Wednesday, January 10, 2024

الذكرى الستين لاستقلال زنجبار

مجلة الواحة العمانية 9 ديسمبر 2023

بقلم: ناصر بن عبدالله الريامي

مؤلف كتاب (زنجبار: شخصيات وأحداث)

بعد كفاح طويل، تكبّده شعب زنجبار، بمختلف أطيافه، لنيل الاستقلال من سلطة الحماية البريطانية، تُوّج ذلك كله بحفلٍ بهيج، شارك في تنظيمه، وفي تكبّد نفقاته، المقتدرين من أفراد المجتمع، قبل الخزينة العامة. كانت الفرحةُ عارمة، ولم يتخيّل أحد أن توالي الأيام ستكون حُبلى بكثيرٍ من الآهات والانكسارات، وأن الفرحة لن تدوم لأكثر من اثنين وثلاثين يومًا. ففي الأيام القليلة السابقة للعاشر من ديسمبر 1963م، وهو اليوم المحدد للاستقلال، شهدت مدينة زنجبار حركة غير طبيعية للقادمين إليها، من مُختلف دول العالم، لمتابعة هذا الحدث التاريخيّ المهم. امتلأت الفنادق القليلة بالسيّاح؛ وازدحمت شوارع المدينة، بمن تطلّع إلى مُشاهدة معالم جزيرة القرنفل؛ وغصَّت أزقّة المدينة الضّيقة بالسيارات، حتى وقفت حركة السير. كلّ هذا ما كان إلاّ لمُتابعة احتفالات البلاد بيوم الاستقلال. شهد مطار زنجبار، في يوم السبت، الموافق 7 ديسمبر 1963م، وصول ثلاث وثلاثون رحلة من رحلات طيران شرق إفريقيا، لنقل الزوّار الرّسميين وغير الرّسميين للدولة؛ كما بلغت، في اليوم الذي تلاه، ثمان وعشرون رحلة من النّاقل نفسه، مُمتلئة بالمُسافرين؛ في الوقت الذي لا يتجاوز عدد الرحلات التي تصل مطار زنجبار، في الأيام العادية، عن رحلتين في اليوم. أغلب كبار الشخصيّات، وصلوا زنجبار في يوم بداية الاحتفال، الاثنين، الموافق 9 ديسمبر، وفقما ورد تفصيلًا في صحيفة ديلي ناشيون (Daily Nation)، الصادرة من نيروبي، بتاريخ 9 ديسمبر 1963م. على رأس هذه الشخصيات، دوق أدنبرة، الأمير فليب، مُمثلًا عن الملكة أليزابيث الثانية؛ والمستر دنكن (Duncan Sandys)، وزير المستعمرات البريطانية؛ ودوق دوفونشاير، اللورد توينينج (Lord Twining)؛ ورئيس مجلس الشعب المصري آنئذٍ، السيد محمد أنور السادات؛ والسيدة أنديرا غاندي؛ والمستر وليام (G. Mennen Williams)، مساعد وزير الدولة الأمريكي للشؤون الإفريقية. ففي حدودِ العاشرةِ من مساءِ يوم التاسعِ من ديسمبر من عام 1963م، بدأت فعاليات حفل استقلال زنجبار عن سلطةِ التاجِ البريطاني، في الحديقة التي عُرفت باسم (Cooper’s Ground) بحضورِ ممثلين عن سبعين دولة، بتلاوةٍ مُباركةٍ من القرآن الكريم، قراءة الشيخ إبراهيم خليل الحُصري – الذي حضر زنجبار مع الوفد المصري؛ ثم ألقى جلالة السُّلطان جمشيد كلمةً مُقتضبةً، ليعقبه رئيس الوزراء، محمد شامتي بكلمة الحكومة؛ وأخيرًا، ألقى الأمير فِليب، دوق أدنبرة، كلمةً بالنيابة عن جلالة الملكة. سلَّم سمو الأمير، عقب ذلك، وثائق الاستقلال إلى جلالة السلطان جمشيد، وفق التفصيل الواردة في صحيفة الأهرام المصرية، الصادرة في يوم 10 ديسمبر 1963م. تميَّز هذا الحفل بحضورٍ مصريٍّ مكثَّف، ناهز عدده المائة شخص. وحسب الإشارة المتقدّمة، ترأس الوفد المصري رئيس مجلس الشعب، وكان في عضويّته المستشار حلمي الشعراوي، من رئاسة الجمهورية. كما شاركت فرقة رضى للفنونِ الشعبية، ومجموعةٌ من الصحافيين والإعلاميين المصريين. الأمر الذي لفت أنظار الوفد الأمريكي – وفقما جاء في كتاب بيترسون (ثورة في زنجبار، 2002)، وأكده لي المستشار حلمي الشعراوي، في لقائي معه بتاريخ 3 فبراير 2004م – هو الاهتمام الزائد للحكومة الزنجبارية بالوفد المصري في المقام الأول، ثم بالوفود العربية الأخرى؛ على حساب الوفود الأجنبية: كالوفد الأمريكي، ووفود الدول الغربية بعامة، والأفريقية بخاصة. ركَّز بيترسون كثيرًا على تصرف الحكومة الزنجبارية تُجاه الوفد المصري؛ مُؤكّدًا، أن ذاك التصرف، أعطى انطباعًا بأن زنجبار تتّجه نحو الإصطفاف في مصاف العالم العربي. هكذا، آن موعد اللحظة التاريخية عندما انتَّصفت ليلةُ العاشرِ من ديسمبر، وفقما ورد في وصف المستشار حلمي الشعراوي، حيث أُطفِئت الكشَّافات، وجميع أضواء ميدانِ الاحتفال، لتبقى أركان الميدان في ظلامٍ دامِس، باستثناء ساريةِ العلم، التي بقِيَت الأضواءُ مُسلَّطة عليها، مُظهرة علم زنجبار التقليدي الأحمر وهو يُنكَّس، ويُرفع محله علم سلطنة زنجبار المستقلة، ذي اللون الأحمر، المُزوَّد بحبتين من القرنفل – ترمزان إلى الجزيرتين الرئيسيتين المكونتين لأرخبيل زنجبار – مطبوعتين على دائرة خضراء اللون، ترمز إلى الأمن والازدهار. عزفت فرقة موسيقى الشرطة بعد ذلك مقطوعات كلاسيكية، من بينها المقطوعة المشهورة “God Save the Queen” أو “فليحفظ الله الملكة”، وفقما جاء في وصف بيترسون. من ناحية العرق الأفريقي، لم تكن هناك فرحة بهذا اليوم، إذ أن خسارة حزبهم، الأفروشيرازي، في الانتخابات التشريعية الأخيرة، لعام 1963م، أفقدتهم الأمل في تشكيل حكومة إفريقية، كما كانوا يأملون؛ وأن فوز ائتلاف الحزب الوطني وحزب الشعب، إنما هو إعلانٌ لقيام حكومةٌ عربية، وفق منظورهم. لذلك، نظرت أغلبية العرق الأفريقي إلى الاستقلال على أنه استقلالٌ غير حقيقيّ؛ أو بالأحرى، أنه استقلالٌ للعرب، ينبغي الإطاحة به في أسرع وقتٍ ممكن. هذا الإحساس لم يكن مكتومًا، وإنما كانوا يهتفون في أماكن عامة عبارة: “إنه استقلال العرب فحسب”، وفقما جاء في كتاب أنتوني كلايتون (ثورة زنجبار وتبعاتها). وكأنّهم بذلك يقولون إنهم خرجوا من الاستعمار البريطاني إلى الاستعمار العربي. والحق أقول، فإن تأثير هذه الفكرة على العرق الأفريقي الزنجباري، كان ضعيفًا للغاية؛ على عكس نظرائهم من دولة تنجانيقا، ومن دول الجوار. لذلك، نجد الأمين العام لحزب (الكانو) في كينيا، فرع نيروبي، سامي ماينا (Sammy Maina)، يُوجّه نداءً إلى الزنجباريين، عبر التصريح الصّحفي الذي أدلى به فور الإطاحة بالحكومة الشرعية، طالبًا منهم أن يجعلوا من يوم 12 يناير، يوم الانقضاض على الشرعية في زنجبار، يومًا تاريخيًّا يُحتفى به كعيدٍ وطنيّ مشروع. موضّحًا ذلك بالقول: إن الاستقلال الذي تحقّق بتاريخ 10 ديسمبر 1963م، كان يومًا مُزيّفًا غير حقيقيّ؛ إذ لم يكُن سوى إيذان بخروج الأمّة الزنجبارية من الاستعمار البريطاني إلى الاستعمار العربي القديم القائم على العبودية، وفقما جاء في صحيفة ديلي نيشون، الصادرة من نيروبي، بتاريخ 15 يناير 1964م، ص 4. وعليه، فإن فرحة الاستقلال العارمة لم تستمر طويلًا؛ إذ سُرعان ما تفتَّتَتْ، وحلَّت محلها الآهات والانكسارات، نتيجة المذبحة البشريةِ الدامية، التي استتبعت الإطاحة بالحكومة الشرعية، من بعض دول الجوار بتاريخ 12 يناير 1964م. لذلك، نؤكد ههنا أنه من الخطأ، جُل الخطأ، أن نشير إلى ذاك الحراك “الأجنبي” الذي أطاح بالشرعية في زنجبار، بقوةٍ أجنبية، وبسلاحٍ أجنبي، إلى كونه ثورة. فلم يكن الأمر كذلك؛ كما أنه لم يكن إنقلابًا، في الوقت عينه؛ وإنما غزو وعدوان خارجي. ولا أرى أن المقام يستدعي إيراد المعنى القانوني لمصطلح “الثورة”، ولا لمصطلح “الإنقلاب”؛ للتدليل على عدم انطباقهما على تلك الأحداث التي أطاحت بالشرعية. ولمزيد من الإيضاح، يمكن الرجوع إلى كتاب (زنجبار: شخصيات وأحداث)، وتحديدًا فصل سقوط زنجبار.

 

No comments:

Post a Comment