أثير – تاريخ عُمان
إعداد: نصر البوسعيدي
يسطّر التاريخ بطولات، وأمجاد العمانيين في كل زمان ومكان ، فمنهم من وثقت سيرته، ومنهم من لم توثق للأسف.
نتحدث هنا في هذا الموضوع عن ذلك العماني الذي أبهر بشجاعته قيصر ألمانيا الذي بادر إلى تكريمه بدل التنكيل به، وهو المطلوب إعدامه من قبلهم نتيجة شجاعته ،وقيادته للمعارك ضد المستعمر الألماني في أفريقيا.
هنا نعرض لكم سيرة الشيخ محمد بن خلفان البرواني الذي عرف بالشجاعة ،والإقدام، والشهامة ، فقد اشتهر بمحاربة الإستعمار ومقاومته لفترات طويلة هناك في أفريقيا ، فقد قاد المعارك بالتعاون مع قبيلة وامانيما في حربها ضد المستعمر البلجيكي في الكونغو ، كما حارب بضراوة المستعمر الألماني في البر التنزاني بإيرينغا برفقة صديقه الزعيم الأفريقي مكواوا ، فقد اشتهر البرواني في هذه المعركة بدقته الفائقة في الرماية ، فقتل منهم الكثير، وتذكر المصادر التاريخية انه وفي هذه الحرب تمكّن البرواني من قتل قناص ألماني في تلك المعركة ، وهو خلف ستار لا يوجد فيه إلا ثقب واحد فقط يتيح للألماني تمرير فوّهة ماسورة بندقيته، فتصدى له الشيخ محمد، وأطلق عليه طلقة نارية واحدة في ذلك الثقب من مسافة بعيدة تمكن من خلالها قتل القناص الألماني.
وفي هذه المعركة تفوّق الألمان على الأفارقة بقيادة زعيمهم مكواوا الذي طلب بدوره من بطلنا العماني الهروب لعدم الجدوى من إكمال معركة خاسرة أمام الألمان بأسلحتهم الثقيلة ، فرفض البرواني ذلك، وقال : ” إنكم أكرمتموني هنا، وأنا في ضيافتكم، وإذا ما كان للموت بدّ ، فالواجب يحتّم عليّ أن أقاتل معكم هنا حتى الموت “ ولكن الزعيم مكواوا أرغمه على الرحيل ليتفاجأ الشيخ محمد بعد ذلك بدويّ إنفجار شديد تبين فيما بعد بأنه يخص ميكواوا الذي فجّر نفسه هو وأتباعه في مستودع السلاح والذخيرة وذلك تماشياً مع عادات قبيلة الواهة التي يتزعمها والتي كانت تفضل الموت عن الإستسلام للعدو.
ليواصل البرواني بعدها رحلته في مقاومة الإستعمار الألماني مع بعض القبائل الأفريقية ، ولكن رغم ذلك سيطرة ألمانيا بقوة بطشها على تنجانيقيا وبعدها طلبت وبشكل رسمي من سلطان زنجبار السيد خليفة بن سعيد بن سلطان ( 1888 – 1900م ) أن يسلمها الشيخ محمد البرواني على اعتباره مجرم حرب قتل الكثير من الجنود الألمان ، وقد استدعى السلطان خليفة الشيخ محمد البرواني ليخبره بالأمر حيث قال السلطان ” إنني لن أسلمك عنوة للألمان ، لأنه من المحتمل أن يقتلوك ومع ذلك فإذا رفضت طلب الألمان فإنهم قد يقصفوننا ببوارجهم الحربية ومهما كانت الأحوال والعواقب فلن أسلمك للألمان رغماً عن إرادتك “.
وفي هذا الموقف لم يرض الشيخ محمد البرواني أن يعرّض أمن بلاده للخطر والقصف فقرّر أن يسلم نفسه للألمان رغم أنهم قد أعدموا صديقه بالمقاومة العماني بشير بن سالم الحارثي في عام 1889م ، ولكنّ بطلنا العماني الملقّب بـ”روماليزا” لم يكن يهاب الموت، فقرّر أن يواجه الألمان بنفسه ، فسافر إلى تنجانيقيا ودخل مقر قيادة الجيش الألماني حتى تفاجأ قائد الجيش بجنوده وهم يخبرونه برغبة البرواني بمقابلته لدرجة أن الربكة كانت حاضرة لدى القائد الالماني الذي لم يكن يتوقع أن تصل درجة شجاعة هذا العماني إلى هذا المستوى ، وبدلا من إعتقاله وإعدامه أو التنكيل به، استقبله استقبال الأبطال وأبدى له إعجابه بقيادته للجيوش المقاومة لهم وبشجاعته الفائقة ومهارته العالية بالرماية، وبعد فترة وجيزة من هذا اللقاء، قرر قيصر ألمانيا إهداء البرواني مسدساً مزخرفاً رمزا للإعجاب بشجاعته ليعود الشيخ محمد إلى زنجبار مرفوع الرأس معززاً مكرّماً بشجاعته التي عرف بها طوال حياته.
*المرجع : زنجبار شخصيات وأحداث (1828 – 1972 م ) ، ناصر بن عبدالله الريامي ، دار الحكمة لندن ، الطبعة الأولى 20099م .
No comments:
Post a Comment