Thursday, February 18, 2016

ثورة عرب زنجبار... على الألمان


الجريدة
الخميس 11 فبراير 2016
خليل علي حيدر
(1)
درس أـ د. بنيان سعود تركي أستاذ التاريخ بجامعة الكويت في إحدى أوراقه البحثية ضمن كتابه "الكويت وإفريقيا" 2014 حرباً نادرة بين العرب والألمان في زمن مستشار بروسيا الحديدي، كما كان يلقب موحد ألمانيا وقائدها التاريخي الأمير أوتوفون بسمارك 1815-1898 الذي دخل الحياة السياسية عام 1847 عازما منذ البداية على أن يجعل من الإمارات أو الولايات الألمانية قوة موحدة ودولة عظمى، فدخل السلك الدبلوماسي سفيرا في روسيا ثم فرنسا، ثم رئيسا للوزراء أو مستشارا Chancellor، حيث هزم النمسا وفرنسا التي كان يقودها نابليون الثالث، غير أنه أجبر على الاستقالة مع تولي القيصر ويليام الثاني عام 1890.
تبحث دراسة د. تركي وهي بعنوان "ثورة الشيخ بشير الحارثي في شرق إفريقيا 1888-1889" جانبا مهما من بدايات دخول ألمانيا مجال التوسع الاستعماري، وتم تقسيم الدراسة إلى أربعة محاور، تدرس بداية الوجود الألماني في شرق إفريقيا وتكوين مستعمرة ألمانية فيها، وأسباب اندلاع ثورة شيخ الدين بشير الحارثي، وتطور أحداث هذه الثورة وقضاء القائد الألماني "وبسمان" على الثورة.
كانت الظاهرة الاستعمارية والتوسع والغزو من الأعمال والتطورات المعروفة منذ القديم، ويرى الباحثون أن الاستعمار الأوروبي الذي نجم عن الاكتشافات الجغرافية ويدعى Colonisation يختلف عن الاستعمار الحديث الذي ظهر اعتبارا من النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وأطلق عليه منذ 1898 اسم Imperialism أو "الإمبريالية" في أمور ثلاثة مهمة:
1 - أن الأول يكون وليد عوامل داخلية دينية (كهجرة البروتستانت والهوغنوت والبوريتان إلى أميركا) أو اجتماعية كالحكم الاستبدادي والإقطاعي، أو اقتصادية فردية (لتأمين المعيشة) بينما نتج الثاني عن التطور الصناعي، وعن الاحتكار الرأسمالي وعن عوامل خارجية (كتوطيد النفوذ القومي بين الأمم).
2 - أن الأول كان هجرة بشرية واستعماريا سكنيا لمناطق غير مأهولة، في حين نجد الثاني هجرة رؤوس أموال وسيطرة اقتصادية على مناطق مأهولة وبعضها ذو حضارة عريقة.
3 - يقوم الأول على تبادل السلع، أما الثاني فيقوم على الاستثمار فحسب.
 (العالم الحديث، أنور الرفاعي، شاكر مصطفى، دمشق 1950 ص421).
 وتقول الموسوعة البريطانية Britannica نسخة عام 1980 في مادة Colonialism إن الخطوات التي نجم عنها فقدان مصر استقلالها تشبه ما جرى لاستقلال تونس: عروض مالية مغرية من قبل البنوك الأوروبية، إفلاس الدول المقترضة، تشديد الرقابة على الاقتصاد الوطني والإنفاق يتولاها مراقبون ماليون أجانب، الضغط والاحتيال على المزارعين والفلاحين لزيادة الصادرات والمحاصيل والدخل خدمة للقروض، تنامي الحركة الاستقلالية، التدخل والغزو الأجنبي والاستعمار.
يتناول د. تركي أولاً تأسيس مستعمرة شرق إفريقيا فيقول: "نجح السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي" (1806- 1856م) سلطان مسقط في نقل عاصمته من مسقط على الجانب الآسيوي إلى زنجبار على الجانب الإفريقي، وتمكن من تأسيس أول إمبراطورية عربية إفريقية في العصر الحديث، شملت معظم الساحل الشرقي لإفريقيا، وبعد وفاة السيد سعيد وبسبب الصراع بين أبنائه على الحكم، ونتيجة للتدخل الأجنبي وعلى وجه الخصوص التدخل البريطاني، تم فصل مسقط عن زنجبار، حيث حكم السيد ثويني مسقط بينما حكم السيد ماجد زنجبار، وكان معظم الساحل على الأقل اسمياً يدين بالولاء للبوسعيديين حكام زنجبار، وكان القنصل البريطاني في زنجبار يدعم ويعزز الوجود العماني في شرق إفريقيا لقناعته والحكومة البريطانية من ورائه أن ذلك أيضا يؤدي إلى دعم وتعزيز النفوذ البريطاني، وقد عملت الحكومة البريطانية جهدها لإبعاد القوى الغربية عن الساحل الشرقي لإفريقيا، واستمر الوضع حتى دخلت ألمانيا لاستعماره".
كان الاندفاع الألماني نحو إفريقيا حصيلة تنامي ضغوط مختلفة داخل هذا الكيان الصاعد المتعطش للتوسع الاستعماري. يقول الباحث: "ظلت ألمانيا حتى ثمانينيات القرن التاسع عشر الميلادي لا تسيطر على أي جزء من شرق إفريقيا، ومع ذلك كان للألمان كأفراد نشاط كشفي سواء ضمن رجال الإرساليات التنصيرية أو ضمن بعض المؤسسات التجارية العاملة في شرق إفريقيا. لقد عرف عن ألمانيا قناعاتها الراسخة بأن مجالها الحيوي يكمن في أوروبا ومع ذلك لعبت مجموعة من العوامل دورها في إقناع المستشار الألماني بسمارك والحكومة الألمانية بالدخول في التسابق الاستعماري، وإنشاء مستعمرات ألمانية في إفريقيا، ولعل من أبرز تلك العوامل الوحدة الألمانية التي تمت عام 1870م وضغط التجار ورجال البعثات التنصيرية ورجال الصحافة والرأي العام الألماني على الحكومة الألمانية للتحرك بهدف حماية المصالح الألمانية، وإيجاد مناطق نفوذ لألمانيا في إفريقيا، وتعد مؤسسة "أوزفالت" (1844م) من المؤسسات التجارية الألمانية السباقة في المنطقة، وتم افتتاح فرع لها في زنجبار عام 1849م كما برز عدد من رجال الإرساليات التنصيرية الألمان، وكان من بينهم كرايف 1844 وريبمان 1846م.
كما تأسست العديد من الجمعيات الألمانية التي تدعو إلى ما يعرف بسياسة الاندفاع نحو الشرق، ولعل من أهمها الجمعية الألمانية للدراسات الإفريقية التي تأسست عام 1878م وساهمت في إنشاء العديد من المراكز في المنطقة الواقعة بين باغامويوا وبحيرة تنجانيقا".
قامت ألمانيا بتعيين جيرهارد رولفز قنصلا عاما لها في زنجبار في 1885م وكان رولفز من الرحالة الألمان المشهورين بحماسهم للتوسع الاستعماري الألماني في القارة الإفريقية، كما دعم هذه الجهود تأسيس "الجمعية الألمانية للاستعمار" من قبل مجموعة من رجال الأعمال الألمان، وترأسها كارل بيترز peters في مارس 1884م، وقامت بدور بارز في جلب الاهتمام نحو شرق إفريقيا تمهيدا لاستعمارها، كما انعقد في برلين عام 1884 "مؤتمر غربي إفريقيا" بمشاركة 15 دولة، ونجحت ألمانيا بعد ذلك في تعزيز هيمنتها على التوجولاند Togoland والكاميرون.
كان بيترز (1856- 1918) من أبرز المخططين للاستعمار والتوسع الألماني في إفريقيا وتأسيس محمية "تنجانيقا" في شرق إفريقيا التي هي اليوم جزء من تنزانيا، وقد زار بيترز لندن، وتقول الموسوعة البريطانية لدراسة المبادئ البريطانية في الاستعمار British principles of Colonization قبل أن يؤسس الجمعية الألمانية للاستعمار التي أشار إليها د. تركي Society for German Colonization.

(2)
الجمعة 12 فبراير 2016
يتابع د. تركي حديثه عن تطلعات الألمان الاستعمارية في إفريقيا ويخص حديثه عن نشاط "بيترز" بقوله: "وصل كارل بيترز مؤسس الجمعية الألمانية للاستعمار إلى سلطنة زنجبار العربية في 4 نوفمبر 1884م، وقام برحلته إلى إقليم أوسجارا الذي يقع شمال تنجانيقا متخفيا مع ثلاثة من زملائه، وتمكن خلال ثلاثة أسابيع من توقيع عشر معاهدات مع زعماء وملوك القبائل في تلك المنطقة (أوساجارا ونجورو وأوزيجوا وأوكامي7)، مما أعطى الجمعية الألمانية للاستعمار الادعاء بالحق في السيطرة واستغلال تلك المنطقة الواسعة. لم يغفل بيترز أن يشير في المعاهدات الموقعة أن السلاطين والملوك الذين عقد المعاهدات معهم مستقلون ولا يخضعون لسلطان سلطنة زنجبار العربية الذي تربطه علاقات تجارية وسياسية مع الحكومة البريطانية، كما أشار إلى أن رؤساء تلك المناطق موافقون على التنازل عن الأراضي لإمبراطور ألمانيا ولهلم الكبير welhelm وعلى فرض الحماية الألمانية على تلك الأراضي كما نجح الألماني جوهلك Johlac في عقد معاهدات مماثلة لتلك التي عقدها بيترز بلغت عشر معاهدات تعطي لألمانيا حق الحماية على منطقة "كليمنجارو".
تحدث مؤلفا كتاب "تاريخ العالم" المشار إليه آنفا والصادر في دمشق عام 1950، وهما أنور الرفاعي وشاكر مصطفى، عن ملامح الاستعمار وتاريخه وأسبابه، وتناولا كذلك الاختلافات بين الاستعمار الانكليزي والاستعمارين الفرنسي والألماني وهي مقارنة جديرة بالقراءة والمقارنة.
يقول الباحثان عن سياسة إنكلترا الاستعمارية "إن سياستها ليست ثابتة مع امتداد الزمن واتساع الأرضين واختلافهما" ولكن هناك بعض الملامح المشتركة مثل:
"1 - مرونة الإدارة الاستعمارية واختلافها من مستعمرة لأخرى.
2 - منح الحكم الذاتي للممتلكات التي هاجر إليها الأوروبيون (الإنكليز خاصة) فأدى ذلك إلى نشوء الممتلكات الاتحادية الحرة (الدومينيون).
3 - انتقاء الأكفاء من الرجال لإرسالهم للمستعمرات وترك حرية العمل لهم بالشكل الذي يرونه أضمن لمصلحة الإمبراطورية.
4 - سياسة الباب المفتوح في الاقتصاد وهي سياسة إنكلترا التقليدية ليس مع مستعمراتها فحسب ولكن مع كل الدول، وقد حاول المحافظون قبل الحرب الأولى إدخال مبدأ الحماية التجارية، ففشلوا (وبقي هذا المبدأ حتى 1933).
5 - الدفاع عن الإمبراطورية بحيث تشترك كل شعوب الإمبراطورية معا بهذا الدفاع، وذلك إما بإرسال الجنود أو بإضافة قطع بحرية إلى الأسطول البريطاني أو بتقديم المساعدات أو باستخدام الأساطيل الخاصة عند الحاجة.
6 - عدم التدخل في شؤون المواطنين وتقاليدهم الاجتماعية عدا ما يخل منها بالنظام العام" (ص 440).
ومن النقاط الجديرة بالاهتمام في ملامح السياسة البريطانية مع مستعمراتها إشراك ممتلكاتها في توجيه سياستها العامة، وربط أجزاء هذه الإمبراطورية التي وصفت بأنها "لا تغيب عنها الشمس" فظهرت عام 1884 "عصبة الاتحاد الإمبراطوري"، وبخاصة مع تزايد التهديد الألماني لبريطانيا، وقد أدت سلسلة من المؤتمرات منذ 1887، عام يوبيل الملكة فكتوريا، إلى توحيد الجمارك بين أجزاء الإمبراطورية البريطانية، وأقامت منذ عام 1897 هيئة أركان حرب إمبراطورية، ومهد هذا كله لما أصبح يسمى بعد الحرب العالمية الأولى بـ"الكومنولث البريطاني" الذي ضم عام 2007 كل الدول ذات العلاقة الخاصة ببريطانيا وعددها 53 دولة مستقلة تعد ملكة بريطانيا والمملكة المتحدة رئيسة فخرية لها بما فيها موزمبيق التي لم تكن يوما من المستعمرات البريطانية. (انظرThe World Almanac 2008 usa. p.853).
 يقول الباحثان عن سياسة فرنسا الاستعمارية، والكتاب كما ذكرنا صادر عام 1950، إنها لا تشبه إنكلترا، "فبينما تسير بريطانيا بمستعمراتها نحو نوع من الحكم الذاتي في تدرج مرن، نرى فرنسا بالعكس تميل إلى دمج المستعمرة بها دمجا كليا، ولهذا تميزت السياسة الفرنسية:
1 - باتباعها مبدأ التمثيل (ولا سيما في الأقطار المشابهة لفرنسا في المناخ كالجزائر) وذلك بنشر الثقافة الفرنسية وتشجيع الهجرة إلى المستعمرة من فرنسا، وإدخال النظم السياسية والإدارية الفرنسية نفسها إليها.
2 - بحرصها على المركزية فليس لحكام مستعمراتها ولا لمجالس المستعمرات المحلية (إن وجدت) أي مجال للتفرد بسياسة خاصة، ولكنهم يتلقون جميع التعليمات من باريس، وإذا فرضت فرنسا حمايتها فإنما ذلك تمهيد لتحويل الحماية إلى استعمار وحكم مباشر.
3 - باستخدام المستعمرات لأغراضها العسكرية وإدخال أفراد المستعمرات في الجيش الفرنسي.
4 - بإغلاق باب المستعمرات أمام كل نشاط اقتصادي غير فرنسي ما وسعها ذلك".
 (ص451-452).
ماذا عن النشاط الاستعماري الألماني؟ وماذا جرى لهذه الإمبراطورية في المراحل اللاحقة؟ يقول الباحثان: "وأما ألمانيا فقد ظلت طول عهد بمسارك منصرفة عن الاستعمار إلى سياسة القارة الأوروبية، فلما ولي أمرها الإمبراطور غليوم الثاني أخذت تعربد طالبة "مكانا لائقا تحت الشمس"، ومطالبة بحقها كدولة عظمى في العالم، وقد استطاعت بهذا الشكل أن تشكل إمبراطورية استعمارية من توغو والكامرون على الساحل الغربي من إفريقيا قرب خط الاستواء، ومن مقاطعة أخرى على الساحل الغربي الجنوبي، وبعض الجزر في المحيط الهادئ، كما وجهت همها إلى استغلال الشرق العثماني عن طريق الامتيازات، ولكن هذه الإمبراطورية ذهبت نهبا بين الدول المنتصرة عقب الحرب العالمية الأولى". (ص454).
نعود لاستكمال قراءة بحث د. بنيان تركي عن "ثورة الشيخ بشير الحارثي" في المقال القادم.

No comments:

Post a Comment