Saturday, April 16, 2016

أحمد بن النعمان .. سفير التجارة والدبلوماسية


بقلم يونس بن جميل النعماني
6/1/2013م
يعتبر أحمد بن النعمان من الشخصيات المغيّبة تأريخيا، ولا نعرف عنه سوى أنه أول سفير عربي للولايات المتحدة الأمريكية، في هذا المقال الذي يقع في جزأين سنحاول التقرب من هذه الشخصية الكاريزمية ودوره السياسي والاقتصادي في عهد السيد سعيد بن سلطان (1804 – 1856م). أحمد بن النعمان بن محسن بن عبدالله الكعبي البحراني، اختلف في تاريخ مولده، فقيل عام 1784م، وقيل 1789م، أما الشيخ صالح الشيباني البحراني فيذكر عام 1790م، ولد في البصرة، و تلقى تعليمه الإبتدائي في الدين الإسلامي فيها. عربي ينحدر من قبيلة بني كعب التي تسكن الساحل الشرقي للخليج العربي، أمه فارسية، والمعلومات شحيحة جدا حول بداية حياته،  عمل كصبي في السفن يخدم في السفينة، وهناك دلائل كثيرة على ذكاءه وتقواه، سافر إلى البحرين والصين والهند وأفريقيا، ثم عمل كاتبا لدى السيد سعيد بن سلطان بمسقط عام 1820م، ترقى بسبب اجتهاده، إذ تولى وزير الخارجية ووزير التجارة، وأخيرا الوزير والسكرتير الأول للسيد سعيد بن سلطان،  أدى فريضة الحج، ولا يعرف العام بالتحديد من المرجح أن يكون 1824م، وهو نفس العام الذي ذهب فيه السيد سعيد لأداء فريضة الحج،  أتهمه البعض بأنه من أتباع الصابئة، والبعض قال عنه أنه ذو وجهين  وهذا خالِ من الصحة تماما؛ فقد عًرف احمد بن النعمان بتدينه، وأنه من أتباع مذهب الأثنا عشرية، وهو الذي وهب بيته وقفاً لأتباع المذهب ويسمى مأتم الشيعة في زنجبار
أوصافه:
قصير القامة، ممتلئ العود، بشرته قمحية وعيناه قوية النظرات، طيب القلب، مرهف الحس، صارما، في شخصيته نوع من المهابة والشموخ يلبس عمامة زاهية الألوان، وعلى وسطه حزام كشميري، وعلى قميصه الأبيض الناصع قفطانا ( بشتاً) جميلا أسود اللون مطرزا بخيوط ذهبية عند الأكتاف وعلى الصدر. لم يكن الاختيار على أحمد بن النعمان ليقوم بمهمة الإبحار إلى نيويورك، بل كان لأحد الشخصيات وهو السيد حسن إبراهيم البوسعيدي وزير التجارة، وهو قريب السيد سعيد بن سلطان وقد وافق على القيام بالمهمة، وكان السيد حسن ذو تعليم عالي، ويجيد اللغة الإنجليزية، وكان قد تلقى تعليمه في الهند، كما أنه كان حسن المظهر، ولكنه من هذه المغامرة الغير مألوفة، وذات المشاقة الصعبة، والتي لم يجربها أي عربي من قبل، هذا ما دعاه أن يدعي المرض خوفاً من غضب السيد سعيد.  وافق السيد سعيد على إعفائه من المهمة، وتم الاختيار على السكرتير الخاص بالسيد سعيد وهم أحمد بن النعمان الكعبي البحراني.
السلطانة في  نيويورك
بدأت العلاقات بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية في 20 ديسمبر 1777م، وهي الأيام الأولى من تاريخ الولايات المتحدة، ورسميا في 1787م عندما صادق الكونغرس الأمريكي على معاهدة السلام والصداقة بين البلدين، واعترف المغرب رسميا بالمستعمرات الأمريكية كدولة ذات سيادة موحدة، وتم إعادة التفاوض حول المعاهدة في عام 1836، وهي لا تزال سارية المفعول إلى يومنا هذا، مُشكلةً بذلك أطول معاهدة في تاريخ الولايات المتحدة دون انقطاع. كما احتضنت طنجة أقدم مقر دبلوماسي أمريكي في العالم، الذي تحول اليوم إلى متحف، وهي المعلمة التاريخية الأمريكية الوحيدة التي تقع خارج أرض الولايات المتحدة. إلا أن اتصال عُمان بأمريكا يُعد مثالاً للإصرار العربي، وعلى الدور الفعال للعلاقات الدولية، وتؤكد على النظرة الثاقبة الجيوسياسية. أضف إلى ذلك العلاقات الثنائية في مجال التجارة، والتي ازدهرت بعد معاهدة 1833م. ذهب ابن النعمان على متن السفينة السلطانة التي بُنيت في بمباي بالهند، وذلك في بداية عام 1833م بأمر من السيد سعيد بن سلطان، وسُميت نسبة إلى زوجته وابنة عمه وأسمها السيدة عزه بنت سيف البوسعيدي، وقد بنيت السفينة من خشب الساج المعروف بصلابته وقوته، ولم تكن فخمة، ولا رائعة الصنع، بل كانت صغيرة بمؤخرة مرتفعة وعوارض بارزة ومزخرفة بصورة غير متناسقة، تم صنعها لأغراض عسكرية، وبها أربعة عشر فتحة للمدافع. أما في رحلتها إلى نيويورك لم تحمل سوى أربعة مدافع، وهذا دليلُ على الهدف التي توجهت من أجله.
كانت السفينة سلطانة تمثل رمزا للسيد سعيد بن سلطان، وجاء ذلك من خلال جنوح السفينة الأمريكية بيكوك قبالة شواطئ مسيرا ( مصيرة) ، وما لبث أن سمع السيد سعيد بن سلطان بالخبر حتى أمر سلطانة بالإبحار مباشرة إلى السفينة بيكوك وإنقاذها، لكن عندما وصلت وجدتها قد تخلصت من محنتها بعد أن رمت ما تحمله من بضائع، وقد أمر السيد سعيد بالغوص لإحضارها.
كانت مهمة أحمد بن نعمان الدبلوماسيَّة مقصورة على تسليم رسالة إلى الرئيس الأمريكي (مارتن فان بورن) تعبِّـر عن تمنيات السَّيد سعيد الطَّـيبة وتقديم الهدايا, وقد ردَّ الرئيس على رسالة السَّيد سعيد برسالة تفيض ثناء, وأرسل هدايا إليه تضم زورقًـا فخمًـا مع أربعة مسدسات متعدِّدة الطلقات وبندقيتيْن متعددتي الطلقات ومرآتيْن كبيرتين وشمعدانًـا دقيق الصَّنعة, وقد نُـقش على قطع السلاح باللغة العربية ( من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية إلى سلطان مسقط وزنجبار ) ويضم المتحف العماني حاليًـا إحدى هاتين البندقيتيْن.
وماذا عن قيادة السفينة؟
قاد السفينة بحار إنجليزي يسمى“ ويليام سُليمن“ الذي أنطلق من زنجبار إلى نيويورك، ولم تتوقف إلا في جزيرة سانت هيليتا (سانت هيلانه)، كان سليمن يعمل في البحارة الملكية، وكان ماهرا وذو خبرة في السفر ولكنه كان مدمناً على الخمر، إذ أنه وبعد التوقف في سانت هيلانه أشترى كمية كبيرة من الخمر، جعلته في حالة من السكر لمدة ثمان أيام، بعد سانت هيلينا كان الطريق بالغ الخطورة، والقائد في سبات عميق، ولم ينقذهم من الخطر إلا أحد البحارة الذي كان يستمع إلى حديث لرباني سفينتين أميركيتين، وعلم منهم أن أفضل مسار هو الاتجاه نحو الرياح الشمالية الغربية.  كما يوجد في السفينة شابتين إنجليزيتين ركبتا السفينة إلى نيويورك حتى تغادرا منها إلى انجلترا.
لقد أثارت شائعات كثيرة وتكهنات.الشائعات حول الهدية السلطانية، ترسم بسمة وتثير فضولا؛ إذ أثارت مخيلة الشعب الأمريكي، فما الذي يمكن أن يجلبه هؤلاء القادمون من مشرق الشمس، هؤلاء السمر.. هؤلاء الرجال العرب، وعالم ألف ليلة وليلة حيث قصور بغداد، وعالم العطور والزيوت، وعالم الحلم. والجارية تحكي للملك طوال الليالي لتعتق رقبتها من القطع، كانت أولى قطرات الخيال هي أن الهدية عبارة عن جوار شركسيات يتمتعن بجمال أخاذ، وخفة دم، ويتمايلن مع الريح، لهن غنج ليس لأحد، مما أعطى هذه الإشاعات مصداقية أن هناك نساء انكليزيات على متن السفينة وهن زوجات الربابنة. الصحف واكبت الموجة بحديث طريف دار في الصحف آنذاك حول كيفية التصرف مع مثل هؤلاء الشركسيات الجميلات! وهل يتم عرضهن على الجمهور؟ طبعا أخذ الأمر النكت الكاريكاتيرية منها: بناء جناح خاص لهن في البيت الأبيض. أو وضعهن في مكتب وزير الخارجية، النسوة الأمريكيات كان فضولهن كبيرا؛ فكن يجلسن على الأرصفة لمشاهدة السفينة، ومن يخرج أو يدخل وينظرن للرجال ذوي الثياب الناصعة والأسنان البيضاء، ذوي العيون التي ينصع بياضها فتظهر سواد حدقتها بشكل مذهل، نزل الرجال الأرض الأمريكية فكانت الفكاهة والطرافة، من الطريف أن ما يشبه المظاهرات كانت تسير خلفهم، بعضهم يلمس ثيابهم وبعضهم يحاول مخاطبتهم، أما البعض الآخر يتجرأ أكثر فيمسك لحاهم ليتأكد أهي حقيقية، أم صناعية، وأصبحت الجموع تصعد للسفينة لتكتشف عالم هؤلاء الغرباء المذهلين واللطفاء معا؛ مما اضطر الحكومة لوضع حراسة خاصة للبحارة والوفد وللسفينة عموما، و مرافقتهم في الطرقات، خوفا عليهم .الهدية أثارت خيال الناس وسرت الشائعات التي راحت تتكهن بالهدية نوعا وشكلا وموضوعا. الهدية التي شكلت لغزاً لم يحله إلا رؤية الهدية ذاتها.
كانت هذه الهدية عبارة عن جوادين عربيين للتناسل، وجواهر منها لؤلؤتان كبيرتان على شكل كمثرى، وعقد لؤلؤ، و120قطعة ألماس كبيرة تزن 18 قيراطا وسيف مطعّم بالذهب، إلى جانب العطور الزيتية. والتوابل المختلفة. وشالات كشميرية، وقطع سجاد إيراني بديع الصنع متقن، حقا يالها من هدية، لم يجمح خيال الأمريكان لها آنذاك.
وقد تمت مناقشة الهدية السلطانية للرئيس في المجالس النيابية، بشأن قبولها أم رفضها وجرت صولات وجولات ومناقشات بذلك لأنها ستسجل سابقة فقبلها لم تكن تقبل هدايا الدول الأجنبية، ومن ثم بعد قبولها كيفية ردها وحول أي شيء ستحتوي الهدية الأمريكية. ورغم كل المناقشات، وما مر بخاطر (بن النعمان ) من تأخر الرد بأخذ الهدية من عدمه وعجبه لذلك، إلا أنه بالوقت ذاته كان الاحترام متوفرا للوفد والتقدير لمرسلها السيد سعيد بن سلطان. وقدأثيرت أزمة في الكونجرس الأمريكي بشأن هدايا السلطان سعيد إلى الرئيس الأمريكي. وبعد مداولات طويلة تم الاتفاق على بيع الهدايا وإدخال المبلغ في خزانة الدولة. وكان رد الهدية جميلا أيضا عبارة عن باخرة مؤثثة ومجهزة للسيد سعيد بن سلطان، مع مسدسات تدور ذاتيا، وبنادق صيد وأشياء أخرى. ظلت السلطانة تعمل إلى عام 1855م، إلا أنها جنحت عندما كانت عائدة من الهند أمام جزيرة وازين على مرمى النظر من الجزيرة الخضراء (بمبا) ولم يكن بالإمكان أنقاها فغرقت. استمر احمد بن النعمان في عمله كسكرتير أول للسلطان ماجد (1856 -1870) بعد وفاة السيد سعيد بن سلطان، وقد توفي أحمد بن النعمان عام 1867م، ودُفن في زنجبار

No comments:

Post a Comment