الجريدة
2016الخميس 14 يناير
خليل علي حيدر
ل كان لتجار الكويت قبل النفط أي دور في نقل وتسويق العاج الإفريقي؟ وهل برز العرب في مجال صيد الفيلة الإفريقية في تلك المرحلة؟ وما الصراعات العربية– الأوروبية التي دارت في شرق إفريقيا، خاصة حول تجارة العاج والرقيق؟ وما الشخصيات التي برزت في تلك المرحلة؟
أسئلة كثيرة أخرى قد تثار، ومعلومات قيمة عن هذا المجال الحيوي الذي اعتمد عليه دخل الدول الخليجية، يتناولها أ. د. بنيان سعود تركي، أستاذ التاريخ في جامعة الكويت، ضمن مجموعة بحوث قيمة جمعها في كتاب "الكويت وإفريقيا".
كتاب د. تركي بمثابة عودة تاريخية، وجولة في ماضي منطقة كانت لتجار الخليج وبحارتها وربابنتها صولات وجولات، قبل أن تقلب السفن الكبرى والناقلات العملاقة هذه الصفحة، وتدخل المنطقة الخليجية وإفريقيا مرحلة جديدة.
د. تركي يحلل المعلومات التاريخية بكل اقتدار، ويستفيد من جهود العديد من مؤرخي وباحثي الكويت، وبخاصة تراثها البحري في البحث الأول الذي يفتتح به الكتاب بعنوان "العلاقات التجارية بين الكويت وشرق إفريقيا"، ومن هؤلاء د. ميمونة الصباح، ود. يعقوب الحجي، وعبدالعزيز حسين، وأحمد المزيني، وعادل العبدالمغني، وبالطبع مؤرخو الكويت البارزون مثل الأستاذ سيف مرزوق الشملان والشيخ يوسف بن عيسى الجناحي... وآخرين.
غير أن المراجع الأجنبية الإنكليزية تبرز في بحوث الكتاب الأخرى، والتي تتناول تجارتي العاج والعبيد، ولا شك أن بحث د. تركي في هذه المراجع إضافة حقيقية للدراسات الخليجية في المكتبة الكويتية، وحافز للاستزادة منها من قبل أساتذة وبحاث آخرين.
تدرس الورقة المشار إليها وهي بعنوان "العلاقات التجارية بين الكويت وشرق إفريقيا" المرحلة بين 1899 و1945، من عهد الشيخ مبارك الصباح إلى نهاية عهد الشيخ أحمد الجابر تقريباً، وكانت التجارة مع إفريقيا نشيطة مع نهاية القرن العشرين، حيث "زارت الكويت بحدود 50 باخرة يمكن الإشارة إلى أن نصيب شرق إفريقيا مما تحمله السفن الكويتية في تجارة الاستيراد والتصدير خلال الفترة من عام 1905 إلى عام 1906 يمثل 61.8%".
ويقول د. تركي إن الرحالة امتدحوا صناع السفن الكويتية، وبخاصة صاحب كتاب "أبناء السندباد"، ألن فاليرز (1903-1982) Alan Villiers، الذي ظهرت الطبعة الأولى منه عام 1940، ويقول فيه: "إن صانعي السفن الكويتيين أعظم الناس خبرة في الخليج، إذ يظلون مشغولين في صنع السفن الحديثة وإصلاح السفن القديمة التي تستخدم لصيد اللؤلؤ والسمك والتجارة". ولهذا نظر الرحالة نفسه إلى الكويت على أنها "أهم مدينة تجارية على الساحل الشرقي للجزيرة العربية".
درس د. بنيان تركي في بحث مفصل دور العرب العمانيين في مجال تجارة العاج في شرق إفريقيا، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر 1840-1890، تحدث فيه أولا عن تصنيف العاج، وبين أن هناك الناعم شديد البياض وهناك الخشن"... والناعم أغلى سعراً ، ولما كان العاج الإفريقي أكثر نعومة من العاج الهندي كان الأفضل والأشد رواجاً، ويتمتع هذا العاج الإفريقي بـ"بياضه الشديد وتنوع ألوانه ما بين الأبيض والأصفر والقرنفلي الضارب للصفرة".
ويقول الباحث إن تجارة العاج انتعشت في القرن التاسع عشر، وشارك فيها الكثير من الأفراد والشركات، حيث كان العمانيون ممن عملوا في هذا المجال، وكان العاج من أهم السلع التي تاجروا فيها منذ عهد بعيد، إذ يشير الجغرافي الشهير "المسعودي" في القرن التاسع عشر إلى أن العمانيين كانوا ينقلون العاج بين إفريقيا والهند والصين، فكانت عمان من أشهر أسواق العاج إلى أن تراجعت أهمية هذا السوق مع اكتشاف رأس الرجاء الصالح، وتغير مسار تجارة شرق إفريقيا مع أوروبا، وهيمن التجار البرتغاليون على هذه التجارة "عندما اهتموا بتوفير الأقمشة والخرز والحديد لسكان الداخل مقابل الحصول على العاج والعنبر، مما أدى إلى فقدان العرب لمكانتهم التجارية المتميزة في شرق إفريقيا".
ويرى الباحث أن بعض النتائج العسكرية والسياسية قد ترتبت على هذه المنافسة، ويقول "ولعل تأثر تجارة عمان وبخاصة تجارة العاج مع شرق إفريقيا في ظل الهيمنة البرتغالية على المياه الشرقية كانت وراء تصدي حكام عمان من اليعاربة (1724-1741) للنفوذ البرتغالي بالخليج العربي وشرق إفريقيا"، وفي النهاية، "استعاد اليعاربة السيطرة على المناطق التي كانت البرتغال تحتلها، مما أدى إلى انحسار النفوذ البرتغالي بشرق إفريقيا".
تجدد اهتمام العمانيين بهذه التجارة مع بدايات القرن التاسع عشر، وازدياد الطلب على العاج وارتفاع أسعاره بالأسواق العالمية، مع تزايد المنافسين من تجار الهند وأوروبا وأميركا، أما سبب ازدياد الطلب فيقول إنه كان ناجماً عن دخول العاج في الكثير من الصناعات "من أبرزها صناعة التحف، والتماثيل، والآلات الموسيقية، والحلي، واتجاه عدة بلدان أوروبية مثل ألمانيا وهولندا، وبريطانيا، لإقامة مراكز متخصصة في معالجة العاج، واتجاه العديد من السفن التي كانت تحمل بضائع أوروبية، إلى سواحل شرق إفريقيا لتسويق هذه السلع، مقابل العاج وغيره من المنتجات المحلية، مما أدى إلى ارتفاع الطلب على العاج بشرق إفريقيا في القرن التاسع عشر الميلادي".
وكان ارتفاع أسعار العاج وراء امتداد عمليات زحف التجار على الداخل الإفريقي "حتى وصل تجار العاج العرب إلى حوض نهر الكونغو، وكان التجار العرب المغامرون، الذين يسعون إلى العاج بالداخل يحدوهم الأمل في الحصول عليه مباشرة دون التعامل مع القبائل الإفريقية بشكل يحقق لهم مكاسب مالية وفيرة رغم المخاطر الكبيرة التي تترتب على توغلهم داخل القارة". (ص91).
وازداد اهتمام السلطات العمانية في زمن السيد برغش بن سعيد 1870-1888 بتنظيم هذه التجارة بعد ازدياد الضغط العربي على المنطقة الخليجية وإفريقيا لإلغاء الرق "وتجارة العبيد"، والتي كانت أرباح سلطان زنجبار من ورائها ضخمة.
شجع السيد برغش، كغيره من سلاطين زنجبار، التجار العرب على التوغل داخل إفريقيا لأهداف تجارية ولتوطيد العلاقة مع زعماء القبائل الإفريقية الذين ارتبطوا بولائهم لسلطان زنجبار من آل بوسعيد، وكان بعض حكام هذه المناطق "قد منعوا التجار العرب من الحصول على العاج مباشرة من صائدي الفيلة، وكان ازدياد تجارة العاج وراء مشروع التجار العرب والسواحليين في إنشاء مراكز دائمة، ومحطات استراحة لقوافلهم التجارية، مخازن لحفظ بضائعهم". وفي بعض المناطق "كان العاج الذي يُشترى بمبلغ ألفي دولار يتم بيعه في الساحل بسبعة آلاف دولار".
ويورد د. تركي نماذج من تجار العاج العمانيين في شرق إفريقيا مثل محمد بن سعيد المرجبي ومحمد بن خلفان البرواني، ويقول: "كان حميد بن محمد المرجبي المشهور بلقب "تيبوتيب" واحداً من أشهر العرب العمانيين في شرق إفريقيا، وتمكن من أن يكون صاحب الكلمة في حوض نهر الكونغو.
وكانت له علاقات واسعة بالرحالة ستانلي وملك البلجيك ليوبولد الثاني، كما أشاد به رجال الإرساليات التنصيرية في شرق إفريقيا، وبدأ نشاط المرجبي التجاري في سن الثامنة عشرة، وعمل في تجارة الرقيق والعاج، التي ازدهرت في وقته حتى كوّن ثروة من تجارة العاج الأبيض والأسود جعلت حاكمي زنجبار ماجد بن سعيد والسيد برغش بن سعيد يرتبطان به، ويستعينان به لتوطيد النفوذ العربي في المناطق الداخلية من شرق إفريقيا، في الوقت الذي كان يمارس فيه نفوذا سياسياً واقتصادياً في أعالى الكونغو بعد عام 1870م. وبلغت شهرة المرجبي أن عددا من الرحالة الأجانب أمثال ديفيد لفنغستون Livingston وستانلي، وكاميرون Cameron وفون وايزمن Von waizman، لم يستغنوا عن مساعدته في العمل بالمنطقة". (ص101).
ولكن كانت لـ"تيبوتيب" كذلك فظاعاته في القرى الإفريقية وفي تعامله مع من كان يتاجر بهم من الرقيق. (انظر مثلاً: Islam Black slaves، من تأليف 2001، Ronald segat، ص157 مثلاً).
وفي هذا الكتاب فصل كامل 145-162 عن دور التجار العرب والخليجيين في مجال الرق في شرقي إفريقيا، وهناك كذلك بالطبع تقارير اللجان البريطانية التي كانت تحارب الرق والكثير من المقالات في الصحافة الإنكليزية وربما الأميركية مثل Harpers.
اعتمد بعض تجار العرب على أصحاب رأس المال الهنود لتمويل تجارتهم في العاج، وفي كسب ولاء زعماء القبائل، وكان الممولون الهنود يرحبون بهذا الاستثمار لارتفاع العائد، وبخاصة بعد منع تجارة الرقيق، وبعد اعتماد سلاطين زنجبار عليهم في تمويل تجارتهم، كما رهن البعض مزارعهم للتجار والمرابين الهنود بفوائد فاحشة، حيث استحوذ الهنود مع الوقت على الكثير من الإقطاعيات الزراعية، وصاروا يتحكمون في الأسعار في عدة مجالات.
ما دور العرب في عملية اصطياد الفيلة؟
ينفي الباحث مشاركة العرب في صيد الفيلة "ولم يُعرف عنهم امتهانهم لهذه المهنة. والدراسات حول مساهمة العرب في تجارة العاج توضح بجلاء أنهم ظلوا بعيدين عن استخدام السلاح في صيدها، بعد أن اقتصر دورهم على شراء العاج".
وعن مصير الفيلة يضيف د. تركي: "ومما لا شك فيه أن ازدياد أهمية العاج وانتشار عملية صيد الفيلة كادت تقضي على مصدر العاج نفسه، وتتسبب في انقراض الفيلة، ولهذا لجأت مؤسسات ومنظمات عالمية لتجريم صيد الفيلة من أجل أنيابها بهدف المحافظة عليها في المحميات الإفريقية، وقد حققت تلك التشريعات واللوائح نجاحا محدودا سمح بتنظيم محميات طبيعية تسمح للفيلة بالتكاثر في السنوات الأخيرة".
ومع مرور الوقت أصبح السلاح جزءاً أساسياً من قيمة العاج، مما أدى إلى تصاعد أعمال العنف بشرق إفريقيا واتساع عملية إبادة الفيلة، كما أن التجار العرب الذين تعاملوا في الداخل مع الكيانات السياسية "أصبحوا مصدراً من مصادر قوتها، لقيامهم على توفير الأسلحة لها".
ولهذا أصبح بعض هؤلاء التجار تدريجياً، يضيف د. تركي، "من المستشارين المقربين لهؤلاء الملوك، في الوقت الذي كان فيه ملوك مناطق أخرى- كمنطقة بوروندي- ينفرون من العرب، ولا يسمحون لهم بالاقتراب من حدودهم".
هل عرف عرب زنجبار "المحظيات" والجواري"؟ سنرى ذلك في المقال القادم.
No comments:
Post a Comment