Tuesday, March 15, 2016

التعددية الدينية والمذهبية في زنجبار والتعايش السلمي

 
التعددية الدينية والمذهبية في زنجبار والتعايش السلمي
بغداد – وكالة انباء الاهرام الدولية – ثقافة- الاثنين 28 سبتمبر 2015
بقلم د/ صالح محروس محمد
باحث ومحاضر في التاريخ الحديث والمعاصر
جامعة بني سويف
salehmahrous@gmail.com
لقد كان انتشار الإسلام في شرق أفريقيا نتيجة رحلات تجارية ولم تكن الدعوة الإسلامية مقصدها بل كانت التجارة هدفها وغايتها ولم يكن له مبشرون يسيرون في البلاد , ومع ذلك فلقد تغلغل إلى الأهالي والسكان من الوطنيين وأصبحنا نرى أمثلة من الورع الشديد والتقوى الزائدة التي لا تقوم إلا من نفس تشربت الدين في طفولتها عن أبوين هما أيضا على درجة كبرى من التقوى والورع حيث لم يكن الإسلام فقط عقيدة ولكن أيضا حضارة وكان عاملاً حيوياً في تكوين المجتمع السواحيلي
ومن أهم مظاهر التأثيرات التي أحدثها العرب في شرق أفريقيا انتشار الإسلام والذي بدوره أحدث تغيراً هائلاً في كل أوجه الحياة الاجتماعية والثقافية والسلوكية فقد أضفى الإسلام على حياة الذين اعتنقوه طابعاً اجتماعياً وحضارياً بعد أن استعربوا وقد شجع الإسلام بتعاليمه ومُثله الإنسانية على التزاوج بين العرب المهاجرين والسكان الإفريقية من المسلمين مما أدى إلى ظهور جماعات كثيرة اختلطت دمائهم العربية بالدماء الزنجية فولدت الشعب السواحيلي
جمع الإسلام أغلبية السكان في زنجبار رغم الاختلافات الإثنية للناس ولا يوجد أسرة عربية تدعى نقاء الدم العربي ولكن اختلطت دماؤهم بالتزاوج . وكان الطابع الإسلامي الغالب في النواحي القانونية المستمدة من الشريعة الإسلامية والمحاكم الإسلامية ولقد كان المسلمون في زنجبار حوالي 4/5 السكان أي ما يقرب 90% من السكان وذلك على المذهب السني وبينما الأقلية الحاكمة على المذهب الإباضى مذهب الارستقراطية العربية من السلاطين العمانية .
انظر الجدول رقم (1) الذي يوضح الديانات والمذاهب في سلطنة زنجبار عام 1948 م .
الديانات والمذاهب في زنجبار وبمبا عام 1948
الديانة أفارقة البر الأصلي الأفارقة المحليين عرب أسيويون قمريون إجمالي
مسلم( إجمالي))
وبتحليل الجدول السابق يتضح لنا :
1-أغلبية سكان زنجبار يدينون بالإسلام على المذهب السني من جميع السكان من أفارقة البر وأفارقة المحليين وعرب وأسيويين وقمريين 90% من إجمالي السكان آنذاك(265) ألف نسمة وهم حوالى255.510
أما باقي السكان ما بين مسيحي وهندوسي وديانات أخرى مثل السيخ وغيرها.
2- المسلمون على المذهب الإباضى أغلبهم من العرب لأنه مذهب عرب عُمان والفئة الحاكمة .
3- يوجد بعض المسلمين على المذهب الشيعي أغلبهم من الهنود. وبعض المسلمين على المذهب الشيعي.
4- يوجد بعض المسلمين أتباع الطرق الصوفية مثل القادرية والشاذلية.
5- يوجد ديانات أخرى مثل المسيحية حوالى3.390 أغلبيتهم من أفارقة البر من تنجانيقا والبعض من الأفارقة المحليين والهنود .
6- يوجد عدد من الذين يدينون بالهندوسية 3.800 كلهم من الهنود.
7- كما يوجد ديانات أخرى مثل السيخ و بعض اليهود من أيام السيد سعيد بن سلطان.
والسبب في انتشار المذهب الشافعي (أهل السنة ) لأن السلطة الحاكمة التي جاءت بالإباضية من عُمان لم تهتم بفرض اعتناقه على الناس وإنما كان السيد سعيد يدعو إلى البقاء بين الجميع في جو من الإخوة والتفاهم دون التعصب لمذهب . فسمة التسامح والاعتدال الذي عٌرف المذهب الإباضى به فلم يكرهوا أحداً على الدخول في مذهبهم . ويقول ترمنجهام أن سبب انتشار المذهب الشافعي في منطقة شرق أفريقيا بسبب أن الإسلام الذي دخل في تلك المنطقة قدم إليها من جنوب الجزيرة العربية ( اليمن) . بالإضافة إلى سلاسة وبساطة المذهب الشافعي السني .
والجدير بالذكر أن المذهب الإباضى أحد المذاهب الإسلامية من الخوارج وترجع التسمية إلى أتباع جابر بن زيد نسبة إلى عبد الله بن إباض الذي تعتبره الغالبية العظمى من المصادر الإباضية مؤسس المذهب الإباضى لتلك الفرقة ولقد انتقلت قيادة الإباضية في الخليج العربي من البصرة إلى عُمان في القرن الثالث والرابع الهجريين
و الإباضيون هم أكثر الخوارج اعتدالاً وأقربهم إلى الجماعة الإسلامية تفكيراً وأبعدهم عن الشطط والغلو وتسامحا مع الفرق الأخرى وهم أكثر بُعداً عن البدع حيث عارض أتقياء الإباضية تبجيل الأولياء الموتى وضد إقامة الأضرحة والاحتفالات الشعبية الخاصة بذلك وهو المذهب الذي يلتزم به أهل عُمان وأنتقل المذهب مع التجار إلى ساحل شرق أفريقيا وكان لدعاته دور كبير في نشر الإسلام واللغة العربية وترسيخ مبادئ الإسلام في شرق أفريقيا
ويطلق المذهب على المسئول عن الجماعة الإباضية كلمة (إمام )وهو الشخص الذي ينتخبه زعماء القبائل والمشايخ في عُمان ورجال الدين وأهل الحل والعقد ويجب أن يكون خالياً من العيوب الجسمية ويتصف بالورع والتقوى والتواضع والإلمام بالعلوم الدينية لقد تراجع المذهب الإباضى بعد الاتحاد بين زنجبار وتنجانيقا وتحولت المساجد الإباضية إلى المذهب الشافعي وحدث تراجع في العلم الديني في زنجبار منذ عام 1953 .
بالإضافة إلى ما سبق من الفرق الإسلامية في زنجبار كان يوجد أيضا الطرق الصوفية وأكثر هذه الطرق انتشاراً في شرق أفريقيا الطريقة القادرية والتي كانت مرتبطة بالساحل ولها أتباع كثيـرون ويرجع انتشار الطريقة القادرية في زنجبار إلى جهود الشيخ عويس بن محمد البراوى الذي ولد في براوه في ساحل الصومال الجنوبي في عام 1847 ومنها إلى المناطق الداخلية في تنجانيقا ثم امتدت إلى حوض نهر الكونغو , وصارت هذه الطريقة من أكبر الطرق انتشارا وصار أقطابها من أبرز رجال الدعوة الإسلامية في أفريقيا الزنجية بشكل عام . ولقد ساهمت هذه الطرق في نشر الإسلام , ومن هذه الطرق الطريقة الشاذلية.
وانتشرت المساجد في سلطنة زنجبار , ففي مدينة زنجبار بالأخص مدينة ستون تاون ston townالقديمة الجزء الغربي من مدينة زنجبار تغطى حوالي 80 فدان انجليزي هكتار hectares وعدد سكانها 18.000 بها حوالي خمسون مسجداً , ويرجع ذلك إلى معرفتهم لحديث النبي صلى الله عليه وسلم (من بني لله مسجداً بني الله له بيتاً في الجنة)، ولأهمية المساجد في حياة المسلمين حيث تعد مراكز تعليمهم وإقامة شعائرهم والاتصالات الاجتماعية الهامة وكان لكل من هذه المذاهب السابقة مسجده الخاص .
واعتنق الهنود الإسلام وكان منهم عدد من المسلمين على المذهب الشيعي مثل الشيعة الإسماعيلية والإثنا عشرية ولقد اعتنق بعض الهنود في زنجبار الهندوسية وهى ديانة وثنية يعتنقها معظم أهل الهند , وهى ديانة تضم مجموعة من العادات والتقاليد وعبادة الأجداد وعبادة البقر بشكل خاص وتتخذ آلهة عديدة فلكل منطقة إله يتقربون إليه بالعبادة والقرابين وتعنى بتناسخ الأرواح ويوجد للعقيدة الهندوسية العديد من المعابد في زنجبار وبمبا لخدمة الجماعة الهندية لديهم , ويوجد عدد من عائلات السيخ في الجزيرتين ليس لديهم معبد ويؤدون شعائرهم في بيوتهم ولكن عددهم قليل .
ورغم التعددية الدينية في زنجبار وكذلك المذهبية كان التسامح هو عنوان الحياة في سلطنة زنجبار إلى أن وقعت تحت الحماية البريطانية 1890 فتبعت بريطانيا سياسة خلق الطائفية مستغلة التعددية العرقية والدينية لزنجبار إلي أن أنهت على الحكم العربي لزنجبار في يناير 1964 بمؤامرة دولية .

No comments:

Post a Comment