Monday, November 28, 2016

الأدب العُماني في المهجر

الأحد 27 نوفمبر 2016 06:47 م
جريدة الرؤية
د. آسية البوعلي
بداية أود أن أشكر الزميلة الفاضلة الدكتورة: عزيزة الطائية، الخبيرة التربوية بوزارة التربية والتعليم، فهي أول مَن وجهت إليَّ الدعوة للمشاركة في حلقة النقاش التي كانت عن (الأدب العُماني في المهجر)، والتي عقدت بالنادي الثقافي في مطلع شهر أكتوبر 2016م. كما أشكر النادي الثقافي ورئيسة مجلس إدارته الزميلة الفاضلة الدكتورة: عائشة الدرمكية على إرسال الدعوة إليَّ رسميًا. وأعتذر لهم جميعًا، إذ نظرًا لظروف خارجة عن إرادتي حالت دون مشاركتي في الحلقة، كما حالت حتى دون اعتذاري، الأمر الذي ليس من طبعي ولا من أسلوبي.
تضمنت حلقة النقاش عدة محاور تمثلت في الآتي:
التعريف بمصطلح أدب المهجر العُماني، والأثر الثقافي للأندية الطلابية في الخارج.
عن دور المرأة وتفاعلها في أدب المهجر، والمخطوطات العُمانية في المهجر.
التوجه للشعر الحنيني، وتشكل قصيدة النثر في المهجر العُماني.
ولَمّا كانت الجزئية المخصصة لي في النقاش هي: التعريف بمصطلح أدب المهجر العُماني. فإنني أعرض هنا مجموعة من النقاط التي كنت أنوي أن أطرحها في النقاش والتي تتمثل في الآتي:
إنّ مصطلح "أدب المهجر العُماني" مصطلح غاية في التركيب ويثير مجموعة من التساؤلات أولها: ما هو تعريف أدب المهجر؟ سواء أكان عُمانيًا أو غيره؟
بالمفهوم التقليدي الذي تعلمناه من مختلف كتب النقد الأدبي أنّ أدب المهجر هو كل أدب شعرًا كان أم نثرًا دُون في موطن خارج نطاق الموطن الأم. بهذا المفهوم نستطيع أن نتقبل وبأريحية شديدة بأن أدب المهجر العُماني ينطبق على كل ما دونه العُمانيون في مهجرهم، من أمثلة ذلك أدب المهجر العُماني الأفريقي.
فمن هذا الأدب: أمهات الكتب التي جمعت بين الأدب والتاريخ ككتاب "جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار" للشيخ العلامة: سعيد بن علي المغيري، الذي ألفه في أواخر القرن الرابع عشر الهجري. ففي هذا الكتاب الجامع بين الأدب والتاريخ، أثبت فيه كاتبه أنّ الشعر كان شعارًا ورمزًا ثقافيًا راقيًا، تلجأ إليه الأمة حين التعبير في زنجبار.
و من هذا الأدب "ديوان أبي مسلم البهلاني" لصاحبه ناصر بن سالم بن عديم الرواحي المرجح ولادته في سنة 1273للهجرة أو في سنة 1276 هجرية، والذي انتقل  إلى زنجبار ليمكث فيها حتى وفاته في سنة 1917م . والديوان الذي أُلف في زنجبار وتمت طباعته في سنة 1928م، كان لقصائده تأثير على العمانيين حتى القرن العشرين، بما تضمنته من تعبير عن آمالهم في تحقيق الوحدة والروح القومية.
كما يقابلنا فن المقامة عبر كتاب "مقامات أبي الحارث" لخميس بن علي البرواني المولود في زنجبار (1878م – 1953م) . ومقامات أبي الحارث المؤلَفة بزنجبار في 1950م، أثبتت أن هذا الفن الذي يرجع تاريخه إلى القرن الرابع الهجري، تمثل في مقامات عُمانية حديثة تحاكي ما تم تألِفه قديمًا شكلاً ومضمونًا.
وتقابلنا السيرة الذاتية في كتاب "مغامر عٌماني في أدغال أفريقيا: حياة حمد بن محمد بن جمعة المرجبي( 1840-1905م) المعروف بتيبو تيب " ( لا تاريخ محدد للتأليف)، ترجمة : د. محمد المحروقي . حيث أثبتت هذه السيرة أن شرق إفريقيا وزنجبار - بوصفهما مكانيين يتضمنان أحداثًا وبوصفهما خلفيتين وقع عليهما أحداث وعلاقات نفوذ –  كان لهما القدرة على تحويل الشخص العادي إلى أسطورة يُحكى عنها.
وفي أدب الرحلة دوّن السيد الأمجد: حمود بن أحمد بن سيف البوسعيدي، المتوفي في زنجبار 1881م كتاب" الدرُّ المنظوم في ذكر محاسن الأمصار والرسوم" المطبوع بمسقط في سنة 2006م.  حيث بيّن الكاتب ثنائية هدف الرحلة التي تتراوح بين الدافع الديني والسياحي، فضلاً عما يتصل بها من فوائد السفر. كما تعكس الرحلة حرص صاحبها على تسجيل مظاهر الحياة العصرية في الأماكن التي زارها والتي يغيب معظمها أو يحضر بضعف في زنجبار.
وفي الفن ذاته كتب محمد بن خميس البرواني (المذكور سلفًا) كتاب "رحلة أبي الحارث" الذي طبع بزنجبار في 1915م. وجمع في رحلته بين الوصف الجغرافي والتاريخي للأمكنة من جهة، وبين تجارب وأحاسيس الكاتب الذاتية تجاه كل ما يراه ويمر به في كل بلد من جهة أخرى، وذلك في أسلوب شيق جمع بين النثر والشعر.
وفي فن الرواية كتبت نائلة البرواني المولودة في زنجبار عام 1927م، أول رواية لها باللغة السواحلية في عام 1950م والتي كانت بعنوان" لا تنساني". الرواية أُذيعت حلقاتها في الراديو. وفي عام 1966م نشرت في مجلة معهد أبحاث اللغة السواحيلية.  ولكون الرواية تعد أولى الروايات النسوية المكتوبة باللغة السواحيلية، فقد حظيت باهتمام كثير من نقاد الأدب منهم علي سبيل المثال لا الحصر، الناقد الفرنسي "إكسافير جارنيير" Xavier Garnier .  
وعلى النقيض من اللغة السواحلية كتبت باللغة بالإنجليزية فاطمة محمد سالم البرواني - ذات الأصول العُمانية، المولودة في زنجبار في سنة 1930م، والمعروفة أدبيًا باسم "فاطمة جينجا" -  مجموعة من الروايات الرومانسية هي: " وادي الظلال"،"الأطفال أحباب الله" "لغز الشيراز " و "تعويذة النيروز".
أما التساؤل الثاني الذي يثيره مصطلح أدب المهجر العُماني هو: ما المسمى الذي يمكن أن يُطلق على الأدب الذي كتبه العُمانيون داخل الموطن الأم (سلطنة عُمان)؟ أو على أقل تقدير في حيز يقع خارج نطاق أرض المهجر العُماني الإفريقي؟ وفي الوقت ذاته كُتاب هذا الأدب ينتمون تاريخيًا إلى المهجر العُماني الأفريقي، وكتاباتهم أتت توثيقًا لهذا المهجر؟
ومن أمثلة ذلك فن السيرة الذاتية حيث كتبت السيدة: سالمة بنت سعيد بن سلطـان في ستينيات القرن الماضي من خارج زنجبار تحديدًا في ألمانيا كتاب: "مذكرات أميرة عربية" (1844ـ 1924م) والذي يتضح منه أن زنجبار في هذه السيرة كانت ماضيًا يُسترجع من قِبَل صاحبة السيرة، ويعكس الشعور بالغربة وتمزق الهوية، كما يوثق للوجود العُماني في زنجبار.
وفي الفن ذاته كتب من داخل سلطنة عُمان السيد: سعود بن احمد البوسعيدي المولود في زنجبار سنة 1914م، والذي يعيش في عمان منذ 1972م كتاب " مذكرات رجل عُماني من زنجبار" -  باللغة الإنجليزية - جامعًا في سيرته بين الذاتي (الشخصي) والموضوعي (التاريخي).
وفي فن الرواية كتبت نائلة البرواني - المذكورة سلفًا-  روايتها الثانية "أمس الذي مضى" باللغة السواحيلية من داخل سلطنة عُمان، والتي من خلالها وثقت للوجود العُماني في زنجبار. بدءًا من توظيف الأخيرة فضاءً، ومرورًا باللغة السواحيلية التي دُونت بها الرواية، وانتهاءً بموضوع الرواية الذي جمع بين السيرة الذاتية والرواية.
أما التساؤل الثالث الذي يثيره مصطلح "أدب المهجر العُماني" أن كتبًا مثل: "مذكرات أميرة عربية " و"مذكرات رجل عُماني من زنجبار" و"أمس الذي مضى" طبيعة الطرح الأدبي لزنجبار فيها، يثير السؤال: هل زنجبار على الصعيد النفسي بالنسبة لهؤلاء الكُتاب، كانت مهجرًا فحسب، أم موطنًا بالفعل؟

Sunday, November 20, 2016

خمسون عاما على محنة عرب زنجبار

عبدالله علي ابراهيم
الجزيرة

مرت في العاشر من يناير/كانون الثاني الماضي الذكرى الخمسين لمقتلة العرب في زنجبار في أعقاب ثورة 1964 في الجزيرة. وهي ثورة لم تقتصر على نزع سلطان العرب على زنجبار بل قصدت تصفيتهم إثنيا كوجود أجنبي استيطاني ربما أكثر خطرا من الاستعمار البريطاني الذي رحل عنها في 1961. 

وكان السلطان سيد سعيد (سلطان عُمان وقتها) قد أشاد دولة العرب في الجزيرة، فقد كان لسلطنته السيادة على زنجبار ومدن الساحل الأفريقي الشرقي منذ 1689 وهو العام الذي نجحت فيه عُمان في تخليص سكان الساحل من البرتغاليين بطلب من أعيانه. 

ونقل السلطان سعيد سدة حكمه إلى زنجبار عام 1840 في سياق صراعات أوروبية طاغية على الموارد الأفريقية صارت الجزيرة به ميناء لتصدير رقيق الداخل الأفريقي. 

وكانت تلك التجارة سببا في اضمحلال مملكة زنجبار حين انقلبت الدول الأوروبية كل في وقتها الخاص، لتُحَرم الرق. وبقى وزر هذه التجارة معلقا على العرب القائمين على بلدة كانت تلك التجارة اقتصاد سكانها أجمعين.

"ثمة اتفاق بين دارسين محايدين أن من قتل من العرب بزنجبار كان بين خمسة آلاف و11 ألفا، ولم يبق من الخمسين ألف عربي بالجزيرة (سدس السكان) سوى 12 ألفا من فرط التهجير القسري والترويع"
قال الدبلوماسي الأميركي دونالد بيترسون "لو كنا نتكلم في 1964 بلغة اليوم لوصفنا محنة العرب في الجزيرة في تلك السنة بـ(الجنوسايد) لا مواربة". 

لم يخضع ضحايا المحنة لإحصاء معلوم من فوق تحقيق شامل. ولكن، ثمة اتفاق بين دارسين محايدين أن من قتل من العرب كان بين خمسة آلاف و11 ألفا، ولم يبق من الخمسين ألف عربي بالجزيرة (سدس السكان) سوى 12 ألفا من فرط التهجير القسري والترويع. 

وربما تَفَرد تطهير العرب العرقي في زنجبار في أنه مما صورت بعض مشاهده حية بواسطة التلفزيون الإيطالي في الوثائقي "وداعا أفريقيا" (1966)، وعَرَض الوثائقي لمقتلة زنجبار ضمن فظاعات أفريقية وقعت بعد استقلال بلدان القارة. ويرى المشاهد على الطبيعة كيف يُساق العرب قتلا على الهوية والمقابر الجماعية التي ضمت رفاتهم، وقد احتج سفراء في أفريقيا في إيطاليا على الفيلم الذي صدمهم عنفه واستقلال القارة ما زال بكرا. 

ليست محنة العرب المصموت عنها في زنجبار بدعا، فقد نشأ في الأكاديمية الغربية مؤخرا علم كامل موضوعه الكشف عن مثل هذه "الجنوسايدات"، واتخذ العلم مسمى "الدراسات الناقدة للجنوسايد المخفي". 

والغالب في هذه الدراسات مع ذلك تجاهل نكبة العرب في زنجبار، ولم أقع إلا على فصل وحيد عن جنوسايد زنجبار ورد في كتاب "فظائع بلا عنوان في القرن العشرين" حرره آدم هيربرت (2011). 


تضافرت حوادث في التاريخ المحلي الزنجباري والقاري الأفريقي والعالم على إسدال ستار النسيان على مقتلة العرب في الجزيرة، وأوجزها في ما يلي:

1- كان التغاضي عن ذلك الجنوسايد هو أفضل حيل الحركة القومية الأفريقية الجامعة، وفي نسختها الزنوجية المتطرفة بالذات، التي تعتقد بأن "أفريقيا للأفريقيين". 

والمفهوم من الأفريقيين أنهم السود الأصل وما عداهم ممن جاؤوها من أصقاع مختلفة من العالم محض غزاة، فالعرب في رأي مثل هذه القومية غزاة والتخلص من وجودهم الثقيل كسب قومي لا مذمة. 

فليس منظورا من هذا الحركة "الأصولية" بالطبع تَذَكر هذا الجنوسايد وهي التي ابتهجت بعودة زنجبار إلى القارة في اتحاد مع تنجانيقا في دولة تنزانيا بعد أشهر قليلة من الثورة والجنوسايد، وعليه دأب كتاب أفريقيون على تكذيب أرقام ضحايا الكارثة ونسبتها للخيال العربي الشاطح.

2- الفكر الماركسي الزنجباري الذي مثله عبد الرحمن بابو زعيم حزب الأمة وعضو مجلس قيادة ثورة 1964 والفكر الأكاديمي التنزاني في الستينات والسبعينات الذي غلب فيه التحليل على الطبقة، ولم يعتبر العرق الاعتبار الذي صار له مؤخرا في الدراسات السياسية. 

فمن رأي بابو أن من قام بالثورة (وما ترتب عليها) هم البروليتاريا الرثة التي سرعان ما جرى استبعادها من دفة الأحداث لتتولى قيادتها قوى ثورية اجتماعية مسؤولة. 

وظل بابو ومن لف لفه يتفادون النظر في الضغائن العرقية التي تجلت غير خافية في مذبحة العرب، وعليه فتفسير بابو الطبقي كان صرفا للمسألة لا تحليلا لها.

3- الفكرة القومية العربية في نسختها الناصرية التي غلبت تحالفاتها للتحرر الوطني الأفريقي على استنقاذ شعب عربي. 

فسقوط دولة سلطان عربي، من وجهة نظر تلك الفكرة القومية، مؤشر على صحة مطلبها في التخلص من سلاطين عرب رجعيين آخرين في مركز العرب، وكانت تلك مفارقة مأساوية أن يهلك شعب عربي على ذلك النحو والدعوة إلى قومية هذا الشعب في أوجها. 

4- ووقع الجنوسايد في إطار الحرب الباردة التي كان أكبر همها كسب صفوة الحكم والسياسة الأفريقيين لسياسات القوتين العظميين، الاتحاد السوفياتي والغرب، فقد استبشر المعسكر الاشتراكي بثورة زنجبار الموصوفة بـ"كوبا أفريقيا"، واشتغل الغرب بالتخلص منها بضمها لتنجانيقا المعتدلة نسبيا. 

هناك بالطبع ما يقال عن سياسات لعرب أفريقيا تنكبت سبل الإخاء الوطني، ولكن سهم النقد -طالما كنا بحضرة ذكرى جنوسايد زنجبار- يطال السردية القومية الأفريقية الجامعة، فسيبوء بناء الدولة الوطنية في أفريقيا بالفشل طالما أنكرت تلك السردية مواطنة العرب في أفريقيا وعدتهم مستوطنين ثقلاء.

"وضع المزروعي أصبعه على ما انطوت عليه ثورة زنجبار من تناقض بين الدولة الوطنية والأفريقية الجامعة، فقائد الثورة، جون أوكيلو، أفريقي وليس زنجباريا، جاء للجزيرة بحثا عن عمل"
وجنوسايد زنجبار، الذي دق إسفينا في دولتها ما يزال طريا، فرضته السردية القومية الأفريقية فرضا على الزنجباريين، ولم يكن في برنامج الحزبين الوطنيين المعارضين في زنجبار بقيادة عبيد كرومي (الأفروشيرازي) أو عبد الرحمن بابو (الأمة) خطة لمحو الوجود العربي، وكان صراعهم مع حزب زنجبار الوطني الحاكم والموالي للسلطان (بقيادة علي محسن) حول نتيجة انتخابات حرة تباينت نتيجتها بين فوز الوطني بالمقاعد الأكثر في البرلمان، بينما نالت المعارضة أكثرية أصوات الناخبين في الجملة. وهذا بعض المعلوم بالضرورة في الانتخابات. 

وهكذا لم تكن زنجبار وقتها مهيأة لأكثر من خصام انتخابي فظ وطويل واحتكاكات عرقية مقدور عليها. 

ولا أدل على أن ثورة 1964 والمقتلة التي بعدها هي إفراز للقومية الأفريقية الجامعة، لا الدولة الوطنية الأفريقية الزنجبارية، أن كرومي وعبد الرحمن كانا يغطان في نوم عميق حين انفجرت الثورة، فأيقظ الثوار كرومي فجرا وحملوه إلى دار السلام، عاصمة تنجانيقا بحجة حمايته، أما بابو فقد كان لائذا بدار السلام أصلا، فأيقظه السفير الكوبي هناك لينقل له خبر اندلاع ثورة في وطنه.

بثورة 1964 غَلَبت القومية الأفريقية الجامعة على الوطنية الأفريقية الزنجبارية، ولا أعلم من نوه بسخرية القدر الباهظة في ذلك الوضع مثل البروفسير علي المزروعي، فقد وضع أصبعه على ما انطوت عليه ثورة زنجبار من تناقض بين الدولة الوطنية والأفريقية الجامعة، فقائد الثورة، جون أوكيلو، أفريقي ولكنه ليس زنجباريا، وقد جاء الجزيرة في 1959 ضمن أفارقة الداخل ممن ظل يجتذبهم سوق العمل في زنجبار. 

وهكذا أسقط هذا "الأجنبي" في مفهوم الدولة الوطنية سلطانا من الجيل الرابع في الجزيرة له الولاية على شعب مسلم بصورة كاملة، وعمقت الهوية الإسلامية من غربة قائد هذه الثورة عن الوطن الزنجباري بصورة دراماتيكية، فهو مسيحي تحول عن ديانة أفريقية خالصة فعمَّدته طائفة الكويكرز في أوغندا. 

وزاد بأن أصطحب عقيدته المسيحية في ثورته ضد العرب المسلمين، فقد سماه الكويكرز "قيدون" وهو المخلص في دينهم، وتقمص أوكيلو دور المخلص لأفريقيي الجزيرة من ظلم العرب. 


وحكى عن سفره بالباخرة من الساحل الكيني إلى زنجبار وتعرضه لعاصفة كادت تغرقهم، وقال كاتب لمَّاح إنه إنما تمثل في ذلك بسانت بول الذي كادت سفينته تغرق عند جزيرة مالطا. 

ولم تستسلم الوطنية الزنجبارية لـ"غزوة" أوكيلو الثورية، وكان أول هم لكرومي بعد تعيينه رئيسا لمجلس قيادة الثورة بواسطة أوكيلو أن تتخلص منه كغريب زنيم، ونجح في مسعاه خلال خمسين يوما. 

واختبط قائد الثورة الأجنبي (بالمعني الوطني) الآفاق الأفريقية التي جاء منها أول مرة. علاوة على استمرار هذه الوطنية الزنجبارية في التململ من الاتحاد التنزاني المفروض عليها باسم القومية الأفريقية الجامعة وبغير شورى منها. ولهذه الوطنية حزب ما فتئ يدعو لتفكيك الاتحاد. 

إن ما ينبغي أن يتوافر عليه العرب في الذكرى المنسية الخمسين لجنوسايد زنجبار هو تصميم إستراتيجية تضع هذه النكبة في خريطة الشر في العالم. 

وسيقع في هذه الهمة رد الاعتبار للعرب كمواطنين أفريقيين بمواجهة ذكرى الرق العربي التي يوظفها "التأصيليون" من القومية الأفريقية الجامعة للتنصل عن جنوسايد زنجبار. 

والحق أن أوكيلو قائد ثورة 1964 جاء إلى قتل العرب بلا وازع من باب مزارات الرق العربي وشحن الضغن الأفريقي بواسطتها على العرب، فكان زار قلعة المسيح بمومباسا بكينيا، وقال إن حيطانها التي انحفر فيها تاريخ الرق لتُخجِل كل عربي. وعرض هنري قيتس، الأستاذ بجامعة هارفارد، هذه المزارات كلها قبل سنوات في وثائقيته عن أفريقيا، فعاب عليه زميله جوناثان قلاسمان، الأستاذ بجامعة نورثوسترن الأميركية، تغفيل سدنة هذه النصب له، فيروى عنهم أساطير أدلاء السياحة وكأنها حقائق. 

وكشف الأستاذان إبراهيم شريف ومحمد المحروقي في ورقة علمية أخيرا التزوير الذي دخل في صناعة تلك النصب. فقالا مثلا إن صناعة السياحة في الرق العربي تأخذ الزائر إلى كنيسة ست مونيكا ليرى قبوا به أغلال صدئة هي بقايا مزعومة للنخاسة العربية. 

وإذا علمنا أن الكنيسة مما بني في 1905 بعد سنوات طويلة من إلغاء الرق في زنجبار، وقفنا على الخيال الكاذب الذي من وراء تلك الصناعة. 

ومما يزعج حاليا أن اليونسكو أشهرت مدينة الحجر في زنجبار، وفيها معظم هذه النصب، أثرا عالميا في 2000، وازدهرت تبعا لذلك سياحة التبغيض في العرب. ولاحظ من قرأ الأدب السياحي التنزاني عن الرق خلوه من أي ذكر لثورة 1964 لتفادي ما تثيره من تاريخ للجنوسايد قد يغطي على تاريخ الرق، أو ربما كشف كيل متطرفي القومية الأفريقية الجامعة بمكيالين: الحرص على تسوئة العرب والتستر على سيئتهم هم.

"تجاهل العرب محنة زنجبار، وجعل اليهود من الهولوكوست واقعة لا مهرب منها، فألفوا فيها بإسراف حتى أحصوا ستة آلاف كتاب سنويا، وأعدوا قوائم بالمطلوبين من النازية لجرائمهم بحق اليهود"
وربما نظرنا في نهجنا التذكير بمحنة زنجبار، واستدركنا التغاضي الطويل عنها، بإلحاح منهجي، إلى همة اليهود الذي جعلوا من الهولوكوست واقعة لا مهرب منها. فألفوا فيها بإسراف حتى أحصوا ستة آلاف كتاب عنها سنويا، وخرج منهم مثل إفريم زوروف (65 سنة) الموصوف بـ"عميد صائدي النازيين" الذي أعد قائمة بالمطلوبين من النازية لجرائمهم بحق اليهود. 

واشتهر عنه قوله إن جرائم الهولوكوست لا تسقط بالتقادم، وحين رأى بلوغ النازيين أرذل العمر بموت الله قال إنه يتمنى منه أن يطيل من أعمارهم حتى يلقوا جزاءهم المستحق.

وبلغ الضرب على وتر الهولوكوست مرات مبلغا جعلها صناعة رابحة، كما قال بذلك الأستاذ اليهودي نورمان فنكلستين في كتابه "صناعة الهولوكوست".

فقد نشرت النيويورك تايمز في يناير/كانون الثاني الماضي خبرا عن كتاب اسمه "سفر الهولوكوست" وصفه نقاده بـ"الألعباني" في التذكير بالهولوكوست، فصفحاته 1250 وطوله ستة أقدام ونصف ومحيطه 46 قدما، وصاحب فكرته (لا تأليفه) هو فيل جيرموسكي، معلم رياضيات، هاجر من أميركا لإسرائيل. 

ولا يحوي الكتاب سوى كلمة "يهود" ببنط صغير مكررة ستة ملايين مرة بعدد ضحايا الهولوكوست، ولا سقف لثمنه بالطبع طالما صدر الكتاب من أجل قضية، فقد اشترى أحدهم مائة نسخة ليوزعها على أعضاء بالكونغرس الأميركي، وقادة اليهود بجنوب أفريقيا وأستراليا. وركز إبراهام فوكسمان، متولي منظمة مناهضة شتم اليهود، على الحصول على نسخة للبيت الأبيض. 

رحم الله موتى العرب والمسلمين غيلة في زنجبار في ذكرى محنتهم الخمسين.

Friday, November 18, 2016

Wednesday, November 16, 2016

The Sultan’s Spymaster, Peera Dewjee of Zanzibar


The Sultan’s Spymaster, Peera Dewjee of Zanzibar By Judy Aldrick

Coastweek-- Many books have been written about the history of Zanzibar from 1850 to 1900, but these books focus almost entirely on the role of the European powers and their relationship with the Sultans.
Left out of these histories is any mention of the important role played by Indian merchants and politicians.
This new book attempts to fill in the missing information by looking at the role of Indians during this complex period of Zanzibar history.
The main character in this intriguing book is a man named Peera Dewjee.
He was born in India in 1841 and lived until 1904. Much of his life was spent in Zanzibar during the years when European nations were taking an active interest in Zanzibar and the eastern coast of Africa.
He started out as a lowly labourer for Sultan Barghash and over the years rose to become a prominent advisor to four different Sultans.
Although raised in India, Peera Dewjee was a Muslim belonging to the sect called Nizari Ismaili.
The founder was an Iranian missionary named Pir Sadruddin who traveled to India at the end of the 14th century and converted many Hindus to Islam.
These Indian converts called themselves Khojas and they organized themselves into a close-knit community based in Bombay.
Their Imam was later referred to as the Aga Khan, a title still used by subsequent Imams to this day.
Their society was based on trade with an annual tithe paid to the Aga Khan.
Close trade links were set up between Bombay and Zanzibar with many Ismailis eventually settling on Zanzibar where they became prominent members of society.
Peera Dewjee was raised in Bombay and was well educated.
He knew how to read and write and spoke numerous languages including Arabic, English, Hindustani and Urdu.
As a young man he moved to Zanzibar where he lived with relatives in the Khoja community.
Eventually he got a job in the Sultan’s palace as a lamp cleaner and barber.
Over time he earned the trust of Sultan Barghash and worked his way up to the roles of messenger, spy, chief steward, advisor and ambassador.
He even travelled to England with the Sultan to meet Queen Victoria.
When Sultan Barghash died, Peera Dewjee continued to serve as advisor to the three following Sultans in turn.
In spite of his great influence during this jumbled period of history, Peera Dewjee remained a shadowy figure, hidden in the background of Zanzibar politics.
The author of this book, Judy Aldrick, has done extensive research in libraries and through interviews.
Her research is to be commended as Peera Dewjee is revealed through the haze of Zanzibar history.
In later life Peera Dewjee was a significant figure in Zanzibar politics.
He had the ear of the various Sultans and was at the forefront in dealing with British, French and German ambassadors.
He was involved in negotiating many treaties - especially in ending the slave trade.
He was considered to be a smooth and able politician - often playing one side against another.
During his career he continued to be a successful merchant and businessman.
At various times he was the manager of the Sultan’s steamship line and collector of customs tribute at the port.
Above all he was a highly skilled organizer. At the installment of Sultan Hamoud, he planned the festivities, called Siku Kuu in Swahili.
He organized a feast in the Sultan’s palace for 8,000 people.
Over 10,000 plates were used at this feast and 55 different entries were served.
It took over 300 cooks to prepare the food. For such feats he was often referred to as the “Majordomo to the Sultans.”
This book is a fascinating history of Zanzibar as seen through the eyes of Peera Dewjee, an Indian merchant and confidant of the Sultans.
For a new and insightful look into the history of Zanzibar, I highly recommend this book.
Reviewed by Jon Arensen, Professor Emeritus, Houghton College

Monday, November 14, 2016

رحلة السفينة العمانية إلى أمريكا

رحلة السفينة العمانية إلى أمريكا في القرن التاسع عشر الميلادي
د. محمد حميد السلمان
الموسم الثقافي 62

Thursday, November 10, 2016

رموز الصحافة في زنجبار.. الفلق وكتّابها العمانيون أنموذجا


أثير – تاريخ عمان
إعداد – نصر البوسعيدي
بلا شك بأن الصحافة تشكل ركنا أساسيّا في نمو الوعي المجتمعي من خلال ما تطرحه من قضايا توعوية تنويرية في شتى المجالات لا سيما وأن الصحافة تعتبر منبرا للشعب وانعكاس مطالبهم في الإصلاح والبحث عن العدالة في أي وطن كان.
لقد كان الصحفي العماني عبر التاريخ الحديث في شرقي أفريقيا رمزا للإصلاح، والتنوير والتضحية، وكيف لا؟ وهو من خيرة شباب عمان المثقف في تلك الأنحاء التي أصبحت بعد سنين المجد عرضة للاستعمار الأوربي، وقوة سيادته في العالم آنذاك، ومنها، الشق الأفريقي، وخصوصا زنجبار، وما يتبعها تحت حكم السيادة العمانية، ولكن لا يبقى أي شيء على حاله، فانقسام الإمبراطورية العمانية، وضعفها بعد وفاة السيد سعيد بن سلطان مع تقدم القوى الاستعمارية في المنطقة أوقعت تلك الأنحاء في قبضة البريطانيين الذين جعلوا من زنجبار محمية تحت إشرافهم بعدما تقاسم الأوربيون كلّ أفريقيا.
كانت روح الحرية للتخلّص من الطغيان البريطاني تسري في قلوب الوطنيين في زنجبار، وخاصة العمانيين أصحاب الفكر التنويري، والحاث دوما لنبذ التعصب، والوحدة من أجل الوطن ضد أي خطر يحيط به، وبالأخص خطر الفتنة التي كانت تزرعها بريطانيا بين الأفارقة ، والعرب.
لذلك قاد المثقفون العمانيين في زنجبار، وبالأخص من تولوا مهنة الصحافة، مهمة التنوير، وبث روح المقاومة للاستقلال من المستعمر الغاشم، والتوجه بشكل جاد نحو الوحدة الوطنية دون شقاق لتفادي أيّ خراب قد يقع نتيجة الفتنة بين العرب، والأفارقة مثلما خططت له الإدارة الإنجليزية.
لقد مارست الصحافة العمانية في زنجبار دورا كبير في محاولة الجهاد ضد الجهل، والفتنة لصالح الوحدة الوطنية والسلام في زنجبار، ولذلك تعتبر الصحافة العمانية في زنجبار وما حولها هي الأولى في نشاطها، وحراكها الصحفي، فمثلا قامت الحكومة العمانية في زنجبار بإصدار صحيفة باللغة الإنجليزية، والعربية عام 1897م باسم AL-JAZIT AL HANBA وغيرها من صحف كانت تبشّر ببداية عهد متميز لتضحيات الصحفيين العمانيين الذين يشار لهم عبر التاريخ بالبنان.
وبما أن العمانيين كانوا رواد التغيير في خلق الوعي السياسي والوطني في المجتمع الأفريقي، فإنه من الجدير أن نسلط الضوء على أهم الصحف العمانية التي بزغت في العقد الثاني من القرن العشرين وهي كالتالي:
1 – جريدة النجاح:
تبنّى صدورها حزب الإصلاح باللغة العربية في زنجبار سنة 1911م، ومن أبرز محرريها الشيخ ناصر بن سالم بن عديم الرواحي (أبو مسلم البهلاني)، وناصر بن سليمان اللمكي، وبسبب توجهاتها الإصلاحية في زنجبار، فقد واجهت الكثير من الصعوبات والتضييق من قبل السلطات البريطانية التي أخذت تحارب الصحفيين، وقامت بنفي الكاتب ناصر اللمكي إلى الهند سنة 1914م، وهو الأمر الذي أدى إلى توقف الجريدة عن الإصدار للأبد.
2 – جريدة النادي:
أصدرها الحزب الوطني سنة 1911م، وقام بتحريرها الصحفي حارث بن سليمان اللمكي، إلا أن هذه الجريدة لم تكن متاحة للجميع، بل كانت توزّع على نطاق ضيق، وبالمجان لبعض الأشخاص، وتوقفت بعد ثلاث سنوات من إصدارها.
3 – جريدة الفلق:
تأسست في عام 1929م، وكانت من أبرز الصحف تأثيرا في المجتمع الزنجباري، واستمرت بالإصدار لمدة 35عاما، وسنتوقف معها لاحقا لأنها تمثل النموذج المثالي الأفضل حينها في شرق أفريقيا، وزنجبار تحديدا.
4 – جريدة الإصلاح:
صحيفة صدرت باللغة العربية، والسواحلية في ممباسا عام 1932م بفضل الشيخ الأمين بن علي المزروعي الذي انعكس واقع انفتاحه في القضايا الدينية، والسياسية، والاجتماعية على موضوعات الصحفية.
5 – جريدة المرشد:
تأسست عام 1942م على يد الشيخ أحمد بن سيف الخروصي، وكانت تصدر بشكل أسبوعي وبثلاث لغات هي العربية، والسواحلية، والإنجليزية، لتتمكن من الوصول لأكبر شريحة في زنجبار، وقد بلغت أعدادها المطبوعة أسبوعيا حوالي ألف نسخة، وكانت توجهاتها ضد المستعمر البريطاني، ومساندة للحراك الوطني الذي تبناه كل من الحزب الوطني (z.n.p)، والجمعية العربية، وكان من أبرز صحفيها العمانيين سعود بن محمد الريامي، والشيخ هاشل بن راشد المسكري، وأحمد بن محمد اللمكي، وعلي بن محسن البرواني وتوقفت بعد 22 سنة من الإصدار.
6 – جريدة النهضة:
أسسها السيد سيف بن حمود البوسعيدي في عام 1951م ، وكان تصدر بشكل أسبوعي في زنجبار باللغة العربية والإنجليزية ، وقد تبنت الصحيفة آراء رئيس تحريرها ضد المستعمر البريطاني التي كانت شديدة اللهجة ، وهو الأمر الذي أدى إلى توقيفه للتحقيق مرات عديدة من قبل السلطات البريطانية على خلفية بعض المقالات التي كتبها وتم محاكمته كما حدث في قضية جريدة الفلق عام 1954م، وقد توقفت بعد 13 سنة من الإصدار.
7 – صحيفة زنجباري :
أسسها في عام 1939م، خليل علي المولود لأب كشميري وأم من جزر القمر، وكان من أبرز كتابها الصحفي العماني محمد بن سالم البرواني الذي كان يلقب بـ جينجا.
وكانت الصحيفة بفضل مقالات البرواني باعثة للوعي السياسي في زنجبار، حيث تبنت الصحيفة التي كانت تصدر باللغة السواحلية الكثير من مقالات محمد البرواني (جينجا) صاحب الشعار المشهور آنذاك ” الأجر المناسب للعمل المناسب” أي أن يدفع الشخص الأجر على حسب العمل وليس على أساس عنصري، أو قبلي، أو عرقي، كما أطلق شعار ” زنجبار للزنجباريين” وهو الشعار الذي أصبح نهجا سياسيا للوطنيين المناهضين للاستعمار البريطاني في الجزيرة.
وبشكل عام كان لجميع هذه الصحف التي برز فيها الكاتب العماني بمقالاته التنويرية الباعثة للوعي السياسي، والوطني في زنجبار عظيم الأثر في توجيه الرأي العام الزنجباري نحو الوحدة الوطنية، ومقاومة الاستعمار البريطاني لنيل الاستقلال رغم تفاوت تأثيرات هذه الصحف في المجتمع حسب سنوات أو مدة وجودها على أرض الواقع، ومدى انتشارها المعتمدة كليا على عدد النسخ المطبوعة، وقوة الطرح.
جريدة الفلق وكتابها العمانيون أنموذجا:
حدث اجتماع مهم في تاريخ 6 – 7 – 1926م بين أعضاء الجمعية العربية الذين ارتأوا، واتفقوا على ضرورة إصدار جريدة خاصة بالجمعية لتوثيق العلاقة الوطنية بين عرب زنجبار، وإخوانهم العمانيين في إفريقيا الشرقية، وقد تكللت كل هذه الجهود في شهر إبريل من عام 1929م حينما صدر العدد الأول من جريدة ” الفلق ” التي أطلق عليها هذا الاسم محمد بن سعيد بن ناصر الكندي، وأعتبر الكثير بأن الفلق تعتبر امتدادا لنشاط جريدة النجاح التي أسّسها حزب الإصلاح في عام 1911م قبل توقفها نتيجة نفي رئيس تحريرها الشيخ ناصر بن سليمان اللمكي إلى الهند كما ذكرنا سابقا.
وحتى تاريخ 7 – 8 – 1932م كانت الفلق تصدر باللغة العربية، وبعد هذا التاريخ ألحق للجريدة القسم الإنجليزي، وفي عام 1946م أضيف لها ملحق باللغة السواحلية، ولكن معارضة الشيخ هاشل بن راشد المسكري والسيد سيف بن حمود آل سعيد حال دون إكمال إصدارها باللغة السواحلية لتكتفي الجريدة الإصدار باللغتين العربية والإنجليزية.
وقد ترأس جريدة الفلق عدد من الصحفيين العمانيين وهم كالتالي:
الشيخ هاشل بن راشد المسكري من 1 – 4 -1929م إلى 29 – 4 -1931م.
الشيخ محمد بن هلال البرواني من 6- 5 -1931م إلى 8 – 9 – 1945 م.
الشيخ محمد بن ناصر اللمكي من 24 – 9 – 1945م – أوائل عام 1959م.
الشيخ هاشل بن راشد المسكري من أوائل 1949م إلى 15 – 10 – 1949م.
السيد سيف بن حمود آل سعيد من 23 – 10 – 1949 إلى 30 – 12 – 1950م.
الشيخ سعيد بن سالم الرواحي من 1 – 2 – 1951م إلى 18 – 5 – 1952م.
الشيخ هاشل بن راشد المسكري من 16 – 6 – 1952م إلى 2 – 9 – 1953م.
أحمد بن محمد اللمكي من – 9 – 9 – 1952 م إلى 19 – 6 – 1954م.
الشيخ أحمد بن محمد اللمكي، والشيخ علي بن محسن البرواني من 1955م إلى 1956م .
الشيخ عبدالله بن حمود الحارثي من 1956م إلى 26 – 12 – 1962م.

وقد كانت جريدة الفلق هي الرائدة في مجال طرح القضايا السياسية، وشكل هذا التوجه النسبة الأكبر في المواضيع المطروحة عبر صفحاتها وذلك لأسباب عدة منها معايشة الجريدة، وصحفييها لوقائع الحرب العالمية الثانية، وكذلك كانت تعكس التعبير بشكل قوي عن نشأة الاتجاه الوطني الراديكالي، وتشكل الأحزاب والجمعيات السياسية التي كانت أساس اهتمامات الجمعية العربية المؤسس الحقيقي للجريدة، وأخيرا تأثر الجريدة بالجو العام لحركة الإصلاح السياسي التي شهدتها زنجبار بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.
كانت أغلب المواضيع السياسية التي تطرحها جريدة الفلق تتسم بأسلوب التعقل، والبعد عن الصدام المباشر للدعوة إلى الديمقراطية والإصلاح، ولكن كل ذلك لم يمنع الجريدة من ممارستها انتقاداتها الصريحة التي تصبّ في مصلحة الوطن مثلما يرى القائمين عليها، ومن الأمثلة على ذلك ما كتبته الجريدة بعد مرور 23 عام من تأسيسها، إذ جاء فيها:
“جاهدت الفلق لمصلحة العرب أولا، ولمصلحة الوطن ثانيا، ولحسن التفاهم بين الطوائف فكانت مثلا أعلى، لم تأل الفلق جهدا في مصارحة أيّ كان حتى في أشد الظروف خطرا مما ثبت حريتها، وحرية محرريها، هاجمت الفلق شخصيات مزيفة دون خوف ووجل … وهاجمت سياسات زائفة بدون محاباة، وهاجمت الفلق حتى الجمعية العربية نفسها رغم أنها ربيبتها، إلا أنها لم تعرف التملق، وكان مبدؤها أن الجمعية للعرب، والفلق للعرب، فأيّ منهما أخطأ، فعلى الثاني أن يقوّم اعوجاجين.
ظهرت الفلق وهي مدرسة تعلم الوطنيون منها الوطنية وتعلمت الأفكار منها الحرية وتعلم المعوجون الاستقامة، وأخيرا تعلمت الحكومة وعرفت الحقيقة ألا وهي أن ما زالت بهذه البلاد أمة تقدر حريتها ولو أنها ضعيفة”.
كما أن للفلق ومحرريها العمانيين ميزة لاحظها المتابعون لها وهي استقراؤها للأحداث، وقراءة الواقع السياسي في زنجبار نتيجة الوعي السياسي الذي كان سمة كتابها، وحيث نلاحظ في المقال التالي تنبأهم بكارثة الانقلاب عام 1964م الذي قُتل فيه أكثر من 20 ألف عماني وعربي للأسف بمذبحة دنيئة أمام صمت دولي فاضح، وهذا المقال تم كتابته في الجريدة بعنوان ( العاصفة ) في 20 – 4 – 1932م وجاء فيه:
” كتبت الفلق ونشرت، فلا واع ولا سميع ولا مذكر. صرخنا في حكومتنا فسدت آذانها عن سماع صراخنا، وهززنا أريحية أغنيائنا، فغلقوها في قلوب محكمة التسديد، طلبنا من آبائنا، فكنا كالمستجيرين من الرمضاء بالنار ـ عملنا ما عملنا، وافتكرنا ما أمكننا، ولكن السيل شديدا ، وهكذا هبت العاصفة، فكانت هوجاء وتلفظنا من شفاهنا المحترقة كلمات أخيرات في الحياة، العفو يا الله.
العاصفة بل قل العواصف، ولكل منها الضحية، عاصفة تهيج موجة العقلية الوطنية وضحيتها الوطن، عاصفة تهيجها الحكومة في اللغة السواحلية وضحيتها العربية، عاصفة لم ولن أدري من هيجاها ضحيتها العرب في زنجبار الذين لا يعلمون ما كتبت لهم المقادير من الشقاء.
وهكذا هبت عاصفة بعد عاصفة، فهيجت موجة التفكير فينا، وعلى تلك الأمواج لا يعدم من خطر على سفن تمخر عبابها، ولكن بسم الله مجراها ومرساها.
إخواني لقد قامت جميع الشعوب العربية تطالب حقوقها بكل وسيلة تملكها، فهل نحن أقل منهم وطنية وحقا، طلبوا استقلال بلادهم فما طلبنا ولم نطلب، قالوا بخروج الأجنبي من أوطانهم، فما قلنا ولا نقول، طلبنا أقل من ذلك نطلب حقوق الوطنية، نطلب إدارة هذه المراكز الصغيرة بدل الأجانب، نطلب لغتنا، فإنها أساسا الحياة، نطلب الاعتراف بنا، إننا أحق من غيرنا في وطننا، نطلب من أغنيائنا، وآبائنا أن يعترفوا بالخطر المهدد لذريتهم إن هم تمسكوا بما هم فيه ، نطلب منهم نبذ التعصب، فالحالة غير ما كانوا يعرفونها.
نطلب من أنفسنا، ومن أولادنا أن نعلم ما علينا وما للوطن من حقوق، نطلب أن نتحد ونتآزر للخير، نطلب حسن التفاهم بين الآباء والأبناء لتبادل المصلحة، ونذكركم انه هبت عواصف ست فالحذر من السابعة، لئلا تذرنا الريح هباء منثورا، إنها لا بد وأن تهب، متى وأين فلا ندري، تحصنوا لمقاومة العاصفة السابعة فإنها أشد أثرا من سابقاتها”.
لقد كان الصحفي العماني في زنجبار شعلة من الشجاعة والإقدام وتحمل المسؤولية اتجاه القضايا الوطنية أمام مستعمر حاقد متربص حاول كثيرا خنقهم ومضايقتهم.
إن ذاكرة التاريخ العماني المجيد لن تنسى أعلام الصحافة في زنجبار من استبسلوا بأقلامهم وفكرهم لبث الوعي ومحاربة الظلم والتعصب في تلك الفترة وكيف وهم يمثلون خيرة المفكرين والمثقفين العمانيين في الجزيرة من أمثال أبي مسلم البهلاني ، والشيخ أحمد بن حمدون الحارثي ، والشيخ عبدالله بن سليمان الحارثي ، والشيخ أحمد بن سيف الخروصي ، والسيد سيف بن حمود آل سعيد ، والشيخ الأمين بن علي المزروعي، والشيخ هاشل بن راشد المسكري، وأحمد بن محمد اللمكي، وحارث بن سليمان اللمكي ، ومحمد بن ناصر اللمكي وهلال بن محمد البرواني، ومحمد بن هلال البرواني، وعبدالله بن حمود الحارثي، وعلي بن محمد الجمالي، وعبدالله بن صالح الفارسي، وعيد بن سالم الرواحي، ومحمد بن علي البرواني ، وسعيد بن سالم الرواحي، وغيرهم من أبطال الصحافة في زنجبار.
على الرغم من كل العقبات التي كانت تواجه حرية الكلمة من قبل المستعمر الذي حاكم جريدة الفلق وكتابها في عام 1954م وتوقيفها لمدة عام بأكمله مع تغريمها بمبالغ طائلة فرضت على رئيس تحريرها، ولكن كل ذلك لم يثني البقية عن نضالهم بالقلم والوعي حتى نالت زنجبار استقلالها في عام 1963م.
*المرجع: زنجبار في عهد السلطان خليفة بن حارب البوسعيدي (1911-1960م) دراسة في التاريخ السياسي، أحمد بن خلفان بن علي الشبلي، الطبعة الأولى 2015م، دار الفرقد للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق – سورية.

Tuesday, November 8, 2016

الشيخ هلال بن سالم الرواحي

برنامج ذاكرة: تلفزيزن سلطنة عمان، 2014
اعداد وتقديم محمد بن علي المرجبي

Monday, November 7, 2016

رحلات السفينة سلطانة

مجلة نزوى
ابريل 2000م

تعتبر الفترة الواقعة بين1254-1258هـ/1838-1842م فترة هامة في التاريخ العماني، فقد أظهر الملاحون العمانيون براعة فائقة في الاضطلاع بمعطيات التجارية الدولية وبالدبلوماسية مهما تباعدت ديارها، فخلال هذه الفترة القصيرة استطاع السيد سعيد بن سلطان اقامة علاقات دبلوماسية مع كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. كما بعث بسفرائه الى لندن ونيويورك، هذه السنوات تمثل علامة بارزة في تاريخ عمان البحري وتكتشف عن عظمته، كما الى مهارة الدبلوماسية العمانية وحنكتها.
بنيت "سلطانة " التي تعتبر أحدى دعائم أسطول السيد سعيد بن سلطان في حوض مازاجون لبناء السفن في مدينة بومباي سنة 1249هـ/ 1833م وكانت حمولتها  312 طنا وقد بنيت أساسا على الطراز الأوروبي على شكل كورفيتة، وزودت بـ14 مدفعا كما كانت أشرعتها مربعة تحملها ثلاثة صواري وقد دخل عليها في كل من بومباي ومطرح فيما بعد بعض التعديلات ذات الطابع العماني.
وقد التقطت لهذه السفينة صورتان، فقد ظهرت الأولى في عدد 18 يونيو 1842م في مجلة اللستريتد لندن نيون، وهي تفرغ الهدايا المرسلة إلى الملكة فيكتوريا من السلطان، والصورة الأخرى تظهر في اللوحة التي رسمها الرسام الأمريكي موني لأحمد نعمان الكعبي.
والمراحل التي سبقت رحلة "سلطانة " عام 1256هـ/ 1840م إلى نيويورك وأدت اليها معروفة تماما، فقد توافق اهتمام الأمريكيين بالتجارة مع ممتلكات السيد سعيد ولا سيما في زنجبار حن اهتمام السيد سعيد نفسه بزنجبار وقراره عام 1830م لاتخاذها مقرا له، وقد كان لكل من هذين العاملين تأثير على الأخر، وقد رأى السيد سعيد ببعد نظره بأن ازدهار كمان ورخاءها يتوقف على ازدهار ممتلكاته في افريقيا الشرقية وانه لابد من الحفاظ على أمنها واستقرارها السياسي ضد ما كانت تتعرض له تلك المنطقة من تهديدات داخلية وخارجية، ولهذا وجه معظم اهتمامه لهذه الغاية منذ سنة 1243هـ/1828م.
ومن الأمور المسلم بها ان الولايات المتحدة الامريكية كانت من بين الدول الغربية التي تربطها بالسيد سعيد علاقات وثيقة، ومن الأهمية بمكان ان رحلة السفينة "سلطانة " الى نيويورك كانت بادرة تجارية ودبلوماسية من جانب السيد سعيد، ومن نافلة القول أن نشير الى أن البريطانيين كانوا بدورهم على صلات وثيقة بالسلطان، وربما كان هذا صحيحا الى حد ما غير أن مسقط وزنجبار لم تكونا على صلة مباشرة ببريطانيا وكانت المعاملات الرسمية تتم مع السلطات البريطانية في الهند بموجب معاهدة رسمية مع وزارة الخارجية البريطانية عقدت سنة 1250هـ/1830م.
وقد اقترح احد رجال الأعمال الأمريكيين في عام 1243هـ/1828م عقد معاهدة مع الولايات المتحدة فاستحسن السيد سعيد هذا الاقتراح، ورأى فيه فرصة لبدء علاقات رسمية تجارية، وقد أدى الاقتراح الى عقد معاهدة صداقة وتجارة بين السيد سعيد والولايات المتحدة، وغدت نافذة المفعول في 30 يونيه (حزيران) 1834م وفي ذلك الوقت كان الأمريكيون أكثر تجار الغرب نشاطا في زنجبار فبين سبتمبر ( أيلول) 1833م ومايو (أيار) 1834م وصلت الى زنجبار 32 سفينة تجارية أمريكية مقابل سبع سفن بريطانية وواحدة فرنسية، وواحدة اسبانية فقط وقد تولى أول قنصل أمريكي مهاو منصبه في زنجبار وهو ريتشارد ووترن بمقتضى تلك المعاهدة في عام 1257هـ/ 1837م قبل أربع سنوات من وصول أول قنصل بريطاني.
وكان الشجار الأمريكيون يجلبون سلعا كثيرة كالأقمشة القطنية والأدوات المنزلية ومعدات السفن والساعات والأحذية والتوابل والبنادق والبارود وكانت الولايات المتحدة تعتبر بلدا محايدا يزود عمان وزنجبار بالسلاح، الأمر الذي مكن السيد سعيد من تسليح بلاده دون أن يسترعي انتباه الدول الأخرى ذات المصالح السياسية، وكان الأمريكيون مقابل هذه المواد يشترون صمغ الكوبال وجوز الهند المجفف والقرنفل والعاج. كما كان معظم الأرباح التي يجنيها الأمريكيون تأتيهم من اعادة تصدير العاج من الولايات المتحدة إلى انجلترا وقد بلغ احتكار الأمريكيين لهذه السلعة عام 1257هـ/ 1841م حدا جعل التجار البريطانيين يجأرون بالشكوى من هذا الاحتكار، ونتيجة لذلك تم تعيين أول قنصل بريطاني في زنجبار وهو اتكنس هامرتون وذلك في أواخر 1257هـ/1841م.
أما من حيث المصانع البريطانية فقد كانت مسقط تشكل حلقة هامة في المواصلات بين بريطانيا والهند ولذا كانت المصالح البريطانية سياسية أكثر منها تجارية، وقد كانت العلاقة بين السيد سعيد والحكومة البريطانية تقوم أصلا على أسس رسمية أكثر من علاقاته مع الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من العلاقات المتوترة مع بريطانيا في ذلك الوقت، فقد قام السيد سعيد باهداء ملك انجلترا سفينة بـ74 مدفعا تسمى "ليفربول " وتفيد سجلات وزارة الخارجية البريطانية بخروج تلك السفينة من ميناء بومباي الى انجلترا كهدية من السيد سعيد للعلك وقد رد ملك انجلترا في سنة 1253هـ/ 1837م بهدية على هدية السيد سعيد وهي اليخت برنس ريجنت بقيادة الكابتن روبرت كوجان.
وبعد وفاة الملك وليم الرابع 1253هـ/ 1837م  قرر السيد سعيد القيام بمبادرة عندما أرسل بعثته الدبلوماسية الأولى الى الملكة فيكتوريا في لندن، وكان مبعوثه الشيخ علي بن ناصر أحد أقاربه ووالي ممباسا حاملا هدايا من بينها شيلان وسجاجيد ومجوهرات وست خيول عربية.
ورغم أن علي بن نأمر قد حظي بالاحترام لوقاره وحسن تصرفه الا أن المكاسب الدبلوماسية التي حققها كانت – على ما يبدو- ضئيلة حيث كانت النتيجة إبرام معاهدة جديدة هي معاهدة التجارة في مايو (أيار) 1839م التي جادت مؤكدة لمعاهدة 1237هـ / 1822م، وهي تعطي بريطانيا معاملة أفضل، وتعترف بحقوق السيد سعيد في مجالات تجارية كثيرة في زنجبار لاسيما في العاج وصمغ الكوبال، كما نصت المعاهدة على تعيين قنصل بريطاني لأول مرة. وبعد قيام علي بن ناصر بزيادة لبرمنجهام ومانشستر غادر لندن عائدا بسفينة بخارية عن طريق مصر فبومباي فزنجبار يرافقه الكابتن كوجان الذي عين مندوبا مفوضا فوق العادة لابرام المعاهدة الجديدة. وقد أرسلت الملكة بالمقابل هدايا الى السيد سعيد.
ونتيجة لهذه الزيارة فقد أرسل علي بن ناصر في بعثة دبلوماسية أكثر أهمية الى لندن في عام 1258هـ/ 1842م على ظهر السفينة سلطانة غير أن عام 1254هـ/ 1838م الذي تمت فيه الزيارة السابقة يعتبر بداية عهد جديد في العلاقات بين بريطانيا وعمان وملحقاتها فقد بدأت تصل الى وزارة الخارجية البريطانية معلومات كثيرة من كوجان وغيره عن الأهمية الاستراتيجية لممتلكات السيد سعيد في افريقيا وتزايد في لندن الاحساس بمحاولات كل من فرنسا وروسيا وأمريكا لكسب ود السيد سعيد.
ولعل انعدام الاستجابة من جانب لندن عام 1245هـ/ 1838م هو الذي حدا بالسيد سعيد إلى توطيد علاقته بأمريكا بأقصى سرعة، ومما لا شك فيه أن السيد سعيد كان ينوي ايفاد بعثة تجارية عام 1256هـ/ 1840م إلى أمريكا ليست لها صلة بالسياسة وقد اختار أحمد بن نعمان الكعبي أمينه الخاص سفيرا ممثلا تجاريا له.
وقد بدأ الإعداد لإرسال البعثة على متن السفينة "سلطانة " إلى نيويورك في أوائل 1256هـ/ 1839م حيث أعيد تجهيز السفينة في بومباي ثم أبحرت في أخر ديسمبر (كانون الأول) إلى زنجبار. وفي فبراير (شباط) 1840م:قلعت مع الرياح الشمالية الشرقية كانت تحمل أنواعا من السلع كالتمر والسجاجيد والبن والعاج والصمغ والقرنفل والجلود، كما حملت إلى جانب ذلك هدايا إلى الرئيس فان بورين هي: حصانان ولألئ وأ حجار كريمة وسبيكة من الذهب وسجاءة عجمية من حرير وعطر وماء ورد وشيللن من كشمير وسيف مذهب، وقد اتجهت السفينة إلى نيويورك عن طريق رأس الرجاء الصالح حيث استغرقت الرحلة 87 يوما لم تتوقف خلالها إلا في مرفأ واحد هو"سانت هيلانة "حيث قام أحمد بن نعمان بزيارة الهاكم زيارة رسمية. وقد أثار وصول أحمد بن نعمان ورجال مركبه اهتماما كبيرا في صحافة نيويورك، وقد لقي أحمد بن نعمان ومساعداه محمد عبدالله ومحمد جمعة ترحيبا وتكريما من أعيان نيويورك، كما تجولوا هناك وركبوا القطارات البخارية وزاروا أحذ السجون ومحطة بناء سفن الأسطول وأقيمت لهم سأدب رسمية عديدة، وأدخلت السفينة "سلطانة " على أحد أحواض السفن التابعة للأسطول على نفقة الحكومة الأمريكية إلى أن انتهت الزيارة وجرى التصرف بحمولة المركب حيث وجدت السلع سوقا رائجة، واشتريت سلع لرحلة العودة عن القماش والخرز والمنسوجات الملونة والبنادق والبارود، والبنادق المزخرفة والأدوات المنزلية.
ولم يكن أحمد بن نعمان قد حمل معه أوراق اعتماد رسمية تشهد بأنه سفير، حيث كانت مهمته الدبلوماسية مقصورة على تسليم رسالة إلى الرئيس الأمريكي تعبر عن تمنيات السيد سعيد الطيبة وتقديم الهدايا، وقد رد الرئيس على رسالة السيد سعيد برسالة تفيض ثناء، وأرسل هدايا الى السيد سعيد تضم زورقا فخما مع أربعة مسدسات متعددة الطلقات وبندقيتين متعددتي الطلقات ومرأتين كبيرتين وشمعدانا دقيق الصنعة، وقد نقش على قطع السلاح باللغة العربية "من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية إلى إمام مسقط " ويضم المتحف العماني حاليا إحدى البندقيتين.
وفي يوليو (تموز) بدأ أحمد بن نعمان يتهيأ لرحلة العودة حيث تم شرحن السلع، وإبحار "سلطانة " من ميناء نيويورك في التاسع من أغسطس (أب) 1840م.
وبعد رحلة طويلة شاقة وصلت "سلطانة " إلى زنجبار في 8 ديسمبر (كانون الأول) ولم تتوقف خلال الرحلة الا مرة واحدة في مدينة الرأس (كيب تدون).
ولابد أن نعتبر رحلة "سلطانة " بادرة دبلوماسية ناجحة فمن خلال هذه البعثة تعرف الشعب الأمريكي على السيد سعيد أحدى الشخصيات العربية الهامة وقد استمرت هذه الصلة سنين طويلة، ومن المؤسف أنه يصعب الحكم على مدى تحقق الهدف الأساسي للبادرة أي الهدف التجاري، فرغم ان السيد سعيد قد أبدى ارتياحه للنتائج التجارية الا انها لم تكن كافية لتشجيعه على القيام بمحاولة ثانية، وبتحليل النتائج يمكن القول بأن النفقات الباهظة للرحلة أضعفت احتمال تكرارها، وبذلك احتفظ التجار الأمريكيون بمكانتهم في زنجبار.
وكانت رحلة "سلطانة " التالية الهامة الى لندن عام 1258هـ/ 1842م حاملة السفير علي بن ناصر ومعه رسائل من السيد سعيد الى اللورد أبردين والملكة فيكتوريا كما زود بتعليمات بالسعي الى مطالبة الحكومة البريطانية بتعديل سياستها بشأن تقييد تجارة عمان. وقد حمل السفير علي بن ناصر معه هد!يا أخرى إلى الملكة فيكتوريا من بينها عقود من اللؤلؤ والزمرد وشيلان وعطر ورد وأربعة خيول وكان برفقة السفير مترجم هو محمد بن خميس الذي لم يكن غريبا على لندن فقد سبق له أن عاش فيها عام 1254هـ / 1838م وكان قد أبلغ بالمر ستون بزيارة علي بن ناصر المزمعة ذلك العام، حيث كان محمد بن خميس في لندن لدراسة الملاحة واللغات الحديثة وفي عام 1270هـ/ 1850م أصبح ربانا في الأسطول العماني. أبحر علي بن ناصر على متن "سلطانة " من زنجبار في 11 فبراير (شباط) 1842م لكن ما نعرفه عن الرحلة ليس كثيرا، ذلك لأنه لم يجر تدوين يوميات عنها، وقد وصلت "سلطانة " الى "سانت هيلانه " في 8 ابريل ( نيسان) حيث أمر الحاكم الكولونيل هـ. تريلوني باطلاق المدافع تحية لطيبن ناصر لدى نزوله إلى البر، وفي وقت لاحق. من نفس اليوم استعرض السفير كتيبة من حرس سانت هيلانه في صحبة الحاكم. وبعد تناول العشاء توجه علي بن ناصر ومرافقوه إلى أماكن أعدت لهم في قصر الحكومة وخلال اقامتهم التي دامت أربعة أيام تقريبا أمر الحاكم بأن تذبه وتطهى الذبائح وفق الشريعة الإسلامية، وكلف بذلك بعض العساكر الذين كانوا في خدمة قائد الميناء وقد أبدى الجميع اعجابهم بالخيول المرسلة الى الملكة. وأبدى طيبن ناصر ارتياحه ورضاه عن الاستقبال والحفاوة اللذين لقيهما، وكتب الى السيد سعيد بذلك.
وخلال الرحلة أصيبت "سلطانة " ببعض العطب، لكنها وصلت إلى التيمزيوم الأحد 12 يونيو (حزيران)حيث سحبتها سفينة بخارية الى دبتفورد، وفي اليوم الثاني نقلت إلى رهنيف ميناء "سانت كدثارين " أما علي بن ناصر فقد استقبله البروفيسور سير تشارلز فورين- رئيس جامعة أبردين الفخري وعضو حزب المحافظين في البرلمان ورئيس أول بيت تجاري بريطاني في بومباي (فورين وشركاه) حيث أمضى معظم حياته، وكان شخصا جليلا محترما في الهند لما قدمه للسكان من خدمات. وكان واضحا أن فورين كان في انتظار علي بن ناصر. ولابد أنهما كانا قد اتفقا مسبقا على الترتيبات، لأن فورين سلم رسالة السيد سعيد إلى لورد أبردين في نفس اليوم وذهب بصحبة علي بن ناصر إلى فندق "بورتلاند" في انتظار ما ستفعله وزارة الخارجية.
وقد أثارت "سلطانة " فضولا كبيرا لدى البريطانيين، مثلما استثارت نفس الشعور لدى زيارتها للولايات المتحدة الأمريكية في عام 1256هـ/ 1840م.
وحين كانت "سلطانة "، في ميناء سانت كاترين زارها رجل اسمه أ. ريتشارد سون كان قد خدم بضع سنوات ربانا في بعض مراكب السيد سعيد الحربية، وبعد حوالي أسبوعين ونصف في 13 يوليو ( تموز) أصدرت وزارة البحرية (الأميرالية) تعليمات بأن تجوى الإصلاحات للسفينة سلط انة، ويعاد تجهيزها على نفقة الدولة فسحبت بعد ذلك إلى حوض الإصلاح في "واتش " وقد ذهب البحارة معها حيث نالوا قسطا من الراحة، ومع أواخر أكتوبر (تشرمن الأول) كان العمل قد قارب علي الانتهاء وقد نجح البحارة خلال هذه الأشهر الى حد ما في مخالطة السكان المحليين.
وقد قضى علي بن ناصر أسبوعا في فندق "بورتلاند" إلى أن رتب اللورد أبردين لمقابلته مع الملكة يوم 29 يونيو ( حزيران) وخلال المقابلة قدم علي بن ناصر الهدايا ائتي قبلت مثلما حدث في عام 1251هـ/ 1838م وأعربت الملكة في يومياتها عن سرورها لرؤية علي بن ناصر مرة ثانية.
ومرة أخرى كما حدث في عام 1838م لم يرض السيد سعيد عن النتائج الدبلوماسية للبعثة، وكان علي بن ناصر قد أجرى سلسلة من المباحثات مع اللورد أبردين اتسمت بصعوبة المتفاهم، ونتيجة لذلك تم تبادل الرسائل بين الجانبين إلا أن كلا منهما تمسك بموقفه فيما عدا موافقة اللورد أبردين على المقترحات المتعلقة ببعض الممتلكات العمانية في شرق افريقيا.
ولم يبحر علي بن ناصر على متن السفينة "سلطانة " ولكنه كرر الرحلة التي قام بها عام 1254هـ / 1838م وسرت في لندن أنذاك أنبا، تشير إلى أن وزارة الحربية تنمه احتجاز السفينة "سلطانة " وأن بحارتها سيعودون إلى زنجبار في سفينة بخارية سترسل هدية إلى السيد سعيد. ولكن هذه الأنباء لم تكن صحيحة فقد عادت "سلطانة " الي زنجبار وان كنا لا نعرف شيئا عن رحلة العودة، وكادت نهاية علك السفينة توافق وفاة السيد سعيد إذ تحطمت بالقرب من جزيرة واسين، وهي في إحدى رحلات العودة من الهند بعد عام 1271هـ/ 1855م.

Sunday, November 6, 2016

Zanzibar Historical Photos

Mahmood Fazal
Published on Oct 23, 2012
Zanzibar rare and historical photos