العدد 4497 - الثلاثاء 30 ديسمبر 2014م الموافق 08 ربيع الاول 1436هـ
مسقط - محمد حميد السلمان
كتب سفير الولايات المتحدة في مصر العام 1962 بحثاً مطولاً مطلعه يقول: «طلع الفجر تدريجياً على مدينة نيويورك في صبيحة الخميس 30 من أبريل/ نيسان العام 1840، وبعد انفلاق الصبح بقليل ظهرت في الأفق سفينة تتهادى فوق سطح الماء مبتعدة قليلاً لتتفادى اللسان الرملي الذي يدور عند طرفه مصباح مضيء ليحدد مدخل مرفأ نيويورك، وهنالك توقفت السفينة لتأخذ مرشداً ملاحياً تدخل تحت قيادته إلى الميناء المذكور».
تلك السفينة المذكورة هي العُمانية «سلطانة»، وبعد نحو 175 عاماً من رحلتها التي بدأت من زنجبار في فبراير 1840 حتى وصولها إلى ميناء نيويورك في نهاية أبريل من نفس العام بعد 87 يوماً في عرض المحيط الأطلسي؛ اختُتمت يوم الخميس الماضي في العاصمة العُمانية مسقط، أعمال ندوة بشان «رحلة السفينة سلطانة إلى نيويورك: نحو فيلم توثيقي»، برعاية رئيس الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون بسلطنة عُمان، عبدالله بن ناصر الحراصي. وذلك بحضور حشد من المتخصصين والباحثين في التاريخ والتوثيق، والفنانين، والمخرجين في مجالات المسرح، والسينما والتلفزيون من 12 دولة هي: عُمان، ايطاليا، الولايات المتحدة، تنزانيا، مصر، تونس، البحرين، فرنسا، الإمارات العربية، ألمانيا، المغرب، والسعودية.
أهداف الندوة
أكد عبدالله الحراصي، على أن فترة السيد سعيد بن سلطان شهدت الكثير من معالم حراك التاريخ العُماني على المستويات التجارية والسياسية والاجتماعية، والتواصل بين عُمان والقوي العظمي آنذاك. وأن رحلة السفينة «سلطانة»، والتي ورد في بعض المصادر والدراسات أن اسمها «سلطاني» وليس سلطانة، متمنياً للندوة أن تحقق في هذا الأمر، تُعد مهمة للغاية على مستوى العلاقات العربية الأميركية، وتعزيز قيم التواصل العُماني مع الآخر. و أن هذه الندوة تتناول اتفاقية العام 1833 التي تُعتبر من أول الاتفاقيات التي عقدتها الولايات المتحدة بينها وبين أهم دول العالم ومنها عُمان.
وأضاف الحراصي، بأننا رأينا أن السبيل الأصلح علمياً والأدق في توثيق هذا التاريخ درامياً الدرامي هو تدارس هذه الفترة بخبرة الباحثين والمتخصصين في هذا المجال والخروج بعمل حضاري مهم.
كما أوضح رئيس اللجنة المنظمة للندوة، عبدالكريم علي جواد اللواتي أن الهدف منها هو الوصول إلى رؤية مدروسة لإنتاج فيلم توثيقي للرحلة بما تمثله من أهمية تاريخية وحضارية. باعتبار أن عصر السيد سعيد (1806-1856)، كما يصفه المؤرخون، يعتبر فترة ذهبية في تاريخ عُمان الحديث، لكونه سياسياً ودبلوماسياً، أمكن فيه من إقامة علاقات واسعة مع الدول الكبرى، وتكوين امبراطورية شملت عُمان وأجزاء من سواحل الخليج وإفريقيا من مقديشو شمالاً حتى موزمبيق جنوباً.
حيثيات الأوراق
ركزت الندوة على الرحلة العجيبة والمغامرة الفريدة من نوعها التي قامت بها «سلطانة»، وهي إحدى سفن الأسطول العُماني في عهد الإمام سعيد بن سلطان البوسعيدي العام 1840 بين موانئ الإمبراطورية العُمانية آنذاك في مسقط وزنجبار، وهي تشق طريقها بنظام الأشرعة القديم وعبر أهوال المحيط الأطلسي؛ إلى ميناء نيويورك على الشاطئ الشرقي من الولايات المتحدة الأميركية.
وقد تناولت الندوة الرحلة وأهدافها من عدة محاور تاريخية وفنية، وهي: عصر (السيد سعيد بن سلطان ودوافع قيام الرحلة). حيث قدم فيه الباحثان جمعة البوسعيدي من عُمان، و(بياتريش نيكوليني) من إيطاليا، رؤيتهما بشأن «ملامح عصر السيد سعيد بن سلطان وعلاقاته الدولية». والاتفاقية التجارية بين عُمان والولايات المتحدة التي تم التصديق عليها العام 1835 في عهد الرئيس الأميركي، أندرو جاكسون. وتعرف هذه الاتفاقية بـ (اتفاقية الصداقة و التجارة مع مسقط). وبشأن «الاتفاقية كمنجز سياسي واقتصادي وحضاري»، قدم كل من الباحثين محمد بن سعيد المقدم، و (جيه. إيه. بيترسون) من الولايات المتحدة، دراستهما الموثقة.
أما المحور الثاني فهو (الرحلة والاتفاقية من واقع الوثائق المتاحة)، وقدم فيها هلال الحجري من عُمان، وأمينة أمير عيسى من تنزانيا، ورقتين بشأن «الاتفاقية في كتب الرحالة والمدونات والمخطوطات». حيث سلط الحجري الضوء على المصادر التي ذكرت الاتفاقية العُمانية- الأميركية، من خلال الصحف الأميركية، وأدب الرحلات، والكتب التاريخية الأجنبية القديمة، والحديثة، والعربية، والأطروحات العلمية.
وفي نفس المحور قدم الباحثان زاهر سيف المسكري، وإبراهيم البوسعيدي، ورقتين تحت عنوان «الرحلة في المراجع والكتابات الصحافية والكتابات المترجمة».
تناول المسكري في ورقته التاريخ البحري لعُمان، والعلاقات العُمانية الأميركية، بما فيها الاتفاقية بين الجانبين، ومناقشة بعض بنودها. كما استعرض رحلة السفينة «سلطانه» من بداية تصنيعها في حوض السفن بالهند، وشكلها، والرحلات التي قامت بها، ولماذا أختار السيد سعيد بن سلطان هذه السفينة لتقوم بهذه المهمة، ومن هو ربانها خلال الرحلة، ومدة الرحلة، والطريق البحري الذي سلكته السفينة؟ والبضاعة التي حملتها، والهدايا التي قدمتها عند وصولها لرئيس الولايات المتحدة مارتن فان بيورين. كما أشار المسكري، إلى أنه إبان الدولة البوسعيدية كان الأسطول العُماني يتألف من 24 سفينة، أربع منها مزودة بـ 44 مدفعاً، وخمس فرقاطات تحمل كل منها 18 إلى 24 مدفعاً. أما بقية السفن، فكانت من نوع الذي تتراوح أسلحته بين 8 إلى 14 مدفعاً.
كما أضاف، بأن بسبب وصول السفن الأميركية إلى مملكة السيد سعيد بن سلطان محملة بالبضائع التجارية للأسواق الضخمة بين كل من مسقط وزنجبار، وبعد لقائه الأول ببعض الأميركيين أمثال التاجر الأميركي (أدموند روبرتس) في يناير 1828 في فترة حكم الرئيس أندرو جاكسون؛ بدأ يفكر أن يرسل إحدى سفنه التجارية التي كانت تجوب المحيط الهندي بحثاً عن التجارة في أوقات السلم إلى الولايات المتحدة، بهدف تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين، فتم اختيار «سلطانة».
وقد أبرز المسكري العديد من الوثائق والصور التي تنشر لأول مرة عن رحلة السفينة»سلطانة»، وأوضح أنها بُنيت في حوض (مازاجون البرتغالي) لبناء السفن بمدينة مومبي العام 1833م، بطابع غلب عليه الشكل الأوروبي للسفن الشراعية آنذاك. وأبحرت السفينة منذ تدشينها في رحلات متعددة بين المحيطين الهندي، والأطلسي، حتى وصلت إلى لندن العام 1838م بحسب ما دونته الصحف البريطانية.
وكان من أهم أسباب اختيار السفينة سلطانة لرحلة الولايات المتحدة، حداثة صنعها، وإبحارها سابقاً إلى بريطانيا مما أكسبها إلماماً بظروف الطقس والعواصف في المحيط والأطلسي، وطابعها وطرازها المصمم على الشكل الأوروبي، ومقدرتها على استيعاب البضائع المتنوعة في الذهاب والإياب. أضف إلى ذلك، وصول شهرة السفينة «سلطانة» إلى نيويورك بعد حادثة إنقاذها للسفينة الأميركية «بيكوك» الطاووس، إثر جنوحها قرب جزيرة مصيرة العُمانية العام 1833. وسرعة «سلطانة» الفائقة، حيث قطعت المسافة بين زنجبار ونيويورك في 87 يوماً وذلك قياساً بإحدى السفن الأميريكية التي قطعت نفس المسافة في 111 يوماً. فكانت رحلة بحرية مغامِرة وخطرة بحق، أثبت العمانيون جدارتهم وشجاعتهم فيها.
أما إبراهيم البوسعيدي، فقد ذكر أن رحلة السفينة سلطانة إلى الولايات المتحدة العام 1840م شكلت أهمية خاصة في تاريخ عُمان الحديث لعدة اعتبارات منها أنها مهدت لعلاقات تاريخية وطيدة بين عُمان وأميركا تعتبر الأقدم من نوعها على مستوى الدول العربية. كما أنها تعبر عن سعة ادارك سعيد بن سلطان بالدور المتنامي الذي سوف تلعبه الولايات المتحدة في العالم. وجاءت النتائج الإيجابية للرحلة على المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي، بأن سارعت بعض الدول، وبخاصة الأوروبية منها، لعقد معاهدات اقتصادية مع الحكومة العُمانية، كما فتحت بعض الدول سفارات وقنصليات لها في مسقط وزنجبار بهدف تقوية الجانب الدبلوماسي.
وجاء المحور الثالث للندوة بعنوان (رؤية فيلمية توثيقية ودرامية لرحلة السفينة سلطانة)، قدم فيها الكاتبان أحمد الأزكي، وعبدالله بن خميس، ورقتي عمل بعنوان «مرتكزات التخطيط لفيلم وثائقي عن الرحلة: الرؤى الفكرية، الأحداث، الجماليات». كما قدم الكاتب الدرامي المصري أبو العلا السلموني ورقته ضمن «الملامح الدرامية في رحلة السفينة سلطانة». متخيلاً فيها حكاية عاطفية من خلال مسلسل درامي طويل يحوي قصة الرحلة مع التركيز على شخصيتي أحمد بن نعمان، مبعوث السيد سعيد، والمرأة الإنجليزية في السفينة. بينما تعرض المسرحي عبدالكريم جواد للموضوع ذاته بورقة حملت عنوان «السفينة سلطانة ما بين الرؤية الدراميّة وأوجه تحديات الإنتاج».
وجوه من الندوة
على هامش الندوة كان لنا وقفات مع بعض المشاركين:
الكاتب الدرامي عبدالرحمن الصالح (دولة الإمارات العربية): اتضح من خلال الندوة أن رحلة السفينة «سلطانة» غير موثقة للأسف، إلا ما كتبه المدعو (هيرمان أيلتس) عبر كتابه الصغير بعنوان «سلطانة في نيويورك». وكل البحوث والدراسات التي طُرحت في الندوة كانت تدور حول معلومات هذا الكتاب، ولو تم الاكتفاء بما ورد فيه لعمل فيلم وثائقي لكان مجزىاً. فالباحثون الأفاضل، في رأي الخاص، لم يضيفوا جديداً لما نعلم عن السفينة ورحلتها بما فيهم الباحثون الأجانب. واعتقد أن الأمر يحتاج الآن لتجميع المادة التاريخية ببحثٍ جيد فيما يخص رحلة «سلطانة»، ومن ثم تُسلم لأي سيناريست على قدر عالٍ من الكفاءة الفنية لمعالجة الموضوع سينمائياً. لتبقي قصة السفينة العُمانية رسالة للعالم المتحضر بأننا لم نكن مجرد شعب يغوص على اللؤلؤ، أو يكتفي بوجود النفط لديه، بل كانت له حضارة ودول حديثة وإمبراطوريات، كالعُمانية، التي وصلت بعلاقاتها إلى أميركا في العالم الجديد، واحتفت الولايات المتحدة بمبعوثه السيد سعيد ألا وهو أحمد بن نعمان.
الكاتب التونسي عزالدين المدني: كانت ندوة مهمة جداً، عرفتنا على وضع عُمان في القرن التاسع عشر من خلال رحلة السفينة «سلطانة» التي اعتبرها رحلة استكشاف للآخر وكيفية الاتصال به ومعرفة الواقع الخاص به وبإمكانياته. وعند التفكير في عمل درامي لهذه الرحلة، فيمكن القول إن مادة الرحلة المتوافرة تصلح أن تكون فيلماً، أو مسرحية، أو مسلسلاً، أو مسرحية موسيقية أيضاً.
والتركيب الدرامي في كل جنس من هذه الدراما له طابعه الخاص، كما يمكننا عمل أوبرا كذلك. وما لفت نظري في قصة الرحلة هي السفينة «سلطانة» نفسها، فهي من وجهة نظري بطلة أي عمل درامي حول الرحلة أكثر من الأشخاص الذين هم أدوات سُخرت لها. فهي التي قامت بالرحلة أساساً، وهي التي كابدت العواصف والمشاكل، ووصلت إلى نيويورك، وهي التي غرقت أخيراً في البحر أمام السفن الأجنبية الأخرى التي شاهدتها تموت، غرقاً، ولم تنقذها وكأنها تشمت بها. ثم ما أثارني هو دور الأوروبيين، والعرب، والهنود، والأفارقة على ظهر السفينة طوال الرحلة. من هذه الجماعات المتنوعة يمكن خلق أوبرا عالمية رائعة. ويمكن تلحينها بأسلوب موسيقي عربي وعالمي.
الباحثة الايطالية (بياتريش نيكوليني): الندوة رائعة باعتبار أنني لأول مرة أرى الحكومة العُمانية تسعي لعمل فني تاريخي ليس محلي قومي فقط، بل له صفة عالمية عن طريق التواصل الحضاري الذي تم في التاريخ بين عُمان والولايات المتحدة من خلال رحلة السفينة «سلطانة» العام 1840، فقد حملت تلك الرحلة العديد من مظاهر حضارية للعلاقات والتسامح بين الشعوب في ذاك الزمان.
فعلى ظهر السفينة العديد من القوميات والأديان، والأفكار، والبضائع الشرقية بينها خيول وسجاد فارسي، وقرنفل، وجلود. كما شكلت عنواناً مهماً للعلاقات التجارية والدبلوماسية والتسامح بين الدول. شكلت مثلاً جيداً لبقية الدول لو تم إتباعه كما يجب، لما وصلت أوضاعنا اليوم لما هي عليه من تشاحن وصراعات خصوصاً في الشرق الأوسط.
أتمنى أن يكون العمل الذي سيتمخض قريباً عن هذه الندوة؛ إحدى الخطوات المهمة في طريق التلاقح والتفاعل الحضاري بين الشعوب. وحين التركيز على العمل الفني بالطبع سيتم تقديم معلومات مهمة عن رحلة السفينة «سلطانة»، ولكنى لست متأكدة من نجاح مسلسل درامي ذي حلقات متعددة عن هذه الرحلة ومدى متابعة المشاهدين له. واعتقد أنه يجب التركيز على شخصية السيد سعيد بن سلطان في أي عمل درامي توثيقي، فهو لم يكن حاكماً محلياً عادياً، بل كانت له مكانة كبيرة في المحيط الهندي ومع بقية الدول الكبرى من أوروبية وأميركية، وكان له سفراء ومبعوثون لهذه الدول في ذاك الزمان، إنه لشيء عجيب وحيوي للنظر فيه.
المخرج المصري، محمد فاضل: بعد الأسلوب الذي أديرت به الندوة على أسس علمية وبحثية، وثم استطلاع آراء الخبراء الدراميين، سواء مؤلفين أو مخرجين، لابد أن يتبع هذا مباشرة خطوة ما، لأن ما حدث في الندوة الطيبة هو أساس نظري فقط لكن لم نرَ فيه ما يوحي بأن هناك عملاً قريباً.
ويبدو أن الوضع عند الأخوة هنا أنهم يستغرقون وقتاً في عمل الأبحاث والدراسات الكافية عن أي عمل أو مشروع يتجهون لتنفيذه على أرض الواقع. حيث إنني علمت أن هذه الندوة لوحدها مثلاً تم التحضير لها منذ أربعة أشهر. تصورت أننا بعد حضورنا والمناقشة والتوصيات سيتم متابعة ما جاء فيها وتنفيذها خلال أسبوع على الأكثر، ومنها إنتاج أعمال درامية تسجيلية أيضاً عن هذا الموضوع.
وفي رأي أننا يمكن أن نخرج من هذه الرحلة بفيلم جماهيري لأن بها عناصر صراع درامية رائعة مشوقة. فرحلة السفينة نفسها بها الكثير من جوانب الإثارة والتشويق لمجموعة من البشر تحيط بهم الإخطار من كل جانب، وهم من مختلف القوميات والأديان والمشارب والتوجهات، وسط البحر وهم فيه على ظهر سفينة لمدة حوالي 87 يوماً. كما أُفضل أن يكون العمل درامياً وليس تسجيلياً فقط، لأن العمل الدرامي التاريخي نفسه هو في الأساس توثيقي.
وقبل ختام الندوة عُقدت أهم جلساتها الحوارية المفتوحة، بحضور مجموعة مختارة من المتحدثين والباحثين والكتاب ومخرجي الدرامي والسينما وهم: الكاتب المسرحي عز الدين المدني من تونس، والمخرج المصري محمد فاضل، والمخرج والمنتج السينمائي نضال شاتي من فرنسا، والمنتج والمخرج السينمائي حكيم بالعباس من الولايات المتحدة، والكاتب الدرامي من عبدالرحمن الصالح من دولة الإمارات العربية، وحسن جابر من السعودية، والباحثة دلال مقاري من ألمانيا، والمخرج السينمائي عادل الكضاعي من تونس، والباحث محمد السلمان من البحرين، والمخرجون من عُمان أنيس الحبيب، وأحمد الحضري، ومحبوب موسى.
أحمد بن نعمان البحراني
وقد أثارت شخصية أحمد بن نعمان بن محسن بن عبدالله الكعبي البحراني، الممثل الشخصي للسيد سعيد بن سلطان حاكم مسقط وزنجبار وتوابعهما في القرن التاسع عشر، انتباه وإعجاب المشاركين وحضور الندوة، بسبب قوة شخصيته وثقة السيد سعيد الكبيرة به لتعيينه قائداً للسفينة «سلطانة» وممثلاً عنه في رحلتها إلى نيويورك العام 1840، وإتقانه بطلاقة للغة الانجليزية في ذاك الزمان دون أن يدخل لمدارس حديثة. فقد ولد في البصرة العام 1784 حيث تلقي تعليمه الديني، وكان والده عربي الأصل من قبائل بني كعب التي استوطنت ضفاف الخليج جنوب العراق بعد هجرتها من وسط شبه الجزيرة العربية. أما والدته فقد كانت فارسية الأصل، وبدأ حياته كغلام يخدم على ظهر السفن، إلا أنه أظهر في عمله ذكاء ومقدرة نادرة جعلته يترقى سريعاً في أعمال البحر، كما أنه تميز بالأمانة والتقوى. وقد ألتحق أحمد البحراني بخدمة السيد سعيد في أوائل العشرينيات من القرن التاسع عشر، وسافر إلى الصين ومصر ولأوروبا في مهمات عديدة ممثلاً للسيد سعيد ومديراً للسفن التجارية. وفي العام 1835 وصل لمرتبة السكرتير الخاص للسيد سعيد، في رسالة واضحة شكلت قمة التلاحم والثقة بين المذاهب الإسلامية في عصر السلطان سعيد، وبقي أحمد البحراني يشغل هذه الوظيفة حتى وفاة السلطان.
وأخيراً، خرجت الندوة بالعديد من التوصيات لتنفيذ المشروع المقترح بفيلم توثيقي عن رحلة «سلطانة» إلى نيويورك العام 1840، أهمها: تكليف مختصين لإعداد تصور شامل ونهائي لإنتاج عمل درامي أو وثائقي عن رحلة السفينة «سلطانة» أو «سلطاني» إلى نيويورك على مستوى عالمي يليق بمكانة الرحلة ودلالاتها. وتوثيق فترة حكم السيد سعيد بن سلطان وسيرته وملامح عصره، وذلك بتكليف باحثين مختصين في هذا الجانب، وإعداد كتاب موسوعي يوثق سيرة السفينة إلى نيويورك بالوثائق والصور وباللغتين العربية والإنجليزية، ونشر الوعي لدى النشء الجديد في المناهج الدراسية والإعلامية عن فترة حكم السيد سعيد بن سلطان والأحداث التاريخية التي صاحبت فترة حكمه، ولاسيما إنتاج فيلم رسوم متحركة عن رحلة السفينة، مع الاستفادة من خبرات البحارة والعاملين العُمانيين على السفن في توثيق التقاليد البحرية عبر التاريخ.
No comments:
Post a Comment