Thursday, February 18, 2016

رفيعة المسكريّة.. انتماء بالهويّة

جريدة الرؤية 
الإثنين 15 فبراير 2016

الطفلة رفيعة بنت خميس المسكرية.. عنوان تصدّر وسائل التواصل الاجتماعي في السلطنة والخليج والدول العربية على نطاق واسع، والسبب هو أنّها فازت في مسابقة بريطانية بثلاث جوائز دفعة واحدة، هي: الخطابة باللغة العربيّة، والخطابة باللغة الإنجليزيّة، وحفظ القرآن الكريم، هذه الثلاثية المؤثرة، عنوانها (طفلة عمانية)، وهو ما جعل الجميع في السلطنة على وجه الخصوص، يشعرون بالفخر والسعادة..
ثم، جاءت المعلومة الصادمة، هذه (الطفلة) الفائزة بهذه الثلاثية على مستوى العالم، على الأراضي البريطانية، ليست عُمانية بل بريطانية الجنسيّة، على الرغم من عروبيّة الاسم، وعُمانية 
القبيلة، هذه الصدمة التي أحدثت دهشة عامة، فتحت العديد من الأفكار، وأخذتني نحو بهو واسع من الأفكار، ونقلتني إلى فضاءات كانت تروح وتجيء، ولم تَطفُ على سطح المؤشرات اليومية المُلِحّة.
هذه الطفلة، أبوها عماني، وأمها كذلك، أعمامها وأخوالها وخالاتها وأخوالها، كلهم عمانيون، الجذور عمانية، على الرغم من كون الأب عاش شطرًا من حياته في شرق أفريقيا، كونه ولد هناك ولكن من أبوين عمانيين وعلى الرغم من محاولته الحصول على الجنسية استنادًا إلى وثيقة الجذور والامتداد الاجتماعي، إلا أنّ المحاولات باءت بالفشل المُحبِط؛ لذا، حمل جذوره، وذهب نحو المملكة المتحدة (بريطانيا)، وهناك عمل، ثم حصل على الإقامة، ثم نال الجنسيّة؛ وفي تلك الجغرافيا البعيدة عن الوطن، تمت ولادة (الطفلة رفيعة)، لتحمل اسمها العماني، ونسبها الاجتماعي العماني العربي المسلم، وتحافظ على لغتها (الأم) ولغة الجنسية معاً، متفوقة فيهما معاً، ومتخذة من القرآن الكريم مرجعاً ذاكريًا تجذيرا وتكوينيًا لهوّيّتها..
مثل خميس المسكري وعائلته، هناك الكثيرون، في شمال أفريقيا (تنزانيا)، وفي منطقة البحيرات العُظمى (رواندا، بوروندي، زائير)، وكلهم عمانيون وعمانيات، انتقلوا للعيش طلبا للحياة الكريمة إبّان الفتوحات العُمانية، وعلى الزحف الامبراطوري للتوغل العُماني الواسع الانتشار في أفريقيا، ولكن، لم يَدُم الحال، ووجد هؤلاء الكثيرون والكثيرات أنفسهم وأنفسهن خارج منظومة الاعتراف بكونهم عمانيين، على مستوى الجنسية؛ إلى الحد الذي صارت فيه الفتيات العمانيات، يتزوّجن من الأفارقة، من أجل الحصول على استقرار وإقامة، كي تضمن كفالة لوالديها ومن لديها، وكي لا تقع تحت طائلة عقوبة تضعها تحت يافطة (المخالفين)..
قريبنا العاجل، شهد تجنيسًا واسعا للعديد من غير العمانيين، لأسباب مختلفة، لا اعتراض، فهذا شأن حكومي بسند قانوني، ولكن في المقابل، كنا نأمل أن تتم عملية التجنيس مع الأولى بذلك، وهم العمانيون والعمانيات المنتشرون والمنتشرات في أماكن عدة في العالم، حتى بات بعضهم في دول قريبة ينتمون إلى (فئة البدون)، على الرغم من جذورهم الصريحة جدا بكونهم عمانيين، ولكن القانون لا يعترف بالجذور، بل بجواز السفر فقط..
هناك ملف، ينبغي إعادة فتحه، لأهمّيّته، وهو المتعلق بـ (العمانيين في أفريقيا)، شمالاً وغرباً، فالضرورة تقتضي التعامل مع عمانيي الشرق والغرب الإفريقيين، نسبة إلى وثائقهم، وجذورهم، بمنحهم جواز السفر، كي يتعمّق الانتماء، ولا بأس من اشتراط الإقامة  في عمان، إن كان ذلك سيحقق استقراراً نفسياً وتاريخياً واجتماعياً لهم وهم في تلك البلدان، فهم ثروة اقتصادية واجتماعية، وهم ذاكرة لا بد من الاعتناء بها، فنحن أحوج ما نكون إلى تجذير الانتماء فيهم، وعدم تركهم عُرضة للظروف التي لا يُعلَم مسار أخذها إيّاهم..
في أمريكا، وبالتحديد في ولاية أوهايو، حيث كنت أرافق ابنتي واحة، التي تكمل دراستها الجامعية هناك، لفتت انتباهي الطالبة خديجة بنت هلال الحبسي، ذات الحراك الخدمي الذي تقوم به لكل طالبة تقوم بالالتحاق بالجامعة، عميق تفكيرها يجعلها تجد في كل قادمة من السلطنة بمثابة رائحة تراب تشمّها في الملامح والتفاصيل والابتسامة والحلم، كانت تقوم بمساعدة أي طالب أو طالبة عمانية تلتحق بالجامعة، أعجبني نشاطها، فسألتها من أين أنتِ؟  قالت من ولاية المضيبي، وتحديدا من بلدة الروضة، ولكنّي هنا بصفتي تنزانية الجنسية وطالبة في الجامعة على هذا الأساس، ولكنّي أشعر بفخر عميق في داخلي، كلما رأيت عمانيا أو عمانية، لأنهم يربطونني بالجذور، التي تتجاوز الجواز، وتجعلني مؤمنة بالانتماء.
مثل خديجة ورفيعة، هما رسالة مهمة وضرورية، ومن المهم أن تصل إلى المعنيين بها، فهما وأمثالهما من لحمنا ودمنا، نحتاج إليهم؛ ولذا أناشد وزارة الداخلية الاهتمام بهذا الملف، الذي – نعلم يقينا – أنّه سيحل الكثير من الإشكاليات، وسيعيد البسمة والحياة إلى أسر عمانية خارج جغرافيا الوطن، تحلم أن تعيش بقيّة حياتها في أي شبر من أرض عمان الطيبة، التي لا تنبت إلا طيّبا.

No comments:

Post a Comment