Wednesday, August 26, 2015

سالمة بنت سعيد أميرة عربية بين عالمين 1844-1924

زاهر الهنائي
مجلة نزوى

عاشت حياتها كأسطورة من أساطير ألف ليلة وليلة، لأجل تاجر ألماني من أصل هانزي ضحت سالمة بكل شيء وعرضت حياتها للخطر، واستبدلت بحياة القصر عالما ذاقت فيه مرارة الغربة وفقدان النصير.
مرة أخرى تستنشق عبق جزيرة التوابل وتسمع هدير المحيط الهندي، كان ذلك في عام 1888 عندما عادت مرة أخرى إلى زنجبار على متن سفينة في محاولة يائسة للرجوع إلى الوطن، يبدو وكأنها ستكون الزيارة الأخيرة للوطن، حيث لم يبق لديها من أثر لوطنها سوى ذلك الكيس الصغير من الرمل الذي ملأته من الساحل قبل أن تفارق وطنها إلى الأبد.
قبل ذلك بعقدين من الزمن اضطرت ابنة الاثنين والعشرين عاما إلى مغادرة زنجبار سرّا على متن سفينة حربية بريطانية. أميرة عربية، وابنة للسلطان، وحامل بصبي من التاجر الألماني هاينريش روته، وتسمت باسمه أيضا «إميلي روته»، كان ذلك عشقا ممنوعا لا يصدق، قد يجرها إلى الموت.
قررت الهرب والحياة مع هاينريش في هامبورج البعيدة، تحولت من الأميرة سالمة إلى المواطنة الهانزية إميلي روته. رافقتها السعادة بعد ذلك وقتا قصيرا، فبعد ثلاث سنين من وصولها فاجأها القدر بموت زوجها في حادث دهس. اضطرت من أجل أولادها الصغار أن تبقى في ألمانيا وتقاسي الغربة في هذا العالم الغريب كليا عنها، معبرة عن ذلك في مذكراتها: «غادرت وطني وأنا عربية خالصة ومسلمة ملتزمة. وماذا أنا اليوم؟ مسيحية غير ملتزمة وأكثر قليلا من نصف ألمانية».
التقت سالمة هاينريش في زنجبار عام 1864 عندما كان ممثلا لإحدى الشركات الألمانية في جزيرة زنجبار، وكان قد أتقن اللغة السواحلية. كانا يلتقيان كثيرا فأحب كل منهما الآخر. لم يصبح هذا الأمر سرّا بعد أن أصبحت سالمة حاملا عام 1866 في الشهر الرابع، فقررت الهرب خوفا على حياتها بعد أن طلب منها أخوها ماجد أن ترحل إلى الحج وقد دبر بذلك قتلها، هربت بمساعدة القنصل البريطاني على ظهر سفينة حربية بريطانية كانت متجهة إلى عدن.
وصلت سالمة إلى عدن قبل هاينريش في السابع من ديسمبر 1866، وهناك ولدت ابنها وتم تعميده، كما تم تعميدها أيضا باعتناقها المسيحية وتسمت بإميلي روته. لحق بها هاينريش بعد ذلك وتم عقد زواجهما في اليمن أيضا، بعدها بوقت قصير انطلقت رحلتهما إلى الشمال عن طريق البحر الأحمر، وكانت رحلة شاقة لم يتحمل مشقتها الرضيع فمات. أغفلت سالمة ذكر هذا الموضوع في مذكراتها ولم تتعرض له البتة، وقد يكون ذلك، حسب رأي أسرتها اليوم، من جراء بالغ حزنها العميق.
ولد لها في هامبورج ثلاثة أولاد: الابنة الكبرى أنطونيا توقا والابن رودولف سعيد والابنة الصغرى روزاليا غوزا. تعلمت سالمة الألمانية وعانت في تعلمها، وأصابها الذهول من نمط الحياة الجديدة في هامبورج، التي كان فيها المال أهم من كل شيء ولو كان على حساب العطف الإنساني، مثلما عبرت عن ذلك في مذكراتها. سكنت الأسرة الصغيرة عند وصولها إلى هامبورج في بيت مستأجر يطل على بحيرة الألستر. رحبت أسرة هاينريش بالعضوة الجديدة، وسعت سالمة إلى إظهار مقدرتها على إدارة العمل المنزلي كما يتوقع من أي امرأة في هامبورج.
في السادس من أغسطس من عام 1870 تلقت سالمة لطمة قاسية بوفاة زوجها، حينما تعرض لحادث دهس عندما قفز من العربة لينزلق فتدهسه عربة القطار، توفي بعد الحادث بأيام قليلة وعمره لم يتجاوز إحدى وثلاثين سنة، أصبحت سالمة فجأة وحيدة مع أولادها الثلاثة الصغار، دون اتصال حقيقي بالمجتمع ودون أصدقاء حقيقيين. ويجب عليها أن تعلم من الآن أن المرأة الأوروبية لا تملك إلا قليلا من الحقوق. سيبذر أهل زوجها ميراثه وسيتصرفون به. اضطرت إلى الانتقال من مدينة إلى أخرى لتكسب المال لأولادها الصغار، فعملت مدرسة للعربية ومترجمة. وحاولت مرارا دون فائدة أن تتصل بأسرتها في زنجبار، وهناك أيضا منعت من ميراثها الذي ورثته عن أبيها وأمها.
سافرت عام 1885 مع أولادها إلى زنجبار على متن بارجة ألمانية حربية، كان اللوبي الاقتصادي في ألمانيا يحاول استغلالها في محاولة للتوسع الاستعماري في شرق أفريقيا، أرسلها المستشار الألماني بسمارك لتحقيق رغباته ومصالحه الاستعمارية وكانت غطاء لتدخله العسكري في المنطقة في حال تعرضت سالمة لأي نوع من العنف بصفتها مواطنة ألمانية يجب الدفاع عنها، وربما كانت الإمبراطورية الألمانية تطمع في أن يكون ابنها سعيد سلطانا على زنجبار وبذلك يمهد لها التوسع الاستعماري في الشرق الأفريقي. ومع ذلك لم تتمكن سالمة من الاتصال بالأسرة الحاكمة ومنعت من ذلك، لم تهتم ألمانيا بالأميرة بعد أن وقعت معاهدة هيلغولاند-زنجبار، وتحددت بموجبها المصالح الاستعمارية لألمانيا وبريطانيا. وفي عام 1888 عاودت سالمة الكرة بالرجوع إلى وطنها إلا أنها وُوجِهت بالرفض مرة أخرى.
قبل ذلك بعامين كانت قد أصدرت مذكراتها التي حققت مفاجأة لها في أوروبا بسبب الإقبال الكبير عليها من جانب الأوروبيين، فقد سحرتهم الحياة الأسطورية للأميرة، ولكن مذكراتها أثارت حتى اليوم ردود أفعال رافضة لفكرة الرقيق، فآلاف الرقيق في زنجبار يكدحون في المزارع، تذكر سالمة ذلك في مذكراتها دون انتقاد، ولكنها تحدثت في الجانب الآخر عن استغلال التجار من هامبورج ولندن للعبيد في زنجبار وتسخيرهم في خدمة أعمالهم. وانتقدت بشكل لاذع الأوضاع الاجتماعية في هامبورج: «لم أر في مكان ما مشهدا للتباين الطبقي مثلما يوجد هنا في الشمال البارد». «ثراء فاحش وفقر مدقع». «أعتقد جازما أنه لا يوجد بالتأكيد اثنان من مائة من العبيد يقبلان بهذه الحرية، فالعبودية أرحم لهما».
عندما كبر أولادها غادرت سالمة ألمانيا وانتقلت إلى الشرق الأوسط. هناك كانت غريبة أيضا ولكن كانت وسط كثير من الغرباء وفي عالم شرقي مألوف. أقامت فترة طويلة مع ابنها سعيد الذي كان دبلوماسيا ألمانيّا في بيروت. وقررت أن تعود إلى ألمانيا عام 1920. فقد غلبها الشوق وحنت إلى أحفادها.
قضت سنواتها الأخيرة في مدينة يينا مع ابنتها الصغرى روزالي، وتوفيت هناك عام 1924 دون أن تتحقق أمنيتها بالرجوع إلى وطنها، قرر أولادها أن يحفظوا رمادها بجانب قبر زوجها بمقبرة هامبورج في أولسدورف مع كيس الرمال الصغير الذي جلبته من ساحل الجزيرة في آخر زيارة لها عام 1888 وظلت محتفظة به إلى حين وفاتها، وقد كتب على ضريحها عبارة الأديب الألماني تيودور فونتانه: «مخلص من أعماق قلبه من يحب وطنه مثلك». هكذا عاشت أميرة عمان وزنجبار مثلما صورها الصحفي الألماني أكسل تيدمان في مقاله المنشور بجريدة «هامبورجر أبند بلات» اليومية والذي يحمل عنوان العشق الممنوع لأميرة زنجبار، مستمدا معلوماته من الحفيد الثاني للأميرة سالمة «إريش شفينجه» والذي يعمل حاليا مديرا للمشاريع في شركة بي أم دبليو.
j h j
أسعى هنا من خلال تكثيف تتبعي للأدبيات الألمانية التي تعنى بصاحبة مذكرات أميرة عربية، إلى لفت أنظار المهتمين إلى بعض المناطق المعتمة التي غابت أو ربما غيبت عن القراء العرب، فكثير منا تشكلت لديه صورة عن صاحبة المذكرات من خلال الترجمة العربية بمختلف مترجميها بدءا من عبد المجيد القيسي 1978 نقلا عن اللغة الإنجليزية ومرورا بسالمة صالح 2002 نقلا عن الألمانية، والمقارن للترجمتين لا يجد إضافة تكاد تكون نوعية قدمتها ترجمة سالمة صالح إلا أنها ترجمة عن اللغة الألمانية التي هي لغة المذكرات الأصلية. هناك وثائق أخرى وجدها الألمان في تركة السيدة سالمة لم تتحدث عنها الأدبيات العربية التي ما زالت تتغنى بالمذكرات منذ زمن بعيد مكتفية بها رغم ما نشر من وثائق أخرى لا تقل أهمية عن المذكرات تعود للأميرة العربية، ومن المفارقات العجيبة أن مكتباتنا ولا سيما هنا في عمان لا تحتفظ بنسخ من كتاب المذكرات بالألمانية، وللعلم فقد تُرجمت إلى لغات أخرى منها الفرنسية فضلا عن الإنتاج الروائي حولها الذي لا يزال مستمرا وواضحا من خلال الأعمال التي خرجت للجمهور مؤخرا كالفيلم الوثائقي الألماني 2007 الذي وثق سيرتها مرورا برواية نجوم على زنجبار Sterne ueberSansibar 2010، وأخيرا في عام 2013 صدرت رواية للروائي السويسري لوكاس هارت مان بعنوان وداع زنجبار… سأحاول في هذا السياق الحديث عن هذه الجوانب مركزا على التركة الأدبية للأميرة، التي وجدها أولادها في تركتها بعد موتها وتتضمن مذكراتها في ألمانيا «رسائل إلى الوطن، ونصا قصيرا تكملةً لمذكراتها ونصا آخر قصيرا أيضا عن العادات والتقاليد السورية، سيكون الحديث هنا أكثر عن الجزء الثاني من مذكراتها «رسائل إلى الوطن»والذي تتحدث فيه عن حياتها في ألمانيا، لا يزال هذا الجزء من مذكراتها غير مترجم إلى العربية، وقد شرعت قبل مدة من الزمن في ترجمته بعد أن ظفرت بالكتاب، وأنا ماض في ترجمته وقد قطعت شوطا لا بأس به وآمل أن يخرج قريبا إلى النشر وسأقدم هنا شيئا من نصوص الكتاب مترجمة تعطي تصورا عاما عن هذا الكتاب المهم الذي هو تكملة لمذكراتها. كما سألقي الضوء قليلا على الأعمال الروائية التي اهتمت بشخصية السيدة سالمة ولا سيما الأعمال الروائية في ألمانيا.
سأعرج أولا على الأنشطة الكتابية للسيدة سالمة وما نشر عنها وكتب بشكل عام، وستكون هناك استطرادات حين يلزم الأمر للحديث أكثر عن بعض التفاصيل المتعلقة بالكتاب أو المنشور.
1- «مذكرات أميرة عربية،
MemoireneinerarabischenPrinzessin»،
الذي حظي بمتابعة واسعة من الغرب والشرق، وقد احتفي به في ألمانيا، ومما يدل على ذلك أن الكتاب صدر أول مرة عام 1886 في برلين عن دار H. Rosenberg (لاحقا عن دار Friedrich Luckhardt)، وأعيدت طباعته في العام نفسه 1886 أربع مرات، وقد ترجم بطبعات مختلفة بعد ذلك إلى عدة لغات حية منها العربية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية، وتحتفظ المكتبات الألمانية بالطبعة الثالثة والرابعة من الكتاب، إذ يوجد في مكتبة الدولة ببرلين نسخ من الطبعات الأولى للمذكرات وتحديدا الطبعة الرابعة (1866) في مجلدين.
j h j
هذه المذكرات تمثل حياة السيدة سالمة في قصر أبيها بزنجبار وطفولتها. وقد ظن كثيرون أنه الكتاب الوحيد لها، ومما زاد هذا الظن ترجمة سالمة صالح للمذكرات من اللغة التي كتبت بها (2002، دار الجمل)؛ إذ لم تشر إلى كتابات السيدة سالمة الأخرى على الرغم من ظهور الكتاب الثاني «رسائل إلى الوطن، Briefenach der Heimat» عام 1999.
2-  حياة في قصر السلطان، مذكرات من القرن التاسع عشر
(LebenimSultapalast):
هذا الكتاب هو نفس المذكرات إلا أنه أعيد نشره عام 1989 من قبل AnnegretNippa عن دار Athen?um بفرانكفورت بعنوان «حياة في قصر السلطان»، مع بعض التعديلات على النص الأصلي كتغيير العنوان وكتابته بالطريقة الألمانية الحديثة وحذف طفيف لبعض المقاطع مع حذف مقدمة المؤلفة.
3-      التركة الأدبية للسيدة سالمة
(Emily RuetesilterarischerNachlass):
يظن كثير منا كما ذكرت أن التركة الأدبية للسيدة سالمة تنحصر في مذكراتها التي بين أيدينا، والحقيقة ليست كذلك، فللسيدة سالمة إرث أدبي بجانب المذكرات لم تنشره في حياتها، وجد في تركتها بعد موتها، يحتوي هذا الإرث الأدبي على ثلاثة نصوص هي: «رسائل إلى الوطن، Briefenach der Heimat»، ونصان آخران قصيران هما «تكملة لمذكراتي،NachtragzumeinemMemoiren»، و»عادات وتقاليد سورية، SyrischeSitten und Gebraeuche».
الكتاب الآخر للسيدة سالمة الذي نشر بهذا العنوان «رسائل إلى الوطن»، لا يقل أهمية عن المذكرات؛ فهو يتناول البعد الغائب من العالم الآخر لسالمة، حياتها في ألمانيا، ولهذا الكتاب قصة وتفاصيل. فـ «رسائل إلى الوطن» هو تكملة للمذكرات في الحقيقة، يصف حياة الأميرة بعد خروجها من زنجبار عام 1866 حتى انتقالها إلى برلين أواخر سبعينيات القرن 19 تقريبا، قام بإخراج هذا الكتاب لأول مرة باللغة الألمانية Heinz Schneppen، وهو سفير سابق لألمانيا في تنزانيا، وقد صدر عن دار Philo ببرلين 1999.
يرجح ناشر الكتاب هاينز شنيبن أن المذكرات والرسائل هما كتاب واحد يهدف إلى المقارنة بين الشرق والغرب كما يشير الى أن سالمة ربما قد تأثرت بالشاعر والأديب الألماني تيودور فونتانه (1898) ووجدت في شخصية الفتاة إفي بريست في رواية إفي بريست لتيودور فونتانه رفيقة معاناة فحاولت تسجيل ذلك في مذكراتها، يقول شنيبن: «في شارع بوتسدام 70أ سكنت إميلي قريبا من تيودور فوناته، ولكنها كانت بعيدة عن عالم زوجات المستشارين التجاريين والقادة العسكريين اللاتي كن في رواياته يسكنّ في حي تيرجاردن في برلين. ربما وجدت في إفي بريست رفيق معاناة؛ إذ تجرأت مثلها على كسر الأعراف والتقاليد. حينما أنهى فونتانه المجلد الرابع من روايته رحلات في براندنبورج كانت إميلي قد أكملت مذكرات أميرة عربية. وفي حين أنها وفت لبعض القراء بإعطائهم لمحة عن أسرار حريم الشرق كان هدفها نقل صورة للأوروبيين عن أفكار الناس في وطنها وعاداتهم. عندما كانت تكتب مذكراتها حول زنجبار كانت تفكر في ألمانيا، وحينما كانت تكتب رسائلها عن ألمانيا كان في فكرها زنجبار، كلا النصين ينزعان إلى المقارنة وينتميان إلى موضوع واحد». تتحدث السيدة سالمة في «رسائل إلى الوطن» عن تفاصيل من حياتها في عالمها الآخر، ذلك العالم الذي كانت تأمل منه الخلاص والحرية، وتبدأ فيه بذكر رحلتها إلى ألمانيا من عدن عبر البحر الأحمر إلى بحر الشمال وصولا إلى مدينة هامبورج بألمانيا، هذه التفاصيل كان يتوق إلى معرفتها كثير من المهتمين والمتابعين لشأن الأميرة العربية، وربما وصل بهم اليأس إلى حد لم يأملوا به كشف الحجب وسبر أغوار عالمها في الشمال فأقنعهم اليأس بعالمها في الجنوب من خلال مذكراتها.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الكتاب قد نشر مترجما إلى اللغة الإنجليزية أولا عام 1993، وقد قام بإخراجه الباحث الهولندي E. Van Donzel عن دار E.J.Brill بعنوان «أميرة عربية بين عالمين، المذكرات، رسائل إلى الوطن، تكملة للمذكرات، عادات وتقاليد سورية،  An Arabian Princess Between Two Worlds: Memoirs, Letters Home, Sequels to the Memoirs : Syrian Customs and Usages»، أشار إلى هذا الكتاب أيضا الدكتور خليل الشيخ في المقال الذي نشره في مجلة نزوى: «قراءة في مذكرات أميرة عربية»، ولكنه لم يلفت القارئ إلى إرث السيدة سالمة، واكتفى بقوله: «… وقد أعاد الباحث الهولندي E. Van Donzel نشر المذكرات مع دراسة مستفيضة له عن صاحبتها بعنوان…».
الكتاب في أصله جزء مما يعرف بالتركة الأدبية للسيدة سالمة Emily RuetesliterarischerNachlass، التي تضم النصوص الثلاثة: رسائل إلى الوطن (الذي تروي فيه حياتها منذ وصولها إلى ألمانيا حتى انتقالها إلى برلين في أواخر سبعينيات القرن 19)، ونصين آخرين قصيرين هما «تكملة لمذكراتي» (الذي تحكي فيه إخفاق رحلتيها إلى زنجبار)، و»عادات وتقاليد سورية»، وحسب ناشر الكتاب: تمت طباعة النص الأصلي للرسائل بالآلة الكاتبة منتصف العشرينيات من القرن 20، وتتضمن نسخة مكتبة الدولة ببرلين ملحوظة كتابية بخط ابنها سعيد روته، لندن، 7/9/1929: «لا يسمح بنشر هذه التركة جزئيا أو كليا قبل 1 يناير 1940، ولا يمكن إتاحتها للجمهور قبل هذا التاريخ.»
j h j
قام السفير هاينز بالاقتصار فيما نشره على النص الأول «رسائل إلى الوطن»، وشفعه بمقدمة وخاتمة إضافية أوضح فيهما سياق النشأة التاريخي للنص، وقدم أيضا رؤية جديدة تتمحور حول علاقة المذكرات بالرسائل وأنهما كتاب واحد يهدف إلى المقارنة بين الشرق والغرب، كما تعرض أيضا للغز تأخر إخراج الكتاب الذي لم يظهر حتى سنة 1993.
طبع الكتاب كما أشرت بلغته الأصلية أول مرة عام 1999 في برلين عن دار Philo ، وضع له ناشره السفير الألماني السابق في تنزانيا Heinz Schneppen مقدمة قصيرة أوضح فيها تباين وجهات نظر أولادها حول نشر المذكرات للعلن ووصفا عاما للكتاب، كما أضاف خاتمة، قسمها إلى عدة موضوعات:
– مِن السيدة سالمة إلى إميلي روته
– رسائل إميلي روته وثيقة لحياتها وزمنها (1867-1884)
– بين عالمين (1884-1924)
– المصادر والمراجع
– تعليقات
وهذه ترجمة للمقدمة وشيء من الخاتمة لتعريف القارئ بالكتاب عن قرب، وقبل ذلك هذا مختصر لمحتوى الكتاب.
يتألف كتاب الرسائل في محتواه من مجموعة رسائل جاءت على النحو الآتي:
رسائل إلى الوطن – من البحر الأحمر إلى بحر الشمال – بين الإسلام والمسيحية – عالم غريب جديد – منزل على نهر الألستر – عادات هامبورج – شتاء حزين – قيود المجتمع – أعياد الميلاد في ألمانيا – الأسرة ملاذًا – الحرب الألمانية الفرنسية – فاجعة – بين الأمل واليأس- ألم الفراق – انفصام المشاعر – الاضطراب النفسي والأزمات المالية – زيارة من زنجبار – تغير الحياة – وداع هامبورج – بداية صعبة في دريسدن – مساعدة ودّية – تركة الزوج – من دريسدن إلى رودولشتات – قلق الأم – مقاطعة ألمانية – في عاصمة الإمبراطورية الألمانية – حياة من أجل الأولاد.
وهذه ترجمة لمقدمة الناشر ومقدمة الرسائل: «مقدمة» ..
للكتب أيضا قصتها. فبعد موت إميلي روته سنة 1924 شغل أولادها مبكرا موضوع نشر مخطوط أمهم «رسائل إلى الوطن» الذي وجدوه في تركتها، كان موقف ابنها سعيد من النشر إيجابيا في حين أبدت ابنتاها بعض التحفظ على ذلك؛ فقد كتبت ابنتها الصغرى روزالي إلى أخيها سعيد في يونيو عام 1924: «معاناتها كانت صعبة – فلدى قراءتها يصاب المرء بالذهول».
عانت الأم كثيرا بعد حادثة موت زوجها، إذ تعقب روزالي في رسالتها على ذلك: «فمشكلات الحياة لم تتركها تعيش في راحة». جعلت روزالي أخاها يعيد التفكير فيما إذا كانت مذكرات الأم على درجة عالية من الحزن والخصوصية لا تسمح بإظهارها إلى العلن. ولكنها ذكرت أيضا أن إحدى صديقات أمها ذكرت لها أن أمها بنفسها عهدت إلى إحدى الكاتبات بالعمل على المخطوطة. ابنتها أنطوني لها اهتمامات أدبية، وأظهرت نيتها في المبادرة بالاعتماد على الرسائل إلى تأليف سيرة لأمها، لتقوم ببعض الإضافات اللازمة وحذف ما يلزم، فخاصتها من أقاربها هم أولى بعمل ذلك من الغريب الذي لا ينتظر منه فعل ما هو صواب، كما أن هذا الفعل سيمنح خاصتها وأقاربها شعورا أفضل.
هذا كان مخالفا لرأي أختها روزاليا التي عبرت عنه في رسالة بعثتها إلى أخيها في يناير عام 1928، يتمثل في أن الأولاد لن يكونوا حياديين وموضوعيين في كتابة سيرة لأمهم بسبب انحيازهم الطبيعي تجاهها، كما أن هذا المشروع لا يَعِدُ بمكاسب مادية على كل حال. والمهم هو الحصول على أكبر قدر من ذكريات الأم.
ولدت إميلي روته عام 1844 ابنة لسلطان زنجبار. وغادرت الجزيرة سرا عام 1866 للزواج برجل الأعمال الألماني هاينريش روته في عدن ليتجها بعدها إلى هامبورج، وبزواجها واعتناقها المسيحية قطعت علاقتها بوطنها ودينها. كتابها «رسائل إلى الوطن» يتحدث عن حياتها في ألمانيا من 1867 إلى منتصف الثمانينيات تقريبا. ورسائلها موجهة إلى صديقة لها في زنجبار لا يعرف إن كانت شخصية حقيقية، ولكن لا ينقص هذه الرسائل ذكر المرسل إليه فقط بل تفتقد أيضا إلى الشكل المعهود للرسائل، فلا شيء يوقف التدفق المستمر للسرد، إضافة إلى ذلك ساقت إميلي رسائلها بطريقة حوارها مع نفسها.
الرسائل هي نظيرة «مذكرات أميرة عربية»، التي تحدثت فيها عن ذكريات طفولتها السعيدة في زنجبار. وما زالت مذكراتها التي نشرت أول مرة عام 1886 تخرج إلى الآن بطبعات جديدة وبلغات مختلفة. أما «رسائل إلى الوطن» فهذه هي المرة الأولى التي تنشر فيها باللغة التي كتبت بها.
رسائل إلى الوطن (مقدمة المؤلفة)
طلبتِ مني مرارا أيتها الصديقة الحبيبة أن أذكر لك تفاصيل عن حياتي وتجربتي في الشمال (هامبورج). ولكن ذلك لم يحدث حتى الآن والسبب الحقيقي هو خوفي من إعادة الذكريات بتفاصيلها في نفسي مرة أخرى، كما أني لست متأكدة من تلبية رغبتك عموما بل رضاك على وجه الخصوص؛ لأن الحياة والعادات والتقاليد والتصورات للناس في الشمال هي مختلفة تمام الاختلاف عنا، الأمر الذي يجعلني أخشى أنك ستعتبرين بعض الأشياء مبالغا فيها أو حتى ربما ستبدو غير معقولة. هل كان هذا الأمر مختلفا معي في البداية عندما ألقي جسدي في هذا الوسط؟ احتجت سنين لأفيق من هول صدمة ما كان يحيط بي وما كنت أسمعه وأراه مع مرور الوقت، لأن اختراعات الناس هنا عموما مذهلة جدا، وهي على أي حال تظهر تفوقهم العقلي. ولكن حسب مفهومنا فيها بعض الشيء من الجدية المبالغ فيها، بحيث ليس من السهل لدينا استيعاب ذلك من منطلق تصوراتهم، مع الأجنبي في إزاء ذلك هم مهذبون، فالمخالف لهم قبل كل شيء يسر دائما بانتباههم ومشاركتهم، في مقابل ذلك يواجه الجديد على هذا المجتمع في كل مكان طغيان الواقعية والصراحة طغيانا كبيرا يدفعه بشكل قسري وبسبب نقص الاستيعاب إلى الانعزال والانطواء على الذات. إن التمدن المفرط قد جعل الناس على هذه الشاكلة، ولا يمكن تفسير هذا بخلاف ذلك. مع التحضر ظهرت القدرة على التخيل ولدى آخرين ظهر معه الغرور جنبا إلى جنب، كلا الأمرين بالتأكيد داء قبيح جدا ويفضل دائما الابتعاد عن مثل هؤلاء الناس قدر الإمكان، عموما يوجد هنا خط سماوي حيث يجب على الضعيف أن ينزل إلى الأرض عندما لا تكون لديه المقاومة الكافية للصدمات الأخلاقية إن جاز التعبير غير المعدودة والمنتمية إلى الحضارة. كم مرة راودني القليل من الأفكار المعزية مع مرور الوقت.
أصاحية أنت فعلا أم نائمة؟
ولكن لماذا نستبق الحقائق؟»
وهذه ترجمة من خاتمة الناشر المهمة التي يبين فيها مصادر ومراجع الوثائق الألمانية التي تعنى بالسيدة سالمة، علما أن الخاتمة تناولت مادة تحليلية جيدة موسعة (ما يقرب من 50 صفحة) استندت إلى وثائق تاريخية ومصادر مهمة كشفت جانبا كبيرا كان مغيبا من حياة سالمة في عالميها وتفاصيل دقيقة ملأت فجوات مهمة لم تكن معروفة:»
المصادر والمراجع
في 12/9/1929 سلم رودولف سعيد روته التركة الأدبية لإميلي روته إلى المستشرق الليدني (جامعة ليدن الهولندية) وصديق أمه «كريستيان سنوك هورجرونيه»، طالبا منه عدم السماح بنشر «رسائل إلى الوطن» دون موافقته قبل 1 يناير 1940.
أشكر مدير الأرشيف الاستشراقي «LegatumWarnerianum» بمكتبة جامعة ليدن الدكتور J.J. Witkam للسماح بنشر المخطوطة باللغة التي كتبت بها لأول مرة، ويجدر التنبيه أن النص لم يكتب بلغة المؤلفة الأم. فقد كتبت إميلي روته رسائلها بألمانية معبرة ومسترسلة ولكن من جهة أخرى لا تخلو من الأخطاء. اعتمدت في نشر هذه الطبعة على مخطوطة التركة الأدبية التي كتبت بآلة طابعة منتصف العشرينيات، وقد تمت الاستعانة بالمخطوطة الأصلية وتصحيح ما كان يلزم، وكان الهدف من ذلك هو إظهار نص صحيح موثوق فيه ومقروء في الوقت نفسه.
كان المصدر الأهم لسيرة إميلي روته وأعمالها هو كتاب «السيدة سالمة/ إميلي روته، أميرة عربية بين عالمين. المذكرات، رسائل الوطن، تكملة المذكرات، عادات وتقاليد سورية» الذي طبع مع مقدمة لـ E. vanDonzel، ليدن/ نيويورك/ كولن 1993.
كما أشكر الأرشيف الفيدرالي ببرلين، والأرشيف السياسي بوزارة الخاجية ببون/برلين، وأرشيف التراث الثقافي البروسي السري ببرلين، وأرشيف الدولة بهامبورج، ومكتبة الدولة ببرلين وأيضا الأرشيف الوطني لزنجبار الذي تتوافر مقتنياته مصورة في ملفات القنصلية الألمانية بالأرشيف السياسي في وزارة الخارجية. كما كان لأرشيف المدينة بدريسدن ورودولف شتات دور في معرفة التفاصيل المحلية.
اعتمدت أيضا على كتاب «ألمانيا- زنجبار- شرق أفريقيا»، برلين (شرق) 1959، لـ Fritz Ferdinand Müller، وكتاب «شرق أفريقيا في السياسة الألمانية الإنجليزية 1884- 1890»، هامبورج 1934، لـ GüntherJantzen للاطلاع على الخلفيات السياسية. ومما يجدر ذكره هنا أيضا الأعمال المرجعية لـ Reginald Coupland وJohn Gray عن تاريخ زنجبار، وكذلك مساهمة (John Gray) في مشروع «تنجانيقا المذكرات والوثائق، Tanganyika Notes and Records»»، دار السلام، 43، 1954، حول إميلي روته. أما ما يتعلق بأحوال زنجبار منتصف القرن 19 وحياتها السيدة سالمة ،إميلي روته بالتعميد، في زنجبار، فاستندت إلى كتاب «حياة في قصر السلطان، مذكرات أميرة عربية» لـ AnnegretNippa (فرانكفورت 1989)، الذي ظهر أول مرة عام 1886 في برلين. والطبعة المنشورة لـ «مذكرات أميرة عربية» باللغة الإنجليزية عام 1981 لـ G.S.P. Freeman- Grenville، لندن/ لاهاي، هي مفيدة لما تحويه من تعليقات ووثائق.
كما أخص بالشكر إدارة المحفوظات الاستشراقية «LegatumWarnerianum» بمكتبة جامعة ليدن على تسليم الصور».
وفي جانب آخر كان لشخصية السيدة سالمة حضور في العمل الروائي، إذ كانت موضع اهتمام عدد من الكتاب والأدباء الذين استوحوا شخصيتها وما سجلته في مذكراتها ليصوغوا أعمالهم في قالب روائي، وتمثل حضورها بشكل محوري أحيانا، وثانوي تارة أخرى.
فقد صدرت عام 1963 رواية باللغة الإنجليزية بعنوان « «Trade Wind، ريح التجارة» لـ Mary M. Kaye، وصفت محاولة الانقلاب في زنجبار. أدت فيها السيدة سالمة دورا جانبيا، ترجمت الرواية لأول مرة إلى اللغة الألمانية بعنوان «: «Inselim Sturm، جزيرة في العاصفة»، عام 1986 في 912 صفحة. تمثل أحداث الرواية في زنجبار في القرن 19 بانوراما غريبة من القراصنة والسلاطين، الأميرات والثوريين، المؤامرات، العنف والكوارث الطبيعية. إذ تزور الشابة الأمريكية أثينا هوليز عمّها الدبلوماسي في الجزيرة الأفريقية، وكان هدفها مقاومة الرق والعبودية، ولكن تاجر الرقيق روري فروست أحبط محاولتها.
كما صدر للروائية الألمانية Nicole C. Vossler رواية بعنوان «Sterne überSansibar ، نجوم على زنجبار»، 2010، وقد سلطتُ الضوء عليها في مقال نشر في جريدة الزمن العمانية، تاريخ 6 أغسطس 2014.
تبدأ الرواية بسرد أحداث الطفولة السعيدة لابنة السلطان على جزيرة التوابل، واهتمام أخيها غير الشقيق ماجد بتعليمها الفروسية والرماية، وتعلمها القراءة والكتابة ولغات أجنبية سرا. ثم مقابلتها لرجل الأعمال الثري هاينريش، وتعرفهما على بعضهما، فصارت العلاقة أكثر حميمية وانتهت بحمل وارتقاب لمولود. لا يتصور أن يكون لأميرة مسلمة ابن غير شرعي. الزواج بغير مسلم كذلك غير وارد، لم يكن المخرج من ذلك سوى الهرب، ويجب عليها الآن أن تتخلى عن حياتها واسمها وثروتها. يأمل الزوجان الشابان أن يكونا سعيدين في مدينة هامبورج. ولكن ماذا ينتظر سالمة في البلد الأجنبي البارد الذي يختلف عن وطنها كثيرا؟!
كما صدر حديثا 2013 للكاتب السويسري لوكاس هارتمان رواية «Abschied von Sansibar، وداع زنجبار»، تدور أحداث الرواية حول أميرة لزنجبار تهرب مع رجل أعمال من مدينة هامبورج بألمانيا. وبهذا العشق الممنوع تبدأ أسطورة العائلة الشرقية الغربية بين أوروبا والعالم العربي نهاية القرن التاسع عشر. الرواية تاريخية وتستند لأحداث حقيقية للسيدة سالمة.
بعد كل هذا لا يزال عالم الأميرة بحاجة إلى سبر لأغواره العميقة، فالمصادر والوثائق التي يحتفظ بها الأرشيف الألماني وجامعة ليدن بهولندا تنتظر من يخرجها ويعمل على تحقيقها ودراستها، فضلا عن ترجمتها وترجمة الروايات والأعمال التي قامت عليها، فالطريق بكر ولا يزال في بدايته.
هوامش:
———————————————-

No comments:

Post a Comment