Wednesday, April 19, 2017

السيد سعود البوسعيدي أحد الحائكين لبردة الزمن العماني وآخر الحكائين للحلم

بقلم : حمود بن سالم السيابي
مسقط 19 ابريل 2017
انت زنجبار حلما جميلا عشناه .
ومع أول ضوء لشمس إفريقيا كان الحلم يوشك أن يتبدد ، فأسرعنا للمفسري للأحلام قبل أن تخوننا الذاكرة فنفقد التسلسل المنطقي لفصوله وتفاصيله .
وحين قبضنا على تلابيب ما تبقى على الأرض كشواهد وعناوين للحقيقة ، فإذا بالشواهد زئبقية كالحلم نفسه ، وشفافة كقناديل البحر مثله ، لندخل بها ومعها في ضبابية الحكايات عن سلاطين عاشوا هنا ، وقصور شمخت هناك ، وعن قرنفل شعشع ونارجيل تطاول ، وعن سيوف ومدافع وأشرعة وسفائن تغزل المتاهات الزرقاء بين شطري الإمبراطوية .
وكان الحلم الزنجباري على طوله جميلا ، وعلى نسياننا لبعض مشاهده مؤثرا ، و قبل ان نفرك عيوننا مع سطوع شمس ذلك اليوم المشؤوم كانت إفريقيا تدق طبولها ، وجمشيد آخر السلاطين يغادر بيت العجائب الى كوخ في "بورتسموث" على خطى فاروق الذي ترك "عابدين ورأس التين"  ليسفح ما تبقى من العمر في الضفة المقابلة للأبيض المتوسط .
وإذا كان جمشيد آخر انكساراتنا ، فالسيد سعود بن أحمد البوسعيدي آخر المتطوعين لسرد الحلم ، فقد عاش قرنا بأكمله ، وسفح نصفه على الأقل هناك .
ولم يكن السيد سعود مجرد شاهد على العصر ، بل أحد الحائكين لبردته ، فجده لأبيه هو السيد حمد بن أحمد السمار الذي يرقد بسلام تحت نارجيلة في "لامو"  وجده الأكبر لأمه هو السيد سليمان بن علي البوسعيدي والي مقديشو ، وشقيقته السيدة نونوه هي زوجة السلطان خليفة بن حارب ، وجده المباشر هو رئيس بلاط السلطان خليفة  ، والسيد سعود نفسه هو رئيس الحاشية السلطانية،  و بعد تخرجه من أوكسفود أضيفت له مهام التشريفات السلطانية فكان أحد أركان بيت العجائب ورجال دولة السلطان والمسؤول عن راحة ضيوف السلطان من الملوك والأمراء  ، فكان بحق أهم الحائكين لقطيفة الزمن العماني ، وأقرب الحكائين للمشهد  .
وفي كتابه "مذكرات رجل عماني من زنجبار" كان عنوان الكتاب يغرق في الحلم ولا يبوح بما يتمناه القاريء من رجل بقيمة وقامة السيد  .
وكان السيد سعود يركض في صفحات كتابه متعمدا الإبتعاد عن التفاصيل وكأنه في ماراثون مع الأزمنة .
وكان يلهث وهو ينقلنا لليل إفريقيا ويحدثنا عن مشاركة  الفلاحين اصطياد الخنازير البرية ، بينما كنا نطمح في المزيد من الصور عن لهاث الأرض في مطاردتها للنزقين على اجتثاث مجد أول سلطنة عربية في الشرق الإفريقي .
وفي صفحاته يسهب السيد في الحديث عن طفولته التي  تربت على الصهوات بين حصاني خليفة بن حارب وعن سقطته من جواده ليفسح الطريق لجموح "كحيلا"  حصان السلطان خليفة الذي آل بعد موته لاسطبلات حفيده جمشيد .
وفي مذكراته يخبرنا السيد سعود عن إفتتان الأميرة البريطانية مارجريت برقصة "الكونجوبيا"  حيث الزنجيات يرتعشن أجسادا وريشا وخرزا فكانت مهمة السيد أن يشرح للأميرة الزائرة اللوحات الزنجية الراقصة ، بينما تمنينا عليه أن يأخذها لأطلال المتوني حيث سيوف سعيد بن سلطان لا تزال على أغمادها في الأوتدة ، أو يطوف معها بقصر الساحل حيث الشطآن الراعفة بالأساطيل .
وفي سطور كتابه حكاياته عن  زيارة الملك الأوغندي "كباكة" وعن زيارة أميرة أردنية لا يجيء على ذكر اسمها،  والتي زارت زنجبار بعد أن خلت سارية بيت العجائب من راية سلاطين البوسعيد وينقل لنا تأثر الأميرة برؤية دموع حصاني السلطان "كحيلا والدهماني"  وقد تركهما جمشيد يبكيان خليفة بن حارب ، وكان السيد سعود ينسى أن زنجبار كلها كانت تنوح .
ويطل من صفحات المذكرات ذلك الطفل العاشق للقطارات ولعبة "الإمداكو" .
وذلك اليافع المحب للخيول والبولو وسباق الدراجات .
وذلك المغامر المهووس بمطاردة الخنازير البرية .
ولم تكن زنجبار السياسية هي مادة الكتاب ، رغم ان صاحب المذكرات ركن الدولة وسيف السلطان ، ولا كانت أسرار القصر الزنجباري شاغل  الكاتب رغم ان شقيقته السيدة نونوه تنام على مخدة السلطان .
ولا كان البحث عن تفسير لحلم الليلة  الأخيرة في زنجبار قضية المذكرات ، رغم ان المؤلف استفتح بها كتابه فأبقى كل الأقواس مفتوحة ، وجميع علامات الاستفهام في عنق علامات الإستفهام. 
ويبدو أن الكاتب كان على موعد مع منعطفات التاريخ لتضيف الصدف لكوابيس الحلم ما يعمق الحلم،  ويبعده عن الحقيقة .
وفي سرده لحياته نتوقف عند فقده لابيه بانفلونزا إفريقيا،  وتيتمه وهو ابن ثلاث سنين في ماليندي ، وفقدان السيد علي بن حمود لعرشه بتولي السلطان خليفة بن حارب مقاليد الأمور ، 
وحين يكبر الشاب يسوقه طالعه ليكون  اول عماني تبتعثه زنجبار لجامعة أوكسفورد .
ومع تولي جمشيد مقاليد السلطة تتسارع الأحداث بخروج بريطانيا من زنجبار ، وإعلان الاستقلال .
الا ان القراءة الإفريقية للاستقلال كانت قراءة سوداء سواد المكان نفسه  ، فهي لا تستقل عن بريطانيا بل تخرج على الراية البوسعيدية بدعم بريطاني وتآمر إقليمي وصمت عربي وعدم اكتراث أممي ، فتخرج زنجبار بعد عام من استقلالها على سادة المكان  لتحز  الرقاب وتنهب وتقتل وتدمر ، ليجد السيد سعود نفسه وراء القضبان ، فالثورة تصفي رجال العهد وتجتث كافة الأزمنة قبله ، وكالكثيرين من أبناء زنجبار بات السيد سعود طريد إفريقيا السوداء .
وما يزيد طينته بلة ان زنجبار تنفصل ومعها يفقد السيد روابط الزوجية من سميرة بنت سالم المعمرية فيواجه معاناة انفصالين مؤلمين عن الأرض والبيت ، وعن بلاط السلطان ودفيء عيني ابنته ريان. 
وبعد أن كان الآمر الناهي في بيت العجائب تقدفه إفريقيا السوداء بعيدا عند شمالها الأبيض حيث البحر المتوسط والملك الليبي إدريس السنوسي ينشر عمامة  الطوارق وجلباب عمر المختار ، ليتحول السيد سعود إلى مجرد موظف بسيط  في مصنع تبغ في ليبيا ، بعيدا عن السيدة نونوه وعيون  الحصانين "كحيلا والدهماني" وشقاوة مطاردة الخنازير .
وفي جو التبغ الخانق كانت ليبيا هي الأخرى تغلي على نار هادئة ليشهر القذافي سيفه في وجه الملك السنوسي فيلجأ الملك إلى أرض الكنانة ، بينما السيد سعود يختنق تبغا وقلقا .
وبعد عام على ليبيا في ظل القذافي يسطع في الشرق العربي سيد عمان ليوجه للعمانيين في كل مكان نداء العودة فيعود السيد مع العائدين إلى أرض الأجداد وإلى مزارع الأنبا في بركاء ونخيل أم السلا وبيوت السيد السمار ، فيلتحق بالخارجية العمانية ويزامل اسماعيل الرصاصي في السفارة العمانية بطهران ، ويعيش ارهاصات ثورة الكاسيت ومؤشرات عودة الخميني من "نوفيل لوشاتو".  
إلا ان السيد سعود يترك طهران قبل عودة الخميني فيعود الى مسقط ليكون شاهدا على نهضة الشطر الآسيوي من الوطن .
وفي عصر سلاطين وأئمة عمان كان العمانيون يتسابقون ليمشوا في مناكب الأرض ، وفي عصر سيد سادات عمان يستميت العمانيون للعودة إلى بلادهم حيث العزة والكرامة وحيث الافلاج والاودية والنخل والحصون والخيول.
وتبقى "مذكرات رجل عماني من زنجبار"  إطلالة من الزاوية التي اختارها المؤلف لبانوراما الجغرافيا والتاريخ كما رآها من بيت العجائب ، ولعلها تتكامل يوما مع مذكرات ابنته معالي السيده الدكتورة راوية البوسعيدية ، أو مع يوميات أحفاد وحفيدات المؤلف او مع غيرهم ، ليتخيروا شرفات أخرى للإطلالة على المشهد الزنجباري كقصر المتوني او مئذنة جامع قصر الساحل او دريشة بيت أبي مسلم الرواحي أو من مطبعة خليفة بن حارب او بالقرب من أحبار الفلق والنجاح ، أو صارية سفينة مسكونة  بغزل الموج بين المرافيء في شطري الوطن .
لنؤكد ان زنجبار حقيقة ، وان القرون التي سفحها الاجداد أكثر من الحلم ، وأكبر من البحث عن تفسير له .

Tuesday, April 11, 2017

صفحات مشرقة من نصرة العمانيين للقضية الفلسطينية منذ جذورها الأولى

بقلم .د. محسن الكندي .

في صيف العام 1993، قدِّر لي أن اتصل بالصحافة العمانية المهاجرة وأن تلامس يداي أوراقها الصفراء المبهرة، الحاوية لكثير من التفاصيل المتصلة بالحضور العماني في الديار الإفريقية.

كانت رحلتي مضنية ورغم ما فيها من مصاعب ومضانك البحث والتقصي والكشف والمقاربة في الأراشيف والخزائن الخاصة؛ الا أنها أضفت عليّ بنتائج أحسبها جيدة، فقد حققت لي مطلب شغفي المعرفي، ولبّت غايتي العلمية الرامية إلى تأصيل ما أثراه اجدادنا العمانيون من فكر أدبي وفقهي وتاريخي وثقافي، جسّده خطابهم التنويري في تلك الديار..

كانت أوراق هذه الصحف ملأى بكل تلك التدفقات المعرفية، وﻻ تحتاج منا سوى من ينفض عنها غبار الزمن، ويعيدها الى سابق تألقها المجيد، حينما كانت تروي عطش الطبقة المثقفة المستنيرة من أبناء عمان والعرب القاطنين تلك اﻵفاق.

كانت جهودي أوّليّة في جمع كل ما أجده وأطال تصويره.. ثم ما برحت توثيق ما وجدته لتكون محصلة ذلك أوّل مقال نشرته في مجلة "نزوى" الغرّاء، بتشجيع ومؤازرة من رئيس تحريرها الشاعر المثقف الكبير سيف الرحبي ثم سرعان ما تحول ذلك المقال الى كتاب اتخذ عنوان "الصحافة العمانية المهاجرة وشخصياتها "وصدر عن مؤسسة رياض الريس ببيروت في طبعتين اﻻولى صدرت عام 2000 والثانية 2009 .

ومع تواصل المكتشف والعثور على أعداد متفرقة وأخرى مكتملة من صحف ومجلات ودوريات بلغ عددها ثلاث عشرة صحيفة ونشرة تعود أقدمها إلى العام 1911 حيث صحيفتي "النجاح"، و"النادي"، وإلى العام 1929 حيث صحيفة "الفلق"، وإلى العام 1951 حيث صحيفة "النهضة"، إضافة إلى صحيفة "المرشد" ، و"الأمة" و"المعرفة"، ومجلة "المعلمين"، وصحيفة "الإصلاح" التي أصدرها الشيخ الأمين بن علي المزروعي، زعيم حزب الإصلاح في ممباسة، بالساحل الكيني قرابة العام 1930. وكانت كل هذه الصحف والنشرات تهدف الى تأسيس خطاب إعلامي معرفي يسهم في بلورة الهوية الثقافية للعمانيين والعرب،  وبناء مؤسسة إعلامية تامّة الشروط، إضافة إلى اهتمام بالغ بالدور الوحدوي النهضوي ذي الطابع الإسلامي العربي الذي يحمل على عاتقه تكوين  خطاب سياسي عربي، يعنى بقضايا العروبة، ويبحث في مستلزماتها وسط منعرجات ذلك الزمن البعيد.
من هنا برز في هذه الصحف الخطاب القومي ممثلاً في البحث في قضايا العرب الكبرى، وعلى رأسها قضية فلسطين، إذ سجلت صحيفة "الفلق" وحدها ما مجموعه 15% من خطابها السياسي المفعم بالثورة واﻻستنهاض، فوجدنا فيها مقاﻻت بعنوان "فلسطين الشهيدة"، و"فلسطين الثائرة" و"يوم فلسطين"، و"تهويد فلسطين"، و"فلسطين تناشد الإنسانية"، وكلها مقاﻻت استنهاضية مبكرة  كتبت بين العامين 1938 و 1939م ، بأقلام عمانية، على رأسها قلم المحرر الشيخ الوجيه هاشل بن راشد المسكري، وزملائه أعضاء الجمعية العربية بزنجبار، لترسم لوحة شرف صفحاتها بيضاء ناصعة، تسجل أسماء الكرام البررة الأسخياء من العمانيين وأهل الخليج وأهل حضرموت وعدن وجزر القمر والطوائف غير العربية ، وغيرهم ممن قطن تلك الديار، الذين جادوا بما يملكون من مال في سبيل نصرة القضية، لينالوا الجزاء الأوفى في لحظة فارقة من تاريخ ذلك الزمن العصيب . فتطلعنا تلك الصحف على  أسماء النساء قبل الرجال بكثرة واضحة، نفضت عن بعضها غبار الزمن المدوَّنة اﻹلكترونية حين طالعتنا بالأمس رسالتها المتداولة المنقولة اصﻻ من صحيفتي:    " الفلق" ، و"المرشد" الصادرتين خﻻل الفترة من    ( يونيو _سبتمبر  1948 ) والتي تقدم قائمة تضم أكثر من مائتين وسبعين اسماً تتقدمهم المحسنة زوجة سعيد بن سيف بن سالم البوسعيدي التي تبرعت وحدها بالفين  شلنجا تلتها نساء ورجال أمثال  : السيد محمد بن سعيد بن سليمان البوسعيدي  ،والشيخ عبدالله بن سليمان الحارثي رئيس الجمعيةالعربية بزنجبار ، والشيخين محمد بن هﻻل البرواني وهاشل بن راشد المسكري محرري صحيفة الفلق ، و اﻻديب محمد بن علي بن خميس البرواني صاحب المقامات المعروفة في عمان وأسماء أعيان ورشداء وشيوخ قبائل أمثال : الشيخ مسعود بن علي الريامي ، وعبدالله بن صالح الفارسي ، وعيسى بن سعيد بن ناصر الكندي ، ومحمد بن علي المسكري ومحمد بن سليمان اللمكي ، و محسن بن علي البرواني وابنه علي محسن الذي صار فيما بعد وزيرا للخارجية في حكومة اﻻستقﻻل ، وأطباء أمثال الدكتور علي بن سعيد بن سيف المعمري ، والدكتور سعيد محفوظ  ورجال من الجاليات القمرية والحضرمية أمثال  : اﻻستاذ صالح بن يحيى القمري ، والشيخ محمد برهان اﻻموي ، ومحمد بن عبدالرحيم باوزير..  ومؤسسات المجتمع المدني من مثل  : النادي العربي بزنجبار ، ونادي السيدات العربيات بمالندي ، ونادي السيدات القمريات . ومدارس حكومية من مثل :  مدرسة الحكومة بالبلد منازموجه  ،و مدرسة الحكومة بمييراني . واتحادات الطوائف غير العربية كاتحاد مالندي  ،وصحف كجريدة " المرشد " ومساجد كمسجد حمود بن أحمد البوسعيدي . وشخصيات غير عربية كالمستر م. قرشي وفدا حسين النهري وغير ذلك من الشخصيات اﻻعتبارية وﻻسيما شخصيات المراة التي حضرت بقوة في هذه القوائم مما يعني حضورها اﻻجتماعي ووعيها المبكر بقضايا التحرر الوطني وأمور السياسة وتضامنها مع القضايا العربية واﻹسﻻم  .

وما أثار انتباهي في تلك القوائم اسم المناضل الوطني  البحريني عبدالرحمن الباكر، الذي برز اسمه بجوار زوجته العمانية التي ابتنى بها في تلك المرحلة الزنجبارية، ومعروف عن الباكر أنه أقام في إفريقيا ردحاً من حياته (1946 _ 1948) وعُرف بموقفه الوطني المناهض  للاستعمار الذي أبان عنه بإسهاب كتابه المهم "من البحرين إلى المنفى: سانت هيلانه".

وغير بعيد عن هذه المقاﻻت العمانية، وقصائد الشعر والأعمدة والتحقيقات الإخبارية، وجدنا في طيات هذه الصحف إشارات إلى أسماء تشارك في الكفاح المسلح، وتنخرط في الجيوش العربية الأولى عندما حلت النكبة العربية الدهياء ، فتقدم أرواحها فداء لفلسطين الجريحة.

ولم تقتصر مشاركة العمانيين والعرب في نصرة القضية على خطابات ثقافية وهتافات شفوية، بل شارك أبناء عمان في كل بادرة تشجع نصرة القضية، فكانت قوائم التبرعات تمتلئ بها مخطوطاتهم الدفينة  وقد بلغت فيما تم نشره فقط قرابة 37581 شلنجا بقيمة الشلنج المالية في ذلك الوقت.
لقد وقع في نفسي ورود اسم الشيخ عبدالرحمن الباكر ضمن قوائم المتبرعين موقعاً بالغ الأهمية،  وأحاطني بهالة من اﻻستغراب، بل بدوّامة من الأسئلة عن مدى الترابط الخليجي، وعن وحدة الجذور والأرومة والمصير المشترك، والأهداف السامية المشتركة بين أبناء الخليج، ولم أخف أوج فخري بكون عمان،  بلدي العزيز، جذرٌ عميق ممتد لكل مناضل ومستنير منذ أقدم العصور. فهي الحاضنة والأم الرؤوم، والداعم لكل مشروع حضاري عربي طليعي  يخدم الإنسانية، ويدعم العروبة والإسلام.

فرحم الله الباكر، وأثاب أهل عمان والعرب الأسخياء الكرام البررة الذين ناصروا القضية الفلسطينية منذ بداياتها الأولى، وكانوا اليد الطولى الممتدة إليها كرماً وسنداً وإحاطة تهدف نصرة الإسلام والذود عن المسلمين.

آخر سلاطين زنجبار


منذر عبدالله الغربللي
الكويت في١٠إبريل٢٠١٧

السلطان جمشيد السلطان جمشيد بن عبدالله البوسعيدي.
من قبل 3 أسبابيع كنت أتصفح معلومات عن (سمرقند وزنجبار) وكانت من المعلومات التي تخطرفت أمامي هي عن آخر سلاطين زنجبار، والسلطان الحادي عشر في سلالة الأسرة التي جاءت من مسقط في القرن التاسع عشر لإقامة أول مُلك عُماني على ساحل أفريقيا الشرقية في المحيط الهندي.

يذكر المؤلف ناصر بن عبدالله الريامي صاحب كتاب "زنجبار شخصيات وأحداث والذي أجرى لقاء مع جلالة السلطان جمشيد في منزله بإنجلترا عام 2006م ، "انه في حدود الحادية عشر من صباح أول أيام سقوط نظام سلطنة زنجبار الذي صادف يوم الأحد 12 يناير 1964 خرج السلطان جمشيد من قصره المعروف بإسم (بيت الساحل) واتجه إلى ميناء زنجبار البحري الذي يبعد مسافة خمسمائة متر تقريبا، ومعه حاشيته وأسرته ، وركب سفينة (السلامة) دون أن يعلم وجهته تحديدا، بقدر ما كان يعلم بأن عليه الخروج من البلد فحسب، لينأى بنفسه وأسرته من مذبحة محققة" .

في هذه الأثناء، وفي تمام الساعة الحادية عشر صباحا تلقى السلطان جمشيد اتصالاً من مفوض الشرطة  يستأذن جلالته بأن يرسل له ضباطاً على رأس قوة مسلحة لإخراجه وأهله من القصر ومرافقته إلى الميناء البحري ، فخرج السلطان متهيئا لأسوأ الاحتمالات، وبيمينه بندقيته، يقود سيارته بنفسه مرفوع الهامة، ويصطحب معه زوجته وأبناءه ، وأما بقية عائلته وحاشيته رافقته كذلك بسيارات الشرطة إلى المرفأ، ليغادر السلطان قصره للأبد منكسراً ، محفوفا بعلامات التعجب والإستفهام يعتلي ظهر سفينة يودع من خلالها القصر الذي بناه جده الأكبر سعيد بن سلطان بعدما تعرض للخيانة حتى من أقرب الناس إليه كمرافقه الشخصي.

بعد ذلك انتقل السلطان جمشيد وعائلته من السفينة (سلامة) إلى السفينة المسماه ( السيد خليفة ) ليبحر حيث  المجهول إلى وجهة ليست في تلك اللحظات معلومة ، وحينما حاول السلطان التوجه إلى ممباسا تم منعه من النزول من قبل الإنقلابيين خشية حدوث  الاضطرابات ليتجه إلى دار السلام التي وافقت على استقبال السلطان وأتباعه بتدخل انجليزي، ووضع السلطان قيد الاقامة الجبرية في أحد المنازل بدار السلام لمدة 6 أيام، ليغادر بعدها بيوم تاريخي في 18 يناير من مطار دار السلام، وبحراسة أمنية مشددة إلى مطار نيروبي، ومنها إلى مطار بنغازي، ومن ليبيا أقلتهم الطائرة إلى انجلترا وتحديداً إلى مطار (مانشيستر)، وعن طريق القطار توجه السلطان جمشيد وعائلته إلى مدينة لندن، واستقر مؤقتاً هناك حتى قرر الرحيل والإستقرار النهائي في مدينة (بورتسماوث) بعد إلحاح من الشيخ سالم بن مسعود الريامي الذي كان يدرس هناك، فما كان من السلطان إلّا الإستجابة لطلب صديقه الحميم، فاشترى منزلاً متواضعاً في حي( فكتوريا جروف) في سوث سي ليستقر فيه حتى يومنا هذا.

ويعيش جمشيد حياة خاصة جداً مع أولاده وبقايا أفراد حاشيته التي لجأت معه من الذين لم يعودوا لا إلى زنجبار ولا إلى عُمان منذ أكثر من ربع قرن. وكان من شروط البريطانيين للسلطان جمشيد تسليم نفسه للسلطات البريطانية في زنجبار على متن السفينة " كينيا " إلى بريطانيا والتخلي عن العرش وعدم مقاومته للثورة، وعقدت بريطانيا اتفاقا شخصياُ معه بأن تدفع له معونة سنوياً 11 ألف جنية أسترليني ما دام مقيماً في بريطانيا، أما إذا ترك بريطانيا إلى بلد آخر ليقيم فيه فتدفع له مبلغاً مقطوعاً قدره 350 ألف جنية إسترليني، والتزم السلطان جمشيد بالاتفاق الأول حتى الآن.