Friday, December 30, 2016

ما تفاصيل حرب المقاطعة والقرنفل بين العمانيين والهنود في زنجبار؟

أثير – تاريخ عمان
إعداد: نصر البوسعيدي
حينما تورّط العالم في الصراع الدموي في الحرب العالمية الأولى، كانت زنجبار من الأماكن التي تأثرت كثيرا بالأوضاع المتردية التي صاحبت الحرب، وما تلاها من خراب، وانهيار اقتصادي ذهب ضحيته الكثير.
فزنجبار كانت تحت السيطرة البريطانية حالها من حال كل المستعمرات التي استطاع الأوربيون تقاسمها فيما بينهم، لذلك من الطبيعي أن تتأثر زنجبار واقتصادها بالحرب وآثارها التي تنعكس على الشعب الزنجباري، ومنهم العمانيون خاصة لا سيما، وهم من يملكون أغلب مزارع القرنفل التي تعتبر مصدر الثروة الحقيقية في اقتصاد زنجبار حالها حال ثروة البترول اليوم وأثره في اقتصاديات دول المنطقة على سبيل المثال.
في عام 1919 م وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بدأت الأوضاع الاقتصادية المتردية عالميا تلقي بضلالها على زنجبار، وأهلها وخاصة بعدما أغلقت الكثير من الشركات الألمانية التي كانت تعمل بشكل عام في شرق أفريقيا، ودخل الاقتصاد الزنجباري في دوامة الأزمة العالمية، والكساد الخطير الذي اجتاح العالم بداية من عام 1929م نتيجة هبوط أسعار شركة ” كلوفز “، و”كوبرا”.
ومن هنا نشبت أزمة مديونية المزارعين في زنجبار وبالأخص العمانيين الذين عانوا كثيرا في مزارع القرنفل نتيجة الفائض المعروض في الأسواق العالمية والذي نتج عنه تدهور الأسعار بشكل خطير.
ولذلك، فقد حاولت الحكومة البريطانية إنقاذ الموقف بسبب اعتماد ميزانيتها على محصول القرنفل بإنشاء مخازن لحفظ قرنفل المزارعين بالمجان، مع شق الطرق في مناطق المزارعين وربطها بالمدينة لتسهل على الجميع عملية البيع والتصدير، بالإضافة إلى توفيرها لبعض الإعانات المالية لملاك المزارع تراوحت بين (10 – 15) روبية عن كل 200 شجرة قرنفل في المزرعة الواحدة لمساعدتهم في حصاد المحصول الذي كان يحتاج إلى أيد عاملة كبيرة وكانت تأتي من البر الأفريقي غالبا للعمل في مزارع القرنفل، وخاصة في موسم الحصاد.
وفي عام 1920م قامت الحكومة في زنجبار بقطع الإعانات المالية عن المزارعين الملاك الأمر الذي أدى إلى تورط الكثير من العمانيين ملاك المزارع بالتعامل مع الهنود، والاقتراض منهم، وكان الهنود بجشعهم لا يقرضونهم الأموال إلا بفوائد عالية مجحفة تراوحت ما بين (20 – 30 %) بشرط أن يتم تسديد كامل الدين في ثلاث سنوات، وإن عجز صاحب الأرض من ذلك يتضاعف الدين، وبالتالي يستولي الهندي الدائن على المزرعة.
ووفقا لذلك ولصعوبة الموقف والكساد الاقتصادي تورط أغلب العمانيين بعدم المقدرة على السداد في المدة المحددة مما تسبب بأن تؤول ملكية الكثير من مزارعهم للدائنين الهنود، وقد بلغ عدد أشجار القرنفل التي انتقلت ملكيتها للهنود ، على سبيل المثال، في عام 1922م إلى أكثر من 125000 شجرة!
ومما لا شكّ فيه أن الأمر كان سلبيا للغاية، بالنسبة للعرب العمانيين، فكان من الصعب عليهم تقبل أن يفقدوا مزارعهم وشجر القرنفل مصدر دخلهم، وكان أغلبها إرثا تعاقب عليها جيلا بعد جيل.
ولقد أصبحت هذه المشكلة كذلك من ضمن اهتمامات وزارة المستعمرات البريطانية لخطورتها على الوضع في زنجبار ومديونية العرب بشكل عام للهنود، وهو الأمر الذي استدعى عقد اجتماعات متكررة مع أعضاء الجمعية العربية لتوضيح أهمية معرفة تلك الديون، وحصرها وتسجيلها في الجهات المختصة بالحكومة للوصول إلى حل يقلل من خطر المشكلة إلا أن ذلك لم يقابله الكثير من التجاوب بسبب إخفاء الكثير من العمانيين مشكلة ديونهم.
ولذلك، وبعد تفاقم المشكلة أصبحت الغالبية الساحقة من ملاك الأراضي الزراعية في زنجبار من الفقراء بسبب مصادرة المرابين الهنود لأراضيهمن وأخذ الناس بكل حزن، وألم يشاهدون منازلهم تباع في المزادات العلنية، وبقية ممتلكاتهم تصادر عنهم مما نتج عنه مشكلة حقيقية وحالة من الكراهية والغضب واختلال للنسيج الاجتماعي والاقتصادي في زنجبار.
ومن هنا فقد اتخذت الحكومة البريطانية بعض الإجراءات للحد من خطورة هذا الأحداث على الاقتصاد الزنجباري باعتبار أن دخل المحمية كان يعتمد بشكل كلي على تجارة القرنفل، وأول هذه الخطوات كانت في عام 1923م حينما تبنّت الحكومة برنامج إمداد مزارعي القرنفل بالنقد السريع لتسديد الديون المستحقة عليهم وحث ملاك المزارع وبالأخص العمانيين على زيادة زراعة أشجار القرنفل من أجل زيادة الإنتاج والأشجار الغير مرهونة.
وبسبب قلة الأيدي العاملة، لم تستطع إدارة الزراعة في زنجبار الإشراف بشكل مثالي على هذا البرنامج لمدة عشرة سنوات ،ولذلك كانت النتيجة سلبية، ولم تأت بثمارها، وتفاقمت أزمة الديون بشكل أكبر في بدايات عقد الثلاثينيات وتفاقمت أكثر بسبب عدم استقرار أسعار القرنفل في الأسواق العالمية بالرغم من تحسن أسعار ما بين عام 1913م إلى عام 1929م إلا أن مرحلة الكساد العالمي التي تلت عام 1929م تسببت في تهاوي أسعار القرنفل بشكل غير مسبوق في الأسواق العالمية.
وفي عام 1933م قررت الحكومة تشكيل لجنة من قبل وزارة الزراعة لحل مشكلة الديون وتهاوي أسعار القرنفل واقتصاد زنجبار، وخلصت اللجنة إلى أهمية إنشاء جمعية منتجي القرنفل تضم جميع من يملك مزارع القرنفل بهدف السيطرة على كميات الإنتاج، وتكاليفها بتوفير مخازن بالمجان لحفظ منتج القرنفل، وحل مشكلة الديون للمرابين الهنود، وتقديم قروض للمزارعين من أجل تحصيل المنتج بفوائد مالية منخفضة.
وبالفعل تأسست الجمعية في عام 1928م بالقرب من ميناء زنجبار، وحققت في البداية إقبالا كبيرا من قبل الأعضاء الذين بلغ عددهم 9000 عضوا بسبب تعهد الحكومة بتقديم الإعانات المالية لهم، ولكنها ما لبثت أن فقدت الكثير من الأعضاء نتيجة عدم مقدرة الجمعية من الالتزام بوعودها في تقديم الإعانات المالية للمنتسبين لها، وأصبحت غير فعاله لعدم تمكنها من الحفاظ على أسعار القرنفل في السوق رغم طلبها من الحكومة بتأسيس بنك محلي لدعم عمليات البيع والشراء، ولذلك فقد بادرت الحكومة لإنشاء مخازن إضافية لتخزين محصول القرنفل وعدم بيعه بكميات كبيرة إلا بحاجة السوق للحفاظ على الأسعار التي تهاوت كثيرا، حاله من حال الأزمة التي تعاني منها اليوم الدول المنتجة للنفط نتيجة زيادة المعروض في السوق وتهاوي الأسعار لأدنى من المتوقع.
وفي عام 1934م بدأت الأحداث تسوء بشكل أكبر، فقد تهاوت فيه أسعار القرنفل بشكل كبير وشكل كارثة حقيقية على الاقتصاد الزنجباري، والأهالي، وخسر ما يوازي 70% من قيمته بالمقارنة مع موسم عامي 1927م و1928م مع عجز الإدارة البريطانية من حل المشكلة رغم جهودها، وتشكيلها لعدة لجان للوصول لحل يقلل من هذه الكارثة، ووقعت الحكومة في معضلة حل أزمة المديونيات لمنع تدهور انتقال الأراضي من ملاكها نتيجة عدم مقدرة المزارعين من سداد الدين للمرابين الهنود والمحافظة بنفس الوقت على المصالح الآسيوية في المنطقة، ولكنها في الأخير ارتأت الحكومة البريطانية من إصدار قرار يقتضي بمنع تحويل الأراضي والمزارع التابعة للعرب إلى الهنود وتجميد جميع الديون مؤقتا حتى الخروج من الأزمة.
ومن ناحية أخرى تمكنت جمعية منتجي القرنفل في عام 1937م من السيطرة على تجارة القرنفل برفقة هذه الإجراءات التي تم اتخاذها، وأوجدت في المجتمع الزنجباري حراكا اتسم بالصراع بين الهنود والعمانيين ملاك المزارع.
لقد استثارت هذه الإجراءات الجالية الهندية في زنجبار، ودفع بالجمعية الهندية إلى عقد اجتماع طارئ في 19 / 4 / 1937م للاحتجاج على هذه الإجراءات بخصوص منع الحكومة انتقال الأراضي إليهم نتيجة عجز الملاك من دفع الديون بالفوائد الخيالية التي ذكرناها مسبقا، وكذلك احتجاجا على قرار جمعية منتجي القرنفل بالتحكم في عملية تصدير، وبيع القرنفل مؤقتا، وقدم الهنود وثيقة تظلم للمجلس التشريعي معتبرين أن منع انتقال ملكية الأراضي الزراعية المرهونة لديهم يعد عنصرية ضدهم.
أما العمانيون والأفارقة، فقد عقدوا اجتماعا يؤيدون فيه قرارات القانون الجديد وفي 25/ 7 / 1937م، تم تنفيذ هذه القرارات، ودخلت حيز العمل بها.
وفي الوقت والعام نفسه، قرر الهنود مقاطعة عملية شراء وتصدير القرنفل في زنجبار وبشكل قاطع وأصبحت القضية لها أبعادا سياسية أكبر، وخاصة حينما قرر قادة مستوردي القرنفل الهنود في بومباي من إيقاف عملية استيراد القرنفل الزنجباري لا سيما أن الهند تستورد ما يقارب 40% من القرنفل الزنجباري، مما يعني خسارة اقتصاد زنجبار كثيرا نتيجة هذه المقاطعة التي عمل عليها الهنود بشكل منظم بالإضافة إلى تبني المؤتمر الوطني الهندي قضية جاليتهم بزنجبار، ودعمها بالمقاطعة من قبل جميع أهالي الهند للمشاركة في حملة مقاطعة القرنفل.
وكردة فعل على موقف الهنود، ومقاطعتهم، بدأ العمانيون والعرب بشكل عام التفكير جديا في الرد بالمثل، ومقاطعة جميع المنتجات الهندية، وهو الأمر الذي بدأ يقلق السلطات البريطانية في المحمية الزنجبارية، ولذلك اجتمع المقيم البريطاني (جون هول) بالعمانيين، والعرب في دار الإقامة البريطانية قائلا:
” إنني أمقت المقاطعة، وأمقت المقابلة بمثلها أنهما تلدان عداوة، وشرا وتؤديان بالمرء إلى مأزق لا يدري كيف تكون نهايتهن وعاقبته، ولقد أظهر العرب والحكومة في أثناء مشكلة المقاطعة صبرا جميلا، ونصيحتي لكم أن تستمروا على هذا الصبر، فإنه سيجلب الصبر والرضا”.
إلا أن صبر العمانيين بدأ ينفذ من جراء استمرار ضغط مقاطعة الهنود للقرنفل الزنجباري على رغم من محاولات الحكومة للوصول إلى تسوية لإنهاء المقاطعة.
وفي خضم هذه الأحداث قررت الجمعية العربية، بالترويج لحملة مقاطعة ضد جميع البضائع الهندية في الجزيرة، وفي الاجتماع الذي تم عقده في 17/3/1938م طالب عزيز بن عامر المسروري، وعلي بن ناصر الإسماعيلي بضرورة تبني الجمعية العربية لحملة مقاطعة حازمة ضد الهنود وبضائعهم.
وفي عام 1938م توتّرت أوضاع زنجبار بشكل أكبر نتيجة حرب المقاطعة بين العمانيين والهنود الأمر الذي أدى إلى قيام السلطات البريطانية بإرسال السيد (بوزمن) مندوبا من قبل حكومة الهند لحل الأزمة بين الحكومة، والهنود، ولكن أغلب محاولاته باءت بالفشل.
وفي منتصف عام 1938م بدأت بعض المؤشرات بانفراج الأزمة، لا سيما، حينما بدأ الهنود من خلال الجمعية الهندية في زنجبار يفقدون الدعم الشعبي في الهند لاستمرار المقاطعة، وبالأخص التجار، ومستوردي القرنفل الزنجباري، والذين تأثرت تجارتهم كثيرا من جراء المقاطعة وخاصة المسلمين الهنود الذين أكدوا بأن وحدة المسلمين يجب أن تتخطى الحدود وأن العرب والهنود يجب أن يحلوا مشاكلهم بالطرق السلمية.
وكان لهذا الإيمان من قبل مسلمين الهند الأثر الكبير في كسر المقاطعة، واستئناف العمل في تصدير القرنفل الزنجباري من قبل البعض، مما أدى إلى انقسام الهنود أنفسهم في زنجبار بين مؤيد ومعارض، وهذا الانقسام قد أدى إلى تمكن جمعية منتجي القرنفل التحكم في شراء وتصدير القرنفل مع اتاحة فرص التصدير لبعض التجار الهنود شريطة شراء كميات ثابتة من الجمعية.
وما لبث إلا وأن انفرجت الأزمة بين الطرفين جمعية منتجي القرنفل، والجمعية الهندية في عام 1938م بتوقيع اتفاق تعهد فيه الجميع للمزارعين بأنهم سيحصلون على أسعار مناسبة لمحصولهم من القرنفل في عمليات البيع والتصدير.
وأما فيما يتعلق بقضية الديون، فقد قررت الحكومة بعد المشاورات المباشرة مع حكومة لندن بتأسيس محاكم خاصة لفض المنازعات بهذا الشأن، وحصر الديون، وتثمين المزارع المرهونة، ومن ثم تقوم الحكومة بدفع المبالغ للمرابين الهنود، وفي الوقت ذاته يقوم المزارع بدفع المبلغ للحكومة بأقساط ميسرة، ليتخلص في الأخير العرب من الدين الربوي ولا يفقد بالتالي مزرعته، وأشجار القرنفل بفك الرهن عنها من قبل الحكومة، وهذه الإجراءات لا شك ساهمت بشكل فعال في استقرار الوضع الاقتصادي في زنجبار.
وقد تعلّم العمانيون، من هذه الأزمة كثيرا من أجل وحدتهم، وحماية تجارتهم التي أصبحت تحت قبضة اللوبي الآسيوي نتيجة عدم توحد الصفوف بالشكل الذي يستطيعون من خلاله التحرر من سيطرة المحتكرين للتجارة في تلك الأنحاء.
المرجع: زنجبار في عهد السلطان خليفة بن حارب البوسعيدي ( 1911م – 1960م ) ، دراسة في التاريخ السياسي، أحمد بن خلفان بن علي الشبلي ، دار الفرقد للطباعة والنشر – سوريا – دمشق ، الطبعة الأولى 2015م .

No comments:

Post a Comment