Tuesday, October 3, 2017

مصارع الأسد "بوانا سيمبا".. البطل صالح بن حمود السناوي .

بقلم : عبدالله بن حمد الغيثي

اذَا كَشَـفَ الـزَّمَـانُ لَكَ القِنَـاعَا
وَمَدَّ إِلَيْـكَ صَـرْفُ الدَّهْـرِ بَـاعَا
فَـلاَ تَـخْشَـى المَنِيَّــةَ وَالتَقِيْـهَا
وَدَافِـعْ مَا اسْتَطَـعْتَ لَهَـا دِفَـاعَا

للبطولة رجال .. وعنهم كل كلمات المجد تقال .. رجال بل هم أبطال . .فقد شقوا طريقهم دون عناء   فيغترفون من بوتقة الزمن . .كل الأحزان والآهات والشجون   ..
ليخطوا بآلامهم ودمائهم الطاهرة كل المحن رجال عشقوا الوطن .. فعشق الوطن ريحهم . .وسار على خطاهم السالكون .. كنت اراه يمشي على اقدامه في طريقه الى بيته في منطقة سيح العافية عجوزا في هيئته ، ولكن ملامحه تدل على قوته وهيبته ، انظر الى وجهه وكأني انظر الى ليث قوي خرج من معركة شرسة قاتل فيها بنفسه وخرج منها بطلا منتصرا على خصومه كل ما يوحي من ملامحه تعكس عظمة تاريخ وكفاح ابطال تراه بمصره الكبير على رأسه كانه "لبدة" (شعر حول العنق)وعيون لامعتان وجسم قوي .. يبادلك بابتسامة تملاء محياه مرحبا بك فتسعد بلقياه ..

 فالشجاعة الفائقة التي لا يتصف بها إلا قليل من البشر وللبطولة ركائز لا تخفى على أحد، أولها فيض الحيوية، ورسوخ العقيدة، بوصفها القوة التي تهيمن على الفكر والمشاعر والعزيمة، وتحمي الفرد عند الملمات، وتمده بطاقة على الصبر، وتملأه بالاطمئنان وقت القلق، والثقة وقت الاضطراب، وتجعل العظائم تصغر في عينيه، ما دامت باطلا، والصغائر تكبر في نفسه ما دامت حقا ولا بطولة من دون شجاعة ، لأنها عدة البطل في الحرب وسلاحه، ولأنها في السلم القوة الدافعة إلى الاعتصام بالعقيدة، والصدع بكلمة الحق، والتنديد بمفاسد المجتمع وشرور الحكام .كان "رحمه الله" ليس وحشا كاسرا، قاسي القلب، متبلد المشاعر، بل هو إنسان عطوف، طيب القلب، رقيق المعاملة، وهذا لا يتناقض مع شجاعته ومضاء عزمه. وهذا ما كان يظهره لأبناء قريتة ولجيرانه واحفاده فصفاته اكتسبها من الأسد كحيوان يتمتع بالعديد من السمات النبيلة كالشجاعة وعدم المبالاة بالأهوال، وجسارة القلب ومواجهة العدو مهما كانت قوته وحجمه. وأيضاً يتسم بالعطف والحنان على صغاره حتى أنك تتعجب إذا علمت أنه رحيم بفرائسه فهو لا يعذبها قبل قتلها كالنمر ولا يهلكها كالفهد لكنه سرعان ما ينهي حياتها،ومن يتصور أن البطولة خالية من الرحمة، فإنه خاطئ أو مغرض، يتوهم أن البطولة تدمير وتخريب وإفساد وغطرسة، وينسى أن الأبطال في تاريخ الإنسانية قد عرفوا الرحمة والعطف والوفاء والضعف أمام المواقف الإنسانية ،فالبطولة مرتبطة بالأخلاق ارتباطا شديدا

تذكرني بطولته بقصة الأمير بدر بن عمار امير "طبريا"  وقصته مع الأسد  ،كان على فرسه فمر على أسد كان قد تمكن من فريسته للتو فأتلف عليه بدر بن عمار فريسته بسبب حضوره المفاجيء فأفلس الأسد منها فانطلق الأسد إلى بن عمّار فقفز على مؤخرة فرسه فانشغل بن عمار عن سيفه لسرعة الحدث وكان بيده سوطا ضرب به الاسد على وجهه فأوقعه ودار الجيش عليه فقتل الأسد ثم خرج أسد آخر توجه له بن عمار فهرب الأسد من الأسد فامتدحه المتنبي

في قصيدة رائعة :-
اعْدى الزَّمان سخاؤُه فسخـا بِـهِ =ولقد يكونُ بِهِ الزَّمـانُ بـخـيلا
وكأنَّ بَرْقاً في متـونِ غـمـامةٍ= هنديّهُ في كـفّـهِ مـسـلـولا
أمُعفِّر اللّيثِ الهِزَبْرِ بـسَـوطِـهِ=لمن ادَّخرْتَ الصّارمَ المصقـولا
وردٌ إذا وردَ البُـحـيرة شـاربـاً=وردَ الفـراتَ زئيرُه والـنـيلا
مُتخضّبٌ بدمِ الـفـوارسِ لابـسٌ=في غيْلِهِ من لِـبْـدَتـيْه غـيلا
ما قوبلَـتْ عـينـاهُ إلاَّ ظُـنَّـتـا=تحتَ الدُّجَى نارَ الفريقِ حُلـولا

فاذا كان الأمير ابن عمار ضرب الأسد بسوطه فالوالد صالح بن حمود السناوي صارعه مصارعة الرجال وجها لوجه مع اختلاف الجنس والنوع والوزن، حيوان قوته في جسده واسد قوته في عقله، اسد وزنه لا يتجاوز سبعون كيلو جرام وحيوان وزنه 250كيلو جرام .
منذ طفولته يصرع اقرانه ويبارزهم فينتصر عليهم وهبه الله قوة في الجسد سخرها في الدفاع عن نفسه ومجتمعه ، كان محط اعجاب من قروم قومه وكأنهم يعدوه لمبارزة الوحوش في البراري والاعداء في الحروب والنوازل ، يكبر وتكبر عنده الآمال والطموحات

 إِذَا اعْتَـادَ الفَتَـى خَـوْضَ المَنَايَـا..فَأَهْـوَنُ مَا يَمُـرُّ بِـهِ الوُحُـولُ

ومما يجدر ذكره عن شجاعته، هي قصة صراعه مع الأسد حيث أنهم كانوا مستضافين عند الوالد الوجيه علي بن خالد السناوي في بلدة "مكانكة" بجمهورية بوروندي، وقد ذهب الوالد علي  ومعه الوالد الضرغام صالح بن حمود السناوي  وبرفقتهم ثلاثة من الرجال  في سيارة "بيك آب" خضراء ملك لأحد اصحابه من بلدة المضيرب بولاية القابل والذي كان يقودها الوالد صالح بنفسه ،ذهبوا والشجاعة لباسهم وهم يعلمون خطورة الاحراش وغابات السفانا والادغال والسهول الخضراء ويعرفون مخاطر الاسود والسباع الضارية ولكنهم اعتادوا على زئيرها فأصواتها بالنسبة لهم تبهج النفس لإحساسهم بانها قريبة منهم فهي مرادهم فالأسود لا تخاف الاسود ، وكان كعادته عندما يخرج في أفريقيا يحمل معه بندقيتين بندقية "أبو كسر" لصيد الطيور وبندقية أخرى "أبو خمس" لصيد الظباء، وعندما وصلوا إلى مجرى الماء بقرب البلدة المسمى بالمحلية "متوني" رأى الأسد من خلال عيونه المشعة في الظلام ينظر اليهم وكانه على موعد معهم حيث يعتبر الأسد من أقوى الحيوانات وأكثرها شجاعةً، فهو الوحيد الذي استطاع فرض هيمنته على جميع الحيوانات الموجودة في الغابة، لما يتمتع به من قوة وضراوة  ،لذا فقد حاز على لقب ملك الغابة، بالإضافة إلى قوته الجسدية الكبيرة وسرعته العالية في الانقضاض على فرائسه، فمن أكثر الحيوانات المفضّلة لدى الأسود هي الغزلان والحمر الوحشية.،صوب بندقيته البلجيكية نحو الأسد ثم أطلق عليه النار من السيارة، فأصابته ولكن لم يمت ،  وبما أن الوقت كان ليلا فقد واصلوا مشوارهم إلى بلدة "مكينكا" وعند العودة في النهار نزلوا ليقتفوا أثر الأسد الذي ضربوه، وكان  الوالد صالح في مقدمتهم، وبندقيته البلجكية على كتفه، وكان لسان حاله يقول

مَشَيْنا مِشْيَةَ اللَّيْثِ *** غَدَا واللَّيْثُ غَضْبَانُ

بِضَرْبٍ فِيهِ تَوْهِينٌ *** وَتَخْضِيعُ وإقْرَانُ

تقول (الكونسته دوديتو)الجبناء يهربون من الخطر والخطر يفر من وجه الشجعان

وما أن رآهم الأسد حتى انقض عليه مطوقاً بيديه على عنق الوالد صالح، لخنقه لافاً برجليه على بطنه، فالهندسة الجسدية لدى الأسد محكمة التصميم، فالأسد ذو قوة عنيفة له جبروت متفرد بها، فهو عبارة عن كتله عضلية متحركةتظهر قوته من حجم قبضة يده المعكوفة القوية العريضة الممتلئة عظاماً وعضلاً والتي تخفي مخالب قوية طويلة تنغرس في اللحم كالمقصلة، فكأنما تشكلت يده لسبب واحد وهو الفتك وتهشيم العظام ، ولكن  الوالد صالح تمكن بما أوتي من قوة أن يدفع الأسد عن جسده  بدون تدخل من كان بصحبته وصارعه مصارعة الرجال يتقلبان وكأنهما في معركة او في وسط حلبة مصارعة فغلب عليه " بخر الاسد" من فمه لقوة هيجانه فمسك الو الد صالح فكي الاسد بقوة وجسارة حتى كسارها ،ثم صوب بندقيته على الفور وأطلق على الأسد النار وأرداه قتيلا. وما ان قتله حتى وقع صريعا من كثر ما اصابه من تعب واعياء وعراك، وقد تأثر من جروح تلك المخالب واللطمات التي أصابته من الأسد، تأثر بتلك الجروح لدرجة انها أفقدته الوعي وبإصابات في جميع أنحاء جسمه، وأبرزها في رقبته فبقي في المستشفى ستة شهور لعلاج ما اصابه من جروح ، يقول  "جورج برنارد شو " عشُ يَوْمٍ واحد كالأسد خَيْرٌ من عيش مئة سنة كالنعامة .. لهذا فضل ان يكون اسدا يقاتل اسد ليعيشها يوما واحدا عيشة الأسود الاحرار مما حدى بالحكومة البلجيكية المستعمرة لبوروندي بمنحه بندقية صيد بلجيكية (تعرف في عمان تفق أبو خمس)

واصبح من ذلك اليوم يعرف عندهم  ببوانا سيمبا" مصارع الأسد سواء في بروندي وحتى بعد رجوعه الى عمان .. بقي الاسد في عمان بهيبته يختال بعنفوانه ، رمزا للقوة والشموخ كم من الامهات من تذكر اسمه لدى اطفالها لهيبته او لتحفيزهم ليكونوا مثله في الشجاعة والاقدام  وعادة العرب الفخر بخصالهم وامجادهم  .. ولكن بوانا سيمبا من افضى لجماعته الشرف ونبل الخصال

ما بقومي شرفت بل شرفوا بي ..وبنفسي ارتفعت لا بجدودي

عاش في قرية سيح العافية يتمنى ان يرجع شبابه ويعود للغابات والاحراش لمقابلة الاسود ولكن اسدنا توفاه الله على فراش الموت مرددا قول حسان بن ثابت

يا نفس إِلا تقتلي تموتي.. هذا حمام الموت قد لقيت

وما تمنيت فقد أُعطيت..وإِن تأخرت فقد شقيت

رحم الله تلك الاجساد التي عاشت ابية تكافح من اجل خير البشرية وسمعتها ضاربة اروع الامثال في الشجاعة والنخوة .. رحمك الله يا "بوانا سيمبا" .. رحمك الله يا مصارع الاسد .. رحمك الله ايها الجد الكبير صالح بن حمود السناوي 

No comments:

Post a Comment