Saturday, January 14, 2017

دور السلاطين والعلماء العمانيين في تنشيط الحركات العلمية في دول شرق أفريقيا والقرن الأفريقي

جريدة الوطن، ملحق اشرعة، 15 يناير 2017
د. أبو ياسر مبورالي كامي محاضر ورئيس كلية الآداب فرع الساحل جامعة موئي ألدوريت كينيا
يرى كثير من المؤرخين أن العلاقات العمانية الأفريقية، عرفت كوجود بشري عماني مقيم في شرق أفريقيا تعود إلى هجرة آل جلندى (سليمان وسعيد أبناء عباد الجلندى) إلى أفريقيا في الفترة من (65هـ 684م)، إلا أن العلاقة التجارية البحرية بين عمان وشرق أفريقيا، سبقت تلك الفترة الزمنية بفترة طويلة، ولا نبالغ إن قلنا إنها تعود إلى فترة مبكرة لهذا التاريخ.
وقد حظيت التجارة بالاهتمام الأكبر للسلطنة البوسعيدية بشرق أفريقيا، لأن البوسعيديين اعتمدوا على التجارة الاعتماد الكبير في بناء السلطنة اقتصادية وسياسيا، وسيطروا في سبيل ذلك على مياه المحيط الهندي وساحل إفريقيا الشرقي وداخل القارة الإفريقية حتى حوض نهر الكنغو.
وبعد أن حول السلطان سعيد عاصمته من مسقط إلى جزيرة زنجبار، فمنها امتد سلطنته على طول الساحل وعلى الجزر المتناثرة أمامه، كما امتد داخل البر الإفريقي، ومنها انتشر تجاره ووكلاؤه التجاريون في شبكة من النشاط التجاري الذي يغطي كل الساحل الإفريقي.
وأصبحت زنجبار مركزا تجارية وثقافيا انطلقت منه قوافل التجار المسلمين، تتاجر وتبشر بالإسلام في وقت واحد وسط قبائل الداخل.
وكانت التجارة العربية كثيفة إلى حد أن شاعت المقولة: إنهم حينما يعزفون على المزمار في زنجبار يرقص الناس على سواحل البحيرات الكبرى، وتمكن السلطان سعيد من تكوين دولة ذات قوة اقتصادية في شرق إفريقية، قاعدتها جزيرة زنجبار، فهي ذات موقع متوسط بين موانئ شرق إفريقيا، وكان المسلمون هم القوة المسيطرة.
إن منطقة شرق أفريقيا شهدت تغيرا ملحوظا منذ بداية القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع الميلادي، وذلك بسبب التوسع الاقتصادي الذي طرأ بسبب الحاجة غير المسبوقة إلى سلع شرق أفريقيا وطلب السيد سعيد من التجار العرب والمغامرين ارتياد الداخل أي البر الإفريقي، وتطوير تجارة القوافل في محاولة لربط الداخل بالساحل.
وعمل السيد سعيد على توفير كافة الضمانات لنجاح التجارة الداخلية، وعلى الأخص تجارة القوافل العربية التي تمر بداخل القارة الإفريقية، وسلكت هذه القوافل كافة الطرق التجارية الممتدة داخل القارة، وانتعشت الطرق القديمة.
وفي أواخر عهد السيد سعيد عام 1269هـ 1852م تم فتح طريق تجاري جديد يربط الساحل الشرقي لإفريقية بساحلها الغربي عبر بحيرة تنجاميقا.
لقد أدى التوسع التجاري إلى نشأة ثلاثة طرق رئيسية لتجارة القوافل العربية المتجهة من ساحل شرق إفريقيا نحو الداخل، وهي ذات أهمية خاصة فيما يتعلق بنسر الإسلام في المنطقة وهي كالتالي:
- الطريق الشمالي الممتد من ممباسا وماليدني إلى هضبة البحيرات الإفريقية، وكان ارتياد هذا الطريق محفوفا بالمخاطر بسبب تعرض القوافل التي ترتاده لهجمات قبائل الماساي المحاربة.
- أما الطريق الثاني الذي سلكه الإسلام إلى الداخل وسلكه العناصر الإفريقية إلى الساحل فهو الطريق الأوسط ويبدأ من الموانئ المواجهة لزنجبار مثل تانغة وبنغاني وبغمويو ويتجه وسط تنجانيقا مثل أروشا وموشي وتابورا، وقد زاد حجم التجارة على طول هذا الطريق ابتداء من أوائل القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي بسبب ارتفاع أسعار العاج العالمية.
- أما الطريق الثالث الذي اتبعه تجار العرب فهو الطريق الجنوبي من كلوة، عبر جنوب تنجانيقا وشمال موزمبيق، إلى بحيرة نياسا. ولم يكن العرب يسيطرون عليه إلى حد كبير؛ لأن الجزء منه كان يقع تحت الإدارة البرتغالية، وتمكن العرب من التحالف مع قبائل الياو التي كانت تجلب العاج والمنتجات الإفريقية الأخرى وتبيعها لتجارة القوافل العربية.

المطبعة السلطانية والحركات العلمية والتأليفية
يعتبر إنشاء المطبعة السلطانية في زنجبار من الأمور التي ساعدت على تطور ونهوض الحركة العلمية والثقافية ليس في زنجبار وحده. وإنما تعداها إلى شرق أفريقيا كلها وإلى عمان البلد الأم . لتلك الحركة العلمية الثقافية . كان ذلك بفضل برغش بن سعيد (عام 1870م -1888م).
وقد قامت تلك المطبعة بطبع الكتب العمانية وخاصة أمهات المؤلفات الدينية. وكان ذلك في سنة 1297هـ، وقد عبر المغيري مشيدا بجهود السلطان برغش بن سعيد قائلاً :وقد أنشأ في زنجبار مطبعة عربية لطبع الكتب الدينية والأدبية وسائر العلوم، ولو لم تطبع هذه المطبعة شيئا إلا كتاب هيمان الزاد وقاموس الشريعة وحاشية الترتيب ومختصر الخصال. ومختصر البسيوي وإزالة الاعتراض، ومنظومة الكمال لكفى فكيف وقد طبعت عددا كبير من الكتب، وقد بقيت المطبعة إلى زمن المغيري أي في عهد السلطان خليفة بن حارب 1911م، بالإضافة إلى هذه الكتب الجليلة التي تم طبعها وإخراجها إلى عالم النور فإن تلك المطبعة مهدت الطريق لتطور جديد كانت له آثار بعيدة المدى في مجال التوعية ونشر الثقافة العربية الإسلامية. وقد شهدت سلطنة زنجبار في العهد البوسعيدي ظهور الصحافة لآول مرة في تاريخها بل في تاريخ شرق أفريقيا بأسره.
وفي ذات تلك الحقبة عرف العمانيون في مهجرهم الإفريقي في جزيرة زنجبار تحديداً أول مطبعة حكومية عمانية، وهي المطبعة السلطانية التي تعد من أقدم المطابع العربية في شرق إفريقيا، والتي أنشأها السلطان برغش بن سعيد بن سلطان (1287- 1305هـ/ 1870- 1887م) بزنجبار سنة 1299هـ/ 1882م.
وإذا عدنا إلى الوجود العماني في شرق إفريقيا فما من شك بأنه ضارب في أعماق التاريخ. وبالنظر إلى المكونات الثقافية والرصيد الحضاري الذي تمتع به العمانيون بزنجبار خلال الحقبة التي سبقت إنشاء المطبعة السلطانية فإن جملة من علماء عمان قد هاجروا إلى الجزيرة تزامناً مع الهجرة التي نشطت بتشجيع من السيد سعيد بن سلطان (1804-1856م) وحملوا معهم الكثير من الكتب العمانية المخطوطة، وأسسوا لنهضة ثقافية معرفية تباينت عن الحالة العمانية نتيجة اختلاف البيئة واحتكاكهم بالأعراق والأجناس المختلفة التي احتضنتها جزيرة زنجبار. ومن أظهر النماذج هجرة الشيخ العلامة ناصر بن أبي نبهان الخروصي بصحبة السيد سعيد بن سلطان الذي قربه وأدناه إلى بلاطه، فانعكس ذلك إيجاباً على شخصية الشيخ ناصر ومكنه من تحقيق اتساع في منجزه المعرفي ليشتمل على الفلسفة وعلم النبات وأدبيات أخرى تتعدى علوم الشريعة الإسلامية.
ميلاد المطبعة السلطانية
نبعت فكرة إنشاء المطبعة السلطانية لدى السلطان برغش في رحلته السياحية في بعض البلدان العربية كمصر وبلاد الشام ثم بلدان أوروبا سنة 1294هـ/ 1877م، والتي وثقها زاهر بن سعيد النخلي الكاتب الأول في دار السلطان في كتاب (تنزيه الأبصار والأفكار في رحلة سلطان زنجبار) بإشراف: القس لويس صابنجي.
ونتيجة لما شاهده السلطان في تلك البلدان من دور تقوم به المطابع فقد قرر إدخال الطباعة لأول مرة إلى زنجبار، وهو ما تم بالفعل سنة 1299هـ/ 1882م وذلك باستيراده مطبعةً مُجَهَّزَةً بكل اللوازم من مطبعة الآباء اليسوعيين في بيروت. على أنه ثمة اختلاف في المصادر حول مصدر هذه المطبعة بين كونها جلبت من الهند أو أن السلطان جلبها من بريطانيا، ويذهب مصدر آخر إلى أنها جلبت من سوريا عقب زيارة السلطان لها عام 1872م.
وقد استقدم السلطان للمطبعة عُمَّالا لبنانيين للإدارة والتشغيل وتدريب الموظفين على استعمالها. وأشرف بنفسه على أعمال الطباعة، وكلَّف عدداً من العلماء العمانيين المعتنين بالتراث بالإشراف على الطباعة، ومراجعة الكتب وتصحيحها، منهم الشَّيْخ يَحْيَى بن خَلْفَان بن أبِي نَبْهَان الْخَرُوصِيّ (ت1322هـ/ 1904م) والشيخ سَيْف بنِ نَاصِر بن سُلَيْمَان الْخَرُوصِيّ (ت1341هـ/ 1923م) والشيخ أبو مسلم ناصر بن سالم البهلاني الرواحي (ت1339هـ/ 1920م).
وفي إحدى رسائل الشيخ يحيى بن خلفان بن أبي نبهان الخروصي إلى عمه الشيخ خميس بن جاعد بن خميس الخروصي، المؤرخة في 8 جمادى الأولى 1298هـ أشار إلى نشأة المطبعة السلطانية وأن السلطان قد جلب عمالا أربعة من بيروت بعد أن فشل من قبلهم في تشغيل المطبعة فأشار إليه الشيخ يحيى بأن ذلك غرم لا طائل منه فكانت النتيجة أن أرسل السلطان لجلب أولئك العمال الأربعة من بيروت، وأشار الشيخ يحيى إلى أن بدء العمل في طباعة أول كتاب وهو الجزء الأول من كتاب قاموس الشريعة كان في شهر رمضان وهو هنا يشير إلى سنة 1297هـ بما أن الرسالة مؤرخة في شهر جمادى الأولى من سنة 1298هـ، كما أشار إلى عدد النسخ وكلفة الورق في معرض ذكره لما أمر به السلطان برغش من طباعة 200 نسخة وأن كلفة الجزء ألف قرش للورق (القرطاس).
وذكر الشيخ يحيى أيضاً تقريظه للكتاب وفهرسته له في قصيدته التي وضعت في الجزء الأول. ونقرأ في سطور الرسالة مشاعر السرور التي تملكت الشيخ يحيى بنشأة أول مطبعة عمانية، واعداً الشيخ خميس بن جاعد بأن يرسل له نسخة من أول كتاب مطبوع بعد اكتمال عملية الطباعة

الإنتاج العلمي للمطبعة السلطانية
تحتل التآليف الدينية النصيب الأوفر من المنجز الثقافي العماني فيما مضى، ويعود ذلك إلى أسباب عديدة كما يرى الشيخ أحمد بن سعود السيابي منها كون الجهود التأليفية في عمان اقتصرت أو كادت تقتصر على علماء الدين، بمعنى أن أفراد المجتمع إما أن يكونوا في عداد العوام أو النخبة والتي تكون غالباً علماء الدين أنفسهم، وتكوين عالم الدين يكون عادة من خلال العقيدة والفقه.
ويرى السيابي أنه قلما نجد في الحضارة العمانية عالماً في فن من الفنون مستقلاً عن الوسط الديني، خلافاً للبلدان الأخرى التي نجد فيها المؤرخ البحت والأديب المستقل بأدبه والفيلسوف المستقل بفلسفته.
لذا كان من الطبيعي أن تتصدر العلوم الدينية إنتاج المطبعة السلطانية، فكان كتاب قاموس الشريعة الحاوي طرقها الوسيعة للشيخ جميّل بن خميس بن لافي السعدي (ق13هـ/ 19م) وهو أضخم موسوعة في الفقه الإباضي أول كتاب يطبع في المطبعة، وقد صدر منه خمسة عشر جزءا بين سنتي 1297هـ/ 1880م – 1303هـ/ 1886م.
“قد أوقف سيدُنا ومولانا الأجل الأكرم المحترم المعظم الهمام برغش بن سعيد بن سلطان بن الإمام جميع الكتب المطبوعة من أجزاء قاموس الشريعة أولها وآخرها على طلبة العلم المتعلمين والراغبين فيه المجتهدين، ابتغاء ما عند الله تعالى من الثواب، وهَرَبًا من أليم العقاب، وإنه قد أخذ عهد الله وميثاقه على من صار في يده شيء من هذه الكتب أن لا يبيعها ولا يهبها ولا يرهنها ولا يتملكها، وأن لا يمنعها من كان مستحقا للقراءة منها، وأن لا يعطيها من هو غير مأمون عليها خوفا من ضياعها، وإن احتاجت إلى إصلاح فليصلحها مَنْ صارت في يده وأجره على الله تعالى؛ وقفا مؤبدا صحيحا شرعيا لا يُحال ولا يزال، ولا تباع هذه الكتب ولا تورث ولا توهب ولا ترهن ولا تملك حتى يرث الأرض وارثها. أُشْهِدُ الله تعالى على ذلك وكافة المسلمين ﴿فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 181).
وكتب هذا عن أمره خادمه الفقير لله يحيى بن خلفان بن أبي نبهان الخروصي بيده في 10 رمضان 1299هـ .صَحَّح ذلك السيد برغش بن سعيد”.
كما كان لتجليد الكتب بالمطبعة السلطانية ثيمة خاصة تتميز بلون أحمر وختم مذهب ذي طابع عماني عرف بها وشاع استخدامه حتى في تجليد الكتب المخطوطة التي نسخت في زنجبار خلال تلك الحقبة.
وقد كانت حركة نشر الكتب في المطبعة خلال حقبة حكم السلاطين :
1ـ برغش بن سعيد وهو مؤسس المطبعة.
2ـ خليفة بن سعيد بن سلطان (1305هـ/1888م – 1307هـ/1890م) الذي استلم حكم زنجبار بعد وفاة أخيه السلطان برغش، وقد وقع على معاهدة مع شركة شرق أفريقيا الألمانية منح بمقتضاه الألمان الحق في تحصيل الرسوم الجمركية والضرائب على طول ساحل تنجانيقا، وحصلت في دولته ثورة الشيخ بشير بن سالم الحارثي ضد الألمان في باغ مويو وبنغاني في الساحل الأفريقي، وكان يمده بالآلات الحربية والمأكولات حتى يتقوى على مقاومتهم .وقد نال وسام فارس الصليب الكبير الفخري (وسام القديس مايكل والقديس جورج) من بريطانيا.
3ـ علي بن سعيد بن سلطان (1307هـ/1890م – 1310هـ/1893م) وفي عهده تم وضع أول دستور للسلطنة وتشكيل حكومة دستورية عام 1891، بالإضافة إلى تشكيل مجلس الوزراء وفصل السلطات.
4ـ حمد بن ثويني بن سعيد (1310هـ/1893م – 1313هـ 1896م) وكان قد قرّب العلماء وأجلّهم، وللشيخ الشاعر أبي مسلم البهلاني الرواحي قصائد بليغة في مدحه وذكر مناقبه.
وفي عهد السلطان علي بن حمود بن محمد اقتصر دور المطبعة السلطانية على إصدار الأوراق الرسمية للدولة، كالمراسيم والقرارات وأوسمة الشرف وسجلات القضاء والعهود الدولية وعقود المعاملات والمراسلات السلطانية.
وقد كان لإنشاء السلطان برغش للمطبعة الفضل في تأسيس وانطلاق النهضة الثقافية العلمية الفكرية في جزيرة زنجبار وشرق أفريقيا عامة لتكون جسراً للتواصل المعرفي مع بلدان العالم، فقد أعقب إنشاء المطبعة إنشاء أكثر من عشر مطابع أهلية في زنجبار.
كما كان لمجمل تلك المطابع كبير الدور في الصحافة العمانية بزنجبار وذلك بصدور قرابة 12 صحيفة امتدت لحقبة أكثر من 60 عاماً أشهرها: (النجاح – النادي – الفلق – النهضة – المرشد – الأمة – الإصلاح – المعرفة).

• ورقة مقدمة إلى المؤتمر الدولي الخامس علاقات عمان بدول القرن الأفريقي الذي أقامته هيئة الوثائق والمحفوظات
الوطنية في جزر القمر خلال الفترة من 6 إلى 8 ديسمبر 2016م

الجزء الثاني
الأحد 22 يناير 2017

تميز دور سلاطين عمان في تنشيط الحركات العلمية بنواح عدة جمعت بين القيام بواجبات الإفتاء والقضاء، والنواحي الرسمية بما يمليه واجب الدولة ومسؤولياتها، وكذلك التدريس والتأليف ونشر العلم حيث دل عليه وجود الكتب والمؤلفات ونشاط المدارس العلمية والفقهية.
وكان سلاطين زنجبار والفئة المثقفة ( العلماء) فيها يحرصون على نشر الدين الإسلامي ومبادئه بين السكان وساحل شرقي أفريقية، ولهذا بدأوا في إنشاء مدارس القرآن الكريم (الخلاوي)، والتي تعرف محليا باسم (الدوكسي)، في وسط تجمعات السكان، وقد تولى التدريس في هذه المدارس جملة من العلماء العرب المسلمين من ذوي الأصول العمانية الذين نبغوا في علوم اللغة العربية، والفقه والتفسير.
وتعد زنجبار بعد قيام الدولة البوسعيدية قصبة العلم التي هوت إليها أفئدة العلماء، فهاجروا إليها من عُمان واستقروا فيها، فكانوا أن أسهموا في نهضتها العلمية والفكرية، الأمر الذي عد فخرا لسكانها وقاطنيها.
وقد تنوعت الأسباب والدوافع التي أدت ببعض العلماء للهجرة نحو الساحل الأفريقي، كما عاود البعض منهم حنينا إلى بلدهم الأصلي فترددوا بينها وبين موطنهم الجديد كقول العالم الشاعر أبي مسلم البهلاني متشوقا لموطنه عُمان:

تِلكَ المعَاهِدُ مَا عَهْدِي بِهَا انْتَقَلَتْ
وَهُنَّ وَسْطَ ضَمِيرِي الآنَ سُكَّانُ
نَزَحْتُ عَنْهُمْ بِحُكْــــمٍ لاَ أُغَــالِبُهُ
لاَ يَغْلِبُ القَدَرَ المحْتُومَ إِنْسَانُ.

ويبدو أن ترحيب سلاطين زنجبار بهؤلاء العلماء، ومدهم بالعون والمؤازرة والاعتماد عليهم في ترسيخ قدم الدولة وبسط نفوذها شجع على الهجرة والاستيطان على الساحل الأفريقي، نذكر من بينهم العلامة المشهور الشيخ ناصر بن أبي نبهان الذي انتقل بصحبة السلطان سعيد بن سلطان إلى شرق أفريقيا.
وللشيخ ناصر المذكور مؤلفات مشهورة كمؤلفه «الحقُّ اليقين» في العقيدة، وكذلك كتابه المسمى «لطائِفُ الـمِنَن في أحكَامِ السُّنَن» وقد بوب فيه الشيخ «الجامع الصغير» للإمام جلال الدين السيوطي.
وللشيخ أيضا كتاب في الطب سمَّاه: «السرُّ الجلي في ذكر أسباب النبات السواحلي» حيث شرح فيه فوائد النبات والأشجار الموجودة بالساحل الأفريقي، وقارن أسماءها مع ما هو معروف منها في البلاد العربية.
ونجد كذلك من بين علماء زنجبار الشيخ محمد بن علي المنذري، وكان رئيسا للقضاء في عهد السلطانين سعيد بن سلطان وولده ماجد بن سعيد، ولهذا الشيخ مؤلف في العقيدة هو «الخلاصة الدامغة» وقد توفي عام 1314هـ/ 1869م. وقد تولى ابنه الشيخ علي بن محمد المنذري منصب قاضي زنجبار في عهد السيد خليفة بن حارب، وله كتاب في التربية تحت مسمى “اختصار الأديان”. وله كتب أخرى كمثل “نور التوحيد” وكذلك كتاب “الرد على النصراني الكندي” الذي رد فيه على أحد النصارى في عهد الخليفة المأمون.
ومن بين العلماء الذين تقلدوا قضاء «مُمباسة» الشيخ علي بن عبد الله المزروعي الذي برز في عهد السلطان ماجد بن سعيد (1856-1870م) وكذلك ابنه الشيخ الأمين بن علي المزروعي، وللمزروعي الأب مؤلفات منها: مخطوطة “الدروع السابغة” و«السبل الواضحة في شرح دلائل الخيرات».
أما المزروعي الابن فهو قاضي قضاة كينيا وقد اهتم بالصحافة والنشر، وله دورية أسماها “الصحيفة” ظهرت عام 1930م، وكذلك جريدة الإصلاح الصادرة في شوال 1350هـ/1932م باللغتين العربية والسواحلية.
ومن العلماء البارزين في ساحة العلم على الساحل الأفريقي، العالم الشاعر أبو مسلم بن ناصر سالم بن عديم البهلاني الذي له عدة مؤلفات مشهورة مثل «نثار الجوهر» وهو كتاب في الفقه، وكتاب «النور المحمدي» و«الكنوز الصمدية في المفاخر المحمدية»، وكتب أخرى في العقيدة، وله ديوان شعر مطبوع في وزارة التراث بسلطنة عُمان تظهر فيه براعته في الصياغة الشعرية فهو يمتاز بنفس شعري عميق، وحس مرهف. ويجمع الشيخ بين مواهب متنوعة في القضاء والشعر والصحافة والنثر. ففي مجال الصحافة نجد المجلة التي أنشأها بعنوان «النجاح»، وقد تولى تحريرها، فقد كان متابعا لما عليه حال المسلمين في أنحاء العالم، يدل على ذلك قصيدته التي نشرها وأرسلها للمؤتمر الإسلامي برئاسة رياض باشا في مصر، حيث أثيرت قضية مصر الفرعونية وقتذاك.
ومما يدلنا على فكر العلامة أبي مسلم في استيعابه لمقتضيات العصر تلك الرسالة التي وجهها إلى الإمام سالم بن راشد الخروصي (حكم 1331 ــــ 1338هـ) في عُمان بتاريخ 14 ربيع الثاني 1333هـ التي حملت أفكارا تفصح عن بعد النظرة لما هو الحال الذي ينبغي أن تكون عليه الدولة.
ومن العلماء العُمانيين في عهد السلطان برغش بن سعيد بن سلطان العالم الشيخ يوسف بن ناصر الخروصي الذي هاجر إلى أفريقيا عام 1300هـ، وكان قاضيا ومُفتِيًا لزنجبار ومن مؤلفاته «الجامع لأركان الإسلام».
ومن بين العلماء صاحب المقامات العُمانية والصحارية الشيخ محمد بن علي بن خميس البرواني الذي برع في أدب المقامة. وفيهم كذلك العلامة سالم بن سعيد الشعبي وهو شافعي المذهب وله كتاب في علم الفرائض “أسمى المقالب المبهمات”.
وقد عُنِي بعض العلماء العُمانيين عناية خاصة بالتاريخ، كمثل الشيخ سعيد بن علي المغيري صاحب كتاب «جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار» الذي ولد في عُمان ثم ارتحل إلى زنجبار عام 1300هـ وقد عينته الحكومة عضوا في المجلس التشريعي بزنجبار عام 1351هـ.
فهناك شواهد كثيرة قام بها السلاطين والعلماء وأثرياء العمانيين وغير العمانيين في تأسيس المدارس القرآنية والنظامية، وتشييد المساجد، والمعاهد العلمية، مع تخصيص أموال وقفية لخدمة هذه المدارس وذلك للنفقة على روادها ومدرسيها والعناية بالمدرسة نفسها.
وقد زينت المساجد في شرق أفريقيا خاصة زنجبار وممباسا ولامو ومليندي وغيرها من المدن بحلقات العلم ورابط المعلمون والشيوخ في المساجد لتوعية الناس وتثقيفهم.
وتميز حكم السلطان سعيد بن سلطان بين عام 1806-1856م بروح العدالة في إدارة البلاد، فساد جو الألفة والتجانس والصلات الوثيقة بين الأوساط الإجتماعية، وخصوصا بين العلماء والفقهاء من الإباضية والسنة. ويشير الشيخ سعيد بن علي المغيري أن السلطان سعيد بن سلطان بسبب حبه للوحدة الوطنية والمذهبية أصدر أوامره إلى قضاته وعماله بعدم التعرض للمذاهب الإسلامية، وقد جاء في هذا المنشور (من سعيد بن سلطان إلى جناب كافة ربعنا بحال القضاة، كا من حكم بحكم، وأخطأ فيه يرجع إلى السؤال إلى من هو أعلم منه كل مذهب يتبع مذهبه، هذا ما جرت العادة من قديم بذلك والسلام) في 2 ربيع الأول 1261هـ.
وفي عهد السلطان برغش بن سعيد استقطب العمانيين بعد انهيار دولة الإمام العدل عزان بن قيس البوسعيدي، وكان بها عدد من العلماء والمشايخ والأخيار، فرأوا أن بقائهم في عمان به خطورة، فرحلوا إلى زنجبار، فأدناهم السلطان برغش وقربهم إليه، وحث البقية على الهجرة في زنجبار، وكان للسلطان برغش إنجازات جليلة في عنايته بالعلم والعلماء حتى بلغت الحركة العلمية أوجها في فترة حكمه، وهاجر كثير من مشايخ الأمصار إليها، وأصبحت مأوى الفضلاء والصالحين، حتى قال الإمام الحجة نور الدين عبد الله بن حميد السالمي، رحمه الله تعالى ” في زنجبار في جواب له لرجل من تبوراه” ولا شك أن تقليد أهل زنجبار في قبلتهم أولى من تقليد أهل قطركم لأن زنجبار قد دخلها العلماء والأفاضل من أهل المذهب وغيرهم.
وﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء الجديرة ﺑﺎﻹﺷﺎدة والتقدير في دوﻟﺔ البوسعيديين هذا الاحترام واﻟﺘﻜﺮﻳﻢ الذي ﻟﻘﻴﻪ العلماء ﻣﻦ سلاطين زﻧﺠﺒﺎر، وﻗﺪ ﻛﺎن ﺳﻤﺔ ﺑـﺎرزة أرﺳـﻰ قواعدها السلطان سعيد الذي خص العلماء ﻣﻦ ﻛﺎﻓﺔ المذاهب ﺑﺮﻋﺎﻳﺘﻪ واﺣتراﻣﻪ، إن روح اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ اﻟﺪﻳﻨﻲ والمذهبي، قد كانت من الخصائص المميزة ﻟـﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺴﻴﺪ ﺳﻌﻴﺪ واﻟﺴﻴﺪ ﻣﺎﺟﺪ ﻣﻨﻪ في عهد السيد برغش.
إن العلماء واﻟﻔﻘﻬﺎء هم اﻟﻘوة المحركة في زﻧﺠﺒﺎر في مجالات ﺣﻴﻮﻳﺔ ﻣﺘﻌـددة، ﻓﻘﺪ ﻛﺎن في ﻣﻘدﻣﺔ واجباتهم تطبيق ﺣﻜﻢ الشرع في زﻧﺠﺒﺎر وملحقاتها أوﻛﻠﺖ إﻟﻴﻬﻢ ﻣﻬﺎم اﻟترﺑﻴﺔ واﻟﺘﻌليم واﻹرﺷﺎد وإﺷﺎﻋﺔ اﻟﻘيم اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ في مجتمع زﻧﺠﺒﺎر وشرق إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ، وﻣﻦ ثم اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ فقد أﻓﺮدوا ﺣﻴﺰا كبير ﻣﻦ وقتهم ﻟﻼطﻼع الواسع والتبحر في دراﺳـﺔ اﻟﻌﻠوم كما أﺳﻬﻤﻮا بالتأليف ووﺿﻊ المصنفات والشروع في ﺷﺘﻰ ﻓﺮوع اﻟﻌﻠﻮم البشرية اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وﻣﻦ هذا المنطلق وﻟﺘﺤﻘﻴﻖ الهدف المنشود ﻓﻘﺪ ﻗـﺎﻣوا ﺑﺎﻟﺮﺣﻼت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻟﻼﺣﺘﻜﺎك واﻹﻓﺎدة ﻣﻦ ﻣﺼﺎدر المعرفة اﻷﺻـﻠﻴﺔ في المعاهد اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ الكبيرة وﻣﺮاﻛﺰ الدراسات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، وبمرور اﻷﻳﺎم ﻛوﻧوا ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﺮﻛﺰا ﻣﺮﻣﻮﻗﺎ ﻣﺴﺘﻘﻼ ﻻ يقل ﻋﻦ المراكز اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻷﺧﺮى في العالم اﻹﺳﻼﻣﻲ.
وقد أﺳﻬﻢ ﻫﺆﻻء العلماء في نشر الوعي الديني واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺗدرﻳﺴﺎ وتأليفا وﻧﺸﺎطا اجتماعية وتتلمذ على أيديهم أعداد غفيرة من سكان زﻧﺠﺒﺎر والمناطق الداخلية في شرق إﻓرﻳﻘﻴﺔ. وﻣﻦ ﻫﺆﻻء العلماء الذين خلفوا الكثير ﻣﻦ المؤلفات المخطوطة واﻟﻘﻠﻴﻞ المنشور باللغتين اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ والسواحلية في ﺷـﺘﻰ الموضوعات المتعلقة بالتراث اﻹﺳﻼﻣﻲ في شرق إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ وﻣﻦ العلماء الذين برزوا واﺳـﺘﻤﺮ ﻧﺸﺎطهم وتواﺻﻞ عطائهم، وشهدت على أيديهم العديد من مدن شرق أفريقيا نهضات ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻣﺒﺎرﻛﺔ ﻣﺘنوﻋﺔ ﺑﺒﻨﺎء اﻟﻌديد ﻣﻦ المساجد والمعاهد وإﻧﺸﺎء المدارس.
علماء بارزون من عمان
تعطرت مدن شرق أفريقيا والقرن الأفريقي بعلماء من ذوي الأصول العمانية وبسبب خبرتهم العلمية والفقهية استفاد أهالي شرق أفريقيا بذخيرة علمية وكان النتيجة استفادة كثير من طلبة العلم بعلمهم وتخرج عندهم وأصبحوا قادة والأئمة في المساجد، تعمرت المساجد بحلقات التفسير والفقه وغيرها من العلوم من قبل هؤلاء الأئمة، وأصبحت مدينة زنجبار وممباسا وجزر القمر أماكن تضرب لها المثل في وجود أئمة من ذوي الكفاءات العلمية، وأصبح هناك ترابط وثيق بين طبقة العلماء في شرق أفريقيا الشرقية، والإباضية، ومن هؤلاء الأئمة الشيخ جاعد بن خميس الخروصي.
يخبرنا التاريخ بأن الشيخ جاعد بن خميس الخروصي، لاقى هو وأسرته بعض المضايقات من طرف أحد القادة السياسيين في ولاية الرستاق، وأن تلك المضايقات ازدادت حدتها عقب وفاة الرئيس، إلى الدرجة التي أدت إلى سقوط أكبر أبنائه، نبهان، قتيلا على أيدي المتربصين بعائلة فقيد الأمة، الشيخ الرئيس. دفع هذا الوضع الشيخ، ابن أبي نبهان إلى الارتحال عن مسقط رأسه، العلياء، إلى ولاية نزوى، التي مكث فيها لمدة تزيد على السنة. واجه في ارتحاله هذا وضعا اقتصاديا، بالغ الشدة، فلقد قضمه فك الفكر، حتى بات، في معظم تلك الفترة لا يأكل سوى الخبز بالماء والليمون والملح والقاشع، حتى أنشد في نفسه قائلا:

معيشتنا خبز لغالب قوتنا
وماء وليمون وملح وقاشع
فإن حصلت مع صحة الجسم والتقى
فيا حبذا هذا بما هو قانـــع

تسامح الناس بالحالة الاقتصادية المتردية التي مر بها الشيخ، ابن أبي نبهان، فرفعوا أمره إلى سلطان البلاد، السيد سعيد بن سلطان، مطالبين منه إعطاء الشيخ ما يستحقه من مكانة العلماء. استجاب السلطان لنداء العامة، فعمل على تقريب الشيخ إليه، وخصص له راتبا شهريا. وكان الشيخ رجلا متواضعا، ومن أمثلة على تواضع الشيخ أبي نبهان الخروصي رده على أستاذه الشيخ سعيد بن أحمد الكندي عندما أثنى الأخير ذات مرة عليه إذ قال: أحسنت فإني دونك في العلم والفهم، فما كان من الشيخ الرئيس إلا أن قال له: ” إنك في العلم أنت المنتهى، وأنا المبتدى، وشتان بينهما”.
كان الشيخ من ضمن الشيوخ والوجهاء الذين اختارهم السلطان لمرافقته في رحلة الهجرة إلى زنجبار. وفي زنجبار، ذلك البلد الهادئ الآمن، الذي تحفه الأشجار وظلالها الوارفة، من كل حدب وصوب، ويسقيه ماء السماء في كل آن وحين، تفتقت قريحته العلمية لبذل المزيد من العطاء. عاش في تلك البيئة الجديدة، بجوها الصافي البديع، وبمائها العذب الزلال، عيشة مريحة رغدة، حيث تمتع باحترام الحاكم والمحكومين على السواء، فقربه السلطان أكثر إليه، حتى أضحى في حكم مستشاره الشخصي.
ومما يذكر، أن احترام الناس له، لم يكن تقديرا لعلمه فحسب، وإنما لما اشتهر به من قدرته الفائقة على تسخير الجان أيضا، أو ما يعرف بعلم الرياضة، فلقد كانت له اليد الطولي في هذا العلم، مثلما كان لوالده من قبل.
ومن الأحداث المأثورة عن قدرته في هذا العلم، أنه في فترة من الفترات، كان السيد سعيد بن سلطان في أشد القلق على نائبه في عمان، ابنه السيد ثويني، نتيجة لبعض القلاقل والاضطرابات التي كانت تحدث في عمان آنئذ. الشيخ ناصر بن جاعد، تقدم إلى السيد سعيد، وعرض عليه أن يسطر كتابا إلى السيد ثويني، وأنه متكفل بإيصال إليه، بل وبموافاته برد من السيد ثويني في اليوم التالي. عمل السيد سعيد بالعرض، وسلم الكتاب إلى الشيخ ناصر، فإذا بالأخير يفد إلى السلطان صباح اليوم التالي ويسلمه كتاب ردِّ، بخط يد ابنه السيد ثويني، من عمان، يطمئنه عن أحواله في هناك، ويزوده بتفاصيل الجواب التي استفسر عنها والده، السيد سعيد في كتابه.
وإنما الشيخ ناصر بن أبي نبهان يذكر بأنه كان صلبا في تعامله مع السلطان سعيد بن سلطان، وكان السلطان يلين له الجانب ويميل إلى استعطافه، ويوسع له، وقد توفي في زنجبار في التاريخ المذكور بين عام 1262هجرية أو 1263 هجرية، ويقول الفارسي، إن هذا العالم التقي، لفظ أنفاسه الأخيرة على حجر السيد سعيد في أحد قصوره المعروف باسم قصر متوني، الذي يقع على بعد ثلاثة أميال وثلاثة أرباع عن مدينة زنجبار. دفن الشيخ في إحرامات القصر، وتولى بناء ضريحه السيدة علياء بنت محمد بن سعيد سلطان، ثم أكمله، في وقت لاحق، الشيخ سعيد بن عبد الله بن سعيد الخروصي.
ومن الكتب التي ألفها الشيخ وهو في زنجبار كتاب “لطائف المنن في أحكام السنن”. شرح فيه الكثير من الأحاديث النبوية، شرحا سلسا، بعيدا عن الإطالة وكذا الإختصار، في آن واحد. كما ألف كتابا آخر وهو في زنجبار بعنوان” السر الجلي في ذكر أسرار النبات السواحلي”، وهو كتاب في الطب الشعبي، تناول فيه التداوي بمختلف أنواع الأعشاب التي تنبت في ديار الشرق إفريقية.
وفيه مقدمته ذكر فيها مصطلحات اللغة السواحلية وما فيها من تفخيم المسمى وتصغيره. وأورد أسماء الأشجار باللغة السواحلية، ولهذا الكتاب سمعة جيدا إلى الآن، إذ يستخدمه بعض أطباء الأعشاب في جوانب عدة من الطب، يرجع الفضل إلى مؤلفه الشيخ جاعد بن خميس الخروصي.
وهناك من العلماء اﻟﻘﻤﺮﻳــين من ذوي الأصول العمانية ﻟﻌﺒــﻮا دورا ﻣـﺆﺛﺮا وواﻗﻌــﺎ في نشراﻹﺳــﻼم والتعليم في دول القرن الأفريقي وخاصة شرق أفريقيا، والقمريون هم القراء للقرآن الكريم وﻣـﻦ اﻷواﺋـﻞ اﻟـﺬﻳﻦ نشروا اﻟﻌﻘﻴـﺪة الإسلامية وكان منهم قضاة ومعلمو القرآن وأئمة مساجد.
ومن العلماء القمريين من ذوي الأصول العمانية الذين أسهموا في تدريس العلوم الإسلامية والعربية ونشرها، من خلال نظام التعليم التقليدي في المساجد والكتاتيب والحلقات العلمية، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، الشيخ أحمد بن أبو بكر بن سميط (1278- 1344هـ 1861- 1925م) الذي قام بالتدريس في المذهب الشافعي والعلوم العربية لعدد من التلاميذ، في جامع ” مليندي” وانتهت إليه الرياسة العلمية في الأقطار السواحلية، وتخرج عليه الجمع الغفير، بل ما من ﺣﺎﻣﻞ محبرة أو قلم في بلدان شرق إﻓﺮﻳﻘﻴـﺔ إﻻ وﻫـﻮ منتسب إﻟﻴـﻪ ﻣﺒـﺎشرة أو بواسطة، “وللعلم رحم بين أهله” وألف عددا من الكتب كما اشتغل طويلا في القضاء، وانتقل إلى رحمة الله بعد حياة حافلة بالعطاء العلمي والتأثير الثقافي في بزنجبار، وقبره مشهور، ويوجد أمام جامع “مليندي”.
اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟﺸﻴﺦ منصب ﺑـﻦ علي (1280-1346هـ 1863-1927م) الذي ﻫﺎﺟﺮ ﻣﻦ ﺟﺰر اﻟﻘﻤﺮ إلى زﻧﺠﺒﺎر ﻛﺎن ﻳﻌﻠـﻢ اﻟﻘـﺮآن واﻟﻌﻠـﻮم الشرعية في بلدته بمروني، ثم ﻫﺎﺟﺮ أﻳﺎم السيد ماجد وأﻗﺎم المواعظ والدروس في ﺟـﺎﻣﻊ زنجبار، وعندما علم السيد ماجد أمره عينه قاضيا لمدينة زنجبار، وكان أول رئيس لجمعية أهل السنة والجماعة الزنجبارية التي تأسست في السبعينات القرن التاسع عشر الميلادي/ الثالث عشر الهجري.
إذن ﻛﺎن لعلماء ودﻋﺎة شرق إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ اﻟﻔﻀﻞ في نشر اﻹﺳـﻼم بين اﻟﻘﺒﺎﺋـﻞ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺑﻨﺎﺋﻬﻢ ﻟﻠﻤﺴﺎجد والمدارس وإﻟﻘـﺎء الدروس، واﻟﺸﻌﻮب اﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ الدينية. وكانت شرق أفريقيا من الدول التي كانت تضرب بها المثل في وجود جهابذة من العلماء الأجلاء البارعين في فنون مختلفة من العلوم الشرعية وغيرها، وبوجود سلاطين من عمان تنورت المدن وعمرت المساجد وأصبحت شرق أفريقيا ملجأ لطلاب العلم في مختلف البقاع من القرن الأفريقي.

• ورقة مقدمة إلى المؤتمر الدولي الخامس علاقات عمان بدول القرن الأفريقي الذي أقامته هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية في جزر القمر خلال الفترة من 6 إلى 8 ديسمبر 2016م.
ملاحظة :
جميع المصادر والمراجع في الموقع الإلكتروني .
إبراهيم، نور الدين عوض الكريم، (2004)، الندوة العالمية عن التعليم الإسلامي، انجمينا، جامعة الملك فيصل.
بشير، سيف الإسلام بدوي، (2010)، “جذور التراث الثقافي ودوره في بالساحل الشرقي لأفريقيا”، http://www.islam4africa.net/ar/more.php?cat_id=18&art_id=13
البوسعدي، جمعة بن خليفة، (2013) ” السلطان سعيد بن سلطان 1806-1856م مؤسس دولة ورائد نهضة” ندوة الحضارة والثقافة الإسلامية والدور العماني في النواحي التاريخية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية في دول شرق إفريقية، ج 1، مدينة زنجبار، في الفترة 2-4- سبتمبر 2013 م. ج 1، مسقط سلطنة عمان، مطبوعات هيئة الوثائق.
تاج السر، أحمد حران، الأقلية المسلمة في كينيا، الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود، ط 1.
التركي، بنيان سعود، ” الشيخ مبارك بن راشد المزروعي في شرق افريقية”، مجلة دراسات افريقية، العدد 24، 2002م ص 69.
الجبو، مصطفى إبراهيم، (2007)، زنجبار في ظل الحكم العربي 1832-1890، سلطنة عمان: وزارة التراث والثقافة، د.ط.
الحداد، حامد أحمد، (2007)، دراسات عن العرب والإسلام في شرق أفريقيا، جدة: دار المنهاج، ط1.
الخليلي، أحمد بن حمد ( 1999)، “العُمانيون وأثرهم في الجوانب العلمية والمعرفية”، حصاد ندوة الدراسات العمانية، البحوث والدراسات، مسقط، المنتدى الأدبي، مطبوعات وزارة التراث والثقافة.

الخليلي، أحمد بن حمد (1993). “العمانيون ودورهم الحضاري في شرق أفريقيا ” فعاليات ومناشط حصاد أنشطة المنتدى الأدبي لعام 1992، مسقط، سلطنة عمان، وزارة التراث والثقافة.
ديوان أبي مسلم البهلاني (1987)، ط1، إصدار وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عُمان.
رودولف سعيد روت (1983)، سلطنة عمان خلال حكم السيد سعيد بن السلطان (1791-1856م) ترجمة عبد المجيد حسيب القيسي، البصرة: مركز دراسات الخليج العربي، د.ط.
رونالدو أوليفر وأنتوني أتمور( 2005)، إفريقيا منذ عام 1800م، ترجمة فريدة بوري، ط1، القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة.
الريامي، ناصر بن عبد الله (2009). زنجبار شخصيات وأحداث، 1828م 1972م، ط 2، القاهرة: مكتبة بيروت.
السديس، عبد الرحمن، (1987)، تطور حركة اتنشار الاسلام في شرق أفريقيا في ظل دولة البوسعيديين 1832-1930م، رسالة ماجستير، جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية.
سنكر، علي سعيد، (2013)،” الشيخ علي بن عبد الله بن نافع المزروعي: زعيم الحركة الإصلاحية للعلوم الإسلامية في شرق افريقيا في القرن التاسع عشر”، ندوة الحضارة والثقافة الإسلامية والدور العماني في النواحي التاريخية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية في دول شرق إفريقية، ج 1، مدينة زنجبار، في الفترة 2-4- سبتمبر 2013 م. ج1، مسقط، سلطنة عمان، مطبوعات هيئة الوثائق.
السيفي، محمد بن عبد الله بن سعيد بن ناصر(2005). النمير حكايات وروايات الإباضية في زنجبار وما جاورها من دول شرق أفريقيا، ج 1، نزوى: مكتبة غاية المراد، 1426ه 2005م.
العقاد، صلاح، (1983)، التيارات السياسية في الخليج، ط 3، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية.
عمان في التاريخ، (1995)، وزارة الإعلام، لندن: دار أميل للنشر، د.ط.
العيسري محمد بن عامر، “المطبعة السلطانية في زنجبار ” جريدة الوطن، الموقع: http://omanzanzibar.blogspot.co.ke/2014/12/blog-post_27.html Saturday, December 27, 2014
غنيمي، رأفت الشيخ، (2006)،” الآفرو عربية ككيان سياسي وحضاري نموذج الدول العمانية بشرق أفريقيا” المؤتمر الدولي حول الإسلام في إفريقيا، الكتاب الرابع.

الغيلاني، حمود بن حمد محمد، (2014)، “الأسطول البحري العماني وأثره في العلاقات العمانية الأفريقية”، سلسة البحوث والدراسات في الوثائق الوطنية والدولية، ندوة الحضارة والثقافة الإسلامية والدور العماني في النواحي التاريخية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية في دول شرق إفريقية، ج 1، مدينة زنجبار، في الفترة 2-4- سبتمبر 2013 م. ج1، مسقط سلطنة عمان، مطبوعات هيئة الوثائق.
الفارسي، عبد الله بن صالح، ترجمة محمد أمين عبد الله (1982)، البوسعيديون حكام زنجبار، ط2، مسقط: سلطنة عمان، وزارة التراث القومي والثقافة.

الفارسي، عبد الله صالح، (1944)، بعض علماء الشافعية في شرق أفريقيا، ب. د، ط1.
كامي، مبورالي مبورمامي (2015) “أهداف المنصرين ودورهم في محو الآثار العربية عن اللغة السواحلية ” مجلة قراءات أفريقية، العدد 25، ص (26-27).
كرهيلا، حامد، ( 2005) أثر الإسلام في تشكيل السلوك الإجتماعي في جزر القمر، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة أم درمان الإسلامية، 1426هـ .
محمود، عبدالرحمن حسن، (2011)، الإسلام والمسيحية في شرق افريقيا من القرن 18 الى القرن 20، ط1، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، معشي، جميلة بنت عبد موسى، (2014م )، جهود المزارعة في نشر الإسلام في شرق أفريقيا (1110-1313هـ 1698- 1895م)، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في التاريخ الإسلامي الحديث، جامعة أم القرى كلية الشريعة والدراسات الإسلامية قسم التاريخ.

المغيري، سعيد بن علي، تحقيق: الصليبي، محمد علي (1994). جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار، ط3، مسقط: سلطنة عمان، وزارة التراث.
الميزابي، قاسم أحمد الشيخ بالحاج الجزائري (1999). “وقفة تعريفية للإباضية في دولة تنزانيا وجزيرة زنجبار”،مجلة التراث المعرفة والتعارف والاعتراف، تاريخ الاسترجاع 31/5/199 من : http://www.tourath.org/ar/content/view/172/42/ .
وليد، محمود خالص (2010). ” إيضاح نظم السلوك إلى حضرات ملك الملوك ناصر بن جاعد بن خميس الخروصي” مجلة نزوى الإلكترونية، تاريخ الاسترجاع 1/يناير/2010م، من: www.nizwa.com

REFFERENCES
Martin, B.G. (1971). Notes on Some Members of the Learned Classes of Zanzibar and East Africa in the Nineteenth Century, The Journal of the African Historical Studies, Vol. 1V, and Part 3.
Sharif, A. (2001). The Records of the Wakf Commission as a Source of Social and Religious History of Zanzibar, Islam in East Africa: New sources.
Tamim.G.Y. Maisha ya Sh.Al-Amin bin Ali Mazrui (1891-1947), Signal Press LTD.
http://alharah2.net/alharah/showthread.php?t=13000.

No comments:

Post a Comment