Tuesday, December 29, 2020

بيت العجائب والتاريخ المشترك

د. سليمان المحذوري

جريدة الرؤية، 29 ديسمبر 2020م

من الأخبار التي تمَّ تداولها مُؤخرًا سقوط أجزاء من بيت العجائب House of Wonders  في زنجبار. يُعد هذا القصر أيقونة معمارية فريدة في ساحل إفريقيا الشرقي، ومفخرة تاريخية عُمانية في تلك البقعة الجغرافية التي ارتبطت بعُمان بصلات حضارية وطيدة امتدت لأكثر من ألفي عام.

ويقع بيت العجائب في المدينة الحجرية  Stone Town مُقابل الميناء، وتمّ بناؤه عام 1883م في عهد السلطان برغش بن سعيد سلطان زنجبار الذي حكم خلال الفترة من (1870-8818م). عُرف عن هذا السلطان اهتمامه بالجوانب الحضارية إبّان حكمه لسلطنة زنجبار. ومن خلال سفراته المتعددة  إلى الهند ومصر ولندن وباريس يبدو أنَّه تأثر بالفنون المعمارية في تلك الأماكن؛ لذلك شرع في بناء هذا القصر الذي سُمي ببيت العجائب ولا غرابة في ذلك البتة؛ فقد كان يتألف من ثلاثة طوابق ازدانت أبوابه ونوافذه بنقوش بديعة بالخط العربي للشيخ سالم بن مُحمد الرواحي وأخيه عبد العزيز. وكان يُنار بالكهرباء، كما احتوى على مصعد كهربائي؛ مما جعله تحفة معمارية فريدة في زمانه ليس في زنجبار فحسب، وإنما في عموم منطقة شرق إفريقيا.

ونظرًا لقيمته الحضارية والتاريخية فقد أدرجته مُنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة)اليونسكو(عام 2000م ضمن قائمة التراث العالمي اعترافًا من هذه المنظمة العالمية بأهمية هذا المعلم للإنسانية. ومن أجل الحفاظ على التاريخ المشترك بين عُمان وزنجبار، وترسيخًا للعلاقات الحضارية المتجذرة بين الجانبين واستثمارها؛ وقعّت حكومة السلطنة مُمثلة بوزارة التراث والسياحة- في أكتوبر 2019- على مناقصة إعادة تأهيل بيت العجائب، وأُسندت المناقصة لشركة إيطالية متخصصة في ترميم المعالم التاريخية. وكان من المقرر أن تستغرق أعمال الصيانة والترميم خمسة عشر شهرًا إلا أنّها توقفت بسبب جائحة كورونا مع مطلع هذا العام وفقًا للبيان الذي أصدرته وزارة التراث والسياحة المشرفة على هذا المشروع. وكما تمّت الإشارة في صدر المقال انتشرت أخبار تهدم أجزاء من بيت العجائب وحتى اللحظة لم تتبين الأسباب الحقيقية وراء ذلك، وربما تكشف التحقيقات هذا الأمر في قادم الوقت. وفي هذا الصدد أكّدت الوزارة على "أنَّ التأمين الشامل يُغطي المناقصة التي أُسندت للشركة المنفذة التي تتحمل مسؤولية ما يجري في الموقع منذ تسليمه لها وفق العقد".

وإزاء ذلك حدث نقاش في وسائل التواصل الاجتماعي، ومن الأسئلة التي طرحت وبقوة ماذا تستفيد عُمان من ترميم بيت العجائب في زنجبار؟ كما أسلفت أنّ بيت العجائب يُعد أحد المعالم التاريخية من التراث المادي التي ترمز إلى التاريخ الحضاري لعُمان في شرق إفريقيا، وهو تراث إنساني مشترك ينبغي الحفاظ عليه وصيانته. كما أنّ هذا المعلم بعد ترميمه سيضم قاعات مُتعددة يمكن توظيفها متحفيًا للحفاظ على التاريخ الحضاري لعُمان خاصةً المرتبط ارتباطاً وثيقاً بعموم منطقة إفريقيا الشرقية على اختلاف دولها في الوقت الحاضر. ومن المعلوم أنّ زنجبار تشهد جذبا سياحيا كبيرا، وبيت العجائب يُعد قبلة رئيسية للسياح على اختلاف جنسياتهم ومن خلالهم يُمكن الترويج للسلطنة سياحيًا.

وتأسيسًا على ما تقدَّم يُعتبر بيت العجائب نموذجًا من بين عشرات النماذج التي تحكي قصة الصلات الحضارية التي نسجتها عُمان مع مختلف الشعوب المطلة على المحيط الهندي خلال حقب زمنية طويلة. وعليه؛ فإنّه من الأهمية بمكان من وجهة نظري اهتمام السلطنة بعلاقاتها التاريخية القديمة وإحيائها؛ بل الأهم من هذا وذاك تقوية هذه العلاقات المتجذرة، والبناء عليها بما يخدم توجهات السلطنة الحالية والمُستقبلية اتساقًا مع "رؤية 2040" ثقافيًا واقتصاديًا. وكخاتمة لهذا المقال أتساءل لماذا لا يكون لدينا في السلطنة مركزًا للدراسات والأبحاث الاستراتيجية يُعنى بمنطقة المحيط الهندي؟ 

Saturday, December 12, 2020

أرض زنجبار.. كما أرادها العمانيون

 7/12 2020 . جريدة الرؤية 

حمود بن علي الطوقي

على مدار اليومين الماضيين تداول ناشطون في شبكات التواصل الاجتماعي هنا في السلطنة وفي دول مجلس التعاون الخليجي، مقاطع مصورة عن زيارة الرحالة الكويتي واسمه محمد الميموني لجزيرة زنجبار؛ حيث استطاع أن ينقل في حسابه عبر سناب شات طبيعة الحياة في جزيزة زنجبار، التي يزورها لأول مرة، ليكتشف وهو يتجول في أزقَّة زنجبار حقيقة لم يكن يعلمها من قبل عن الوجود العماني في شرق إفريقيا.

مقاطع الرحالة الكويتي محمد الميموني انتشرت بسرعة البرق لتعيد فتح الجروح الملتئِمة، خاصة تلك الجروح التي ما زالت زنجبار تمثل لها الكثير لارتباطها الوجداني وامتدادها التاريخي. المقاطع التي نشرها الرحالة الكويتي أعادت إلى الأذهان الحلقات التلفزيونية التي كانت تبث عبر الفضائية العمانية من إعداد وتقديم الإعلامي المخضرم محمد المرجبي، الذي استطاع أن يوثق ويهدي أرشيف تليفريون سلطنة عمان مادة أدبية توثيقية عن طبيعة الوجود العماني في شرق إفريقيا ودول البحيرات العظمى.

المقاطع التي بثها الرحالة الكويتي كانت صادمة بالنسبة له؛ كونه يتعرف لأول مرة على الوجود العماني والتاريخ العماني الموغل في العمق؛ وذلك بلقاءاته مع عدد من الأخوة العرب، أكتشف أنهم عمانيون بلباسهم التقليدي وبمحافظتهم عن هُويتهم وأصولهم العمانية، وما رصدته عدسته أثناء هذا التجوُّل من هنا وهناك في أزقة وأسواق وشوانب (المزارع) في زنجبار، اتضحت له حقيقة هذا الارتباط الأزلي ورغبة عدد من التقى بهم في العودة إلى أرض الوطن.

ما جعلني أعتصر ألما عندما وجه سؤالا لأحدهم عن زيارته لبلاده عمان؛ فكان رده أنني أزور عمان عندما أحصل على فيزا.

حقيقة.. إن الرحالة الكويتي الشاب محمد الميموني، ولا أعرفه، أعاد للأذهان ذلك التاريخ العماني الإمبراطوري الموغل في القدم، عندما اكتشف وهو يصور أول سفير عماني زار الولايات المتحدة الأمريكية في القرن السابع عشر الميلادي وهو السفير أحمد بن النعمان الكعبي، ليؤرخ وينقل للعالم مكانة التاريخ العماني في شرق إفريقيا، والتي تأسست على يد الإمام أحمد بن سعيد -رحمه الله- وامتدت في التَّوسع والامتداد حتى بلغت شرق إفريقيا على يد السلطان سعيد بن سلطان -غفر الله له- ناشرا رايات عُمان في مجاهل البحر ومفاوز البر، ناشرا الإسلام والأمان والطمأنينة، وباعثا مشهد القوة الذي يليق بإمبراطورية تسيّدت البحار، وصارت أهم الحضارات عبر السواحل الطويلة.

هذا المقطع المصوَّر أعاد للأذهان الرحلة التي قام بها الرحالة السعودي محمد بن ناصر العبودي في الخمسينيات من القرن الماضي وزار خلالها جمهورية بوروندي، والتقى في هذه الرحلة بوالدي الشيخ علي بن محمد بن سالم الطوقي رحمه الله؛ حيث كان من أعيان العرب العمانيين الذين يقيمون في هذا البلد، وتجول معه بسيارته؛ حيث تعرف على هذا البلد، وسبب هجرة العمانيين، وتفاجأ بأن الوجود العماني في هذه البقعة من الأرض الإفريقية يعود لنحو خمسة عقود من الزمن، ووثق هذه الرحلة بكتاب ضخم يعد من أجمل الكتب في أدب الرحلات وعنوانه: "في إفريقيا الخضراء".

خلال هذه الفترة، وخلال هذا العصر، تتجول عدسات الرحالة العرب في مختلف بقاع الدول الإفريفية، وتبرز الشخصية العمانية في رحلات المستكشفين والصحفيين، الوجود العماني وعلاقة عُمان بدول شرق إفريفيا.

هذا المدُّ الإمبراطوريُّ لعله يعود من جديد، على يد المقام السامي لصاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- وهو حفيد هذه الإمبراطورية التي تلقي بظلالها، وروح كينونتها، ومهارة تأثيرها، ونبل مقاصدها من جديد كلما جاء ذكر الوجود العماني الذي يصل لأقاصي دول شرق إفريقيا، إلى زنجبار وما خلفها، وإلى دول البُحيرات العظمى (رواندا وبوروندي وزائير وكونجو)، وإلى مقديشو وجزر القمر والصومال، هذه الدول التي كان العمانيون يذهبون مشمولين بالسلام والبحث عن الرزق الحلال، يأخذون عائلاتهم ويستقرون هناك، يفتحون أبواب الرزق لهم ولغيرهم، فطاب لهم المُقام، وصارت لديهم الحياة المستقرة، والتجارة التي تقيهم الحاجة والفاقة والسؤال؛ وقد امتد الوقت، فانقلبت الحال إلى غير ما كانت عليه، وتبدل النَّاس، وهاجر من هاجر، وبقي من بقي، ثم اشتدّ البأس، حتى تقطعت السُّبل، وما عاد حبل الواقع السري يصلهم بالوطن والأهل ورائحة التراب، وبقيت عروبة اللسان والذاكرة هي الخيط الذي يتمسك بالأمل، لعله يشرق يومًا ما.

كتبتُ في مقالات سابقة عن أهمية النظر من جديد للعمانيين في تلك المجاهل، والصلة التي يمكنها أن تُعيدهم هي استرداد جنسيتهم الأصلية، وأهمية الاستفادة منهم كونهم كوادر يمكن الاستفادة منهم بدلا من جلب عمالة رخيصة تكون العمالة ذات الأصول العمانية وقد تكون الأفضل والأنسب، ولنشعرهم بأنهم عمانيون بجذورهم العريقة. 

Thursday, December 3, 2020

تأسيس الامبراطورية العُمانية

الحلقة (3 ) تأسيس الامبراطورية العُمانية

إعداد وتقديم د.سليمان المحذوري

بصحبة الدكتور موسى البراشدي

الإثنين 16 أكتوبر 2020 م

https://www.youtube.com/watch?v=zHHtOtWjlAo