Sunday, October 23, 2016

السلطان العُماني الذي تخلى عن تاج زنجبار

د.سليمان المحذوري
جريدة الوطن " أشرعة" 23 اكتوبر 2016
ارتبط اسم السيّد علي بن حمود [1] تاسع سلاطين زنجبار بموضوع  تنازله عن عرش زنجبار أو بالأحرى إجباره على التنازل كما سنرى من سياق هذا المقال. تولى عرش زنجبار وهو لم يتجاوز 18 عاماً رغم وجود كبير العائلة السيّد خالد بن محمد الذي أُبلغ أنّه لن يرث الحكم خلفاً لأخيه الراحل السلطان حمود بن محمد[2]. وبالتالي؛ وبسبب صغر السلطان الجديد وُضع تحت الوصاية البريطانية، وأصبح القنصل البريطاني في زنجبار مستر روجرز Rogers نائبه إلى أن يبلغ سن 21 عاماً. يذكر الريامي أنّ الإدارة البريطانية وافقت على تعيين السيّد علي سلطاناً على زنجبار رغم حداثة سنه لأنه تلقى تعليمه في بريطانيا ، كما أنّ صغر سن السلطان الجديد سيُسهل على الإنجليز فرض سيطرتهم على السلطنة العربية ومن ثم صنع قرارها السياسي.
 وهذا ما حدث بالفعل؛ فخلال فترة الوصاية كان مستر روجرز هو المسؤول عن تسيير شؤون الحكم في سلطنة زنجبار، كما انفرد بجميع سلطات الحكم؛ على سبيل المثال تذكر المصادر أنّ الجريدة الرسمية كانت تنشر قرارات واعلانات حكومية دون علم السلطان! . ورغم أنّ السيّد علي حاول التخلص من هذه الوصاية - كما يذكر الشبلي- محتجاً بجده الأكبر السيّد سعيد بن سلطان الذي حكم وعمره كان في حدود 15 عاماً،  كما أنّ نظام الوصاية لم تعهده زنجبار من قبل. وفي هذا السياق أشارت المصادر التاريخية أنّ السيّد علي بن حمود أوفد أحد المقربين منه يُدعى يعرب بن سليمان الدرمكي إلى بريطانيا لعرض مشكلة الوصاية على وزير الخارجية البريطاني إلا أنّ هذه المطالب المشفوعة بالمبررات لم تلق آذاناً صاغية من القوة الاستعمارية.

وفي مارس من عام 1903م غادر السيّد علي وهو لا يزال تحت الوصاية البريطانية إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج ولدى وصوله إلى ميناء جدة استُقبل استقبالاً رفيعاً يليق بمقام الحكّام والسلاطين من قبل حاكم عام الحجاز؛ حيث أطلقت المدفعية 27 طلقة تحية لاستقباله ، وكان في ضيافة شريف مكة طيلة فترة إقامته مما عزز في نفسيته شعوراً بأهميته ومكانته كسلطان على زنجبار . وهنا يذكر      Hollingsworth  أنّ السيّد علي بعد عودته بدأ في اظهار تبرمه وسخطه من القيود التي فرضتها عليه الوصاية البريطانية. وبطبيعة الحال مقاومته للطريقة المتعجرفة التي يتعامل بها مستر روجرز معه، وانفراده باتخاذ بالقرارات ذات الصلة بشؤون الحكم في السلطنة العربية دون الرجوع إليه . يعلق الإسماعيلي على ذلك بقوله أنّ السيّد علي الآن – يقصد بعد عودته من الحجاز- لم يعد ذلك الصبي؛ وإنما شاباً يعرف مصلحة بلده، ويضيف " ومن الواضح أنّ سفر السيّد علي إلى خارج نطاق السيطرة البريطانية قد أيقظه ونور بصره ليرى أبعد بكثير".
وفي في 7 يونيو 1905م أُعلنت نهاية الوصاية البريطانية على السيّد علي بعد أن بلغ 21 عاماً وهي السن القانونية التي تسمح بتولي مقاليد الحكم في سلطنة زنجبار من وجهة نظر الإنجليز.  إلا أنّ نهاية الوصاية التي استمرت مدة 3 سنوات لم تمنع بريطانيا من ممارسة دورها السيادي على الجزيرة، وزيادة تداخلاتها، وفرض هيمنتها؛ وذلك بإحكام قبضتها على الشؤون المالية والقضائية والتشريعية بالمحمية؛ إذ أنّ وضع زنجبار كمحمية بريطانية ساعد الإنجليز على التمسك بإدارة شؤون البلاد وفقاً لمصالحهم؛ فهم يستطيعون أن يتدخلوا في أصغر شؤونها ما دامت القرارات تصدر باسم السلطان.
وفي نوفمبر 1907م زار السيّد علي القسطنطينية التي استُقبل فيها بما يليق بمقامه كحاكم، والتقى السلطان العثماني الذي أقام مأدبة عشاء على شرفه، كما قلّده أعلى أوسمة الدولة وهو الوشاح الرفيع للدولة العثمانية .هذا التقارب ما بين زنجبار والدولة العثمانية أشعر الإدارة الإنجليزية بالامتعاظ خوفاً من انتشار أفكار الجامعة الإسلامية في زنجبار خاصةً وأنّ السيّد علي أبدى تعاطفه وتجاوبه مع مشروع الجامعة الإسلامية ، ولا شكّ أنّ هذا الارتباط مع الدولة العثمانية التي تتبنى هذا المشروع؛ أمر كان يخشاه الإنجليز وذلك بتأثير هذه السياسة على مسلمي شرق إفريقيا الذين كانوا يكنون عداء للدولة الاستعمارية . وربما بهذا التوجّه كان السيّد علي يحاول وضع حداً للنفوذ البريطاني في زنجبار محاولاً في ذات الوقت اضفاء طابع الاستقلالية للحكومة العربية. ورغم المعارضة والمقاومة الشديدة من المقيم البريطاني غير أنّ السيّد علي كان يعمل جاهداً لاتخاذ قرارات مُستقلة، وبالتالي فإن تقوية وتمتين علاقاته بالعثمانيين يُعد نوعاً من المقاومة للنفوذ والسيطرة البريطانية على الجزيرة، وتأكيداً على أنّ لزنجبار امتداد اسلامي يمكن التعويل عليه في مقاومة الاستعمار الأجنبي، وفي ذات الوقت تأكيد هوية زنجبار العربية الإسلامية.
وحول قرار تنحي السيدّ علي عن عرش زنجبار تُشير المصادر إلى أنّ السيّد علي تلقى دعوة إنجليزية لحضور حفل تتويج الملك جورج الخامسGeorge V ؛ فسافر من زنجبار في مايو 1911م بصحبة زوج اخته وابن عمه السيّد خليفة بن حارب، وعندما وصل إلى باريس عدل عن رأيه وأرسل السيّد خليفة لينوب عنه لحضور حفل التتويج ؛ يقول المغيري " عقب انتهاء حلة التتويج ، أبرق السيّد علي بن حمود من باريس إلى حكومة بريطانيا باعتزاله عرش زنجبار لأسباب سياسية" دونما تفصيل من المغيري لماهية هذه الأسباب، وفي موضع آخر ورد في جهينة الأخبار أنّ " سمو السلطان علي بن حمود سلطان زنجبار، قد أخبر جلالة ملك بريطانيا بأنّ حالته الصحية قد آلت لسوء الحظ إلى حد يمنعه من استمراره باتمام الواجبات اللازمة عليه بصفته حاكماً على هذه السلطنة لذلك سموه طلب بأن يُعفى من الحمل الذي حمل.... "[3]  ومن الواضح أنّ الأسباب السياسية التي أشار إليها المغيري هي التي دفعته للتخلي عن حكم زنجبار متذرعاً بالأسباب الصحية .
أمّا الرواية الإنجليزية بشأن تنازل السيّد علي عن الحكم فترّكز على الأسباب الصحية كدافع لتنازله عن العرش ، وتعمدت إخفاء الأسباب الأخرى. صحيح أنّ ظروفه الصحيّة لم تكن على ما يرام واستدعت سفره خارج زنجبار بين الفينة والأخرى لتلقي العلاج في سويسرا وألمانيا، وقد يكون هذا سبباً من أسباب تنازله عن الحكم؛ غير أنّ هذا السبب لم يكن كافياً لاعتزاله الحكم وإنما هناك أسباب أخرى تبدو أكثر وجاهة إزاء ذلك. فكما مرّ بنا أنّ الاجراءات التي سنّها القنصل البريطاني روجرز للتحكم في إدارة شؤون الحكم في السلطنة العربية كان لها دور في استياء السيّد علي الذي أصبح سلطاناً بلا سلطة ؛ من خلال استفزازه بجملة من التصرفات الإنجليزية المتعالية، ومواصلة تدخلاتها السافرة في شؤون الحكم في سلطنته الذي يعود تاريخه إلى عهد أسلافه. ولا غرابة البتّة أن يكون هناك عدم وفاق بين السيّد علي والإدارة الإنجليزية؛ حيث تُشير الروايات الى أنّ السيّد علي بن حمود كان شديداً في تعامله مع الإدارة البريطانية ليس مع الموظفين فحسب وإنما مع القنصل البريطاني ذاته.
وعلى الرغم من الاصلاحات التي تبناها السيّد علي خلال فترة الحكم الفعلية 1905-1911م  في مجالات متعددة لعل أهمها التعليم؛ فقد لاحظ السيّد علي نقص الخدمات التعليمية للمسلمين بالجزيرة الأمر الذي حرمهم من الحصول على مناصب إدارية في الحكومة فيما كانت الحكومة البريطانية تشجّع مدارس التنصير، كما فُرض على حكومة زنجبار دفع 60% من مصاريف تشغيل هذه المدارس ومدارس الهنود رغم أنّ هذه المدارس لم تكن تسمح بضم أي طالب ما لم يكن مسيحياً او هندياً. لذا كان السيّد علي كثير الاحتجاج على سياسة التعليم المُتبعة في زنجبار ، فقام بتأسيس مدرسة في قصره ، كما كان يشجّع افتتاح مدارس القرآن الكريم الأهلية في الأرياف التي لم تكن مُحبذة لدى الإنجليز . إلى جانب ذلك ومن أجل منح رعاياه فرص تعليمية لم يكن هناك مفراً من الموافقة على انشاء مدرسة عصرية في زنجبار عام 1908م اتخذت من اللغة السواحلية لغة رسمية التي استبدلت حروفها العربية بالحروف اللاتينية، وكان هذا سبباً من أسباب عزوف العرب عن تدريس أبنائهم بهذه المدارس.
 كما كان السلطان علي يعارض ادخال الإنجليز ورعاياهم الهنود في الوظائف الإدارية في سلطنة زنجبار، ومنحهم رواتب  ضخمة دون الاستفادة من خدماتهم يقول الإسماعيلي أنّ مثل هذه التصرفات لم تكن تعجب الإنجليز وبالتالي أصبح السيّد علي بن حمود شخصية غير مرغوبة  من قبل الإدارة الاستعمارية وفي نهاية المطاف أُجبر السيّد علي على التنحي عن عرش زنجبار ؛ حيث أُعلن رسمياً خبر تنازله عن عرش زنجبار في 9 ديسمبر 1911م ، واعلان تنصيب السيّد خليفة بن حارب سلطاناً على زنجبار ومتعلقاتها[4].
من خلال ما تقدم يبدو جلياً أنّ السيّد علي بن حمود وقع بين فكّي كمّاشة؛ الوصاية البريطانية من  جانب والتي تمثلت في مستر روجرز، والحماية البريطانية المفروضة على السلطنة العربية منذ عام 1890م من جانب آخر.  وفي هذا السياق أقتبس رأي المعمري حول هذه الحادثة عندما ذكر " بدأت نقطة التحول في تاريخ زنجبار عندما وضعت هي وبمبا تحت الحماية البريطانية. وكان ذلك يعني ببساطة وضع حكومتها وإدارتها مُستقبلاً في أيدي بريطانيين، ورغم أنّ الجزيرتين ظلتا تحت حكم السلطان؛ لكن السلطان لم يعد مستقلاً أو يتمتع بسلطات واسعة ، وإنما مجرد حاكم اسمي للجزيرتين" . وبالتالي استغلال هذا الظرف من قبل الإنجليز لفرض مزيد من القيود على السيّد علي ، كما أنّ شخصية السيّد علي والندية التي أبداها في تعامله مع الإنجليز جعلتهم يعتبرونه شخصاً غير مرغوب فيه. ورغم أنّ صحة السيّد علي لم تكن على ما يرام؛ إلا أنّ ذلك لم يكن سبباً مباشراً في تركه لكرسي الحكم ؛ إنما الظروف والتطورات التي تمّت مُناقشتها سالفاً هي التي أجبرته علي التخلي عن عرش زنجبار.



المراجع:
·        الإسماعيلي، عيسى بن ناصر. زنجبار التكالب الإستعماري وتجارة الرق. ترجمة مبارك بن خلفان الصباحي، دار الغرير، دبي، 2012.
·        الشبلي، أحمد بن خلفان. زنجبار في عهد السلطان خليفة بن حارب .دار الفرقد، دمشق، 2015.
·         الريامي، ناصر بن عبدالله. زنجبار شخصيات وأحداث. ط3، بيت الغشام، مسقط، 2016.
·         المعمري، أحمد بن حمود. عُمان وشرقي إفريقيا. وزارة التراث القومي والثقافة، مسقط، 1992م.
·         المغيري، سعيد بن علي. جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار. تحقيق محمد علي الصليبي ، وزارة التراث القومي والثقافة مسقط،2001.
·         غزال، آمال " الحكم البوسعيدي في زنجبار: نظرة في صياغة اطار جديد للفكر العربي الإسلامي" ، المنهاج، العدد الأول، نوفمبر 2011.
·        Hollingsworth, L. Zanzibar Under the Foreign Office 1890-1913, London, Macmillan& Co.Ltd, 1953.



[1] ولد السيد علي بن حمود بتاريخ 7 يونيو 1884، وهو أكبر أبناء السلطان حمود بن محمد ، استدعي من بريطانيا التي كان يدرس فيها آنذاك لتولى الحكم بعد وفاة أبيه  بتاريخ 20 يوليو 1902 واستمر بالحكم حتى 9 ديسمبر 1911 ، وتوفي بتاريخ 20 ديسمبر عام 1918. تزوج من كريمة سلطان عُمان فيصل بن تركي عام 1904 وأنجب منها 2 ذكور و2 إناث (سعود ، فريد، زينة ، عالية).
[2] الرواية الإنجليزية تقول بأن المنصب (حكم زنجبار) عُرض على السيّد خالد بن محمد إلا أنه اعتذر بدواعي سوء صحته؛ فيما تذكر المصادر أنّه  كان ينوب عن ابن أخيه السيّد علي في الحكم  أثناء غيابه !!! ويذكر الريامي أن السيد خالد بن محمد كان أكثر المرشحين حظاً لتولي الحكم لأنه يحظى باحترام افراد الأسرة المالكة لما عرف عنه من رجاحة العقل وحسن المنطق وسعة الصدر بالإضافة إلى عمره الذي يرجّح كفته.
[3] خطبة القنصلية البريطانية في يوم تتويج السيد  خليفة سلطاناً على زنجبار بتاريخ 9 سبتمبر 1911م ألقاها الشيخ صالح بن علي الشيباني باللغة العربية.
[4] قضى السيّد علي بقية حياته في أوروبا حتى وفاته في باريس في ديسمبر 1918م.

No comments:

Post a Comment