Friday, October 30, 2015

الإنتاج العلمي للشيخ علي بن محسن البرواني

جريدة عمان
24 /10/2015م

د. صالح محروس محمد /جامعة بني سويف –

من أعظم الشخصيات من أصل عربي في القرن العشرين الشيخ علي بن محسن البرواني ( 1919- 2006) هو قائد سياسي ومفكر وعالم و شاعر عماني ولد في زنجبار في شرق أفريقيا (التابعة لدولة تنزانيا حاليا) وعاش هموم الأمة الإسلامية والمسلمين بشكل عام و زنجبار بشكل خاص. فلقد قاد الحركة الوطنية في زنجبار ووقف بالمرصاد ضد سياسات بريطانيا في زنجبار. وكان من أبرز قادة الحزب الوطني الزنجباري الذي ناهض وكافح من أجل أن تنال زنجبار استقلالها في ديسمبر 1963 وتولى حقيبة وزارة التعليم ثم الداخلية ثم الخارجية قبل سقوط زنجبار 1964. ثم وقف ضد الانقلاب الدموي في زنجبار والذي راح ضحيته ما يقرب ثلث سكان زنجبار ما بين قتيل وغريق ولاجئ مما جعله يسجن أكثر من عشر سنين في سجن نير يرى حاكم تنزانيا.
ولم يكن علي محسن رجل سياسة فحسب بل كان عالماً وداعية للدين الاسلامى وكذلك كان قارئاً لتاريخ الأديان والكتب المقدسة ومن هذا المنطلق كانت جهوده العلمية التي هي إثراء للمكتبة السواحيلية والعربية ومنطلق انتمائه للأمة الإسلامية فكان له الفضل في وصول معاني القرآن الكريم والسنة النبوية إلي الناطقين باللغة السواحيلية في شرق إفريقيا فكتابه (المنتخب في تفسير القرآن الكريم) باللغة السواحيلية. وكان قد سبقه لهذا العمل في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى السواحيلية الشيخ عبد الله بن صالح الفارسي حيث أرسل للبرواني نسخة من هذه الترجمة وهو في سجن بوكوبا عام 1970 حرر بعض الملاحظات على الصفحات الخالية في نهاية النسخة وهى غاية في الأهمية لكل من أراد ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى هي :
1- يجب أن يكون النص حرفياً قدر الإمكان دون التأثير على المعنى ولا طبيعة اللغة السواحيلية فمن غير الصواب فرض الرؤى الشخصية أو المذهبية على النص المترجم فالترجمة تقتضى الحياد المطلق.
2- يجب أن يكون التفسير إيضاحيا تربويا غير جدلي وغير تعسفي (الأدلة العقلية).
3- ينبغى شرح الآيات الحافلة بالمعاني الروحية مثل: آية النور والكرسي شرحا وافيا
4- البعد عن الرؤى الخاصة (الاحمدية وغيرها).
5- استخلاص العبر والأخلاقيات من قصص الأنبياء وتقديمها في ضوء معطيات الواقع المعاش الراهن وينبغي أن يؤكد على الآيات التي تتعلق بالأخلاق ويعطيها حقها في البيان.
6- تتسم صيغة النصوص القرآنية بالعموم فالبعض يخصصها فيقول أن قول الله عز وجل (يأيها الذين آمنوا) الخطاب موجه لأهل المدينة فقط وهذا خطأ.
7- يجل البرواني للمفسرين الأوائل كل تقدير واحترام لقربهم الزمني من المنبع وعلى المفسر المعاصر لا يحرم نفسه من نور المعرفة المعاصر مثل العلوم الطبيعية (الفيزياء والكم ياء والأحياء) وعلم الفلك وعلم القضاء والتاريخ والأديان المقارنة التلمود وكشوف علم الآثار والتهذيب الروحي والأخلاقي. 8- أن تكون التفاسير عقلانية وليبرالية وأخلاقية وروحية موضوعية ايجابية وتنويرية وليست سلبية.
9- الأهم من كل ما سبق هو ضرورة تجنب الرمي بنعت الكفر ضد أي إنسان يقول أنه مسلم بسبب الخلاف معه في مسألة عقيدية خاصة إن لم تكن تلك المسألة تتعلق بأركان الإسلام أو أركان الإيمان وهذه الملاحظات هامة جداً لمن يريدون ترجمة معاني القرآن الكريم إي اللغات أخرى حتى تصل رسالته كما أنزلت بعيداً عن الأهواء الشخصية والمذهبية. ووجد الشيخ على محسن البرواني ضالته في تفسير (المنتخب في تفسير القرآن الكريم) فبدأ على الفور في ترجمته وهو كتاب ثمرة جهود لجنة من العلماء المستنيرين تسمى (لجنة القرآن والسنة) معينة من قبل المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر واستغرقت ترجمته للمنتخب ست سنوات وراجعها الأزهر الشريف و صدرت الطبعة الأولى في مجلدين عام 1995 ثم صدرت الطبعة الثانية في مجلد واحد عام 2000 م.
ومن إنتاجه العلمي أيضاً كتاب (الأسوة الحسنة) في سيرة الرسول. حيث كان على محسن أيضا شاعرا ففي عام 1996 أنتج معلقته الشعرية في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم (الأسوة الحسنة) وذيل كل مقطع منها بحواشي نموذجية شارحة للسيرة النبوية صدرت منها طبعة خاصة في دبي 1417هـ 1997 م وله أيضا كتاب شعري آخر وهو سيرته الذاتية شعر حوالي ألفين وخمسمائة بيت سواحيلي.
ومن إنتاجه العلمي كتاب (الكتاب المقدس يتكلم) ولقد سنحت لعلي محسن البرواني الفرصة لدراسة المسيحية في ماكريرى بأوغندا فقرأ الكتاب المقدس وناقش أمور العقيدة مع زملائه الطلبة ومع الأساتذة والتقى مع والد (جودفرى بناسيا) الذي شغل منصبي المدعي العام والرئيس في أوغندا وكان رجل دين بروتستانتى الذي أهدى له نسخة من انجيل القديس يوحنا بالعربية واستأنف دراسته للكتاب المقدس في سجن دودوما وخرج بنتيجة هامة أن سمة أرضية مشتركة كبيرة بين اليهودية والمسيحية والاسلام وكتب ذلك فى كتابة (لندع الكتاب المقدس يتكلم) وسماه في طبعته الاخيرة (الكتاب المقدس يتكلم).
ورغم قلة عدد ورقات كتاب (علم نفسك العربية في ثلاث أسابيع) للمتحدثين بالسواحيلية إلا أنه من أهم كتبه لتعليم اللغة العربية للناطقين باللغة السواحيلية حيث أدرك الشيخ علي محسن البرواني أهمية تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها للأسباب التالية:
1- إن هناك خطة خفية لنشر الفرقة بين المسلمين بالانتزاع من أيديهم حبل اللغة العربية الذي يعتصمون به جميعا، فحينئذ يسهل تشويه تعاليم الإسلام بين من لا يعرفون اللغة العربية، عن طريق كتب ومنشورات ومطبوعات عن الإسلام بغير اللغة العربية يراد بها القضاء على الإسلام معنويا بتشويه تعاليمه وبثّ السموم الفكرية بين أتباعه.
2- إن اللغة العربية تعلب دورا هاما وفعالا في مواجهة التحديات المعاصرة لأن انتشارها بين المسلمين المنتشرين في أنحاء العالم يساعدهم على تفهم دينهم والتمسك بطاقتهم الروحية.
3- إنها تساعدهم على استعمالها في التفاهم المتبادل فيما بينهم حتى يتيسر إيجاد تجاوب مشترك يمكنهم من مقاومة التخريب الفكري الذي تمارسه الجهات المغرضة لتشويه تعاليم الإسلام الحقة والسمحة وتقطيع ذلك الرباط الذي يربط بين أبناء الأمة الإسلامية برباط فكري وروحي.
4- إن اللغة العربية هي وعاء القرآن الكريم ومركز الانطلاق إلى حظيرة القرآن والمنبع الأصلي للعلوم الإسلامية كلها كما أنها تساعد على توطيد ركن التعارف وتوثيق عرى التفاهم بين أبناء العالم العربي الناهض وبين أبناء البلدان الإسلامية غير الناطقة بها.
ومن ثمرة جهوده في نشر الإسلام واللغة العربية أثناء سجنه في بوكوبا في تنزانيا كان معه مائة سجين اسلم منهم أربعة وثمانيين منهم أربعة كانوا واثنين وثمانين مسيحيا أربعين كاثوليكيا وأربعين برتستانتيا ويقول أن إسلامهم جاء نتيجة معايشتهم له في السجن وما رأوا من حسن خلقه وكان يجادلهم بالحسنى ويقول أنه علم اثنين منهم قراءة القرآن في خمسة أيام والباقي قرأوا القرآن في مدة لا تتجاوز الثلاث أسابيع. حتى كتاب ومذكراته الصراعات والوئام كان يحمل فيها هموم الأمة العربية والإسلامية فتكلم فيها عن خطورة الطائفية وضرورة وحدة الأمة الإسلامية وتكريم الإسلام للمرأة وعوامل ضعف الأمة الإسلامية في الوقت المعاصر وفكره في الإصلاح الديني الإسلامي في الوقت الراهن علاوة على إنها وثائق تاريخية للوجود العماني في الشرق الأفريقي وأخيراً رحم الله الشيخ علي بن محسن البرواني على ما قدم للإسلام والمسلمين.

No comments:

Post a Comment