الروابط السياسية والاجتماعية بين زنجبار وجزر القمر .. مدائح السلطان خليفة بن حارب أنموذجا
لم تكن الوثائق والمخطوطات المتعلقة بالعلاقات والروابط الساسية بين السلطة في زنجبار ـ أيام السلطان خليفة بن حارب ـ وجزر القمر من السهولة بمكان للحصول عليها، لكننا ـ بحمد الله ـ توصلنا لمخطوط شعري، حاول رصد البعد العلائقي السياسي بين البلدين؛ خاصة كونها نظمت بلسان شاعر قمري، إنه الشاعر “برهان بن محمد مكلا القمري، الذي كان مُحتضنا من قبل حكومة عمان في زنجبار إبان حكم السلطان خليفة بن حارب، وكان الشاعر مكلا القمري يعمل أستاذا للعربية في المدارس الرسمية في زنجبار فترة حكم السيد خليفة. هذا الفترة التي مكث فيها المكلا في زنجبار، سجل نصوصا شعرية جسدت البعد السياسي. ومن ذلك قول المكلا مجسدا العلاقة العمانية بين زنجبار والغرب:
سافر إلى الغرب مثل الشمس إن غربت عادت إلى الشرق تبدي النور للأمم
لقد برزت قوة الروابط السياسية بين البلدين، من خلال المفردات العميقة التي جسدها الشاعرالقمري في السلطان خليفة، وتلك دلالة قاطعة للولاء لهذا البلد، فابن جزر القمر يرى في السيد خليفة البعد الإيجابي من جراء وصفه بالشمس عند غروبها من مكان وشروقها لمكان آخر، وهي صورة جسدت بعدا جميلا، فرحيل السلطان عن مملكته، جعلها متأثرة بالظلمة وما جاورها، حتى عاد بإشراقه لبلده ومحيطه.
يأيها الملك السامي أرومته حياك ربي حليف المجد والكرم
لقد نادى الشاعر القمري، سلطان زنجبار، بأنه الملك المبجل ذو السمو والأرومة، لما كان له من الود لشعبه، وللآخرين الذين احتضنهم، وحفظ لهم المعروف والخلق، من الدول المجاورة كجزر القمر، حيث وجدنا مجموعة كبيرة منهم يعملون كمعلمين، ومزارعين، وغير ذلك من الأعمال؛ مما جسد البعد التعاوني بين تلك البلدان التي تجمعها رابطة المكان والدم والدين واللغة، وبذلك تحققت لغة الوئام بينهم، فكان ذلك معروفا يسجل له.
ونطل من زاوية أخرى على قصيدة سجلها المكلا القمري في السلطان خليفة، عندما عاد من بريطانيا، وكان وطنه في أشد الحاجة إليه:
ذا بدر مقدمه الأسنى أضاء لنا جو القلوب فأجلى غيمة الكرب
فالسلطان بعودته كان بدرا مضيئا لمجتمعه، مجليا الكرب، مظهرا روح الابتسامة للجميع. وتتواصل صور وشهادات الشاعر القمري المعجب بشخصية السلطان خليفة؛ كونه كان محبا لوطنه، والوطن يشرق بوجوده:
وذا الوطن الزاهي يبرد علا قد ارتدى فاجتلى ثوبه القشب
وتتجلى هنا دقة العبارة عند الشاعر المكلا القمري، وكان دقيقا في وصف الصفات السياسية التي ارتبطت بشخصية السلطان خليفة، حيث كان ودودا لشعبه، وبذلك استطاع أن يحكم فترة طويلة في أمن واستقرار، متآلفا مع مجتمعه، والبلدان المحيطة به، والأدل على ذلك، هذا الشاعر نفسه، فقد كان الشاعر قمريا، إلا أنه استمر يعمل في المدارس الحكومية بزنجبار، وكذلك كونه مقربا من بلاط السلطان خليفة، وقد تبلور ذلك في المدائح التي قالها في السلطان خليفة بن حارب، وإعجابه بسياسة الحكومة.
ومن الأدلة الأخرى على الترابط بين زنجبار وجزر القمر، ما قام به الشاعر المكلا من تصورات، تمثلت في كلماته الإنشادية التي كتبها لطلاب المدارس الحكومية بزنجبار، والتي كان ينشدها طلاب المدارس، عندما يستقبلون السلطان خليفة بن حارب في المحافل العمومية، والدينية وغيرها:
يارب بلغنا المرام بحمد خير الأنـــــــــــام
فأدم لنا حسن القيام بالخير مع راعي الذمام
وافتح لنا باب النجاح والعلم يبدو بالصـــــلاح
فالعلم مرقاة الفلاح يعلى إلى أسمى المقـــــام
ليعش خليقنا الأجل من أن قضى حقا عـــــدل
ومتى تقدم للعمل وفّى كسالفه الإمــــــام
وليرق ناظرنا إلى أعلى المراتب والعلا
ونرى أساتذتنا على أهنى المعيشة والسلام
يارب قدم ذا الوطن بمعارف تولي المنن
فالزنجبار مدى الزمن تعلو بأبناء كـــــــرام
اللغة الحيوية تدفقت ينابيعها من الشاعر القمري، بعباراتها الإنشادية، ولغتها التواصلية، وحواملها الدلالية الاكتنازية؛ لما رآه من السلطان خليفة من تفان في خدمة الشعب والمجتمع، وما كان يضحي به السلطان من مال ووقت في خدمة العلم والتعليم. تلك السمات النقية الطيبة التي تميز بها السلطان خليفة، جعلت من الشاعر مكلا القمري يسجل مفردات حافلة بالتحية والتقدير لهذا لسلطان، الذي كان يتجول بين طلابه وأبنائه، ومن يرعاهم.
إن دور الصورة الوظيفي يبرز من خلال البعد الدلالي الذي تحققه، ومن التلاحم البنائي المتنامي مع لغة النص، الذي يُظهر الصورة بشكل فني كـ ” اللوحة في الرسم الفني، فكما أننا لا نستطيع إطلاق مصطلح اللوحة على أحد عناصرها المكونة لها، فإننا كذلك لا يمكن أن نطلق مصطلح الصورة على أحد عناصرها المكونة للعمل الشعري”؛ إذ كل عنصر يُسهم في بناء هذه الصورة، ويضيء زاوية من جوانبها. فالاتصال بين الأجزاء والوحدات المكونة للنص يولّد الصورة ” ولما كان العمل الشعري يصدر عن تجربة خاصة متميزة، فإن كل قصيدة ـ بالتالي ـ تحتفظ لنفسها بشخصية مستقلة ومتفرّدة تفرّد التجربة التي تعبّر عنها “، فكل قصيدة لها خصوصيات بنائية / تكوينية تميزها عن غيرها، وبذلك تكون كُلُّ قصيدة بناء مستقلا عن الأبنية الأخرى.
إن هذا النص الشعري يمثل في ذاته وبصورة خاصة لغة منظمة، هذه اللغة موزعة إلى وحدات لفظية، بحكم أن هذا يُعد أبسط المحاولات وأكثرها تلقائية في توزيع النص إلى وحدات دالَّة. هذه الوحدات المستخدمة تندمج ضمن شبكة لغوية واسعة، إمَّا أن تبقى مرجعيتها سطحية، وإمَّا أن تتولد منها لغة جديدة، حسب السياق الذي يفرضه النص ؛ فتولُّد لغة جديدة جاء نتيجة انزياح عن اللغة العادية. فـ” الشعر يُعبِّر عن مفاهيم وأشياء تعبيرا غير مباشر “، كما أنهَّ يعبر تعبيرا مباشرا فيفقد شعريته.
وأنا أقرأ ديوان المكلا القمري، لفتت نظري قصيدته المسمطة، التي هنأ بها السلطان خليفة بمناسبة عيد الجلوس، هذه التهنئة تعد من الروابط السياسية والاجتماعية القوية، بين أهل جزر القمر ـ الذي يمثلهم الشاعر الكبير المكلا القمري ـ وبين السلطان خليفة، الذي يمثل الدولة العمانية في حكومة زنجبار.
يقول مكلا القمري:
حبذا عيد الجلوس طابت بعودته النفوس ولنا به أحلى كؤوس
دارات بصهباء الهنا
عاد عودا أحمدا جعل السرور مجددا فرأى العلى والسؤددا
ثبتا لمن حاز الثنا
الثناء للملك الأبر منذ اكتسى شيما غرر فجلا بها حسن الخبر
للسامعين مبينا
أنت خليفة من علا قدرا فعاش مجلالا أعلا المعارف للمــلا
في زنجبار فأحسنا
يارب وفر خيره دوما ووسع بره وكذاك طول عمره
مع نجله ياربنا
تلك المفردات بلغتها التكوينية، واكتنازاتها الدلالية، حملت معاني سامية من شاعر أحب زنجبار، ومن كان يحكمها، وتلك سلوكيات لا ينطق بها إلا من ذاق المعروف والإحسان، وشعر بالفضل من قبل حكام تلك الديار؛ لذلك وجدنا لغة الاندماج العلائقي بين الشاعر القمري، والموصوفين بذلك الوصف الجميل.
جاءت هذه الإنشادات في يوم له مكانته السياسية المرموقة، عند حكامه ومواطنيه، فعبرت بلغة الانتشاء والإعجاب، والحب العميق، وهو ما يمكننا التعبير عنه بأن الروابط تزداد متانة وقوة، بين جزر القمر وزنجبار، من جراء هذه التواصلات.
نعم هي كلمات شعرية تدفقت من شاعر قمري، أعطت الانطباع الجميل للعلاقات الحميمية بين هاتين الدولتين، وإلا لما عبر الشاعر في أكثر من موضع عن الإعجاب بالسلطان، والمجتمع والسياسية التي تنهجها زنجبار مع المقمين والجوار.
البعد الاجتماعي العلائقي بين زنجبار وجزر القمر
النص الأدبي بمفرداته يصور الأبعاد الحياتية للمجتمع اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، إلا أن وقفتنا هنا ستكون عند بعد الروابط والعلاقات الاجتماعية، فالنص الشعري دائما يعكس نبضات الشاعر وشعوره، ومن هنا جاءت مفردات الشاعر المكلا القمري؛ لترسم البعد الاجتماعي المتمثل في صياغة العلاقة بين زنجبار إبان حكم السلطان خليفة بن حارب وجزر القمر المجاورة لها، هذه العلاقات تمثلت في مواضع كثيرة، منها العلاقات التي صنعها السلطان خليفة مع جزر القمر؛ مما جعل أبناء جزر القمر يندمجون مع أبناء عمان بزنجبار، في العمل بالمؤسسات، والتصاهر، والتعايش، وغير ذلك.
وقد برز ذلك في معجم النص الشعري بوصفه جزءا هاماً في بنائها، كما يعكس المستويات المختلفة لواقع القصيدة، دينية، وثقافية، واجتماعية، وتاريخية، بشكل عام ؛ فهو يمثل الرصيد الخام الذي يتألف منه الكلام ؛ فالشاعر ينتقي من مفردات اللغة ما يتلاءم مع تجاربه، مما يجعل ذلك الاختيار حرا لمفرداته، حسب ما يقتضيه الموقف الشعري.
فالنص الشعري يمثل في ذاته وبصورة خاصة لغة منظمة، هذه اللغة موزعة إلى وحدات لفظية، بحكم أن هذا يُعد أبسط المحاولات وأكثرها تلقائية في توزيع النص إلى وحدات دالَّة.
هذه الوحدات المستخدمة تندمج ضمن شبكة لغوية واسعة، إمَّا أن تبقى مرجعيتها سطحية، وإمَّا أن تتولد منها لغة جديدة، حسب السياق الذي يفرضه النص؛ فتولُّد لغة جديدة جاء نتيجة انزياح عن اللغة العادية. فـ” الشعر يُعبِّر عن مفاهيم وأشياء تعبيرا غير مباشر” كما أنهَّ يعبر تعبيرا مباشرا فيفقد شعريته.
هذه الإيحاءات رصدتها مفردات الشاعر القمري في مدونته الشعرية التي صدر بها ديوانه في تهنئة السلطان خلفية والإعجاب بحكمه، كما وجدت عددا من القصائد للشاعر المكلا القمري دخلت بقوة في البعد الاجتماعي، وهي مفردات رثى بها العلماء الكبار العمانيين في زنجبار أمثال الشاعر الكبير أبي مسلم البهلاني التي قال فيها:
أرى اليوم قولي لا يفي مراثيا وأنى يفي والرزء أعيا لسانيا
إلى أن قال:
وها هو داع نلته اليوم معلنا بفاجعة كبرى وأبدى مقاليا
آلا وهي فاجعة ابن سالم ناصر أبي مسلم من كان للخير ساعيا
ومنها ما جاء من تهانٍ لعلماء آخرين عاصروه أمثال الأديب الشيخ محمد بن علي بن خميس البرواني والشيخ عبدالرحمن بن محمد الكندي والشيخ راشد بن سليم الغيثي وغيرهم.
هذه الإيحاءات تشير إلى عمق الترابط وأواصر المحبة بين العمانيين في زنجبار وبين جزر القمر متمثلة في السلاطين والعلماء والأدباء، وإلا لما صدح صوت القمري في أبناء عمان في زنجبار واصفا إياهم بالنبل وروح المودة وأواصر المحبة.
وبعد هذا التمهيد سنقف وقفة أدبية مع قصائد الشاعر ملا القمري في مدح وتهنئة السلطان خليفة والتي عبرت بروحها عن الاندماج الروحي للشاعر القمري مع أهله في زنجبار:
قال القصيدة الأولى في توديع سلطان زنجبار السيد خليفة بن حارب لما سافر الى بلاد الانجليز عام 1929م:
جاء في مطلعها:
لا في السكون تمادى كل ذي همم إذ ليس يدعى جمادا واجد النسم
سافر إلى الغرب مثل الشمس إن غربت عادت إلى الشرق تبدي النور للأمم
الطرف يعجز عن إدراك جوهرها عجزي عن القول فيما حزت من شيم
ياأيها الملك السامي أرومتــــــــــه حياك ربي حليف المجد والكــــــــــرم
تحكي طلاقة وجه منك قائلــــــــة أنت الجدير بنيل العز والشمـــــــــــــم
فليس تعرف غير البر محتسبـــــا لله فيمن وهى للفقر والسقـــــــــــــــــم
واقبل مديحك مني موجزا وبـــــه أحلى معاني جلا بالفكر والقلــــــــــــــم
فاسلك سبيلك شهما والأمير لدى يماناك يرعاكما ذو الحول والنعم
عالج النص بعدا اجتماعيا وسياسيا وصف فيه السلطان خليفة بالمجد والسؤدد، وأنه إليه الإمارة والقيادة، كما أشارت المفردات اهتمام السلطان خليفة بذوي العوز والفقر، ولربما يشير من بعيد اهتمامه بالذين هاجروا إلى زنجبار من القمريين وغيرهم ففسح لهم الحياة الهنيئة الطيبة ويسر لهم سبل الحياة الكريمة، وأتاح لهم العمل في الجهزة الحكومية، كل ذلك يعد قويا في تقوية الروابط بين البلدين جزر القمر وزنجبار.
وإذا ما قرأنا النص التالي، والذي عبر به الشاعر الملا القمري عن الترحيب، بالسلطان خليفة بعد عودته من رحلته الميمونة والتي كانت زيارة لبريطانيا البلد الحامي لزنجبار إبان تلك الحقبة، لقد جاءت القصيدة ولسان حالها ينطق بالابتهاج لعودة السلطان المبجل:
لسان حال بلادي فاه بالخطب مهنئا من بدا من ضئضئ العرب
وصار يبدي له الترحيب مبتهجا لما رأى عوده عونا لذي نصب
إن الحقول الدلالية ” التي يتكون منها المجال الإدراكي عند الإنسان، لا تحتاج حين نتواصل في شأنها عبر اللغة الطبيعية، إلى العقل، والفهم الثاقب، والقبول والاصطفاء، والاستئناس بالقرائن ؛ لأنها حقول متماهية مع هذه اللغة، ومنظمة بحسب معطياتها الصوتية، والصرفية ـ الاشتقاقية والتركيبية إلى الحدِّ الذي يجعل كل حقل دلالي نتيجة مباشرة لنظام اللغة أو بنيتها، وهو ما يسفر عن تداول هذه الحقول تداولاً مشتركا يظل هو نفسه في كلِّ وضعٍ تواصلي ضمن حياتنا اليومية “.
فالسياق الدلالي يوحي بأن المتكلم وهو الشاعر القمري كأنه واحد من مواطني زنجبار ولم يكن يشعر بغربة في هذا البلد، والدليل على ذلك قوله:لسان حال بلادي ” فلم يقل زنجبار؛ بل قال بلادي وهذا غاية في التمازج الروحي والنفسي والجسمي مع مجتمع زنجبار وسلاطينها، وهنا تبرز السياسة الداخلية والخارجية لسلطان زنجبار الذي لم يفرق بين المواطنين والمقيمين، وهو ما انعكس على التعبيرات التي ساقها الشعراء والأدباء وغيرهم.
ثم يتواصل النص بمكتنزاته الفكرية حاملا لغة الانصهار، وواصفا الممدوح المهنأ بأنه شمعة أضاءت الوطن بعد ظلمة انطفأ فيها المصباح فعادت الإضاءة بعد غياب، وتلك صور إيحائية عبر بها الشاعر عن السلطان خليفة الذي كان أشبه بالمصباح المنير وبمجرد هجرته أيام تحولت تلك الدار إلى مظلمة حتى عاد إليها فاكتست بهاء وضياء”.
ذا بدر مقدمه الأسنى أضاء لنا جو القلوب فأجلى غيمة الكرب
قد ظل منتظرا هذا الإياب إلى أن جاء في وقته فاهتز من طرب
لم تكن الصورة صورة حسية فحسب؛ بل جاءت صورة الشاعر القمري صورة تحمل في طياتها صورا بعيدة وذات دلالات عميقة، كونها وصفت السلطان خليفة، بأنه رجل ارتقت البلاد في عهده، وكان لها قصب السبق في التطورات الفكرية والتكنولوجية وغيرها مما سبقت بلدنا أخرى:
ياأيها الملك المأنوس طلعته بك البلاد ارتقت في العلم والأدب
بك البلاد انتحت نحو العلا ولنا من يمن مسعاك عصر قد من ذهب
ولو عشنا مع مفردات الشاعر القمري مفردة مفردة لتبين لنا البعد السياقي والدلالي المكتنز في طياتها، وما تضمنته من أبعاد أخرى، ومنها قوله: “ولنا من يمن مسعاك عصر قدّ من ذهب ” وهذه العبارة كافية في دلالتها على ما يقدمه هذا السلطان من خدمات لغير المواطنين، وتلك دلالة مباشرة من الشاعر القمري للإشارة إلى قوة الترابط السياسي والاجتماعي بين البلدين.
إننا لا ننظر إلى الكلمة منعزلة عن سياقها، وإلاَّ فقدت قيمتها، فالتوافق مع غيرها من المفردات أساس لدلالتها ” إذ كلُّ كلمة تضفي على التي تليها لونا منها وسوف تكتسب أو تفقد هذا التأثير تبعا لموقعها في السطر”. وقد أكَّد ذلك عبد القاهر الجرجاني قبل المحدثين بقرون، إذ عانق بين اللفظ والمعنى.
إن الروابط والنغمات المستمدة من أنواع المفهومات والتصورات ضمن السياق النصي، تشكل اللغة المعجمية حسب الثقافة المنتمية لها، فالثقافة الدينية تجلَّت واضحة جلية في هذه المقطوعة الشعرية.
وسجل الشاعر الملا القمري عبارات أخرى تشير إلى مبدأ الترابط والتعايش، والدليل هذه المفردات التي أخرجتها المشاعر الجياشة للقمري نحو السلطان خليفة، ففي يوم استلام السلطان خليفة بن حارب وساما برطانيا، ما كان من الملا القمري إلا أن انبرى مسجلا بمفرداته المعبرة هذه الأنشودة الرائعة بدلالاتها العميقة روح الإعجاب والفرح له بذلك، كما أن الشاعر في أغلب قصائده تتصدر مفردات التطور والترقي التي يقدمها السلطان لأبناء وطنه ومن عاش معهم، وهنا تجسدت مفرادات عبرت بلغة عميقة ما كان يقدمه السلطان خليفة للمدارس من دعم جعلها منبرا علميا راقيا، لأن الأمم والشعوب ترقى إذا اهتمت بفكر مجتمها، ومعارفهم، وهذا ما سجلته مفردات الشاعر:
رأى في رعاياه التأخر فانبرى يثمن أعمال التقدم بالغـــــــال
ينشط أبناء المدارس كلمـــــــا رأى ابنا تقدم كافأ الابن بالمال
فيعمل هذا الجود والوجه طلقة ويسعف ذا عجز وذا الضر في الحال.
المصادر والمراجع:
- أبي سنة، إبراهيم، مستويات البناء الشعري،دراسة في بلاغة النقد – شكري الطواسني – الهيئة المصرية للكتاب – ت 1998 – ب – ط.
- بلمليح، إدريس،المختارات الشعرية وأجهزة تلقيها عند العرب من خلال المفضليات وحماسة أبي تمام، كلية الآداب والعلوم الإنسانية – الرباط – ط – 1 ت – 1995.
- الجرجاني، الإمام عبد القاهر، دلائل الإعجاز، تعليق، السيد محمد رشيد رضا – دار المعرفة – بيروت لبنان – ت – 1981 – ب – ط.
- الطريسي، أحمد ” النص الشعري بين الرؤية البيانية والرؤيا اإشارية ” مطبعة الطريس للنشر والتوزيع، الرباط – المغرب – ت2000.
- لوتمان، يوري، تحليل النص الشعري، ترجم – محمد أحمد فتوح – إصدارات النادي الأدبي الثقافي – جدة – ط 1 – ت – 1999م.
- معتصم، محمد، دلائليات الشعر ” – ترجمة ودراسة، منشورات كلية الآداب – الرباط – ط1 – ت 1997
- المغيري، سعيد بن علي، جهنية الأخبار في تاريخ زنجبار، بن علي، وزارة التراث القومي والثقافة.
- مكلا القمري، برهان محمد، البرهانيات – مجموعة قصائد ومقطعات وأناشيد، مخطوط بمكتبة الباحث
* ورقة بحث مقدمة للمؤتمر الدولي الخامس لهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية العمانية الذي اقامته هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية في جزر القمر خلال الفترة من 6 وحتى 8 ديسمبر 2016م
No comments:
Post a Comment