Tuesday, December 8, 2015

السلطان العماني الذي شارك في الحرب العالمية الأولى

أثير
2/6/2015م

ولد السلطان خليفة بن حارب في مسقط في26/8/1879م لأبوين ينتميان لأسرة البوسعيد الحاكمة في عمان ، فأبوه السيد حارب بن ثويني بن سعيد بن سلطان الذي حكم عمان من عام 1856 الى عام 1866م ، وأمه السيدة تركية بنت السلطان تركي بن سعيد بن سلطان. حينما بلغ السيد خليفة من العمر ثلاثة عشر عاما ، انتقل للعيش في سلطنة زنجبار سنة 1893م بكنف عمه السلطان حمد بن ثويني (1893-1869م)




تولّى السيد خليفة بن حارب حكم سلطنة زنجبار في عام 1911م ، في الوقت الذي وصل فيه النفوذ البريطاني إلى ذروته في المنطقة لا سيما ، وأن زنجبارأصبحت رسميا تحت الحماية البريطانية في عام 1890م بسبب تداعي انهيار الإمبراطورية العمانية في ذلك الوقت ، وقد تحكّم الإنجليز في زنجبار، وبعض الأجزاء الأفريقية في جميع شؤون البلاد الداخلية والخارجية وفق التعديلات الدستورية البريطانية التي فرضت على زنجبار التي تم إدخالها ضمن نطاق وزارة المستعمرات الإنجليزية رسميا سنة 1913م. كان السيد خليفة بن حارب من أكثر سلاطين زنجبار حكمة ،وبصيرة وتواضعا، وكان مضرب مثلا في الأخلاق الرفيعة التي جعلته محبوبا جدا لدى أهل زنجبار ، ولم يكن من الحكمة التي يملكها السلطان أن يبدأ حكمه بمعارضة سلطة الحماية البريطانية ، تلك القوة التي تهيمن على المنطقة منذ سنوات طويلة، ولذا فإن سياسته فرضت على السلطات البريطانية الأخذ برأيه في الكثير من الأمور التي كانت تعتبر لدى بريطانيا ذي طابع سيادي رغم السيطرة المطلقة لبريطانيا في زنجبار، وأجزاء كبيرة من البرّ الأفريقي .

 


موقف السلطان خليفة من الحرب العالمية الأولى :


كان لإندلاع الحرب العالمية الأولى في عام 1914م ، آثار مباشرة ، وغير مباشرة على منطقة الشرق الأفريقي على اعتبار أن أجزاء كبيرة من هذه المنطقة قسّم بين الأطراف المتصارعة في هذه الحرب بريطانيا ، وألمانيا ، وإيطاليا . ولأن زنجبار تقع ضمن مناطق النفوذ البريطاني قريبة من مناطق الصراع في الحرب بدول شرق افريقيا ، فمن الطبيعي أن تصبح هذه السلطنة المسالمة جزءا من تلك الحرب القاتلة. وكان أول عمل عدائي لألمانيا ضد زنجبار تمثل في دخول السفن الألمانية إلى المياه الإقليمية للسلطنة وإغراق السفينة الخاصة بالسلطان خليفة بن حارب في 20 / 9 / 1914م ، وتلاه بعد أربعة أيام مباشرة قيام البارجة الألمانية ( كوينجسبرج) بإغراق البارجة البريطانية ( بيجاسيس) .


أما بالنسبة لردّة فعل سلطنة زنجبار اتجاه عداء ألمانيا ، فقد كان من الطبيعي أن تعلن السلطنة انضمامها إلى دول الحلفاء بقيادة بريطانيا ضد دول المحور، والتي تقودها ألمانيا في هذه الحرب، وقد مثّل إعلان السلطان خليفة الإنضمام إلى جانب بريطانيا هي البداية الرسمية لدخول زنجبار في هذه الحرب مجبرا ، بحكم أن بلاده تقع ضمن المحميات الإنجليزية، وبنفس الوقت ردا للعدوان الألماني على سلطنته . وقد أكّد السلطان خليفة بن حارب هذا الإعلان لكافة رعاياه في البرزة العمومية بتاريخ 6/11/1914م حينما قال في خطابه :


" الحمدالله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، أبدي لكم أيها السادة الشكر على حضوركم إلى هذا المجلس، وأحب أن ألقي عليكم كلاما وجيزا بقصد التذكار في ثلاثة أمور ، حيث لا يخفى عليكم ما وقع في العالم من الفتنة التي عم شرها جميع العالم ، والموقظ لهذه الفتنة هي ألمانيا في أملاكها وأحكامها الشنيعة من الشنق وغيره من أنواع العذاب ومؤاخذة الرعايا بأدنى ذنب .


فإني وكافة المسلمين في زنجبار نظهر إخلاصنا لجلالة الملك جورج الخامس والملكة ماري كوين صاحبي ممالك بريطانيا المتحدة، وايرلندا، وما وراء البحار من المماليك الإنجليزية ، ملك وإمبراطور الهند الحامي لجميع الأديان ،ولورثته، وخلفائه ، وإننا نشكر الله أن عصم مملكتنا الزنجبارية من تلك الأحكام الشنيعة ، وأنقذ أهلها من تلك العقوبات الفظيعة بأن صارت في حماية الدولة البريطانية العظمى ، ولم تزل في جلب الراحة، والأمان، وللرعايا، وتنظيم المملكة وترقيتها ، مؤيدة للأحكام الشرعية بواسطة قضاة مسلمين في المحاكم التي تحت ملاحظتها، والعدل، والإنصاف في هذه المملكة المحروسة ، ولم تقهر أحدا من أهالي زنجبار على حمل السلاح والدخول في الحرب في بر إفريقيا كما فعلت ألمانيا ودولتها في الساكنين في مملكتها من العرب وغيرهم ، بل عادة هذه الدولة البريطانية الرفق واللين ، كما هو مشاهد ، وقد رضيت أن تقاوم المصاعب، والمتاعب وتبذل الأموال، والأرواح لحماية هذه المملكة، وإنقاذ أهلها من كل ما تخشاه.


وإنني، والمسلمين، وكافة رعايا زنجبار نعلن بأننا متمسكون بروابط الإتحاد مظهرون الولاء والإخلاص لجلالة الملك جورج والملكة ماري، ونولي من والاه ونعادي من عاداه والأمل وطيد أن يكون منصورا على أعدائه قابضا على أزمة السيادة العمومية خافقا لواؤه على جميع الأقطار .. والسلام "


ومن هذا الخطاب أعلن السلطان خليفة صراحة عداءه ضد الألمان، وحلفائهم ومن ضمنهم الأتراك لا سيما حينما أعلن السلطان العثماني التحالف مع ألمانيا، والجهاد المقدس ضد بريطانيا ، وقد لاقى إعلان السلطان العثماني للجهاد استحسانا من قبل الكثير من المسلمين، ومنهم العرب بشرقي أفريقيا بقيادة السيد خالد بن برغش الذي خاض وأصحابه معارك ضارية ضد بريطانيا بكل شجاعة، وبسالة، وتضحيات


وحينما بدأ نفوذ الدعاية العثمانية الألمانية ينتشر بشكل كبير في المنطقة، وزنجبار تحديدا ، عمد السيد خليفة لإلقاء خطبة أوضح فيها كذلك موقفه من الدولة العثمانية قائلا فيها : " ليكن لديكم معلوما أن الدولة التركية تعتبر ركنا من العالم الإسلامي ، غير أنها قد أضاعت سياستها، وحطت سيادتها بتدخلها في حرب أوربا منذ أن جنحت إلى تكثير سواد ألمانيا ،ومساعدتها ، بعد أن أنذرها أولو الأبصار، والآراء الصائبة من علماء، وأكابر ممالكها الناظرين بعين البصيرة إلى عواقب الأمور، وأشاروا عليها بملازمة الحياد ، وكذلك جميع المسلمين على اختلاف مذاهبهم في أرض الهند ، فقد بالغوا في نصحها بأن تلازم الحياد أو تكون مع الإنجليز ، لأن أكثر المسلمين في هذه الممالك الشرقية سيما في الاقطار الشرقية والممالك الهندية مستظلون تحت حماية الدولة البريطانية ، مشمولون بعواطفها ، فمعاداة الإنجليز مضرة حينئذ لدولة الترك ، ويسيئ ذلك لأكثر المسلمين ، وبتقليدها هذه العداوة تسقط مرتبتها من قلوب المسلمين فيا حبذا لو لزموا الحياد ، وأما في حرب إيطاليا الماضية، فقد أظهر المسلمون في زنجبار حماية دينية لتركيا حينما اعتدى عليها الطليان ، ولم يكن لهم حق، وفعلوا ما فعلوا في طرابلس ، أما الآن فلا حق للترك أن يتدخلوا في الحرب ، ولا حاجة لذلك ، بل الذي ينبغي له أن يكثر سواد من كان حاميا لأكثر المسلمين ، أو يلازم الحياد ، الذي يرضاه العقل الإنساني ، لا ما فعلوه من التهور بمساعدتهم لدولة ارتكبت الفضائع، وحيث صممت تركيا على مساعدة ألمانيا فقد رفض الأتراك نفس العلاقات بينهم وبين المسلمين الساكنين في الهند، وفي المستعمرات البريطانية، وهذا الذي يعتقده الحاضرون والنائبون في هذا المجلس ".


ويمكن القول: إن موقف السلطان خليفة بن حارب في هذه الحرب، والمتمثل في الوقوف مع بريطانيا ضد ألمانيا هو المنطق بعد إحكام العقل ، فلم يكن من الحكمة لبلد كزنجبار تقلصت مساحتها لتقتصر على جزيرتين صغيريتن، وبعض من مناطق ساحل البر الأفريقي عقب انهيار الإمبراطورية العمانية، ولا تملك جيشا نظاميا أن تقف أمام القوة الإنجليزية، وسلطتها في المنطقة، وهي من أسقطت في قبضتها دولا أكبر مساحة ، وسكانا كالهند، والعراق، والجزيرة العربية ، والخليج بشكل خاص، وبالأخص في التحالف معها ضد الألمان في الحرب العالمية الأولى ، ولذا ، فإن سلطان زنجبار، والرعايا العرب كانوا جميعا في صف الإنجليز في هذه الحرب ما عدا بعض العرب بقيادة السيد خالد بن برغش البوسعيدي الذين قاتلوا بجانب ألمانيا ضد الإنجليز .


وقد تمثل مشاركة زنجبار في الحرب العالمية الأولى في الدعم المعنوي والمادي ، فقد قامت هناك حملة لتجنيد العديد من رعايا السلطنة من مختلف القوميات ضمن ما عرف وقتها بـ ( حملة بنادق ملك افريقيا ) ، كما عمدت بريطانيا بهذا الخصوص إلى سن مراسيم وقوانين تجبر الافارقة الذين يبلغون السن القانوني بتسجيل أنفسهم لدى القوات البريطانية ، كذلك قدّم أهالي زنجبار مبلغ وقدره ( 70,000) جنيه كتبرع لدعم العمليات القتالية البريطانية ضد الألمان ، وكذلك قامت سلطنة زنجبار بتقديم مبلغ قرض لبريطانيا بلغ ( 245,000) جنيه في الوقت الذي كانت فيه زنجبار تعاني من ضائقة مالية نتيجة الأزمة الإقتصادية العالمية نتيجة اندلاع الحرب العالمية الأولى .


لقد دفع أهالي زنجبار وشرق افريقيا بشكل عام في هذه الحرب الثمن غاليا في الأنفس والأموال ، فقد قتل الآلاف من الأفارقة على أرضهم التي تقع ضمن مناطق الصراع بين بريطانيا وألمانيا ، ولم يحصل الكثير من هؤلاء القتلى بعد إنتصار بريطانيا سوى إنشاء قاعدة لتخليد ذكرى من ذهب ضحية في تلك المعارك التي أصبحت فيما بعد متحفا لجميع أهالي زنجبار .

 

 

 


المرجع : زنجبار في عهد السلطان خليفة بن حارب (1911 – 1960 م ) دراسة في التاريخ السياسي ، أحمد بن خلفان الشبلي ، الطبعة الأولى 2015م ، دار الفرقد للطباعة والنشر والتوزيع ، دمشق – سوريا

No comments:

Post a Comment