Friday, June 26, 2015

الوالد ....... و الشيخ خلفان بن جميل و التباسات زنجبار المكان والمآثر والسقوط

حمود بن سالم السيابي 
-------------------------------------
كانت سمائل عام 1371 هي غير سمائل كل الأزمنة إذ بدت كطفلة تائهة تبحث عن أبيها , فابن جميل يحزم حقائبه للسفر إلى زنجبار حيث كل غيمة تمطر ، و كل قطرة مطر تتسكب تنبت قرنفلة وتشمخ جوزة هند .
وحيث السلطان خليفه بن حارب يلغي المسافة بين عمامة العالم وكرسي عرش سعيد بن سلطان .
لقد حزم الرجل أمره ليعبر المحيط الهندي إلى البر الإفريقي ليتنفس هواء (صحيا) يجدد رئتيه ويفتح مسام جلده وينعش روحه بعيدا عن مسقط و نزوى .
وقد ارتفعت إستغاثات (غيل الدك) لتطال مسامع الإمام في نزوى حيث طلبوا منه إثناء ابن جميل عن السفر ، لان سمائل بحاجة إليه فهو شمس نهارها وقمر ليلها ومرجعيتها وعقلها وروحها . فجاء رد الإمام مشاركا سمائل خوفها من افتقاده ولكن لا يمكنه إثناءه . 
ولم يكن ابن جميل وحده الذي نشر شراعه ورحل ، فنصف بيوت (غيل الدك) بسمائل أرسلت فلذات أكبادها إلى إفريقيا المتوحشة ليأكلوا في إفريقيا أو تأكلهم إفريقيا .
إلا إن كل تلك الهجرات لم تربك البلدة , ولم تحدث بها ذلك الشعور باليتم . بينما مجرد التفكير برحيل ابن جميل يزلزل الفيحاء , بل كل عمان حتى قبل أن يترجم الرحيل إلى حقائب ومراكب وأشرعة . 
ولم يكن الوالد بعيدا عن أمنيات الترحال إلى غياهب البر الاخضر الذي يراه في قلب الإمبراطورية العمانية وان ابتعدت المسافات بين جناحيها الآسيوي و الافريقي , فمنذ كان الوالد في نخل كانت أحاديث منتدى الحصن النخلي تبدأ بافريقيا وتنتهي بإفريقيا حيث بيت العجائب والمتوني يشعان بأمجاد السلاطين , و شوانب الفنسة وبوبوبو وكيسونجوني تعطر بر الزنج بتدارس القرآن ، وحيث نارجيل أنغوجا تتمتم في هجعة الليل (تلك البوارق حاديهن مرنان)
وقد كان الوالد فاروقيا في نظرته للبحر, فابن الخطاب كان يطلب من قواده أن لا يجعلوا البحر بينهم وبينه , حتى اذا ما شاء اتصل بهم , فكان الوالد لا يتعجل قراراته ولا يجعل الهروب وسيلته للتعبير عن الرفض وربما كان أكثر المتمسكين بنصيحة إمامه الرضي الخليلي في "الصبر على ضنك المعيشة إيثارا للسلامة " فقد نشأ الوالد في الهجمة الشرسة للطاعون , ولم يفر الوالد من قدر ربه , وتصادم مع الجبال فلم يبتئس بتضاريس الجغرافيا , بل بحث عن إزميل يفتت به الجبل ليشق (شاغيا) فيعبر. 
وحين كان الوالد في نخل كانت تشنف أسماعه زنجبار الأشرعة والمراسي , وكانت تشده زنجبار المطابع والمكتبات ، وزنجبار قصائد ابن عديم وصحف النجاح والفلق والنهضة والاصلاح .
ولكن نخل الزنزلة و الثوارة و كبه و الصاروج تشده ليستكمل (إرشاد الأنام في الأديان والأحكام) ويتحاور بيتيمات الدهر مع أساطين القريض .
وحين غادر نخل إلى جعلان كان الطريق الطويل مدعاة للتفكير بزنجبار القصور والقلاع والكهرباء والهاتف , إلا أن بصمات اليعاربة حصونا وأفلاجا وجوامع ودروبا تستبقيه , وعطرها أكثر تضوعا في أنف التاريخ من كل ما دلق التاريخ من قوارير عطر وما تفنن من تحبيب وترويج لزنجبار. وحين غادر الوالد حصن السيب بانتهاء فترة ولايته عليها واتجه لحصن الكامل واليا وقاضيا عليها كان البحر على اتساعه بين السيب والكامل وكل موجة في هذا المد الازرق تستحثه لينشر شراعه الأبيض على السارية بدلا من البنديرة الحمراء على سارية حصن يشمخ في أرض متغيرة التاريخ والتضاريس , إلا أن فاروقيته المشككة في إخلاص البحر تحفزه دوما ليبقى أميرا عند الشطان التي يغسلها البحر , بدلا من النوخذة الذي يغسل البحر ويدوخ البحر ويهيمن على البحر . 
ذهب الوالد إلى مسجد شيخه ومعلمه ابن جميل ليكون في صدارة الملحين عليه بالبقاء وخلفه سجل طويل من التردد في ارتياد البر الاخر البعيد .
ويبدو أن الشيبخ ابن جميل من الذين لا يتراجعون بل كان يلح على مودعيه للحاق به , و ليقيموا في زنجبار سمائل اخرى بمساجدها وسبلاتها وتنانير الشواء وحلقات الذكر التي ترتع إليها افئدة العشاق لرياض الجنة .
وأزاء تشبث الشيخ ابن جميل بقراره في الهجرة كان يقابله تشبث الوالد بسجله المأزوم من البحر وغدره , ففضل أن لا يصاحبه في رحلته إلى المجهول بل ينتظر وينتظر و ينتظر حتى يأتيه الموج بالخبر اليقين , فقد يلحق بابن جميل حين يستقر به المقام ويطمئن على صواب اختياره فتتبدد كل دواعي الخوف من البحر ومن متاهة الترحال بين البرين . 
خرج الوالد و غيل الدك تشيع الرجل بل تبكي الرجل الذي ركب البحر إلى الهند ومنها إلى البر الإفريقي ليضيء زنجبار ويغرق الفيحاء في الظلام , وبرحيله جلست الفيحاء تندب حظها العاثر وتنتظره كل فجر ليؤمها بالصلاة , وتتحلق حوله مسجده يطرز أماسيها بعلمه .
وتستعيد الفيحاء سيرة بن جميل النورانية منذ غشاها ذات صباح قادما من إزكي بعد ان كان وكيل أوقاف بلدة سيما , فمدرسا في نخل فقاضيا بها فقاضيا بالرستاق فمدرسا بمسقط فقاضيا بمطرح بثم بصور ثم بسمائل نفسها ، ومن أنوار سيرته انبثق كتابه الاشهر (سلك الدرر) وبقية كتبه كبهجة المجالس وجلاء العمى في شرح ميمية الدما وغيرها من الإبداعات التي صاغت ثقافة الأجيال , وصانت العقيدة وأطالت قامة الرجل لتناطح الأنجم . 
كان الرجل دائم الترحال ولكن الفيحاء قريبة منه , يشغله عمله ولكنه يعود إليها ليغسل تعبه في فلج القلعي , بل كانت الفيحاء تلاحقه أينما حل وارتحل في عمان , فمجلسه سمائلي بامتياز . 
ألقى غياب الشيخ مسؤولية ثقيلة على الوالد فبات مرجع الفيحاء ومفتيها والكتف الذي تريح رأسها عليه فغطى غيابه بما يفرضه الواجب وتمليه الضرورات .
ومن مطالع السعد أن الرياح التي دفعت سفينة بن جميل إلى (بر الزنج) هاهي تدفع نفس السفينة إلى البر العماني حاملة من الشيخ الغائب إبن جميل رسائل سوداء الحبر بلون الغربة , يبث فيها أحبابه ندمه وحسرته ويبوح بأسرار تعجله في قرار الهجرة والرحيل ثم يبشرهم بعودة سريعة , إذ لم تتوافق طبيعته مع بلد ترطن بغير العربية , وتدخل الموز و المهوجو إلى مطبخها لتعجنه مع كل أكلة , ولم يفلح كل القرنفل الذي يغطي أفق الجزيرة الخضراء أن يحل مكان بل النارنج و الشاموم في (الجنينة والمشجوعية) . 
كانت دروب (فيرنجالي) في (ماليندي) تجري كأفلاج أثر غيمة ماطرة ولكن أفلاج الفيحاء تجري دون مطر ودون ان تتلوث الدروب بالطين , فقرر الرجل المكابر العودة للوطن , وبرجوعه استعادت سمائل قنديلها واستعادت نفسها .
وكان فشله في التأقلم مع أرض لا تتكلم العربية نجاح للوالد المتريث في قراراته , حيث نسف فكرة الهجرة إلى زنجبار للابد , وحمدنا الله نحن أولاده على قرار قد نعيش غدا ضحايا تبعاته ،رغم تحسر بعضنا على عدم هجرة الوالد , فلربما تغيرنا نحو الأفضل وسمونا , فيما رأى بعضنا أن الوالد لو ركب البحر وهاجر مقتفيا أسلافه لتراجعنا نحو الأسوأ , ومن رأى أن الوالد لو غادر إلى زنجبار لن يعود الى عمان وسنبقى معه هناك ، ننعجن بسياستها وساستها ونمارس حقنا في المساهمة في حكم زنجبار ، ونقرأ مقالات هاشل المسكري في صحيفة الفلق كل صباح على كاس من ماء النارجيل ونتظاهر أمام بيت العجائب ، ونتبنى قضايا الرفض والإنعتاق والحرية كما غذتها صيحات لوثر كنج و جان دارك , ونحتشد في المرفأ نستقبل السلطان العائد من رحلة تتويج ملك انجلترا , وننضم للجمعية العربية أو الحزب الافروشيرازي نمارس السياسة وننقلب على أهل السياسة .
وربما نؤدب عبيد كرومي أو نمنع (جون أكيلو) من أن يلغينا ، وربما نثني جمال عبدالناصر من أن يعترف بزنجبار السليبة بعد أن اشتم في التغيير رائحة اليسار ونزق الثوار ، فتناسى العروبة والدين وسعيد ابن سلطان .
وربما لو سافر الوالد إلى هناك لساهمنا في صياغة ملمة محمد شامتي رئيس وزرائنا وهو يلقي خطاب إنضمام زنجبار للامم المتحدة .
وقد نعترض على الصحفي المصري محمد جبريل في تنظيره للحالة الزنجبارية في رواية (زوينة) .
وقد لا نسمح لو كنا هناك لكتابات تتحدث عن ليلة سقوط زنجبار بأن" الناس إعتقدوا أن إطلاق الرصاص كان من رجال البلدية وهم يطاردون "الكلاب الضالة" فيما كان كلاب جون أكيلو وعبيد كرومي وأسلحة السفينة ابن خلدون هي الضلال الذي مورس على أرض الكنانة , وأخرس طبول أفريقيا , وهي الكلاب التي تنهش في اللحم العماني وليست كلاب زنجبار الشاردة من رصاصات البلدية , وهي التي كانت تأكل الأطفال وتبقر الحوامل وتحتز رقاب الرجال ,الذين أخذوا على حين غرة في غفلة من بيت العجايب , المشغول بأتيكيت أدب المائدة والتقاليد المراسمية , والإرتكان على جنرالات الدولة العجوز .
ولعل قرار عودة ابن جميل هو استشراف المؤمن للغد بإلهام من خالقه , فبعد سنوات عادت قوافل العمانيين إلى الفيحاء وإلى غيل الدك تحديدا , وتعفرت السبلات السمائلية بغبار أحداث زنجبار من أفواه بريئة لا تعرف ما حصل لأنها لم تكن جزءا من المشهد , بل ذهبت لتسترزق فاستوطنت وتناسلت وكبرت الشلنجات في سحاحيرها ، وما زاد عن الحاجة أرسلته إلى عمان لشراء نخلة أو ضاحية تبني عليها حلما .
وحين عاد العمانيون من زنجبار لم يكن الشعور بفقدها كبيرا إذ وجدوا في الوطن الأم عمان خير تعويض لهم عن ألف زنجبار .
ولكن الطريقة التي خرجوا بها هي التي أوجعتهم , فقد طردوا من بلد يعتجن أديمه بالأجساد العمانية لألفين من السنين , ورفع سلاطين عمان من البوسعيديين بيارقهم على سواريها لما يزيد عن مائة وثلاثين عاما , وقبلهم اسلافهم الحرث و اليعاربة .
وقد أحب العمانيون زنجبار واستسهلوا العيش بها , وكانت تدر عليهم أموالا كثيرة وبأقل مجهود على العكس مما ألفه أجدادهم في عمان .
في زنجبار كانت الغمامة إذا مرت لا بد أن تمطر , فتسقي الأرض دون أفلاج ولا بادة . و المواسم الزراعية في زنجبار مفتوحة طوال العام , بين نارجيل لا يعترف بدورة الزمن بل يدور مع الزمن ، و موز يثمر طوال العام , و فافاي يتدلى بصفرة ثماره كعناقيد من ذهب يلمع تحت شمس أفريقيا التي لا تعرف الشتاء بل تفترش الصيف وتتدثر بمطره طوال العام .
والزنوج في زنجبار يؤمرون فيأتمرون , يزرعون الأرض دون كلل , ويحصد الملاك الثمن دون أن يجهدوا أنفسهم في احتساب المردود الوفير من الشلنجات .
والزنجيات في زنجبار عاشقات للعمل , وحين تغرب الشمس تتلفع سوداوات أفريقيا بعباءة ليل زنجبار كزوجات مطيعات يعددن عصيدة الموز وينثرن الياسمين وعطر بنت السودان علي الوسادة ويحرقن البخور, ويتمتمن بالتعويذات التي تطرد الشر من ان يلحق بأزواجهن الذين يدخرون لهن في سحارتهم شلنجات لا تعد ورجولة كصيف أفريقيا الطويل .
ومن المفاراقات أن العمانيين الذين لم يروا زنجبار ولم يطأوا أرضها كانوا الأكثر تأثرا بسقوط الحكم العماني ونزول علم سلاطين آل بوسعيد ، وكانوا الأكثر انكسارا بالهزيمة , والأكثر شعورا بالخسارة , إذ نظروا إلى سقوط زنجبار بعيون الوطن وبمقاييسه دون أن تأسرهم زنجبار بسحرها وسحرتها و نارجيلها وقرنفلها وحورها الإفريقيات . 
وفي أذهان العمانيين العديد من الخسارات على المستويين القطري والقومي , فعمان خسرت سواحلها الآسيوية والإفريقية والعرب خسروا فلسطين والأندلس ,وزنجبار على نفس الدرب المضرج بالخيبات حيث يقف السلطان جمشيد من شرفة السفينة (خليفه) وقفة الأندلسي محمد الثاني عشر في زفرة العربي بغرناطة حيث ألقى آخر نظرة على قصر الحمراء وأمه عائشة تقول له " أبك كالنساء ملكا لم تحافظ عليه كالرجال ".
عاد العمانيون من زنجبار ومعهم حكايات تتناسل بعفوية في استماتة لربط المشهد بشخوصه فيرددون ببغاوية (جمشيد وكرومي وبريطانيا العظمى ورئيس الشرطة العماني الذي ذهب ليستجم في (أرواه) تاركا مركز الشرطة الذي يفترض أن يحارب وقد صفده (سليفان) بالقفول وسرح رجاله . وان فهز (المعارضون) أعمدة الدولة بأسلحة الدولة .
وفسر البعض خواتيم العهد العماني بزنجبار وهم يحتشدون في حسرة وألم عند بنط مسقط وفرضة مطرح لاستقبال أحبائهم (بالعقوبة الالهية) , فقد ابتعد بعض الناس عن دينهم وانغمسوا في الملذات فضاعوا وضيعوا ملك الآباء فالكوارث لا تحل الا بذنب ولا ترتفع الا بتوبة .
عاد ابن جميل للوطن وبعدها بعام ذهب ليغسل أحزان مغامرته بالسفر الى مكة والمدينة ، وأسبغ الله على أهل سمائل نعمة امتداد عمره لعقدين من الزمن بعد عودته ليدرك عهد صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم ويكون في شرف مستقبليه بحصن سمائل .
وقد كان اللقاء فرصة للشيخ ابن جميل لأن يفاتح جلالته في إقامة صلاة الجمعة في كل عمان , فإذا بصلاة الجمعة حية في ذهن جلالته فهو سليل التربية الفقهية في الحصن , والضليع بالفقه . وقد عاش في صلالة التي تتسامى فيها التكبيرات كل جمعه فكان من أولوياته إقامتها في كل عمان , وهاهو يصادق على فتوى إقامتها من عالم جليل بحجم الشيخ خلفان الذي أمضى ردحا من عمره متقلبا بين السلطنة و الإمامة , وكان صادق النصح في المقامين , فيؤثر عنه أنه خاطب جلالة السلطان سعيد بن تيمور في إطلاق سراح العلماء الذين يئنون بقيودهم في كوت الجلالي فكان نصيبه الزجر والتهديد بسجنه معهم . 
كما بعث ابن جميل برسالة قاسية إلى الإمام الخليلي حملت مواقفه في سلوك المحيطين بالإمام .
وقد عرف عنه أنه لم يداهن إماما أو سلطانا لدرجة أنه أفتى بوجوب التصدي لجيش الإمام غالب إذا دخل مدنهم لعدم قدرته على حماية المسلمين وبيضة الإسلام , ولان درء المفاسد مقدم على المنافع ولأن دولة الإمامة لا تقوم إلا اذا امتلكت ثلث القوة لدى خصمها وهي غير حاصلة في دولة إمامة الإمام غالب من وجهة نظره . 
ويعزو البعض إلى أن لفتوى الشيخ أثرها في عدم الإصطفاف مع الإمام , فيما رأى البعض أن الشيخ زل في فتواه .
ولقد عاش الشيخ بن جميل وخطبة الجمعة تعطر الأفق من منارات جوامع عمان , وامتد العمر بالوالد ليؤم بجلالته بصلاة الجمعة في مسجد الخور , بعد أن كان كل السلاطين والأئمة لا يرون بوجوب إقامتها إلا في صحار ثم أضيفت لها نزوى باعتبارها عاصمة الدولة وأخيرا أعلت جعلان الحسون منبر الجمعة اثر زيارة الإمام الخليلي في أربعينيات القرن العشرين لتؤدى فيها مع جارتها التوأم جعلان بني بوعلي .
وعاش الوالد وهو على رأس لجنة تعد خطب الجمعة بعد أن كان العمانيون يكتفون بخطب الشيخ سعيد بن خلفان حيث يؤم العلماء والقضاة المصلين وبيدهم كتاب تلقين الصبيان .
وقد ارتقى الخطباء المنابر وفي الايادي خطبة خطها الوالد لتتلى في كل منابر عمان .
فما أروعها من خاتمة لابن جميل بدلا من أن تبتلعه مجاهل أفريقيا و يحرق العمر في شانبة زنجبارية ، ويقبر تحت أطلال قصر سلطاني في بلد بات كله أطلالا , فيعود الى الفيحاء ليقبر بكل الإجلال الذي يليق به غربي مسجده في جنة خضرءا لتكون قنطرته لجنة أكثر اخضرارا باذن الله .
وما أروعها من خاتمة للوالد وهو يلحق برفيق عمره ويجاوره تحت أديم سمائل , فلا يبتعد القبران عن بعضهما إلا بضعة أشبار . وكأنهما حرصا على الإرتباط بغيل الدك كل العمر, وحين يرحلان تكون غيل الدك قنطرتهما للآخرة ,وخير خاتمة لخير علاقة .
وقد مر الوالد يوما بمسجد شيخه ورفيق دربه فخنتقه العبرة لغياب سيد المكان وقنديله , ومسبحته وسجادة صلاته , ففاضت دموعه قريضا صاغه باهدابه المغموسة في محبرة 
قلبه المشتاق
 .

No comments:

Post a Comment