Friday, September 18, 2015

غزاة باسم الإنسانيّة



سيف بن عدي المسكري
جريدة الزمن
10/9/2015 
عنوان مستفز للحواس الذهنية ذلك الذي اختاره الدكتور عبد الله بن إبراهيم التركي حين قرر نشر اطروحته العلمية التي قدمها الى جامعة ام القرى بمكة المكرمة حول “تجارة الرقيق في سلطنة عمان وموقف بريطانيا تجاهها” وفيها يحكي قصة السياسة البريطانية تجاه هذا الفعل في حيز مكاني يضم شرق إفريقيا وعمان، وحيز زماني يمتد بين عامي 1822 و 1905م. فكرة الكتاب تدور حول ان مكافحة الرقيق هي ذريعة تذرعت بها بريطانيا للهيمنة على منطقة الخليج العربي عامة، وعمان وشرف إفريقيا خاصة. وعام 1822 تم فيه عقد أول معاهدة لمنع تجارة الرقيق بين السيد سعيد بن سلطان وبريطانيا، في حين صدر في عام 1905م حكم محكمة لاهاي في النزاع البريطاني الفرنسي حول سماح الفرنسيين لبعض السفن العمانية برفع أعلامها، حيث يرى الكاتب أن هذا الحكم ترتب عليه انحسار النفوذ الفرنسي في المنطقة لحساب النفوذ البريطاني، الأمر الذي اضعف تجارة الرقيق. إن هذا الفعل الذي مارسه البشر منذ القدم دارت حوله وما تزال نقاشات عديدة على مستويات عدة فلسفية ودينية واقتصادية واجتماعية، وهو غير مرتبط ببيئة دون أخرى أو بحضارة معينة. وهذه الدراسة تقدم نظرة علمية قائمة على الوثائق والمصادر مفندة النظرة التي قدمها بعض الباحثين الغربيين في ربطهم هذه الممارسة بتلك البقعة من العالم بالعرب والمسلمين، وملقين التهم بأنهم وحدهم المسؤولون عن هذه التجارة. تصنف الدراسة بأنها ذات بعد اقتصادي اجتماعي يستشف منه أو يفسر البعد السياسي، وهو أمر نفتقده كثيرا في البحث التاريخي للمنطقة. خلال ابحاره في لجة هذه القصة الشائكة يتطرق التركي لجوانب عديدة ومتشعبة من قبيل موقف الإسلام من الرق، وتجارة الرقيق بين شرق إفريقيا وعمان، واصفا الأوضاع السياسية والاجتماعية في كلا المنطقتين، ومحللا مصادر الرقيق ومراكزه. بالإضافة الى التدخل البريطاني في تجارة الرقيق وردود الفعل المحلية والأجنبية على هذه السياسة. إن العوامل الانسانية التي اعلنت كدوافع لمحاربة الرقيق كان ورائها اهداف اخرى مختفية ذات بعد سياسي واقتصادي واستراتيجي، على المستويين العالمي والإقليمي، ومن ذلك حرمان الولايات المتحدة الامريكية التي اعلنت استقلالها عن بريطانيا من اليد العاملة الرخيصة. ووضع العراقيل والعقبات التي تؤدي الى اضعاف القوى الاوروبية الأخرى التي تعتمد على الرقيق للعمل في مستعمراتها. والهدف الأخطر اقليميا هو التغلغل الاستعماري في القارة الإفريقية وإضعاف النفوذ العربي في شرق إفريقيا بالتظاهر بالدفاع عن الأرقاء. في الجانب الاقتصادي كان للثورة الصناعية بما تعنيه من تحول الى الآلة بدل الإنسان دور في هذا الأمر، حيث صارت بريطانيا أحوج ما تكون الى الرقيق في أرضه لتمتص نتاج جهده، وتصرف فائض مصانعها في اسواقه. وبعد المعاهدات التي ابرمتها مع حكام عمان حول تجارة الرقيق اطلقت بريطانيا العنان لقوتها البحرية لتفتيش سفن الملاحة التجارية العمانية، عاملة بذلك على اضعاف عمان اقتصاديا، ومحققة للبعد الاستراتيجي الأهم بسط السيطرة على المحيط الهندي وتجارته. ومهما كان الموقف من هذا الطرح اختلافا أم اتفاقا فلا يسع المتصفح لهذا الكتاب سوى الإعجاب والتقدير لحجم الجهد الكبير الذي بذله هذا الباحث، منغمسا في الكم الكبير من المخطوطات والوثائق العربية منها والأجنبية، ومتنقلا بين وثائق أرشيف زنجبار، والوثائق البريطانية المختلفة، والوثائق الفرنسية، ووثائق الأرشيف الوطني الأمريكي. - See more at: http://www.azamn.com/?p=274452#sthash.UGUUq6I7.dpuf

No comments:

Post a Comment