إلهام محمد علي ذهني، ط1.
القاهرة: مكتبة الأنجلو المصري، 2009.
الفصل الخامس:امتداد النفوذ البريطاني الى البحيرات الاستوائية (اوغنده)
مملكة اوغندا في القرن 19
تقع مملكة اوغنده غرب بحيرة فيكتوريا يحدها سودان وادي النيل شمالا والكونغو الحرة غربا، وأفريقيا الشرقية الألمانية جنوبا، وأفريقيا الشرقية البريطانيا (كينيا) شرقا.
وتوجد في أراضي اوغندا أشهر البحيرات الأفريقية ففيها بحيرة فيكتوريا، وبحيرت ألبرت، وإدوارد وكيوجا. كما تضم مجاري نهرية هامة مثل نيل فيكتوريا ونيل ألبرت وتمثل هذه المسطحات بأكملها منابع النيل العليا في هضبة البحيرات (1).
وتتنوع مظاهر السطح في اوغنده من البحيرات الأخدودية غربا الى جبل الجون عند حدودها مع كينيا شرقا، وتمتد المرتفعات الغربية جنوب بحيرة ألبرت. وتتميز المناطق المرتفعة بغزارة الأمطار، أما الهضبة الوسطى فتتميز بكثرة المستنقعات والتلال الغابية في مقاطعة اوغنده، والمقاطعة الشرقية.
وتشغل بحيرة فيكتوريا حوضا ضحلا بين فرعي الأخدود الأفريقي الشرقي الغربي، والى الشمال منها يوجد عدد من التلال ذات قمم مسطحة وتفصل مستنقعات بحيرة كيوجا بين اقليم البحيرة جنوبا وهضبة اوغندا الشمالية المرتفعة شمالا وتغزر الأمطار قرب البحيرة (2).
أما في شمال شرقي اوغنده وقرب حدودها مع كينيا يتميز السطح بعدد من الحافات البركانية التي تنحدر نحو بحيرة فيكتوريا. وأبرز الملامح جبل إليجون والى الشمال منه توجد هضبة واسعة يصل ارتفاع بعضها إلى أكثر من ثلاثة آلاف متر. ورغم أو اوغنده ذات موقع استوائي الا أن مناخها ليس حارا بسبب الارتفاع ووجود مسطحات مائية واسعة بها مما أدى الى سهولة عمل البعثات التنصيرية في المنطقة (3).
أما عن السلالات فعلى الرغم من صغر المساحة فان عدد سكان اوغنده كبير نسبيا، وينتمي السكان الى سلاسلة البانتو، وهي أكثر الجماعات انتشارا، ومنهم جماعة التوزنو والباجندا، ويعتبر الباجندا أذكى الشعوب يليهم الباسوجا (1).
والبانتو مجموعة زنجية لغوية واحدة يعكس زنوج غرب أفريقيا، وتمتد أوطانهم شمالا من خليج بيافرا عند الحدود الشرقية لنيجريا ثم تمتد في اتجاه شرقي مع تعرجات عديدة الى الشمال ثم الجنوب عبر الكونغو حتى منطقة بحيرات أعالي النيل وحول بحيرة فيكتوريا (2).
أما النيليون الحاميون أو أنصاف الحاميون فيعيشون بين الحاميين والزنوج في أجزاء من أعالي حوض النيل وهضبة شرق أفريقيا. وجرت العادة على تسمية هذه السلالة بالنيليين الحاميين وتشمل أوطانهم الجزء الجنوبي الشرقي من اوغنده والغربي من كينيا والشمالي من تجانيقا (3).
ومن أشهر القبائل في هذه المجموعة الأتيسو وهم يعيشون في الاقليم الواقع شرق بحيرة يكوجا في المستنقعات الواقعة شمال تلك البحيرة ويمتاز اقليمها بالخصوبة وتوجد مجموعة صغيرة تسمى كاراموجا وهم رعاة بقر (4).
النيليون عددهم كبير وينتشرون في أعالي النيل جنوب خط الاستواء ومنهم الاتشولي في الأجزاء الشمالية وجماعة لو في خليج كافير وندو، وجماعة اللانجو شمال بحيرة كيوجا.
أما الأقزام فيعيشون في جماعات محدودة في جبل رونزوي في غابة اتوري وتتركز جماعات البامبوتي في ا حدى المراكز الجبلية حول بحيرة ادوارد في اقليم كيجيري، وهناك جماعات عددهم أكبر منهم البامبا في روتزوري (5).
أما عن الوضع السياسي في اوغنده، فقد وجدت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر عدة ممالك أولهما وأقواهما مملكة بوغندة أو اوغندة وهما اسمان لمملكة واحدة وتقع شمال غرب بحيرة فيكتوريا تحدها مملكة بونيورو أو اونيورو، ومملكة بوسوجا شرقا ، ونورو غربا (1) وكاراجوي جنوبا.
هذا وقد وصلت مملكة اوغندا من الناحية السياسية الى درجة متقدمة لم تشهدها بقية الممالك الاستوائية أما اونيورو فقد ظلت محتفظة بقوتها لمدة قرنين حتى القرن التاسع عشر فتولت اوغنده الزعامة (2).
وللمملكة نظام هرمي فالملك أو الكاباكا على رأس الهرم الاجتماعي يتمتع بسلطات مطلقة على رعاياه وهو الميئول عن ادارة المملكة يساعده مجلس المملكة اللوكيكو يرأسه رئيس الوزراء في يده السلطة المركزية، ثم حكام الاقاليم، ويعتبر موتيسا وابنه موانجا من أشهر ملوك اوغنده في النصف الثاني من القرن التاسع عشر فقد عاصرا فترة التدخل الاوروبي، ونشاط البعثات التنصيرية (3)ز
وكان أهالي البلاد يدينون بالوثنية، وانتشرت بينهم عبادة التواتم. ويعتبر الاسلام أول الأديان السماوية دخولا الى اوغنده. فقد انتقل اليها عن طريقين الأول طريق السودان ولو أن وجود منطقة السدود كان عقبة في سلبيل انتشاره، ولكن وصول القوات المصرية وامتداد الامبراطورية المصرية الى المديرية الاستوائية في أقصى جنوب السودان شمال اوغنده في عقد الخديوي اسماعيل كان عاملا هاما في نشر الاسلام.
أما الطريق الثاني الذي لا يقل أهمية وهو الأكثر قدما فهو طريق ساحل أفريقيا الشرقي حيث لعب عرب مسقط وعمان دورا هاما في نشر الاسلام في المناطق الداخلية وانتشر الاسلام سلميا بين السكان (4).
ويرجع الفضل الى التاجر المسلم أحمد بن ابراهيم في دخول الاسلام اوغنده قادما من زنجبار، وقد توغل في مملكة كاروجوي الواقعة جنوب اوغنده غرب بحيرة فيكتوريا 1844 باحثا عن العاج والرقيق. وقد اقنع هذا التاجر ملك اوغندا الملك سونا باعتناق الاسلام ، ورحب الملك بالتجار العرب الذين اشتركوا معه في حملاته العسكرية ضد أعدائه، ولكن سرعان ما حدث سوء تفاهم بين الطرفين وذلك لأن قوافل العرب كانت تحمل الأسلحة فخشى الملك سونا من أن يمد العرب أعدائه بالاسلحة فأصدر أمرا بمنع دخول التجار وعبور نهر كاجيرا ومنع التجار العرب من دخول اوغندا حتى تولى أميدسا أو موتيسا (1857-1884) الذي سمح لهم بدخول البلاد باعتبارها أقوى الممالك وانما تجاروا ايضا مع رومانيكا ملك كاراجوي (1)ز
واقام العرب في اوغنده عدة مراكز تجارية، كما أقاموا مخازن لحفظ السلع وازداد الطلب في اوغنده على الأسلحة النارية والملابس القطنية، ومما ساعد على تقوية العلاقة في عقد الملك موتيسا عدة عوامل منها انتقال عاصمة البوسعيد من مسقط الى زنجبار كما أوضحنا من قبل، فتزايدت القوافل العربية القادمة من ساحل شرق أفريقيا للحصول على منتجات أفريقيا الداخلية، كذلك أدى صعوبة الاتصال بالمملكة في موسم الأمطار على حاجة العرب الى اقامة المراكز الدائمة في اوغنده مما أدى الى ازدياد انتشار الاسلام (2).
هذا وقد أفاد التجار العرب من سماح موتيسا لهم بالاستقرار في العاصمة، فاستغلوا بحيرة فيكتوريا في نقل متاجرهم وسلعهم والاتصال بمستعمراتهم ومستودعاتهم التجارية الواقعة جنوب بحيرة فيكتوريا، واستخدموا الأدوات والمراكب الشراعية التي بنوها بأنفسهم وصارت تخترق مياه البحيرات من أقصاها وانتهز العرب الفرصة فأخذوا ينشرون الاسلام ولم تكن علاقة العرب ودية مع موتيسا ملك اوغندا فحسب بل مع رومانيكا حاكم كاراجوي ومع ميرامبو حاكم اونيا مويزي ومع جواوا حاكم اوهيهي وكان هؤلاء الزعماء يشنون الاغارات على جيرانهم ويقومون بتسليم اسراهم كرقيق للتجار العرب ويحصلون مقابل ذلك على الأقمشة التي كانوا يدفعونها رواتب لجنودهم ولما كان التجار العرب يعترفون بنفوذ السيد سعيد بن سلطان في زنجبار، فقد نقلوا هذا النفوذ الى اقليم البحيرات العظمى والمجاري العليا للكونغو والنيل (1).
البعثات الكشفية والتنصيرية في اوغنده
ساهمت البعثات التنصيرية والكشفية في استعمار اوغندا، وكانت حركة كشف منابع النيل الاستوائية هي بداية الخطر الذي لحق بالبلاد. فقد ظلت منابع لانيل (2) تشغل أذهان الكثيرين حتى تم جلاء الغموض عنها في القرن التاسع عشر ، ويعزى الى محمد علي الفضل في ارسال البعثات الى النيل، فقد أوفد أولى هذه البعثات في عام 1839 ثم وصلت بعثة كشفية أخرى الى غندكرو (3).
وفي عام 1843 أرسلت جمعية الارساليت البريطانية المنصر الألماني كراف الى سواحل أفريقيا الشرقية، الذي استطاع لفت أنظار الدول الاوروبية الى ضرورة التوغل في داخل القارة. كما زودها بمعلومات جغرافية عن أفريقيا الشرقية. وكان كشف كراف بداية لدخول البعثات التنصيرية الى اوغندا اذ أسفرت جهوده عن انشاء عدة محطات للتنصير، كما أنه لفت الأنظار لوجود بحيرة عظيمة في اونيامويزي، وفي عام 1849 نجح في الكشف عن جبل الجون عند الحدود الشرقية لاوغنده (4) ومنها اتجه شمالا الى بلاد اتشولي ولانجو. وكان سبيك أثناء رحلته قد سمع بالبحيرة الغربية الكبرى والتي تعرف الآن باسم ألبرت نيانزا ولكنه لم يتمكن من الوصول اليها وعند وصول غندكرو في فبراير 1863 قابله صمويل بيكر فأوصاه سبيك باكتشاف البحيرة والتي أطلق عليها اسم بحيرة ألبرت (5).
وبعد عودة سبيك الى انجلترا اخذ يروج لفكرة انشاء مستعمرة تنصيرية في هذه الاقاليم ولاسيما في ممالك اونيوزو وكاراجوي واوغنده وذكر، يجب على جميع ارساليات الكنيسة أن توجه بصفة خاصة انتباهها لأنها سوف تجد ملوكا أقوياء لحمايتها ولسوف تجد تربة خصبة لسد حاجتها وشعبا ثريا (1).
أنا صمويل بيكر فقد عمل في مصر وحصل من سعيد باشا على فرمان بمساعدة عدد من موظفي الحكومة المصرية في السودان، فقضى عاما متتبعا روافد النيل عند الحبشة، وطاف بالبلاد عند نهر عطبرة والنيل الأزرق، والنيل الأبيض حتى ملتقاه عند السوباط ونشر رحلته في عام 1867 (2).
ثم عاد من رحلته الى الخرطوم ومنها تقدم جنوبا في النيل الابيض حيث عرضت عليها الجمعية الجغرافية الملكية أن يتقدم في النيل جنوبا باحثا عن سبيك وجرانت. وعندما علم بوصولهما الى منابع النيل اتجه الى البحيرة التي أطلق عليها اسم بحيرة البرت (3) 1864 تكريما لزوج الملكة فيكتوريا وشاهد المساقط المائية التي سماها شلالات مرشيزون تكريما لرئيس الجمعية الجغرافية (4).
وكان لبيكر جولات أخرى في منابع النيل الاستوائية فقد أوفدته الحكومة المصرية عام 1869 لاخضاع الاقاليم الواقعة جنوب غندكرو للادارة المصرية وانشاء عدة مراكز عسكرية وتجارية في تلك الأقاليم وفتح النيل للملاحة من غندكرو الى البحيرات الاستوائية العظمى ونقل السفن الى بحيرة البرت وذلك بهدف ادخال الحضارة والمدنية في هذه الجهات (5).
ولما كانت مشكلة منابع النيل ومساحة البحيرات الاستوائية لم تحل الا جزئيا على أيدي لفنسجتون وبرتون وسبيك وجرانت، فقد استطاع ستانلي أن يقنع أصحاب صحيفتي "تليك جراف" و"نيويورك هيرالد" بالتعاون معا لتمويل حملة كشفية هدفها حل المعضلات المتبقية عن جغرافيا أفريقيا الوسطى. وكانت النتيجة تكليف ستانلي بالقيام برحلة الى أفريقيا استغرقت حوالي عامين. وقد غادر ستانلي في 11 نوفمبر 1874 باجامايو وسلك طريق طابورة ثم وصل في فبراير 1875 الى الشاطئ الجنوبي الشرقي لبحيرة فيكتوريا وقام بالملاحة فيها وزار عام 1875 الملك موتيسا في عاصمته الجديدة روباجا ثم عاد الى الركن الجنوبي الشرقي من البحيرة واثبت أن بحيرة فيكتوريا بحيرة واحدة متصلة كما ذكر سبيك وليست مجموعة من البحيرات الصغيرة كما ذكر لفنتجستون وبرتون. ثم وصل ستانلي الى بحيرة ألبرت وأكل استكشاف منابع النيل. ثم توجه جنوبا الى تنجانيقا ثم قام بعدة اكتشافات في نهر الكونغو (1).
وفي عام 1874 اكتشف الكولونيل الأمريكي شايي لونج بحيرة ابراهيم احدى البحيرات التي ينبع منها نهر النيل وهي الواقعة شمال بحيرة فيكتوريا وسماها باسم ابراهيم باشا والد الخديوي اسماعيل وكانت تسمى بحيرة كيوجا مما يدل على دور مصر الحضاري في هذه الجهات (2) هذا وقد ذكرها جورج سفانيفورت في خريطته التي وضعها باسم بحيرة ابراهيم. كما اكتشف مجرى الني لمن واروندجانيالي مرولي وفويره (3).
وكان كشف الغموض عن المسطحات المائية أولى الخطوات التي مهدت لاستعمار هذه المناطق.
هذا وقد ارتبط التنصير بالبعثات الكشفية فقد ظلت المناطق الداخلية من القارة مجهولة من قبل الاوربيين حتى تم استكشاف معالمها الجغرافية خاصة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وكان المنصرون هم الرواد الأوائل لحركة الكشف الجغرافي في أفريقيا الشرقية حيث سلكوا في توغلهم من الساحل الى الداخل طرق القوافل العربية واسترشدوا بادلاء من العرب والسواحيلية (1).
التزم المنصرون بخطة اثارة الأفارقة ضد العرب، سواء في شرق افريقيا في زنجبار أو في افريقيا الداخلية ووضعوا نصب أعينهم مقاومة الدين الاسلامي، والنفوذ العربي وعملت كل طائفة من المنصرين لتدعيم نفوذ ومصالح دولهم التي ينتمون اليها، كذلك مهدت البعثات الكشفية للدول الاوروبية وضع ايديها على المناطق الداخلية في أفريقيا (2).
ويمكننا لاقوم بأن أهم وأول الهيئات التنصيرية في شرق أفريقيا بصفة عامة كانت جمعية الكنيسة التنصيرية والتي تأسست في لندن عام 1799 باسم جمعية الارساليات الى أفريقيا والشرق وهي أول الهيئات البروتستانتية الانجليزية التي اهتمت بالتنصير في أفريقيا الشرقية والوسطى وأنشأت في راباي في عام 1844 أول مركز تنصيري في المنطقة بعد طرد البرتغاليين وكان مبعوثوها المنصر الألماني كراف (3) وبيمان وايرهادرت الذين كانوا يعملون لحسابها على الرغم من رعويتهم الألمانية (4).
وصل كراف زنجبار عام 1844 يحمل توصية من لورد ابردين وزير الخارجية البريطاني الى السيد سعيد بن سلطان الذي رحب به وزوده بتوصية الى ولاته بالساحل يدعوهم فيها الى تقديم المساعدة الى هذا الرجل الأبيض الذي جاء يدعو الله، ويعزى هذا الموقف من جانب السيد سعيد اما لاعتقاده بان المنصر الاوروبي لم يأتي الى أفريقيا الى لهداية القبائل الوثنية فحسب وليس لمحاربة الاسلام واعاقة انتشاره أو لرغبته في التودد للحكومة البريطانية ومحاولة استرضائها.
ولاشك أن توصية لسطان زنجبار كانت بالغة الاثر ولولاها ما استطاع كراف أن يحصل على مساعدة قاضي لامو المسلم في ترجمة الكتاب المقدس الى اللغة السواحيلية أو أن ينزل آمنا مطمئنا على حياته بأراضي قبيلة وانيكا الوثنية فيما رواء ممبسة. والتي كانت تدين بالولاء لزنجبار، وذلك بعد أن تعذر عليها مباشرة عمله وسط قبائل الجالا الصومالية (1).
ومنذ عام 1844 اتخذ كراف وزميلاه من ممبسة قاعدة للتوغل في الاقاليم الداخية وبحثو عن الاماكن التي تصلح لاقامة مركز للتنصير فأسسوا في راباي مركز للتنصير كما تجولوا في المنطقة في الفترة ما بين 1848-1849 هذا بينما كان ريبمان يسعى جاهدا لاكتشاف جبال كينيا خاصة كبيمناجارو (2).
بذل كراف جهادا كبيرا للاطاحة بالنفوذ العربي خاصة في شرق افريقيا ولكن رغم كل هذه الجهود لم يحقق مركز راباي للتنصير تقدما في أعماله وعجز عن جذب الأهالي اليه وذلك لأن التنصير في ساحل أفريقيا الشرقي لقى تحديا من جانب الاسلام، وقد عاد كراف الى اوروبا عام 1853 وتبعه ابرهارد وظل ريبمان بمفرده ثم عاد الى وطنه عام 1875 وتوقف النشاط التنصيري ابان العقد السادس الا أنه استؤنف بشكل جديد عقب زيارة فرير لزنجبار عام 1876 وانشئت جمعية الكنيسة التنصيرية بايعازه مستعمرة الرقيق المحررين في السهل الساحلي المقابل للمبسة واطلق عليها فريرتون نسبة اليه وتحت اشراف المنصر، ثم توالت البعثات الكشفية، ولعل أهممها بعثة ريتشارد بيرتون Richard Burton وسبيك Speke. وكان برتون ضابطا في الجيش الانجليزي اتقن اللغة العربية. وفي عام 1854 عمل في لندن، ثم قام بعدة رحلات الى شرق افريقيا بهدف الوصول الى النيل وفي عام 1856 اسندت اليه الجمعية الجغرافية اكتشاف ساحل أفريقيا الشرقي ومعه سبيك وفي عام 1857 وصلا زنجبار ونزلا عند الساحل الشرقي عند باجامايو ومنها توجها صوب الجنوب الغربي ومنها الى طابورة عام 1857 قرب بلدة اوجيجي. وعلما في طابورة بوجود ثلاث بحيرات عظمى هي نياسالاند وفيكتوريا و تنجانيقا. ثم استأنفا الرحلة فوصلا اوجيجي عند بحيرة تنجانيقا، والتي تم اكتشافها عام 1858. وتعتبر أول بحيرة يتم اكتشافها من تلك البحيرات الثلاث ثم عاد الى طابورة وعلما بأ، هناك بحيرة شمالا أعظم من تنجانيقا، فواصل سبيك الرحلة بمفرده بعد مرض برتون، ونجح في الوصول الى البحيرة وأطلق علهيا فيكتوريا نيانزا عام 1858. وقد سمع عن هذه البحيرة من التجار العرب فأكد بأنها منبع النيل ثم عاد الى زنجبار عام 1859 (1).
هذا وقد أثار نجاح سبيك حماس الجمعية الجغرافية فقررت ارساله في رحلة ثانية عام 1860 بصحبة ضابط من الجيش الهندي هو جيمس جرانت فوصلا الى زنجبار ومنه اتجها الى الشمال الغربي الى بحيرة فيكتوريا، وكان الهدف الرئيسي من الرحلة هو التأكد من خروج النيل من البحيرة وقد اتجها عبر نهر كاجيرا واخترقا مملكة كاراجوي في اوغنده فأحسن ملكها رومانيكا استقبالهما وديا. وألبغ موتيسا ملك اوغندا بوصولهما الى أراضيه فدعاهما لمقابلته، ووصل سبيك الى العاصمة باندا، فوجد أن سكان اوغنده على جانب كبير من الحضارة والتقدم، واكرم الملك موتيسا وفادته، وكان سبيك وجرانت هما أول من دخل مملكة اوغنده من الاوروبنيين. وهذا وقد حاول سبيك الافادة من الموقف فتحدث مع موتيسا عن المسيحية ومبادئها، ولكنه مني بخيبة أمل بسبب ميل الملك الى العرب والمسلمين، ولذلك قرر فور عودته ضرورة المطالبة بالقضاء على النفوذ العربي وارسال المنصرين الى اوغنده واتخاذها قاعدة للتوسع البريطاني في أفريقيا الوسطى (2).
واصل سيبك وجرانت الرحلة وطافا حول ساحل البحيرة الشمالي، حتى تتبعا مخرج نهر النيل من الجهة الشمالية حيث الشلالات التي أطلق عليها سبيك "شلالات ريبون" في يونيو 1862. ثم قصد في سبتمبر 1862 البريطاني بريس وبدأت أعمالهما في عام 1875.
وأخذ المنصرون يشجعون العبيد على الهرب من أسيادهم العرب، والالتجاء الى المستعمرة التي صارت تستقبلهم وتمنحهم حماية الجمعية ثم تقوم بتهيئتهم للخدمة عند الاوروبيين دون أجر أو بأجور زهيدة فاصبحوا أحرارا من الناحية النظرية واستقبلت المستعمرة الوافدين ليس فقط من ساحل القارة وانما من المناطق الداخلية ودعا فرير الى تعليم فرق من الافارقة وتهيئتهم كي يصبحوا كهنة فيكونوا أقدر على العمل التنصيري في المناطق الداخلية (1).
وجدير بالذكر أن الفرنسيين اسهموا في النشاط التنصيري وكما المنصرون الكاثوليك قد عملوا في زنجبار منذ عام 12860 ثم أنشأت جمعية الروح المقدسة عام 1863 مركزا تنصيريا دائما في زنجبار عرف باسم محطة او مركز الآباء السود وفي عام 1868 أنشأ آباء الروح المقدسة على الساحل مستعمرة العبيد المحررين (2).
ومضى المنصرون الفرنسيون في مزاولة أعمالهم ولقوا التشجيع من الأسقف شارل لافيجيري 1825-1892 الذي عمل كردينالا كما عمل أسقفا من قبل في الجزائر ووضع عام 1868 نظام الآباء البيض التنصيري ثم أخذ يدعو لشن حملة صليبية جديدة للقضاء على الاسلام. وفي 24 فبراير 1878 أصدر البابا ليو الثالث عشر مرسوما بانشاء اسقفيتين في أفريقيا الشرقية لتتوليا أعمال النصير وتختص أحداهما ببحيرة فيكتوريا والثانية ببحيرة تنجانيقا وان تكون هاتان الاسقفيتان تابعتين لاسقفية الآباء البيض في الجزائر برئاسة لافيجري (3).
استمر عمل الارساليات البريطانية رغم نشاط الارساليات الفرنسية ونجح ستانلي في زيارة الملك موتيسا ملك اوغندا عام 1875 الذي أحسن استقباله ويمكننا القول أن بعثات المنصرين بدأت تغزوا اوغندا بعد مقابلة ستانلي لموتيسا فطلب من بلاده ارسال المزيد من الارساليات التي مارست نشاطها في اوغنده، اونيورو، بوسوجا، تورو، والجون (4).
وهناك حقيقة هامة ينبغي ألا نغفلها وهي أن اوروبا راقبت بعين القلق والحسد نشاط مصر في أفريقيا وامتداد نفوذها في أفريقيا الوسطى فعملت على الحيلولة دون امتداد هذا النشاط جنوبا ولذلك لقيت دعوة ستانلي بارسال المزيد من البعثات لاوغنده تأييدا كبيرا وأقبل الشعب البريطاني على التبرع من أجل تاسيس ارسالية مسيحية في اوغنده فتم جمع أربعة وعشرين ألف جنيه ، وعرض المبلغ على جميعة الكنيسة التصنيرية في مقابل الزامها بارسال بعثتين الأولى في كاراجوي والثانية في اوغنده خاصة وأن شعب كاراجوي مسالم كما أن رومانيكا أكثر هدوءا من موتيسا.
وأوحت اللجنة بأن يسلك المنصرون طريق افريقيا الشرقية وأن يرسل كتابا الى جوردون لطلب مساعدته وأن يطلب حماية سلطان زنجبار لتأمين طريق الارساليتين حتى انيانيمبي وان تقدم الهدايا لموتيسا ورومانيكا (1).
تطوع للعمل كل من الضابط البحري شير جولد سميث والمهندس ألكسندر ماكاي والقس ويلسون والمهندس المعماري اونيل ، وجون سميث، وهو طبيب من أدنبره وفي 22 يونيو 1877 سمع موتيسا للبعثة بدخول ابلاد فكان سيرجولد سميث وويلسون أول من دخل المملكة من جمعية الكنيسة التنصيرية (2).
تمكنت الارساليات المسيحية سواء البروتستانتية أو الكاثوليكية خلال خميسن عاما من غرس المسيحية ونشر تعاليمها في جميع أنحاء البلاد وزاولت البعثات الانجليكانية نشاطها في اوغندا، بونيرو، تورو، بوسوجا، وألجون. أما البعثات الكاثوليكية الفرنسية ويمثلها جمعية الآباء البيض فقد مارست عهملها في بونيرو وتورو وبوجندا جنبا الى جنب مع الارساليات البروتستانتية (3).
No comments:
Post a Comment