Friday, July 3, 2015

زنجبار أرض الدم والقرنفل

زاهر بن حارث المحروقي
جريدة الشبيبة
  1.  1 "

    نبهني الدكتور محمد بن ناصر المنذري يوم 6/12/2007م أن قناة العالم الفضائية تبث برنامجا عن عمان وزنجبار، وقد سارعت إلى مشاهدة ما تبقى من البرنامج حيث كان جزء كبير منه قد فات، ومع ذلك فإن الجزء الذي شاهدته أعطى صورة واضحة عن مجمل الحلقة. 

    استضاف برنامج تحت الرماد في هذه الحلقة تحت عنوان زنجبار ارض الدم والقرنفل، صحفيا من زنجبار هو عبد الله يحيى سالم، عبر الأقمار الصناعية من القاهرة، وفي الأستوديو من بيروت، الباحث الزنجباري عبد الوارث عبد الله موسى، كما استضاف عبر الهاتف من مسقط، الدكتور سعيد الهاشمي أستاذ التاريخ بجامعة السلطان قابوس وكان المذيع في حقيقة الأمر نجم الحلقة بمعلوماته القيمة التي قدمها للمشاهدين وبإلمامه التام لما وقع في زنجبار. 

    وبداية فإن اسم البرنامج نفسه تحت الرماد لا يمكن أن يخفى معناه وله دلالة واضحة، ويبدو أن البرنامج ينهج هذا النهج في اختيار مواضعه، وهذا قد يطرح سؤالا هل كان وراء هذه الحلقة أجندة معنية أو هدف معين أم أن الموضوع جاء مصادفة؟ خاصة إذا عرفنا توجه ورسالة القناة؟! وقد ركز مذيع البرنامج في أسئلته على الماضي من خلال الانقلاب الذي أطاح بالحكم العماني هناك وعلى المستقبل من خلال التركيز على أن هل يمكن أنتعود زنجبار إلى عمان؟!

    عند السؤال عن انتشار الإسلام في زنجبار تجاهل الباحث عبدالوارث عبدا لله موسى دور العمانيين تماما في نشر الإسلام في القارة الأفريقية، وهذا التوجه أصبحنا نسمعه ممن له عقدة من الدور والتاريخ العماني، بل إنني أقول إن العمانيين أنفسهم يجهلون الدور الحضاري والسياسي والتاريخي والريادي الذي قامت به عمان ليس في افريقيا وحدها بل في آسيا وغيرها من المناطق على مر التاريخ ( ويمكن ملاحظة بعض التعليقات على موضوع هذه الحلقة في بعض منتديات الحوار)، ولكن مما يسعد الآن أن في السلطنة بعض الشباب بدأ يهتم بالتاريخ العماني في الشرق الأفريقي منهم الدكتور محمد المحروقي والدكتور محسن الكندي والدكتور سعيد الهاشمي من جامعة السلطان قابوس، كما أن الدكتور محمد بن ناصر المنذري تناول دور العمانيين في نشر الإسلام في الشرق الأفريقي في بحثه القيم لنيل درجة الدكتوراة تحت عنوان علاقة عمان الخارجية وأبعادها الحضارية من صدر الإسلام حتى نهاية القرن الرابع الهجري، ولا ننسى ما قام به التلفزيون العماني من تغطية الوجود العماني في شرق أفريقيا، وهو جهد مشكور قام به الزميلان محمد المرجبي ومحمد التوبي، وإن كان البرنامج به بعض النواقص إلا أنه سيبقى توثيقا مهما لبعض الأحياء الذين ولدوا في عمان وهاجروا إلى القارة السمراء، والبرنامج قد تأخر كثيرا ولكن المهم أنه جاء ، بعد أن سبقنا الكثيرون وتناولوا الوجود العماني هناك كل حسب هواه وأهدافه. 

    وعودة إلى الحقيقة التاريخية التي حاول أن ينكرها الباحث الزنجباري فإن العمانيين هاجروا وتاجروا مع شرق أفريقيا من قديم الزمان، وفي العهد الإسلامي ازهدرت بحرية عمان وتجارتها، فنشط التواصل مع بلدان الساحل الأفريقي حتى أصبح الوجود العماني في شرق أفريقيا يتسم بالكثرة والكثافة، وكان تأثير العمانيين في هذه المنطقة أشد وأقوى من تأثير غيرهم حيث استطاعوا نشر دينهم بما كانوا يتحلون به من سلوك قويم ومعاملة حسنة. 

    وقد بدأ الإسلام في الإنتشار في شرق أفريقيا مبكرا حيث يرى بعض الباحثين والمؤرخين أن دخول الإسلام إلى جزيرة زنجبار كان عام 65 ه /684 م. وتذكر كتب التاريخ أن أول هجرة عمانية جماعية إلى شرق أفريقيا كانت للأخوين سعيد وسليمان ابني عباد بن عبد بن الجلندى ملكي عمان وذلك عام 83 ه ، وفي مهجرهم أقاموا أول إمارة للعمانيين في أرخبيل لامو في الساحل الشرقي وقد بنى سعيد وسليمان أول مسجد في تلك المنطقة وهو باق إلى يومنا هذا ويعتبر من المساجد الأولى في عهد الإسلام أي أنه بني في القرن الهجري الأول ، ودلت الإكتشافات الأثرية في ساحل تنزانيا عن وجود آثار لعدد من المساجد انتشرت في المدن التي اندثرت والتي عد أحد الباحثين منها ستة وثلاثين مسجدا بنيت بالحجارة ، وهذا الساحل يشهد حتى اليوم كثافة التواجد العماني فيه منذ القرون الإسلامية الأولى ، والمراجع التاريخية حول هذه النقطة متوافرة 
    يمكن الرجوع إليها .

    1. "2 "

      الصحفي عبدا لله يحيى سالم نفى أن يكون الذي حدث في زنجبار عام 1964 انقلابا وقال إن الذي حدث هو ثورة وإن المقصود من ذلك لم يكن العمانيين بل كانت ثورة ضد الإستعمار البريطاني، فلما واجهه المذيع بحقيقة المذبحة التي راح ضحيتها الآلاف من العمانيين قال إن هذا يحدث دائما في الثورات وإن رئيس زنجبار الأسبق سالمين عامر جمعة قدم اعتذارا رسميا لسلطنة عمان عندما زارها عام 1991، وعندما سأله المذيع وماذا عن الممتلكات المسلوبة؟ قال إنه هناك قانونا يسمح بإعادة الأملاك إلى أصحابها إذا كان هناك ما يثبت ذلك. وإذا كان عبدا لله يحيى يرى أن الإنقلاب كان ثورة تستهدف الإستعمار البريطاني فهو قد غالط نفسه لأن بريطانيا هي التي أعدت العدة لما حدث، فقد كانت زنجبار عاصمة سلطنة عمان وزنجبار أيام حكم السيد سعيد بن سلطان، وعندما توفي السيد سعيد وقع الخلاف على الحكم بين أبنائه فتدخلت بريطانيا للصلح بينهم وانفصلت زنجبار عن عمان وتوالى على حكمها سلاطين عمانيون، أعلنت بريطانيا الوصايا على زنجبار والجزيرة الخضراء في 1/11/1890 وكان هذا نتيجة أكيدة للتدخل البريطاني المغلف بحب السلام وفض النزاع بين الإخوة بعد وفاة السيد سعيد بن سلطان، وبناء على قاعدتها الإستعمارية المشهورة (فرق تسد) قامت بريطانيا بتفتيت سكان زنجبار إلى ثلاثة أحزاب سياسية ( العرب والأفارقة والشيرازيين) بالرغم من أنهم يدينون بدين الإسلام، وبعدها نجحوا في ضم الإفريقيين والشرازيين في حزب واحد، وفي 21 يناير 1964 أعلن هذا الحزب استقلال زنجبار وقام الحزب الأفروشيرازي بانقلاب مسلح واستولى على السلطة وابتدأت المذبحة التي راح ضحيتها الآلاف من العرب. وتختلف الروايات حول عدد القتلى ولكنها لا تختلف حول وقوع المذبحة نفسها، وقد قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في أحد كتبه إن قتلى المذبحة وصل إلى عشرين ألفا لم يبك عليهم أحد، كما أن الشيخ سيد قطب رحمه الله تناول في تفسيره القيم (في ظلال القرآن) تلك المأساة في بعض الأجزاء التي تحدث فيها عن مأساة المسلمين في العالم، وقد قام الإنقلابيون بحرق كل الوثائق العمانية في احتفال رسمي ثم أصدروا طوابع بريد تخليدا لتلك الذكرى. وقدم الصحفي الزنجباري عبدا لله يحيى بعد كل ذلك رأيه بأن الأفارقة لم يعتبروا العمانيين غزاة أو مستعمرين، لكنه قال إن أبناء البلد يرون أن هم أحق بالسلطة من الآخرين. 

      " 3 "

      بيت القصيد في البرنامج كانسؤال يقول هل يمكن أن تعود زنجبار إلى الحكم العماني وهل لعمان أجندة في زنجبار بعد أن بنت المطار وبعض المعاهد الصحية؟ كان رأي الدكتور سعيد الهاشمي أن السلطنة ليس لها أجندة مخفية وأن عودة زنجبار يمكن أن تتم باتفاق الطرفين فيما عارض عبدا لله يحيى هذا الرأي باعتبار أن زنجبار جزء لا يتجزأ من اتحاد تنزانيا، وقد كان الدكتور سعيد الهاشمي متحفظا ومقلا في إجاباته خوفا من الوقوع في المحذور على عكس الصحفي الزنجباري. وقد تطرق الحديث فيما بعد عن مشاكل زنجبار وعن إمكانية انفصالها عن تنجانيكا التي تشكل معها اتحاد تنزانيا . 

      إن برنامج تحت الرماد طرح عدة أسئلة لا يجرؤ على طرحها الكثير من الناس وإن كانت تختلج في النفوس وفي ظني إن زنجبار تشكل بعدا سياسيا وقوميا واقتصاديا لعمان، وقد آن الأوان للإهتمام بهذا الموضوع فالبعض يحاول دائما أن يقلل من الدور العماني في الشرق الأفريقي بتقديم بعض اللمزات والغمزات والهمزات حول الإستعباد وبيع الرقيق وتسهيل الإستعمار للأروبيين وفي حقيقة الأمر لو لم يكن شخص كالسيد سعيد بن سلطان رحمه الله لما ازدهرت زنجبار ولما كان لها شأن يذكر، يكفي الآن أن زنجبار وبمبا تعتمدان في دخلهما على ستة ملايين شجرة قرنفل كان السيد سعيد من جلبها وبدأ بزراعتها.

No comments:

Post a Comment