د. سُليمان المحذوري
جريدة الرؤية؛ 24 سبتمبر 2017
لا يختلف اثنان على أنّ تاريخ أيّ بلد يُشكّل علامة فارقة في صناعة الحاضر، واستشراف المُستقبل، كما أنّه يُمثل إرثاً حضارياً تتكئ عليه الأمم في بناء غد أفضل لأجيالها. يقول د.علي الريامي في مقال منشور في "نشرة المسار" بجامعة السلطان قابوس 2010م: "إنّ التاريخ يُمثل ذاكرة الأمم والشعوب التي تُعنى بتسجيل التجربة الإنسانية بمختلف أبعادها، وتوجهاتها في لحظات الانتصار والانكسار، كما تحفظ لنا الإرث الحضاري للإنسان". ويُضيف "ما من أمة من الأمم إلا وتحرص على تسجيل تاريخها بشكل أو بآخر خلال مختلف الفترات التاريخية التي تمر بها صعوداً وهبوطاً، نجاحاً وإخفاقاً؛ حتى تتمكن الأجيال المتعاقبة من استلهام التجارب البشرية في مختلف أوجه نشاطاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية فتستفيد منها في صنع حاضرها والتخطيط لمستقبلها". ويقول الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل "الاهتمام بالسياسة فكراً وعملاً يقتضي قراءة التاريخ أولاً، لأنّ الذين لا يعلمون ما حدث قبل أن يولدوا، محكوم عليهم أن يظلوا أطفالاً طول عمرهم".
ومن هذا المنطلق فإنّ عُمان لا تُعد استثاءً من هذه القاعدة، وعند النظر للتاريخ العُماني تقفز إلى الذهن حقيقة لا ينبغي تجاهلها وهي أنّ تاريخ عُمان خلال الحقب التاريخية المختلفة يُعد جزءاً لا يتجزأ من تاريخ الأمة العربية والإسلامية، كما لا ينبغي إغفال الامتداد الزماني والمكاني لعُمان. وبالتالي فإنّه يحق للعُمانيين كما يحق لغيرهم الاعتزاز بتاريخهم وحضارتهم. فالتاريخ العُماني ضارب بجذوره في عمق التاريخ، كما أنّه يعجّ بالمواقف المشرّفة، والسير الخالدة، والشخصيات البارزة في شتى المجالات والتي كان لها إسهام لا يُنكر عربياً وإسلامياً. كما أنّه لا يُمكن استبعاد أي حقبة تاريخية من حياة الأمم بشؤونها وشجونها؛ لأنها جزء من تاريخها كما يذكر ذلك د.حامد عمار في معرض تقديمه لكتاب "قيادة المجتمع نحو التغيير". وعليه؛ تؤكد مؤلفة هذا الكتاب منى جعبوب "إن الأمم التي لا تدرس تجاربها وتحفظها للأجيال القادمة تكرر أخطاءها باستمرار، وتصبح عجلة تقدمها بطيئة جداً حين تتحرك".
ومن جهة أخرى ينبغي أن يؤخذ في الحسبان كذلك عند قراءة التاريخ - خاصة من قبل المشتغلين بالتاريخ والباحثين - كما تذكر إسراء النجار في مقالها المنشور في "نشرة المسار" "إنّ التاريخ ابتلي بمدونين يفتقدون إلى قواعد ومنهجية البحث العلمي التاريخي من لدن نفر دخل صناعة التاريخ وهو لا يملك القدرات التي تؤهله أن يكون مؤرخاً؛ فأغراه الكسب المادي، فصار يُفسّر الأحداث التاريخية على هواه، ويطرح اجتهادته الشخصية وفق انتمائه السياسي لا التاريخي على حساب الأمانة التاريخية. فاصطنع هؤلاء تاريخاً لا صلة له بالحقيقة التاريخية". وطائفة أخرى كتبت إما طمعاً في المراتب والثناء والتزلف للسلطة، أو بدافع أهواء شخصية لبطلان حق وإثبات باطل كما يذكر الريامي.
حدّثني أحد الإخوة العراقيين عمّا آلت إليه العراق جراء الأحداث العصيبة التي مرت بها، وركزّ في موضوعه على نقطة في غاية الأهمية وهي اجتثاث حضارة العراق؛ وذلك بتدمير المتاحف وسرقة الآثار وغيرها من المُمارسات في محاولة لفصل الإنسان العراقي عن حضارته وهذا ما يحدث في بلدان عربية أخرى؛ إلا أنّه أردف أنّ العراق بلد ذو حضارة راسخة وبالتالي مهما حدث سينهض من كبوته يوماً ما. أذكر ذات يوم عندما دخلت لتدريس إحدى الشعب مادة تاريخ عُمان والحضارة الإسلامية في مؤسسة أكاديمية حكومية سألت الطلاب في أول يوم دراسي ما أهمية هذه المادة؟ فلم يجب على هذا السؤال إلا طالبين فقط؛ بل إنّ أغلب الطلاب كان يرى بأنّ هذه المادة عبئاً دراسياً عليهم كما أنّها ليست لها علاقة بتخصصاتهم الدراسية!.
واستناداً إلى ذلك فإني أخلص إلى نتيجة مفادها أهمية تعليم الناشئة لتاريخ وطنهم والاعتزاز برموزه وبجرعات مُناسبة؛ وذلك من أجل غرس روح الانتماء لديهم، وتوثيق وتمتين العلاقة تجاه الأرض التي ينتمون إليها، وتالياً تحقيق المواطنة الصالحة. ومن خلال الاطلاع على المناهج الدراسية الحالية أرى بأنّها تحتاج إلى مراجعة شاملة لتشريبها تاريخ عُمان وحضارتها وبقدر مُناسب مع مراعاة الحقب الزمنية المختلفة حتى تتكون لدى الطالب صورة ذهنية متكاملة عن تاريخ وطنه؛ مع الأخذ في الحسبان طريقة تقديم المعلومة بأساليب تتناسب مع هذه الأجيال. ولتحقيق هذه الغاية لا مناص من وجود خطة وطنية ذات أهداف استراتيجية، وعمل ممنهج لتتكامل الجهود بين الجهات المسؤولة عن التعليم أولاً منذ المراحل الأولى وحتى الجامعية، إلى جانب الإعلام والجهات المسؤولة عن الثقافة ثانياً، وكذلك المتاحف - مع أهمية كونها متاحف تفاعلية جاذبة لا مجرد مكان لعرض المقتنيات والتحف - وغيرها من الجهات ذات العلاقة بهذا الموضوع.
مع ضرورة الانتباه إلى أنّ هذا الأمر لا يعني أن تتجه البوصلة لصناعة جيل مُخدّر بالماضي يعيش على اجترار أمجاده والتغني بالأسلاف وما حققوه؛ دون النظر إلى حاضره ومستقبله لأنه حتماً سيفوته القطار؛ وإنما يجب أن نضع نصب أعيننا أننا ندرس التاريخ من أجل أن نتكئ على دعامة قوية لفهم الحاضر بشكل أفضل، والانطلاق نحو المستقبل بثقة وعزم.
No comments:
Post a Comment