشخصية الادارية الفذة ينحدر من قبيلة بني كعب المعروفة التي تسكن في الخليج العربي، أما أمه فقد كانت فارسية حسبما يذكر هيرمان فريدريك ايلتس في كتابه «بعثة أحمد بن النعمان الى الولايات المتحدة».
    يصمت التاريخ عن الادلاء بمعلومات كثيرة عن طفولة بن النعمان وبدايات حياته، حتى أن تاريخ ميلاده يكتنفه الغموض، فهناك من يرى أنه ولد بالبصرة سنة 1784 وجاء إلى البحرين ثم رحل إلى افريقيا، لكن شهادة لشاهد أهم هو الشيخ صالح الشيباني يؤكد فيها أنه ولد في العام 1790.
    ورغم ان الكتابات تتفق على أنه وُلد في البصرة، فإن من الباحثين من يعدّه فارسياً مثل سلطان بن محمد القاسمي في كتابه «تقسيم الامبراطورية العمانية»، وهو اشتباه نستغربه من باحث بوزن القاسمي، فمن المعروف أن قبيلة الكعبي لها تواجد في الأحواز وعمان وعموم منطقة الخليج العربي.
    ورد اسم أحمد بن نعمان الكعبي في الكثير من الكتب التاريخية، منها كتاب عمان وتاريخها البحري إضافة إلى العديد من المصادر العربية والأجنبية. ويذكر الشيخ عبدالله بن صالح الفارسي معلومات قيمة عن «الشيخ» أحمد بن النعمان في معرض حديثه عن وزراء السيد سعيد، ويذكر أنه تولى منصب وزير الخارجية ومنصب وزير التجارة بعد وفاة الشيخ حسن ابن ابراهيم. وأثناء توليه هذا المنصب زار كثيراً من الموانئ وجاب كثيراً من المحيطات، غير أن أطول رحلاته تلك قام بها الى الولايات المتحدة الأميركية كأول سفير عربي، وقد استغرقت الرحلة من زنجبار حتى العودة إليها نحو عشرة أشهر، وكان على علم تام بالمحيط الهندي والأطلسي والبحر الأبيض المتوسط. وكان يتكلم الانجليزية والفرنسية بطلاقة، كما كان محاسباً ماهراً، ولهذا قام بتقسيم تركة السيد سعيد عقب وفاته وتوزيعها بين أولاده وورثته.
    شغل بن النعمان منصب السكرتير الخاص للسيد سعيد بن سلطان، الذي قلّده أمور التجارة وجعله مندوبه الخاص. وقد ظلّ أحمد بن نعمان بعد وفاة السلطان سعيد سكرتيراً خاصاً لخلفه السيد ماجد بن سعيد، وكان لعدد من السنين كاتم أسراره.
    ويبدو أن شخصية أحمد بن النعمان تتميّز بخفة الظل مع تديّن أصيل، وتروى عنه مواقف طريفة خلال فترة إقامته في الولايات المتحدة الأميركية مع طاقم البعثة الزنجبارية، فقد كان أحمد يفتن مضيفيه الأميركيين بلباقته، وكان محدّثوه «مسرورين جداً من سذاجته وذكائه»، وقد سئل أحمد من بحسب ظنه اجمل النساء العربيات أم الأميركيات؟ فوقف من مجلسه بشهامة لكن بلطف لكي يدافع عن نساء بلده».
    عاش أحمد بن النعمان في ماليندى كيوبندا، وفي 1861 بنى البيت الذي عرف باسم مأتم الشيعة، وهو بيت الشيخ أحمد بن النعمان نفسه، حيث كان زعيماً لقبائل الشيعة في شرق افريقيا قبل أن يتزعم «خان علي» صاحب المنطقة المعروفة باسم منطقة الخان (كواخاني).
    ولعل من اللافت أن يخصص الشيخ سعيد بن علي المغيري أحد أبرز مؤرخي زنجبار المعاصرين جزءًا من كتابه «جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار»، فقرات من كتابه للحديث عن أخبار هذه الشخصية حصل عليها من الشيخ صالح بن علي الشيباني البحراني «وهو من مذهب الاثني عشرية الشيعة» كما يورد المغيري.
    وهناك صورة فوتوغرافية متداولة لوقفية مأتم حسيني في زنجبار نحتت في العام 1925 تقول: «أوقفه الزعيم المكرم المرحوم القبطان الحاج أحمد بن النعمان الكعبي البحراني كاتب الدولة البوسعيدية ومعتمدها...». وكان هذا المأتم يقع في الطابق السفلي لمنزله الذي لايزال بنيانه موجوداً حتى اليوم، وكانت عائلة الكعبي تقيم في الطابق العلوي من المنزل، ومع الأسف بعد وفاة أسرته لم يعد لهم وجود بسبب رجوع معظم العمانيين إلى عمان عقب ثورة يناير/ كانون الثاني 1964 ضد السلطان جمشيد بن عبدالله، وقيام الحكم الجمهوري.
    تواجدت في زنجبار جاليةٌ من الشيعة الإمامية، هم خليط من عرب الخليج ومنهم بالطبع بحارنة، وقد كشف لي رئيس تحرير مجلة «الموسم» التراثية محمد سعيد الطريحي أن تواجداً مهماً للبحارنة في زنجبار، فقد نجحت سياسة مؤسس الحكم العربي في زنجبار السيد سعيد التي تتسم بكثير من التسامح في جعلها مجتمعاً كوزموبوليتانياً متعدد الأديان والأعراق». وأكد أن الجالية البحرانية «تساهم بشكل كبير في تجارة البلد وصناعته، وهم ينعمون بالاستقرار ومندمجون بشكل كامل في المجتمع الزنجباري، ناهيك عن تمتعهم بالحريات الدينية الواسعة كغيرهم من الأقليات الدينية والمذهبية الأخرى».
    جاء هذا التنوع الديني للبنية الديمغرافية والاجتماعية لزنجبار بفعل الشغف الشخصي للسلطان سعيد بن سلطان بالتجارة، فقد كانت التجارة تمثل شغله الشاغل، إذ ترك هذا الشغف تأثيره الكبير على شخصيته وسلوكه ورؤيته السياسية والاقتصادية في الشرق الافريقي، منذ أن انتقل من مسقط للإقامة الدائمة في زنجبار، إذ حرص على أن يصطحب معه كبار التجار العرب والهنود من طائفة البانيان Banyans للمساهمة في إنعاش الحركة الاقتصادية في زنجبار.
    توفي بن النعمان في العام 1867 عن عمر ناهز الثمانين عاماً في عهد السيد ماجد بن سعيد (ت 1870)، ويوجد شاهدٌ بسيطٌ على قبره في زنجبار نُقشت عليه كتابات وبعض التواريخ. وقد نشرت مجلة «الموسم» في العدد 29 لسنة 1997م – 1417هـ، وصيته التي كتبها في 6 سبتمبر/ ايلول 1861، أي قبل وفاته بنحو 6 سنوات، وهي تطفح بعبارات تدل على تديّن أصيل، وعكست جوانب مهمة من شخصية الكعبي المتعددة الأبعاد.

    Wednesday, January 6, 2016

    زنجبار و زوال الحكم العربي في 12 يناير 1964

    عن زنجبار :

    تقع جزيرة زنجبار سياسياً ضمن إطار دولة تنزانيا، أما جغرافياً فهي تقع على الساحل الشرقي لأفريقيا، وتبلغ مساحتها حوالي 1600 كم مربّع، وعدد سكانها حوالي 300 ألف نسمة.
    كان نظام الحكم في البلاد حتى عام 1964 ملكية دستورية يحكمها السلطان جمشيد بن عبد الله ......وقد خضعت زنجبار تاريخياً لسلطنة حكّام عُمان، سواء عندما حكمها اليعاربة أو آل بو سعيد. وكان سلطان عُمان يمتد إلى ممباسا وماليندي ومقديشيو وأسمَرة ومدن كثيرة حتّى وسط أفريقيا. وقد ظلّت سيطرة العمانيّين على زنجبار وساحل شرق أفريقيا قرابة ألف عام.....

    ولم تنقطع السيطرة العمانية على زنجبار وشرق أفريقيا إلاّ فترات قصيرة عانت فيها مناطق النفوذ العُماني من رحلات الاستكشاف البرتغالية ثم من الاستعمار البرتغالي، إلى أن طَرَد الإمام سلطان بن سيف البرتغاليين من عمان، ثم بعد ذلك من ساحل شرق أفريقيا.
    وكان النظام المستقر في زنجبار وساحل أفريقيا الشرقي يحكم من عُمان ويفوّض ولاة على زنجبار وبقية ممالك الساحل مقابل ضريبة سنوية


    وفي عام 1828 ميلادية قام السلطان سعيد بن سلطان بزيارة إلى الجزيرة ، وعندما وصل إليها استهواه جمالها وطِيب مناخها مُقارَنةً بهجير عمان ، فجعل من الجزيرة مقرّه الرسمي وعاصمة لمملكة يحكم منها عُمان وساحل إفريقيا، وأصبحت زنجبار منذ ذلك التاريخ عاصمة لمملكة عُمان . وسرعان ما تعاظمت وتكثّفت هجرات العُمانيين إلى الجزيرة ملتحقين بسلطانهم،
    كان استقرار السلطان سعيد بن سلطان في زنجبار متوافقاً مع بدء إحساس الغرب بأهمية موقع زنجبار الاستراتيجي في ظل قواعده البحرية التقليدية، من حيث كونها موقع مواجهة مع ساحل افريقيا الشرقي القريب من الهند ومن ساحل الخليج العربي. وكانت الكشوف الجغرافية من قبل ولفنجستون وستانلي وغيرها في افريقيا سبباً كافياً لكي يلتهب خيال أوربا بالطمع في افريقيا بعامة وزنجبار بوجه خاص.


    وفي يناير سنة 1964 اشتعلت ثورة زنجبار بقيادة أول رئيس لها عبيد كرومي وقضت على حكم آخر السلاطين العُمانيين جامشيد » الذي هرب على متن باخرته إلى مومباسا في كينيا. وأعمَلَ الثوارُ والأهالي من أصل افريقي وهندي التقتيلَ في السكان من أصل عربي الذين اضطروا إلى الهرب إلى كينيا وتنجانيقا أو العودة إلى بلدانهم الأصلية عمان واليمن والإمارات.. فبعد أيام من اندلاع القتال تمكن الثوار من السيطرة على كل المباني الحكومية الرئيسية ، وأخذوا مهبط طائرات الوحيد في الجزيرة ، ففر السلطان جمشيد ومعه رئيس الوزراء محمد شامتي حمادي‏ والوزراء على اليخت السلطاني . فاستولى الثوار على قصر السلطان وباقي الممتلكات السلطانية، معلنين حكومة جديدة . وقد قتل جراء تلك المعارك أعداد غفيرة أغلبهم من العرب ...


    كانت أهم أسباب الثورة شعور أهالي زنجبار بالطبقية المتفاوتة بينهم و بين الحكام العرب و فقدان الشعور بالعدالة و السخط الذي شاع لدى نسبة كبيرة من سكان زنجبار.
    إلى جانب أسباب أهم غيرها و هو التوسع الشيوعي و العرقية الدينية ...
    ثورة زنجبار ( يوم الإنقلاب ) :

    أطاحت ثورة زنجبار سنة 1964 بسلطانها جمشيد بن عبد الله وحكومته المكونة بشكل أساسي من العرب عن طريق الثوار الأفارقة المحليون. والسلطنة الواقعة شرق تنجانيقا المكونة أساسا من عدة جزر هي نموذج للتنوع العرقي، وقد منحتها بريطانيا الاستقلال سنة 1963، ولكن أسفرت سلسلة من نتائج الانتخابات النيابية بإبقاء العرب على سيطرتهم على الحكم كنتيجة الموروث باعتبارها مقاطعة سابقة لسلطنة عمان. فأصاب الإحباط تحالف حزب أفرو شيرازي (ASP) مع حزب الأمةاليساري بسبب التمثيل البرلماني الناقص على الرغم من الفوز بنسبة 54% من الأصوات في انتخابات يوليو 1963، مما حرك جون أوكيلو عضو حزب أفروشيرازي حوالي 600–800 من الثوار صبيحة يوم 12 يناير 1964 في الجزيرة الكبرى أنغوجا، فاحتل مراكز الشرطة واستولى على أسلحتهم، ثم تقدم نحو العاصمة ستون تاون حيث أطاحوا بالسلطان وبحكومته. ثم بدأوا بالاقتصاص من المدنيين العرب والأسيويون في الجزيرة: وقد قدر عدد القتلى المدنيين نتيجة تلك الثورة من عدة مئات إلى 20,000 شخص. فجيئ بعبيد كرومي زعيم حزب أفروشيرازي فنصب رئيسا وقائدا للدولة الجديد، ومنح حزب الأمة مواقع في السلطة.



    نتائج الثورة

    من أهم نتائج ثورة زنجبار كانت كسر هيمنة العرب والطبقة الآسيوية الحاكمة التي استمرت لمدة 200 سنة. ومع أن زنجبار اندمجت مع تنجانيقا كوحدة سياسية، إلا أنالمجلس الثوري ومجلس النواب قد احتفظا بوجودهما حتى سنة 1992، ويعملان بنظام الحزب الواحد ولهما السلطة في الشؤون المحلية. وتزعم كرومي الحكومة المحليةكرئيسا لزنجبار كونه أول من شغر هذا المنصب. واستغلت تلك الحكومة نجاح الثورة لتنفيذ تنظيمات في أنحاء الجزيرة. فإزاحة السلطة والقوة من العرب كان من أهم الأولويات، فثلا أضحت الخدمات المدنية في زنجبار ذات كادر أفريقي بالكامل، وسحبت الأراضي الزراعية من العرب ووزعت للأفارقة. إلا أن الحكومة الثورية قد وضعت أيضا إصلاحات اجتماعية مثل الرعاية الصحية المجانية، وفتح نظام التعليم للطلبة الأفارقة الذي كانوا قد شغروا 12٪ من الأماكن في المدارس الثانوية قبل الثورة.

    لا تزال الثورة تمثل حدثا ذا أهمية للأكاديميين كما هو للزنجباريين، فتحليلات المؤرخين بأن سبب الثورة هو وجود طبقية عنصرية واجتماعية بين السكان، وبعضهم قال أن الثوار الأفارقة مثلوا حالة البروليتاريا تمردت ضد طبقة الحكام والتجار من العرب وجنوب آسيا. بينما شكك آخرون بتلك النظرية قائلين بانها ثورة عنصرية تفاقمت بسبب التفاوت الاقتصادي بين طبقات هذا المجتمع. وفي العموم تمثل تلك الثورة في زنجبار حدثا هاما واتسمت الإحتفالات به بالافراج عن 545 سجينا في ذكراه السنوية العاشرة، وكذلك عرض عسكري عند الإحتفال في الذكرى ال40. وتحتفل زنجبار بذكرى الثورة في يوم 12 يناير كل عام، وهو يوم عطلة رسمية أقرته حكومة تنزانيا.


    لباس الكانجا الأفريقي عليه صورة الإحتفال بمرور عشر سنوات من الثورة ويظهر شعار كلا من حزب الأفروشيرازي والاتحاد الوطني الأفريقي التانجانيقي (متحف منزل العجائب في ستون تاون)


    في كتابه ( زنجبار – شخصيات وأحداث ) تناول ناصر بن عبد الله الريامي مصلحة بريطانيا في سقوط الحكم العماني في زنجبار كما تناول أيضا التدخل الإسرائيلي في دعم الانقلابيين وقدم معلومات قيمة حول ذلك .


    جمشيد بن عبد الله
    جمشيد بن عبد الله بن خليفة بن حارب بن ثويني بن سعيد بن سلطان بن أحمد بن سعيد آل سعيد البوسعيدي (ولد 16 سبتمبر 1929) أخر سلاطين زنجبار تولى السلطنة في زنجبار خلال الفترة من 1 يوليو 1963 إلى 12 يناير 1964 حيث أطاحت ثورة زنجبار في حكمه. و من ذلك الحين و هو في المنفى في مدينةبورتسماوث في المملكة المتحدة. و الذي أقنع السلطان بالسكن في بورتسماوث هو الشيخ الجليل سالم بن مسعود بن علي بن محمد الريامي الذي توفي في 2005 .
    وكانت زنجبار قد حصلت في عهده على استقلالها من المملكة المتحدة في 19 ديسمبر 1963 كدولة ملكية دستورية مستقلة.

    و تحملنا الذكرى التي انهت تلك الثورة 200 عام من حكم العرب العمانيون لزنجبار.... ويتم كل عام الاحتفال بهذه المناسبة في الجزيرة كذكرى سنوية ويوم عطلة رسمية.

    “عمان في زنجبار” محاضرة تاريخية بجامعة السلطان قابوس

     جريدة الوطن
     
    في ثقافة وفنون      
    نظمت جامعة السلطان قابوس ممثلة بجماعة التاريخ والآثار محاضرة تاريخية بعنوان “عُمان في زنجبار” وذلك بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية تحت رعاية الدكتور نبهان بن حارث الحراصي الاستاذ المساعد بقسم دراسة المعلومات في الكلية وقد ألقى المحاضرة الأستاذ ناصر بن عبدالله الريامي ركزت على تاريخ الوجود العماني في سواحل شرق افريقيا , وعلى أهمية أن يقرأ التاريخ بعيون عربية لا بعيون المستعمر الغربي، الذي قدم بعضهم مفاهيم ومغالطات تاريخية.
    افتتح الريامي المحاضرة موضحا أن التاريخ يجب ان يكتبه أبناء التاريخ لا أن يترك للغرباء, وأن العمانيين يجب أن يقرؤا تاريخهم بأقلام عربية نقلت الواقع ولم تشوه الصورة كما شوهها المستعمرون.
    استعرض الريامي الشخصية العمانية القيادية في زنجبار كشخصية حمد بن محمد بن جمعه المرجبي الملقب “بتيبوتيب” , الذي لقيت شخصيته تشويها وانتقاصا من قبل المستعمرين, كوصفهم له بتاجر الرقيق ـ وهو على العكس من ذلك ـ من خلال العديد من المصادر العربية والغربية ومن خلال المذكرات التي كان يكتبها المرجبي يوميا والتي خلت من الإشارة إلى ذكره لشراء العبيد , وعلى العكس كتب فيها ذات يوم أنه يبحث عن حمالين ليعملوا معه . من المحاور التي طرحها الريامي في المحاضرة هي تاريخ بداية الوجود العماني في افريقيا, وذكر أنه يعود لما يزيد على ألفي عام. واستعرض العديد من الوثائق والدلائل على ذلك, فعرض وثيقة أجنبية “كتاب الدليل الملاحي للمحيط الهندي” سنة 60 للميلاد التي وصفت السواحل الافريقية وتواجد العرب فيها والنشاط الاقتصادي والمصاهرة بين العرب والافارقة , بالإضافة الى تاريخ هجرة سعيد وسليمان حكام عمان عام 74 للهجرة تقريبا.
    أشار الريامي إلى تأثر الثقافات الافريقية بالثقافة العربية والعمانية وربطها بقانون الجذب الكوني إذ تؤثر الثقافات الكبيرة على الثقافات الصغيرة . وضح الريامي أسباب بدايات الهجرة والتي تعود إلى الجفاف وحركة الرياح الموسمية التي لم تتعارض مع المصالح الاقتصادية, بالإضافة إلى الحياة البسيطة والميسرة في سواحل شرق افريقيا التي تقوم على مبدأ التضامن وسيادة الامن والاستقرار آن ذاك.
    كذلك تحدث الريامي عن بدايات دخول الاسلام إلى افريقيا وإنه دخل إليها قبل الهجرة النبوية ومن الدلائل على ذلك وجود مسجد مطمور في بلدة شانجا بأرخبيل لاموه ومقابر تجاه بيت المقدس. وذكر أيضا قصة الشيخ أحمد بن ابراهيم العامري مع الكباكا الملك الذي قام بمناظرة مع الشيخ عن الإسلام مما أدى إلى إسلام الملك والذي على أثره أسلم الكثيرون في أوغندا وأواسط افريقيا , حتى أصبح بعض التجار العمانيين مستشارين لملوك أوغندا.
    آخر المحاور التي تحدث عنها الريامي هي بدايات النهاية كما أسماها، إذ تطرق إلى أحداث الثورة والانقلاب, وانتهاء حكم العمانيين في زنجبار وكان آخر حاكم هو السلطان جشميد بن عبدالله آل سعيد الذي أطاحت الثورة بحكمه.
    وفي نهاية المحاضرة تم فتح باب النقاش والتحاور مع الجمهور وتم استعراض مواقف العمانيين في زنجبار من خلال تقديمهم المساعدات لفلسطين وعدم سماحهم لقادة الكيان الصهيوني بدخول زنجبار آنذاك. وكان من بين الحضور البروفيسور ابراهيم نور وشخصيات من السفارة المصرية وهيئة التدريس بالجامعة وطلاب من داخل وخارج الجامعة وبالأخص طلاب من الكلية العلمية للتصميم، وكلية السياحة والشرق الأوسط، وكلية مزون وجامعة نزوى.
    الجدير بالذكر أن الريامي كاتب عماني متخصص في الحقوق , وحاصل ليسانس الحقوق من جامعة عين شمس بالقاهرة عام 1988 , وماجستير في علم الاجرام والعدالة الجنائية من جامعة لافبرا بإنجلترا عام 1999 , وهو باحث في التاريخ خصوصا تاريخ شرق افريقيا حيث صدر له كتاب بعنوان “زنجبار .. شخصيات وأحداث 1828 – 1972 م ” عن دار الحكمة في لندن عام 2009 , وصدرت الطبعة الثانية منه عن مكتبة بيروت في القاهرة عام 2009 , وفي عام 2012 صدرت الطبعة الإنجليزية .