Thursday, July 20, 2017

رحلة السفينة سلطانة إلى لندن

د.سليمان المحذوري
جريدة الوطن،ملحق أشرعة، 16 يوليو 2017
ارتبط اسم السفينة “سلطانة” أو “السلطاني” بالرحلة الشهيرة إلى نيويورك وهي تحمل على متنها أحمد بن نعمان الكعبي عام 1840م مبعوثاً خاصاً للسّيد سعيد بن سلطان في مهمة دبلوماسية وتجارية في آن واحد. بيد أنّ هناك رحلة أخرى مماثلة لا تقلّ أهمية من وجهة نظري عن الرحلة المُومأ إليها آنفاً رغم أنّها لم تحظ بالاهتمام والرصد من قبل الباحثين؛ وأقصد هنا رحلة سلطانة إلى مدينة لندن عام 1842م، وهي تحمل علي بن ناصر أحد أقرباء السّيد سعيد، والذي شغل منصب والي ممباسا خلال مناسبتين الأولى خلال 1837-1845م، ثم في فترة لاحقة خلال 1870-1872 في عهد السلطان برغش، وقد رافقه محمد بن خميس الذي كان يدرس الملاحة واللغات في لندن آنذاك ثم أصبح لاحقاً عام 1850م رباناً في الأسطول العُماني. و الباحث عن مادة علمية حول هذه الرحلة لا يجد إلا النزر اليسير وبعض المتفرقات هنا وهناك لا تُغني ولا تُسمن من جوع. غير أنّ هذا لا يمنع البتّة من محاولة تسليط الضوء ولفت الانتباه إلى رحلات بحرية لسفن عُمانية عديدة لا زالت تنتظر من يفتش عنها، ويبحث عن أبطالها علّه بذلك يُسجل سبقاً بحثياً يُساهم في سدّ بعض الفجوات ـ وما أكثرها ـ في تاريخنا البحري.
وتعدّ السفينة سلطانة إحدى دعائم أسطول السيّد سعيد بن سلطان سلطان عُمان وزنجبار التي بُنيت في مدينة بومباي في حوض مازاجون لبناء السفن سنة 1833م بحمولة تبلغ 312 طن على الطراز الأوروبي مع ادخال تعديلات عليها على الطابع العُماني بأشرعة مربعة تحملها ثلاثة صواري، وقد زودت بـ 14 مدفعاً.
ولا يُعرف كثيرا عن رحلة هذه السفينة إلى لندن إذ لم يجر تدوين يوميات عن الرحلة. وقد ظهرت صورة للسفينة في مجلة أخبار لندن المصورة Illustrated London News في عدد 18 يونيو في نفس السنة التي زارت فيها لندن عام 1842م وهي تفرغ حمولتها من هدايا السيد سعيد للملكة فكتويا. بيد أنّ هذه الرحلة كانت دبلوماسية بامتياز؛ لأن سفيرها علي بن ناصر حمل رسائل إلى اللورد أبردين والملكة فكتوريا، كما زُود بتعليمات لمطالبة الحكومة البريطانية بتعديل سياستها بشأن تقييد تجارة عُمان. وقد أجرى علي بن ناصر سلسلة من المباحثات مع اللورد أبردين اتسمت بصعوبة التفاهم الأمر الذي يفسر لنا عدم رضا السيد سعيد عن النتائج الدبلوماسية التي حققتها البعثة.
أبحرت سلطانة من زنجبار بتاريخ 11 فبراير عام 1842م متجهة إلى لندن، ووصلت جزيرة سانت هيلانة Saint Helena – المستعمرة البريطانية في المحيط الأطلسي منذ منتصف القرن السابع عشر ـ في 8 ابريل؛ حيث حظي علي بن ناصر ورفاقه باستقبال رسمي من قبل حاكم الجزيرة، وبعد أربعة أيام غادرت البعثة ووصلت لندن في 12 يونيو حيث كان في استقبال علي بن ناصر البرفسور سير تشالز فوريز الرئيس الفخري لجامعة أبردين، وعضو حزب المحافظين في البرلمان، وشغل كذلك منصب رئيس أول بيت تجاري بريطاني في بومباي. وقد أمرت الحكومة البريطانية بأن تُجرى اصلاحات للسفينة على نفقتها.
وبتاريخ 29 يونيو قابل علي بن ناصر الملكة فكتوريا التي أعربت عن سرورها لرؤيته ثانية. ومن نافلة القول الإشارة إلى أنّ علي بن ناصر كان قد زار لندن عام 1838م وقابل الملكة حينذاك، ولعل أبرز النتائج التي تحققت من تلك الزيارة توقيع معاهدة التجارة والصداقة بين عُمان وبريطانيا عام 1839م، وعلى إثرها تمّ تعيين اتكنس هامرتون كأول قنصل بريطاني في زنجبار أواخر عام 1841م.
وقد عادت سلطانة إلى زنجبار بدون تفاصيل تذكر عن رحلتها وكانت نهايه السفينة بتحطمها في إحدى رحلات العودة من الهند في منتصف القرن التاسع عشر. وربما أنّ رحلة سلطانة إلى لندن لم تحقق نتائج تجارية ودبلوماسية كبيرة مع بريطانيا؛ إلا أنّها في تقديري تُعتبر ذات أهمية خاصّة من حيث إنّ هذه الرحلة كان على رأسها والي من ولاة السيد سعيد على منطقة مهمة من ساحل إفريقيا الشرقي وهي ممباسا. كما أنّ السيّد سعيد بعث بهدايا للملكة البريطانية “فيكتوريا” مثل أربعة خيول عربية، وعقود من اللؤلؤ والزمرد، وشالان، وعطر ورد أسوة بالهدايا التي بعثها للرئيس الأميركي “مارتن فان بورين” في الرحلة السابقة لهذه السفينة عام 1840م إلى نيويورك.
كما لا يفوتني أن أذكر أنّ عُمان ارتبطت بعلاقات وطيدة مع الإنجليز منذ زمن طويل، وجاءت الرحلة في خضم التنافس الدولي على ممتلكات السيد سعيد الإفريقية بين فرنسا وأميركا والمانيا لكسب ود السيد سعيد؛ وبالتالي تُعتبر الرحلة خطوة جريئة في تدعيم علاقة السيد سعيد مع بريطانيا خاصّة وأنّ المصالح البريطانية كان يغلب عليها الطابع السياسي أكثر من التجاري.
ختاماً يُمكن القول إنّ مثل هذه الرحلات البحرية الطويلة التي وصلت إلى موانئ بعيدة تُعد علامة فارقة في تاريخ عُمان البحري، كما ترمز وبوضوح إلى دور الدبلوماسية العُمانية في فترة مبكرة، علاوة على المساهمة الفاعلة في نشاط التجارة العالمية البحرية. حيث استطاعت السفن العُمانية الوصول إلى موانئ أوروبية وأميركية منذ زمن مبكر؛ وهذا يدل دلالة واضحة على المهارة الملاحية التي كان يمتلكها البحارة العُمانيون؛ إلى جانب تمتين العلاقات التجارية والدبلوماسية مع دول متعددة ومختلفة، وتجسير التواصل الحضاري والثقافي مع الشعوب الأخرى متخذين من مياه المحيط الهندي مطية لتبادل المنافع، ونقل تراث وحضارة الإنسان العُماني.
ولا ريب أنّ مثل هذه الرحلات تتطلب مزيداً من البحث والتقصي، وبالتالي الخروج بعمل توثيقي احترافي يصل بهذه الرحلات البحرية العًمانية إلى العالمية، ولعل الندوة التي أقامتها الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في ديسمبر 2014 حول رحلة السفينة سلطانة إلى نيويورك تُعد مثالاً لا يُمكن تجاوزه للخروج برؤية مُناسبة بشأن انتاج فيلم توثيقي حول الرحلة وإن كنا لم نر النتائج بعد.

المراجع:
• وزارة التراث والثقافة. عُمان وتاريخها البحري، ط2 ، وزارة التراث والثقافة ، 2002م.
• مجلة نزوى، العدد 22، ابريل 2000م.

Monday, July 10, 2017

استرداد الجنسية".. ذاكرة وطن

حمود الطوقي
جريدة الرؤية
 الإثنين 10 يوليو 2017 
عد 40 عاما، استعاد 11 فردا من عائلة واحدة عُمانية تنتمي إلى قبيلة المحاريق، جنسيتهم العُمانية، بعد كِفَاح طويل من أجل محاولة تصحيح وضعهم بالطرق القانونية، والخروج من مأزق تجذَّروا فيه، لتأكيد الانتماء إلى الوطن، وأنصف العائلة صدور المرسوم السلطاني رقم (29/2017) والمنشور في الجريدة الرسمية العدد رقم 1200.. فأخيرا، حُقَّ لهذه العائلة أن تحتفل بعودة انتمائها إلى تراب الوطن؛ حيث كافحت طوال 4 عقود على الرغم من الشُّقَّة التي رافقت مسيرة تأكيد الانتماء هذه، منذ الجد، مُرورا بالابن والأخوات والبنات.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا عندما يتوافر ما يثبت الأهلية في استعادة الجنسية العُمانية، يُرافق ذلك إجراءات مُعقَّدة وعادة تشكيكية من الجهات الرسمية؟
في نموذج العائلة المحروقية مثال لا ينبغي التغاضي عنه، وهو يفتح ملفا مسكوتا عنه وتناولا إعلاميا بشكل أو بآخر على مدار السنوات الماضية، فيما يخصُّ الوجود العُماني في شرق إفريقيا ودول البحيرات العظمى. فالعُمانيون هناك، حنينهم إلى التراب العُماني لا يتوقف ولا ينفك يتجدَّد، وليس أمامهم سوى البحث عن بوادر الأمل، وأغلبهم صاروا "بدون" في هذه الدول، ولم يعد أمامهم سوى الانصياع لأمرين، إما متابعة الكفاح والنضال من أجل استعادة الجنسية، أو العمل في تلك البلدان بحسب استعداداتهم المهنية بروح عُمانية وثابة.
من الناحية العددية، يمكن لتلك الأرقام العُمانية المهملة في المهجر القسري الإفريقي أن تزيد من الكثافة العُمانية هنا في الوطن، بما لا يدع مجالا للشك في أن وجودهم سيكون مهما ومثمرا على الصعيد الاجتماعي، والدماء واحدة على كل حال.
أمَّا من الناحية الاقتصادية، فإنَّ مهنيَّة العُمانيين في المهجر القسري الإفريقي ستكون ذات فائدة كبيرة على المستوى المهني، على المستويات الزراعية والصناعية واليدوية، وسيكون ذلك مُعِينا للحِرَاك الاقتصادي المحلي.
ومن حيث حركة رأس المال، فكثيرٌ من العُمانيين القاطنين في شرق إفريقيا أو دول البحيرات العظمى لديهم تجارات مختلفة؛ فماذا إنْ تمَّ تسخير تلك الأموال وضخها في المجتمع الاقتصادي المحلي؟! ألن يكون ذلك مجديا بدلا من تدويرها في دول أخرى؟
من ناحية أخرى، لقد باتَ العلم، في ظل غياب الوثيقة التي تثبت الأصول والانتماءات، أو التشكيك فيما تبقى منها، فيصلا لا محيد عنه ولا مناص منه، فمن يُرِد إثبات نسبه ومكانه يُمكنه اللجوء إليه، من خلال فحص الـDNA. لكن على الرغم من موثوقيته العلمية، إلا أنه غير مفعَّل على مُستوى تحقيق رغبات العُمانيين والعُمانيات في العودة لموطنهم الأصلي عُمان، وبات الكفاح من أجل تحقيق ذلك بمثابة حفر في صخر جلمد، على الرغم من وضوح الرؤية في المكاسب التي يمكن تحقيقها من وراء إعادة الحنسية العُمانية لمن أذهبهم البحث عن لقمة العيش وتحسين المستوى المعيشي إلى الدول الإفريقية.
ولعلَّ ما لم ترصده وسائل الإعلامية عن إمكانية ضياع الهوية العُمانية في القارة السمراء، هو الزواج بالإكراه بين النساء العُمانيات والرجال الأفارقة، والسبب يعود إلى ضرورة وجود تأشيرة إقامة لاستمرارية العيش، وهذا الإجراء يمكن أن يجعل الهوية العُمانية تتلاشى؛ إذ سيصبح الانتماء والجنسية إفريقية بامتياز، وهذا سيشكل خطورة في المستقبل. وهذا النوع النفعي من الزواج منتشر بكثرة، ناهيك عن كثير من النماذج العُمانية، رجالا ونساء على حدٍّ سواء، كان حُلم الدفن في التربة العُمانية بمثابة وصيّة يوصون ويوصين بها، ولكن تلك الوصايا لا يتم تنفيذها، ليتم الإقبار والدفن في المهجر القسري، مع أنَّ هذا بمثابة مطلب إنساني، يجعل المرء يرغب في السكينة والراحة حيث انتمائه، ولكن لا تشاء الأفكار أن تتحقق.. سيظل هذا الملف مفتوحا ولن يتنازل من يشعر بانتمائه لتراب عُمان عن أن يكون ضريحه بالقرب من أجداده.
وإذا كانتْ قد حدثت حالات بسيطة حصل بمقتضاها على الجنسية العُمانية من لا يستحقها، باستخدام أساليب احتيالية، وتقديم شهادات غير صحيحة؛ فهل يكون التصدي لمثل هذه الاحتمالات، التي لا يمكن تعميمها، بشرعنة التعقيدات التي تحجب أصحاب الحق عن العودة إلى نسيج المجتمع؟
وفي هذا السياق، نقترح تشكيل لجنة وطنية تضمُّ مُمثلين من الجهات ذات الاختصاص، ومن ثم تنتقل إلى المشرق الإفريقي لحصر المطالبين باسترداد الجنسية، ودراسة طلباتهم دراسة جدية ومُعمَّقة؛ بنية وضع حل لها. وفي تقديري، أنَّ استعادة هذه الفئة وضمَّها إلى النسيج الوطني لن يشكل عبئاً ماليًّا على الدولة -كما يظن البعض- وإنما هو في الغالب الأعم مكسب للدولة اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا.
نترك الإجابة للسلطة المختصة التي لا نشك في رجاحة عقلها، ورؤيتها الشمولية لهذا الملف الشائك. ويبقى طرق الأبواب قائما والأمل معقودا.

Sunday, July 9, 2017

الحضارة العمانية بشرق إفريقيا

سعيد بن خلفان النعماني
لقاء مع سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عُمان