زاهر بن حارث المحروقي
جريدة الفلق الالكترونية: 31 أغسطس 2013م
” 1 ”
علاقة الأستاذ حلمي شعراوي بزنجبار قديمة وتعود إلى ما قبل الانقلاب الذي وقع
عام 1964، فهي تعود إلى أوائل عام 1959، حيث عُيّن مشرفاً اجتماعياً على “بيت شرق
أفريقيا” في القاهرة، والذي ضم أكثر من أربعين شابا وشابة من زنجبار، وقد جاء إنشاء
ذلك البيت بناء على موافقة وتوجيه الزعيم عبد الناصر شخصياً لمحمد فائق مستشاره
للشؤون الأفريقية، بعد مقابلته الشيخ “علي بن محسن البرواني” زعيم الحزب الوطني
بزنجبار منتصف 1958.
والأستاذ شعراوي، خبير في الشؤون الأفريقية وله اهتمامات خاصة بشؤون زنجبار، وقد
عمل في مكتب الرئيس عبد الناصر من عام 1960 في الشؤون الأفريقية، كما عمل خبيرا
للشؤون الأفريقية في منظمة اليونسكو، وله العديد من المقالات في الشأن الأفريقي،
لذا فمن الجدير الاهتمام بما يقوله أو يكتبه عن التاريخ العماني في أفريقيا،
باعتباره أحد الذين عايشوا الأحداث، وقد قرأتُ له مقالا في جريدة الاتحاد
الإماراتية تحت عنوان “ذكرياتي عن شعب وثورة زنجبار” عدد 27 مايو 2014، طرح فيه
نقاطا عدة تحتاج إلى توضيح، خاصة أنّ هناك من لا يزال على قيد الحياة من الذين
عاصروا تلك الفترة حتى تكون الأمور واضحة، فكتابةُ التاريخ تحتاج إلى دقة وتمحيص،
وإلى تفنيد كل الآراء، كما أنّ الأمانة تقتضي أن يقول كل طرف ما عنده لأنّ الصورة
النهائية لأيّ حدث مّا لا تتضح إلا بعد أن نرى الصورة بأبعادها، باعتبار أنّ كل
إنسان يكتب الحدث من زاويته ومن موقعه، لذا تختلف الصورة بين شخص وآخر حسب
موقعه.
” 2 ”
النقطة الأولى التي تحتاج إلى توضيح، هي هل شارك سالم أحمد سالم في أحداث
الانقلاب ضد الحكم العماني؟ فسالم رجل عماني من بني ريام وصل إلى منصب الأمين العام
لمنظمة الوحدة الأفريقية لسنوات وقبل ذلك كان قد ترشح كأول افريقي لمنصب الأمين
العام للأمم المتحدة إلا أنه لم يفز، فيقول حلمي شعرواني في مقاله الآنف الذكر:
“ذكرتني زيارة سالم أحمد سالم السكرتير العام الأسبق لمنظمة الوحدة الأفريقية، وأحد
قادة ثورة زنجبار عام 1964، للقاهرة في أبريل 2014 بذاك «الشاب» الزنجباري نفسه،
وهو في منتصف العشرينات من عمره، قادماً للقاهرة آخر أبريل 1964 سفيراً لحكومة
تنزانيا بعد نجاح ثورة زنجبار واتحادها مع تنجانيقا. استقبلناه وقتها رغم معرفتنا
بأنه كان ضمن قيادة انتفاضة اتخذت المسار الدموي بالإطار العنصري الذي وقع.
وللتاريخ فإنّ كل الكتب العمانية التي صدرت حول التاريخ العماني في الشرق
الأفريقي تجاهلت نقطة اشتراك سالم أحمد سالم في الثورة، ويجب على الباحثين التوضيح،
لأنّ هناك من نفى ضلوعه في الأحداث الدموية، إلا أنه لم ينف صفة الانتهازية عنه
وكذلك ميوله اليسارية.
يقول حلمي شعراوي إنّ علي محسن البرواني حكى له كيف رتب له محمد فايق، وعبده
سلام (وزير الصحة في مصر بعد ذلك) مقابلة مع عبد الناصر عام 1959، ليطلب منه فتح
مكتب للحزب الوطني الزنجباري بالقاهرة، وبعض المساعدات التعليمية العاجلة لأبناء
زنجبار في مصر، خاصة من أصول عربية لخوفه على اللغة العربية وثقافتها التاريخية
بينهم، بل وطلب وعداً بمساعدات واسعة لإقامة الدولة بعد الاستقلال. ويقول شعراوي
إنّ علي محسن البرواني، حكى له بعد المقابلة مباشرة أنه عندما قابل عبد الناصر
وحدّثه عن أحوال شعب زنجبار مع الاستعمار الإنجليزي، و”حتى عن ظلم العائلات العربية
الإقطاعية للأفارقة، وضعف قيمة السلطان العربي « جمشيد بن عبد الله»، ناهيك عن
أوضاع الأفارقة الأصليين؛ تأثّر عبد الناصر تأثراً عاطفياً شديداً ووجه بإقامة “بيت
شرق أفريقيا”، كما تم فتح مكتب للحزب الوطني لزنجبار في الرابطة الأفريقية، وتم فتح
البرنامج السواحيلي بالإذاعة، وكان هناك اتحاد طلبة زنجبار بالقاهرة، بمعنى أنه كان
لزنجبار “لوبي” في مصر من شخصيات في العمل العام، وأساتذة في الجامعة، وبعض رجال
التعليم إلى جانب شعراوي نفسه وحماس محمد فايق إضافة إلى بعض الأزهريين، ويقول
الكاتب “إنّ هذا اللوبي كان في النهاية يصُبّ في خانة عروبة زنجبار وأهميتها في شرق
أفريقيا، وكان مبلغ وعيي، هو أهميتها في العلاقات العربية الأفريقية عموماً، إذا
اهتممنا بدعم أفارقة زنجبار مثل عربهم، لأنّ صورة زنجبار بسلطان عماني الأصل لم تلق
ترحيباً لدى كل عناصر اللوبي المذكور… كانت العائلات العربية بادية التسلط على
المجالس المحلية وزراعة وتجارة القرنفل على السواء”، ويقول شعراوي “لقد شعرت كثيراً
أنّ علي محسن البرواني نفسه يريد التخلص من هذا العبء، وإنه تبادل هذا الشعور مع
عبد الناصر، وإنه يريد ذلك بالتوافق لا بالاتجاه يساراً”!، في هذه الفقرة يقدم حلمي
شعراوي صورة لعلي محسن، بأنه كان متذمرا من ظلم العائلات العربية الإقطاعية
للأفارقة، وعن ضعف قيمة السلطان العربي، بل يصل إلى نتيجة هي أنه شعر بأنّ علي محسن
نفسه يريد التخلص من هذا العبء، وهي نقطة أخرى تحتاج من المختصين أن يبحثوا عنها،
ففي كتاب “الصراعات والوئام في زنجبار” لعلي محسن البرواني، يذكر ظروف لقائه بعبد
الناصر، ويخرج بانطباع جيد عن اللقاء وعن المكاسب التي حققها وعن البعثات الدراسية
التي حصل عليها، ولا يشير من قريب أو بعيد إلى ما ذهب إليه شعراوي، وقد تواصلت مع
أ. مبارك خلفان ناجم الصباحي الذي كان رئيس اتحاد طلبة زنجبار في القاهرة وأحد
الذين عايشوا وقت الانقلاب، والذي يَعتبر الشيخ علي محسن البرواني أحد أساتذته،
فنفى تلك المعلومات وقال إنّ فكر علي محسن كان قائما أساسا على أن يشارك العرب في
زنجبار في أيّ انتخابات تقام هناك كمواطنين زنجباريين وليسوا كعرقية عربية، حتى لا
تبدو المسألة كأنها صراع عرقي، وهو الذي أشار إليه حلمي شعراوي عندما قال إن علي
محسن لجأ إلى نمط التوازن بتحالفه مع حزب “الأفروشيرازي”، بعدما أصبحت زنجبار عام
1962، وقبل الاستقلال بشهور تمثل عند زعماء شرق أفريقيا التقليديين أحد احتمالين؛
إما قنبلة عروبية ناصرية، أو قنبلة ماركسية ماوية.. وكلاهما مر! ؟ لكن الذي حدث في
يناير 1964 أن انفجرت القنبلة العنصرية أو العرقية (أفارقة/ عرب).
” 3 ”
يتكلم الناس كثيرا أنّ الرئيس عبد الناصر أراد أن يرسل جيشا لحماية زنجبار، إلا
أنّ المسؤولين في زنجبار رفضوا ذلك وقالوا “نريد راقصات ومطربات”، لدرجة أنّ هذه
المقولة أصبحت كأنها من المُسَلّمات، ويقول أ. مبارك ناجم، إنّ هذا الموضوع ليس له
أيّ أساس من الصحة، وإنما أقامت الحكومة في زنجبار احتفالا كبيرا بمناسبة الاستقلال
عن بريطانيا حضره من مصر وفد ضم أكثر من مئة عضو يمثلون كل الأطياف برئاسة أنور
السادات، من الشيخ محمود خليل الحصري، حتى فرقة رضا، وفريق كرة قدم وصحفيين
ومذيعات، مما أدى إلى انزعاج الإنجليز كثيرا، خاصة مع ترتيبات علي محسن لبروز أنور
السادات في وضع نائب رئيس مصر مساوياً في البروتوكول لمندوب ملكة بريطانيا الأمير
فيليب – حسب رأي شعراوي -.
أما عن حادثة الانقلاب فيحكي عنها شعراوي أنه في 12 يناير 1964، وبعد إقامة
السفير أحمد اللمكي سفير زنجبار في القاهرة لبضعة أسابيع فقط، رن الهاتف في منزله
حوالي الواحدة صباحاً، فكان اللمكي يطلب منه الذهاب معه حالاً لمحمد فايق ليقابله
بعبد الناصر الليلة لطلب تدخله العسكري فوراً في زنجبار ضد الانقلاب الذي وقع تلك
الليلة، وضرورة حماية العرب من المذابح التي يتعرضون لها هناك، ويقول شعراوي إنّ
فايق لم يقصر في التعبير عن حزنه ودهشته لمثل هذا الطلب، لكنه استبعد أن يوقظ عبد
الناصر في تلك الساعة، فأخذ في تهدئة اللمكي، الذي أشار إلى أنّ قوات مصر في اليمن
قريبة وتستطيع الوصول إلى زنجبار بسرعة، ويقول شعراوي إنّ ذلك كان مستحيلاً، “لأننا
كنا أقمنا منظمة الوحدة الأفريقية، ونستعد لاستقبال مؤتمر قمتها الأول في مايو1964
ونقر مبدأ عدم التدخل، وأخيراً فإنّ مأزقنا في اليمن بات معروفاً.. وإذن لا سبيل
إلا التدخل الدبلوماسي”، وقد تواترت الأنباء بسرعة عن مئات المسلحين الذين جاءوا من
خارج الجزيرة ليقضوا على السلطنة ويقتلوا المئات ويقودهم شرطي سابق من أوغندا يدعى
“جون أوكللو” لإثارة الرعب، وتنفيذ خطة بريطانية للسيطرة على الجزيرة، بدليل
مسؤولية القائد الإنجليزي للشرطة عن الموقف وتنظيمه خروج السلطان لبريطانيا وسجن
علي محسن والقادة، وعدم قتل “الثائرين” لهم وإتمام كل ذلك فيما وصفه أوكللو نفسه
بثورة التسع ساعات! ويدافع حلمي شعراوي عن الموقف المصري ويرى أنه لم يُفهم لسنوات،
لأنّ ما شاع عقب الانقلاب هي قصص وحكايات وأوهام، ويقول مازال هناك باحثون عرب
يثيرون التساؤل إلى الآن عن الدور المصري، مشيرا إلى أنّ “ناصر الريامي” أحدُهم،
وقد صحبه منذ عدة سنوات إلى محمد فايق شخصياً لمعرفة الحقيقة.
” 4 ”
المسألة تحتاج إلى توضيح من الأشخاص الذين عاشوا تلك الفترة، فالقضيةُ ملك
للتاريخ وليست ملكا للأشخاص، لأنّ حلمي شعراوي ذكر ما عنده من الزاوية التي رأى
الأحداث منها، ويجب على الآخرين أن يذكروا ما عندهم من الزاوية التي كانوا واقفين
تجاهها.
No comments:
Post a Comment