ناصر اليحمدي
جريدة الوطن: ملحق أشرعة 15 ديسمبر 2009م
كان مرتبا لهذا الحوار مع أحمد اللمكي ـ المنجز عام 1991 ـ
باعتباره صحفيا بارزا في زنجبار، فالرجل رأس تحرير "الفلق"، ثاني جريدة تصدر باللغة
العربية بعد "النجاح" (1911) فـ"النهضة" ثم محررا في "المرشد". وكان يكتب باللغات
الثلاث السائدة هناك: العربية والسواحيلية والانجليزية. لكن الرجل وقد تحددت
توجهاته السياسية قبل اشتغاله بالصحافة؛ كان لابد للحوار أن يستفيد من تواجد اللمكي
وسط الحركة الوطنية في زنجبار. حينما أفرغت التسجيل؛ اكتشفت أن تداعيات اللمكي ـ
الشاهدة ـ على الصراع الأيديولوجي، للنخبة، الزنجباريين؛ بحاجة لمفاتيح على الهامش،
لم تكن متوفرة وقتها. أما اليوم، وقد نشرت مجموعة دراسات وشهادات أمينة، عن زنجبار؛
يليق بالصحفي والسفير، الاستاذ أحمد اللمكي، أن نستمع إلى شهادته، التي لن يقرأها
أبدا، برحيله الأبدي عام 1997.
** بدأت الحكاية في لندن، يقول اللمكي.
** كنا
مجموعة من الشباب ندرس هناك، معظمهم من أصل عماني، وقلة جدا سواحيليون. كان عددنا
يزيد على مائتي شخص. دعوتهم للاجتماع بمنزل رمضان حسن، كان مقيما يعمل هناك. بعضنا
كانوا بحارة، وهناك من يعمل في الإذاعة البريطانية. بعض الحاضرين؛ علي سعيد وعمر
زهران... كانوا من كبار موظفي الحكومة في زنجبار. أسفر اجتماعنا عن تكوين جمعية
الزنجباريين (1952). أخذنا نراسل جميع الجمعيات في زنجبار، متطلعين لدمج الجمعيات
في واحدة. كان لصوتنا هناك صدى وقوة. أول ردة فعل من الحامية البريطانية أن أصدرت
قرارا بمنع جميع موظفي الحكومة من الانتماء إلى عضوية الجمعية.
** 1953 عدت إلى
زنجبار ودعوت قادة الجمعيات. كان هناك عبيد كرومي، سيصبح رئيس زنجبار، ثابت كومبو،
زعيم الحزب الوطني الزنجباري. عقدنا اجتماعنا لنسيان الفوارق الطائفية، وتنظيم
جهودنا ضد المستعمر. كونا الاتحاد الوطني الزنجباري، وهذه المرة حاولت الحامية
البريطانية إقناع رؤساء الجمعيات والأعيان بأن الشيوعية وراء هذا التجمع. ثم بثت
دعاية مفادها أن العرب يتطلعون للقيادة. واستطاعت فعلا عزل الأفارقة والشيرازيين
عنا. كما تراجع بعض الهنود، وانشلت الحركة.
** عام 1954 كون بعض العرب
والشيرازيين: الحزب الوطني الزنجباري ـ أول حزب سياسي، ومنظم مظاهرة 1955 المطالبة
بالجلاء ـ في نفس الفترة؛ صودرت جريدة "الفلق"، رأست تحريرها (1953 - 1954) بتهمة
التأليب ضد الحكومة في زنجبار وأقطار أفريقية أخرى للمقالات المنشورة. وادينت
اللجنة التنفيذية للجمعية العربية التي كنت سكرتيرها، وحكم علي بغرامة (12 ألف
شلنج) أو السجن 4 سنوات. لكن الجمعية العربية دفعت الغرامة. طلب منا السلطان خليفة
بن حارب أنا واللجنة التنفيذية أن نعتذر للمقيم البريطاني عما كتبته، قلت: أعتذر لك
أيها السلطان، لا للمقيم. قال: أموافق أنت على ما كتبته؟ قلت: نعم. وتركنا نخرج.
وبقيت تحت الإقامة الجبرية 9 أشهر.
** كنا نلتقط أخبار العالم عن طريق المذياع.
ومراسلونا كانوا متعاونين، مثلما نعمل نحن، فقد كنا نعتمد على تمويل الجمعيات، كل
الجرائد وإلا فإنها لن تستمر. اقترحت العمل على تحرير "الفلق" بثلاث لغات: العربية
والسواحيلية والانجليزية، وهو نفس النمط الذي اتخذته مع جريدة المرشد فيما
بعد.
** في العيد 25 لـ"الفلق" أصدرت حوالي 80 صفحة منها، ومطبعتها لا تحتمل هذا
القدر. اتفقت مع الجريدة الهندية (زنزبار فويس) مساعدتنا في طبع بعض الصفحات كنوع
من التعاون بيننا، وهذا ما تم فعلا وبلا مقابل. كانت الفلق تصدر 600 نسخة، ثم
أصبحنا نصدر حوالي 2600 مع نهاية عام 1953. وقبل الظهر لا تجد نسخة واحدة، تباع
جميعها في الساعات الأولى من الصباح الزنجباري، لدرجة أن بعض عمال المطبعة كانوا
يخفون نسخا ويبيعونها لحسابهم الخاص.
** تلاحظ أنني ضعيف في النحو، لقد كانت
مقالاتي تراجع لغويا.
** كانت صحافتنا تصل عمان عن طريق البريد. لنا اشتراكات
كثيرة هناك.
كجريدة، لم تكن لنا اتصالات مع الإمام.
** نعم، كان المفهوم
لدينا في زنجبار أن الإمام يختص الشؤون الدينية، بينما سياسة عمان من اختصاص
السلطان سعيد بن تيمور.
** هاشل المسكري كان يزور عمان سنويا، وما كتبه حول
الارتباك السياسي والاجتماعي كان يلمسه عن قرب.
** لا أعتقد أن الإمام الخليلي
لم يطلع على جرائد زنجبار، وإذا ما قرأ كتابات المسكري ولم يحتج على اعتباره إياه
إماما دينيا فقط؛ دون سلطة سياسية؛ فمرد ذلك، قد يكون، لعدم وضوح هذه المفاهيم في
داخل عمان وقتها. إذ ما يهمهم كان تحقيق العدالة السماوية. (1).
** في أول حكومة
بعد الاستقلال (10 - 12 - 1963) التي رأسها محمد شمتي حماد، عينت سفيرا للشرق
الأوسط مقيما في القاهرة. كانت لنا خمس سفارات فقط: الهند، القاهرة، لندن، مندوبنا
في هيئة الأمم، وأندونيسيا بحكم تجارتنا في القرنفل.
** كانت الجزائر تمد
المساعدة لثوار أنجولا، الحركة متمركزة في دار السلام. كمبونا وزير خارجية
تانجانيقا هو المشرف على مساعدات تحرير أنجولا. في 8 يناير 1964 وصلت دار السلام
السفينة ابن خلدون محملة بالسلاح. وبواسطة كمبونا ونيريري؛ نقل بعض السلاح على
مراكب صيد لإسقاط الحكومة الوطنية في زنجبار، فكانت المجزرة ليلة 12 يناير 1964.
وقد أعلمت الأخضر الابراهيمي سفير الجزائر في القاهرة وقتها. اندهش، ولما سأل
الحكومة الجزائرية أعلم بحقيقة ما جرى فعلا، وهو ما أزعجه تماما؛ كيف نرسل السلاح
لحركة التحرير فيستعمل ضد العرب؟!
** نعم كانت لدي نسخة من تقرير (بيني) يثبت أن
تأسيس حزب الأفروشيرازي من عمل الإنجليز لخلق معارضة للحزب الوطني.(2).
هامش:
(1) .. إننا نستعطف عظمة السلطان سعيد لجمع شمل
الأمة العمانية.. فوجود حاكم ديني في داخل القطر ضروري لكف الفتن الداخلية ولإقامة
الأحكام الشرعية بين القبائل.. جريدة "الفلق"، 29 يوليو 1939، ص2 ، مقالة كتبها
هاشل المسكري.
(2) تقرير بيني عن انتخابات 1957 أتلفته الحكومة البريطانية، قال
فيه: نظرا لوجود حزب سياسي واحد في زنجبار وهو الحزب الوطني المعروف بعدائه
لبريطانيا رأت الحكومة البريطانية ضرورة إيجاد حزب منافس قبل إجراء الانتخابات،
فرحبت وشجعت بفكرة تأسيس حزب الأفروشيرازي. زنجبار عبر التاريخ، فرحان عبيد، ص
20.
* إبراهيم اليحمدي
* اعلامي عماني
No comments:
Post a Comment