Friday, December 30, 2016

الدكتورة بشارة المعولية ... عمر طويل في خدمة العلم والتعليم

حاورها
سعيد بن خلفان النعماني
هنالك من النساء العمانيات الأصل اللاتي أثـَّـرن بشكل كبير في المجتمع الأفريقي ، من خلال التفاني من أجل العلم لإدراكهن أن أفريقيا ليست بحاجة ماسة لأن تمحى أميتها فحسب؛ ولكن يجب أن ترقى وتسمو بأفرادها وشعبها إلى مصاف الدول الكبرى ، ولذا كان العلم والتعليم من أولويات التأثير والوجود العماني في شرق أفريقيا ، ومن هنا ينظر إلى العمانيين أنهم ليسوا تجارا يبحثون عن المال ولكنهم ينشرون حضارة عريقة بنيت أسسها على تقدير وحب المجتمعات التي استضافتهم ردحا من الزمن ولذا كان رد الجميل واضحا في كل مكان ، فالمدارس والكتاتيب التي شهدت انطلاق العلماء والأدباء هي نفسها باقية حتى الآن تقوم بدورها التاريخي وتؤدي التزامها الإنساني نحو تلك الشعوب .
الدكتورة بشارة بنت ثنيان المعولية ، تعد من الجيل السادس من أجدادها الذين أتوا من عمان إلى شرق إفريقيا ، ولدت في بلدة مكانجوني بالجزيرة الخضراء ( بمبا ) ، بل إن جدها وجد جدها ولدا في المنطقة نفسها. التقيت بها في منزلها الجميل بزنجبار ، تعيش فيه وأولادها بعد أن خدمت العلم جل عمرها ، فتقاعدت عن الوظيفة ولكنها لم تتقاعد عن دورها ومهمتها العلمية في نشر العلم والثقافة ، فهي تعتبر بحق مرجعا علميا وتاريخيا لتنزانيا . حدثتني عن نفسها فقالت : اسمي بشارة بنت ثنيان بن مبارك بن بدو بن سالم المعولية، توفي أبي في عمان وأمي ما تزال على قيد الحياة ، وهي تعيش في عمان وكذلك بعض أخوتي الذين يعيشون في عمان.
وقالت الدكتورة بشارة المعولية : وبالنسبة لجدي من أمي فقد كان محاميا في المحاكم الجزائية ، وفي الواقع فإني أنحدر من أسرة اتخذت العلم والثقافة نبراسا لها .
ومازلت أتذكر مرساة السفينة التي ركبها جدنا الأكبر وهو في طريقه إلى الجزيرة ، فهي باقية حتى اليوم في بلدة مكانجوني بالجزيرة الخضراء (بمبا). فنحن من أسرة مبارك بن بدوي ، هذه الأسرة التي تصاهرت مع المزاريع الموجودين في الجزيرة ونحن امتداد لتلك الأسرة فهي أسرة قديمة قدم التاريخ العماني بشرق أفريقيا. ولدت العام 1948 ، وكان أبي حينها مدرسا ثم إداريا وسافر إلى بريطانيا العام 1955 ليتخصص في الإدارة العامة وربانا منذ البداية تربية على التعليم ، أما جدي فقد كان أيضا مدرسا ثم تحول إلى الإدارة العامة . الكفاح من أجل العلم
ثم واصلت التعليم العالي لمدة سنتين ونجحت بامتياز ثم قررت أن ألتحق بالجامعة وفي ذلك الوقت لم يكن من السهل أبداً الدراسة بالجامعة لأن الحكومة – في ذلك الوقت - منعت الناس من مواصلة الدراسة بعد الصف الثاني عشر ، ولكني تجاوزت هذه المحنة وتقدمت بطلب الدراسة في جامعة دار السلام فتمت الموافقة ، وتكفل بعض أهل الخير هناك بتكاليف دراستي حتى حصلت على شهادة البكالوريوس في علم الاقتصاد والجغرافيا ، وبقيت في تنجانيقا ( تنزانيا البر ) ، كمدرسة حتى عام 1972 ثم جئت إلى زنجبار بهدف تجديد جواز سفري ، وبمجرد وصولي زنجبار مُنعت من الخروج ، وأجبرت على العمل في زنجبار ولكن أنا وزوجي وأهلي كافحوا لمدة سنتين ونصف من أجل تخليص من هذه الحالة وإخراجي من زنجبار، ذلك لأني تزوجت في سنه 1975 وما زلت طالبة في الجامعة ، ورجعت من البر العام 1974 وبقيت هناك حتى العام 1993.
وعن بدايتها العلمية قالت : تعلمت في الجزيرة الخضراء ( بمبا) إلى الصف الثالث ثم جئت زنجبار لأن والدي نُقل للعمل بزنجبار ، ولكني واصلت الدراسة من الصف الرابع حتى الصف السابع بالقسم الداخلي بالمدرسة بسبب وجود عائلتي بزنجبار ، ثم نُقلت لمواصلة الدراسة الثانوية ، والتحقت بمدرسة السيدة معتوقة سنة 1962م وأنهيت الصف الثاني عشر العام 1965. الحياة العلمية وحدثتني عن شتى الوظائف التي عملت فيها فقالت : عملت مدرسة في المدارس الثانوية ثم مسئولة في وزارة التعليم ، ومسئولة في قسم التخطيط في وزارة التعليم نفسها ثم تحولت إلى باحثة –بإيعاز من الوزارة –فألفت كتباً أنا وزملائي تتركز حول التربية والتعليم في تنزانيا ، ومن ضمنها كتابا بعنوان أثر توظيف من بلغوا الصف الثامن كمعلمين على المستوى التعليم بتنزانيا ، وكتابا آخر حول محو الأمية وكيف أفاد المجتمع التنزاني .
بحمد الله نجحت ومنحت شهادة الدكتوراه عام 1990م، وعندما كنت في مقاعد الدراسة باستراليا تلقيت رسالة من (منظمة جمعية) في أغاخان تطالبني بالعمل معهم في مشروع يسمى (التعليم ما قبل الدراسة ) ومن الأماكن التي يشملها هذا المشروع كينيا وأوغندا وتنزانيا ، وبعد مفاوضات وافقت على العمل معهم في عام1993م ، حيث عينت في هذه المؤسسة التعليمية كمشرفة عامة ثم ترقيت إلى مديرة عامة وبعدها إلى منصب (القائم بأعمال المنسق العام) لهذه المؤسسة في هذا المشروع في المستوى الشرقي الأفريقي كله.
وقالت : لقد حصلت على منحة دراسية من الكومنولث فسافرت إلى كندا مدة سنتين ، وهناك تخصصت في علم جديد يتركز حول كيفية تعليم الأولاد الصغار التعليم الأساسي، فحصلت على شهادة الماجستير وأخذت بجانب هذا التخصص تخصصا آخر وهو كيفية تدريس اللغة الإنجليزية كلغة ثانية ، وعند عودتي بقيت في الدراسة كمشرفة في مجال تدريس الصغار فجمعت تقارير عدة من عدة وزارات فألفت كتابا يعنى بهذا المجال مشتملا على أموراً كثيرة تتعلق بسياسة وفلسفة التعليم في تنزانيا ، وتدريب المعلمين إضافة إلى مواضيع أخرى متعددة . وبجانب عملي في الوزارة كنت اعمل مع منظمة اليونيسيف وأيضا كنت أعمل في مكتبة رئيس الوزراء وتوكل إلي المهام التي تدخل في اختصاصي العلمي ، وحصلت على منحة دراسية أخرى للدراسة باستراليا العام 1987م للحصول على شهادة الدكتوراه في جزئية أخرى من تخصيص السابق المتعلق بالتطور الاجتماعي والعاطفي للأطفال الصغار.. والآن تقاعدت لأستريح قليلا وفي هذه الفترة فترة الاستراحة أعمل متطوعة –في جمعية الاستقامة –لتدريب المعلمين في كيفية تدريس الصغار وكيفية إعداد واستخدام الوسائل التعليمية أثناء التدريس ، وأقدم لهم المشورة بين الحين والأخر في مجال تعليم الأولاد. حياتها الاجتماعية
وكذلك كان حال والدهم الذي كان له الدور الكبير في تكوينهم العلمي لاسيما عند سفري للدراسة بكندا ، فهو الذي كان يتولى شؤون الأسرة وتعليم الأولاد ، وكذلك عندما سافرت إلى استراليا ، بقي هو مع الأسرة ، وأعتقد لو لم أكن بهذا المستوى من العلم لما وصلوا أولادي إلى ما وصلوا إليه.
وحدثتني عن حياتها الاجتماعية فقالت : إنني متزوجة منذ سنة 1970م ولي ثلاثة أولاد ذكور وعدد من الأحفاد ، وأكبر أولادي عمره 33 سنة وأصغرهم عمره 27سنة ، وتوفي زوجي العام 2002م وأولادي كلهم تخصصوا في الهندسة الكهربائية فابني الأكبر –كان مديرا للمبيعات للشركة لشركةBp ثم رقي إلى مسئول بجنوب إفريقيا والآن رقي إلى مدير الشبكات شرق ووسط إفريقيا. الدور الكبير: وسألتها عن دورها كأم وأثره في تنشئة أبنائهم هذه التنشئة العلمية مما جعلهم يسيرون على خطاها فقالت : أعتقد أنني لعبت دورا كبيرا في تعليم أولادي –لأن والدهم كان مشغولا جدا بالأعمال وكان لا يرجع إلا في وقت المساء، مما جعلني أتحمل عبء تعليمهم وتثقيفهم ، والحمد لله تعالى - لقد ساعدتهم كثيرا وذلك منذ أن كانوا في مدارس الروضة –كنت أجلس معهم وأعطيهم دروسا إضافية -وكنا أكثر جدية عندما بلغوا المرحلة الإعدادية وكنا نجلس معاً كأننا في مدرسة وأعلمهم وأتابع دروسهم في دفاترهم يوميا وحينما يحتاجون إلى مدرس إضافي كنت أوفر لهم، مما جعلني أنفق الكثير من الأموال من أجل شراء الكتب حتى تساعدهم في نمو معارفهم وزيادة اكتساب العلم في اللغة الإنجليزية والسوا حلية. وحول سؤال عن الدراسات والبحوث التي شاركت في إعدادها لاسيما ما يتعلق بالحضارة العمانية في شرق أفريقيا فقالت : في الحقيقة لم أشارك في دراسات من هذا النوع لأنني لم أتخصص في التاريخ ، ولكن بالتأكيد هنالك من كتبوا في هذا المجال . دور اجتماعي بارز:
وحدثتني عن دورها الاجتماعي الشخصي فقالت : نعم ، إن دوري لم يقتصر على عملي والوظائف التي شغلتها فأنا والحمد لله متفانية – قدر استطاعتي من أجل المجتمع ، فكثيرا ما أتوجه إلى القرى النائية التي لا تصلها السيارات وفي الساعة السادسة فجرا ، حتى الواحدة مساء من أجل مساعدة التجمعات الفقيرة في إنشاء مدارسهم الخاصة ، لا سيما الكتاتيب ، وعندما ننزل إلى هذه القرى .. يجب علينا أن نعيش واقعهم وأن نكون مثلهم ، ولذلك كانت لي الكثير من المساهمات في تنمية وتطوير المجتمعات الفقيرة في توعيتهم لإدراك معنى التعلم وأهميته بشكل خاص في مجال تعليم الصغار ، وبالطبع غرس السلوك الديني الحميد في حياة الفرد ، وضرورة تعلم الدين الإسلامي ، وهذا العمل مارسته لمدة عشر سنوات ، وهو عمل شاق جدا ، وأحيانا يلزمنا دفع ما في جيوبنا لمساعدة بعض الأسر في توفير الحاجات
الضرورية .

No comments:

Post a Comment