Saturday, January 12, 2019

في ذكرى سقوط الحكم العربي في زنجبار 1964… هل ما حدث ثورة أم احتلال أم مؤامرة؟

القدس العربي؛ 16 يناير 2019
د.صالح محمد محروس
في الذكرى الرابعة والخمسين لسقوط الحكم العربي لزنجبار هل ماحدث ثورة أم احتلال أم مؤامرة أم انقلاب ؟ بعد دراسة خمس سنوات في مرحلة الدكتوراه باحثاً عن إجابة عن هذا السؤال من وراء أحداث 12 كانون الثاني/يناير 1964 من قتل وتشريد للعرب في زنجبار؟ (التابعة لتنزانيا شرق افريقيا التي حكمها العمانيون ثلاثة قرون منذ أسرة اليعاربة في القرن السابع عشر الميلادى إلى أسرة البوسعيد حتى 1964م) وبعد دراسة للوثائق البريطانية غير المنشورة لمدة خمس سنوات كتبت هذا المقال وهو عُصارة هذه الدراسة التي جرى نشرها كتاباً مستقلاً بعد أن نشرت سلطنة عُمان كتابي بعنوان (سلطنة زنجبار في شرق أفريقيا عام 2016).
في ليلة الثاني عشر من كانون الثاني/يناير 1964م قامت مجموعة من الجنود المرتزقة يتزعمهم جون أوكيلو (راعي بقر من أوغندا) بقتل وتشريد للزنجباريين من أصل عربي وكل من يضع صورة السلطان جمشيد آخر سلاطين زنجبار وذكرت الوثائق البريطانية مقتل خمسة آلاف زنجباري من أصل عربي في ست ساعات واستسلم السلطان الزنجباري والحكومة الزنجبارية وفي نيسان/أبريل تم ضم زنجبار لتنجانيقا تحت اسم تنزانيا ؟ كيف انتهى الحكم العربي بهذه السرعة في الست ساعات.
الحقيقة أن زنجبار ثاني أكبر جزيرة في المحيط الهندي بعد مدغشقر أكبر منتج للقرنفل في العالم. محطة تجارية هامة بين الشرق والغرب أهم موانئ شرق أفريقيا وكان للزعيم العربي علي محسن البرواني آخر وزير خارجية مع عبدالناصر كذلك كان دافعاً أن تجتمع عدة قُوى على إنهاء الحكم العربي لزنجبار (بريطانيا وإسرائيل ونيريري حاكم تنجانيقا وعبدالرحمن بابو قائد الحركة الشيوعية في زنجبار والذى تدرب ومجموعته على الثورة على الحكم العربي في كوبا). وإن كان باحثو سلطنة عُمان يعتبرون ما حدث احتلال تنجانيقي بمساعدة دول مثل بريطانيا وإسرائيل.
لقد قامت بريطانيا (وقعت زنجبار تحت الحماية 1890 –1964م) بدور فعال فى أحداث كانون الثاني/يناير حيث أشاعت الدعاية المُغرضة ضد العرب لزرع بذور الحقد والكراهية ضدهم وإظهارهم على أنهم تجار رقيق وصنعوا تماثيل توضح أن العربي يجر الأفريقي بالسلاسل إلى سوق الرقيق، بالإضافة إلى أنهم وحدهم ملاك الأراضى ومزارعو القرنفل والصفـوة,وأن الأفارقة لا يجدون طعاماً ولا فرص عمل وأسهمت بريطانيا بشكل مباشر فى أحداث عام 1964 عن طريق مساعدة المتمردين بتسريح مسؤول الشرطة البريطاني لرجال الشرطة وأخذ مفاتيح مخازن السلاح من العدد القليل من رجال الشرطة التي كانت موجودة.
ورفضت التدخل في زنجبار لمساعدة السلطان سواء منها أو من دول شرق أفريقا وعندما تمرد الجيش في كل من تنجانيقا وأوغندا وكينيا سارعت القوات البريطانية التي كانت موجودة فى كينيا بقمع هذه التمردات بسرعة. مما يوضح الدور البريطاني المتعاون مع الإسرائيلي لتحقيق هدف واحد وهو القضاء على الحكم العربي في زنجبار.
ولقد قدمت الحكومة الإسرائيلية الدعم المالي والأسلحة لأوكيلو الأوغندي الأجنبي ورجاله عن طريق مكتب رجل الأعمال اليهودي ميشا فينسيبر وحزب نيريري في تنجانيقا بواسطة أوسكار كمبونا السكرتير العام لحزب تنجانيقا القومي TANU الذي كان صديقا شخصيا لعبد الله قاسم هانجا(كان على علاقة بإسرائيل عبر السفارة الإسرائيلية فى دار السلام وذهب إلى دار السلام ليلة الانقلاب) والذي سافر إلى الجزائر واقنع أحمد بن بله رئيس الجزائر آنذاك لتزويده بالأسلحة لسبب ظاهري وهو استخدامها تحت قيادة لجنة الحرية التي كان رئيسها. وبالفعل أبحرت سفينة محملة بالأسلحة اسمها ابن خلدون ليلة الانقلاب بالإضافة إلى الأسلحة التي جاءت من إسرائيل إلى السفارة الإسرائيلية في دار السلام. 
الذين قاموا بالانقلاب هم أوكيلو الأوغندي ورجاله من أفارقة البر ليست لهم مصلحة سوى أنهم جنود مرتزقة تم تمويلهم من إسرائيل بمساعدة أعداء النظام العربي بعض رجال الحزب الافروشيرازي مثل سيف بكري رئيس اتحاد شباب الحزب وعبد الرحمن بابو ورجاله الذين تدربوا في كوبا على استخدام الأسلحة والقيام بالانقلاب ضد الوجود العربي،ونيريرى وحزبه المؤيد من إسرائيل حيث كان يحصل على مكاسب من إسرائيل مقابل ذلك. خططت ودعمت إسرائيل الانقلاب بسبب اتجاه القادة العرب في زنجبار من أمثال على بن محسن بروانى وغيره إلى الدول العربية وسعوا إلى أن تلتحق زنجبار بجامعة الدول العربية وتكون دولة عربية إسلامية. ولتقويض دولة مصر من الجنوب والوقوف ضد عـبد الناصـر العـدو اللـدود لإسـرائيل. 
لقد كان لحاكم تنجانيقا نيريرى دور في انقلاب 1964 حيث زار زنجبار قبل الاستقلال ودعم فكرة الوحدة الإفريقية ضد الحكم العربي وساهم في نشأة الحزب الافروشيرازي المناهض للوجود العربي ونقل الدعم الإسرائيلي (المالي والعسكري)للمتمردين إلى إتحاد شباب الحزب الأفروشيرازي ورجال أوكيلو بمساعدة السكرتير العام للحزب تنجانيقا القومي أوسكار كمبونا. ورفض مساعدة السلطان وحكومة شامت للوقوف ضد قادة الانقلاب ثم دَعم النظام الجديد بإرسال رجال شرطة لإعادة النظام والأمن وكذلك دعم فكرة الاتحاد مع زنجـبار أيضـا لدعـم حـكومة الانـقلاب.
لقد اخُتلف في عدد الضحايا واللاجئين والمعتقلين فى أحداث انقلاب كانون الثاني/يناير في زنجبار من خمسة آلاف قتيل إلى عشرين ألف قتيل أغلبهم من العرب(عرب عمان) وفر عدد كبير منهم إلى دول الخليج بملابسهم فقط تاركين منازلهم وأموالهم.واعتقل الآلاف منهم فى أبشع مذبحة عنصرية عرفها التاريخ العربي الحديث. لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية على علم بتخطيط الأحداث على حد قول بعض المعاصرين للأحداث من الأمريكيين وأن كان السفير الأمريكي فى دار السلام علم بمجيء الأسلحة إلى السفارة الإسرائيلية في دار السلام.,وكان كل ما يهم السياسيين الأمريكيين مسألة انتشار المد الشيوعي والاشتراكي بها وكانت تخشى من أن تصبح زنجبار كوبا أفريقيا حيث ينتشر منها المد الشيوعي إلى ربوع القارة الأفريقية. 
وقفت مصر مع الحزب الوطني الزنجباري قبل أحداث 1964م وقامت بدعمه للحصول على الاستقلال ولم يع محمد فايق على حد قول مدير العلاقات الإفريقية ومستشار الرئيس عبد الناصر للشؤون الإفريقية حجم المؤامرة التي كانت تدبر للحكم العربي في زنجبار. ولقد اعترف عبد الناصر بحكومة الانقلاب خوفاً على انتشار ما حدث في زنجبار في باقي دول شرق أفريقيا حيث كثرة العرب ولعدم أخذ الدول الإفريقية مساعدة مصر لزنجبار بشكل عنصري مما قد يفقد مصر علاقتها مع بعض الدول الإفريقية. 
تركت هذه الأحداث آثاراً هامة على منطقة شرق أفريقيا عموماً وزنجبار بوجه خاص فمن الآثار السياسية انهيار سلطنة البوسعيد شرق أفريقيا وإنهاء الدور الزنجباري شرق أفريقيا.وكذلك هزت أحداث زنجبار ثلاث دول من شرق أفريقا حيث قامت ثلاث محاولات لانقلاب في كينيا وتنجانيقا وأوغندا من الجيش ولكن تدخلت بريطانيا عسكرياً وقمعت هذه المحاولات. 
ومن النتائج السياسية أيضا قيام الإتحاد بين تنجانيقا وزنجبار ففي 27 /4/ 1964حيث وقع الرئيسان كارومي ونيريري وثيقة الاتحاد في البرلمان التنجانيقي ولقد كانت دوافع الإتحاد أن كارومي أراد أن يحمي نظامه الجديد من المخاطر التي قد تحيط به.وكذلك نيريرى وضمان عدم عودة الحكم العربي. وهو عبارة عن اتحاد فيدرالي تخص الشئون الخارجية فيه (جمعية تنزانيا الوطنية), وتحتفظ زنجبار بمؤسساتها التشريعية والإدارية.
ومن النتائج السياسية لهذه الأحداث عدم الاستقرار السياسي حيث شهدت زنجبار بعد الاتحاد عدة اغتيالات واعتقالات ونفى لبعض القادة السياسيين فتم سجن علي محسن وأحمد اللمكي أشهر القادة العرب. وتم سجن عبد الله قاسم هانجا أحد المشاركين في أحداث كانون الثاني/يناير وقتله في السجن بواسطة نيريري وعبيد كارومي ثم اغتيال كارومي على يد بن أخي علي محسن(محمد حمود بروانى). ثم سجن عبد الرحمن بابو بعد اغتيال كارومى. في الانتخابات البرلمانية سنة 2000 في زنجبار حدثت مجازر بسبب تزوير في الانتخابات لصالح حزب الاتحاد. ولقد عارضت الجبهة المدنية المتحدة الحكومة.