إلهام محمد علي ذهني، ط1.
القاهرة: مكتبة الأنجلو المصري، 2009.
الفصل الثامن: سياسة فرنسا التوسعية في شرق أفريقيا في النصف الثاني من القرن 19
أولا: جزيرة مدغشقر
استطاعت فرنسا في تاريخ الاستعماري في العصر الحديث، أن تكون امبراطوريتين الأولى بدأت في القرن السابع عشر، وقوضت أركانها بعد هزيمة فرنسا ونابليون بونابرت عام 1814، وكان ميدان النشاط الفرنسي خلال هذه الفترة هو العالم الجديد، والهند، وجزر المحيط الهندي (ايل دي فرانس، ويوريون) (1)، وقد اشتد خلال هذه الفترة التنافس بين فرنسا وبريطانيا، وتزايد هذا التنافس في القرن الثامن عشر سواء في العالم الجديد، أو القديم واستطاعت بريطانيا أن تتفوق على فرنسا خلال حرب السنوات السبع التي انتهت عام 1763، وفقدت فرنسا على اثرها مستعمرتي كندا ولويزيانا، وغيرهما من ممتلكاتها في أمريكا الشمالية ومعظم ممتلكاتها في الهند، ولم يبق لفرنسا الا جزر الأنتيل في الهند الغربية، وبعض المراكز التجارية على ساحل الملبار وجزيرتي ايل دي فرانس ويوريون في المحيط الهندي (2) كما ذكرنا من قبل.
لعب حكام جزيرتي يوريون وايل دي فرانس دورا هاما خلال هفترة التنافس الاستعماري الفرنسي البريطاني في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، فاستماتوا في الدفاع عن مصالح فرنسا في المحيط الهندي، ومن أشهر هؤلاء الحكام ديكان الذي عرفه بميوله الاستعمارية ، وأفاد من علاقته الوطيدة مع وزير البحرية الفرنسي دوكريه لتدعيم نفوذ بلاده في المنطقة، فكتب الى حكومته يحثها على ضرورة المحافظة على هيبتها، الا أنه عجز رغم جهوده عن توجيه ضربة فعالة ضد التواجد البريطاني وذلك لضعف امكاناته، فطلب مقابلة الامبراطور نابليون بونابرت والح عليه في زيادة عدد السفن المخصصة لجزيرة بوريون وبلغ من شدة حماسه لنشر نفوذ بلاده أن أطلق على الجزيرة اسم جزيرة بونابرت (3). وعندما ضيق البريطانيون الحصار على المنطقة اتصل بحكام مسقط لاستخدام السفن العمانية في الاتصال بالهند، لأن جميع وسائل الاتصال بين المستعمرات الفرنسية ومراكز تموينها في الهند كانت مقطوعة (1).
وقد استجاب حكام مسقط للفرنسيين واتجه السيد سعيد لعقد معاهدة مع الفرنسيين في عام 1807 ولكنها لم تخرج الى حيز التنفيذ فقد ركز نابليون اهتمامه على تطبيق الحصار القاري، ولذلك اتجه السيد سعيد الى بريطاينا كلية بعد استيلائها على ايل دي فرانس (مورشيوس) (2).
ولا جدال في أن الحصار القاري أصاب كافة الدول الاوروبية بضائقة مالية شديدة وعانت فرنسا من الحصار القاري وخاصة من الناحية الاقتصادية أكثر من معاناة انجلترا التي لم يحدث فيها أزمة مستعصية أو هزة شديدة، بينما كان الحال على العكس من ذلك بالنسبة لفرنسا، كما أن اتساع مساحة الامبراطورية الفرنسية حمل نابليون على أعباء عسكرية ضخمة مما دفعه الى تكتيل جهوده في اوروبا (3).
وبانتهاء الحروب النابليونية تمكنت بريطانيا من دعم سيطرتها البحرية في المحيط الهندي، باستيلائها على مستعمرة الرأس وسيلان، وسيشل، وايل دي فرانس، وكان الفرنسيون يتخذون من الأخيرة قاعدة لمهاجمة السفن البريطانية في المحيط الهندي، وعبر أحد الضباط المعاصرين عن أهمية هذه الجزيرة للمشروعات الفرنسية في المحيط الهندي بقوله: "بما أن جبل طارق هو مفتاح البحر المتوسط فان الفرنسيين يعتبرون اي دي فرانس مفتاح المحيط الهندي"، ومن هنا جاء سقوطها في يد بريطانيا عام 1810 ايذانا بانحسار النفوذ الفرنسي في المحيط الهندي (4) والواقع أن هذه الجزيرة وقفت حجر عثرة أمام المصالح البريطانية في الهند فقد اتخذت منها فرنسا قاعدة للاتصال بالقوى الوطنية في بحار الشرق (5).
ولكن رغم سقوط اي دي فراسن الا أن الفرنسيين لم يطردوا نهائيا من المحيط الهندي فقد سمحت لهم تسوية 1814-1815 بالاحتفاظ بمركز لهم على ساحل الهند الغربي في ماهي. ومعنى ذلك أن الوجود الاستعماري الفرنسي كان لا يزال قائما في القسم الغربي من المحيط الهندي، وبالرغم من أنه لم يكن من المستبعد أن تستعيد أجلا أو عاجلا قوتها ومطامعها الاستعمارية وهو ما حدث (1)، فقد سمح لفرنسا بالاحتفاظ بجزيرة بوريون وبعض المراكز في جزيرة مدغشقر والتي قدر لها أن تلعب دورا هاما.
وجدير بالذكر أن جزيرة مدغشقر رغم تزايد اهميتها بالنسبة للاوروبيين منذ القرن الثامن عشر، إلا أنها لم تلعب في مجال اكتشاف القارة الأفريقية الدور الذي يتناسب مع عظيم مساحتها، فلم تلعب الدور الذي لعبتها بعض جزر ساحل شرق أفريقيا مثل زنجبار، وبمبما، وهي جزر استخدمت في بعض الأحيان في عصر الكشوف الجغرافية كموثب للداخل، ولكن من الانصاف أيضا أن نذكر أن معظم جزر ساحل أفريقيا الشرقي لم تلعب دورا حيويا في اكتشاف القارة، وهذه الظاهرة التي تنفرد بها جزر أفريقيا ترجع أساسا الى صغر حجمها (2).
أما مدغشقر فهي أحد أكبر أربع جزر في العالم، تمتاز باتساع مساحتها التي تبلغ 590.000 كم2 ولكن رغم اتساعها الا أنها انعزلت عن اليابس الأفريقي بسبب تيار موزمبيق الذي كان له أكبر الاثر في هذه العزلة، كذلك بسبب بعدها عن الساحل الأفريقي بنحو 400 كم (مضيق موزمبيق)، ولذلك فالدور الذي لعبته في مجال الكشوف الجغرافية لا يقاس بالدور الذي لعبته جزيرة زنجبار والتي كان لها أثر كبير في استعمار المناطق الشرقية من أفريقيا فكانت للتوسع في افريقيا الشرقية ابان فترة السيطرة الاستعمارية على القارة. أما مدغشقر فقد مثلت فائدة كبيرة للاوروبيين وخاصة الفرنسيين كقاعدة في الطريق المؤدي الى الهند ومركز لهم في القسم الغربي من المحيط الهندي (3).
اكتشف البرتغاليون جزيرة مدغشقر، وأشار اليها بيترو دي كوفيلهام أثناء رحلاته المتجددة الى الهند، ولكن سرعان ما حذت الدول الاوروبية حذو البرتغال، فوصل الى الجزيرة العديد من الرحالة والوقاد وأعضاء البعثات التنصيرية، الذين انتموا لجنسيات مختلفة وفي عام 1529 حاول بعض القواد الفرنسيين اكتشاف الجزيرة ومن أهم هؤلاء جان راوؤل برمنتيه، ولكنهما تعرضا للهجوم من قبل الوطنيين فأثروا الانسحاب، وفي عهد الملك فرانسوا الأول، وصل القائد الفرنسي جان فونتيني الى الجزيرة عام 1547 فكتب تقريرا ذكر فيه بعض مواقفها الهامة كذلك وفدت على الجزيرة عدة بعثات اوروبية منها بعثة دانماركية وصلت في عام 1548 ولكنها عجزت عن مزاولة عملها بسبب عداء السكان وتم قتل أفراد هذه البعثة (1).
وقد تزايدت أهمية الجزيرة في القرن السابع عشر باعتبارها محطة هامة في الطريق المؤدي الى الهند، مما دفع القواد البريطانيون في المنطقة الى لفت أنظار حكومتهم اليها فبالغوا في تقدير ثرواتها وألحوا على ضرورة اتخاذها مستعمرة بريطانية (2). فقد وصف سير توماس هربرت جزيرة مدغشقر بأنها امبراطورية بين الجزر، ووصفها الادميرال وليم منسون بأنها تنافس مستعمرة فرجينيا ودعا لاستغلال ثرواتها. كما حدث الايرال اروندال حكومة بلاده على ضرورة اتخاذها مستعمرة بريطانية، وقد استجاب الملك شارل الأول لآراء المقربين منه وخاصة وليم كورتين الذي نصحه بتكوين مستعمرة في مدغشقر فمنحه الملك حق التجارة، وانشاء الوكالات التجارية، فأثارت هذه الامتيازات حكام شركة الهند الشرقية البريطانية في الجزيرة على المناطق القريبة من الساحل، مثل خليج سانت أوجستين وفي جزيرة نوسي بي (3).
وكما اهتمت بريطانيا بجزيرة مدغشقر، فان فرنسا أولتها هي الأخرى اهتماما كبيرا فسعت للسيطرة عليها ، وأرسل ريشيليو القائد الفرنسي لي سيور ريجوت الى مدغشقر عام 1642 وأصدر تعليماته الى القائد برونيس باحتلال الجزيرة وحصل الفرنسيون على الموافقة من زعيم المنطقة على بناء حصن دوفان في جنوب شرق الجزيرة (1).
وفي الفترة الواقعة بين أعوام 1642 حتى 1674 تركز النشاط الفرنسي في جنوب الجزيرة، ولكن رغم كل هذه الجهود الا أنه لم تكن هناك معلومات مفصلة عنها حتى منتصف القرن السابع عشر عندمانشر فلاكور كتابه الشهير عن تاريخ الجزيرة (2) في عام 1658، فقد قام بزيارة المنطقة في الفترة ما بين 1642 حتى 1655 وتعرف على الزعماء الوطنيين فيها وارتبط معهم بعلاقات صداقة. فكان كتابه من أهم المصادر التي اعتمد عليها الاوروبيون للتعرف على الجزيرة (3).
ورغم الجهود السابقة التي بذلها القواد والرحالة الفرنسيون الا أن الحكومة الفرنسية أصدرت تعليماتها في عام 1674 بهجر حصن دوفان بسبب عداء الأهالي وتكرار اعتدائهم عليه، الا أن الملك لويس الرابع عشر أصدر مرسوما في عام 1675 باعادة العمل في الحصن (4).
وجدير بالذكر أن جزيرة مدغشقر جذبت القراصنة للعمل فيها، فوفد عليها عدد كبير منهم، وانتموا لجنسيات مختلفة وتركز نشاطهم في الجزيرة في الفترة ما بين 1685-1730 وقد فود على مدغشقر القراصنة البريطانيون والفرنسيون الذين جاءوا الهيا من جزر الأنتيل ومن نيوانجلند وبيرو، وتزوج البعض منهم من الوطنيات فأتاحت لهم هذه الزيجات حكم بعض المناطق، ومن أشهر هؤلاء القراصنة الكابتن كيد ، وافيري وقد أصبح للأخير نفوذ كبير في المنطقة فكتب عن اكتشافاته في المحيط الهندي، وقد عاش هؤلاء القراصنة في مجتمعات صغيرة، فكانت لهم قوانينهم الخاصة ونظمهم، واشتهروا بالقسوة واستخدام العنف وقد أفادت فرنسا من القراصنة الفرنسيين الذين أسدوا اليها الكثير من الخدمات فعندما ارادت تدعيم سيطرتها على الجزيرة قاموا بتسليم أسلحتهم اليها (1).
ولقد ارتبطت جزيرة مدغشقر طوال القرن الثامن عشر بحكام بوريون وايل دي فرانس فكان هناك اتصال دائم بين هذه الجزر بعضها ببعض، مما أدى الى دعم العلاقات التجارية بينهم، وقد عمل الحكام الفرنسيون على تركيز النفوذ الفرنسي في الساحل الشرقي من مدغشقر وخاصة في فول بوانت وفيدريف (2). كذلك طلب هؤلاء الحكام من الحكومة الفرنسية ضرورة بسط سيطرتها على الجزيرة مؤكدين أهميتها الاستراتيجية (3).
ومن أبرز الشخصيات التي لعبت دورا هاما في مدغشقر خلال القرن الثامن عشر كل من مونداف والبارون بينيوفسكي فقد استطاع الأول أن يقوي النفوذ الفرنسي في حصن دوفان وظل يراسل وزارة البحرية الفرنسية لاقناعها بدعم سيطرتها على الجزيرة خلال أعوام 1771-1772 وكتب الى وزير البحرية بأنه يحتاج الى ثلاثمائة رجل فقط ليحول الجزيرة الى مستعمرة فرنسية حقيقية مثمرة، وسوف ترون في وقت قصير اقليم شاسع يتحول بأكمله الى المسيحية (4) أما البراون بينيوفسكي فقد عهد اليه وزير البحرية انشاء مركز فرنسي في مدغشقر، ولكن البارون أراد أن يكون لهذا المركز طابعا عسكريا، فعمل على تقوية صلاته مع الزعماء الوطنيين، واهتم بالزراعة واختار خليج انتوجيل لاقامة المركز الفرنسي وذلك في عام 1774 كما كتب الى الملك لويس الخامس عشر يؤكد له ضرورة اقامة مستعمرة فرنسية في مدغشقر، وطلب منه أن تكون الجزيرة مستعمرة منفصلة عن ايل دي فرانس ، وأنه من الافضل تحويلها الى مستعمرة بدلا من اقامة مركزا فرنسيا بها، ولكن ترجو الذي كان يتولى الاشراف على البحرية الفرنسية خلال هذه الفترة كتب اليه في عام 1774 بضرورة نبذ فكرة اقامة مستعمرة فرنسية في مدغشقر، وضرورة الالتزام بالتعليمات الصادرة اليه، وهدده باستدعائه اذا لم ينفذ الأوامر الصادرة اليه (1).
كذلك لفتت الجزيرة أنظار القواد البريطانيين العاملية في المنطقة فكتبروا بدورهم الى حكومتهم عن أهمية الجزيرة، وخاصة الأدميرال بلانكت الذي كان من المؤيدين لسياسة توسيع نطاق التجارة البريطانية وازدياد قوة بريطانيا البحرية فيما وراء البحار، فكتب أنه يعتقد أن الموانئ العربية بالجزء الشمالي من ساحل أفريقيا الشرقي لا تتمتع بقيمة بحرية او استراتيجية كبيرة ، بل يرى رجال البحرية الإنجليز أن مدغشقر والجزر المجاورة لها تفوق تلك الموانئ بالنسبة لمصاحل بريطانيا التجارية والبحرية في المحيط الهندي، وكان بلانكت بالذات شديد الاعجاب بحجم الجزيرة، وخوصبتها، ووفرة الماشية فيها، وكثر أسماكها، وخضرواتها، وفواكهها، وفي مذكرة رفعها الى اللورد كوسبري في عام 1879، اقترح فيها بأن تشتري بريطانيا من الأهالي مكانا مناسبا على ساحل مدغشقر، لاتخاذه مستعمرة لنفي المجرمين، وتنبأ بلانكت بأن تصبح مدغشقر مركزا تجارية واستراتيجيا ممتازا، ومن الممكن اتخاذه مستودعا، أو مخزنا للبضائع بين اوروبا وآسيا، ومكانا ترسو فيه جميع السفن الذاهبة الى الهند والآتية منها بهدف التموين، وأكد أنها ستصبح قاعدة بحرية في آية حرب مقبلة قد تخوضها بريطانيا في القسم الغربي من المحيط الهندي (2).
ورغم تقرير الأدميرال بلانكت الا أن الحكومة البريطانية لم تركز اهتمامها في المنطقة الا منذ بداية القرن التاسع عشر، أما الفرنسيون فقد حاولوا ارسال البعثات الى داخل مدغشقر للاستقرار فيها فقام بزيارة المنطقة دي مايو الذي تمكن من اختراق الجزء الشمالي من البلاد، كما تمكن من الوصول الى مملكة ايمرينا في الداخل وزار عاصمتها تاناناريف، وكتب عن التنظيم الاجتماعي فيها، ودخل في عام 1785 في مفاوضات مع ملك الوفا لانشاء مركز فرني في البلاد، كذلك قام دومير في الفترة ما بين أعوام 1782-1795 بزيارة تاماناف الواقعة على المحيط الهندي حتى وصل ماجونجا على قناة موزمبيق، وفي عام 1791 زار مدغشقر دانيل دي ليسكليه بتكليف من حاكم بوربون فتجول في المناطق الساحلية وكتب تقريرا بوضع الجزيرة تحت الحماية الفرنسية (1).
وعلى الرغم من توافد الرحالة والبعثات الى داخل جزيرة مدغشقر طوال القرن الثامن عشر، ومحاولات الفرنسيين الاستقرار فيها، الا أن السيطرة الفعلية لم تتم بسبب عداء الوطنيين، فكثيرا ما كان القادة والحكام الفرنسيين يضطرون الى التخلي عن المراكز التي أقاموها (2).
ولكن بوصول الحاكم الفرنسي ديكان الى جزيرة اي دي فراسن بدأ عهد جديد في المنطقة، فقد عمل على تقوية العلاقات مع جزيرة مدغشقر، فحصل منها على الامدادات والمؤونة اللازمة له، كذلك ارسل البعثات الى الجزيرة للتعرف عليها والكتابة عنها، ورسال نابليون بونابرت في عام 1803 فكتب اليه أني أعمل على التعرف على مدغشقر التي عرف الفرنسيون قيمتها منذ عدة قرون، وقد أرسلت البعثات الى جنوب الجزيرة من أجل البحث عنمركز لاقامة المنشآت الفرنسية ، كما أني اعمل على دراسة الثروة الطبيعية فيها والسكان، وقد قويت بالفعل صلة مدغشقر بجزيرة ايل دي فرانس فترة حكم ديكان (3).
ولكن جهود ديكان كادت أن تذهب هباء بسبب تردد صدى الحروب النابوليونية في المحيط الهندي، واستيلاء بريطانيا على بعض المواقع الفرنسية الهامة، الا أنه بعد انتهاء هذه الحروب تم تسليم جزيرة سانت ماري الى الفرنسيين في 15 اكتوبر 1818 ، كمااستعادوا في 4 نوفمبر ميناء تنتنج وفي أول أغسطس استعادت فرنسا سيطرتها على حصن دوفان في الجزيرة، وفي 11 نوفمبر 1819 دعمت فرنسا سيطرتها على الجزيرة بأكملها (1). أما جزيرة ايل دي فراسن فقد تم تسليمتها الى البريطانيين وعين فركوهر حاكما عليها فعمل على مد النفوذ البريطاني خارج جزيرته وتطلع الى جزيرة مدغشقر وشجتعه الظروف الداخلية بالجزيرة على ذلك، وشهد القرن التاسع عشر منافسة شديدة بين كل من الدولتين فرنسا وبريطانيا للاستئثار بالجزيرة وانتهت هذه المنافسة في منتصف القرن التاسع عشر (2).
ولكي نتتبع الصراع الفرنسي في الجزيرة حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فلابد لنا أن نلقي الضوء على مملكة الاميرينا، أقوى ممالك مدغشقر (3)، خلال هذه الفترة، والتي تكونت من شعب الوفا، فقد تقربت كل من الدولتين الى حكام هذه المملكة، وأقامت كل منهما علاقات سياسية وتجارية معها (4).
وجدير بالذكر أن سكان مدغشقر ينتمون لعدة سلالات فمنهم من ترجع أصوله الى جنوب شرق آسيا والهند، وبالاضافة الى الزنوج والعرب الذين وصلوا الى الشاطئ الشرقي للجزيرة ونشروا الاسلام عن طريق التجارة والدعوة، وقد كتب عن المسلمين في مدغشقر جبريل فران الذي كان يعمل في المنطقة ابان الغزو الفرنسي فذكر أن المسلمين تركزوا في الساحل الجنوبي الشرقي من الجزيرة من أشهر القبائل الاسلامية قبيلة الانتيمورونا والتي استخدمت الأبجدية العربية وتركزت في المنطقة الواقعة قرب ماننجارا، وقد اشار فران الى وجود مساجد مشيدة في هذه المناطق وأن السكان فيها يؤكدون أنهم ينتمون لسكان مكة، كذلك تركز المسلمون في الشمال الغربي من الجزيرة وفي الساحل الغربي وخاصة في ماجونجا التي استخدم سكانها الأبجدية العربية ، كما انتشر الاسلام بين جماعات الساكالافا في الشمال مع بقاء عدد كبير من هذه الجماعات على وثنيته (1).
وعلى الرغم من وجود الجماعات والقبائل المسلمة في جزيرة مدغشقر الا أن الكثير منهم قد اختلطت عقائده بقطوس الوثنية، ولم تعرف هذه الجماعات الوحدة السياسية ولذلك وقع عبء مقاومة الاستعمار الفرنسي في مدغشقر علىعاتق مملكة الايمرينا وشعبها من الهوفا (2).
وضع الصراع الفرنسي البريطاني في عهد الملك راداما الأول (3)، الذي اتبع سياسة توسعية في الجزيرة، فسيطرة على مساحات شاسعة منها وكان الملك راداما الأول شغوفا بكل ما هو اوروبي، فتعلم اللغات الاوروبية واهتم بالتعرف على المخترعات الغربية (4).
توثقت صلة راداما بحاكم مورشيوس فركوهو الذي سعى لتدعيم نفوذ بريطانيا في الجزيرة، فكتب الى حاكم بوريون الفرنسي بأن بريطانيا هي وريثة حقوق فرنسا في مدغشقر، ولها حق التجارة فيها كما امتد طموحه الى المناطق الداخلية من الجزيرة، واتصل بمملكة الايمرينا وارسل عدة بعثات الى تاناناريف لكسب صداقة راداما الأول وعقد عدة معاهدات تجارية معه (5).
أرسلت البعثة الأولى برئاسة تاجر فرنسي يدعى شردنو الذي مجح في اقناع راداما بالفوائد التي تعود عليه من انضوائه تحت النفوذ البريطاين، مما يتيح له الفرصة لفتح بلاده أمام الحضارة الاوروبية الحديثة وقد نجح شردنو في مهمته واصطحب أثناء عودته الى موريشيوس اثنين من أبناء راداما للتعلم فيها، أما البعثة الثانية فكانت برئاسة لي ساج (1).
وكان من أهم نتائجها توقيع معاهدة في 4 فبراير 1817 مع الملك راداما (2) أما البعثة الثالثة فكانت بقيادة هستي الذي نجح في اقناع راداما بالغاء تجارة الرقيق في مملكة الهوفا، مقابل تعويض سنوي تدفعه له بريطانيا (3). وقد واجه راداما معارضة كبيرة في بلاده نتيجة لقبوله توقيع المعاهدة في 23 اكتوبر 1817 وخاصة منق بل الأمراء، والتجار الذين كانت هذه التجارة مصدرا هاما من مصادر ثروتهم (4).
توترت العلاقة بين الفرنسيين والبريطانيين من جراء نشاط فركوهر في مدغشقر فارسل حاكم بوريون بعثة الى لندن عام 1816 لتوضيح حقوق فرنسا في الجزيرة تلك الحقوق التي عمل على تدعيمها سيلفان الذي عمل في مدغشقر لفترة طويلة منذ عام 1807، فأنشا الوكالات الفرنسية في فينريف، واتصل بالزعماء المحليين وعمل على تقوية علاقته معهم، كذلك اتسمت علاقتنه مع حكام مملكة الايمرينا بالود والصداقة، وحين استولت بريطانيا على جزيرة اي دي فرانس رفض التعاون مع حكامها وظل يمارس نشاطه في مدغشقر حتى استعادة فرنسا لمراكزها الساحلية في الجزيرة بعد تسوية 1815، وقد افاد رو بصلاته القوية مع زعماء مدغشقر بلاده، فوطد حكام بوريون صلتهم معه وازاء تزايد النفوذ البريطاني في مملكة الايمرينا كتب رو الى البارون بورتل في عام 1816 يقترح عليه ضرورة العمل على تدعيم السيطرة الفعلية الفرنسية في المنطقة (5).
والواقع أن على الرغم من جهود فركوهر في مدغشقر، إلا أن حكومته رفضت التوقيع على معاهدة هستي، فقد اعتبرت أن المبلغ المخصص لتعويض واداما الأول عن الغاء تجارة الرقيق مبلغ مبالغ فيه (1). كما أصدرت الحكومة البريطانية أوامرها الى فركوهو بارجاع الممتلكات التي ما كانت عليه في أول يناير 1792، ولكنه تمسك بأن الجزيرة كانت مستقلة، وانه لم يقم بانشاء وكالات بريطانية محل الوكالات الفرنسية التي كانت في المنطقة ، وأكد فركوهر أن سكان الجزيرة لديهم رغبة قوية في الابقاء على العلاقات التجارية بينهم وبين جزيرة موريشيوس (2).
انتهز حكام بوريون فرصة الحكومة البريطانية توقيع معاهدة هستي فتقربوا الى راداما وكتب البارون ميليس الى راداما أن ملك فرنسا يريد تدعيم العلاقات بين بوريون ومدغشقر، وذكره بأن هناك صلات تجارية قديمة بين الطرفين، منذ وصول سيلفان رو الى المنطقة، وأن علاقة مملكة الايمرينا بالفرنسيين أسبق من علاقتهم بفركوهر حاكم موريشيوس، وقد استجاب راداما للفرنسيين وسمح لهم بتدعيم مراكزهم على الساحل وفي سانت ماري، وفي عام 1819 وصل روبن من جزيرة بوريون الى تاناناريف وافتتح مدرسة فرنسية في مملكة الايميرينا، وأصبح لربون منزلة كبيرة في القصر الملكي حتى وفاة راداما (3).
وعلى الغرم من تقوية الصلات بين الفرنسيين ومملكة الايميرينا، الا أن اليأس لم ينتاب فركوهر حاكم موريشيوس فعاود الاتصال براداما، وأرسل هستي في بعثة ثانية اليه، أسفرت عن توقيع معاهدة في أكتوبر 1820، وعين فركوهر برادي مندوبا بريطانيا في مدغشقر (4). ولكن لم تمنع هذه المعاهدة الفرنسيين من مواصلة جهودهم في تدعيم مراكزهم في الجزيرة، فعاود سيلفان رو الاتصال بالزعماء المحليين، ونجح في اقناع زعماء فينريف، وفول بوانت بقبول التبعية الفرنسية وذلك في عام 1882 كذلك أرسل بعض القوات العسكرية الى فول بوانت، فغضب راداما من تصرفات رو، وقام في عام 1823 بمهاجمة الممتلكات الفرنسية في فول بوانت وتنتنج (1).
توفى سيلفان رو في عام 1823 فخلفه دي بلفاك الذي عمل على استئناف بناء الحصون الفرنسية في جنوب مدغشقر ، وأرسل الى راداما الأول مبعوثا للتفاوض معه، ولكن راداما رفض مقابلة المبعوث الفرنسي وأرسل الى دي بلفاك رسالة فحواها أنه قبل الاعتراف بحقوق فرنسا في سانت ماري، ولكن هذا لا يعني أن يحتكر الفرنسيون المنطقة، لأنه سيسمح لباقي الدول الاوروبية بالاستقرار في مملكته (2).
يلاحظ أنه على الرغم من توتر العلاقة بين راداما الأول والبريطانيين في موريشيوس، بسبب رفض حكومتهم توقيعه معاهدة هستي الأول والتي عقدت في عام 1817 وعلى الرغم من تأثر علاقته كذلك بالفرنسيين بسبب تصرفات سيلفان واتصالات الزعماء المحليين في مدغشقر، الا أن هذا التوتر لم يمنعه من استقبال البعثات التنصيرية المسيحية في بلاده، والسماح للاوروبيين بانشاء المدارس الأجنبية في اراضيه، كما أنه وافق على ادخال الطباعة في مملكته، واستبدال الحروف العربية بالحروف اللاتينية، كذلك استقدام الضباط البريطانيين والاوروبيين لتقوية جيشه، وقد أدى شغف راداما بالانفتاح على الحضارة الاوروبية الى فتح أبواب بلاده الى مصراعيها أمام التغلغل الأجنبي (3).
لقد اتسم عهد راداما الأول بالتنافس بين حكام بوريون الفرنسيين وحكام موريشيوس لتدعيم سيطرة بلادهم على مدغشقر، وفي الواقع أن راداما شجع هذا التنافس فقد استقبل المبعوثين البريطانيين ، كما استقبل أيضا الفرنسيين، وفضلا عن هذا فان هناك سمة أخرى هامة في فترة حكم راداما الأول الا وهي غزوه لأراضي مدغشقر وتوسيع حدود مملكته من قبل أن مملكة الايميرينا امتدت في وسط البلاد ولكن راداما قام بغزو مساحات شاسعة من مدغشقر فغزا الساحل الشرقي حتى ديجو سواريز وفي عام 1823 غزا ماننجاري، ثم اجتاح أراضي جماعات الساكالافا فيما بين 1824-1825، ووصل بحدود مملكته الى المناطق القريبة من قناة موزمبيق، ونتيجة لذه الحروب المتصلة مع جيرانه لقبه بعض الفرنسيين بأنه بونابرت مدغشقر (1).
وفي عام 1828 توفى راداما الأول لتخلفه على الحكم زوجته رانا فالونا الأولى التي اشتهرت بعدائها للاوروبيين وجاءت فترة حكمها مواكبة لنشاط فرنسا الاستعماري خلال عهد نابليون الثالث كما سنرى في الفصل الثاني.
واذا كانت فرنسا قد نشطت في جزيرة مدغشقر حتى منتصف القرن التاسع عشر فموقع الجزيرة الهام في الطريق المؤدي الى الهند، إلا أننا لا نلمس هذا النشاط بنفش القدر في جزرة القمر رغم قربها من مدغشقر، والتي كانت أقرب اليهم بحكم موقعها من جزر القمر، ولكن هذا لا يعني أن نشاط فرنسا كان منعدما في هذه المناطق، بل أننا نلاحظ أنه في عام 1842 وقعت فرنسا حمايتها على جزيرة مايوت، ولكن هذه الحماية كانت بناء على طلب حكام الجزيرة، أما باقي جزر القمر فقد فرضت عليها الحماية الفرنسية في فترة التكالب الاستعماري التي أعقبت انعقد مؤتمر برلين 1884/1885 (2).
جزيرة مدغشقر من منتصف القرن 19 حتى اعلان الحماية الفرنسية عليها
الملكة رانافالونا الأولى ومقاومة النفوذ الاوروبي:
تعرضت جزيرة مدغشقر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لمنافسة الدولتين الاستعماريتين فرنسا وبريطانيا، شأنها في ذلك شأن دول غرب وشرق أفريقيا ولعب تجار وقواد كل من الدولتين دورا هاما، ورئيسيا في هذا الصراع فحاولوا التقرب الى حكام البلاد، وخاصة حكام مملكة الايميرينا على اعتبار أنها أكبر قوة سياسية في الجزيرة لها تنظيمها السياسي والاجتماعي الواضح، واذا كنا قد رأينا جانبا من هاذ التنافس في عهد الملك راداما الأول، الا أن المنافسة كانت قد تزايدت بين الدولتين في عهد خلفاؤه الى ان وقعت الجزيرة بأكملها في يد فرنسا.
بعد وفاة راداما تولت زوجته الملكة رانافالونا الأولى (1) حكم البلاد، وقد اشتهرت هذه الملكة بالقوة والعنف، فعند توليها الحكم أمرت بقتل جميع منافسيها، ولذلك فر من البلاد حكام بعض المقاطعات واتجهوا الى جزر القمر خوفا من بطشها، فقد حكمت الملكة على معارضيها بالموت بالسم البطئ كذلك ألقت بهم من المناطق المرتفعة (2).
أبدت الملكة كراهية شديدة للاوروبيين، فاتبعت سياسة مخالفة لزوجها تماما، ولكنها لم تنجح في منع التغلغل الفرنسي في أراضيها، وذلك لعدة عوامل منها عوامل داخلية متعلقة بسياسة الملكة الداخلية تجاه معارضيها، الذين لجأوا الى طلب الحماية الفرنسية على أراضيهم خوفا من اكتساح قواتها لبلادهم، كذلك عوامل خارجية تتعلق بظروف فرنسا السياسية ، فقد واكب فترة حكم الملكة قيام حكومة لويس فيليب في فرنسا، واذا كانت هذه الحكومة لم تنتهج سياسة توسعية الا أن حكومة نابليون الثالث التي أعقبتها انتهجت سياسة توسعية في افريقيا، وانعكست تلك السياسة بطبيعة الحال على مدغشقر (3).
قامت الملكة رانافالونا فور توليها العرش بالغاء المعاهدة التي عقدها زوجها راداما الأول مع بريطانيا، ورفضت استقبال المندوب البريطاني ليال واتخذت نفس الموقع العدائي تجاه فرنسا أيضا، وأرسلت فرقها العسصكرية الى فول بوانت لطرد الفرنسيين منها، وأصدرت قرارا منعت فيه السكان من المتاجرة مع الفرنسيين (1). فاعتبر القائد جوربير هذا القرار بمثابة تحد له، كذلك أرسلت الملكة قواتها لتعقب الفرنسيين في تنتنج ، ورغم أن جوربير نجح في صد هجمات الهوفا، إلا أنه فقد عددا كبيرا من قواته، بينما نجحت قوات الملكة في أن تظل بعدية عن مرمى المدفعية الفرنسية لكي لا تتكبد خسائر كبيرة، وتحرج موقف القوات الفرنسية، وانهكت الحمى الجنود الفرنسيين، واضطر جوربير الى سحب قواته الى سانت ماري، وانتهزت رانافالونا الفرصة، وعرضت عليه الصلح فواق لأنه كان في موقف لا يسمح له باجراء المزيد من العمليات العسكرية (2).
واذا كانت الحكومة الفرنسية قد شغلت في عام 1830 بنشوب الثورة الفرنسية عن التفكير في جزيرة مدغشقر، الا أن حكام بوريون لم يهملوا الجزيرة مطلقا حتى عهد ملكية يوليو، وظلت سفنهم تعمل بانتظام بين مدغشقر وبوريون ووصل البعض منها حتى الهند والغريب أن الملكة رانافالونا الأولى رغم اضطهادها للمسيحيين وكراهيتها للنفوذ الاوروبي، إلا أنها سبحت لبعض الفرنسيين بالاستقرار في الجزيرة، فأفادت منهم، وكان على رأس هؤلاء جان لابورد الذي وصل الى الجزيرة في عام 1831 وظل بها حتى وفاته 1870 وكالان لابورد على صلة وثيقة بحكام بوريون، وقد عمل في تاناناريف عاصمة الوفا وقربته الملكة اليها، وأفادت منه، فأدخل لابورد صناعة النحاس والفضة، والمعادن في مملكة الايمرينا، ثم قام في عام 1825 ببناء وكالة في منتساوا (3) وأنشأ مصانع للصابون والحديد، حتى أصبحت منتساوا العاصمة الثانية للبلاد وقد تعاون لابورد مع التاجر الفرنسي لامبير فعمل على تدعيم سيطرة فرنسا في المنطقة، واستطاع لامبير أن يحصل من الملكة على حق احتكار التجارة والاقتصاد في البلاد، فضرب النقوذ باسمه، واهتم برصف الطرق وتمتع بالعديد من الامتيازات التي أقلقت أعضاء البعثات التنصيرية البريطانية الذين رأوا فيه خطرا كبيرا يهدد وجودهم ومصالحهم، وزاد من خطورة الموقف بالنسبة للبريطانيين تقرب لابورد من ولي العهد راكوتو (1)، ولذلك نشط البريطانيون في الجزيرة للدس بين الملكة ولابورد حتى قامت في النهاية بطرده من البلاد (2).
وهكذا قدر للتجار الفرنسيين العمل في مدغشقر، والتمهيد للغزو العسكري لها، وبفضل هؤلاء احتفظت فرنسا بحقها في الادعاء بتبعية هذه المناطق.
والواقع أن هذه الظاهرة لم تقتصر على مدغشقر فحسب أو في شرق أفريقيا فقط، وانما نلمس ذلك بوضوح أيضا في غرب أفريقيا فبفضل نشاط التجار الفرنسيين في كثير من المناطق وتركزهم فيها، أدعت فرنسا أن لها حقوقا تاريخية فيها (3).
هذا ويكن تعليل تقبل الملكة رانافالونا الأولى لوجود لابورد، رغم كراهيتها للاوروبيين، لأنها نفسها أفادت منه لأنه طور الصناعة في مملكتها، بالاضافة الى تنمية التجارة مما عاد بالفائدة عليها، ولكنها عندما لمست منه خطرا أحاط بابنها وولي العهد راكوتو، لم تتردد من طرده من البلاد، فقد اتسمت سياسة الملكة بصفة عامة كما ذكرنا من قبل – بالعداء للاوروبيين ومحاربة اعضاء البعثات التنصيرية ولمحاربة هذه البعثات ومنها من عملها أصدرت الملكة عام 1835 قانونا يمنع اي شخص من اعتناق الديانة المسيحية، وفي عام 1839 طلبت الملكة من البعثات التنصيرية الرحيل الى مدغشقر (4). كما حكمت على المسيحين بالموت، واضطر عدد كبير منهم الى الفرار للجزر القريبة من مدغشقر، ولم تكتف الملكة بمحاربة المسيحيين، وانما عملت على مهاجمة الساكالافا فلجأوا الى طلب الحماية من سلطان زنجبار السيد سعيد بن سلطان الذي ارسل اليهم سفينة حربية في عام 1838 وأسس حصنا في مدغشقر في خليج بافاتوبه فحاول الهوفا الاستيلااء علي الحسن بعد رحيل السفينة ولكنهم فشلوا وازاء هجمات الهوفا فر الساكالافا الى الجزر القريبة التابعة لمدغشقر، فاتجهوا الى نوسي-بي، والى نوس فالي ونوسي ميتسيو ونوسي كومبا، وقد طلب الساكالافا الحماية من القائد الفرنسي باسو أثناء مروره بسواحل مدغشقر، فابلغ بدوره الأدميرال دي هيل برغبة الساكالافا (1) وقد انتهز حاكم بوريون لاستيل هذه الفرصة فواق على احتلال القائد البحري دي هيل لنوسي – بي في 14 يوليو (2). وقد وافقت الحكومة الفرنسية على هذه المعاهدة وارتفع العلم الفرنسي على نوسي بي في عام 1841، كذلك قام دي هيل ببعض العمليات العسكرية في الشمال الغربي من الجزيرة، واقنع باقي زعماء الساكالافا بالدخول في التبعية الفرنسية، وتمكن من رفع الأعلام الفرنسية على الساحل الشرقي (3).
وجدير بالذكر أن السيد سعيد بن سلطان حاول محالفة مدغشقر لمد نفوذه نحو جنوب زنجبار، فعرض الزواج على ملكتها في عام 1832، فقد أدرك أن هذه المصاهرة سوف تمكنه من تدعيم نفوذه في ساحل شرق أفريقيا، ولكن وزراء الملكة اعتذروا له بأنهم لا يستطيعون تقديم ملكتهم ولأن تقاليدهم لا تسمح لهم بمثل هذا الزواج، وأعربوا له عن استعدادهم لمساعدته في توطيد حكمه في شرق افريقيا (4).
اصرت الملكة رانافالونا على سياستها العدوانية، وعملت على مضاعفة قواتها العسكرية في تاماتاف متحدية الفرنسيين، فتم الاتفاق بين القواد الفرنسيين والبريطانيين على ضرورة تأديب الملكة، وقامت السفن البريطانية بقيادة القائد كيلي، والسفن الفرنسية بضرب تاماتاف بالنيران وقطعوا تجارة الملكة عن المناطق الساحلية، فاضطرت في عام 1857 إلى الموافقة على قبول استقرار التجار الاوروبيين في بلادها وفي تاناناريف عاصمة الهوفا (1).
وانتهز حاكم ريونيون فرصة قبول الملكة اقامة الاوروبيين في مدغشقر فأرسل البعثات لكتابة التقارير عن الجزيرة وأهميتها، فكتب دي ليل في عام 1855 العديد من الدراسات عن مدغشقر، كما أوضح حكام ريونيو لحكومتهم أهمية السيطرة على الجزيرة وفرض هيبة ونفوذ فرنسا عليها، ولاقت دعوتهم قبولا كبيرا من الامبراطو نابليون الثالث (2).
وجدير بالذكر أن وضع الفرنسيين في ريونيو اختلف كثيرا عن وضعهم في مدغشقر فريونيون هي المستعمرة الفرنسية التي تكونت منذ فترة طويلة، وهي تقع في المحيط الهندي في جنوب موريشيوس على بعد 420 ميلا من مدغشقر احتلها فرنسا منذ عام 1642 (3). وقبل سكانها التبعية الفرنسية بسهولة عن باقي المستعمرات الفرنسية، مثل مدغشقر، أو الجزائر، حتى أن هانوتو وزير المستعمرات الفرنسي أكد أن الاستعمار الفرنسي فيها أكثر فعالية حتى من استعمار بريطانيا لجنوب أفريقيا، وأرجع ذلك الى طول عهد ريونيو بالحكم الفرنسي، والى نشاط الفرنسيين في المنطقة، فقد أدخلوا فيها زراعة السكر واهتموا بالصناعة وتوافد عليها المهاجرون الفرنسيون، أما باقي المستعمرات الفرنسية والتي كونتها خلال فترة امبراطوريتها الاستعمارية الثانية فلم يتقبل كسانها السيطرة بسهولة والذي يهمنا أن لوي رينيو ضغط على الحكومة الفرنسية لفرض سيطرتها على مدغشقر (4).
عند ختام الحديث عن سياسة الملكة رانافالونا الأولى سنجد أنها في بداية عهدها امتازت بمقاومة النفوذ الاوروبي واضطهاد المسيحيين من رعايا ومن أعضاء البعثات التنصيرية ، وتحدت الحكام الفرنسيين في ريونيو، كما تحدت الحكام البريطانيين في موريشيوس، ولكنها اضطرت الى قبول التواجد الاوروبي في مملكتها بعد أن اتفقت الدولتان على توجيه ضربة قوية ضدها بضرب موانيها، وقطع اتصالات مملكتها التجارية مع الساحل (1).
وفي 26 فبراير 1859، فرضت فرنسا حمايتها على المنطقة الساحلية من الجزيرة وخاصة السواحل الغريبة، وفي 10 أغسطس 1859 وقعت فرنسا اتفاقا مع زعماء منطقة ماهافاليس بفرص الحماية عليهم، وفي 19 أغسطس 1859 قبلت باقي جماعات الساكالافا توقيع الحماية الفرنسية على بلادهم وذلك بسبب استمرار الملكة رانافالونا في محاربتهم.
وقد تمسكت فرنسا بهذه المعاهدات التي عقدتها حكومة نابليون الثالث وأفادتها ابان توسعها العسكري في الجزيرة (2).
وأخيرا اتسمت معظم كتابات المؤرخين الاوروبيين عن الملكة رانافالونا الأولى بالتحيز، وذلك لاضطهادها لرعاياها من المسيحيي، فوصفوها بالوحشية والقسوة، وأن عهدها كان عهدا مظلما على الجزيرة، والواقع أن الملكة رانافالونا أرادت قضاء على النفوذ الأجنبي في مملكتها خوفا من استفحاله فاتبعت سياسة عنيفة، ولكن هذه السياسة لم تقتصر على رعاياها من المسيحيين فقط، فقد أرادت الملكة الانفراد بالحكم في الجزيرة فحاربت جماعات الساكالافا أيضا واضطر البعض منهم الى الفرار، وطلب البعض الآخر الحماية من سلطان زنجبار السيد سعيد بن سلطان، ولكن حكام ريونيو كانوا يرصدون اي تحرك في الجزيرة ولذلك كانوا لا يسمحون لأية قوة أخرى بالتدخل في شئونهم فعملوا على تدعيم السيطرة الفرنسية على جاماعات الساكالافا وفرض الحماية عليهم وبذلك لم تنجح جهود الملكة في منع التغلغل الفرنسي في أراضيها فقد أجبرت في عام 1857 على قبول استقرار الاوروبيين في مدغشقر (1).
راداما الثاني وتزايد النفوذ الفرنسي (1861-1863):
اختلفت سياسة راداما الثاني عن أمه رانافالونا الأولى، فلم يكن في مثل قوتها، كذلك امتاز عهده بتصاعد نفوذ الاوروبيين في بلاده، وخاصة الفرنسيين فتزايد نفوذ كل من لابورد ولامبيرن كما عادت البعثات التنصيرية في عهده لممارسة نشاطها في الجزيرة بعد أن استبعدت امه من قبل (2).
وقد اهتم راداما الثاني بتقوية صلاته مع الفرنسيين فعقد معهم في عام 1863 معاهدة أعاد فيها لفرنسا حقوقها في مدغشقر، وأقرت حكومة نابليون الثالث هذه المعاهدة فيها واعترف راداما الثاني بالحرية الدينية في مدغشقر، وحق الفرنسيين في اقامة المنشآت الفرنسية، كما سمح لهم باقامة المراكز التجارية وخاصة في أراضي الساكالافا (3).
هذا وقد توافدت على الجزيرة نتيجة لسياسة راداما الثاني الدينية رجال الدين القادمون من مستعمرة ريونيو فوجودا منه التشجيع والترحيب، ولم يعد لرجال الدين البريطانيين من البروتستانت أية مزايا، وانما تمتع بالحظوة رجال الدين الكاثوليك الفرنسيين الذي حرص دائما على تلبية جميع مطالبهم، حتى أنه ألغى عقوبة الاعدام بالسم البطئ وكانت من العادات المتأصلة في بلاده (4).
عملت حكومة نابليون الثالث على تدعيم النفوذ الفرنسي في مدغشقر، وساعدها في تحقيق هدفها وجود رواد فرنسيين عملوا في الجزيرة منذ فترة طويلة أمثال لابورد ولامبير، فلم يضيع لابورد الفرصة منذ استدعاءه الى الجزيرة مرة ثانية وعمل على زيادة نفوذ بلاده، وقام بربط مدينة هينتساوا الصناعية بتاناناريف، كذلك عمل على ربط سواحل الجزيرة بالسفن التجارية الفرنسية، فاتسع بذلك حجم التبادل التجاري، فقد سمح له راداما الثاني في عام 1862 باستغلال مناجم الجزيرة والغابات وثروات البلاد، وعملت شركة مدغشقر الفرنسية في البلاد، وحققت مكاسب كبيرة (1)، ونتيجة لجهود لابورد عين قنصلا فرنسيا في 15 أغسطس 1862 وتمتع بثقة كبيرة لدى راداما الثاني، وتقرب اليه التجار الاوروبيين وخاصة البريطانيين ليحصلوا منه على امتيازات لهم، ذلك حصل لابورد على موافقة راداما على عدم محاكمة الاوروبيين الا عن طريق قناصلهم، ونظرا لثقة راداما فيه عينه ممثلا عن حكومة الهوفا، فوكل اليه مهمة استقبال التجار الفرنسيين والاوروبيين (2).
وهكذا تزايد النفوذ الفرنسي في مدغشقر، في عهد راداما الثاني ، وانتهز الفرنسيون الفرصة من ضباط وقواد وتجار ورجال دين لتثبيت نفوذ فرنسا في المنطقة. فقد كانت فترة حكمه فرصة ذهبية للجميع، ونجح القائد الفرنسي فلريوا دي لانجل في توقيع الاتفاقيات والمعاهدات مع زعماء الساحل الغربي للجزيرة الذين تنازلوا عن أراضيهم لفرنسا وخاصة المنطقة المواجة لقناة موزميبق وذلك في الفترة ما بين 1858-1860، كذلك عقد معاهدات مماثلة مع سكان الجنوب الغريب خلال أعوام 1861-1863، كما تردد على مدغشقر العديد من القادة الفرنسيين أشهرهم الفريد جرند يديه (3).
ولكن سياسة راداما الثاني المخالفة تماما لسياسة والدته رانافالونا الأولى وارتمائه في أحضان الفرنسيين جرت عليها مشاكل فتذكر رجال الدولة في مدغشقر من تصرفاته، وتم تدبير مؤامرة ضده، أسفرت عن مقتله مخنوقا وقد دبر المؤامرة رئيس الوزراء راهارو مع عدد من رجال البلاط والوزراء ثم أعلن الشعب انتحارة الى أن تم كشف الحقيقة (4).
توتر العلاقة بين الفرنسيين والملكة رازو هيرينا:
بعد مقتل راداما الثاني ، تولت زوجته الملكة رازو هيرينا (1) الحكم، ويتميز عهدها بتوليى راينيلايفوني (2) رئاسة الوزراء في الفترة ما بين 1864-1895 فكان المحرك الرئيسية لسياسة مدغشقر حتى الغزو، وكان حريضا على دعم استقلال البلاد فعمل على تنظيم الجيش وغزا الأقاليم المجاورة لمملكة الايمرينا (3).
اتبع رئيس الوزراء سياسة معادية لفرنسا، وتقرب من البريطانيين مما أثار قلق الفرنسيين، فكتب جوان القنصل الفرنسي الى حكومته يقول: "ان البريطانيين أصبحوا هم سادة الجزيرة الآن والمقربين للملكة " (4). وقد ألغى رئيس الوزراء عند توليه السلطة معاهدة عام 1862 التي عقدها راداما الثاني مع الفرنسيين، فحاول كل من لامبير ودوبريه قائد المحطة البحرية في المحيط الهندي اقناعه بعدم الغاء المعاهدة التي وقعها الامبراطور نابليون بنفسه الا أنه رفض، وتوتر الموقف في الجزيرة، بقتل عدد من الفرنسيين، وصمم القائد الفرنسي دوبيه على ضرورة احترام المعاهدة فقام بضرب ميناء تاماتاف بالمدافع (5).
ونظرا لأن رئيس الوزراء كان هو الحاكم الفعلي في البلاد فقد اقنع الملكة بضرورة استبعاد النفوذ الفرنسي من مدغشقر، وعقد في 27 يونيو 1865 معاهدة مع بريطانيا نصت على تقوية علاقات الصداقة والتجارة بين الدولتين، وأعطى للبريطانيين الحق في التجارة في الجزيرة، ونشر المسيحية وفتح المدارس التنصيرية واستقبال مبعوث بريطاني في الجزيرة، كما وافق على ارسال مبعوث من الهوفا الى لندن كذلك وافق على تنظيم التحاكم والغاء القرصنة وتجارة الرقيق والغاء عقوبة الاعدام بالسم البطئ (1). ثم عقد معاهدة مماثلة مع الولايات المتحدة الأمريكية في عاح 1867 وبقيت فرنسا هي الدولة الوحيدة التي رفضت الملكة رازو هيرينا توقيع أية معاهدة معها (2).
هذا وقد تزايد غضب الفرنسيين ازاء اصدار الملكة ورئيس وزرائها على عدم توقيع معاهدة مع فرنسا فهدد القائد الفرنسي دوبريه الملكة ورئيس وزرائها بضرورة التمسك بمعاهدة عام 1862، وتوترت العلاقات بين الطرفين، وأرسل الامبراطور نابليون الثالث الكونت دي لوفيير الى تاماتاف فرفضت الحكومة استقباله فتوجه بعد ذلك الى تاناناريف وأصدر تصريحا بأن فرنسا لابد وأن تكون على قدم المساواة مع بريطانيا في حقوقها في الجزيرة، ولن تقبل أن تكون أقل منها، ويجب توقيع اتفاق بهذا المعنى مع حكومة الهوفا (3). وحاول لابورد التوسط بين الطرفين، وأضح للملكة المخاطر التي تنتظرها اذا ما أصرت على موقفها من تجاهل الفرنسيين، فقبلت الملكة في النهاية توقيع معاهدة مع فرنسا مماثلة في بنودها لتلك التي عقدتها مع بريطانيا ووقع المعاهدة القائد الفرنسي جرنيه واعترفت فرنسا في المعاهدة برازو هيرينا ملكة عل مدغشقر كلها وأفادت الملكة من ذلك الاعتراف فعملت على التوسع وضم أراضي جديدة (4).
وبذلك جاءت معاهدة 1868 مماثلة لتلك التي عقدتها مدغشقر من قبل مع بريطانيا عام 1865 ونصت على أنها معاهدة صداقة وسلام بين الدولتين وأعطت المعاهدة للفرنسيين حق بناء المدارس والمستشفيات ودور العبادة (5).
ورغم توقيع المعاهدة الا أن الفرنسيين كتبوا الى حكومة نابليون الثالث بضرورة دعم السيطرة الفعلية على الجزيرة والح القائد الفرني جرنديه على حكومته بارسال البعثات العملية والاستكشافية في الجزيرة (1).
توفيت الملكة رازو هيرينا في عام 1868 أي بعد توقيع المعاهدة مع فرنسا بفترة بسيطة فرشح رئيس الوزراء احدى بنات عمها وتدعى رامونا لتتولى الحكمم فاعتلت العرش باسم رانافالونا الثانية. ثم تزوج بها رئيس الوزراء الذي ظل يوجه سياسة البلاد في عهدها أيضا كما فعل في عهد رازو هيرينا من قبل (2).
رانافالونا الثانية والحملة الفرنسية على مدغشقر:
يعتبر عهد رانافالونا الثانية (3) هو عهد السيطرة الأجنبية ، فقد اندفعت فرنسا نحو القارة الافريقية بصفة عامة بعد هزيمتها في الحرب السبعينية وانتهجت الحكومة الفرنسية سياسة توسعية للمحافظة على هيبة فرنسا وعظمتها بين دول اوروبا.
وقد تصاعد نفوذ حكام ريونيون الفرنسية خلال هذه الفترة وكذلك جماعات التنصير الكاثوليكية وطالبوا حكومتهم بضرورة فرض حمايتها على الجزيرة واكدوا بانها اذا كانت فرنسا حريصة في القرن الثامن عشر على التمسك بمراكزها التجارية التي كونتها فانه من الأجدى الآن بعد النصف الثاني من القرن التاسع عشر أن تتمسك بضرورة فرض حمايتها على المناطق التابعة لها وشجع هذا الاتجاه الكتاب الفرنسيون. وقد أعلنت الفكرة رسميا في البرلمان الفرنسي وطالب لوبي ريونيون بضم مدغشقر، ولاقناع الرأي الفرني في البرلمان بهذها لافكرة قام أصحابها بدعياة كبيرة عن مملكة الايمرينا ونظامها الديكتاتوري القائم على تجارة الرقيق، وقد اثرت هذه الدعاية على اعضاء البرلمان الفرنسي فتعال الأصوات مطالبة باحتلال الجزيرة وتكوين قاعدة بحرية فرنيسة في المحيط الهندي في جزيرة مدغشقر وخاصة وان افتتاح قناة السويس قد ضاعف من أهمية هذا المحيط (1).
وهناك عامل هام أثار مخاوف حكام ريونيو ورجال الدين الكاثوليك وهو أن الملكة رانافالونا الثانية بعد اعتلائها بفترة قصيرة أعلنت هي ورئيس وزرائها في 21 فبراير اعتناقها المذهب البروتستانتي ، وهذا معناه تصاعد نفوذ رجال الدين البروتستانت من البريطانيين (2). وقد تزايد النفوذ البريطاني ووضعت بالتعاون مع رجال الدين البريطانيين برنامجا لمحاربة المذهب الكاثوليكي وهددت رعايا من معتنقي هذا المذهب ، بأنهم سيعاملون كغرباء عن المملكة وسوف يفقدون حقوقهم ولن يتم دفنهم في مدافن أجدادهم (3).
وقد زاد من خطورة الموقف بالنسبة للفرنسيين وفاة لابورد (4) خلال هذه الفترة وكان يتمتع بنفوذ كبير لدى حكام مدغشقر وكانت الحكومة الفرنسية تأمل في أن يتولى اصلاح الموقف المتوتر في الجزيرة والتأثير على الملكة (5).
وانتهز أعضاء البعثات التنصيرية البريطانية هذه الفرصة فتقربوا من الملكة ومن رئيس وزرائها وأصدرت الملكة رانافالونا قانونا في عام 1868 بلغت عدد مواده 101 مادة واستكمل العمل به في عام 1881 فتضاعفت مواده الى 305 مادة، ونص هذا القانون على حرية الكنيسة البروتستانتية وعدم المساس بالتقاليد والعادات في الجزيرة، وقام باريت مدير المطبعة الملكية البريطانية والمستشار المقرب من رئيس الوزراء باقناع الملكة بزيادة عدد الوزراء في مملكة الهوفا، وتكوين مجلس من هؤلاء الوزراء (1) وهكذا أحلت الملكة المستشارين البريطانيين محل المستشارين الفرنسيين وقد انتهز المستشارون البريطانيون الفرصة وطالبوا بضرورة تقوية الجيش وشراء الأسلحة من اوروبا وأمريكا، وأبدوا استعدادهم لمساعدة الملكة في شئون مملكتها الداخلية وأعربوا لها عن رغبتهم في التصدي للخطر الفرنسي المحدق بها، فقام الأدميرال جونس بمعاونة الملكة في حملتها ضد جماعات الساكالافا، وكانت هذه الجماعات قد خضعت من قبل لفرنسا وقبلت الحماية الفرنسية وتمادى جونز فطالب هذه الجماعات بالتخلي عن المعاهدات المعقودة بينهم وبين الفرنسيين (2).
وتوترت العلاقات بين فرنسا وحكومة الهوفا، واعتبرت الحكومة الفرنسية انحياز الملكة التام لبريطانيا وتجاهلها للفرنسيين بمثابة انتهاك لمعاهدة 1868 فطالب حكام ريونيون الحكومة الفرنسية بضرورة معالجة الموقف في مدغشقر، وفي 9 يناير 1880 تم كتابة مذكرة عن الموقف في أراضي الهوفا ورفعت هذه المذكرة الى وزير البحرية الفرنسي لاتخاذ اللازم (3).
وزاد من خطورة الموقف قيام الهوفا بتدمير الوكالات والمصانع الفرنسية وخاصة في الساحل الغربي للجزيرة، مما أدى الى انقطاع الصلات بين فرنسا وحكومة الهوفا وأصر الفرنسيون على ضرورة العمل بمعاهدة 1868 ، ولكن رئيس وزراء مدغشقر تهرب من الرد عليهم هذا وقد أكد بوديه القنصل الفرنسي في تاناناريف على ضرورة المحافظة على هيبة فرنسا في المنطقة كما أكد أن الموقف في تاناناريف لم يعد آمنا وأن فرنسا لابد لها من القيام بعمل يحفظ لها كرامها لأنها تبدو الآن كدولة عاجزة أمام سكان الهوفا (4).
وازاء تفقاهم الموقف في الجزيرة قررت الحكومة الفرنسية ارسال حملة الى مدغشقر وافق عليها البرلمان الفرنسي وعهد على القائد الفرنسي لي تمبر مسئوليتها وكان يشغل وظيفة قائد المحطة البحرية في المحيط الهندي وأرسل وزير الخارجية الفرنيس بتعليمتها الى القنصل الفرنيس بوديه في الجزيرة بالتزام توجيهات لي تمبر (1).
خشيت حكومة الهوفا من تصاعد الموقف بينها وبين فرنسا فارسل رئيس الوزراء عدة بعثات دبلوماسية الى كل من اوروبا وامريكا ليشرح وجهة نظر بلاده والواقع أن حكومة الهوفا أرادت بهذه البعثات منع التصادم مع القوات الفرنسية في محاولة للوصول الى حل سلمي يرضي الطرفين، ولكن وزير الخارجية الفرنسي أرسل الى سفير فرنسا في لندن في اكتوبر عام 1882 يخبره بوصول بعثة الملكة رانافالونا الثانية الى باريس وأنه حتى الآن لم يتم الاتفاق بين الطرفين، وقد عهدت الحكومة الى الأدميرال بيرون تمثيل الجمهورية الفرنسية في المحادثات التي سوف تتم بين الطرفين، وأكد له أن الحكومة الفرنسية ستعمل على تأكيد حقوقها ومعاهداتها التي عقدتها مع زعماء الساحل الشمالي الغربي من جماعات الساكالافا في الفترة ما بين 1840-1841، ولن تتنازل عنها ولن تسمح للهوفا برفع أعلام فرنسا عن هذه الجهات، كذلك سوف تتمسك الحكومة بالمعاهدة المعقودة بين الطرفين عام 1868 وبذلك يمن لفرنسا الوقوع في وجه أطماع بريطانيا في الجزيرة. وقد أكد وزير الخارجية للسفير افرنسي في باريس بضرورة التمسك بهذه الحقوق واعلانها (2). والواقع أن الحكومة الفرنسية رغم اصرارها على التمسك بحقوقها في مدغشقر وتأكيداتها السابقة للسفير الفرنسي في لندن، الا أنها تخوفت من المتاعب التي من الممكن أن تثيرها حكومة لندن نظرا للمنافسة القديمة بين البعثات الكاثوليكية الفرنسية والبعثات البروتستانتية الانجليزية (1). كذلك وصول بعثة الهوفا الى لندن (2)، وقد تقابلت مع اللورد جرانفيل الذي ارسل بدوره يستفسر من الحكومة الفرنسية عن بعض المسائل التي تهم الدولتين وأوضح للحكومة الفرنسية أن لبريطانيا وفرنسا مصالح مشتركة في مدغشقر ولابد من اتفاق وجهات النظر بين الدولتين (3).
ويتضح لنا خوف الحكومة الفرنسية من نتائج المحادثات الدائرة بين بريطانيا وحكومة الهوفا فهي شغوفة لمعرفة تفاصيل هذه المباحثات، وفي الوقت نفسه ارسلت الحكومة البريطانية الى السفير الفرنسية تحذره من اقدام فرنسا على غزو الجزيرة لأن ذلك سوف يعرض أرواح الاوروبيين للخطر وتطلب منه التريث وعدم اقدام حكومته على اتخاذ هذه الخطوة (4).
ونظرا لأن الحكومة الفرنسية قررت ارسال حملة لي تمبر الى الجزيرة الا أنها أرسلت الى الحكومات الاوروبية في لندن وبرلين تبرر موقفها والأسباب التي دعتها لشن الحرب على حكومة الهوفا، وألقى وزير الخارجية الفرنسي دوليرك المسئولية على حكومة الهوفا لتجاهلها معاهداتها السابقة مع فرنسا واصرار الملكة رانافالونا الثانية على الاعتداء على حقوق فرنسا في الأجزاء الشمالية الغربية ورفعها الأعلام الفرنسية عن أراضي الساكالافا (5).
والذي يهمنا هنا هو ان الاشتباك بني القوتين الفرنسية والهوفا كان قد بدأ بالفعل وفشلت البعثات الدبلوماسية التي أرسلتها الملكة الى اوروبا وأمريكا في تحقيق أية نتائج دبلوماسية، ولم يعد أمام حكومة الهوفا الخيار وكان عليها سرعة العمل للتصدي للقوات الفرنسية الزاحفة على الجزيرة ولكن الملكة رانافالونا الثانية توفيت بعد وصول القوات الفرنسية بفترة قصيرة لتخلفها الملكة رانافالونا الثالثة (1).
الملكة رانافالونا الثالثة واعلان الحماية الفرنسية:
حكمت الملكة رانافالونا الثالثة (2) البلاد وسط ظروف قاسية فالقوات العسكرية الفرنسية ما زالت في الجزيرة، ولكنها رغم ذلك أصرت على مجابهة الفرنسيين وأعلنت في خطاب توليها العرش بأنها لن تتنازل عن أي جزء من أراضيها لفرنسا، وأنها ستحارب للدفاع عن مملكتها ، وقادت الملكة المعارك وعملت على تنظيم قواتها العسكرية رغم أن سنها في ذلك الوقت لم يكن يتجاوز 22 سنة (3).
وجدير بالذكر أن الحملة الفرنسية على مدغشقر 1882-1885 اثارت مخاوف الحكومات الاوروبية وخاصة الانجليزية والألمانية، ففي بريطانيا طالب أعضاء مجلس العموم البريطاني من الحكومة ضرورة ارسال سفن حربية أمام سواحل مدغشقر لكي تتولى حماية البريطانيين المقيمين في الجزيرة من تجار وأعضاء بعثات تنصيرية وغيرهم (4). وقد وصلت بالفعل السفينة البريطانية دراياد أمام مياه مدغشقر وحاول القائد البريطاني النزول الى البر ولكن القوات الفرنسية رفضت السماح له بذلك وطلبوا منه الرحيل وترك تاماتاف خلال 24 ساعة (5).
أما ألمانيا فقد وصلت الهيا بعثة الهوفا والتي اخدت تبحث عن امكانية توقيع معاهدة تجارية مع ألمانيا، ولما شعرت الحكومة الألمانية بقلق السفير الفرنسي في بلين دي كورسيل أكدت له أنها لن تعقد أي اتفقا يكون ضمن بنوده ما يضر بمصالح فرنسا، فاكد دي كورسيل بدوره للحكومة الألمانية تمسك حكومته بالمعاهدات التي عقدت من قبل مع زعماء الهوفا (1) وبذلك ضمنت الحكومة عدم مساعدة الحكومة الألمانية للهوفا فأرسل وزير الخارجية الفرنسي الى برن وزير البحرية والمستعمرات يؤكد له تعهدات الحكومة الألمانية وان فرنسا لها حرية الحركة كيفما تشاء في الجزيرة (2).
قام الأدميرال بيير بضرب سواحل مدغشقر وموانئ الساحل الشمالي الغربي والشرقي للجزيرة، واحتلت القوات الفرنسية تاماتاف وطلبت من رئيس الوزراء في مدغشقر تسليم المناطق الواقعة في الشمال لفرنسا فحاول رئيس الوزراء فتح باب المفاوضات مع فرنسا الا أن القادة الفرنسيين رفضوا، وتقدمت القوات الفرنسية بسرعة كبيرة على الساحل، واحتل القائد الفرنسي بييرنوسي بي كذلك استولى على ماجونجا، وأرسل الى وزير البحرية والمستعمرات يهنئه باختفاء أعلام الهوفا من الساحل الغربي وان استيلاءه على ماجونجا فتح له الطريق للوصول الى عاصمة الهوفا نفسها (3).
وازاء اصرار فرنسا على التواجد العسكري في مدغشقر اضطرت بعثة الهوفا الى العودة من باريس الى مدغشقر، فقد وجدت أنه لا جدوى من بقائها في فرنسا طالما أن الغزو العسكري قد تم بالفعل في الجزيرة (4).
وعلى الرغم من احتلال القوات الفرنسية تاماتاف وماجونجا الا أن الحكومة الفرنية تخوفت من بقاء القوات لفترة طويلة في هذه الجهات، وذلك خوفا من انتشار الحمى بين الجنود، أو تعرضهم لاغارات الهوفا، فقد أرادت الحكومة أن يكون موقف الجنود الفرنسيين موقفا هجوميا وليس دفاعيا، وذلك أنه على الرغم من ارسال الحملة ورغم بقاء القوات الفرنسية في مدغشقر الا أنها لم تحرز انتصارات ذات قيمة كبييرة، فقوات الهواف مازالت تقاوم وتقاتل الفرنسيين في كل مكان (1).
وعندما طالت العمليات العسكرية الفرنسية في الجزيرة احتجت الحكومة البريطانية لدى السفير الفرنسي في لندن واستندت على أن الحكومة الفرنسية عندما ضربت تاماتاف بالمدافع لم تحذر الحكومة البريطانية لكي تتولى بدورها تحذير رعاياها في المدينة (2) كذلك توترت العلاقة بين الطرفين بسبب قضية شو وهو من رجال الدين البريطانيين ، تقرب الى رانافالونا الثالثة والى زوجها رئيس الوزراء وعمل على تدعيم المذهب البروتستانتي في الجزيرة وعندما نزلت الحملة الفرنسية على مدغشقر قدم المساعادات الى الملكة فاتهمه الجنود الفرنسيين بأنها حاول دس السم لهم، وقاموا بالقاء القبض عليه تمهيدا لمحاكمته فاحتجت الحكومة البريطانية وطالبت وزير الخارجية الفرنسي باطلاق سراحه، وقد أطلق القائد الفرنسي بيير سراح شو ولكنه توفى في الطريق أثناء عودته الى لندن (3).
أثارت قضية شو الرأي العام البريطاني لأن القواد الفرنسيين القوا القبض على عضو بعثة تنصيرية، ولكن السفير الفرنسي في لندن وادنجتون عمل على تهدئة الحكومة البريطانية، وأكد أن شو عومل معاملة حسنة وأنه أطلق سراحه بعد أن تبين للفرنسيين براءته، وطالب وزير الخارجية الفرنسي لاكور من وادنجتون ضرورة توضيح الموقف الى اللورد جرانفيل لأنه يواجه ضغطا من الجمعيات الدينية والبرلمان البريطاني بسبب هذه القضية (1).
وبالاضافة الى توتر العلاقة مع بريطانيا، حدثت أزمة مع الحكومة الألمانية اثناء وجود القوات الفرنسية في مدغشقر لأن القنصل الفرنسي وجه اتهاما للقنصل الالماني في تاماتاف بأن التجار الألمان يمدون الهوفا بالاسلحة وأن السفينة الألمانية بلايندن التابعة لوكالة فيديل الألمانية تقوم بالمتاجرة في الاسلحة وأنها امدت بالفعل المملكة بالاسلحة وقد اصدرت الحكومة الفرنسية تعليماتها الى قناصلها في مدغشقر باحكام السيطرة ومراقبة سواحل وموانئ الجزيرة (2).
ويلاحظ على الرغم من تواجد القوات الفرنسية في مدغشقر لفترة طويلة الا أنها لم تصل الى نتائج حاسمة فالهوفا استمروا في المقاومة واذا تساءلنا لماذا اذن لم تكتف الحكومة الفرنسية قواتها في الجزيرة سنجد أنه خلال هذه الفترة وبعد هزيمة فرنسا في تونكين كان من الصعب على جول فري أن يطلب امدادات من حكومته لتدعيم الموقف العسكري في مدغشقر، كذلك كانت احتمالات موافقة البرلمان الفرنسي على دفع المزيد من النفقات ضعيفة وأحس فري أنه في وضع تأنيب ولوم دائم منذ حدوث هزيمة تونكين، ولكن عندما طلب فري في مارس 1885 من البرلمان الفرنسي زيادة نفقات القوات العسكرية في مدغشقر وافق البرلمان وذلك أن الظروف السياسية تغيرت في ذلك الوقت وسادت حالة من الهدوء في الشرق الأقصى على ذلك.
وعلى الرغم من ظهور أصوات عارضت الانفاق العسكري في مدغشقر الا أن باقي أعضاء البرلمان رأوا أن فرنسا لها حقوقا تاريخية لا يمكن أن تفقدها في مدغشقر (3).
وهكذا نلاحظ أنه رغم مرور عامين على ارسال الحملة على مدغشقر الا أن الملكة استمرت في المقاومة وأعلنت في اكتوبر 1885 بأه لن تعترف بمعاهدات الحماية التي عقدتها فرنسا مع الزعماء الوطنيين في الجزيرة وأنها لن تتخلى عن استغلال بلادها، وقبلت الملكة تعيين الجنرال البرطياني (1) ويلوجبي قائدا لجيشها، ونجحت في احراز بعض الانتصارات (2).
عينت الحكومة الفرنسية القائد الفرنسي ميوت خلفا لبيير وصرح ميوت فور وصوله بأنه جاء الى المنطقة لا لمناقشة حقوق فرنسا وانما لاستعادتها كما أعلن بأن الهوفا يجب ألا يأملوا في رفع أعلامهم مرة ثانية على الساحل الغربي لأنه تحت الحماية الفرنسية ووضع شروطا للاتفاق مع الملكة منها دفع غرامة ثلاثة مليون فرنك، والعمل بمعاهدة 1868 وعدم التفاوض مع أية دولة أخرى سوى فرنسا (3).
ولكن الملكة استمرت في المقاومة رغم تهديدات ميوت – فبدأت تظهر في فرنسا آراء تنادي بالاكتفاء بالسيطرة على المناطق الساحلية خوفا من احراج الحكومة الفرنسية في العمليات العسكرية، وفي الوقت نفسه انهكت الحرب قوات الملكة رانافالونا الثالثة، ووضح أن الطرفين في حاجة الى توقيع صلح فيما بينهما فوضع فرنسينيه أما البرلمان الفرنسي شروط الصلح والمعاهدة (4).
وقعت المعاهدة بين فرنسا ومملكة الايمرينا في 17 ديسمبر 1885 في تاناناريف ووضعت المعاهدة حدا للحرب بين الطرفين، وأعطت المعاهدة الحق لفرنسا في تمثيل مدغشقر في جميع شئونها وعلاقتها الخارجية، وقبلت الملكة وجود مندوب فرنسي في اراضيها كما نظمت المعاهدة العلاقة بين الفرنسيين والأجانب، فوافقة الملكة على انشاء محكام للنظر في المنازعات بين الفرنسين واهالي الجزيرة كذلك تعهدت الملكة بحسن معاملة جماعات الساكالافا الذين قبلوا الحماية الفرنسية منذ منتصف القرن التاسع عشر، كذلك اعترفت الملكة باحتلال الفرنسيين لديجور سواريز مع دفع الملكة لغرامة قدرها عشرة ملايين فرنك، واعترفت فرنسا في المعاهدة بالملكة حاكمة على مدغشقر كلها.
بعد توقيع المعاهدة ارتفع العلم الفرنسي في مدغشقر من سانت اوجستين حتى سانت ماري (1).
ولكن يلاحظ بأن نص أو لفظ الحامية لم يرد في المعاهدة التي وقعتها الملكة رانافالونا الثالثة باللغة المالاجاشية، بينما ورد هذا اللفظ في النسخة الفرنسية (2)، كذلك ورد في النص الفرنسي بأن مندوب فرنسا يمثل الملكة في علاقاتها الخارجية، بينما في النص المالاجاشي ورد فيه بأنه يمكن لممثل فرنسا التدخل في العلاقات الخارجية لمدغشقر.
وقد ترتب على ذلك توتر العلاقة بين الطرفين مرة ثانية (3)، كذلك ترتب على اعتراف فرنسا بأن الملكة رانافالونا الثالثة حاكمة على الجزيرة كلها وليس على مملكة الهوفا فقط، ان استفادت الملكة من هذا النص في توسيع حدود بلادها والاغارة على المناطق المجاورة لها، كذلك تزايد العداء بينها وبين جماعات الساكالافا والتي ورد في المعاهدة حماية فرنسا لهم (4).
وفي الواقع كان الاعتقاد السائد بين القواد الفرنسيين ان حملة 1883 لن تستغرق فترة طويلة، الا أنهم وجودوا مقاومة منظمة انهكتهم لمدة عامين واعتقدوا ان من السهل احتلال المراكز الساحلية والموانئ داخل البلاد ولذلك نجد أن قات القائد الفرنسي بيير لم تكن مزودة بعدد كبير من الجنود ولولا المساعدات التي قدمت له من قبل حكام رينيون لهلك مع جنوده (5) والواقع أنه وجه الكثير من النقد لحملة 1883-1885 لأنها أنهكت الجنود الفرنسيين (6).
بعد توقيع المعاهدة عين لي ميردي فيليه (1) ممثلا لفرنسا في تاناناريف واصبحت ديجو بواريز مستعمرة فرنسية فعمل على تثبيت نفوذ بلاده فقام بدراسة السلالات والثروات الطبيعية في الجزيرة وقام المهندس الفرنسي سوبر بي بمد خط حديدي بين تاناناريف وتاماتاف كما قام استيب بدراسة السلالات والبلاد (2).
ولكن لم يعد مقبولا استمرار المنافسة البريطانية الفرنسية في الجزيرة وخاصة بعد توقيع معاهدة 1885، وكان لابد من وصول الدولتين الى اتفاق لحسم النزاع فيما بينهما، فتم توقيع اتفاق 5 أغسطس 1890 بين الدولتين اعترفت فيه فرنسا بنفوذ بريطانيا في زنجبار، وكان معنى ذلك الاتفاق أن تكف كل من الدولتين عن مضايقة الاخرى في مناطق نفوذها (3).
كذلك عملت فرنسا على الاتفاق مع ألمانيا فارسل السفير الفرنسي في برلين الى وكيل وزارة الخارجية الألمانية بيير ستين في نوفمبر 1890 بأن ألمانيا اذا اعترفت بالحماية الفرنسية على مدغشقر فان فرنسا لن تعترض على ضم ألمانيا للجزء الشرقي من القارة من أملاك سلطان زنجبار وجزيرة مافيا، وسيكون لرعايا الجزء ألمانيا في مدغشقر حق التجارة وحسن المعاملة من قبل فرنسا، كذلك يكون لرعايا فرنسا في زنجبار نفس الحقوق وكان رد الحكومة الألمانيا بأنها لن تعترض على اعلان الحماية الفرنسية على مدغشقر مادامت الحكومة الفرنسية لن تعترض بدورها على الحماية الألمانية في زنجبار ومافيا (4).
ورغم موافقة بريطانيا على عقد اتفاق 5 أغسطس 1890 الا أن اللورد سولسبوري اعرب عن تخوفه من مقاومة الهوفا للحماية الفرنسية ولكن ديتورينل المسئول الفرنسي في لندن أكد له أنه لا محل لهذه المخاوف وأن عملية المقاومة من قبل الوطنيين لا تنصب على الفرنسيين فحسب بل تنصب أيضا على المستعمرات البريطانية ايضا، كذلك أبدى سولسبوري تخوفه على مستقبل البعثات التنصيرية البروتستانتية، حيث تعرض لضغط من قبل رجال الدين في بريطانيا الا أن ديتورنيل أكد له حماية فرنسا لرجال الدين البريطانيين وضمان سلامتهم، والواقع أن سولسبوري كان يقع عليه بالفعل ضغطا كبيرا من قبل أعضاء مجلس النواب البريطاني وكان لرجال الدين المسيحيين صوت مسموع في بريطانيا ولكنه في النهاية واحتراما للاتفاق المعقود بين الدولتين في عام 1890 أصدر أوامره الى القناصل البريطانيين في مدغشقر بعدم الدخول في علاقات مع الهوفا الا بواسطة الممثل الفرنسي (1).
ولكن يتم الالتزام بهذه الاوامر من قبل بعض القناصل البريطانيين مثل الصراع بين القنصل البريطاني بيكر سجيل والفرنسيين الذين اتهموه بتقديم المساعدات للهوفا ويحثهم على ضرورة مقاومة الفرنسيين، ولذلك طالب السفير الفرنسي في باريس من الحكومة البريطانية استدعائه، فوافق اللورد سالسبوري (2). وكان لاستعداء بيكر سجيل صدى طيب في باريس الا أن الموقف كان عكس ذلك في بريطانيا فقد وجه اللوم الى اللورد سالسبوري لأنه ظهر بصورة الحريص على ارضاء فرنسا وتحقيق رغباتها (3) وفي والواقع ان استدعاء القنصل البريطاني أكد لملكة الايمرينا أن بريطانيا لن تقدم لهم يد المسعادة بعد اليوم (4).
وكان استدعاء بيكر سيجيل أمرا طبيعيا لأن بريطانيا بتوقيعها اتفاق 1890 مع فرنسا حسمت الخلاف حول جزيرة مدغشقر ولكن الملكة رانافالونا الثالثة استدعت بيكر سيجيل قبل رحيله الى لندن واعطته رسالة خاصة الى ملكة انجلترا كذلك سلمه رئيس وزرائها رسالة الى سالسبوري يطالب فيها الحكومة البريطانية بالتدخل لصالح حكومة الهوفا، وقد قام سالسبوري باطلاع السفير الفرنسي على هذه الرسالة في مارس 1892 مؤكدا له حسن نوايا بريطانيا (1).
عملت فرنسا بعد اتفاق 1890 على اقامة محاكم فرنسية في البلاد وأدخلت الاصلاحات القضائية والمائية والاددارية وكانت الحكومة البريطانية حريصة على التأكد من أن هذه الاصلاحات لن تمس مصالح رعاياها من تجارة أو رجال دين فطالب اللورد سالسبوري بأن تكون المحاكم الفرنسية في مدغشقر على غرار المحاكم الفرنسية في تونس الا أن وادنجتون السفير الفرنيس في لندن أوضح له أن هناك اختلاف كبير من الناحية الحضارية والمدنية بين تونس ومدغشقر، وأكد له أن البريطانيين لن يصيبهم أي ضرر من التحاكم أمام المحاكم الفرنسية أسوة بالفرنسيين في زنجبار الذين يحاكمون أمام المحاكم البريطانية وكأنه يذكره بالاتفاق المعقود بين الطرفين (2). وقد أقر اللورد سالسبوري في النهاية سلطة المحاكم الفرنسية في مدغشقر (3).
لم تحاول كلا الدولتين الاهتمام بمصالح أهالي البلاد الأصليين وانما اهتمت كل منهما برعاية مصالح مواطينها والعمل على توفير أفضل السبل لهم أثناء اقامتهم في الجزيرة فتجاهلتا بذلك الشعور الوطني لدى سكان الجزيرة كذلك لم تعد الحكومة البريطانية تهتم بذكر مصالح مملكة الايمرينا وسكانها من الهوفا.
ناقدت الصحف البريطانية نفسها فبعد أن كانت تشن الهجمات على سياسة فرنسا بدأت تثني على سياستها في مدغشقر ولكنها بين الحين والآخر كانت تطالب الحكومة البريطانية بضمان حرية العمل للبعثات التنصيرية البريطانية في الجزيرة، وتبدي تخوفها من نفوذ حكام ريونيون بأن يعملواعلى استبعاد البريطانيين من الجزيرة، ولكن الحكومة الفرنسية كانت تسارع بتبديد هذه المخاوف وتقدم الوعود والضمانات للبعثات التنصيرية البريطانية في الجزيرة وللتجار البريطانيين (4).
وبعد أن أمنت فرنسا نفسها بتوقيع اتفاق 1890 مع بريطانيا وحصولها على موافقة ألمانيا على فرض الحماية الفرنسية على مدغشقر بدأت جولة ثانية لوضع يدها نهائيا على الجزيرة وكان هانوتو من أنصار احتلال الجزيرة فكتب الى حكومته عن أهميتها الاستراتيجية لتأمين طريق المحيط الهندي وامكانية استيعابها الأيدي العاملة الفرنسية، وتكونت لجنة في باريس من ممثلي وزارات الخارجية والمستعمرات والبحرية والحربية لبحث الموقف ووضع تقدير عن المنطقة وأيد التقرير بطبيعة الحال احتلال الجزيرة (1) واتخذ البرلمان الفرنسي قرارا باحتلالها في 23 نوفمبر 1894 بعد خطبة طويلة ألقاها هانوتو موضحا أهمية مدغشقر وتم الاتفاق على رصد مبلغ 65 مليون فرنك للحملة وعهد الى القائد الفرنسي دوشن بقيادتها (2).
وقد وصلت الحملة الى مدغشقر فأرسل اليها حكام ريونيوم المساعدات اللازمة، وتم احتلال تتاماتاف في 12 ديسمبر 1894 وماجونجا في 15 يناير 1895 (3) وأصدرت الملكة رانافالونا الثالثة تعليماتها باعلان الحرب المقدسة ضد الفرنسيين، ولكن القوات الفرنسية بدأت تقدمها نحو عاصمة الهوف تاناناريف، ولم يكن هذا التقدم يسيرا فمملكة الايمرينا مشيدة فوق منطقة جبلية مرتفعة وعرة يفصلها عن الساحل مجموعة من الغابات التي يصعب اختراقها ولذلك كان تقدم القوات الفنسية صوب العاصمة عملا شاقا، فتعرضوا لهجمات الهوفا عليهم، واذا كانت القوات الفرنسية مجهزة ومدربة الا أن قوات الهوفا كانت أيضا على جانب كبير من التنظيم العسكري فقد تدرب الجنود على أساليب القتال الاوروبية مستخدمين الأسلحة الحديثة، ويرجع السبب في ذلك الى وجود الاوروبيين منذ فترة طويلة في مملكة الهوفا (4).
وقد حافظت رانافالونا الثالثة على رباطة جأشها فتحدثت الى الشعب وطلبت منه ضرورة العمل على تحقيق النصر على الفرنسيين وأنها واثقة من قدراتها فألهبت حماس الهوفا وقام الثوار بطلاء وجوههم باللون الأحمر دليلا على اصرارهم على القتال لآخر رمق (1).
ولكن في 30 سبتمبر 1895 بدأت القوات الفرنسية في احراز المزيد من الانتصارات واستولت على تانانا ريف وأجبرت الملكة في اكتوبر 1895 على توقيع معاهدة الحماية (2).
ورغم احتلال تاناناريف واجبار الملكة على توقيع معاهدة الحماية الا أن الثورة اندلعت في الجزيرة وأصدرت الملكة تعليماتها بالتزام الهدوء الا أن الثوار هاجموا العاصمة نفسها في مارس 1896 وتم قطع خطوط البرق وذبح بعض الأجانب وازداد الموقف خطورة بانضمام جماعات الساكالافا الى الثوار وكانوا قد قبلوا الحماية الفرنسية من قبل، وقطع الثوار المواصلات في ماجونجا فتم تعيين القائد الفرنسي جالليني (3) لاحلال السلام في مدغشقر (4).
وفي يونيو 1896 اضطر القواد الفرنسيين الى الاعتراف أمام البرلمان الفرنسي بأنه رغم دخولهم تناناريف الا أنه لم يتم اخضاع مدغشقر بعد، بسبب شدة مقاومة أهلها (5). ولذلك اصدر البرلمان الفرنسي قانوان في 6 أغسطس 1896 بتحويل مدغشقر والجزر التابعة لها الى مستعمرة فرنسية وتم نشر ذلك في الصحيفة الفرنسية في 9 أغسطس (6).
وقد لجأ جالليني منذ وصوله الى مدغشقر الى استخدام العنف مع الوطنيين فأعدم اقارب الملكة في اكتوبر 1896 كذلك ألغى الملكية في 28 فبراير 1897 وقام بنفي الملكة رانافالونا الثالثة الى ريونيو (7) وأصدر أوامره للقواد الفرنسيين باستخدام العنف وارتكب الجنود الفرنسين الفظائع وقاموا بذبح الثوار حتى بعد استسلامهم واستمرت عملية اخضاع الجزيرة الثائرة من 1897-1904 حتى أعغلن جالليني استكمال غزو الجزيرة (1).
هذا وقد قسم جالليني الجزيرة الى عدة مراكز ليسهل ادارتها ووضع على كل مركز قائد فرنسي. وقد أحكم بذلك سيطرته على المناطق الساحلية والداخلية من البلاد، وربط المناطق الداخلية بالساحل، وربط العاصمة تاناناريف بالمناطق الساحلية، فمد خطا حديديا منها حتى ديجوسواريز، وأجبر السكان على المل لمدة خمسين يوما كل سنة لخدمة المصالح الفرنسية، وفرض هذا القانون على كل الرجال من سن 16 سنة حتى سن 60، كما شجع على زراعة حاصلات زراعية معينة كالأرز والبن والمطاط، وعمل على تنشيط صناعة المنسوجات واحتكر الصناعة والزراعة، وأقام في ديوا سواريز قاعدة بحرية وصناعية (2).
وأصدر جالليني في 18 يناير 1897 قرارا بجعل الفرنسية هي اللغة الرسمية في الجزيرة واعتمد جالليني على ضباط ومديرين من ذوي النزعة الاستعمارية أمثال ليوتي (3)، ورغم أن جالليني نجح الى حد كبير في اخماد الثورات الوطنية وفي قتل ونفي الزعامات الوطنية من البلاد مدعما بذلك نفوذ فرنسا في مدغشقر، الا أنه ظهرت في فرنسا اعتراضات على اجبار المواطنين على العمل والسخرة ونددت بعض الجمعيات الانسانية بسياسة جالليني في الجزيرة، وأعلنت أن وضع الوطنيين في مدغشقر لا يقل عن وضع العبيد (4).
وأخيرا نلاحظ أنه رغم اعتناق مملكة الايمرينا وشعب الهوفا المسيحية، الا أن ذلك لم يرحمهم من فظائع الغزو الفرنسي، وكان من سوء حظ الملكة رانافالونا الثالثة أنها عاصرت فترة من أحلك فترات تاريخ مدغشقر ففي عهدها تعرضت الجزيرة لحملتين فرنسييتين 1883-1885، ورغم أن الملكة قاومت الحملة الأولى بشجاعة، منطقة النظير وأخذت تحث الهوفا على المقاومة والقتال فلم يمكن الفرنسييين من احراز انتصارت حاسمة، الا أنها خلال الحملة الثانية ورغم مقاومتها لم تحقق انتصارات فعالة ضد القوات الفرنسية الزاحفة، ولكن المقاومة الوطنية استمرت مع ذلك في البلاد حتى بعد نفيها وذلك بفضل حماسها.
ثانيا:الحماية الفرنسية على جزر القمر
تقع جزر القمر (1) في شرق أفريقيا، بينها وبين شمالي جزيرة مدغشقر وعلى بعد متساو تقريبا من كلا الجانبين يقرب من 275 كم وعلى عتبة بحرية لا يزيد عمقها على 300 متر (2). وتتكون جزر القمر من أربع جزر وهي جزيرة القمر الكبرى وعاصمتها موروني، وانجوان وموهيلي ومايوت وعاصمتها اودزي، وقد ارتبطت هذه الجزيرة بمصير مدغشقر نظرا لوقوعها بالقرب منها، ولأنهاتقع في منتصف الطريق بينها وبين القارة الأفريقية، واللغة العربية هي اللغة السائدة الى جانب اللغة السواحيلية التي تستعمل في الحياة اليومية (4).
وعلى الرغم من وصول البرتغال (5) الى جزيرة القمر الكبرى، الا أن الاوروبيين فضلوا الاستقرار في بداية الأمر في موزمبيق. ولكن هذا لا يعني أنهم انقطعوا عن زيارة الجزيرة، فقد زارها في القرن السابع عشر العديد من الرحالة (6) الذين انتموا لجنسيات مختلفة. على أن من أهم هؤلاء الرحالة خلال هذه الفترة من سلالات عربية، وفارسية، وزنجية، زار فلاكور جزيرة مايوت أيضا، فوصف الشواهد العربية فيها، وبينها وبين مدغشقر، وطلب فلاكور من حكومته ضرورة انشاء مستعمرة فرنسية في هذه الجزر، وأنه يمكن لفرنسا الاستفادة منها، وتحويلها الى مستعمرات فرنسية على غرار المستعمرات الأمريكية فمن الممكن زراعة القطن والطباق والبنجر فيها، وتوجيه السكان لزراعة أنماط زراعية معينة،’ وكتب فلاكور أنه رغم وجود أغلبية مسلمة بالجزيرة، إلا أنه من الممكن ارسال البعثات التنصيرية اليها (1).
واذا كان الرحالة الفرنسيون قد زارو جزر القمر خلال القرن السابع عشر والثامن عشر، الا أن السيطرة الفرنسية على هذه الجزيرة لم تتم الا منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى نهايته، بالاضافة الى أن حكام ريونيو لم يهتموا بهذه الجزر قد اهتمامهم بجزيرة مدغشقر.
ورغم وجود أغلبية مسلمة سنية في جزر القمر، إلا أنهم للأسف لم يحاولوا توحيد جهودهم ضد الغزو الفرنسي، بل انشغلوا في حروب أهلية طاحنة والبعض منهم طلب بنفسه فرض الحماية الفرنسية على مناطق نفوذه، وقد سقطعت جزر الكومور الأربع في يد فرنسا على التوالي ففي عام 1843 فرضت فرنسا حمايتها على مايوت وفي عام 1886 أعلنت حمايتها على موهيلي، وعلى جزيرة القمر الكبرى، وفي عام 1887 أعلنت حمايتها على انجوان.
أولا: اعلان الحماية على مايوت:
كانت مايوت هي أولى جزر القمر التي وقعت في يد فرنسا، وكانت هذه الجزيرة تتبع أمراء جزيرة انجوان، وقد جذبت الجزيرة أنظار العديد من الرحالة الاوروبيين الا أن وزارة المستعمرات الفرنسية لم تهتم بها الا في القرن التاسع عشر عندما لفت لابورد انظار حكومته اليها، وقد ذكرنا من قبل أن لابورد طرد من مدغشقر بعد أن عمل فيها فترة طويلة، فقد طردته الملكة رانافالونا الأولى بسبب تزايد نفوذه وتقربه من ابنها ولي العهد راداما الثاني، فاتجه لابورد الى جزيرة مايوت للاقامة فيها، وكتب الى الحكومة الفرنسية بضرورة فرض الحماية على هذه الجزيرة التي تمتاز بثرواتها الطبيعية، وموقعها الممتاز بالاضافة الى ان الظروف الداخلية في الجزيرة كانت مهيأة لذلك لأنه لم تكن هناك قوة سياسية كبيرة في البلاد، على عكس الحال بالنسبة لمدغشقر حيث كان الهوفا يسيطرون على أجزاء كبيرة من مملكة نشطة، ولها تكوينها السياسي المعروف (1).
ولقد ساعدت الظروف الداخلية في مايوت فرنسا على فرض حمايتها عليها ففي عهد الملكة رانافالونا الأولى اتسمت سياستها في جزيرة مدغشقر بالتوسع وضم أراضي جيرانها فتوسعت الى جزيرة مايوت وعينت السلطان اندريات صولي لحكم الجزيرة، ولكنه خشى أن ينافسه أخد في حكمها فطلب بنفسه من الفرنسيين وقبل تعليم أولاده في جزيرة بوريون الفرنسية، ووقعت المعاهدة في 10 فبراير 1843، وأصبحت مايوت مستعمرة فرنسية، فكان بذلك أول مستعمرة من بين جزر القمر (2) وانعزلت بذلك نهائيا عن انجوان (3).
كسبت فرنسا العديد من الفوائد باعلان حمايتها على مايوت، فقد أصبحت لها حقوق في المنطقة، واستطاعت خلال هذه الفترة المبكرة أن تستبعد من الجزيرة النفوذ البريطاني نهائيات، كذلك شبه الساسة الفرنسيون جزيرة مايوت بأنها تبدو وكأنها بندقية مصوبة في قلب مدغشقر ومملكة الهوفا وذلك لنظرا لقربها منها. وقد تم وضع مايوت تحت قيادة قائد فرنسي مستقل عن حكام بوريون (ريونيون) وأصبحت الجزيرة تمثل قاعدة بحرية هامة لها قيمتها بالنسبة لفرنسا، وعندما أراد الفرنسيون احتلال مدغشقر بعد أربعون عاما من فرض حمايتهم على مايوت، أفادوا من تواجدهم، واستخدموها في عملياتهم العسكرية والبحرية ضد مدغشقر (4).
ثانيا: جزيرة موهيلي:
كانت جزيرة موهيلي، تتبع أمراء انجوان شأنها في ذلك شأن مايوت ويسكن الجزيرة جماعات فارسية من شيراز، كذلك من مدغشقر إلا أن أغلب السكان كانوا على المذهب السني وذلك بسبب وجود سلالات عربية فيها، وقد انتشرت الحروب الأهلية في جزيرة موهيلي، حتى وقعت في يد أحد أقارب راداما الأولى – ملك الهوفا في مدغشقر وكان يدعى رامانانيكا الذي أصبح سلطانا على البلاد واعتنق الاسلام وسمى نفسه عبد الرحمن (1).
ونلاحظ مدى الصلات الوثيقة بين جزيرة مدغشقر وجزر القمر فهناك اتصال دائم بين الطرفين، وللأوضاع الداخلية في مدغشقر صدى في جزر القمر، فكما استقر راماناتيكا في جزيرة موهيلي في عهد راداما الأول، نجد أن أندريان صولي فر من مدغشقر واستقر في مايوت وذلك في عهد الملكة رانافونا الأولى التي اتبعت سياسة توسعية في مدغشقر.
ظل عبد الرحمن أو رامانانيكا يحكم موهيلي، حتى توفى عام 1842 وقد اتسمت فترة حكمه بالقوة وتدعيم نفوذه في الجزيرة، وقد تولت ابنته حكم الجزيرة بعد وفاته، مما أدى الى تزايد أطماع جيرانها في مملكتها وخاصة سلطان زنجبار السيد سعيد بن سلطان الذي تطلع لمد نفوذه نحو الجنوب واراد تدعيم سيطرته على موهيلي اما عن طريق الزواج من السلطانة الجديدة، أو عن طريق اعلان تبعية الجزيرة له، كذلك تطلعت مملكة الهوفا في مدغشقر لوضع يدها على موهيلي، وخاصة وأن حكامها ينتمون لأصول من مدغشقر، ونتيجة لتزايد أطماع جيران جزيرة موهيلي فيها لجأت الملكة الى البحث عن حليف لها يقيها من أطماع الطامعين في عرشها، فاتصلت بالفرنسيين وقربت اليها سيدة فرنسية من بوند شيري تدعى مدام دورية، والتي أصبحت من أقرب مستشاريها ، ثم دخلت الملكة في مفاوضات مع الفرنسيين وقبلت اعلان الحماية الفرنسية على أراضيها في عام 1849، ولكن رغم اقدام الملكة على هذه الحطوة لتأمين مركزها في الجزيرة إلا أن سلطان زنجبار والأمراء العرب لم يرضوا بذلك ونجحوا في اقناع الملكة والضغط عليها لتغير موقفها والتخلي عن استبقائها الفرنسيين في مايوت، فقامت الملكة باستبعاد مدام دورية عام 1851، ثم قبل بعد ذلك الزواج من ابن عم سلطان زنجبار الذي حكم قبضته على البلاد، ولكن سرعان ما ضاقت الملكة بتقيد سلطانها ولم تقبل أن يدين سكان جزيرة موهيلي بالتبعة لزنجبار فقامت بثورة ضد زوجها فر على أثرها من البلاد عام 1890 (1).
وجدير بالذكر أن الفرنسيين تزايد نشاطهم في موهيلي، فقد عمل لابورد فيها كما عمل في مايوت من قبل على أثر طرده من مدغشقر، وقد تعاون مع لامبير لاكتشاف ثروات البلاد، وأنشأ شركة موهيلي، واصبح لامبير مستشارا خاصة للملكة، ونجح في اقناعها بادخال حاصلات زراعية جديدة في البلاد وقد وافقت الملكة على جميع مطالبه فسيطرة على الزراعة والصناعة والنواحي المالية في الجزيرة، وتركت له الملكة توجيه شئون الجزيرة السياسية والاقتصادية (2).
ولكن الأمور لم تستقر في جزيرة موهيلي مما دفع سكانها الى تشكيل وفد منها لطلب الحماية المصرية من الخديوي اسماعيل ففي عام 1875، وصلت حملة ماكيلوب باشا حتى قسمايو وسواحل أفريقيا الشرقية، فرأى سكان موهيلي انتهاز هذه الفرصة وكونوا وفدا منهم لمقابلة المسئولين المصريين الذين نصحوهم بالكتابة الى الخديوي وزيارة مصر لعرض طلبهم هذا (3).
ونتيجة لعدم استقرار الامور في موهيلي أجبرت الملكة على التنازل عن الحكم لابنها بعد فترة من الاضطرابات التي شهدتها الجزيرة في أعقاب طرد زوجها من البلاد، ولكن تعيين حاكم جديد في موهيلي لم ينه الاضطرابات بها، وعجز مجلس الوزراء عن السيطرة على الموقف فطلب من فرنسا اعلان الحماية الفرنسية على موهيلي وتم عقد معاهدة الحماية في 26 أبريل 1886، وهكذا نلاحظ ان اضطراب الأوضاع الداخلية في كل من مايوت وموهيلي دفع سكانهما لطلب الحماية الفرنسية (1).
ثالثا:جزيرة القمر الكبرى:
أما جزيرة القمر الكبرى فقد كانت مقسمة في زمن السيطرة الاستعمارية الى اثنى عشر مقاطعة كل منها عليه سلطان وأكبرهم يلقب باسم سلطان تيبه، يخضع له جميع السلاطين، وكان صاحب هذا اللقب هو السلطان أحمد الذي تولى الحكم منذ عام 1850 وحكم عاصمة الجزيرة موروني، ولكنه دخل في حروب أهلية مع جيرانه وأوصى بالحكم لابن أخيه السيد علي، ولكن مضى السلاطين رفض تنفيذ هذه الوصية بعد وفاته وتنصيب السيد علي سلطانا على جزيرة القمر الكبرى، واتجه البعض منهم الى الأمير موسى فومو سلطان مقاطعة ايتساندرا الذي رحب أن يكون هو صاحب لقب السلطان تيبه، فدارت الحرب بين الطرفين وهزم موسى، ويرجع السبب في انتصار السيد علي على منافسه المساعدات التي قدمها حكام انجوان وموهيني كذلك حكام مقاطعة بادجيني (2).
هذا وقد حاولت بريطانيا الافادة من الموقف في جزيرة القمر الكبرى فعرضت على السيد علي فرض حمايتها على السكان ولكنه رفض، وطلب المساعدة من الفرنسيين في مايوت ، فعرض عليه القائد الفرنسي فرض الحماية الفرنسية على بلاده، وقد لاحظ السلطان خلال هذه الفترة تزايد المنافسة الاوروبية في ساحل شرق أفريقيا وخاصة في زنجبار وتطلعت الدول المنافسة الى الجزر القريبة من هذا الساحل فطلب الألمان في زنجبار من السيد علي رفع العلم الألماني على جبال فومبوني ولكنه رفض، كذلك قرب اليه البريطانيون في زنجبار، أما فرنسا فقد قامت بارسال العالم الفرنسي همبلو في مهمة علمية وسياسية الى الجزيرة الغرض منها اكتشاف الجزيرة والتعرف على أوضاعها السياسية، وقد أفاض همبلو في وصف ثروة الجزيرة وخصوبة أراضيها وامكانية افادة فرنسا منها، وخلال فترة وجوده في الجزيرة عاد الأمير موسى فومو لمنافسة السيد علي، وعمل على طلب الحماية الفنسية من همبلو (1).
اتفق همبلو على نصوص معاهدة الحماية في 5 أكتوبر 1885 مع السيد علي الذي تعهد بقبول الحماية ، وعدم الاتفاق مع أية دولة اوروبية الا بعد مشورة فرنسا، وان يكون لفرنسا الامتياز والافضلية في الجزيرة على غيرها من دول اوروبا، كما أعطى السيد علي لهمبلو الحق في استغلال أراضي الجزيرة، وأصبح السيد علي بمقتضى المعاهدة سلطانا على خمس مقاطعات (2). وحكم العاصمة موروني، كذلك تعهد بعدم اعلان الحرب الا بعد موافقة فرنسا (3).
اعترفت الدولتان البريطانية والألمانية بالمعاهدة التي وقعها همبلو مع السيد علي، الذي وقع هو الآخر معاهدة الحماية في أول يناير 1886 (4).
وفي عام 1886 عين ويبر معتمدا فرنسيا في الجزيرة فدار صراع بينه وبين همبلو، واعتبر الأخير نفسه أحق من غيره لتولي ادارة الجزيرة، لأنه صاحب الفضل في استثمارها، وهو الذي لفت نظر الحكومة الفرنسية لها، كذلك لصلاته القوية مع السيد علي سلطان الجزيرة، بل أن شجع السلطن على غزو الجزيرة كلها وعدم الاكتفاء بالمقاطعات التي يحكمها (5).
أثارت المعاهدة التي وقعها السيد علي الوطنيين واتهموا السلطان بأنه جاء بالفرنسيين الى الجزيرة لاذلالهم فقامت ثورة في عام 1899 في مقاطعة بادجيني والتي كانت موالية للسلطان من قبل وتزعم امير يدي شيمون ولكن فرنسا نجحت في اخماد الثورة وقتل الأمير الثائر.
ولكن سرعان ما اندلعت ثورة أخرى في عام 1890 واضطر السيد علي الى الفرار ليلا من الجزيرة الى جزيرة مايوت في 13 فبراير 1891 حملته اليها سفينة فرنسية حاول الفرنسيون اقناع الأهالي بأن فرنسا ما زالت تعترف بالسيد عليى سلطانا على الجزيرة الا أنهم رفضوا الاستماع لهم فأرسلت فرنسا قوة صغيرة قمعت الثورة في 6 يناير 1892 عقدت فرنسا اتفاقا ألغت بموجبه السلطات الخمس وقسمت الجزيرة الى اثني عشرة مقاطعة وجعلت على كل مقاطعة قاضي، وعلى رأس كل قرية شيخا وانتقلت السيادة التي كانت للسلطان الى مجلس القضاة الذي ينعقد بحضور المقيم الفرنسي (1) كما فرضت فرنسا ضريبة على السكان من سن 12 الى 60 سنويا (2).
رغم كل الاجراءات التي اتخذتها فرنسا في الجزيرة الا أن الثورات لم تنقطع فيها، وجرت محاولة لقتل همبلو، فانتهز المقيم الفرنسي الفرصة، واتهم السلطان السيد علي رغم اقتناعه ببراءته، ولكنها كانت فرصة مثالية لنفيه والتخلص منه وقد تم نفيه الى ديجو سواريز في مدغشقر، ثم رينيون وبذلك انتهت فترة حكمه لينفرد الفرنسيون بالمنطقة (3).
رابعا: انجوان:
أما جزيرة أنجوان ، فقد كانت آخر جزيرة من جزر القمر، التي فرضت عليها الحماية الفرنسية في عام 1887، وقد تمكن فرنسا من تحقيق غرضها بسهولة في هذه الجزيرة بسبب انتشار الحروب الأهلية. فقد دار صراع عنيف بين علوي بن عبد الله حاكم انجوان ، وعمه سالم الذي عمل على محاصرتها في موتسامودو، وتحالف مع راماناتيكا (عبد الرحمن) حاكم موهيلي، ولم يتمكن علوي من التصدي لعمه فهرب الى جزيرة القمر الكبرى، ومنها الى موزمبيق، ثم استقر به المقام في موريشيوس حيث توفى بها عام 1842 (4).
ورغم انفراد سالم بالحكم في انجوان، إلا أن الأمور لم تستقم له، وذلك بسبب انتشار القوى والحروب الأهلية، فقام وفد من سكان الجزيرة بمقابلة القائد المصري رضوان باشا في 27 نوفمبر 1875 أثناء تواجد القوات المصرية في شرق افريقيا وطلبوا منه دخول الجزيرة تحت الحماية المصرية (1).
وفي الواقع كانت الحكومة المصرية وخلال هذه الفترة مشغولة بتدعيم سطيرتها على ساحل شرق افريقيا، أكثر من اهتمامها بهذه الجزيرة الصغيرة.
وتوفى سالم ليخلفه في حكم انجوان ابن عمه عبد الله الذي تقرب من البريطانيين ووقع معهم معهدة في عام 1882، نصت على الغاء تجارة الرقيق في انجوان، ولكن ترتب على توقيعه هذه المعاهدة ثورة التجار ضد عبد الله، لأنه هذه التجارة مثلت لهم مصدر رزق، فاندلعت الحروب الأهلية من جديد في انجوان واضطر عبد الله للابقاء على عرضه الى طلب الحماية الفرنسية على الجزيرة (2).
وتم توقيع معاهدة الحماية الفنرسية على انجوان في 15 اكتوبر 1887 تعهد حكام الجزيرة بقبول ممثل فرنسي في أراضيهم، وأعطوا لفرنسا حق انشاء المدارس، كما أعطت المعاهدة للممثل افرنسية حق التجارة في المنطقة، وقبل السلطان فتح الجزيرة لرجال الأعمال، والتجار الفرنسيين وتشكيل محاكم فرنسية للتقاضي فيها، كذلك الاعتراف بحقوق الأجانب الذين استقروا في الجزيرة منذ فترة طويلة، وحرية الملاحة، واستقبال السفن الفرنسية، كذلك تعهد السلطان بعدم نقل الأسلحة الى بلاده ومنع تجارة الرقيق (3).
وافق اذن عبد الله بن سالم على قبول الحماية الفرنسية ، ولكنه رفض عرض قدمه ترويل المعتمد الفرنسي بأن تكون الادارة الداخية في الجزيرة في يد فرنسا، واعتبر ذلك مساسا بحقوقه، واندلعت الثورة في انجوان وقام المسلون بمهاجمة مقر المعتمد الفرنسي وأهانوا العلم الفرنسي ، ثم توفي عبد الله ليخلفه أخاه عثمان فاندلعت الثورة في انجون والحروب الأهلية من جديد لأن أهالي موتسا مودو والعرب بايعوا السيد سالم بن عبد الله، بينما بايع الزنوج عثمان، واضطر سالم الى الفرار الى دوموني فتعقبهم عثمان وقبض على ابن اخيه سالم، وخلال فترة الحروب الأهلية بين عثمان وابن أخيه أفادت فرنسا من الموقف فأنزلت جنودها الى الجزيرة وقامت بنفي كل من عثمان وسالم الى نيو كاليدونيا (1)، ونصب الفرنسيون السيد عمر أميرا على انجوان فعين حاكما عليها في الفترة ما بين 1891-1892 وأعلن في 21 أبريل 1892 قبوله الحماية الفرنسية (2)، تلك الحماية التي وافق عليها من قبل السلطان عبد الله بن سالم.
ونلاحظ أنه على الرغم من فرض الحماية الفرنسية على انجوان وقبول السلطان عبد الله بن سالم توقيع معاهدة مع الفرنسيين بهذا المعنى في عام 1887، الا أن السلطان الجديد السيد عمر الذي نصبه الفرنسيون على الجزيرة بعد فترة الحروب الأهلية اعترف هو الآخر بهذه الحماية مرة ثانية في عام 1892، مؤكدا حق فرنسا في المنطقة فدفع لهم بذلك ثمن تنصيبه سلطان على بلاده.
رغم وجود أغلبية مسلمة في جزر القمر الأربع، الا أنه للأسف لم يكن لهم دور فعال في مقاومة النفوذ الفرنسي فلم يحاولوا تنظيم أنفسهم، وانما انشغلوا جميعا بالحروب الأهلية فيما بينهم، كذلك لا نجد في جزر الكومور تنظيما سياسيا قويا كالذي وجدناه في مدغشقر.
عند ختام الحديث عن جزر القمر، نذكر أنه صدر قرارا في عام 1912 أصبحت بموجبه هذه الجزر مستعمرة فرنسية وكانت محميات من قبل باستثناء مايوت. ثم ألحقت هذه الجزر بمدغشقر، وبقيت تتبعها لمدة عامين حتى عام 1814، ثم عادت مستعمرة منفصلة واستمر ذلك الوضع حتى ما بعد الحرب العالمية الثانية (3).
وكغيرها من المستعمرات الفرنسية لم يكن لجزر القمر الحق في ارسال مبعوثين الى البرلمان الفرنسي، وانما كان له ممثل خاص في مجلس المستعمرات الأعلى، وكان فرنسيا من أصحاب الأملاك المستعمرين في تلك الجزر، وبدأت هذه الجزيرة تأخذ طريقها للاصطباع بالصبغة الفرنسية كغيرها من المناطق التابعة لفرنساhttp://www.marefa.org/sources/index.php/%D8%A8%D8%AD%D9%88%D8%AB_%D9%88%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A7%D8%AA_%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82%D9%8A%D8%A9_%D9%81%D9%8A_%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE_%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB (1).
No comments:
Post a Comment