Sunday, May 6, 2018

التاجر العُماني الذي أدخل الإسلام إلى أوغندا

د.سليمان المحذوري
جريدة الوطن ، ملحق أشرعة، 6 مايو 2018م
لم يحظ تدوين التاريخ العُماني بالاهتمام الواسع من قبل المؤرخين العُمانيين، وبالتالي غابت عنّا كثير من الأحداث المهمة خلال حقب زمنية طويلة، وبقيت شخصيات عُمانية طيّ النسيان على الرغم من اسهاماتها الجلية في الجوانب الحضاريّة والإنسانيّة. وربما نجد اجابة لهذا اللغز عندما أشار إلى ذلك الشيخ نور الدين السالمي في مقدمة كتابه “تحفة الأعيان” بقوله: “..لم يكن التاريخ من شغل الأصحاب، بل كان اشتغالهم بإقامة العدل وتأثير العلوم الدينية، وبيان ما لا بد من بيانه للناس، أخذًا بالأهم فالأهم؛ فلذلك لا نجد لهم سيرة مجتمعة ولا تاريخًا شاملاً” . كما يأسف الشيخ المغيري على اهمال العُمانيين لتاريخهم، وعدم الاعتناء به خاصة في إفريقيا الشرقيّة؛ اذ لم يدون العرب كل ما وقفوا عليه وما نالوه من اكتشافات لآواسط إفريقيا وفي هذا الصدد يذكر في كتابه “جهينة الأخبار” “إن الهمة العالية التي بذلها العرب لجديرة حقًا أن تكتب مآثرها وأخبارها بماء الذهب على صفحات اللجين” . ورغم ذلك عُثر على أسماء لشخصيات عُمانية بارزة من خلال كتب الرحالة والمستشرقين الأوروبيين الذين كان لهم حضور في منطقة شرق إفريقيا خلال القرن التاسع عشر الميلادي، وكذلك الوثائق خاصة البريطانية والبلجيكية والألمانية.
ومن المعلوم أنّ للعمانيين دورا في التجارة مع داخلية الشرق الإفريقي، وبالتالي وصلت الدعوة الإسلامية إلى تلك المناطق والأصقاع على أيدي هؤلاء التجار، وقد ذكر المغيري أسماء بعض من أولئك التجار مثل: سعيد بن محمد العيسري، وحبيب بن سالم العفيفي، وناصر بن سيف المعمري، وعيسى بن عبدالله الخروصي، وعبيدالله بن سالم الخضوري دونما تفاصيل عنهم.
بينما تفرّد أمين باشا – كان حاكمًا على جنوب السودان في عهد الخديوي توفيق – بتدوين قصة تاجر عُماني يُدعى أحمد بن ابراهيم العامري في مذكراته اليومية التي نشرتها المجلة الأوغندية. ولا يُعرف على وجه الدقة موطن آباء أحمد العامري في عُمان؛ إلا أنّ المصادر تُشير إلى أنّ والديه هاجرا من عُمان في عهد السيد سعيد بن سلطان واستقرا في زنجبار. ويُقدّر تاريخ ولادته في عشرينيات القرن التاسع عشر. وتُشير المصادر التاريخية إلى أنه وصل إلى مملكة بوغندة -تقع مملكة بوغندة شمال غرب فكتوريا وهي حاليا تتبع جمهورية أوغندا- في عام 1844م خلال حكم الملك أو الكباكا Kabaka Suna وبالتالي يُعتبر أول تاجر عربي يصل هذه المملكة.
وقد التقى به المستكشف البريطاني ستانلي Stanleyعام 1876م في داخلية إفريقيا ووصفه بأنه رجل ثري يسكن في منزل فخم أنيق يمتلك عددًا كبيرًا من الماشية والعاج. وتذكر ابنته صالحة أنّ والدها ذهب إلى بوغندة وسكن بشكل خاص في منطقة Kafuro وأصبح صديقًا مقربًا من ملكها، وحقق ثروة طائلة. كما كوّن صداقات مع مجموعة من الأوروبيين أبرزهم بيرتون Burton وستانلي Stanley.
كان التجار العرب محل ترحيب من قبل الملوك الأفارقة لأسباب تجارية وعسكرية لأن البنادق التي كانوا يشترونها كانت ذات فائدة في حسم الصراعات القبلية. وقد تركزت تجارة القوافل العربية في بيع الملح، والأقمشة القطنية، والأسلاك النحاسية، والبارود وغيرها من البضائع التي كانوا يقايضونها مع سلع الداخل. وعلى الرغم من أنّ بعض الكتابات تُشير إلى أنّ اهتمام التجار العرب انصبّ على الشؤون التجارية فقط؛ إلا أنّه من الحقائق الثابتة أنّ انتشار الإسلام في شرق ووسط إفريقيا اعتمد بدرجة كبيرة على جهود التجار العرب؛ وذلك من خلال ما تحلوا به من صدق وأمانة في المعاملة، وما بذلوه من جهد في استمالة أعداد كبيرة من الأفارقة لاعتناق الإسلام.
وفي هذا الإطار يُعتبر الشيخ أحمد بن ابراهيم العامري أحد التجار العُمانيين الذين كان لهم قصب السبق في ادخال الإسلام إلى المناطق الداخلية في شرق إفريقيا بفضل أخلاقه السامية، وشخصيته القوية المؤثرة، كما كان يتحدث اللغة السائدة في بوغندة. وعودة على قصة الشيخ العامري التي دونها أمين باشا أنّه بحسب معتقدات وطقوس الديانة الوثنية التي يعتنقها Kabaka Suna كان يتم سفك دماء الأبرياء وتقديمها قربانا للآلهة. وكانت هذه الممارسات سائدة لدى بعض المجتمعات الإفريقية كجزء من الثقافة المتوارثة؛ وذلك بتقديم القرابين البشرية وخاصة العبيد كنوع من الطقوس من أجل استرضاء الآلهة أو الأرواح.. وخلال احدى زيارات الشيخ العامري لمملكة بوغندة تصادف وجوده مع ممارسه هذه الطقوس الوثنية؛ وذلك عندما أصدر الملك أوامره للقيام بهذه المذبحة في حضرة الشيخ العامري فما كان من الشيخ إلا أن وقف على قدميه متحدياً الملك وسط دهشة الحضور مخاطباً ومعاتباً إياه بشجاعة بقوله: إننا جميعا من مخلوقات الله سبحانه وتعالى خالق كل شيء بما فيها هذه المملكة ولا يحق لمخلوق انهاء حياة انسان لأي سبب كان. فقال الملك : إن الآلهة هي من أمرتني بذلك. وبدأ الشيخ في شجاعة ورباطة جأش يردد مكررا الله الواحد الأحد الذي له الحق في انهاء حياتهم وليس ذلك لمخلوق. وهنا بدأ الملك يتساءل في حيرة عن الله الذي لا شريك له الذي يتحدث عنه الشيخ العامري والذي يعتبره خالقا للكون وله ما في السموات والأرض. ورويداً رويداً بدأ قلب الملك بالإنشراح، وطلب من العامري أن يعلمه المزيد عن الإله الذي لا يعبد أحد سواه. وبعدعدة لقاءات تمكن العامري من شرح مبادئ الإسلام. وتذكر بعض المصادر أنّ الملك اعتنق الإسلام مع عدد كبير من حاشيته، كما تُشير بعض المصادر أنّه استطاع تعليمه آيات من القرآن الكريم.
وما من شك أنّ وصول الشيخ العامري إلى مملكة بوغندة يُعد نقطة تحول في تاريخ هذه المملكة والمناطق المجاورة لها لا سيما بعد الحادثة التي وقف فيها الشيخ العامري متحديًا الملك في وقف سفك دماء الأبرياء وتقديمهم قرابين. وبذلك انفتح الباب لدخول الإسلام إلى أوغندا وما حولها. وتؤكد المصادر التاريخية على أنّ الملك موتيسا Mutesa 1856-1884م -الذي خلف أباه سونا في الحكم- دخل الإسلام؛ حيث أبدى حماسًا منقطع النظير للإسلام فنشره بين مواطني مملكته. وتُشير المصادر إلى أنه أصدر أوامره باقامة شعائر الإسلام، وتشييد المساجد في جميع أنحاء مملكته لتأدية الصلوات وبخاصة صلاة الجمعة، كما أصدر قرارًا يقضي بأن استخدام غير اللغة العربية للتحية بن أتباعه يعد جريمة يعاقب عليها وذلك في إشارة واضحة إلى ضرورة استخدام اللغة العربية كلغة رسمية. إضافة إلى ذلك أدخل العمل بالتقويم الهجري في بلده، كما وصل به الحماس لهذا الدين أن بعث رسله إلى الممالك المجاورة للدخول في الإسلام. وفي بلاطه حظي التجار العُمانيون بمكانة مرموقة؛ إذ اتخذ منهم مستشارين له مثل الشيخ عبدالرحمن بن عبيد والشيخ سليمان بن زاهر الجابري وغيرهم من الجنود المجهولين الذين تناثرت أخبارهم خاصة في المصادر والوثائق الأوروبية ولا شك أنّ هذه الشخصيات العُمانية تحتاج مزيدًا من البحث والتحري لتوثيق اسهاماتهم الحضارية ودورهم في نشر الإسلام لا سيما في الأقاليم الداخلية من إفريقيا الشرقية.
وكانت نهاية الشيخ العامري في أواخر 1885م على يدي أحد أفراد قبيلة Wanyambo الذي رماه بالقوس وهو جالس مساءً في برزته أمام منزله مع مجموعة من العرب وفي هذا الصدد تقول ابنته “كنت صغيرة عندما توفي والدي الذي كان يلقب بالدولة -أي ممثل الحكومة – ولكني أتذكر جيدًا ما حدث يوم وفاته كان أبي سخيًا ولطيفًا معنا جميعًا”.
وهكذا انتهت قصة رجل خاطر بحياته من أجل انقاذ حياة الآخرين عندما وقف بجرأة وشجاعة في بلاط الملك سونا ومنعه من تقديم الدماء البشرية كقرابين للآلهة حسب معتقداتهم الوثنية. حيث لم يسبق أن تمت مخاطبة أي من الملوك السابقين لبوغندة بهذه اللهجة كما فعل الشيخ العامري. وبفضل شخصيته المؤثرة كان التجار العرب محل ترحيب في مملكة بوغندة التي ارتبط ملوكها بعلاقات ودية مع سلاطين زنجبار، وتبادلوا معهم الهدايا. ولا ريب أنّ الشيح أحمد العامري يُعتبر نموذجًا مشرفًا للتاجر العربي الذي حمل تجارته بيد ودعوته إلى المبادئ والأخلاق الإسلامية في اليد الأخرى. كما أنّ اسهامه في توصيل الدعوة الإسلامية إلى المناطق الداخلية من إفريقيا الشرقية جنبًا إلى جنب مع أقرانه من التجار العرب ما تزال آثاره باقية إلى يومنا هذا.

————–
المراجع:
• السالمي، نورالدين عبدالله بن حميد.(2000). تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان، ج1، السيب: مكتبة الإمام نورالدين السالمي.
• صغيرون، ابراهيم الزين.(1993).”الاسهام العماني في المجالات الثقافية والفكرية والكشف عن مجاهل القارة الافريقية في العهد البوسعيدي”. مسقط: المنتدى الأدبي.
• المحذوري ، سليمان بن عمير، بحث بعنوان ” دور التجّار العُمانيين في توصيل الدعوة الإسلامية إلى شرق وأواسط إفريقيا “(2014)، المؤتمر الدولي: الدور العُماني في وحدة الأمة ، ماليزيا.
• المغيري، سعيد بن علي.( 2017 ).”جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار”. تحقيق محمد بن علي الصليبي، مسقط: وزارة التراث والثقافة.
• Gray,J.M.(1947).”Ahmed Bin Ibrahim-The First Arab to Reach Buganda”. Uganda Journal, vol.11.

.

No comments:

Post a Comment