Sunday, January 3, 2016

أول سفينة عربية تصل إلى نيويورك

السنة الثانية عشرة - العدد ( 126 ) - نوفمبر ( تشرين الثاني ) 2015
مجلة دبي الثقافية
 
 

أول سفينة عربية تصل إلى نيويورك

رحلة السفينة سلطانة

مهدت لعلاقات تاريخية عمانية عالمية

الاحتفاء بالأدباء والمبدعين ليس شعاراً فضفاضاً ولا كلاماً عاماً، بل عمل مؤسسات تعرف كيف توفر للشاعر والروائي والفنان التشكيلي ملاذات، تتيح له أن يتفرغ لبضعة أسابيع للإبداع لا يشغله عنه شيء. لذلك انشغلت مجموعة من المؤسسات الثقافية العمومية والخاصة بمختلف الدول الغربية، في توفير إقامات للأدباء والمبدعين يستقرون بها لمُدد تتراوح ما بين شهر وستة أشهر، للاعتكاف هناك من أجل الإبداع بعيداً عن مُنغّصات الحياة المعاصرة ومشاغلها التي لا تنتهي.

 

قام د. عبدالكريم جواد في العام (1993) بإخراج عرض مسرحي حمل عنوان «رحلة السفينة سلطانة» للكاتب المصري فاروق صالح، وقد تناول العرض الأحداث التي جرت فوق السفينة التي انطلقت من عمان «زنجبار»، حتى وصولها إلى نيويورك، في الثالث عشر من شهر أبريل لعام (1840) لتكون أول سفينة عربية تصل أمريكا، واليوم يتذكّر جواد أحداث المسرحية وشخصياتها ويقول إنّها «مازالت ماثلة أمام عيني رغم محاولاتي الدؤوبة للتحرر منها لصالح رؤية فنية مغايرة وجديدة لهذه الرحلة التاريخية المهمة».
جاء ذلك خلال ندوة أقامتها الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون مؤخراً حملت عنوان «رحلة السفينة سلطانة نحو فيلم توثيقي» لوضع رؤى مدروسة لفيلم يوثّق أحداث الرحلة بحضور مجموعة كبيرة من المختصين في هذا المجال، والباحثين، والدارسين والكتّاب والإعلاميين، ومخرجي الدراما والسينما من بينهم: الدكتور عز الدين المدني، والمخرج المصري محمد فاضل، والمخرج والمنتج السينمائي نضال شاتي، والمنتج والمخرج السينمائي حكيم بالعباس، والكاتب الدرامي من دولة الإمارات عبدالرحمن الصالح، ومن المملكة العربية السعودية الدكتور حسن محمد جابر، والباحثة الألمانية الدكتورة دلال مقاري باوش، والمخرج والمنتج السينمائي من تونس عادل عمار الكضاعي، والباحث الدكتور محمد السلمان من البحرين، والمخرج أنيس الحبيب، والمخرج أحمد الحضرمي، والمخرج محبوب موسى.
ولم يكن الدكتور عبدالكريم هو الوحيد الذي شغله موضوع الرحلة، فقد ألهمت «السفينة سلطانة» الكثير من الأدباء العمانيين كالكاتب محمد بن سيف الرحبي في روايته» السيد مرّ من هنا»، وأخبرني الدكتور خالد الزدجالي أنه انتهى من كتابة سيناريو فيلم روائي مستلهم من السفينة «سلطانة»، لذا فمساعي الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون لإنتاج فيلم توثيقي للرحلة، جاءت تتويجاً لما سبق، فالرحلة تكتسب كما يقول معالي الدكتور عبدالله الحراصي رئيس الهيئة «أهميّة كبيرة على مستوى العلاقات العربية الأمريكية ،والتاريخ العماني والمستويات السياسية الثقافية، وعلى مستوى وتعزيز قيمة التواصل العماني مع الآخر والعلاقة هي علاقة تبادل منافع».
من أعمال الندوة
من أعمال الندوة
السفينة سلطانة ألهمت الكثير من الأدباء والفنانين العمانيين
والحكاية تعود بنا إلى أحداث تاريخية جرت بعد أن تولّى السيد سعيد بن سلطان (1807-1856م) حكم الإمبراطورية العمانية، إذ قام بتنشيط التجارة مع العالم، مستكملاً مسيرة الرحلات العمانية من بحر الصين إلى الأطلنطي، ولتحقيق هذا الغرض بنى أسطولاً بحرياً كبيراً، كانت له إلى جانب العلاقات الدبلوماسيّة، استخدامات تجاريّة في أنشطتها الملاحية مع موانئ شرق أفريقيا جنوباً، ومع حواضر الخليج العربي، وصولاً إلى الهند وجنوب شرق آسيا حتى الصين؛ وتعزيزاً لتلك المكانة امتدت أنظار السيد سعيد ابن سلطان إلى أمريكا، فأقام علاقة معها، فبعث سفيراً له هو أحمد بن نعمان الكعبي، على متن سفينة حملت اسم (سلطانة) أو (سلطاني) كما يشير عدد من المصادر، فوصلت ميناء نيويورك، يقول معالي الدكتور عبدالله الحراصي رئيس الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون «مرحلة السيد سعيد بن سلطان هي من المراحل الزاهية في التاريخ الحديث، وشهدت الكثير من معالم الحراك التاريخي العماني على المستويات التجارية والسياسية والاجتماعية، والتواصل الدولي بين عمان والقوى العظمى آنئذ»
الندوة تسبر أغوار التاريخ البحري العماني
ويرى الدكتور عبدالكريم جواد، عضو اللجنة المنظمة، أن الرحلة عكست «التمازج العماني العالمي، فقد امتازت رحلة السفينة سلطانة ببعدها الثقافي العالمي، وكأنها هيئة أمم متحركة، فبالإضافة إلى السفير رئيس البعثة والبحارة العمانيين العرب، والربان الإنجليزي، والمرأتين الإنجليزيتين، كان على ظهر السفينة بحارة هنود وآخرون أفارقة، وفرنسيان، والطاهي البرتغالي – جون – الذي اتصف بصفات شخصية ذات بعد درامي معطاء كونه اتصف بالخسة والدناءة والجشع واللصوصية كما يذكر إيلتس، وفي رحلة العودة انضم للرحلة بحارة وقبطان من الأمريكيين، إن هذا التمازج والتلاقي الثقافي على ظهر السفينة يعكس دلالة حضارية مهمة لعهد السيد سعيد بن سلطان فضلاً عن كونه مادة خصبة للدراما»
سلطانة تمخر عباب البحر
سلطانة تمخر عباب البحر
هذا التمازج هو أهمّ ما لفت نظر المخرج خالد الزدجالي، إذ اشتغل على هذه الثيمة ليؤكّد انفتاح العمانيين على الآخر، إلى جانب الأبعاد الدرامية للرحلة التي لها قيمة سياسيّة، إذ يرى الدكتور إبراهيم البوسعيدي أنّها «مهدت لعلاقات تاريخية وطيدة بين عمان وأمريكا، تعتبر الأقدم من نوعها على مستوى الدول العربية، وترتب على رحلة السفينة سلطانة العديد من النتائج الإيجابية على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، وكتبت حولها بعض الكتابات التي تشير إلى أهمية تلك الرحلة، ودورها في الربط بين الشعبين وتقوية الجوانب السياسية والاقتصادية، ومن ضمن تلك المؤلفات «بعثة أحمد بن النعمان إلى الولايات المتحدة في عام 1840م» لهرمان فريدريك إيلتس والذي نشر عام (2008م)، وكتيب «سلطانة في نيويورك» أولى رحلات الأسطول العماني لأمريكا عام (1840م)».
دللت على مراحل زاهية من التاريخ العماني تجارياً وسياسياً وثقافياً
وقد خرجت الندوة بعدد من التوصيات، أهمها تكليف باحثين مختصين بالبحث والتقصي عن الاسم الحقيقي للسفينة، وفق ما ورد في المصادر الأولى والصحف والكتب الأجنبية والعربية حيث ما وجدت، وتكليف مختصين لإعداد تصور شامل ونهائي لإنتاج عمل درامي أو وثائقي، عن رحلة السفينة سلطانة أو سلطاني إلى نيويورك على مستوى عالمي وما يليق بمكانة الرحلة ودلالاتها. وتوثيق فترة حكم السيد سعيد ابن سلطان، وسيرته وملامح عصره وذلك بتكليف باحثين مختصين في هذا الجانب، وإعداد كتاب موسوعي يوثق سيرة السفينة إلى نيويورك بالوثائق والصور وباللغتين العربية والإنجليزية، ونشر الوعي لدى النشء الجديد في المناهج الدراسية والإعلامية، عن فترة حكم السيد سعيد بن سلطان والأحداث التاريخية التي صاحبت فترة حكمه، ولا سيما إنتاج فيلم رسوم متحركة عن رحلة السفينة، مع الاستفادة من خبرات البحارة والعاملين على السفن في توثيق التقاليد البحرية، ومنها ما قامت به البحرية السلطانية العمانية، والبحارة العمانيون عبر التاريخ.
يقول الكاتب سليمان بن عمير المحذوري «إنّ إقامة الندوة فتح الباب على مصراعيه لسبر أغوار التاريخ البحري العُماني الزاخر بأحداث مماثلة، ورحلات لسفن عُمانية جابت البحار شرقاً وغرباً في مختلف الحقب التاريخية».
 
http://dubai-althakafiya.com/%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%81%D9%8A%D9%86%D8%A9-%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%86%D8%A9/

No comments:

Post a Comment