موقع الإسلام الدعوي
الاثنين 3 ذو الحجة 1432
الاثنين 3 ذو الحجة 1432
مجموعة دول شمال شرقي أفريقيا وشرقها: (إثيوبيا ـ إرتريا ـ أوجادين وأوروميا ـ كينيا ـ تنزانيا ـ زنجبار ـ أوغندا ـ موزمبيق ـ ملاجاش ـ موريشيوس ـ ريونيون ـ سيشل)
يرتبط الحديث عن تنزانيا بالأحداث المؤلمة التي وقعت في زنجبار في سنة 1964م، وأعقبها إعلان ضم زنجبار عنوة إلى تنجانيقا في اتحاد يحمل اسم تنزانيا، قام على أشلاء 23 ألف عربي من أبناء زنجبار قتلوا في الانقلاب الذي حدث بالجزيرة في (12 يناير سنة 1964م)، وتتكون كلمة زنجبار من (زنج) وهي كلمة عربية تطلق على بعض السلالات الأفريقية، و(بار) وهي كلمة فارسية ويقصد بها الساحل، وهكذا تعني زنجبار (ساحل الزنج)، وقد أطلقه العرب على كل ما عرفوه من ساحل شرقي أفريقيا.
الموقع والأرض:
تشمل زنجبار جزيرتي زنجبار وبمبا وعددًا آخر من الجزر الصغيرة، وتصل جملة مساحتها حوالي 2.460 كيلو مترًا مربعًا، والجزيرة الكبرى (زنجبار) تبعد عن الساحل الأفريقي بحوالي 35 كيلو مترًا، ويصل طولها 85 كيلو مترًا وعرضها حوالي 40 كيلو مترًا، أما الجزيرة الثانية (بمبا) فيبلغ طولها قرابة 78 كيلو مترًا وعرضها 23 كيلو مترًا، ولا تبعد كثيرًا عن الساحل الأفريقي، ويتكون أغلب سطح الجزيرتين من الرواسب المرجانية، ويمكن رؤية الساحل الأفريقي من الجزيرتين.
وموقع الجزيرتين يمتد بين دائرتي العرض الخامسة، والسابعة جنوبي الدائرة الاستوائية أمام ساحل شرقي أفريقيا المطل على المحيط الهندي، وتفصلهما قناة زنجبار عن اليابس الأفريقي، وتتصف أرض الجزيرتين بعدم وعورة التضاريس فيسودهما المظهر المنبسط، والمناخ السائد شبه استوائي، لطف من أحواله الموقع الجزري وسط المحيط الهندي، فعدل من الحرارة وزاد من تساقط الأمطار، غير أن الرطوبة المرتفعة والمطر يسقط معظم شهور السنة.
السكان والنشاط البشري:
يعيش بالجزيرتين قرابة 700 ألف نسمة، نصفهم من الشيرازيين، وربعهم من العرب، والباقي من الأفريقيين، ومعظمهم يعمل بالزراعة كحرفة أولى للسكان، وأهم الحاصلات القرنفل وقد أدخلت زراعته مذ عدة قرون، ويعتبر أهم الحاصلات النقدية لزنجبار، ويوجد حوالي 3 ملايين شجرة من القرنفل في جزيرة بمبا، وحوالي مليون شجرة في جزيرة زنجبار، وتمثل هذه المنطقة المصدر الأساسي للقرنفل في العالم، وإلى جانب هذا يزرع النرجيل والأرز وبعض الحاصلات الأخرى كالذرة، وقصب السكر.
كيف وصل الإسلام زنجبار؟
تاريخ الإسلام بهذه المنطقة مرتبط بوصول الهجرات العربية والشيرازية، إلى شرقي أفريقيا في نهاية القرن الهجري الأول، ومن أوائل الهجرات هجرة من قبيلة الأزد في سنة 95هـ وهجرة من قبيلة الحارث، ثم تلتها هجرات من الشيرازيين، وهكذا نقلت هذه الهجرات الإسلام إلى شرقي أفريقيا في وقت مبكر، وأصبحت زنجبار القطب الرئيسي لانتشار الدعوة الإسلامية في شرقي أفريقيا مع مرور الزمن، وانتقل منها إلى داخل القارة الأفريقية، وتأسست إمارات إسلامية على طول الساحل الأفريقي من الصومال شمالًا إلى موزمبيق جنوبًا، وظهرت دول إسلامية بشرقي أفريقيا، منها دولة الزنج وكانت مدينة كلوة عاصمتها.
وبدأت مرحلة جديدة من تاريخ الإسلام بالمنطقة، وذلك عندما تصدت عمان لمقاومة النفوذ البرتغالي بشرقي أفريقيا، وخاضت حربًا شرسة ضدهم، وتمكن العمانيون بقيادة أسرة آل بو سعيد من تقليص نفوذ البرتغال بشرقي القارة، وبدأت نقطة تحول في تاريخ شرقي أفريقيا، بقيام سلطنة زنجبار في عهد السلطان سعيد، ونقل عاصمته من عمان إلى زنجبار، وقامت أول دولة آسيوية أفريقية، وأخذ الإسلام يتوغل مع قوافل التجارة إلى داخل القارة الأفريقية، وظلت الدولة الإسلامية في زنجبار تنعم بالاستقرار حتى ظهر الاستعمار الأوربي مرة أخرى بالمنطقة، فنفذت السياسة الاستعمارية إلى دولة آل بو سعيد، واقتسمت كل من بريطانيا وألمانيا شرق أفريقيا، وكانت زنجبار من نصيب بريطانيا إثر هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، واستقلت زنجبار في سنة 1383هـ - 1963م.
الانقلاب الدامي:
تكون حزبان سياسيان في زنجبار قبل استقلالها وفقًا لسياسة بريطانيا: حزب زنجبار الوطني في سنة 1375هـ / 1955م وقام على أساس العضوية المفتوحة لكافة المواطنين من كل جنس، وكان سكرتيره العام علي محسن، ثم الحزب الأفروشيرازي، ورأسه عبيد كرومي، وظهر على حلبة الصراع حزب ثالث، وهو حزب الشعب برئاسة محمد شامت، وهكذا نجحت بريطانيا في تفتيت وحدة الجزيرة بإثارة العصبية العنصرية بين القوميات الثلاث التي يتكون منها سكان الجزيرة، وخلال هذا الصراع زار الجزيرة جوليوس نيرري رئيس حزب تانو في تنجانيقا، ونجح في ضم الأفريقيين والشيرازيين في حزب واحد هو الحزب الأفروشيرازي نفسه، على أنه حزب الفقراء المدافع عن القومية الزنجبارية، وفاز في الانتخابات الحزب الوطني بـ12 مقعدًا، وحزب الشعب بـ6 مقاعد، والحزب الأفروشيرازي بـ13 مقعدًا، وأعلن استقلال زنجبار في (9 ديسمبر سنة 1963م).
وفي (12 يناير سنة 1964م)، قام الحزب الأفروشيرازي بثورة مسلحة، وخلع سلطان زنجبار جمشيد بن عبد الله خليفة، وتوالت أحداث الانقلاب الدامي، ففي (ليلة 12 يناير سنة 1964م) وصلت ميناء زنجبار باخرة تحمل أسلحة لثوار أنجولا، وموزمبيق، وكانت وجهتها دار السلام بتنجانيقا، فحولت إلى ميناء زنجبار، وبترتيب خاص استولى اتحاد عمال زنجبار وبمبا المنشق عن الحزب الوطني بزعامة عبد الرحمن بابو، وأقاموا حزب الأمة، واستولوا على الأسلحة من الباخرة، ووزعوها داخل الجزيرة، وكان انفصال حزب الأمة عن الحزب الوطني إخلالًا بميزان القوة بالجزيرة، وساعد هذا على استيلاء الحزب الأفروشيرازي على السلطة.
تطورات الأحداث:
بدأت بمظاهرات وتجمعات صغيرة في أنحاء الجزيرة، وأخذت تتجه إلى قلب العاصمة في طريقها إلى قصر السلطان، وقاد المظاهرة عبيد كرومي، ولقد بدأ التخطيط لهذه الأحداث في تنجانيقا، حيث تسلل من دار السلام نحو 600 شخص بمراكب الصيد إلى زنجبار، وتوافرت الأسلحة عن طريق الاستيلاء على حمولة الباخرة الجزائرية (ابن خلدون) كما سبق فتوجهت إلى زنجبار بأمر وزير خارجية تنجانيقا (كميونا)، وكان رئيس لجنة تحرير أفريقيا، ولقد شاركت بريطانيا في هذه المذبحة بالتدبير، حيث عمد رئيس شرطة زنجبار البريطاني إلى تسريح الضباط الوطنيين في عطلة نهاية الأسبوع وأخفى مفاتيح مخازن السلاح، وهكذا كان التدبير المبيت لأحداث الانقلاب.
ولقد سادت الفوضى مراحل الانقلاب التي استغرقت 12 ساعة، فكان قتل الأطفال والنساء والشيوخ العرب أمرًا عاديًا، وهجم المتظاهرون على قصر السلطان والحامية التي كانت تقوم بحراسته، وتمكنوا من دخول القصر بعد أربع ساعات، ولجأ السلطان إلى سفينة بريطانية حملته إلى بريطانيا، وقاوم على مسحن غير أنه هزم ولم يعرف مصيره، وأسفرت المجازر عن قتل 23 ألف عربي بجزيرة زنجبار، وتولى الحكم كرومي زعيم الحزب الأفروشيرازي، وظل يحكم زنجبار ممثلًا لاتحاد تنزانيا، والذي أعلن بعد الانقلاب في 26 أبريل سنة 1964م، وفي سنة 1392هـ - 1972م، اغتيل عبيد كرومي في مقر الحزب بزنجبار، ونفذ الاغتيال الضابط محمود علي سيف وهو شقيق إحدى زوجات كرومي من أصل عربي، وتولى الحكم عبود جمبي النائب الثاني لعبيد كرومي، ثم تولى الحكم بعده علي حسن الذي أصبح فيما بعد رئيسًا للجمهورية التنزانية، ثم خلفه إدريس عبد الوكيل.
أسباب الانقلاب:
تعود الأسباب لعدد من العوامل بعضها خارجي، والبعض الآخر داخلي، أو قد تعود إلى الميراث التاريخي لسكان زنجبار.
أما الأسباب الخارجية فترجع إلى ظروف استعمار المنطقة، واقتسام النفوذ فيها بين قوى مختلفة، فلقد لعب التنافس الاستعماري دورًا هامًّا في هذا، ورغم اختلاف القوى الاستعمارية إلا أنها كانت متفقة على تنشيط التنصير المسيحي وحمايته، ونجحت في هذا إلى حد جعل معظم حكام شرقي أفريقيا من تلاميذ الإرساليات، وانعكس هذا الأمر على علاقة السكان ببعضهم، ولقد أثارت هذه السياسة النعرة العنصرية، واستخدم الاستعمار وما تبعه من بعثات تنصيرية أساليب ملتوية لإثارة التفرقة العنصرية، فلقد اتهموا المسلمين بارتكاب فظائع تجارة الرقيق وممارستها بين الشعوب الأفريقية، وهذا اتهام ضد المسلمين يتسبب في غضب الشعوب الأفريقية، واستغلت البعثات التنصيرية هذا بمهارة، فلقد أفاضت المؤلفات الأوربية في تلفيق تهم تجارة الرقيق، وهي عقدة أفريقيا النفسية.
وفي مدينة زنجبار كنيسة قديمة مقامة في أحد الميادين القريبة من قصر السلطان، لا بد للسائح من زيارتها، ليعرف قصتها. كما أرادها المنصرون، فلقد نسجوا حولها قصة، ملخصها: أنها أقيمت مكان سوق الرقيق الذي أغلق في سنة 1883م، ويرمز وجودها إلى دور التنصير في إلغاء تجارة الرقيق، وزيادة في إتقان هذا الدور أن الصليب القائم على يسار الهيكل بداخلها صنع من الشجرة التي حددت قبر ليفنجستون، ولقد نسي هؤلاء أن الإسلام دين المساواة، والعدو الأول للتفرقة بين البشر، وتحول قصر السلطان في زنجبار إلى متحف يهدف إلى تشويه تاريخ العرب المسلمين في شرقي أفريقيا، وأطلق عليه (قصر العجائب)، فماذا يحتوي هذا المتحف؟ يضم مجموعات من الصور واللوحات تحمل الكراهية وتبثها بين المسلم الأفريقي والمسلم العربي. فبعضها تصور مجموعة من الأفارقة المكبلين في الأغلال تجرهم الخيول إلى أسواق الرقيق، وأخرى تصور أحد الحقول الزراعية ويعمل بها الأفارقة والسياط تلهب ظهورهم، والفاعل وفقًا للوحة عربي، وأخرى تمثل عربة يجرها الأفارقة ويجلس عليها عربي وحوله أسرته، وهكذا الدس الرخيص لبذور التفرقة بين المسلم وأخيه، وتحول هذا النشاط الدعائي إلى رصاص وجه إلى صدور العرب في زنجبار، واستطاعت الدعاية المغرضة أن تحمل العرب وحدهم مسئولية تجارة الرقيق، بينما لم يكن للعرب أي ذنب في نقل ملايين الأرقاء من أفريقيا إلى العالم الجديد، وهم الآن عشرات الملايين في الأمريكتين ومنطقة البحر الكاريبي.
ومن الأسباب الخارجية أطماع الدول الأفريقية التي استقلت حديثًا في شرقي أفريقيا، فلقد زاد التنافس بين كينيا وتنجانيقا لضم زنجبار، ورغب جوموكينياتا في أن تتحد زنجبار مع كينيا، ولكن رفض عبيد كرومي معللا رفضه بسبب النفوذ البريطاني في كينيا، وشجعه نيرري على ذلك، ولهذا خطط نيرري للانقلاب الدامي، وفازت تنجانيقا بالاتحاد، ويضاف إلى الأسباب الخارجية لحدوث الانقلاب الدامي في زنجبار تجاهل بريطانيا لما كان يحدث بل شاركت فيه.
ومن الأسباب الداخلية، أخطاء سلطان زنجبار في سياسة حكمه للطوائف المختلفة من السكان وفتح ميدان التنصير دون رقابة، وتغلغل نفوذ المنصرين والسماح لهم بتشويه تاريخ العرب بالجزيرة وشرقي أفريقيا، مما زاد فجوة الخلاف بين مختلف الطوائف، والتعاون مع السلطات البريطانية دون قيد أو شرط مما جعل الحزب الأفروشيرازي يربط بين الأسرة الحاكمة في زنجبار والاستعمار البريطاني، وتحمل 23 ألف قتيل من العرب أخطأ غيرهم، ولو لاحظنا أن عدد سكان دولة زنجبار كان حوالي 300 ألف، وأن العرب يشكلون ربع سكانها، أدركنا أن ثلث السكان العرب في زنجبار قد ذهبوا ضحية الانقلاب، وهذه خسارة فادحة تمثلت في قتل الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ.
ورغم أن الغالبية العظمى من سكان زنجبار يعتنقون الإسلام، والشريعة السمحاء تناهض التفرقة العنصرية، وتساوي بين الناس، وأكد الإسلام هذا الهدف النبيل، إلا أن الحقد الذي أثاره المنصرون طغى على النفوس وأعمى القلوب فجعل المسلم الزنجباري يقتل أخاه المسلم.
ومن الملاحظ أن زنجبار تتمتع بأغلبية إسلامية، فعدد المسيحيين بها لا يتجاوز 5%، ولكن إمكانيات البعثات التنصيرية المتفوقة جعلت منهم أقلية ذات شأن تحت سياسة العلمانية التي تتبعها تنزانيا، فهناك كنيسة لكل 100 مسيحي، وهذا توسع كنيسي ليس له ما يبرره في دولة إسلامية، ولا يتلقي المسلمون في زنجبار أية مساعدة من الحكومة، وذلك بسبب علمانيتها، لهذا يعتمدون على جهودهم الذاتية في تدبير شؤون دينهم.
ماذا بعد الانقلاب الدامي؟
بعد أن قتل عبيد كرومي تولى حكم زنجبار عبود جمبي كنائب لرئيس جمهورية تنزانيا، وسار في طريق إصلاح ما أفسده كرومي مما أثار غضب نيريري وحزبه، فوضعوا العراقيل والمتاعب في مواجهة جمبي، فاضطر إلى تقديم استقالته، وتولى حكم زنجبار بعده علي حسن الذي أصبح فيما بعد رئيس جمهورية تنزانيا، وعين بعده إدريس عبد الوكيل، ورأس الوزارة سيف شريف، وسعى رئيس الوزراء إلى العديد من الإصلاحات في زنجبار، وأخذ يجتهد لإعادة الهيكل الإسلامي لزنجبار مما دفع نيريري وحزبه إلى إقالة سيف شريف وتقديمه للمحاكمة بتهمة محاولة فصل زنجبار، وحاولت السلطات التنزانية تغيير الملامح الإسلامية لزنجبار مما دفع إلى قيام ثورة الشباب الزنجباري، وقتل البعض برصاص التنزانيين وسجن البعض الآخر، ودخل سيف شريف السجن بحجة محاولة فصل زنجبار عن الاتحاد، ويطالب شعب زنجبار الاستفتاء على الانفصال عن تنزانيا.
No comments:
Post a Comment