Tuesday, September 20, 2016

الاحتلال الأوربي لشرق أفريقيا

قصة الإسلام 
2/5/2010

التحرك الصليبي ضد الإسلام

وللحديث عن هذا العهد سنقسِّم دول شرق إفريقيا إلى دول ذات أغلبية مسلمة، وأخرى ذات أقلية مسلمة. أما الدول ذات الأغلبية المسلمة فهي الموضحة بالجدول التالي:
-       الصومال .. 100%
-       جيبوتي .. 100%
-       جزر القمر .. 99.5%
-       إريتريا .. 85%
-       تنزانيا .. 65%
-       إثيوبيا .. 65% .. ورغم أن الأغلبية المسلمة إلا أن الأرثوذكسية هي الدين الرسمي للدولة!!
-       موزنبيق .. 55% [1]
بدأت الصليبية العالمية في التحرك عقب سقوط الأندلس عام 1492م، فتوحَّدت كل القوى الصليبية بمباركة البابوية، والهدف هو تَعَقُّب المسلمين، والقضاء على آخر معاقلهم على الساحل الإفريقي، ترتَّب على ذلك أن قامت الحملات الاستعمارية المتتالية في محاولة جادَّة لتطويق المسلمين، وذلك بمساندة ملوك إفريقيا النصارى، وعلى رأسهم ملك الحبشة، فلمع نجم البرتغاليين والأسبان من القرن الخامس عشر حتى القرن التاسع عشر الميلادي، لكن الصبغة التي انتحاها كلٌّ من البرتغاليين والأسبان كانت صبغة صليبية صِرفة، من أجل القضاء على المسلمين، وتتبُّع الهاربين من الأندلس[2].
كان "فاسكو دي جاما" قد وصل إلى نهاية القارة الإفريقية عام 1491م ودار حول القارة الإفريقية حتى وصل إلى الساحل الشرقي، وقد رسا بأسطوله عند مصب نهر أطلق عليه الرحمة، فوصل إلى ثغر موزمبيق في مارس عام 1498م، وبعد رحيل فاسكو دي جاما قَدِم فرنسيسكو ألميدا[3]، وبدأت ظاهرة جديدة هي الاستعراض بالسلاح، من خلال الأساطيل البحرية البرتغالية في المحيط الهندي. وعلى الرغم من الترحيب الذي كان يَلْقَاه البرتغاليون من العرب والأفارقة إلا أن السياسة البرتغالية المتَّبعة كانت تعتمد على استعراض القوَّة، والبطش في التعامل، ولما احتلَّ البرتغاليون جزيرة زنجبار في الساحل الشرقي الإفريقي كان الهدف الأساسي لها هو محاربة الإسلام، وإجهاض الإمارات الإسلامية في شرق إفريقيا، وهو ما اتَّضح جليًّا حينما "استطاعت البرتغال عام 1542م أن تساعد الحبشة المسيحية، وأن تمنع القوَّة التركيَّة الموجودة في سلطنة عدن الصومالية من دخول المملكة الحبشية المسيحية"[4].
استقرَّ الأمر للبرتغاليين في الفترة ما بين 1498م إلى 1698م، قاموا خلالها بتكثيف مخططهم، وهو الدعوة للإنجيل والمسيح، وكانت الحروب الشرسة التي قامت بين البرتغاليين وقاطني المناطق الشرقية من إفريقيا -خاصَّة المسلمين منهم- بمنزلة حروب صليبية حقيقية على غرار ما كانت من الأوربيين أنفسهم في حوض البحر المتوسط خلال القرن الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين.
وحينما سقطت البرتغال في يد ملك إسبانيا فليب الثاني، وإعلانها تابعة لسلطان إسبانيا عام 1580م، بدأت البرتغال في فُقْدَان مستعمراتها الإفريقية، بسبب ضعف مواردها البشرية؛ فهي دولة صغيرة محدودة المساحة والسكان، وهو ما أدَّى إلى "عدم قدرتها على السيطرة التامة على هذه الإمبراطورية الساحلية الكبيرة، التي بسطت نفوذها عليها"[5].

الصراع العربي الأوربي في شرق إفريقيا

وعندما تحرَّرت عُمَان من الاستعمار البرتغالي عام 1650م في عهد الأمير سلطان بن سيف، هبَّ هذا السلطان في نفس العام لمهاجمة المستعمرات البرتغالية في السواحل الشرقية لإفريقيا، وبدأت الحاميات البرتغالية الممتدَّة على الساحل الشرقي في السقوط والتقهقر، حتى كانت النهاية الفاجعة للبرتغاليين والمتمثِّلة في سقوط قلعة يسوع المسيح، وإخضاع ممبسة عام 1698م، وبعد ضعف دولة اليعاربة في عُمَان، استقلَّت معظم الإمارات الإفريقية الشرقية، وكان ذلك في عام 1744م[6].

أسباب الاحتلال الأوربي للقارة الإفريقية

ولم تكد هذه الدُّول تستقرُّ حتى بدأت قوًى استعمارية أخرى لا تَقِلُّ خطورة عن البرتغاليين والأسبان، فتكالبت كلٌّ من فرنسا، وألمانيا، وإنجلترا، وبلجيكا، وهولندا، وإيطاليا، بجانب البرتغال وإسبانيا، على القارَّة الإفريقية العاجزة، وكان من جملة الأسباب الرئيسية في احتلال الأوربيين للقارة الإفريقية ما حدث بعد هزيمة الفرنسيين على يَدِ بسمارك المستشار الألماني، وعَقْدِ معاهدة فرانكفورت عام 1871م، التي أَجْبَرَت فرنسا على التنازل عن إلزاس واللورين[7]لألمانيا، وهو ما أهَّل ألمانيا من الناحية المعنوية وخاصَّة عند الشباب الألماني، والناحية المادَّية -والمتمثلة في زيادة الثروات الاقتصادية- في البحث عن مناطقَ جديدةٍ لفرض السيطرة، ولزيادة قدرتها التنافسية، من أَجْلِ تحسين صناعتها، وتطوير التجارة الألمانية.
صورة جنود أفارقة بمستعمرة الكاميرون الألمانية
ومع كلِّ هذه المخططات الألمانية لم تَكُنْ ألمانيا على استعداد في مواجهة جديدة ضدَّ أي قوَّة أوربية أخرى، خشية أن تَعْتَرِضَها فرنسا التي لم تَثْأَرْ لهزيمتها بعدُ، فاتَّجهت ألمانيا إلى القارة الإفريقية، وكوَّنت في غضون عام واحد أربع مستعمرات شملت كُلًّا من تنجانيقا -تنزانيا حاليًّا- في شرق إفريقيا، والكاميرون وتوجو في الغرب، وناميبيا في جنوب غرب القارة الإفريقية[8].

كلُّ هذه التحرُّكات الألمانية وما قابلها من تحرُّكات فرنسية استعماريَّة في إفريقيا، دفعت بريطانيا للخروج من عزلتها وانحيادها في التحرُّك في جنوب القارة، فبدأت الصراعات بين القوى الثلاث، وبدأت المحالفات بين ألمانيا والبرتغال مذكِّرة الأخيرة ما كان لها من مجد قويٍّ يجب إحياؤه من جديد، وقد لاقت المعاهدة البريطانية البرتغالية الموثَّقة في عام 1884م معارضة قويَّة، أحدثت تقاربًا بين كُلٍّ من ألمانيا وفرنسا[9]، فأسرعت كلُّ قوَّة من هذه القوى في السيطرة على مناطق جديدة في القارة، فتطلعت إيطاليا في السيطرة على بعض الأجزاء وخاصَّة في المناطق الشرقية من إفريقيا، وفكَّر ملك بلجيكا ليوبولد في السيطرة على حوض نهر الكونغو، الذي كان منطقة إستراتيجية[10]، كلُّ هذا بهدف بناء الإمبراطوريات، وتحقيق الأمجاد القوميَّة، وسيادة الرجل الأبيض، وتطبيق النظريَّات العنصرية، كلُّ هذه الأسباب جعلت الدول الأوربية تسعى سعيًا حثيثًا للجلوس معًا للتفاهم، وهو ما كان مسوِّغًا أساسيًّا في عقد مؤتمر برلين عام 1884- 1885م.

تقسيم إفريقيا

دَعَتْ بريطانيا ألمانيا إلى عقد مؤتمر دَولي لشئون إفريقيا في برلين، يجمع الدُّول المتصارعة مع روسيا، والنمسا، والدنمارك، والسويد، وإيطاليا، وتركيا، والولايات المتحدة، واتخذ المؤتمر مجموعة من القرارات، كانت في مجملها تَنُصُّ على حُرِّيَّة التجارة في حوض الكونغو والنيجر، وإلغاء الرقيق، وحياد إقليم الكونغو، ووَضْعِه تحت سيطرة ملك بلجيكا، وقرَّر المؤتمر حُرِّيَّة الملاحة، في حوضه وحوض النيجر، وأصدر المؤتمر قراراته التي وضعت اتجاهات تجزئة القارة دون حسابٍ لحقوق مواطنيه[11]؛ فوقع شرق إفريقيا بعد التقسيم تحت الاستعمار، فكانت ممتلكات فرنسا في الشرق الإفريقي الصومال الفرنسي (جيبوتي) ومدغشقر، واحتلَّت إيطاليا الصومال الجنوبي وإريتريا، واحتلَّت بريطانيا الجزء الشمالي من الصومال المعروف حاليًّا بجمهورية أرض الصومال، وجزيرتَيْ زنجبار وتنجانيقا، وكينيا وأوغندا، كما احتلَّت ألمانيا تنجانيقا (إفريقيا الشرقية الألمانية)، واحتلَّت البرتغال موزمبيق[12].
وبالرغم من خروج المؤتمر بالعديد من القرارات والموادِّ، إلاَّ أن المسائل المُهِمَّة والمتمثلة في القضايا الإقليمية الكبرى قد تمَّت دراستها والاتِّفاق بشأنها في سلسة من الاتِّفاقيات الثنائية امتدَّت عَشْرَ سنوات متواصلة بعد المؤتمر.
صورة مكتوب عليها الاتفاق الأوربي على تقسيم أفريقيا
وكانت السياسة المتَّبعة مع دُول شرق إفريقيا من جانب المستَعْمِر أن يتعامل معها تَبَعًا لموقعها الجغرافي والاستراتيجي، فكانت الصومال وكينيا وأوغندا من الأهداف الإستراتيجية لبريطانيا لتأمين مصر خصوصًا بعد افتتاح قناة السويس عام 1869م؛ فأوغندا منبع النيل، وهو ما يجعل الوضع مستقرًّا في مصر، واحتلال الصومال الشمالي يؤمِّن للإمبراطورية البريطانية حماية الطريق المؤدِّيَة للهند، أما موزمبيق بالنسبة للبرتغال فهي بمنزلة افتخار لحركات الكشوف الأولى للقارة الإفريقية، التي يرجع الفضل فيها للبرتغاليين أنفسهم، خصوصًا أن موزمبيق قد احتُلَّت مدَّة خمسة قرون كاملة.
وطِبْقًا لمؤتمر برلين لم تُقَسَّم إفريقيا بالتساوي، فلم ترضَ كلٌّ من ألمانيا وإيطاليا عن نصيبيهما، فبدأت ألمانيا في زيادة قدراتها الحربية والعسكرية، بإنشاء الأساطيل الألمانية البحرية في عام 1897م، مسيطرةً بذلك على بحر الشمال، ثم بَدَأ النزاع بين فرنسا وألمانيا على القضية المراكشية[13]، فكان ممَّا لا بُدَّ منه وقوع نزاع جديد لإعادة تقسيم القارة والمستعمرات.
ونشبت الحرب العالمية الأولى، ولتفوُّق الحلفاء العسكري -وخاصَّة من الناحية البحرية- وعَجْزِ ألمانيا على حماية البحار الواقعة تحت سيطرتها، استطاعوا إخراجها من إفريقيا، وكان وراء هذا الصراع معاهدات سرِّيَّة، فمنها معاهدة لندن السرِّيَّة (26 من إبريل 1915م)؛ فقد قدَّمت كلٌّ من بريطانيا وفرنسا وَعْدًا إلى إيطاليا لحصولها على أجزاءٍ من إفريقيا، ووافقت الدولتان على تقسيم ممتلكات ألمانيا، بِنَاء على هذه الاتِّفاقيات السرِّيَّة، ثم هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، فوقعت المستعمرات الألمانية تحت الانتداب، فوُضِعَتْ إفريقيا الشمالية الشرقية التي كانت مستعْمَرَة ألمانية تحت الانتداب البريطاني، وسُحبت تنجانيقا، واستُثْنِيَت رواندا أوروندي فانْتُدِبَتْ لها بلجيكا[14].
كل هذه الانتدابات ذات الأهداف التي كانت تدور في مجملها على تنمية الشعوب، ورفاهيتها، ورفع مستواها السياسي، كانت في حقيقتها مجموعة من الأباطيل؛ إذ هدف الاستعمار في حقيقته استنزاف الشعوب، والقضاء على خيراتها.

العالم الإسلامي تحت الاحتلال

وفي هذه الأثناء كان العالم العربي الإسلامي في سُبَاتٍ عميق، وتحت وطأة استغلال بغيض، فقد الْتَفَّت بريطانيا حول الوطن العربي، فاحتلَّت عدن في عام 1839م، كما احتلَّت فرنسا إفريقيا الشمالية (الجزائر)، ثم احتلَّت بريطانيا مصر في عام 1882م، وهو ما جعل شوكة هذه الدُّول في الازدياد والقوة، فوقعت معظم دول إفريقيا، ومنها شرقي إفريقيا تحت وطأة الاحتلال الأوربي.
ونظرًا لهذا الضعف العامِّ الذي أصاب العالم الإسلامي، ففقد هيبته أمام المجتمع الدُّولي، ظلَّ المحتلُّ الغربي جاثمًا على صدور الأفارقة -واتسم الغالبية منهم بالإسلام- مستنزِفًا لثرواتهم، ومضيِّعًا لحقوقهم، إلا أن هناك مجموعة من الدُّول استطاعت التحرُّر والاستقلال، وساعدت بكل ما أُوتِيَت من قوَّة كل الدُّول الإفريقية الأخرى في التحرُّر؛ ففي اجتماع "أكرا" عاصمة "غانا" في إبريل عام 1958م -والذي اشتركت فيه مجموعة الدُّول الإفريقية الثماني[15] عدا جنوب إفريقيا- طالب الأعضاء بضرورة مساعدة الشعوب غير المستقلَّة في نضالها من أجل الاستقلال[16].
ثم إن الدول الأوربية المستعمِرة كانت قد انتهجت أسلوبًا جديدًا في فلسفة الاستعمار ومفهومه، وهو استنزاف خيرات الدول، وتسيير مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية دون وقوعِ خسائرَ في الأموال والأنفس، خاصة بعد قيام الحركات التحررية في إفريقيا (1955م - 1965م) بالجهاد ضدَّ المستعمر.
وإذا كُنَّا فيما مضى نتحدث عن شرق إفريقيا بصفة عامَّة، فالحال هنا مختلف؛ نظرًا لما أصاب هذا الشرق من تفكُّك بعد الاحتلال، وتفكيكُ التكتلاتِ الكبيرة هي وسيلة استعمارية لا تتغيَّر، يَتَّبعها المحتلُّون لتقطيع أوصال الضحيَّة، حتى يَسْهُلَ السيطرة عليها، ومن ثَمَّ نتحدَّث عن هذه الدُّولِ كلٍّ على حِدَة.

[1] انظر: د. شوقي أبو خليل: أطلس دول العالم الإسلامي، طبعة دار الفكر العربي، بيروت 2001م.
[2] عبد الله عبد الرازق: الإسلام وتحدّي الاستعمار الأوربي في إفريقيا ص9، 10 بتصرف.
[3] هو أحد قوّاد الملك "مانويل الأول" ملك البرتغال أرسله لاحتلال الهند، واستكشاف المناطق الساحلية المواجهة لبحر العرب.
[4] عبد الفتاح مقلد الغنيمي: الإسلام والمسلمون في شرق إفريقيا ص173.
[5] المصدر السابق ص185.
[6] السابق نفسه ص190-200 باختصار وتصرف.
[7] منطقتان فرنسيتان احتُلتا من قِبَلِ ألمانيا أثناء الحرب الألمانية الفرنسية عام 1871م، وقد استردتها فرنسا عقب هزيمة الألمان في الحرب العالمية الثانية.
[8] عبد الله عبد الرازق: الإسلام وتحدّي الاستعمار الأوربي في إفريقيا ص18، 19 بتصرف.
[9] المصدر السابق.
[10] يُعتبر حوض نهر الكونغو منطقة استراتيجية بالنسبة لكل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، باعتباره منطقة مهمة للنفوذ التجاري لكل من البلدان السابقة.
[11] عبد العزيز رفاعي: مشاكل إفريقيا في عصر الاستقلال ص56 بتصرف.
[12] المصدر السابق ص57 بتصرف.
[13] الأزمة المراكشية: أرادت ألمانيا أن تَحُولَ بها دون عزم فرنسا على توطيد نفوذها في مراكش، غير أن الحكومة الألمانية لم تنلْ في هذه الأزمة سوى نجاح جزئي؛ لأن مؤتمر الجزيرة الذي انتهى في نيسان 1906م، أعاق عمل فرنسا بجعل القضية المراكشية تحت ضمان دُولي، ولكنه خوَّل فرنسا وكذلك إسبانيا حقَّ تنظيم الضابطة (الشرطة) المراكشية.
[14] عبد العزيز رفاعي: مشاكل إفريقيا في عهد الاستقلال ص55-60 بتصرف.
[15] المقصود بالدول الإفريقية الثماني: غانا وليبريا ومصر وتونس وليبيا والسودان ومراكش وجنوب إفريقيا.
[16] عبد الله عبد الرازق إبراهيم: موسوعة التاريخ والسياسة في إفريقيا ص10 بتصرف.

No comments:

Post a Comment