Thursday, February 25, 2016

الوثيقة العمانية.. بصمة تاريخ

حمود الطوقي
جريدة الرؤية : الاثنين 22 فبراير 2016

مرّ المقال السابق (رفيعة المسكرية.. انتماء بالهويّة) على غير ما توقعتُ، فردود الفعل جاءت وفق القياس الذي حملته الذاكرات عن هذا الملف المسكوت عنه، والذي يعاني المنتمون إليه تعبا كبيرا، ويكابدون نَصَباً غير بسيط، انعكس على ما ورد في المقال المذكور من ردود أفعال، تبيّنتُ بعضها كتابياً وبعضها حضورياً بالمشافهة والحوار.
التاريخ له لسان وصوت، والذاكرة متمردة على الموت، لذلك يمكن فتح مناخ نعيد فيه ترتيب مسكوت الملف هذا، الذي نظن أنّ ثمة زوايا إيجابية يمكنها أن تشكّل جسرًا جديدًا نحوه، وأن تعيد ترتيب المتناثر في الذين شكّلوا هويّة التاريخ العماني خارج الحدود العُمانية المألوفة في وقتنا الحالي.
بعضهم خرجوا في طفولتهم المبكّرة نحو تلك الأقاصي في القارة الأفريقية في كنف آبائهم، وبعضهم وُلِدوا هناك، وبعضهم تقطّعت بهم السبل، هؤلاء الآن بين حاملي جنسيات أخرى، وبين كونهم (بدون)، يلاحقهم القانون بكونهم مخالفين، ويتقصى أماكن سُكناهم الراغبون في اجتثاثهم من هناك، وهم في حالاتهم كلها لا وطن هويّة لهم، باستثناء موطن انتماء يحملونه في الاسم العربي المقرون بالقبيلة العمانية التي يحملونها وهي تحيلهم إلى عُمان، حتى في لكنة مخارج الحروف.
نظن وربما يتفق معي في هذا الرأي العديد من المهتمين بالإضافة إلى أصحاب القضية ذاتهم أنّه يمكن تفعيل هذا الملف، لتقصي حقائق عن الراغبين في الحصول على الهوية العمانية، من خلال النسب الذي يمكن معرفته عبر العديد من الوسائل، أو من خلال الامتداد الاجتماعي والإرث الحضاري لهم من واقع انتمائهم الاجتماعي لأرض السلطنة، من خلال تحديد النسب غير المنقطع، أو من خلال الوثائق التي تثبت كينونتهم العُمانية.
يحصل أن يموت الأب العُماني الهويّة، ثم يتم سلب ما أورثه أبناءه من بيوت وأراض لصالح الحكومة حيث يقيم، لماذا؟ لأنّ الأبناء والبنات لا هويّة لهم فيذهب تعب العمر أدراج الرياح، ويبقون هم من بعده عالة يتكففون الناس، ويتحولون بسبب ذلك إلى مخالفين لقانون الإقامة هذا هو الحال الذي يؤول إليه عُمانيو الامتداد التاريخي.
الواضح - لمن يتابع الشأن الاقتصادي والاستثماري بين السلطنة وتنزانيا - أنّ ثمة مشاريع راغبة في زيادة أنواع المشاريع المشتركة والمختلفة من قبيل ميناء باجامويا، وغيرها من الاستثمارات، ويمكن الاستفادة من الطاقات العُمانية هناك، وتكييفها لتصبح عنصرًا منتجًا في تلك المشاريع، بمعرفة الحكومة العمانية وبالتنسيق مع مثيلتها التنزانية.
نحن من الوِجهة التاريخية والاجتماعية مع فكرة تسوية أوضاع هؤلاء، فمن خلال الاستقصاء المعلوماتي، ندرك أنّ الكثير من العمانيين الموجودين في أفريقيا، صار لديهم نوع من الالتزام بالأرض والاعتياد عليها بحكم التقادم، ولكن هذا لا يعني أنّهم نسوا عمان، بل عمان في قلوبهم وأرواحهم، إلى درجة أنّهم يتركون في وصاياهم أنّهم يتمنّون الموت على أرض أجدادهم؛ لذلك ندرك أنّ منح الهويّة العمانيّة لهم، مع إبقائهم هناك، ودعم وجودهم وذاكرتهم المكانية، عن طريق فتح أبواب رزق لهم، عن طريق تمويل مناشطهم التجارية، ودفعهم إلى المنافسة في الأسواق التي ينتمون إليها، سيدعم الاستمرار العُماني هناك بصيغة لائقة، بما يحقق المنفعة لكثير من الأطراف، وأهمّها الاستقرار الوجودي العماني هناك، وليس فقط مجرد تسجيل امتدادهم بما فيه من ضَنَك ومَغَبّة.
الشاعر العماني ناصر بن سالم بن عديّم الرواحي البهلاني، خرج طفلا من هُنا، من عُمان، بعد ولادته في العام 1856م، واستمر هناك في زنجبار (تنزانيا)، يرسم الخارطة العمانية في (نُونيّته) الشهيرة، وهو لا يتذكر من جغرافيا الأماكن العُمانية من الناحية البصرية شيئاً؛ نظن أنّ أحفاده في القارة السمراء، يستحقون خارطة طريق إلى وطن الهويّة والانتماء.

No comments:

Post a Comment