Monday, January 11, 2016

أحمد بن النعمان الكعبي البحراني... سنوات زنجبار

 
جريدة الوسط
وسام السبع
 
العدد 3713 - الثلاثاء 06 نوفمبر 2012م الموافق 21 ذي الحجة 1433هـ
 
من بين الجمع غير المتجانس للطاقم العامل بالسفينة «سلطانه» التي غادرت ميناء زنجبار في أول رحلة عربية إلى الولايات المتحدة الأميركية العام 1840، وقف سيد عربي يحترمه الجميع ببشرته السمراء المصفرة وعينيه السوداوين الثاقبتين، كان قصيراً سميناً بعض الشيء وملتحياً. لف رأسه بعمامة ملونة فخمة عظيمة، أما حول خصره فقد ربط شالاً كشميرياً يشبه العمامة في بهجة الألوان الفاتحة، ولبس فوق الثوب الأبيض الطويل بشتاً جميلاًً أسود اللون (قفطان) مطرزاً بالذهب بجمال فائق عند الكتفين. يبدو أن هالة من الشرف الفطري قد تحلقت حوله.
كانت هذه الشخصية الآسرة هي أحمد بن النعمان الكعبي البحراني (ت 1867)، المبعوث الخاص للسيد سعيد بن سلطان (ت 1856) سلطان مسقط وزنجبار وتوابعهما، والذي بأمره أبحرت السفينة نصف المسافة حول العالم في بعثة «للتجارة وحسن النوايا».
ولد أحمد بن النعمان بن محسن بن عبدالله الكعبي في البصرة بالعراق العام 1789، وفيها تلقّى تعليمه الابتدائي في الدين الإسلامي بالطرق التقليدية. كان هذا القبطان والشخصية الادارية الفذة ينحدر من قبيلة بني كعب المعروفة التي تسكن في الخليج العربي، أما أمه فقد كانت فارسية حسبما يذكر هيرمان فريدريك ايلتس في كتابه «بعثة أحمد بن النعمان الى الولايات المتحدة».
يصمت التاريخ عن الادلاء بمعلومات كثيرة عن طفولة بن النعمان وبدايات حياته، حتى أن تاريخ ميلاده يكتنفه الغموض، فهناك من يرى أنه ولد بالبصرة سنة 1784 وجاء إلى البحرين ثم رحل إلى افريقيا، لكن شهادة لشاهد أهم هو الشيخ صالح الشيباني يؤكد فيها أنه ولد في العام 1790.
ورغم ان الكتابات تتفق على أنه وُلد في البصرة، فإن من الباحثين من يعدّه فارسياً مثل سلطان بن محمد القاسمي في كتابه «تقسيم الامبراطورية العمانية»، وهو اشتباه نستغربه من باحث بوزن القاسمي، فمن المعروف أن قبيلة الكعبي لها تواجد في الأحواز وعمان وعموم منطقة الخليج العربي.
ورد اسم أحمد بن نعمان الكعبي في الكثير من الكتب التاريخية، منها كتاب عمان وتاريخها البحري إضافة إلى العديد من المصادر العربية والأجنبية. ويذكر الشيخ عبدالله بن صالح الفارسي معلومات قيمة عن «الشيخ» أحمد بن النعمان في معرض حديثه عن وزراء السيد سعيد، ويذكر أنه تولى منصب وزير الخارجية ومنصب وزير التجارة بعد وفاة الشيخ حسن ابن ابراهيم. وأثناء توليه هذا المنصب زار كثيراً من الموانئ وجاب كثيراً من المحيطات، غير أن أطول رحلاته تلك قام بها الى الولايات المتحدة الأميركية كأول سفير عربي، وقد استغرقت الرحلة من زنجبار حتى العودة إليها نحو عشرة أشهر، وكان على علم تام بالمحيط الهندي والأطلسي والبحر الأبيض المتوسط. وكان يتكلم الانجليزية والفرنسية بطلاقة، كما كان محاسباً ماهراً، ولهذا قام بتقسيم تركة السيد سعيد عقب وفاته وتوزيعها بين أولاده وورثته.
شغل بن النعمان منصب السكرتير الخاص للسيد سعيد بن سلطان، الذي قلّده أمور التجارة وجعله مندوبه الخاص. وقد ظلّ أحمد بن نعمان بعد وفاة السلطان سعيد سكرتيراً خاصاً لخلفه السيد ماجد بن سعيد، وكان لعدد من السنين كاتم أسراره.
ويبدو أن شخصية أحمد بن النعمان تتميّز بخفة الظل مع تديّن أصيل، وتروى عنه مواقف طريفة خلال فترة إقامته في الولايات المتحدة الأميركية مع طاقم البعثة الزنجبارية، فقد كان أحمد يفتن مضيفيه الأميركيين بلباقته، وكان محدّثوه «مسرورين جداً من سذاجته وذكائه»، وقد سئل أحمد من بحسب ظنه اجمل النساء العربيات أم الأميركيات؟ فوقف من مجلسه بشهامة لكن بلطف لكي يدافع عن نساء بلده».
عاش أحمد بن النعمان في ماليندى كيوبندا، وفي 1861 بنى البيت الذي عرف باسم مأتم الشيعة، وهو بيت الشيخ أحمد بن النعمان نفسه، حيث كان زعيماً لقبائل الشيعة في شرق افريقيا قبل أن يتزعم «خان علي» صاحب المنطقة المعروفة باسم منطقة الخان (كواخاني).
ولعل من اللافت أن يخصص الشيخ سعيد بن علي المغيري أحد أبرز مؤرخي زنجبار المعاصرين جزءًا من كتابه «جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار»، فقرات من كتابه للحديث عن أخبار هذه الشخصية حصل عليها من الشيخ صالح بن علي الشيباني البحراني «وهو من مذهب الاثني عشرية الشيعة» كما يورد المغيري.
وهناك صورة فوتوغرافية متداولة لوقفية مأتم حسيني في زنجبار نحتت في العام 1925 تقول: «أوقفه الزعيم المكرم المرحوم القبطان الحاج أحمد بن النعمان الكعبي البحراني كاتب الدولة البوسعيدية ومعتمدها...». وكان هذا المأتم يقع في الطابق السفلي لمنزله الذي لايزال بنيانه موجوداً حتى اليوم، وكانت عائلة الكعبي تقيم في الطابق العلوي من المنزل، ومع الأسف بعد وفاة أسرته لم يعد لهم وجود بسبب رجوع معظم العمانيين إلى عمان عقب ثورة يناير/ كانون الثاني 1964 ضد السلطان جمشيد بن عبدالله، وقيام الحكم الجمهوري.
تواجدت في زنجبار جاليةٌ من الشيعة الإمامية، هم خليط من عرب الخليج ومنهم بالطبع بحارنة، وقد كشف لي رئيس تحرير مجلة «الموسم» التراثية محمد سعيد الطريحي أن تواجداً مهماً للبحارنة في زنجبار، فقد نجحت سياسة مؤسس الحكم العربي في زنجبار السيد سعيد التي تتسم بكثير من التسامح في جعلها مجتمعاً كوزموبوليتانياً متعدد الأديان والأعراق». وأكد أن الجالية البحرانية «تساهم بشكل كبير في تجارة البلد وصناعته، وهم ينعمون بالاستقرار ومندمجون بشكل كامل في المجتمع الزنجباري، ناهيك عن تمتعهم بالحريات الدينية الواسعة كغيرهم من الأقليات الدينية والمذهبية الأخرى».
جاء هذا التنوع الديني للبنية الديمغرافية والاجتماعية لزنجبار بفعل الشغف الشخصي للسلطان سعيد بن سلطان بالتجارة، فقد كانت التجارة تمثل شغله الشاغل، إذ ترك هذا الشغف تأثيره الكبير على شخصيته وسلوكه ورؤيته السياسية والاقتصادية في الشرق الافريقي، منذ أن انتقل من مسقط للإقامة الدائمة في زنجبار، إذ حرص على أن يصطحب معه كبار التجار العرب والهنود من طائفة البانيان Banyans للمساهمة في إنعاش الحركة الاقتصادية في زنجبار.
توفي بن النعمان في العام 1867 عن عمر ناهز الثمانين عاماً في عهد السيد ماجد بن سعيد (ت 1870)، ويوجد شاهدٌ بسيطٌ على قبره في زنجبار نُقشت عليه كتابات وبعض التواريخ. وقد نشرت مجلة «الموسم» في العدد 29 لسنة 1997م – 1417هـ، وصيته التي كتبها في 6 سبتمبر/ ايلول 1861، أي قبل وفاته بنحو 6 سنوات، وهي تطفح بعبارات تدل على تديّن أصيل، وعكست جوانب مهمة من شخصية الكعبي المتعددة الأبعاد.

No comments:

Post a Comment