Sunday, September 27, 2015

زنجبار أرضاً وشعباً: خلفية تاريخية عن زنجبار

د. يونس عبدلى موسى يحيى

توطئة:زنجبار تُعتبر أرض الحضارات والرقي في منطقة شرق إفريقيا، حيث كانت عصمة لها بدءً بموزنبيق مروراً بممباسا ووصولاً إلي مقديشو كما أشرنا ذلك في الحلقة الأولى؛ وأنها وصلت من الرقي والتقدم ما لم تصل إليه أوروبا وبريطانيا وأمريكا، خلال عصر الاستكشافات،كانت الإمبراطورية البرتغالية أولي قوة أوربية تمكّنت من السيطرة على زنجبار وبقيت تحت سيطرتها 200 عام، ثم وقعت تحت نفوذ سلطنة عمان عام 1698م والتي طورت نظام التجارة والاقتصاد والمحاصيل وتحسين المزارع لزراعة التوابل والقرنفل والثوم، حتى أُعطي لقبا مجازيا وهو جُزر التوابل، لينافس جزر الملوك المستعمرة الهولندية باندونيسيا، وكان ولها تجارة أخرى مثل عاج الفيل والتي تُقتل في بر أفريقيا، كما طورت سفنها التجارية والحربية، لنموّ اقتصادها وقدرتها العسكرية.
أن العلاقات بين إفريقيا والعرب أقدم من صلات الأوربيين بالقارة عموما حيث تشير العديد من المصادر التاريخية للوصول العربي المبكر إلي هذه المنطقة.
اُنظر حجم هذه السفينة وعصريتها المتطورة حيث تحمل عشرات آلاف من الأطنان، من قمح وسكر ودقيق وغيرها علما بأن هذه الباخرة كانت في القرن الخامس عشر، وتؤجر شركات غربية وشرقية، وتكشف أين وصل عقلية المسلمين وتقدمهم في الفن والحرف والصناعة.

أولا:الموقع والمساحة واللغة والاستغلال:

(1) مفهوم زنجبار:

اسم يُطلق على مجموعة جزر واقعة بالمحيط الهندي تابعة لتنزانيا في شرق أفريقيا وتبتعد عن الساحل المسمى تنجانيقا 35(Tanganyika كلم2 و 118 ميلا عن جنوب ممباسا -كينيا و 29 ميلا عن شمالي دار السلام, و750 ميلا عن مدغشقر و 500 ميلا عن جزر القمر.
وتتمتع بسلطة ذاتية واسعة، إن الجزر الرئيسية التي تتشكل منها زنجبار هي أُنغوجا(Unguja) وتبلغ مساحتها 1464 كم2 وبيمبا(Pemba) تبلغ مساحتها 864كم2 وهناك جزر أخرى يصل تعدادها إلي أكثر من أربعين مأهولة وغير مأهولة[1].
كانت زنجبار مأهولة منذ العصر الحجري. فقد وجد كهف يحتوي على آثار صغيرة لأدوات أظهرت بأن الإنسان سكن الجزيرة منذ 20,000 سنة Sinclair، وتلك الأدوات كانت معروفة حتى العصر الحجري المتأخر وأن الاكتشافات الأثرية للكهف الجيري بواسطة تقنية الكربون المشع أظهرت وجود فترة استيطان حديثة منذ حوالي 2800 قبل الميلاد ،وقد وجد من بين آثار تلك المجتمعات قلائد زجاجية آتية من جميع أرجاء المحيط الهندي، وهو اعتقاد بوجود شبكات قديمة للتجارة عبر المحيط.
عرف العرب شرق إفريقيا قبل الإسلام عامة وزنجبار بصفة خاصة حيث اكتشف بعض الآثار التي توضح وجود العرب في هذه المنطقة في القرن الرابع الهجري[2].

(2) الاستقلال:

حصلت زنجبار على استقلالها من بريطانيا عام 1963 وبعد شهر قامت ثورة زنجبار الدموية، حيث قتل الآلاف من العرب والهنود ، و طرد آلاف آخرين وصودرت ممتلكاتهم ، وقاد ذلك إلى إعلان عن جمهورية زنجبار وبمبا، التي اتحدت بعدها بفترة قصيرة مع تنجانيقا، والتي كونت فيما بعد ما يُسمى تنزانيا الاتحادية ، وإن استمرت زنجبار كمنطقة ذات حكم ذاتي. وقد ظهرت زنجبار بالوقت الحالي في الأخبار العالمية من خلال مذابح أهاليها المسلمين عام 2005 التي أعقبت الانتخابات المتنازع عليها خاصة الجزيرة الخضراء[3].

(3) اللغة:

اللغة السائدة في زنجبار هي اللغة السواحلية[4]، وهي مزيج من لغات افريقيّة قديمة واللغة العربية، ويقدّر بعض علماء اللغة أن 55 % من ألفاظ اللغة السواحلية من أصل عربي. وأن الألفاظ العربية التي نفهمها من اللغة كثيرة، مثل ووزارة (Wizara)، وكيل Wakala المرحوم Mrehemu حشمة( Hishima) ظلم (Thulmaa)وهي نُطق مُحرَّف للكلمة أو الجملة وهكذا ، وعلى الرغم من ذلك فما زالت اللغة العربية موجودة في الساحة العامة ، وتمثل 55%[5].

(4) عدد السكان:

حسب التعداد السكاني الرسمي لعام 2007م بلغ حوالي 1,500,000 بما فيه الذين يعيشُون في دول المهجر[6]. ويشكل المسلمون نسبة (98%) تتكون من أصول عربية وساحلية تعود إلى عمان وفارس والهند وباكستان، وأن الأفارقة يشكلون منها 80%، و14% عرب، و2% هنود وباكستانيون و4% أجناس أخري.
كان السكان يتحدثون بالعربية كلغة رسمية في العهد العماني كما كان أغلب الدول المسلمة غير العربية، والآن أصبحت لغة زنجبار هي السواحلية رسمياً بجانب اللغة الإنجليزية التي خلّفها الاحتلال البريطاني.
خريطة زنجبار: تُشير الخريطة الجزيرتين الكبيرتين اللتين تتكون منهما زنجبار أُنغوجا وبيمبا، وهناك عدد من الجزر الأخرى كما أشرنا إليه.
تنقسم زنجبار إلي خمسة أقاليم وهي: (1)شمال أُنغوجا، (2) وجنوب أُنغوجا، (3) وشمال بيمبا، (4) وجنوب بيمبا، (5) وغرب أُنغوجا وهي العاصمة، وفي كل إقليم محافظتان.

ثانيا:خلفية تاريخية عن زنجبار ووصول الإسلام إليها:

(1) وصول الإسلام:

وصل الإسلام إلى زنجبار عن طريق الهجرات العربية والشِيرازية إلى شرق أفريقيا في النصف الأخير من القرن الأول الهجري، ومن أوائل الهجرات العربية هجرة من قبيلة الأزد في سنة 95 هـ وأكثر العرب المهاجرين إلى هذه الجزيرة هم العُمانيون في زمن سعيد بن سلطان خُصوصاً قبيلة الحارثي[7].
وبالتحديد في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان الأموي قام الحجاج بن يوسف الثقفي بمحاولة ضم عُمان إلى الدولة الأُموية ، وكان يحكمها حينذاك سُليمان وسعيد أبنا عبد الجلندي وهُما من أعظم سلاطين عمان، وقد امتنعا عن الحجاج، فأرسل إلى عُمان جيشاً جراراً لا حول لهما به فآثراْ السلامة وحملا ذراريهِما وخرجا بمن تبعهُما من قومهما فلحقُوا جميعا بأرض الزنج في شرق أفريقيا وقد تكون تلك الأرض هي زنجبار الآن[8].
وفي القرن العاشر الميلادي بدأ التخطيط العمراني المصاحب بإدخال المواد الحجرية في صناعة البناء بساحل إفريقيا الشرقي، وفي أواخر القرن أل11 وأوائل القرن ال12 بدأ التجار بالاستقرار كمجموعات صغيرة في زنجبار وتزاوجوا من سُكانها الأفارقة، ثم حكموها حكما وراثياً، والتي برزت في جزيرة هاديمو، وهناك الشاه وهو أقل سلطة في تومباتو.
كانت كلا من زنجبار والجزيرة الخضراء وممباسا وكِلوة وجزر القمر في العهود السابقة للاستعمار الغربي رقعة جغرافية وسياسية واحدة، فبداية الحكم الإسلامي في زنجبار خصوصاً والشرق الإفريقي عُموما بدأت مع بداية الهجرة الجماعية إليها، حيث اشترى السلطان حسن بن علي الشيرازي جزيرة كِلوه من حاكمها الوثني وامتلكها مع أولاده، وكان أوّل من ملك البلاد منهم السلطان علي بن الحسين بن علي، وذلك في أواسط القرن الثالث الهجري وولى ولده مُحمد بن علي على ممباسا، وبعد اضطراب الأُمور وحُدوث الفتن خرج بعض ذرية السلطان علي بن الحسين من كِلوة إلى زنجبار لطلب النصرة من سُلطانها كما أن صاحب “السلوة” ذكر أن السُلطان سعيد بن سُلطان، سلطان كِلوة (وليس المراد هنا السلطان سعيد البوسعيدي) حين قام مُنازعاً في المُلك ، فلما لم يكن له طائل، ترجح له أن يخرج من البلاد مُهاجراً إلى زنجبار لطلب النُصرة على سُلطانها، فلما وصل إلي زنجبار وجد السُلطان فيها هو السُلطان حسن بن السُلطان بن بكر، فطلب منه النُصرة على كلِوة فوعده بذلك[9].
ويبدُو أن هذه الجزر الواقعة في شرق إفريقيا كانت عبارة عن سُلطنات إسلامية على رأس كل سُلطنة سلطان. ولكن الحال واحدة حيث دبت الخلافات وشبت الحُروب بين الإخوة وأبناء الملة الواحدة والذي يُؤكد هذا الكلام أن المسعودي رحمهُ الله قال في مروجه أثناء الكلام عن هذه الجزر الواقعة في بلاد الزنج من المحيط الهندي “أن حكامها كانوا مسلمين” وذلك كان في القرن الرابع الهجري، ولكن رغم ذلك فقد شهدت هذه الدُول وهذه السلطنات تطوراً حضارياً في مجالات عدّة على ذات النسق الذي كانت تعيشهُ المدن العربية ومُدن الخليج العربي كما يُحدثنا سبنسر ترمنجهام عن ذلك التأثر الحضاري في شرق إفريقيا عُموماً وزنجبار خُصوصاً بالحضارة الإسلامية فيقول: “وكان الارتباط بحضارات الدُول التي جاء منها المستوطنُون الأوائل قوياً شديداً فعمل الشعب الجديد على تقليد حياة مُدن جنوب الجزيرة العربية ومدن الخليج العربي”[10].
ويقول المؤرخ الأمير شكيب أرسلان في كتابة حاضر العالم الإسلامي:” إن العرب العُمانيين قد تملكُوا الجزر والسواحل في شرق إفريقيا، كانت زنجبار تخضع لسلطنة عُمان سواء في عهد السلاطين اليعاربة أو سلاطين آل بوسعيد. وكانت السلطة العمانية تمتد إلى ممباسا وماليندي(كينيا) ومقديشو (الصومال)وأسمرة(إرتريا) وبعض المدن في وسط إفريقيا وقد ظلت سيطرة العمانيين على زنجبار وساحل شرق إفريقيا حوالي ألف عام ولم تنقطع السيطرة العُمانية عن تلك المناطق إلا لفترات قصيرة بسبب رحلات الاستكشاف البُرتغالية التي أعقبها الاستعمار البُرتغالي نفسه فانتزعوها منهم عام 1503م وبقيت في أيديهم إلى أن طرد الإمام سُلطان بن سيف البُرتغاليين من عمان ومن ساحل شرق أفريقيا”.
أدى تواجد العرب والمسلمين من عمان وبلاد فارس إلى ازدهار الجزيرة وجعلها ميناء للتجارة بأنواع مختلفة من البضائع، كما تمتعت بعلاقات وثيقة مع الصين والهند وأوروبا، يعتمدون في حياتهم على ما يصطادون من البحر وعلى ما يبيعونه في الأسواق المجاورة، جذبت روائع زنجبار العديد من الرحالة المعروفين، والذين كان من بينهم الرحالة المغربي ابن بطُوطة، وقد تحدثُوا جميعا عن ميناء زنجبار المزدحم. ويؤيد ذلك مسجد كيزمكازي.
ميناء زنجبار عام 1920، يوضح جلياً الازدهار الذي وصلت إليه زنجبار في ذلك الوقت.
يُعرف الجامع محليا أيضا باسم مسجد شيرازي ديمباني وهو يقع بالقرب من قرية كيزمكازي جنوب الجزيرة وذلك حوالي 500 هـ/ 1107 م وهو أقدم مسجد بنصف الكرة الجنوبي وقد بناه اليمنيون، ومع هذا ما زالت بنيته صلبة قوية، تزين جدران المسجد الأمامية ومحرابه عبارات من القرآن الكريم بالخط الكوفي[11]، وتذكر بعض الروايات تم بناؤه من رجال دين شيرازيين.
(2) حكم البرتغاليين:
كان قدوم المستكشف البرتغالي “فاسكو دا جاما” إلى المنطقة عام 1497م بداية النفوذ الأوروبي على المنطقة، فقد قدم إلى المنطقة بعد مُحاولات داياز وداكو المشجعة فعبر رأس الرجاء الصالح مُبحراً إلى الهند ومُبقِياً سُفنه قريبة من ساحل شرق إفريقيا، وقد مر على زنجبار وتوقف في ممباسا حيث اُستقبل استقبالاً عدائياً من السلطان، ولكنه استقبل بحفاوة في مالندي، ومن قبل الأعداء التقليديين في ٍممباسا، مما مكنه من تكوين صداقة قوية على طول ساحل مالندي وبنى نصب تذكاري بها، وتعاقد مع الدليل العربي أحمد بن ماجد والذي استطاع بخبرته في الرياح الموسمية بعُبور المحيط الهندي وأن يصل بالحملة إلى كاليكوت (ما يعرف اليوم بكوزيكود) في جنوب غرب الهند. وقد رسي ليوم واحد في أنغوجا-عاصمة زنجبار الحالي- عند عودته من الهند قافلا إلى البرتغال عام 1499م[12].
وقد توالى قدوم المستكشفين إلى المنطقة مع بداية القرن السادس عشر وسجلُوا عن المظاهر الحضارية التي تتميز بها زنجبار خُصوصاً وشرق إفريقيا عُموما، فقد قال الرّحالة البرتغالي “دوراراث ‏باربوسا” واصفاً المنطقة قبل مجيء الاستعمار:”ما إن وصلت سفن فاسكودي جاما” إلى سفالة حتى فوجئت بما لم أكن ‏أتوقعه فقد وجدنا موانئ تطن كخلايا النحل ومُدناً ساحلية عامرة بالناس وعالماً تجارياً ‏أوسع من عالمنا كما وجدنا من البحارة العرب رجالاً عبروا المحيط الهندي ويعرفون ‏دقائق مرافئه وسجلُوا هذه الدقائق في خرائط مُتقنة لا تقل فائدة عما كانت تعلمه أوروبا[13].
وقد قرر البرتغاليون احتلالها بعدها بأربعة أعوام، استفادُوا من جميع الصداقات التي بنوها هنا بمجرد وصولهم أُنغوجا عام 1503م.
فما أن حطت سُفنهم جنوب الجزيرة حتى أسرُوا 20 سفينة شراعية سواحلية وقتلُوا 35 من بحارة تلك السُفن، ثم أجبروا “معيني مكو” وهو سُلطان الجزيرة على الخُضوع لحكم البُرتغاليين، والسماح لسفنهم في العُبور خلال الجزيرة وطلبُوا منه أن يدفع للتاج البرتغالي ضريبة سنوية، فأضحت جزء من الإمبراطورية البرتغالية في أغسطس 1505 عندما هاجم الأسطول البرتغالي بقيادة فرانسيسكو مُمباسا، ثم بمبا 1506.
وفي عام 1510 تم إسقاط ضريبة أُنغوجا وثار أهالي بيمبا على البرتغاليين، فبدأ نهب وحرق قُرى في أُنغوجا وبيمبا، ثم استعاد البرتغاليون سيطرتهم على تلك الجزيرتين، وما أن مر عام 1525 حتى تم السيطرة على معظم ساحل إفريقيا الشرقي ابتداءً من جزيرة لامو بكينيا حتى سفالة[14].

(3) عودة العمانيين إليها:

اليعاربة:أرسل الإمام سُلطان بن سيف الأول السفن العُمانية أمام سواحل إفريقيا الشرقية أعوام 1650, 1652, 1655م وذلك لمهاجمة الحاميات البُرتغالية في زنجبار وبيمبا فدمرتها وقتلت عدداً من البُرتغاليين واستولى المهاجمون على زنجبار وبمبا 1652م، كما حاصر ممباسا ما يقرب خمس سنوات، وتمكن بعد حصارها الذي استمر من عام 1696 إلى عام 1698م من هزيمة البرتغاليين وطردهم من المدن والجزر على الساحل الشرقي لإفريقيا وتعيين ناصر بن عبد الله حاكماً على ممباسا، وهكذا امتدت السيادة العُمانية في شرق إفريقيا من رأس دلجاو جُنوباً حتى مقديشو شمالاً[15]، وأسسوا الحاميات في زنجبار وبيمبا وكِلوة. وبالرغم من الانتصارات التي حققها الإمام سُلطان بن سيف في زنجبار، إلا أن الجلاء البُرتغالي لم يتم إلا في عهد الإمام سيف بن سلطان الذي وضع حجر الأساس لبحرية عُمان الشهيرة التي سيطرت على جميع الساحل الإفريقي الشرقي من ممباسا إلى كِلوه إذ سيطر العُمانيون على ممباسا(1110هـ/1698م) وسيطروا على بيمبا وزنجبار وباتي وكِلوة، وكانت موزنبيق هي الوحيدة التي قاومت الأسطول العربي العُماني وبقيت علي أيدي البُرتغاليين إلى القرن العشرين، وقد حاول البُرتغاليون استعادة مراكزهم البحرية الضائعة وقاموا بهُجوم مُوحد على زنجبار ومسقط في آن واحد عام (1142هـ/1729م) ولكنهم أُصيبوا بهزيمة نكراء، وبذلك انهارت آمال البرتغال في استعادة سيادتها على الخليج والمحيط الهندي، وامتد نفوذ عُمان من جنوب الجزيرة العربية وسواحل شرقي إفريقيا في الغرب إلى سواحل وادي السند في الشرق[16].
وكانت ممباسا مقر الوُلاة وكان الأئمة اليعاربة في عُمان يُرسلُون ولاتهم إليها وإلى غيرها من بلاد شرق إفريقيا ولما ضعُفت قوة اليعاربة في عُمان عرض الإمام سيف بن سُلطان الثاني على المزاريع ولاية ممباسا على أن يدفعُوا له شيئاً معلوماً كُل سنة وهكذا صار الشيخ المزروعي يحكم ممباسا وزنجبار وملحقاتها سنة 1163هـ. وفي أثناء ولاية الشيخ محمد بن عُثمان انتقلت الإمامة من اليعاربة إلى الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي فانتهز الوالي المزروعي الفرصة وأراد أن يستقل بملك ممباسا وملحقاتها وامتنع عن دفع الضريبة المفرُوضة فقام أحمد بن سعيد بمهاجمة المزاريع والقضاء التام عليهم وخضعت ممباسا وملحقاتها وزنجبار وبيمبا للحكم البوسعيدي في عمان.

ثالثا: التنصير المنظم:

هذه الحركات التنصيرية لم تكن وليدة العقد الأخير فقط، بل مهدت لها الثورة الدّموية، التي وقعت في البلاد في العام 1965، كمحاولة لإسقاط الحُكم العربي بها، حتى بدأت مخالب التنصير تتوغل في أوصال العقل المُسلم، والفقر يسري في أجساد السُكان العرب، وكان من نتيجة ذلك أن تمت السيطرة على ثروات البلاد، وترافق مع ذلك كله مُحاولات لنشر اللغة الإنجليزية في الخفاء وتدريسها لأبناء العرب والمسلمين وتشجيع الطُلاب على التحدث بها، ما جعل جيل العرب يصفون هذه الفترة وتداعياتها إلى اليوم بأنها حقبة استعمارية سوداء، استهدفت محو هويتهم، ومسخ ثقافتهم الدينية والتاريخية وهذا الصراع كان مُخططاً في منطقة شرق إفريقيا كما أشرنا في الحلقة الأولي من هذا المقال .ويؤكد ذلك المؤرخ البريطاني الشهير أرنولد قائلا:”إن مصطلح الحروب الصليبية يُطلق عادة على تلك الحملات العسكرية الغربية التي خرجت من أُوروبا الغربية بتحريض من البابا وبركته لتحقيق إنشاء مملكة مسيحية في بيت المقدس أو لدعمها، أما في شرق إفريقيا فيُمكن أن تسمي هذه الحروب حروبا صليبية؛ لأن المحاربين المشتركين فيها حسبوا عن شعور وقصد أنهم يُحاربون لمدّ حُدود المسيحية أو الذود عن حياضها”[17].
ولذلك فإن محاولات محو الهوية العربية والإسلامية تسير على نطاق واسع في هذه البلاد، للدرجة التي جعلت البعض من الأفارقة بها يفر من العرب والمسلمين، فضلا عما يساندهم من محاولات تطهير عرقي تتبعها حكومة تنزانيا[18]، وهو ما كان نتيجته أن خلت الحكومة القائمة من أي تمثيل عربي، في الوقت الذي تمتعت فيه جميع الأعراق في البلاد بهذا التمثيل.
وكان من تداعيات ذلك مسخ الهوية، ومحو التأريخ العربي والإسلامي في زنجبار، حيث تم إطلاق اسم “زنزبار” على البلاد، بعدما كانت معروفة لأهلها وغيرهم باسم زنجبار.
ولم يتحرك العالم العربي والإسلامي ومنظماته مؤسساته التعليمية المختلفة لنصرة سُكان هذه البلاد من المسلمين والعرب، التي امتد الحكم العربي والإسلامي فيها من الصومال إلى موزنبيق.

رابعا: الثورة الزنجبارية:

إن المخطط الانقلابي هو:أماني كرومي الذي حكم البلاد 12 يونيو (1964- 7 أبريل 1972) وهو أول رئيس لزنجبار، نال هذا اللقب بعيد ثورته التي قادها لإنهاء السلطنة الزنجبارية في يناير 1964، وبعدها بثلاثة أشهر أقام وحدة مع تنجانيقا جمهورية تنزانيا ليصبح أول نائب رئيس جمهورية تنزانيا المتحدة بجانب الرئيس جوليوس نيريري التنجانيقي.
ادعى كرومى أنه ولد في قرية مويرا[19] سنة 1905، وتلقى القليل من التعليم الرسمي ثم عمل كبحار قبل دخوله معترك السياسة، ثم غادر زنجبار في سنوات حياته الأولى متنقلاً بين عدة أماكن في العالم حتى وصوله لندن حيث اكتسب فهماً في الجغرافيا السياسية والشُئون الدولية خلال لقاءاته مع المفكرين الأفارقة مثل” كاموزو باندا” من المالاوي. وقد طوّر كرومى قُدرته للسيطرة خلال توسع الحزب الافروشيرازي asp وتقوية علاقاته مع حزب تانو التنجانيقي.
وقد تأسس هذا الحزب عام 1957م وهو حزب غالبية أعضائه من البر الإفريقي- أي تنزانيا-مجهول الهوية والجمعية الشيرازية والتي كانت تمثل السكان الأصليين لم يمثلوا منه إلا قليلا.
بعد فوز حزب زنجبار الوطني وشريكه الأصغر حزب شعب زنجبار وبيمبا الانتخابات بتاريخ 10 ديسمبر 1963 منحت المملكة المتحدة الاستقلال التام لزنجبار، وجعلت نظام الحكم فيها ملكي دستوري. وقد أعطت نتائج الانتخابات الحزب الوطني أن يهيمن على الحُكم، ومع أن حزب كرومي الافروشيرازي asp نال أغلبية ضئيلة من إجمالي الأصوات، وقد كان كرومي على استعداد للعمل ضمن الإطار الانتخابي للحكومة الجديدة، ولكن في الواقع كان قد ابلغ الضابط البريطاني بنيته القيام بثورة في شهر يناير[20].

رابعا: ضياع زنجبار:

حتّى صباح يوم السبت 11 كانون الثاني عام 1964م، كانت زنجبار جزيرة عربية مستقلة، يحكمها السلطان جمشيد بن عبد الله بوسعيد، أحد أحفاد السلطان سعيد بن سلطان. وفي مساء السبت عاد الناس إلى بيوتهم، والهدوء يلفّ الجزيرة، ومرّت الساعات الأولى من الليل رطبةً شتائية، وبعد منتصف الليل شقّ هُدوءَ الجزيرة صوتُ رصاص، ولم يستمر كثيراً، وقد ظنّ الذين لم يكُونوا قد استسلموا للنوم أن جندياً طائشاً أطلق بعض طلقات من بندقيته، وكلما مضى من الليل وقت ازداد الجو رطوبة وبرودة وثقلاً، وما هي إلاّ ساعة بعد انتصاف الليل حتّى اجتاحت الأحياء والدور فرق من الجنود، فنهبوا البيوت، وشرعوا في قتل السكان واستباحوا النساء، وسقط ما يزيد على عشرين ألف قتيل، وفي رواية أخرى قد بلغ عدد القتلى خمسين ألفاً.
فقد كانت طلقات الرصاص عملية اجتياح لمراكز الشرطة والاستيلاء عليها من قبل الجنود ذوي الأصول الإفريقية، وعملية حصار لمقر الحكم، انقلاب دموي كامل تمّ معظمه بالسلاح الأبيض من أكثر الانقلابات وحشيّة في القرن العشرين!
ولا تكفي وقائع الانقلاب لِتُقدّم لنا إجابة عن أسباب ضياع زنجبار، والتساؤل عن الأسباب سوف يدفعنا إلى الإبحار قليلاً في بحار السياسة والتاريخ، اغتيل كرومي في أبريل 1972 بمدينة زنجبار، قتله أربعة رجال مسلحين عندما كان يلعب لعبة الباو ‏‏ في مقر الحزب الافروشيرازي ASP[21]، فاقتص من أشخاص كان يشتبه بهم أنهم من معارضي نظام كرومي[22].
ثم تعاقبت رئاسة البلد كل من:
(1) عبود جيمبي مؤني 7 ابريل 1972- 27 يناير 1984م.
(2) علي حسن مؤني 31 يناير 1984- 17 أكتوبر 1985م، ثم أصبح رئيسا لتنزانيا لمدة عشر سنوات، وفي فترة حكمه اعتبر العصر الذهبي لتنزانيا.
(3) إدريس عبد وكيل 17 أكتوبر 1985-25 أكتوبر 1990م رحمه الله
(4) د. سالم عمور جمعة 25 أكتوبر 1990- 8 نوفمبر 2000م.
(5) أماني عبيد كرومي 8 نوفمبر 2000م- 3 نوفمبر 2010م.ومما يجدر بالإشارة أن في نهاية حكمه سعي لتوحيد الأحزاب حيث أمر بكتابة دستور جديد للبلد وفي يوليو 31 2010م اجري عليه الاستفتاء وكانت النتيجة تأييد الاقتراح66.4% حتى يتسنى للأحزاب المتنافسة بتشكيل حكومات إتلافية وعلى هذا تم اختيار الرئيس الحالي (CCM) ونائبه من الجبهة الوطنية المتحدة.
(6) د. علي محمد شين8 نوفمبر 2010م إلي كتابة هذه المقالة.

الحلقة الخامسة سنتحدث – إن شاء الله- عن واقع زنجبار الحالي مركّزين علي جانب التعليم.
---------------- هوامش -----------------------
  1. عيسى زيدي، “أثر منهج التربية الإسلامية على طلاب المرحلة الثانوية في زنجبار”، ص: 10، رسالة دكتوراه غير منشور جامعة إفريقيا العالمية عام 2005م.، [↩]
  2. ناصر حمد، “أداء إدارتي الأوقاف والإفتاء في زنجبار”، ص: 21، رسالة دكتوراه غير منشور في جامعة إفريقيا العالمية عام 2011م. [↩]
  3. وقد فر آلاف منهم إلي ممباسا والصومال. – راجع المصدرين السابقين. [↩]
  4. وهي لغة الدواوين الرسمية للدولة. [↩]
  5. وتدرس في المعاهد المتوسطة والثانوية العليا والكليات. [↩]
  6. Population and social statistics Zanzibar pg:10 [↩]
  7. ويري بعض المؤرخين أن جماعة مسلمة وصلت إلي زنجبار في عام 83هـ الموافق 702م أنظر تفصيل ذلك فاطمة السيد الزين : “التاريخ السياسي لسلطنة زنجبار الإسلامية” ص: 35-40.أصل الكتاب رسالة ماجستير في التاريخ الحديث المعاصر، جامعة أم القرى الطبعة الأولى نادي مكة الثقافي 1419- 1998م. [↩]
  8. زنجبار وممباسا. [↩]
  9. “السلوة في أخبار كلوة”، الشيح محي الدين القحطاني، ص: 29، تحقيق: محمد علي الصليبي، وزارة التراث القومي، سلطنة عمان. طبعة الأولى عام 1988. [↩]
  10. عبد الحق ميحي تهامي الجزائري، ” صراع الحضارات على جزيرة زنجبار وأثره على الدعوة الإسلامية”: ص: 8. [↩]
  11. قمت بزيارته قبل ثلاثة أسابيع من كتابة هذا المقال، وتجد على جدرانه أشعار عربية وألفاظ تكبيرة الإحرام والتلفظ بها، مما يدل دلالة واضحة أنهم كانوا شافعي المذهب. [↩]
  12. اليعاربة في شرق أفريقيا، ص: 8 [↩]
  13. وزارة الخارجية العمانية- عمان في التاريخ، دولة اليعاربة ص: 7-8 [↩]
  14. جمال زكريا قاسم، ” سعيد بن سلطان، مؤسس إمبراطورية عربية أطاح بها الاستعمار”، مجلة العربي عدد161 أبريل 1972 . [↩]
  15. ” تاريخ البوسعيد خلال الفترة: 1743 – 1804م” [↩]
  16. عبد الرحمن احمد عثمان، “المؤثرات الإسلامية والمسيحية على الثقافة السواحلية” ، ص: 204، أصل الكتاب رسالة الدكتوراه من معهد الدراسات الآسوية والإفريقية بجامعة الخرطوم. [↩]
  17. “جهينة الأخبار”، لمغيري، ص: 114 [↩]
  18. والذي خطط لهذه الأمور الرئيس السابق جوليوس نيريري. [↩]
  19. وهي قرية تقع شرق جزيرة أنغوجا وهي قرية معروفة بقرية العرب”مويرا” حيث يشكل 70% من سكانها أناس من أصول عمانية وقليل من الحضارمة، وقد ضاعت هوية لغتهم العربية وكثير من تقاليدهم العربية . [↩]
  20. محمد أحمد مشهور الحداد: “حقائق تاريخية عن العرب والإسلام في إفريقيا الشرقية”، دار الفتح، الطبعة الأولى 1973م ص: 108 [↩]
  21. المصدر السابق، ص: 63 [↩]
  22. بابكر حسن قدر ماري: “كتابة اللغات الإف
  23. http://arabic.alshahid.net/history-civilation/east-africa-history/73094

No comments:

Post a Comment